قواعد التصوف الشيخ احمد زروق 16
من بواعث العمل وجود الخشية وعلامة كمال الحب العمل بما يرضي المحبوب
من بواعث العمل وجود الخشية، وهي تعظيم تصحبه مهابة، والخوف، وهو انزعاج القلب من انتقام الرب.
والرجاء وهو سكون لفضله تعالى بشواهد العمل في الجميع، وإلا كان الكل اغترارا.
والحب علامة كماله العمل بما يرضي المحبوب. فإن خرج عن كل وجه يرضيه فلا حب، وبعض التقصير لا يقدح لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنه فانه يحب الله ورسوله)، وقد أتى به شربُ الخمر مرارا.
وكذا حديث الأعرابي الذي قال: متى الساعة؟ فقال: (ما أعددت لها؟ فقال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله).
نعم، المحب لا يرضى بمخالفة محبوبه فهو لا يمكن الإصرار منه، وإن غلب بشهوة ونحوها، بادر لمحل الرضا من التوبة والإنابة، فافهم.
التحقيق ليس إلا سابقة التوفيق، فكل شريعة حقيقة، وليس العكس
التحقيق ليس إلا سابقة التوفيق، فكل شريعة حقيقة، ولا ينعكس. الشريعة مبينة، والحقيقة من غير الحكم وكلاهما وصف الحق، وإبطال أحدهما موجب لاعتقاد النقص، وفي تبطيل حكمه قصر له عن موجبه، فلزم ملاحظة الجميع باتباع السنة وشهود المنة، والنظر لأحكام القدر، مع إثبات الشريعة والأسباب. ومن ثم لزم إسقاط التدبير عند غلبة المقادير والقيام بحكم الوقت استسلاما للأمر والقهر، إذ هما من رب واحد أمر ونهي: {لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون}.
فعليكم بالرضا بقضائه، إذ سخطه كفر، ولا تهملوا الرضا بمقضيه فإن نقض، والفرق بينهما، أن الأول حكمه، والثاني ما حَكَم به، فافهم.
لزوم دوام محاسبة النفس
الغلبة عن محاسبة النفس توجب غلطها فيما هي به. والتقصير في مناقشتها يدعو لوجود الرضا عنها، والتضييق عليها يوجب نفرتها، والرفق بها معين على بطالتها.
فلزم دوام المحاسبة على المناقشة والأخذ في العمل بما قارب وصح، دون مسامحة في واضح، ولا مطالبة بخفي من حيث العمل. وإن اعتبر في النظر تركا وفعلا، واعتبر في قولهم: (من لم يكن يومه خيرا من أمسه فهو مغبون، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان، وإن الثبات في العمل زيادة فيه، فإن إضافة اليوم لأمس مع ما قبله مضعف له، سيما وقد قيل كل مقام على الضعف من الذي قبله، وإن الفتوحات على تضاعف بيوت الشطرنج. ومن ثم قال الجنيد رحمه الله: (لو أقبل مقبل على الله ألف ألف سنة، ثم اعرض عنه لحظة لكان ما فاته منه أكثر مما ناله. ويشهد لهذا قوله سبحانه: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة، والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون} فافهم.
قراءة الورد في وقته عند إمكانه لازمة لكل صادق
إقامة الورد في وقته عند إمكانه لازم لكل صادق، فإذا عارضه عارض بشرية، أو ما هو واجب من الأمور الشرعية، لزم إنفاذه بعد التمسك بما هو فيه جهده من غير إفراط مخل بواجب الوقت، ثم يتعين تداركه بمثله لئلا يعتاد البطالة، ولأن الليل والنهار خلفة، والأوقات كلها لله فليس للاختصاص وجه إلا من حيث ما خصص، فمن ثم قال بعض المشايخ: (ليس عند ربكم ليل ولا نهار). يشير الكون بحكم الوقت لا كما يفهمه البطالون، من عدم إقامة الورد، وقيل لبعضهم وقد رئيت بيده سبحة: أتعد عليه؟ قال: لا، ولكن أعد له. فكل مريد أهمل أوقاته فبطال. وكل مريد تعلق بأوقاته دون نظر للحكم الإلهي، فهو فارغ من التحقيق، ومن لا يعرف موارد الأحوال عليه فغير حاذق بل هو غافل، ولذلك قيل: (من وجد قبضا أو بسطا لا يعرف له سببا، فلعدم اعتنائه بقلبه وإلا فهما لا يردان دون سبب). والله سبحانه أعلم.
اتباع العلم الظاهر شرط في الوصول للعلم الباطن
علامة الحياة الإحساس بالأشياء، والميت لا يحس بشيء. فقلب ساءته السيئة، وسرته الحسنة حتى كان ذلك نصب عينيه بالنظر لثوابها وعقابها، أو للعبودية أو لنيل الكمال بسببها أو غير ذلك حتى نهض به الحال للعمل، فصحيح وإلا فمريض تجب معالجته بمخوف إن قبله، أو بفرح إن تأثر به، وهو مقدم بحسن الظن به تعالى أو بميراث الحياء والخشية وهو أتم. وعند نهوضه فلا يقف لطلب شيخ ولا غيره، بل يعمل ويطلب ويتبع العلم الظاهر حتى يهديه لباطن الأمر الذي يعضده الحق الواضح من ظاهر الأمر، إذ كل باطن على انفراده باطل، وجيده من الحقيقة عاطل، والرسول هو الإمام عليه الصلاة والسلام. وكل شيخ لم يظهر بالسنة فلا يصح اتباعه لعدم تحقق حاله، وإن صح في نفسه وظهر عليه ألف ألف كرامة من أمره فافهم.
لا يكن أحدكم كالعبد السوء، إن لم يخف لم يعمل
تعظيم ما عظم الله متعين، واحتقار ذلك ربما كان كفرا، فلا يصح فهم قولهم: (ما عبدناه خوفا من نار، ولا طمعا في جنته) على الإطلاق. لأنه إما احتقار لهما وقد عظمهما الله تعالى، فلا يصح احتقارهما من مسلم وأما استغناء عنهما، ولا غنى لمؤمن عن بركة مولاه. نعم لم يقصدوهما بالعبادة، بل عملوا لله لا لشيء، وطلبوا منه الجنة والنجاة من النار، لا لشيء وشاهد ذلك في قوله تعالى: {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} الآية، إذ جعلوا علة العمل وجه الله تعالى، ثم ذكروا خوفهم ورجاءهم مجردا عن ذلك. وقد أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: (ومن أظلم ممن عبدني خوفا من ناري، أو طمعا في جنتي لو لم أخلق جنة ولا نارا ألم أكن أهلا أن أطاع). وفي الخبر: (لا يكن أحدكم كالعبد السوء، إن لم يخف لم يعمل، ولا كالأجير السوء، إن لم يعط الأجرة لم يعمل).
وقال عمر رضي الله عنه، ويروى مرفوعا: (نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه).
يعني: أنه لا يخاف الله، ولا يعصيه. فالحامل له على ترك المعصية غير الخوف من رجاء أو حب أو حياء أو هيبة أو خشية، إلى غير ذلك. والله سبحانه أعلم.
خاتمة
قال شيخنا أبو العباس الحضرمي: ارتفعت التربية بالإصلاح، ولم يبق إلا الإفادة بالهمة والحال، فعليكم بالكتاب والسنة من غير زيادة ولا نقصان. وذلك جار في معاملة الحق والنفس والخلق.
- فأما معاملة الحق فثلاث: إقامة الفرائض، واجتناب المحرمات، والاستسلام للأحكام.
- وأما معاملة النفس فثلاث: الإنصاف في الحق، وترك الانتصار لها، والحذر من غوائلها في الجلب والدفع، والرد والقبول، والإقبال والإدبار.
- وأما معاملة الخلق فثلاث: توصيل حقوقهم لهم، والتعفف عما في أيديهم، والفرار مما يغير قلوبهم، إلا في حق واجب لا محيد عنه.
وكل مريد مال لركوب الخيل، وآثر المصالح العامة، واشتغل بتغيير المنكر في العموم، أو توجه للجهاد دون غيره من الفضائل أو معه حالة كونه في فسحة منه، أو أراد استيفاء الفضائل، أو تتبع عورات إخوانه وغيرهم متعللا بالتحذير، أو عمل بالسماع على وجه الدوام، أو أكثر الجمع والاجتماع، لا لتعلم أو تعليم، أو مالَ لأرباب الدنيا بعلة الديانة، وأخذ بالرقائق دون المعاملات، وما ينبي عن العيوب، أو تصدى للتربية من غير تقديم شيخ أو إمام أو عالم، أو اتبع كل ناعق وقائل بحق أو باطل، من غير تفصيل لأحواله، أو استهان بمنتسب إلى لله، وإن ظن عدم صدقه بعلامة، أو مال للرخص والتأويلات، أو قدم الباطن على الظاهر، أو اكتفى بالعلم عن العمل، أو بالعمل عن الحال والعلم، أو بالحال عن هما، أو لم يكن له أصل يرجع إليه في عمله وعلمه وحاله وديانته من الأصول المسلمة في كتب الأئمة، ككتب ابن عطاء الله في الباطن وخصوصا (التنوير) و(مدخل ابن الحاج)، وكتاب شيخه ابن أبي جمرة، ومن تبعهما من المحققين رضي الله عنهم، فهو هالك لا نجاة له، ومن أخذ بهما فهو ناج مسلم إن شاء الله، والعصمة منه والتوفيق.
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {عليكم أنفسكم} الآية. فقال: (إذا رأيت شُحا مطاعا، وهوى متبعا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخويصة نفسك).
وقال عليه الصلاة والسلام في صحف إبراهيم عليه السلام: (وعلى العاقل أن يكون عارفا بزمانه ممسكا للسانه مقبلا على شأنه).
وعلى العاقل أن يكون له أربع ساعات:
ساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يناجي فيها ربه، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يبصرونه بعيوبه، ويدلونه على ربه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وشهوته المباحة، أو كما قال. رزقنا الله ذلك، وأعاننا عليه، ووفقنا إليه، وصحبنا بالعافية فيه. فإنه لا غنى بنا عن عافيته وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما، والحمد لله رب العالمين.
من بواعث العمل وجود الخشية، وهي تعظيم تصحبه مهابة، والخوف، وهو انزعاج القلب من انتقام الرب.
والرجاء وهو سكون لفضله تعالى بشواهد العمل في الجميع، وإلا كان الكل اغترارا.
والحب علامة كماله العمل بما يرضي المحبوب. فإن خرج عن كل وجه يرضيه فلا حب، وبعض التقصير لا يقدح لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنه فانه يحب الله ورسوله)، وقد أتى به شربُ الخمر مرارا.
وكذا حديث الأعرابي الذي قال: متى الساعة؟ فقال: (ما أعددت لها؟ فقال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله).
نعم، المحب لا يرضى بمخالفة محبوبه فهو لا يمكن الإصرار منه، وإن غلب بشهوة ونحوها، بادر لمحل الرضا من التوبة والإنابة، فافهم.
التحقيق ليس إلا سابقة التوفيق، فكل شريعة حقيقة، وليس العكس
التحقيق ليس إلا سابقة التوفيق، فكل شريعة حقيقة، ولا ينعكس. الشريعة مبينة، والحقيقة من غير الحكم وكلاهما وصف الحق، وإبطال أحدهما موجب لاعتقاد النقص، وفي تبطيل حكمه قصر له عن موجبه، فلزم ملاحظة الجميع باتباع السنة وشهود المنة، والنظر لأحكام القدر، مع إثبات الشريعة والأسباب. ومن ثم لزم إسقاط التدبير عند غلبة المقادير والقيام بحكم الوقت استسلاما للأمر والقهر، إذ هما من رب واحد أمر ونهي: {لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون}.
فعليكم بالرضا بقضائه، إذ سخطه كفر، ولا تهملوا الرضا بمقضيه فإن نقض، والفرق بينهما، أن الأول حكمه، والثاني ما حَكَم به، فافهم.
لزوم دوام محاسبة النفس
الغلبة عن محاسبة النفس توجب غلطها فيما هي به. والتقصير في مناقشتها يدعو لوجود الرضا عنها، والتضييق عليها يوجب نفرتها، والرفق بها معين على بطالتها.
فلزم دوام المحاسبة على المناقشة والأخذ في العمل بما قارب وصح، دون مسامحة في واضح، ولا مطالبة بخفي من حيث العمل. وإن اعتبر في النظر تركا وفعلا، واعتبر في قولهم: (من لم يكن يومه خيرا من أمسه فهو مغبون، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان، وإن الثبات في العمل زيادة فيه، فإن إضافة اليوم لأمس مع ما قبله مضعف له، سيما وقد قيل كل مقام على الضعف من الذي قبله، وإن الفتوحات على تضاعف بيوت الشطرنج. ومن ثم قال الجنيد رحمه الله: (لو أقبل مقبل على الله ألف ألف سنة، ثم اعرض عنه لحظة لكان ما فاته منه أكثر مما ناله. ويشهد لهذا قوله سبحانه: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة، والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون} فافهم.
قراءة الورد في وقته عند إمكانه لازمة لكل صادق
إقامة الورد في وقته عند إمكانه لازم لكل صادق، فإذا عارضه عارض بشرية، أو ما هو واجب من الأمور الشرعية، لزم إنفاذه بعد التمسك بما هو فيه جهده من غير إفراط مخل بواجب الوقت، ثم يتعين تداركه بمثله لئلا يعتاد البطالة، ولأن الليل والنهار خلفة، والأوقات كلها لله فليس للاختصاص وجه إلا من حيث ما خصص، فمن ثم قال بعض المشايخ: (ليس عند ربكم ليل ولا نهار). يشير الكون بحكم الوقت لا كما يفهمه البطالون، من عدم إقامة الورد، وقيل لبعضهم وقد رئيت بيده سبحة: أتعد عليه؟ قال: لا، ولكن أعد له. فكل مريد أهمل أوقاته فبطال. وكل مريد تعلق بأوقاته دون نظر للحكم الإلهي، فهو فارغ من التحقيق، ومن لا يعرف موارد الأحوال عليه فغير حاذق بل هو غافل، ولذلك قيل: (من وجد قبضا أو بسطا لا يعرف له سببا، فلعدم اعتنائه بقلبه وإلا فهما لا يردان دون سبب). والله سبحانه أعلم.
اتباع العلم الظاهر شرط في الوصول للعلم الباطن
علامة الحياة الإحساس بالأشياء، والميت لا يحس بشيء. فقلب ساءته السيئة، وسرته الحسنة حتى كان ذلك نصب عينيه بالنظر لثوابها وعقابها، أو للعبودية أو لنيل الكمال بسببها أو غير ذلك حتى نهض به الحال للعمل، فصحيح وإلا فمريض تجب معالجته بمخوف إن قبله، أو بفرح إن تأثر به، وهو مقدم بحسن الظن به تعالى أو بميراث الحياء والخشية وهو أتم. وعند نهوضه فلا يقف لطلب شيخ ولا غيره، بل يعمل ويطلب ويتبع العلم الظاهر حتى يهديه لباطن الأمر الذي يعضده الحق الواضح من ظاهر الأمر، إذ كل باطن على انفراده باطل، وجيده من الحقيقة عاطل، والرسول هو الإمام عليه الصلاة والسلام. وكل شيخ لم يظهر بالسنة فلا يصح اتباعه لعدم تحقق حاله، وإن صح في نفسه وظهر عليه ألف ألف كرامة من أمره فافهم.
لا يكن أحدكم كالعبد السوء، إن لم يخف لم يعمل
تعظيم ما عظم الله متعين، واحتقار ذلك ربما كان كفرا، فلا يصح فهم قولهم: (ما عبدناه خوفا من نار، ولا طمعا في جنته) على الإطلاق. لأنه إما احتقار لهما وقد عظمهما الله تعالى، فلا يصح احتقارهما من مسلم وأما استغناء عنهما، ولا غنى لمؤمن عن بركة مولاه. نعم لم يقصدوهما بالعبادة، بل عملوا لله لا لشيء، وطلبوا منه الجنة والنجاة من النار، لا لشيء وشاهد ذلك في قوله تعالى: {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} الآية، إذ جعلوا علة العمل وجه الله تعالى، ثم ذكروا خوفهم ورجاءهم مجردا عن ذلك. وقد أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: (ومن أظلم ممن عبدني خوفا من ناري، أو طمعا في جنتي لو لم أخلق جنة ولا نارا ألم أكن أهلا أن أطاع). وفي الخبر: (لا يكن أحدكم كالعبد السوء، إن لم يخف لم يعمل، ولا كالأجير السوء، إن لم يعط الأجرة لم يعمل).
وقال عمر رضي الله عنه، ويروى مرفوعا: (نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه).
يعني: أنه لا يخاف الله، ولا يعصيه. فالحامل له على ترك المعصية غير الخوف من رجاء أو حب أو حياء أو هيبة أو خشية، إلى غير ذلك. والله سبحانه أعلم.
خاتمة
قال شيخنا أبو العباس الحضرمي: ارتفعت التربية بالإصلاح، ولم يبق إلا الإفادة بالهمة والحال، فعليكم بالكتاب والسنة من غير زيادة ولا نقصان. وذلك جار في معاملة الحق والنفس والخلق.
- فأما معاملة الحق فثلاث: إقامة الفرائض، واجتناب المحرمات، والاستسلام للأحكام.
- وأما معاملة النفس فثلاث: الإنصاف في الحق، وترك الانتصار لها، والحذر من غوائلها في الجلب والدفع، والرد والقبول، والإقبال والإدبار.
- وأما معاملة الخلق فثلاث: توصيل حقوقهم لهم، والتعفف عما في أيديهم، والفرار مما يغير قلوبهم، إلا في حق واجب لا محيد عنه.
وكل مريد مال لركوب الخيل، وآثر المصالح العامة، واشتغل بتغيير المنكر في العموم، أو توجه للجهاد دون غيره من الفضائل أو معه حالة كونه في فسحة منه، أو أراد استيفاء الفضائل، أو تتبع عورات إخوانه وغيرهم متعللا بالتحذير، أو عمل بالسماع على وجه الدوام، أو أكثر الجمع والاجتماع، لا لتعلم أو تعليم، أو مالَ لأرباب الدنيا بعلة الديانة، وأخذ بالرقائق دون المعاملات، وما ينبي عن العيوب، أو تصدى للتربية من غير تقديم شيخ أو إمام أو عالم، أو اتبع كل ناعق وقائل بحق أو باطل، من غير تفصيل لأحواله، أو استهان بمنتسب إلى لله، وإن ظن عدم صدقه بعلامة، أو مال للرخص والتأويلات، أو قدم الباطن على الظاهر، أو اكتفى بالعلم عن العمل، أو بالعمل عن الحال والعلم، أو بالحال عن هما، أو لم يكن له أصل يرجع إليه في عمله وعلمه وحاله وديانته من الأصول المسلمة في كتب الأئمة، ككتب ابن عطاء الله في الباطن وخصوصا (التنوير) و(مدخل ابن الحاج)، وكتاب شيخه ابن أبي جمرة، ومن تبعهما من المحققين رضي الله عنهم، فهو هالك لا نجاة له، ومن أخذ بهما فهو ناج مسلم إن شاء الله، والعصمة منه والتوفيق.
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {عليكم أنفسكم} الآية. فقال: (إذا رأيت شُحا مطاعا، وهوى متبعا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخويصة نفسك).
وقال عليه الصلاة والسلام في صحف إبراهيم عليه السلام: (وعلى العاقل أن يكون عارفا بزمانه ممسكا للسانه مقبلا على شأنه).
وعلى العاقل أن يكون له أربع ساعات:
ساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يناجي فيها ربه، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يبصرونه بعيوبه، ويدلونه على ربه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وشهوته المباحة، أو كما قال. رزقنا الله ذلك، وأعاننا عليه، ووفقنا إليه، وصحبنا بالعافية فيه. فإنه لا غنى بنا عن عافيته وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما، والحمد لله رب العالمين.
16151413121110987654 32 1
الكلمات المفتاحية :
التصوف
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: