قواعد التصوف احمد زروق 7
الأخذ بما قبلته القواعد وإن لم يصح متنه مادام له أصل من الدين
الفقيه يعتبر الحكم بأصله ومعناه، وقاعدة بابه، إلا لنص في عينه، بنفي أو ثبوت. فهو يأخذ بما قبلته القواعد وإن لم يصح متنه، ما لم يكن له معارض، فمن ثم قبل ابن حبيب وغيره من الأئمة ما له أصل من الدين في الجملة، ولا معارض له ولا ناقض، كسائر الفضائل من المندوبة والرغائب التي ليس فيها زيادة كيفية، ولا معارضة أصل، ولا إشعار بالابتداع كصوم الأيام السبعة، والقراءة عند رأس الميت، سورة (يس) وتفاضل الجماعات بالكثرة ونحو ذلك مما رغب في أصله في الجملة
وضعف الترغيب في عينه ونحوه لابن عربي في الأذكار، والله أعلم.
قاعدة 69
المحدث يعتبر الحكم بنصه ومفهومه إن صح نقله
المحدث يعتبر الحكم بنصه ومفهومه إن صح نقله. فهو يقف عند ما انتهى إليه صحيحاً أو حسناً، أو ضعيفاً إن تساهل لا موضوعاً، وإن اقتضته القواعد. بل قال الشيخ البلالي رحمه الله: (تحرم رواية الموضوع مع العلم به إلا مبيناً، والعمل به مطلقاً). ومنه صلاة الرغائب، والأسبوع، وما يروى عن أبي بن كعب في فضائل السور، سورة سورة. وأخطاء من ذكره من المفسرين، وبالمنع في صلاة الرغائب أفتى النووي، وابن عبد السلام وغيرهما من الشافعية، والطرطوشي من أهل مذهب مالك، وصرح به ابن العربي، وهو مقتضى المذهب على ما قاله ابن الحاج وغيره، والله أعلم.
قاعدة 70
الرياضة تمرين النفس لإثبات حسن الأخلاق ودفع سيئها
الرياضة تمرين النفس لإثبات حسن الأخلاق، ودفع سيئها وبهذا الوجه اختصاص عمل التصوف. وأخذه من كتب السّلمي أقرب لتحريره وتحقيقه وتحصيله لدومة تقدير تأصيله، والإيماء لتفصيله. بخلاف رسالة القشيري، فإن ذلك منها متعذر، لأن مدارها على الحكايات، وما خف من الأحكام من غير تأصيل. وكل منهما متعذر السلوك، تحقيقاً لثلاثة أوجه:
أحدها: عدم الانضباط لها، لتلفت النفس وعدم انضباطها لفقد تحقيق الأصل.
الثاني: أنه يحتاج في سلوك المميز، من أخ بصير صالح، أو شيخ محقق ناصح، يبصر بالعيوب، وينبه على موارد الغلط واللبس.
الثالث: إن وقعت السلامة فيها، فالسلامة من الدعوة معها متعذر لنظر صاحبها لنفسه فيما دفع أو جلب، وهو أمر لا يمكن دفعه إلا بشيخ، فلذلك اشترط أهلها وجوده فيها، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 71
الفرق بين الناسك والعابد والورع والزاهد والعارف والمريد
النسك: الأخذ بكل ممكن من الفضائل، من غير مراعاة لغير ذلك. فإن رام التحقيق في ذلك فهو العابد. وإن مال إلى الأخذ بالأحوط فهو الورع. وإن آثر جانب الترك طلباً للسلامة فهو الزاهد. وإن أرسل نفسه مع مراد الحق فهو العارف، وإن أخذ بالتخلق والتعلق فهو المريد.
وكل هذه قد توجه الكلام عليها في القوت، والأحياء. فباعتبار الأول اعتمد نقل الفضائل جملة وتفصيلاً بأي وجه أمكن، وكيف أمكن ما لم تعارض سنة، أو تنقض قاعدة ، أو تقم بدعة، أو تدفع أصلاً، أو ترفع حكماً، حتى قالا بكثير من الموضوعات والأحاديث الباطل إسنادها، كصلاة الرغائب والأسبوع وأدعية وأذكار لا أصل لها، كأذكار الأعضاء في الوضوء ونحوه. وباعتبار الكل رغبوا ورهبوا بنحو ذلك، ولهم فيه أدلة معلومة، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 72
الحكيم ينظر في الوجود من حيث حقائقه والمنطقي يشير لأصله
الحكيم ينظر في الوجود من حيث حقائقه، ويتطلب حقائقه من حيث انتهى إليه فهو قائم بالتتبع. وذلك مخل بالاتباع إلا في حق ذي فطرة سليمة، وأحوال مستقيمة، وفكرة قويمة، فيتعذر السلوك عليه لعوام الخلق.
المنطقي يشير لأصله، إذ يروم تحقيق المعقولات، فيحجب بالمقولات تفريطاً أو إفراطاً، فليجتنب كلاً منهما لبعد أصله في العموم، ولا ينظر كلامه إلا لتحقيق ما عند غيره بإرجاع ما يؤخذ منه لغيره، لا الغير إليه، وإلا فلا سلامة، نسأل العافية.
قاعدة 73
لا بد من شيخ كامل في إدخال الخواص التي تقتضي تقوية النفوس
اعتبار الطبيعي ما في النفوس أصلاً، وإدخال ما يقتضي تقويتها من الخواص فرعاً يحتاج لغوص عظيم وبصيرة نافذة وعلم جم، إذ منها ما يخص ويعم، ومنها ما هو أخص من الأخص، فلا بد من شيخ كامل في هذه. ومن ثم قيل: باين البوني وأشكاله، ووافق خير النساج وأمثاله، وما ذاك إلا لما فيها من الخطر، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 74
الأخذ بما يلائم الطبائع في السلوك
مدار الأصولي على تحلية الإيمان بالإيقان وتحقيق اليقين، حتى يكون في معد العيان، بأن ينشأ عن تحققه، تمكن الحقيقة من نفسه، حتى يقدم ويحجم لما قام به من الحقيقة من غير توقف ولا تكلف، ويكون سلوكه فيما يحقق لما تحقق وبذلك ينشرح صدره أولاً وآخراً فيصل في أقرب مدة، إذ من سار إلى الله من حيث طبعه، كان الوصول أقرب إليه من طبعه، ومن سار إلى الله بالبعد من طبعه كان وصوله على قدر بعده عن طبعه.
ومن هذا الوجه قال في التاج: (لا تأخذ من الأذكار إلا ما تعينك القوى النفسانية عليه بحبه). وقال أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: (الشيخ من دلك على راحتك لا على تعبك).
وقال الشيخ أبو محمد عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه لما سأله الشيخ أبو الحسن عن قوله صلى الله عليه وسلم: (يسّروا ولا تعسّروا ) يعني: (دلوهم على الله، ولا تدلوهم على غيره، فإن من دلك على الدنيا فقد غشك، ومن دلك على العمل فقد أتعبك، ومن دلك على الله فقد نصحك). انتهى.
قاعدة 75
الشاذلية أقرب الطرق للجادة وأبعدها من الدعوى وأيسرها للسلوك
أقرب الطرق للجادة وأبعدها من الدعوى، وأيسرها للسلوك، وأمسكها بالسنة طريق الشاذلية، إذ لا ترتيب فيها ولا تركيب، وإنما هي التحقيق باتباع السنة وشهود المنة، والتحقق في صحبة المشايخ بصدق الهمّة، فعليكم بها فإنها طريق الحق بلا غلط، ومسلك التحقيق بلا مغالطة، وتعين عليها الطباع لوجود أصلها عندها وهي العبودية التي لا تعب فيها، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 76
تشعب الأصل قاض بالتشعب في الفرع
تشعب الأصل قاض بالتشعب في الفرع، وكل طريق القوم لم يرجعوا بها لأصل واحد، بل لأصول غير شاذلية فإنهم بنوها على أصل واحد، هو إسقاط التدبير مع الحق فيما دبره من القهريات والأمريات ففروعهم راجعة لاتباع الكتاب والسنة، وشهود المنة، والتسليم للحكم بملاحظة الحكمة. وهذه نكتة مذاهب القوم وحولها يحومون، لكنهم لم يصرحوا بوجهها كهذه الطائفة. ومن ثم قال ابن عطاء رضي الله عنه في التنوير: ما في كتب الصوفية المطولة والمختصرة مع زيادة البيان واختصار الألفاظ. قال: "والمسلك الذي يسلك فيه، مسلك توحيدي لا يسع أحدا إنكاره، ولا الطعن فيه، ولا يدع للمتصف له صفة حميدة إلا أكسبه إياها، ولا صفة ذميمة إلا أزالها عنه وطهره منها". انتهى. وإنه لكما قال رحمه الله.
قاعدة 77
النظر في كتب التصوف وما يتشعب فيها مفيد لمن له أصل يرجع إليه
اتساع الكلام وتشعبه في الأصل والفرع، مفيد لمن له أصل يرجع إليه به وإن كان مشوشا لغيره، فنظر المتسعات كالقوت (كتاب قوت القلوب لأبي طالب مكي)، والإحياء (كتاب إحياء علوم الدين) ونحوهما، نافع لمن له طريق يقتفيها بعلم أو عمل أو حال، فيما هو به سيما وهما مليان بتعريف النفوس ومشاكل إشكالها، وما هي عليه من تدقيق النظر في نوازل المعاملات والإشارة لوجوه المواصلات، وتحقيق ما وقع، وبيان النافع والأنفع، فهما وإن لم يكن فيهما للمريد ولا للعالم طريق التحقق والتحقيق.
والأول في القوت أكثر منه في الإحياء، والثاني في الإحياء أكثر منه في القوت. فلذلك قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: كتاب قوت القلوب، يورثك النور، وكتاب إحياء علوم الدين يورثك العلم. انتهى
وما جرا مجراهما فهو على حكمهما، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 78
مدار كل من علم الوعظ والتذكير وعلم المعاملات والعبودية وعلم المكاشفة
العلم إما أن يفيد بحثاً على الطلب وحثاً عليه، وإما أن يفيد كيفية العمل ووجهه، وإما أن يفيد أمرا وراء ذلك خبرياً يهدي إليه.
فالأول: من علوم القوم، علوم الوعظ والتذكير.
والثاني: علم المعاملات والعبودية.
والثالث: علم المكاشفة.
فالأول: دائر على قوله تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. هذه لقوم، وهذه لقوم، كل على حسب قبوله.
والثاني: دائر على قوله تعالى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
والثالث: راجع لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. ومن عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم.
وإن كان: "إنما العلم بالتعلم" ففي الأصل لا في الفرع. ومن ثم قال أبو سليمان:"إذا اعتادت النفوس ترك الآثام جالت في الملكوت، ورجعت إلى صاحبها بطرائف الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علما، والله سبحانه أعلم. انتهى.
الفقيه يعتبر الحكم بأصله ومعناه، وقاعدة بابه، إلا لنص في عينه، بنفي أو ثبوت. فهو يأخذ بما قبلته القواعد وإن لم يصح متنه، ما لم يكن له معارض، فمن ثم قبل ابن حبيب وغيره من الأئمة ما له أصل من الدين في الجملة، ولا معارض له ولا ناقض، كسائر الفضائل من المندوبة والرغائب التي ليس فيها زيادة كيفية، ولا معارضة أصل، ولا إشعار بالابتداع كصوم الأيام السبعة، والقراءة عند رأس الميت، سورة (يس) وتفاضل الجماعات بالكثرة ونحو ذلك مما رغب في أصله في الجملة
وضعف الترغيب في عينه ونحوه لابن عربي في الأذكار، والله أعلم.
قاعدة 69
المحدث يعتبر الحكم بنصه ومفهومه إن صح نقله
المحدث يعتبر الحكم بنصه ومفهومه إن صح نقله. فهو يقف عند ما انتهى إليه صحيحاً أو حسناً، أو ضعيفاً إن تساهل لا موضوعاً، وإن اقتضته القواعد. بل قال الشيخ البلالي رحمه الله: (تحرم رواية الموضوع مع العلم به إلا مبيناً، والعمل به مطلقاً). ومنه صلاة الرغائب، والأسبوع، وما يروى عن أبي بن كعب في فضائل السور، سورة سورة. وأخطاء من ذكره من المفسرين، وبالمنع في صلاة الرغائب أفتى النووي، وابن عبد السلام وغيرهما من الشافعية، والطرطوشي من أهل مذهب مالك، وصرح به ابن العربي، وهو مقتضى المذهب على ما قاله ابن الحاج وغيره، والله أعلم.
قاعدة 70
الرياضة تمرين النفس لإثبات حسن الأخلاق ودفع سيئها
الرياضة تمرين النفس لإثبات حسن الأخلاق، ودفع سيئها وبهذا الوجه اختصاص عمل التصوف. وأخذه من كتب السّلمي أقرب لتحريره وتحقيقه وتحصيله لدومة تقدير تأصيله، والإيماء لتفصيله. بخلاف رسالة القشيري، فإن ذلك منها متعذر، لأن مدارها على الحكايات، وما خف من الأحكام من غير تأصيل. وكل منهما متعذر السلوك، تحقيقاً لثلاثة أوجه:
أحدها: عدم الانضباط لها، لتلفت النفس وعدم انضباطها لفقد تحقيق الأصل.
الثاني: أنه يحتاج في سلوك المميز، من أخ بصير صالح، أو شيخ محقق ناصح، يبصر بالعيوب، وينبه على موارد الغلط واللبس.
الثالث: إن وقعت السلامة فيها، فالسلامة من الدعوة معها متعذر لنظر صاحبها لنفسه فيما دفع أو جلب، وهو أمر لا يمكن دفعه إلا بشيخ، فلذلك اشترط أهلها وجوده فيها، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 71
الفرق بين الناسك والعابد والورع والزاهد والعارف والمريد
النسك: الأخذ بكل ممكن من الفضائل، من غير مراعاة لغير ذلك. فإن رام التحقيق في ذلك فهو العابد. وإن مال إلى الأخذ بالأحوط فهو الورع. وإن آثر جانب الترك طلباً للسلامة فهو الزاهد. وإن أرسل نفسه مع مراد الحق فهو العارف، وإن أخذ بالتخلق والتعلق فهو المريد.
وكل هذه قد توجه الكلام عليها في القوت، والأحياء. فباعتبار الأول اعتمد نقل الفضائل جملة وتفصيلاً بأي وجه أمكن، وكيف أمكن ما لم تعارض سنة، أو تنقض قاعدة ، أو تقم بدعة، أو تدفع أصلاً، أو ترفع حكماً، حتى قالا بكثير من الموضوعات والأحاديث الباطل إسنادها، كصلاة الرغائب والأسبوع وأدعية وأذكار لا أصل لها، كأذكار الأعضاء في الوضوء ونحوه. وباعتبار الكل رغبوا ورهبوا بنحو ذلك، ولهم فيه أدلة معلومة، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 72
الحكيم ينظر في الوجود من حيث حقائقه والمنطقي يشير لأصله
الحكيم ينظر في الوجود من حيث حقائقه، ويتطلب حقائقه من حيث انتهى إليه فهو قائم بالتتبع. وذلك مخل بالاتباع إلا في حق ذي فطرة سليمة، وأحوال مستقيمة، وفكرة قويمة، فيتعذر السلوك عليه لعوام الخلق.
المنطقي يشير لأصله، إذ يروم تحقيق المعقولات، فيحجب بالمقولات تفريطاً أو إفراطاً، فليجتنب كلاً منهما لبعد أصله في العموم، ولا ينظر كلامه إلا لتحقيق ما عند غيره بإرجاع ما يؤخذ منه لغيره، لا الغير إليه، وإلا فلا سلامة، نسأل العافية.
قاعدة 73
لا بد من شيخ كامل في إدخال الخواص التي تقتضي تقوية النفوس
اعتبار الطبيعي ما في النفوس أصلاً، وإدخال ما يقتضي تقويتها من الخواص فرعاً يحتاج لغوص عظيم وبصيرة نافذة وعلم جم، إذ منها ما يخص ويعم، ومنها ما هو أخص من الأخص، فلا بد من شيخ كامل في هذه. ومن ثم قيل: باين البوني وأشكاله، ووافق خير النساج وأمثاله، وما ذاك إلا لما فيها من الخطر، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 74
الأخذ بما يلائم الطبائع في السلوك
مدار الأصولي على تحلية الإيمان بالإيقان وتحقيق اليقين، حتى يكون في معد العيان، بأن ينشأ عن تحققه، تمكن الحقيقة من نفسه، حتى يقدم ويحجم لما قام به من الحقيقة من غير توقف ولا تكلف، ويكون سلوكه فيما يحقق لما تحقق وبذلك ينشرح صدره أولاً وآخراً فيصل في أقرب مدة، إذ من سار إلى الله من حيث طبعه، كان الوصول أقرب إليه من طبعه، ومن سار إلى الله بالبعد من طبعه كان وصوله على قدر بعده عن طبعه.
ومن هذا الوجه قال في التاج: (لا تأخذ من الأذكار إلا ما تعينك القوى النفسانية عليه بحبه). وقال أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: (الشيخ من دلك على راحتك لا على تعبك).
وقال الشيخ أبو محمد عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه لما سأله الشيخ أبو الحسن عن قوله صلى الله عليه وسلم: (يسّروا ولا تعسّروا ) يعني: (دلوهم على الله، ولا تدلوهم على غيره، فإن من دلك على الدنيا فقد غشك، ومن دلك على العمل فقد أتعبك، ومن دلك على الله فقد نصحك). انتهى.
قاعدة 75
الشاذلية أقرب الطرق للجادة وأبعدها من الدعوى وأيسرها للسلوك
أقرب الطرق للجادة وأبعدها من الدعوى، وأيسرها للسلوك، وأمسكها بالسنة طريق الشاذلية، إذ لا ترتيب فيها ولا تركيب، وإنما هي التحقيق باتباع السنة وشهود المنة، والتحقق في صحبة المشايخ بصدق الهمّة، فعليكم بها فإنها طريق الحق بلا غلط، ومسلك التحقيق بلا مغالطة، وتعين عليها الطباع لوجود أصلها عندها وهي العبودية التي لا تعب فيها، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 76
تشعب الأصل قاض بالتشعب في الفرع
تشعب الأصل قاض بالتشعب في الفرع، وكل طريق القوم لم يرجعوا بها لأصل واحد، بل لأصول غير شاذلية فإنهم بنوها على أصل واحد، هو إسقاط التدبير مع الحق فيما دبره من القهريات والأمريات ففروعهم راجعة لاتباع الكتاب والسنة، وشهود المنة، والتسليم للحكم بملاحظة الحكمة. وهذه نكتة مذاهب القوم وحولها يحومون، لكنهم لم يصرحوا بوجهها كهذه الطائفة. ومن ثم قال ابن عطاء رضي الله عنه في التنوير: ما في كتب الصوفية المطولة والمختصرة مع زيادة البيان واختصار الألفاظ. قال: "والمسلك الذي يسلك فيه، مسلك توحيدي لا يسع أحدا إنكاره، ولا الطعن فيه، ولا يدع للمتصف له صفة حميدة إلا أكسبه إياها، ولا صفة ذميمة إلا أزالها عنه وطهره منها". انتهى. وإنه لكما قال رحمه الله.
قاعدة 77
النظر في كتب التصوف وما يتشعب فيها مفيد لمن له أصل يرجع إليه
اتساع الكلام وتشعبه في الأصل والفرع، مفيد لمن له أصل يرجع إليه به وإن كان مشوشا لغيره، فنظر المتسعات كالقوت (كتاب قوت القلوب لأبي طالب مكي)، والإحياء (كتاب إحياء علوم الدين) ونحوهما، نافع لمن له طريق يقتفيها بعلم أو عمل أو حال، فيما هو به سيما وهما مليان بتعريف النفوس ومشاكل إشكالها، وما هي عليه من تدقيق النظر في نوازل المعاملات والإشارة لوجوه المواصلات، وتحقيق ما وقع، وبيان النافع والأنفع، فهما وإن لم يكن فيهما للمريد ولا للعالم طريق التحقق والتحقيق.
والأول في القوت أكثر منه في الإحياء، والثاني في الإحياء أكثر منه في القوت. فلذلك قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: كتاب قوت القلوب، يورثك النور، وكتاب إحياء علوم الدين يورثك العلم. انتهى
وما جرا مجراهما فهو على حكمهما، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 78
مدار كل من علم الوعظ والتذكير وعلم المعاملات والعبودية وعلم المكاشفة
العلم إما أن يفيد بحثاً على الطلب وحثاً عليه، وإما أن يفيد كيفية العمل ووجهه، وإما أن يفيد أمرا وراء ذلك خبرياً يهدي إليه.
فالأول: من علوم القوم، علوم الوعظ والتذكير.
والثاني: علم المعاملات والعبودية.
والثالث: علم المكاشفة.
فالأول: دائر على قوله تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. هذه لقوم، وهذه لقوم، كل على حسب قبوله.
والثاني: دائر على قوله تعالى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
والثالث: راجع لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. ومن عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم.
وإن كان: "إنما العلم بالتعلم" ففي الأصل لا في الفرع. ومن ثم قال أبو سليمان:"إذا اعتادت النفوس ترك الآثام جالت في الملكوت، ورجعت إلى صاحبها بطرائف الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علما، والله سبحانه أعلم. انتهى.
16151413121110987654 32 1
الكلمات المفتاحية :
التصوف
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: