قواعد التصوف احمد زروق 5
المعقول برهانه في نفسه، والمنقول موكول لأمانة ناقله
ما كان معقولاً، فبرهانه في نفسه، فلذلك لا يحتاج لمعرفة قائله إلا من حيث كون ذلك كمالاً فيه. والمنقول موكول لأمانة ناقله، فلزم البحث والتعريف لوجهه، وما تركب منهما، احتيط له بالتعرف والتعريف. وقد قال ابن سيرين رضي الله عنه: (إن هذا الحديث دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم).
وهذا التفصيل في حق المشرف على العلم، الذي قد استشعر مقاصده. فأما العامي ومن كان في مبادئ الطلب، فلا بد له من معرفة الوجه الذي يأخذ منه معقوله كمنقوله، ليكون على اقتداء، لا على تقليد. والله سبحانه أعلم.
قاعدة 42
التقليد بأخذ القول من غير استناد لعلامة في القائل مذموم مطلقا
التقليد: أخذ القول من غير استناد لعلامة في القائل، ولا وجه في المنقول، فهو مذموم مطلقاً، لاستهزاء صاحبه بدينه.
والإقتداء: الاستناد في أخذ القول لديانة صاحبه وعلمه، وهذه رتبة أصحاب المذاهب مع أئمتها. فإطلاق التقليد عليها مجاز.
والتبصر: أخذ القول بدليله الخاص به من غير استبداد بالنظر، ولا إهمال للقول. وهي رتبة مشايخ المذاهب وأجاويد طلبة العلم.
والاجتهاد: اقتراح الأحكام من أدلتها، دون مبالاة بقائل. ثم إن لم يعتبر أصل متقدم فمطلق، وإلا فمقيد.
والمذهب: ما قوي في النفس، حتى اعتمده صاحبه.
وقد ذكر هذه الجملة بمعانيها في مفتاح السعادة، والله أعلم.
قاعدة 43
لا متبع إلا المعصوم، لانتفاء الخطأ عنه، أو من شهد له بالفضل
لا متبع إلا المعصوم، لانتفاء الخطأ عنه، أو من شهد له بالفضل، لأن مزكى العدل عدل. وقد شهد عليه السلام: (بأن خير القرون قرنه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فصح فضلهم على الترتيب والاقتداء بهم كذلك. لكن الصحابة تفرقوا في البلاد، ومع كل واحد منهم علم، كما قال مالك رحمه الله: (فلعل مع أحدهم ما هو ناسخ، ومع الآخر ما هو منسوخ، ومع واحد مطلق، ومع الآخر مقيد، ومع بعضهم عام، وعند الآخر مخصص كما وجد كثيراً. فلزم الانتقال لمن بعدهم، إذ جمع المتفرق من ذلك، وضبط الرواية فيما هنالك، لكنهم لم يستوعبوه فقهاً، وإن وقع لهم بعض ذلك، فلزم الانتقال للثالث، إذ جمع ذلك وضبطه وتفقه فيه، فتم حفظاً وضبطاً وتفقهاً، فلم يبق لأحد غير العمل بما استنبطوه، وقبول ما أصلوه واعتمدوه. ولكل فن في هذا القرن أئمة مشهور فضلهم، علماً وورعاً كمالك، والشافعي، وأحمد، وأبو حنيفة النعمان، للفقه. وكالجنيد، ومعروف، وبشر، للتصوف. وكالمحاسبي لذلك وللاعتقادات، إذ هو أول من تكلم في إثبات الصفات، كما ذكره ابن الأثير، والله أعلم.
قاعدة 44
إعطاء الحكم للخصوص، لا يجري وجهه في العموم كالعكس
إعطاء الحكم للخصوص، لا يجري وجهه في العموم كالعكس. فتزكية القرن قضاء على الكل بخلاف حديث: (طائفة من الأمة). ولذلك اعتبرت بأوصافها دون جملة أفرادها، فكانت التزكية فيها [جاز كذلك، فلزم التوقف في الثاني على أكمل وصفه، بخلاف الأول، وإن كان أولى والله أعلم.]
قاعدة 45
ما دوّن من كلام الأئمة في كل فن، فهو حجة لثبوته بتداوله، ومعرفة أصله
ما دوّن من كلام الأئمة في كل فن، فهو حجة لثبوته بتداوله، ومعرفة أصله، وصحة معناه، واتضاح مبناه، وتداوله بين أهله، واشتهار مسائله عند أئمته، مع اتصال كلٍ عمن قبله، فلذلك صح اتباعها ولزم، وإن انقرضت الرواية في أفرادها، وغير المدونة ليست كذلك، فلا يصح الأخذ بها لانقراض حملتها، واحتمال جملتها، وقد يخص ذلك ويعم، كانقراض مذهب الليثي، والسفيانين - سفيان بن عيينة وسفيان الثوري - عموماً وسائر المذاهب، سوى المالكي من المغرب، والشافعي بالعجم، والحنفي بالروم، ، فأما الحنبلي، فلم يوجد إلا مع غيره، فلزم كل ما تمكن معرفة صحة نقله، لا ما احتمل. ولهذا أفتى سحنون بأنه لا يفتى بالمغرب بغير مذهب مالك، ونحوه لابن الكاتب وعند أهل مصر أن العامي، لا مذهب له لتوفر المذاهب في حقه عندهم، حتى رأيت لهم على ذلك فروعاً جمة وفتاوى. والله أعلم.
قاعدة 46
تشعب الأصل قاض بالتشعب في الفرع، فلزم ضبط الفرع بأصل يرجع إليه
تشعب الأصل قاض بالتشعب في الفرع، فلزم ضبط الفرع بأصل يرجع إليه فقهاً، وأصولاً، وتصوفاً.
فلا يصح قول من قال: (الصوفي لا مذهب له)، إلا من جهة اختياره في المذهب الواحد، أحسنه دليلاً، أو قصداً، أو احتياطاً، أو غير ذلك مما يوصله لحاله. وإلا فقد كان الجنيد ثورياً، وكان الشبلي مالكياً، والجريري حنفياً، والمحاسبي شافعياً، وهم أئمة الطريقة وعمدتها.
وقول القائل: (مذهب الصوفي في الفروع تابع لأصحاب الحديث) باعتبار أنه لا يعمل من مذهبه إلا بما وافق نصه، ما لم يخالف احتياطاً أو يفارق ورعاً. ويلزم ذلك من غير اتهام للعلماء، ولا ميل للرخص، كما ذكر السهروردي رحمه الله في اجتماعهم وبما هنا يفهم كلامه، مع نقل غيره والله أعلم.
قاعدة 47
فتح كل أحد ونوره على حسب فتح متبوعه ونوره
فتح كل أحد ونوره، على حسب فتح متبوعه ونوره، فمن أخذ علم حاله عن أقوال العلماء، مجردة، كان فتحه ونوره منهم.
فإن أخذ عن نصوص الكتاب والسنة، ففتحه ونوره تام، إن تأهل لأخذها منهما، ولكن فاته نور الاقتداء وفتحه، ولذلك تحفظ الأئمة عليه كما قال ابن المديني رحمه الله: (كان ابن مهدي يذهب لقول مالك، ومالك يذهب لقول سليمان بن يسار، وسليمان يذهب لقول عمر بن الخطاب، فمذهب مالك إذاً مذهب عمر رضي الله عنهم أجمعين).
وقال الجنيد رحمه الله: (من لم يسمع الحديث، ويجالس الفقهاء، ويأخذ أدبه عن المتأدبين: أفسد من اتبعه).
قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، الآية، وقال عز من قائل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، الآية، فافهم.
قاعدة 48
ما أنكره مذهب فلا يجوز لمن كان عليه: الأخذ به من غيره، إلا لضرورة
ما أنكره مذهب فلا يجوز الأخذ به من غيره، وإن أبيح أو ندب لمن كان عليه إلا من ضرورة تبيحه بنص من أئمته. وما لم ينكره المذهب، يجوز الأخذ به من غيره سيما إن اقتضى احتياطاً أو تحصيل عبادة على مذهب ذلك الغير، كاتقاء القمرين في الأحداث، ومسح الرقبة في الوضوء، وإطالة الغرة، وترك مسح الأعضاء بالمنديل، وكصلاة التسبيح والحاجة، والتوبة ونحوها، وكاتقاء النصف الأخير من شعبان لمن لم يصم أوله، واعتكاف جزء من النهار، إذ غايته نفي كونه معتكفاً وإلا فهو عبادة.
وكذلك إحداث نية نفل بعد الفجر، إذاً غايته أنه لا يعد صوماً عند المالكية، وقد عده الشافعية صوماً. قال بعض الصوفية: (وعلى ذلك ينبغي أن يكون مذهب المتجرد، فإنه ضيف الله لئلا يضيع جوعه).
وللقرافي في قواعده، وابن العربي في سراجه، ما يشير لما هو أعظم من هذا في باب الورع، وإليه كان يميل شيخنا القوري رحمه الله في عمله، ونحوه عن ابن عباد في وصيته للمريدين، من رسائله الصغرى، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 49
ما يعرض للكلام من الإشكال
ما يعرض للكلام من الإشكال ونحوه، إن كان مما يخطر معناه المقصود منه بأول وهلة دون تأمل ولا يخطر إشكاله إلا بالأخطار، فهذا قلّ أن يخلو عنه كلام، وتتبعه حرج وأضرار ليس من مقاصد الأحكام، وإن كان الإشكال يخطر بأول وهلة، ولا يخطر خلافه إلا بالأخطار، جرى على حكم القاعدة المتقدمة، وإن تجاذبه الفهم من الجهتين، كان متنازعاً فيه بحسب التجاذب. والخروج لحد الكثرة في الإشكال، إما لضيق العبارة عن المقصود، وهو غالب حال الصوفية المتأخرين في كتبهم حتى كفروا وبدعوا، إلى غير ذلك. وإما لفساد الأصل، وعليه حملها المنكر عليهم، وكلٌ معذور فيما يبدو، إلا أن المنكر أعذر، والمسلّم أسلم، والمعتقد على خطر، ما لم يكن على حذر، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 50
تحقق الأصل لازم لكل من لزمه فرعه إن كان لا ينفك عنه
تحقق الأصل لازم لكل من لزمه فرعه إن كان لا ينفك عنه، فلا بد من تحقيق أصول الدين وجريانه على قواعدها عند الأئمة المهتدين، ومذهب الصوفي من ذلك تابع لمذاهب السلف في الإثبات والنفي.
وفصول الاعتقاد ثلاثة:
أولها: ما يعتقد في جانب الربوبية، وليس عندهم فيه إلا اعتقاد التنزيه، ونفي التشبيه مع تفويض ما أشكل بعد نفي الوجه المحال، إذ ليس ثم ألحن من صاحب الحجة بحجته.
الثاني: ما يعتقد في جانب النبوة، وليس إلا إثباتها وتنزيهها عن كل علم وعمل وحال، لا يليق بكمالها، مع تفويض ما أشكل بعد نفي الوجه المنقص، إذ ليس للسيد أن يقول لعبده ما شاء، وللعبد أن ينسب لنفسه ما يريد، تواضعاً مع ربه، وعلينا أن نتأدب مع العبد، ونعرف مقدار نسبته.
الثالث: ما يعتقد في جانب الدار الآخرة، وما يجري مجراها من الخيرات، وليس إلا اعتقاد صدق ما جاء من ذلك على الوجه الذي جاء عليه من غير خوض في تفاصيله، إلا بما صح واتضح. والقول الفصل في كل مشكل من ذلك ما قاله الشافعي رحمه الله، إذ قال: (آمنا بما جاء عن الله، على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وقال مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة). انتهى.
وهو جواب عن كل مشكل من نوعه في جانب الربوبية كما أشار إليه السهروردي، وقال: (إنه مذهب الصوفية كافة، في كل صفة سمعية) والله سبحانه أعلم.
قاعدة 51
وقوع الموهم والمبهم، والمشكل في النصوص الشرعية
وقوع الموهم والمبهم، والمشكل في النصوص الشرعية ميزان العقول والأذهان والعقود: {ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون}، الأنفال. وتظهر مراتب الإيمان لأهلها: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}، آل عمران.
ولا يقبل وضعه من غير الشارع البتة، إلا أن يكون بيّن المعنى واضح المبنى، في عرف التخاطب له لشبهة في أصول النصوص كمسألة الاستواء الذي هو في رسالة ابن أبي زيد فاختلف فيه الأصوليون، ثم هو بعد وقوعه بهذا الوجه هم مختلفون في قبوله وتأويله، أو حمل مذهب صاحبه على ظاهره.
وهذا كله إن كان إماماً معتبراً في فنه صوفياً كان أو فقيهاً لا غيره فيرد عليه مطلقاً، كما لا أصل له ولا شبهة، فيرد على الجميع بلا خلاف، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 52
الكلام في المحتمل بما يقتضيه من الوجوه السائغة فيه
الكلام في المحتمل بما يقتضيه من الوجوه السائغة فيه لا يقر على أصل التفويض بالنقض، إذا لم يعتقد أنه عين المراد به، فأما مع إيهام احتماله فلا يضر، لأنه الأصل الذي يبنى عليه، بعد نفي المحال فليس بناقض له، وإن كان مناقضاً فمن ثم تكلم القوم في التأويل بعد عقد التفويض، وإلا فلا يصح بعد اجتماعهم عليه. نعم التحقيق أن لا تفويض في الأصل، وإنما هو في تعيين المحمل للزوم طرح المحال والله أعلم.
قاعدة 53
أحكام الصفات الربانية لا تتبدل، وآثارها لا تنتقل
أحكام الصفات الربانية لا تتبدل، وآثارها لا تنتقل، فمن ثم قال الحاتمي رحمه الله: (يعتقد في أهل البيت أن الله تعالى تجاوز عن جميع سيئاتهم، لا بعمل عملوه، ولا بصالح قدموه، بل بسابق عناية من الله لهم. إذ قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، الأحزاب. فعلق الحكم بالإرادة التي لا تتبدل أحكامها، فلا يحل لمسلم أن ينتقص، ولا أن يشنأ عرض من شهد الله تعالى بتطهيره وذهاب الرجز عنه.
والعقوق لا يخرج عن النسب، ما لم يذهب أصل النسبة وهو الإيمان، وما تعين عليهم من الحقوق فأيدينا فيهم نائبة عن الشريعة وما نحن في ذلك إلا كالعبد، يؤدب ابن سيده بإذنه، فيقوم بأمر السيد، ولا يهمل فضل الولد. وقد قال تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}، الشورى. قال ابن عباس: أي إلا أن تودّوا قرابتي.
وما نزل بنا من قبلهم من الظلم ننزله منزلة القضاء الذي لا سبب له، إذ قال صلى الله عليه وسلم: (فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها).
وللجزء من الحرمة ما للكل، وقد قال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً}، الكهف. فأثنى بصلاح الأب، فما ظنك بنبوته.
إذا كان هذا في أولاد الصالحين، فما ظنك بأولاد الأولياء، وإذا كان هذا في أولاد الأولياء، فما ظنك بأولاد الأنبياء، وإذا كان هذا في أولاد الأنبياء، فما ظنك بأولاد المرسلين، بل قل لي: بماذا تعبر عن أولاد سيد المرسلين، فبان أن لهم من الفضل ما لا يقدر قدره غير من خصصهم به فافهم.
ولما ذكرت أول هذه الجملة لشيخنا أبي عبد الله القوري رحمه الله، قال: (هذا في حقنا، وأما في حقهم، فليس الذنب في القرب كالذنب في البعد، وتلا: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً} الأحزاب. فمظهر التغليط، بتعجيل النوائب المكفرة في هذه الدار، كما ذكره ابن أبي جمرة في شأن أهل بدر، عند كلامه على مسطح في حديث الإفك. ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (يا عباس، عم النبي صلى الله عليه وسلم، لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة ابنة محمد، لا أغني عنك من الله شيئاً، اشتروا أنفسكم من الله).
قلت: وهذا كنهي البار عن العقوق، والبريء عن التهم، ليكون أثبت في الحجة على الغير، والله أعلم.
ما كان معقولاً، فبرهانه في نفسه، فلذلك لا يحتاج لمعرفة قائله إلا من حيث كون ذلك كمالاً فيه. والمنقول موكول لأمانة ناقله، فلزم البحث والتعريف لوجهه، وما تركب منهما، احتيط له بالتعرف والتعريف. وقد قال ابن سيرين رضي الله عنه: (إن هذا الحديث دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم).
وهذا التفصيل في حق المشرف على العلم، الذي قد استشعر مقاصده. فأما العامي ومن كان في مبادئ الطلب، فلا بد له من معرفة الوجه الذي يأخذ منه معقوله كمنقوله، ليكون على اقتداء، لا على تقليد. والله سبحانه أعلم.
قاعدة 42
التقليد بأخذ القول من غير استناد لعلامة في القائل مذموم مطلقا
التقليد: أخذ القول من غير استناد لعلامة في القائل، ولا وجه في المنقول، فهو مذموم مطلقاً، لاستهزاء صاحبه بدينه.
والإقتداء: الاستناد في أخذ القول لديانة صاحبه وعلمه، وهذه رتبة أصحاب المذاهب مع أئمتها. فإطلاق التقليد عليها مجاز.
والتبصر: أخذ القول بدليله الخاص به من غير استبداد بالنظر، ولا إهمال للقول. وهي رتبة مشايخ المذاهب وأجاويد طلبة العلم.
والاجتهاد: اقتراح الأحكام من أدلتها، دون مبالاة بقائل. ثم إن لم يعتبر أصل متقدم فمطلق، وإلا فمقيد.
والمذهب: ما قوي في النفس، حتى اعتمده صاحبه.
وقد ذكر هذه الجملة بمعانيها في مفتاح السعادة، والله أعلم.
قاعدة 43
لا متبع إلا المعصوم، لانتفاء الخطأ عنه، أو من شهد له بالفضل
لا متبع إلا المعصوم، لانتفاء الخطأ عنه، أو من شهد له بالفضل، لأن مزكى العدل عدل. وقد شهد عليه السلام: (بأن خير القرون قرنه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فصح فضلهم على الترتيب والاقتداء بهم كذلك. لكن الصحابة تفرقوا في البلاد، ومع كل واحد منهم علم، كما قال مالك رحمه الله: (فلعل مع أحدهم ما هو ناسخ، ومع الآخر ما هو منسوخ، ومع واحد مطلق، ومع الآخر مقيد، ومع بعضهم عام، وعند الآخر مخصص كما وجد كثيراً. فلزم الانتقال لمن بعدهم، إذ جمع المتفرق من ذلك، وضبط الرواية فيما هنالك، لكنهم لم يستوعبوه فقهاً، وإن وقع لهم بعض ذلك، فلزم الانتقال للثالث، إذ جمع ذلك وضبطه وتفقه فيه، فتم حفظاً وضبطاً وتفقهاً، فلم يبق لأحد غير العمل بما استنبطوه، وقبول ما أصلوه واعتمدوه. ولكل فن في هذا القرن أئمة مشهور فضلهم، علماً وورعاً كمالك، والشافعي، وأحمد، وأبو حنيفة النعمان، للفقه. وكالجنيد، ومعروف، وبشر، للتصوف. وكالمحاسبي لذلك وللاعتقادات، إذ هو أول من تكلم في إثبات الصفات، كما ذكره ابن الأثير، والله أعلم.
قاعدة 44
إعطاء الحكم للخصوص، لا يجري وجهه في العموم كالعكس
إعطاء الحكم للخصوص، لا يجري وجهه في العموم كالعكس. فتزكية القرن قضاء على الكل بخلاف حديث: (طائفة من الأمة). ولذلك اعتبرت بأوصافها دون جملة أفرادها، فكانت التزكية فيها [جاز كذلك، فلزم التوقف في الثاني على أكمل وصفه، بخلاف الأول، وإن كان أولى والله أعلم.]
قاعدة 45
ما دوّن من كلام الأئمة في كل فن، فهو حجة لثبوته بتداوله، ومعرفة أصله
ما دوّن من كلام الأئمة في كل فن، فهو حجة لثبوته بتداوله، ومعرفة أصله، وصحة معناه، واتضاح مبناه، وتداوله بين أهله، واشتهار مسائله عند أئمته، مع اتصال كلٍ عمن قبله، فلذلك صح اتباعها ولزم، وإن انقرضت الرواية في أفرادها، وغير المدونة ليست كذلك، فلا يصح الأخذ بها لانقراض حملتها، واحتمال جملتها، وقد يخص ذلك ويعم، كانقراض مذهب الليثي، والسفيانين - سفيان بن عيينة وسفيان الثوري - عموماً وسائر المذاهب، سوى المالكي من المغرب، والشافعي بالعجم، والحنفي بالروم، ، فأما الحنبلي، فلم يوجد إلا مع غيره، فلزم كل ما تمكن معرفة صحة نقله، لا ما احتمل. ولهذا أفتى سحنون بأنه لا يفتى بالمغرب بغير مذهب مالك، ونحوه لابن الكاتب وعند أهل مصر أن العامي، لا مذهب له لتوفر المذاهب في حقه عندهم، حتى رأيت لهم على ذلك فروعاً جمة وفتاوى. والله أعلم.
قاعدة 46
تشعب الأصل قاض بالتشعب في الفرع، فلزم ضبط الفرع بأصل يرجع إليه
تشعب الأصل قاض بالتشعب في الفرع، فلزم ضبط الفرع بأصل يرجع إليه فقهاً، وأصولاً، وتصوفاً.
فلا يصح قول من قال: (الصوفي لا مذهب له)، إلا من جهة اختياره في المذهب الواحد، أحسنه دليلاً، أو قصداً، أو احتياطاً، أو غير ذلك مما يوصله لحاله. وإلا فقد كان الجنيد ثورياً، وكان الشبلي مالكياً، والجريري حنفياً، والمحاسبي شافعياً، وهم أئمة الطريقة وعمدتها.
وقول القائل: (مذهب الصوفي في الفروع تابع لأصحاب الحديث) باعتبار أنه لا يعمل من مذهبه إلا بما وافق نصه، ما لم يخالف احتياطاً أو يفارق ورعاً. ويلزم ذلك من غير اتهام للعلماء، ولا ميل للرخص، كما ذكر السهروردي رحمه الله في اجتماعهم وبما هنا يفهم كلامه، مع نقل غيره والله أعلم.
قاعدة 47
فتح كل أحد ونوره على حسب فتح متبوعه ونوره
فتح كل أحد ونوره، على حسب فتح متبوعه ونوره، فمن أخذ علم حاله عن أقوال العلماء، مجردة، كان فتحه ونوره منهم.
فإن أخذ عن نصوص الكتاب والسنة، ففتحه ونوره تام، إن تأهل لأخذها منهما، ولكن فاته نور الاقتداء وفتحه، ولذلك تحفظ الأئمة عليه كما قال ابن المديني رحمه الله: (كان ابن مهدي يذهب لقول مالك، ومالك يذهب لقول سليمان بن يسار، وسليمان يذهب لقول عمر بن الخطاب، فمذهب مالك إذاً مذهب عمر رضي الله عنهم أجمعين).
وقال الجنيد رحمه الله: (من لم يسمع الحديث، ويجالس الفقهاء، ويأخذ أدبه عن المتأدبين: أفسد من اتبعه).
قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، الآية، وقال عز من قائل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، الآية، فافهم.
قاعدة 48
ما أنكره مذهب فلا يجوز لمن كان عليه: الأخذ به من غيره، إلا لضرورة
ما أنكره مذهب فلا يجوز الأخذ به من غيره، وإن أبيح أو ندب لمن كان عليه إلا من ضرورة تبيحه بنص من أئمته. وما لم ينكره المذهب، يجوز الأخذ به من غيره سيما إن اقتضى احتياطاً أو تحصيل عبادة على مذهب ذلك الغير، كاتقاء القمرين في الأحداث، ومسح الرقبة في الوضوء، وإطالة الغرة، وترك مسح الأعضاء بالمنديل، وكصلاة التسبيح والحاجة، والتوبة ونحوها، وكاتقاء النصف الأخير من شعبان لمن لم يصم أوله، واعتكاف جزء من النهار، إذ غايته نفي كونه معتكفاً وإلا فهو عبادة.
وكذلك إحداث نية نفل بعد الفجر، إذاً غايته أنه لا يعد صوماً عند المالكية، وقد عده الشافعية صوماً. قال بعض الصوفية: (وعلى ذلك ينبغي أن يكون مذهب المتجرد، فإنه ضيف الله لئلا يضيع جوعه).
وللقرافي في قواعده، وابن العربي في سراجه، ما يشير لما هو أعظم من هذا في باب الورع، وإليه كان يميل شيخنا القوري رحمه الله في عمله، ونحوه عن ابن عباد في وصيته للمريدين، من رسائله الصغرى، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 49
ما يعرض للكلام من الإشكال
ما يعرض للكلام من الإشكال ونحوه، إن كان مما يخطر معناه المقصود منه بأول وهلة دون تأمل ولا يخطر إشكاله إلا بالأخطار، فهذا قلّ أن يخلو عنه كلام، وتتبعه حرج وأضرار ليس من مقاصد الأحكام، وإن كان الإشكال يخطر بأول وهلة، ولا يخطر خلافه إلا بالأخطار، جرى على حكم القاعدة المتقدمة، وإن تجاذبه الفهم من الجهتين، كان متنازعاً فيه بحسب التجاذب. والخروج لحد الكثرة في الإشكال، إما لضيق العبارة عن المقصود، وهو غالب حال الصوفية المتأخرين في كتبهم حتى كفروا وبدعوا، إلى غير ذلك. وإما لفساد الأصل، وعليه حملها المنكر عليهم، وكلٌ معذور فيما يبدو، إلا أن المنكر أعذر، والمسلّم أسلم، والمعتقد على خطر، ما لم يكن على حذر، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 50
تحقق الأصل لازم لكل من لزمه فرعه إن كان لا ينفك عنه
تحقق الأصل لازم لكل من لزمه فرعه إن كان لا ينفك عنه، فلا بد من تحقيق أصول الدين وجريانه على قواعدها عند الأئمة المهتدين، ومذهب الصوفي من ذلك تابع لمذاهب السلف في الإثبات والنفي.
وفصول الاعتقاد ثلاثة:
أولها: ما يعتقد في جانب الربوبية، وليس عندهم فيه إلا اعتقاد التنزيه، ونفي التشبيه مع تفويض ما أشكل بعد نفي الوجه المحال، إذ ليس ثم ألحن من صاحب الحجة بحجته.
الثاني: ما يعتقد في جانب النبوة، وليس إلا إثباتها وتنزيهها عن كل علم وعمل وحال، لا يليق بكمالها، مع تفويض ما أشكل بعد نفي الوجه المنقص، إذ ليس للسيد أن يقول لعبده ما شاء، وللعبد أن ينسب لنفسه ما يريد، تواضعاً مع ربه، وعلينا أن نتأدب مع العبد، ونعرف مقدار نسبته.
الثالث: ما يعتقد في جانب الدار الآخرة، وما يجري مجراها من الخيرات، وليس إلا اعتقاد صدق ما جاء من ذلك على الوجه الذي جاء عليه من غير خوض في تفاصيله، إلا بما صح واتضح. والقول الفصل في كل مشكل من ذلك ما قاله الشافعي رحمه الله، إذ قال: (آمنا بما جاء عن الله، على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وقال مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة). انتهى.
وهو جواب عن كل مشكل من نوعه في جانب الربوبية كما أشار إليه السهروردي، وقال: (إنه مذهب الصوفية كافة، في كل صفة سمعية) والله سبحانه أعلم.
قاعدة 51
وقوع الموهم والمبهم، والمشكل في النصوص الشرعية
وقوع الموهم والمبهم، والمشكل في النصوص الشرعية ميزان العقول والأذهان والعقود: {ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون}، الأنفال. وتظهر مراتب الإيمان لأهلها: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}، آل عمران.
ولا يقبل وضعه من غير الشارع البتة، إلا أن يكون بيّن المعنى واضح المبنى، في عرف التخاطب له لشبهة في أصول النصوص كمسألة الاستواء الذي هو في رسالة ابن أبي زيد فاختلف فيه الأصوليون، ثم هو بعد وقوعه بهذا الوجه هم مختلفون في قبوله وتأويله، أو حمل مذهب صاحبه على ظاهره.
وهذا كله إن كان إماماً معتبراً في فنه صوفياً كان أو فقيهاً لا غيره فيرد عليه مطلقاً، كما لا أصل له ولا شبهة، فيرد على الجميع بلا خلاف، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 52
الكلام في المحتمل بما يقتضيه من الوجوه السائغة فيه
الكلام في المحتمل بما يقتضيه من الوجوه السائغة فيه لا يقر على أصل التفويض بالنقض، إذا لم يعتقد أنه عين المراد به، فأما مع إيهام احتماله فلا يضر، لأنه الأصل الذي يبنى عليه، بعد نفي المحال فليس بناقض له، وإن كان مناقضاً فمن ثم تكلم القوم في التأويل بعد عقد التفويض، وإلا فلا يصح بعد اجتماعهم عليه. نعم التحقيق أن لا تفويض في الأصل، وإنما هو في تعيين المحمل للزوم طرح المحال والله أعلم.
قاعدة 53
أحكام الصفات الربانية لا تتبدل، وآثارها لا تنتقل
أحكام الصفات الربانية لا تتبدل، وآثارها لا تنتقل، فمن ثم قال الحاتمي رحمه الله: (يعتقد في أهل البيت أن الله تعالى تجاوز عن جميع سيئاتهم، لا بعمل عملوه، ولا بصالح قدموه، بل بسابق عناية من الله لهم. إذ قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، الأحزاب. فعلق الحكم بالإرادة التي لا تتبدل أحكامها، فلا يحل لمسلم أن ينتقص، ولا أن يشنأ عرض من شهد الله تعالى بتطهيره وذهاب الرجز عنه.
والعقوق لا يخرج عن النسب، ما لم يذهب أصل النسبة وهو الإيمان، وما تعين عليهم من الحقوق فأيدينا فيهم نائبة عن الشريعة وما نحن في ذلك إلا كالعبد، يؤدب ابن سيده بإذنه، فيقوم بأمر السيد، ولا يهمل فضل الولد. وقد قال تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}، الشورى. قال ابن عباس: أي إلا أن تودّوا قرابتي.
وما نزل بنا من قبلهم من الظلم ننزله منزلة القضاء الذي لا سبب له، إذ قال صلى الله عليه وسلم: (فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها).
وللجزء من الحرمة ما للكل، وقد قال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً}، الكهف. فأثنى بصلاح الأب، فما ظنك بنبوته.
إذا كان هذا في أولاد الصالحين، فما ظنك بأولاد الأولياء، وإذا كان هذا في أولاد الأولياء، فما ظنك بأولاد الأنبياء، وإذا كان هذا في أولاد الأنبياء، فما ظنك بأولاد المرسلين، بل قل لي: بماذا تعبر عن أولاد سيد المرسلين، فبان أن لهم من الفضل ما لا يقدر قدره غير من خصصهم به فافهم.
ولما ذكرت أول هذه الجملة لشيخنا أبي عبد الله القوري رحمه الله، قال: (هذا في حقنا، وأما في حقهم، فليس الذنب في القرب كالذنب في البعد، وتلا: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً} الأحزاب. فمظهر التغليط، بتعجيل النوائب المكفرة في هذه الدار، كما ذكره ابن أبي جمرة في شأن أهل بدر، عند كلامه على مسطح في حديث الإفك. ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (يا عباس، عم النبي صلى الله عليه وسلم، لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة ابنة محمد، لا أغني عنك من الله شيئاً، اشتروا أنفسكم من الله).
قلت: وهذا كنهي البار عن العقوق، والبريء عن التهم، ليكون أثبت في الحجة على الغير، والله أعلم.
16151413121110987654 32 1
الكلمات المفتاحية :
التصوف
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: