قواعد التصوف احمد زروق 9
الخروج عن حكمة الأسباب معاندة لحكم الحق
إقامة الأسباب ملحوظ في الأصل بحكمة إقامة العالم لاستقامة وجوده، فلذلك ذم ما خالف وجود حفظ النظام، ووقع مستغرباً في الوجود. من الأسباب وغيرها وأكدته الغيرة الإلهية يلزم نقيض المقصد، كالفقر في الكيمياء، والذل في طلب الكيمياء، وميتة السوء في علم النجوم، لأن الكل خروج عن حكمة الأسباب، ومعاندة لحكم الحق ومقامة له في طلب الأكمل بالموهوم. ويزيد الأخير بالتجسس على مملكة الله سبحانه كما أشار إليه في التنوير، ولكل نصيب مما لصاحبه وإن اختلف البساط والله أعلم.
قاعدة 103
لزوم إقامة العبد حيث أقامه الله من غير التفات لمقام آخر وإن كان أتم في نظره
إقامة رسم الحكمة لازم، كالاستسلام للقدرة، فلزم إقامة العبد حيث أقيم من غير التفات لغيره، وإن كان الغير أتم في نظره، ما لم يختل شرط الإقامة بتخلف الفائدة أو عدم إقامة إمكان الحقوق الشرعية، فيتعين الانتقال للمثل حتى إذا تعذر الكل، جاز التجرد بل لزم ، فقد أقر عليه السلام على التجريد أهل الصفة، وأمر بالتسبب حكيم ابن حزام لما تعلقت نفسه بالعطاء، فمن ثم قال الخواص رضي الله عنه: "ما دامت الأسباب في النفس قائمة فالتسبب أولى، والأكل بكسب أحل له، لأن القعود لا يصلح لمن لم يستغن عن التكلف". انتهى وهو فصل الخطاب في بابه.
قاعدة 104
استواء الفعل والترك في المنفعة يقضي بترجيح الترك لأنه اسلم
استواء الفعل والترك في المنفعة يقضي بترجيح الترك، لأنه الأصل لاستصحابه السلامة، فمن ثم فضل الصمت عن الكلام حيث لا مرجح له، وترك الدنيا أخذها، والعزلة الصحبة سيما في زمان لا يأمن فيه الرجل جليسه والجوع والشبع إلى غير ذلك مما هو فقد في الحال فائدة في المال. ومنه ترك الشهوات عند قوم ما لم تعتقد القربة في ذلك، فلا يصح إلا بنية صالحة تحوله للندب، إذ قد أذن الله فيه، فليس أحد الجانبين بأولى من غيره في أخذه وتركه إلا بمرجح والله أعلم.
قاعدة 105
ما مدح أو ذم لا لذاته قد ينعكس حكمه لموجب يقتضي نقيضه
ما مدح أو ذم لا لذاته قد ينعكس حكمه لموجب يقتضي نقيضه. فقد صح:"الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه"، وصح: "لا تسبوا الدنيا فنعمت هي مطية المؤمن". ومدحت الرياسة لما تؤدي إليه من حفظ النظام، حتى أثنى الله على من طلب الرياسة الدينية إذ قال {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}. لما تؤدي إليه من الكبر والخروج عن الحق، ومدح الصمت للسلامة ، وذم عن الواجب الذي لا بد منه.
ومدح الجوع لتصفية الباطن وذم لإخلاله بالفكر، فلزم التوسط وهو في الجوع ما يشتهى إليه الخبز وحده، والمفرط ما يشتهى معه كل خبز، والكاذب ما ينضاف إليه كل شهوة غير معتادة له، فافهم.
قاعدة 106
قد يباح الممنوع لتوقع ما هو أعظم منه كالكذب في الجهاد لتفريق كلمة الكفار
قد يباح الممنوع لتوقع ما هو أعظم منه كالكذب في الجهاد لتفريق كلمة الكفار، وفي الإصلاح بين الناس للخير، وفي ستر مال المسلم أو عرضه ولو نفسه إذا سئل عن معصية عملها، أو مال أريد غصبه منه أو من غيره، لأن مفسدة الصدق في ذلك أعظم. وللزوجة والولد خوف نفورهما. وبالجملة فيسوغ لدفع مفسدة أعظم لا لجلب مصلحة. وكذا الغيبة تباح في التحذير والاستفتاء ونحوه مما ذكره الأئمة، وليس من ذلك قياس الخمول بالمحرمات لرفع الجاه بشربة خمر غص بهذا الجاه مباح، ولا يباح الممنوع لدفع المباح، وإن كان مضراً فاعلم ذلك، فافهم.
قاعدة 107
التدريج في تمرين النفس أسهل لتحصيل المراد منها
تمرين النفس في أخذ الشيء وتركه وسوقها بالتدريج، أسهل لتحصيل المراد منها. فلذلك قيل: ترك الذنوب أيسر من طلب التوبة، ومن ترك شهوته سبع مرات كلما عرضت له تركها لم يبتل بها، والله أكرم من أن يعذب قلبا بشهوة تركت لأجله.
وقال المحاسبي رحمه الله في صفة التوبة الخروج حكمة الأسباب معاندة لحكمانه يتوب جملة، ثم يتبع التفاصيل بالترك، فإن أمكن ذلك له)، وهو صحيح والله اعلم .
قاعدة 108
العبد لا يأمن مكر الله ولا ييأس من روح الله
بساط الكرم قاض بان الله تعالى لا يتعاظمه ذنب يغفره . وبساط الجلال قاض بان الله تعالى يأخذ العاصي ولا يمهله . فلزم أن يكون العبد ناظراً لهما في عموم أوقاته، حتى لو أطاع بأعظم الطاعات، لم يأمن مكر الله، ولو عصى بأعظم المعاصي لم ييأس من روح الله. وبحسب ذلك، فهو يتقي الله ما استطاع، ويتوب إليه، ولو عاد في اليوم ألف مرة، فافهم .
قاعدة 109
الخواص ثابتة في الأقوال والأفعال والأعيان وأعظمها خواص الأذكار
الخواص ثابتة في الأقوال والأفعال والأعيان وأعظمها خواص الأذكار، إذ ما عمل ادمي عملاً، أنجى له من عذاب الله من ذكر الله .
وقد جعلها الله للأشياء، كالأشربة والمعاجين في منافعها، لكل ما يخصه فلزم مراعاة العام في العموم، وفي الخاص بما يوافق حال الشخص وعلمه، مع اعتبار الجانب الشرعي في القصد في العمل، سيما وقد قال الإمام مالك رحمه الله في المجهولات الخروج حكمة الأسباب معاندة لحكم ما يدريك لعله يكفر) .
قلت : وقد رأيت من يرقى بألفاظ كفرية، والله أعلم.
قاعدة 110
جواز الأخذ بما اتضح معناه من الأذكار والأدعية وإن لم يصح رواية
بساط الشريعة، قاض بجواز الأخذ بما اتضح معناه من الأذكار والأدعية، وإن لم يصح رواية، كما نبه ابن العربي في السراج وغيره . وجاءت أحاديث في تأثير الدعاء الجاري على لسان العبد، والمنبعث من همته، حتى أدخل مالك رخمه الله في موطئه، في باب دعائه صلى الله عليه وسلم قول أبي الدرداء : (نامت العيون وهدأت الجفون ولم يبق إلا أنت يا حي يا قيوم) . وقال صلى الله عليه وسلم للذي دعا بـ : إني أسألك بأنك الله الأحد الصمد ....الخ، (لقد دعوت باسمه الأعظم) .
وكذا قال للذي دعا بـ: (يا ودود، يا ودود، يا ذا العرش المجيد)، إلى غير ذلك .فدل على أن كل واضح، مستحسن في ذاته، يحسن الأخذ به سيما أن استند لأصل شرعي، كرؤيا صالح، أو الهام ثابت المزية كأحزاب الشاذلي، والنووي، ونحوهما .
وفي أحزاب ابن سبعين كثير من المبهمات والموهمات فوجب التجنب جملةًَ لمحل الخطر، إلا لعالم يعتبر المعنى ولا يتقيد باللفظ فيه . والوظائف المجموعة من الأحاديث أكمل أمراً، إذ لا زيادةً فيها سوى الجمع سيما أن أخذت من المشايخ، وجل أحزاب الشاذلي عند التفصيل والنظر التام للعالم بالأحاديث من ذلك [مع ما تضمنته من التذكير والتأنيث بالأمور المطلوبة في الجملة والله سبحانه اعلم].
قاعدة 111
ما خرج مخرج التعليم وقف على وجهه من غير زيادة ولا نقص
ما خرج مخرج التعليم وقف على وجهه من غير زيادة ولا نقص .
فلقد روي أن رجلاً كان يذكر في دبر كل صلاة :سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، مائة مرة من كل وأحد.
فرأى كأن قائلاً يقول الخروج حكمة الأسباب معاندة لحكمأين الذاكرون أدبار الصلوات؟ فقام، فقيل له: ارجع فلست منهم إنما هذه المزية على الثلاث والثلاثين، فكل ما ورد فيه عدد قصر عليه، وكذا كل لفظ) .
نعم، اختلف في زيادة (( سيدنا )) في الوارد من كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، والوجه أن يقتصر على لفظه، حيث تعبد به ويزداد حيث ما يراد الفضل في الجملة.
وقال ابن العربي في زيادة: (( وارحم محمداً)) انه قريب من بدعة، وذكره في العارضة، والله أعلم.
قاعدة 112
العبد لا يعاتَب على تقصير لا سبب له فيه
حق العبد أن لا يفرط في مأمور، ولا يعزم على محظور، ولا يقصر في مندوب فإن قصر به الحال حتى وقع في الأول، والثاني، والثالث، لزمه الرجوع لمولاهُ بالتوبة واللجأ والاستغفار. ثم إن كان ذلك بسبب منه، عاتب نفسه ولامها، وإن كان لا بسبب منه فلا عتب على قدر لا سبب للعبد فيه . وحديث ذلك في سؤال علي وفاطمة، إذ سألهما عليه السلام عن عدم صلاتهما بالليل، فأجابه علي بقوله الخروج حكمة الأسباب معاندة لحكم( إن الله قبض أرواحنا فمر وهو يقول : وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً)) . ولما ناموا ليلة الوادي، حتى طلعت الشمس، قال عليه الصلاة والسلام: (( إن الله قبض أرواحنا )) وذلك أن علياً وفاطمة تسببا بوجود الجنابة، كما ذكره ابن أبي جمرة رحمه الله، فكان الجواب بالعذر وإن كان نفس الحق جدلاً [إذ سئلا] عن السبب، والصحابة في الوادي لم يتسببوا، بل وكلوا من يقوم لهم بالأمر من هو أهل للقيام به، فافهم.
قاعدة 113
ضرورة العزلة وفراغ القلب
فراغ القلب للعبادة والمعرفة مطلوب، فلزم الزهد وإسقاط الكلف، واختيار الأدنى، لأن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى.
ومن المشغلات الأحداث سنا وعقلا أو دينا، فلهذا نهى عن صحبتهم إذ التلون مانع الراحة، ولذا أمر بمجانبة الصحبة وإيثار العزلة سيما في هذه الأزمنة. لكن بشرطها وهو كفاية عن الخلق، كفايتهم عنه في الضرورة دينا ودنيا، مع سلامتهم من سوء ظنه وإقامة الشعائر الإسلامية من الواجبات والسنن المؤكدة، والله سبحانه اعلم.
قاعدة 114
الخلوة أخص من العزلة وهو بوجوهها وصورتها نوع من الاعتكاف
الخلوة أخص من العزلة وهو بوجوهها وصورتها نوع من الاعتكاف، ولكن لا في المسجد، وبما كانت فيه. وأكثرها عند القوم لا حد له، لكن السنة تشير للأربعين بمواعدة موسى عليه السلام.
والقصد في الحقيقة: الثلاثون، إذ هي أصل المواعدة، وجاور صلى الله عليه وسلم بحراء شهرا كما في مسلم.
وكذا اعتزل من نسائه، وشهر الصوم الواحد. وزيادة القصد ونقصانه كالمريد في سلوكه، وأقلها عشرا لاعتكافه عليه السلام العشر، وهي للكامل زيادة في حاله ولغيره ترقية، ولا بد من أصل يرجع إليه، والقصد بها تطهير القلب من أدناس الملابسة، وإفراد القلب لذكر وأحد، وحقيقة واحدة، ولكنها بلا شيخ مخطرة، وله فتوح عظيمة، وقد لا تصلح لأقوام فليعتبر كل أحد بها حاله، والله اعلم.
قاعدة 115
لا بد من عبادة ومعرفة وزهادة، لكل عابد وعارف وزاهد
لا بد من عبادة ومعرفة وزهادة، لكل عابد وعارف وزاهد. لكن من غلب عليه طلب (العلم) كان عابدا ومعرفته تبع لعبادته. ومن غلب عليه ترك الفضول كان زاهدا وعبادته ومعرفته تبع لزهده، ومن غلب عليه النظر للحق بإسقاط الخلق، كان عارفا وعبادته، وزهده تابعان لأصله. فالنسب تابعة للأصول، وإلا فالطرق متداخلة، ومن فهم غير ذلك فقد أخطأ، نعم يخفف الأمر ويقوى بحسب البساط والله سبحانه اعلم.
التزام اللازم للملزوم موصل إليه
التزام اللازم للملزوم موصل إليه، فمن ثم فضل الذكر غيره. إذا ما أردت أن يلزمك فالزم ملزوميته، وقد قال تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}. ولا أعظم من هذه الكرامة. وجعل لكل حدا ووقتا، إلا ذكره تعالي، إذ قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} و{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. و{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}.
ولأبي سعيد عن ابن جبان: (أذكر الله حتى يقولوا مجنون). والذكر منشور الولاية، فمن أعطي الذكر فقد أعطي المنشور.
قال شيخنا أبو العباس الحضرمي رضي الله عنه: (عليك بدوام الذكر وكثرة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي سلم ومعراج وسلوك إلى الله تعالي إذا لم يلق الطالب شيخا مرشدا).
فقد سمعت في ست وأربعين وثمانمائة بالحرم الشريف، رجلا من الصالحين روى لي ذلك عن بعض أهل الصدق مع الله تعالى وكلاهما معروفان رأيتهما والله سبحانه اعلم.
قاعدة 117
نورانية الأذكار محرقة لأوصاف العبد
نورانية الأذكار محرقة لأوصاف العبد، ومثيرة لحرارة طبعه بانحراف النفس عن طبعها. فمن ثم أمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأنها كالماء تقوي النفوس وتذهب وهج الطباع، وسر ذلك في السجود لآدم عند قولهم: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}. ولهذا أمر المشايخ بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند غلبة الوجد والذوق ولذلك شاهد. وقد أشار إليه الصديق رضي الله عنه إذ قال: (الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم أمحق للذنوب من الماء البارد للنار). (ألا ترى إلى آخره) فليعتمد. وقد نص في مفتاح الفلاح أن علامة الفتح، ثوران الحرارة في الباطن والله سبحانه اعلم.
قاعدة 118
لزوم مراعاة الدعاء من حيث الحكمة فالعبد مأمور به
النظر لسابق القسمة وواجب الحكمة، هو القاضي بان الدعاء عبودية اقترنت بسبب، كاقتران الصلاة بوقتها، وكذا الذكر المرتب لفائدة ونحوها، لأنك إذا قلت: تذكر، فإنما يذكر من يجوز عليه الإغفال. وإن قلت: تنبيه، فإنما ينبه من يمكن منه الإهمال. وإن قلت: تسبب، فجعل حكم الأزل أن ينضاف إلى العلل. وقد جاء الأمر به، وترتيب الإجابة، عليه، فلزم أن يرعى من حيث الحكمة ولذا صح بمرفوع منه كـ: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ}، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، عند من قال به وهو دعاء الأبدال، والله سبحانه اعلم.
قاعدة 119
استواء العبادتين في الأصل مع جواز ترك إحداهما للأخرى شرعا، يقضي بالبدلية فيهما
استواء العبادتين في الأصل مع جواز ترك إحداهما للأخرى شرعا، يقضي بالبدلية فيهما.
فالذكر بدل من الدعاء عند اعتراض الاشتغال به عنه وبالعكس، وقد صح من شغله ذكري عن مسائلتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، فظهرت أفضلية الذكر في هذه الحالة خلي عن الحض مع اعتراضه، والتعريض عند الخلو من دواعيهما أتم بجمعه بين صمت الصامت ونطق الناطق والتحقيق أن الأفضل في كل محل ما وقع فيه إذ الكل وقع لأنبياء الله في أحوال، وهم فيها على أفضل الأحوال، فافهم.
قاعدة 120
الحكم في العموم لا يقضي بجريانه للخصوص فاحتيج بالخاص لدليل يخصه
إعطاء الحكم في العموم لا يقضي بجريانه للخصوص فاحتيج بالخاص لدليل يخصه حتى يتخصص بهو من ذلك الجهر بالذكر والدعاء والجمع فيهما ولهما.
فأما الذكر فدليله: (إن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم).
قيل: ومن أدلته: {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو اشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق}.
وقال ابن عباس: (ما كنت اعرف انصراف الناس من الصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالذكر) رواه البخاري.
والجهر في ذكر العيد في أدبار الصلوات وبالثغور وفي الأسفار حتى قال عليه السلام: (أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا).
وقد جهر عليه السلام بأذكار في مواطن جمة، وكذا السلف. وصح قوله جوابا لأهل الخندق: (اللهم لا خير إلا خير الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة)، وكل هذه أدلة على الجهر والجمع. لكن في قضايا خاصة يكون وجودها مستندا، لا دليلا لاحتمال قصرها على ما وقعت فيه، وكونها مقصودة لغيرها لا لذاتها، فلزم تمهيد أصل آخر.
إقامة الأسباب ملحوظ في الأصل بحكمة إقامة العالم لاستقامة وجوده، فلذلك ذم ما خالف وجود حفظ النظام، ووقع مستغرباً في الوجود. من الأسباب وغيرها وأكدته الغيرة الإلهية يلزم نقيض المقصد، كالفقر في الكيمياء، والذل في طلب الكيمياء، وميتة السوء في علم النجوم، لأن الكل خروج عن حكمة الأسباب، ومعاندة لحكم الحق ومقامة له في طلب الأكمل بالموهوم. ويزيد الأخير بالتجسس على مملكة الله سبحانه كما أشار إليه في التنوير، ولكل نصيب مما لصاحبه وإن اختلف البساط والله أعلم.
قاعدة 103
لزوم إقامة العبد حيث أقامه الله من غير التفات لمقام آخر وإن كان أتم في نظره
إقامة رسم الحكمة لازم، كالاستسلام للقدرة، فلزم إقامة العبد حيث أقيم من غير التفات لغيره، وإن كان الغير أتم في نظره، ما لم يختل شرط الإقامة بتخلف الفائدة أو عدم إقامة إمكان الحقوق الشرعية، فيتعين الانتقال للمثل حتى إذا تعذر الكل، جاز التجرد بل لزم ، فقد أقر عليه السلام على التجريد أهل الصفة، وأمر بالتسبب حكيم ابن حزام لما تعلقت نفسه بالعطاء، فمن ثم قال الخواص رضي الله عنه: "ما دامت الأسباب في النفس قائمة فالتسبب أولى، والأكل بكسب أحل له، لأن القعود لا يصلح لمن لم يستغن عن التكلف". انتهى وهو فصل الخطاب في بابه.
قاعدة 104
استواء الفعل والترك في المنفعة يقضي بترجيح الترك لأنه اسلم
استواء الفعل والترك في المنفعة يقضي بترجيح الترك، لأنه الأصل لاستصحابه السلامة، فمن ثم فضل الصمت عن الكلام حيث لا مرجح له، وترك الدنيا أخذها، والعزلة الصحبة سيما في زمان لا يأمن فيه الرجل جليسه والجوع والشبع إلى غير ذلك مما هو فقد في الحال فائدة في المال. ومنه ترك الشهوات عند قوم ما لم تعتقد القربة في ذلك، فلا يصح إلا بنية صالحة تحوله للندب، إذ قد أذن الله فيه، فليس أحد الجانبين بأولى من غيره في أخذه وتركه إلا بمرجح والله أعلم.
قاعدة 105
ما مدح أو ذم لا لذاته قد ينعكس حكمه لموجب يقتضي نقيضه
ما مدح أو ذم لا لذاته قد ينعكس حكمه لموجب يقتضي نقيضه. فقد صح:"الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه"، وصح: "لا تسبوا الدنيا فنعمت هي مطية المؤمن". ومدحت الرياسة لما تؤدي إليه من حفظ النظام، حتى أثنى الله على من طلب الرياسة الدينية إذ قال {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}. لما تؤدي إليه من الكبر والخروج عن الحق، ومدح الصمت للسلامة ، وذم عن الواجب الذي لا بد منه.
ومدح الجوع لتصفية الباطن وذم لإخلاله بالفكر، فلزم التوسط وهو في الجوع ما يشتهى إليه الخبز وحده، والمفرط ما يشتهى معه كل خبز، والكاذب ما ينضاف إليه كل شهوة غير معتادة له، فافهم.
قاعدة 106
قد يباح الممنوع لتوقع ما هو أعظم منه كالكذب في الجهاد لتفريق كلمة الكفار
قد يباح الممنوع لتوقع ما هو أعظم منه كالكذب في الجهاد لتفريق كلمة الكفار، وفي الإصلاح بين الناس للخير، وفي ستر مال المسلم أو عرضه ولو نفسه إذا سئل عن معصية عملها، أو مال أريد غصبه منه أو من غيره، لأن مفسدة الصدق في ذلك أعظم. وللزوجة والولد خوف نفورهما. وبالجملة فيسوغ لدفع مفسدة أعظم لا لجلب مصلحة. وكذا الغيبة تباح في التحذير والاستفتاء ونحوه مما ذكره الأئمة، وليس من ذلك قياس الخمول بالمحرمات لرفع الجاه بشربة خمر غص بهذا الجاه مباح، ولا يباح الممنوع لدفع المباح، وإن كان مضراً فاعلم ذلك، فافهم.
قاعدة 107
التدريج في تمرين النفس أسهل لتحصيل المراد منها
تمرين النفس في أخذ الشيء وتركه وسوقها بالتدريج، أسهل لتحصيل المراد منها. فلذلك قيل: ترك الذنوب أيسر من طلب التوبة، ومن ترك شهوته سبع مرات كلما عرضت له تركها لم يبتل بها، والله أكرم من أن يعذب قلبا بشهوة تركت لأجله.
وقال المحاسبي رحمه الله في صفة التوبة الخروج حكمة الأسباب معاندة لحكمانه يتوب جملة، ثم يتبع التفاصيل بالترك، فإن أمكن ذلك له)، وهو صحيح والله اعلم .
قاعدة 108
العبد لا يأمن مكر الله ولا ييأس من روح الله
بساط الكرم قاض بان الله تعالى لا يتعاظمه ذنب يغفره . وبساط الجلال قاض بان الله تعالى يأخذ العاصي ولا يمهله . فلزم أن يكون العبد ناظراً لهما في عموم أوقاته، حتى لو أطاع بأعظم الطاعات، لم يأمن مكر الله، ولو عصى بأعظم المعاصي لم ييأس من روح الله. وبحسب ذلك، فهو يتقي الله ما استطاع، ويتوب إليه، ولو عاد في اليوم ألف مرة، فافهم .
قاعدة 109
الخواص ثابتة في الأقوال والأفعال والأعيان وأعظمها خواص الأذكار
الخواص ثابتة في الأقوال والأفعال والأعيان وأعظمها خواص الأذكار، إذ ما عمل ادمي عملاً، أنجى له من عذاب الله من ذكر الله .
وقد جعلها الله للأشياء، كالأشربة والمعاجين في منافعها، لكل ما يخصه فلزم مراعاة العام في العموم، وفي الخاص بما يوافق حال الشخص وعلمه، مع اعتبار الجانب الشرعي في القصد في العمل، سيما وقد قال الإمام مالك رحمه الله في المجهولات الخروج حكمة الأسباب معاندة لحكم ما يدريك لعله يكفر) .
قلت : وقد رأيت من يرقى بألفاظ كفرية، والله أعلم.
قاعدة 110
جواز الأخذ بما اتضح معناه من الأذكار والأدعية وإن لم يصح رواية
بساط الشريعة، قاض بجواز الأخذ بما اتضح معناه من الأذكار والأدعية، وإن لم يصح رواية، كما نبه ابن العربي في السراج وغيره . وجاءت أحاديث في تأثير الدعاء الجاري على لسان العبد، والمنبعث من همته، حتى أدخل مالك رخمه الله في موطئه، في باب دعائه صلى الله عليه وسلم قول أبي الدرداء : (نامت العيون وهدأت الجفون ولم يبق إلا أنت يا حي يا قيوم) . وقال صلى الله عليه وسلم للذي دعا بـ : إني أسألك بأنك الله الأحد الصمد ....الخ، (لقد دعوت باسمه الأعظم) .
وكذا قال للذي دعا بـ: (يا ودود، يا ودود، يا ذا العرش المجيد)، إلى غير ذلك .فدل على أن كل واضح، مستحسن في ذاته، يحسن الأخذ به سيما أن استند لأصل شرعي، كرؤيا صالح، أو الهام ثابت المزية كأحزاب الشاذلي، والنووي، ونحوهما .
وفي أحزاب ابن سبعين كثير من المبهمات والموهمات فوجب التجنب جملةًَ لمحل الخطر، إلا لعالم يعتبر المعنى ولا يتقيد باللفظ فيه . والوظائف المجموعة من الأحاديث أكمل أمراً، إذ لا زيادةً فيها سوى الجمع سيما أن أخذت من المشايخ، وجل أحزاب الشاذلي عند التفصيل والنظر التام للعالم بالأحاديث من ذلك [مع ما تضمنته من التذكير والتأنيث بالأمور المطلوبة في الجملة والله سبحانه اعلم].
قاعدة 111
ما خرج مخرج التعليم وقف على وجهه من غير زيادة ولا نقص
ما خرج مخرج التعليم وقف على وجهه من غير زيادة ولا نقص .
فلقد روي أن رجلاً كان يذكر في دبر كل صلاة :سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، مائة مرة من كل وأحد.
فرأى كأن قائلاً يقول الخروج حكمة الأسباب معاندة لحكمأين الذاكرون أدبار الصلوات؟ فقام، فقيل له: ارجع فلست منهم إنما هذه المزية على الثلاث والثلاثين، فكل ما ورد فيه عدد قصر عليه، وكذا كل لفظ) .
نعم، اختلف في زيادة (( سيدنا )) في الوارد من كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، والوجه أن يقتصر على لفظه، حيث تعبد به ويزداد حيث ما يراد الفضل في الجملة.
وقال ابن العربي في زيادة: (( وارحم محمداً)) انه قريب من بدعة، وذكره في العارضة، والله أعلم.
قاعدة 112
العبد لا يعاتَب على تقصير لا سبب له فيه
حق العبد أن لا يفرط في مأمور، ولا يعزم على محظور، ولا يقصر في مندوب فإن قصر به الحال حتى وقع في الأول، والثاني، والثالث، لزمه الرجوع لمولاهُ بالتوبة واللجأ والاستغفار. ثم إن كان ذلك بسبب منه، عاتب نفسه ولامها، وإن كان لا بسبب منه فلا عتب على قدر لا سبب للعبد فيه . وحديث ذلك في سؤال علي وفاطمة، إذ سألهما عليه السلام عن عدم صلاتهما بالليل، فأجابه علي بقوله الخروج حكمة الأسباب معاندة لحكم( إن الله قبض أرواحنا فمر وهو يقول : وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً)) . ولما ناموا ليلة الوادي، حتى طلعت الشمس، قال عليه الصلاة والسلام: (( إن الله قبض أرواحنا )) وذلك أن علياً وفاطمة تسببا بوجود الجنابة، كما ذكره ابن أبي جمرة رحمه الله، فكان الجواب بالعذر وإن كان نفس الحق جدلاً [إذ سئلا] عن السبب، والصحابة في الوادي لم يتسببوا، بل وكلوا من يقوم لهم بالأمر من هو أهل للقيام به، فافهم.
قاعدة 113
ضرورة العزلة وفراغ القلب
فراغ القلب للعبادة والمعرفة مطلوب، فلزم الزهد وإسقاط الكلف، واختيار الأدنى، لأن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى.
ومن المشغلات الأحداث سنا وعقلا أو دينا، فلهذا نهى عن صحبتهم إذ التلون مانع الراحة، ولذا أمر بمجانبة الصحبة وإيثار العزلة سيما في هذه الأزمنة. لكن بشرطها وهو كفاية عن الخلق، كفايتهم عنه في الضرورة دينا ودنيا، مع سلامتهم من سوء ظنه وإقامة الشعائر الإسلامية من الواجبات والسنن المؤكدة، والله سبحانه اعلم.
قاعدة 114
الخلوة أخص من العزلة وهو بوجوهها وصورتها نوع من الاعتكاف
الخلوة أخص من العزلة وهو بوجوهها وصورتها نوع من الاعتكاف، ولكن لا في المسجد، وبما كانت فيه. وأكثرها عند القوم لا حد له، لكن السنة تشير للأربعين بمواعدة موسى عليه السلام.
والقصد في الحقيقة: الثلاثون، إذ هي أصل المواعدة، وجاور صلى الله عليه وسلم بحراء شهرا كما في مسلم.
وكذا اعتزل من نسائه، وشهر الصوم الواحد. وزيادة القصد ونقصانه كالمريد في سلوكه، وأقلها عشرا لاعتكافه عليه السلام العشر، وهي للكامل زيادة في حاله ولغيره ترقية، ولا بد من أصل يرجع إليه، والقصد بها تطهير القلب من أدناس الملابسة، وإفراد القلب لذكر وأحد، وحقيقة واحدة، ولكنها بلا شيخ مخطرة، وله فتوح عظيمة، وقد لا تصلح لأقوام فليعتبر كل أحد بها حاله، والله اعلم.
قاعدة 115
لا بد من عبادة ومعرفة وزهادة، لكل عابد وعارف وزاهد
لا بد من عبادة ومعرفة وزهادة، لكل عابد وعارف وزاهد. لكن من غلب عليه طلب (العلم) كان عابدا ومعرفته تبع لعبادته. ومن غلب عليه ترك الفضول كان زاهدا وعبادته ومعرفته تبع لزهده، ومن غلب عليه النظر للحق بإسقاط الخلق، كان عارفا وعبادته، وزهده تابعان لأصله. فالنسب تابعة للأصول، وإلا فالطرق متداخلة، ومن فهم غير ذلك فقد أخطأ، نعم يخفف الأمر ويقوى بحسب البساط والله سبحانه اعلم.
التزام اللازم للملزوم موصل إليه
التزام اللازم للملزوم موصل إليه، فمن ثم فضل الذكر غيره. إذا ما أردت أن يلزمك فالزم ملزوميته، وقد قال تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}. ولا أعظم من هذه الكرامة. وجعل لكل حدا ووقتا، إلا ذكره تعالي، إذ قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} و{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. و{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}.
ولأبي سعيد عن ابن جبان: (أذكر الله حتى يقولوا مجنون). والذكر منشور الولاية، فمن أعطي الذكر فقد أعطي المنشور.
قال شيخنا أبو العباس الحضرمي رضي الله عنه: (عليك بدوام الذكر وكثرة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي سلم ومعراج وسلوك إلى الله تعالي إذا لم يلق الطالب شيخا مرشدا).
فقد سمعت في ست وأربعين وثمانمائة بالحرم الشريف، رجلا من الصالحين روى لي ذلك عن بعض أهل الصدق مع الله تعالى وكلاهما معروفان رأيتهما والله سبحانه اعلم.
قاعدة 117
نورانية الأذكار محرقة لأوصاف العبد
نورانية الأذكار محرقة لأوصاف العبد، ومثيرة لحرارة طبعه بانحراف النفس عن طبعها. فمن ثم أمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأنها كالماء تقوي النفوس وتذهب وهج الطباع، وسر ذلك في السجود لآدم عند قولهم: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}. ولهذا أمر المشايخ بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند غلبة الوجد والذوق ولذلك شاهد. وقد أشار إليه الصديق رضي الله عنه إذ قال: (الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم أمحق للذنوب من الماء البارد للنار). (ألا ترى إلى آخره) فليعتمد. وقد نص في مفتاح الفلاح أن علامة الفتح، ثوران الحرارة في الباطن والله سبحانه اعلم.
قاعدة 118
لزوم مراعاة الدعاء من حيث الحكمة فالعبد مأمور به
النظر لسابق القسمة وواجب الحكمة، هو القاضي بان الدعاء عبودية اقترنت بسبب، كاقتران الصلاة بوقتها، وكذا الذكر المرتب لفائدة ونحوها، لأنك إذا قلت: تذكر، فإنما يذكر من يجوز عليه الإغفال. وإن قلت: تنبيه، فإنما ينبه من يمكن منه الإهمال. وإن قلت: تسبب، فجعل حكم الأزل أن ينضاف إلى العلل. وقد جاء الأمر به، وترتيب الإجابة، عليه، فلزم أن يرعى من حيث الحكمة ولذا صح بمرفوع منه كـ: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ}، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، عند من قال به وهو دعاء الأبدال، والله سبحانه اعلم.
قاعدة 119
استواء العبادتين في الأصل مع جواز ترك إحداهما للأخرى شرعا، يقضي بالبدلية فيهما
استواء العبادتين في الأصل مع جواز ترك إحداهما للأخرى شرعا، يقضي بالبدلية فيهما.
فالذكر بدل من الدعاء عند اعتراض الاشتغال به عنه وبالعكس، وقد صح من شغله ذكري عن مسائلتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، فظهرت أفضلية الذكر في هذه الحالة خلي عن الحض مع اعتراضه، والتعريض عند الخلو من دواعيهما أتم بجمعه بين صمت الصامت ونطق الناطق والتحقيق أن الأفضل في كل محل ما وقع فيه إذ الكل وقع لأنبياء الله في أحوال، وهم فيها على أفضل الأحوال، فافهم.
قاعدة 120
الحكم في العموم لا يقضي بجريانه للخصوص فاحتيج بالخاص لدليل يخصه
إعطاء الحكم في العموم لا يقضي بجريانه للخصوص فاحتيج بالخاص لدليل يخصه حتى يتخصص بهو من ذلك الجهر بالذكر والدعاء والجمع فيهما ولهما.
فأما الذكر فدليله: (إن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم).
قيل: ومن أدلته: {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو اشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق}.
وقال ابن عباس: (ما كنت اعرف انصراف الناس من الصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالذكر) رواه البخاري.
والجهر في ذكر العيد في أدبار الصلوات وبالثغور وفي الأسفار حتى قال عليه السلام: (أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا).
وقد جهر عليه السلام بأذكار في مواطن جمة، وكذا السلف. وصح قوله جوابا لأهل الخندق: (اللهم لا خير إلا خير الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة)، وكل هذه أدلة على الجهر والجمع. لكن في قضايا خاصة يكون وجودها مستندا، لا دليلا لاحتمال قصرها على ما وقعت فيه، وكونها مقصودة لغيرها لا لذاتها، فلزم تمهيد أصل آخر.
16151413121110987654 32 1
الكلمات المفتاحية :
التصوف
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: