الفقه الحنبلي - الجهاد - الغنائم
(مسألة) (ومن أخذ من دار الحرب طعاما أو علفا فله اكله وعلف دابته بغير اذن وليس له بيعه فان باعه رد ثمنه في المغنم) اجمع اهل العلم الا
من شذ منهم على ان للغزاة إذا دخلوا ارض الحرب ان يأكلوا ما وجدوا من الطعام ويعلفوا دوابهم من علفهم منهم سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والشعبي والقاسم وسالم والثوري والاوزاعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقال الزهري لا يؤخذ الا باذن الامام وقال سليمان بن موسى لا يترك الا أن ينهى عنه الامام فيتبع نهيه
ولنا ما روى عبد الله بن أبي أوفى قال اصبنا طعاما يوم خيبر فكان الرجل ياخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف.
رواه سعيد وأبو داود وروي ان صاحب جيش الشام كتب إلى عمر إنا اصبنا أرضا كثيرة الطعام والعلف وكرهت ان اتقدم في شئ من ذلك فكتب إليه دع الناس ياكلون ويعلفون فمن باع منهم شيئا بذهب أو فضة ففيه خمس الله وسهام المسلمين، رواه ابو سعيد وقد روى عبد الله بن مغفل قال دلي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته وقلت والله لا اعطي احدا منه شيئا فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فاستحييت منه، متفق عليه، ولان الحاجة تدعو إلى هذا وفي المنع منه مضرة بالجيش وبدوابهم فانه يعسر عليهم نقل الطعام والعلف من دار
الاسلام ولا يجدون بدار الحرب ما يشترونه ولو وجدوه لم يجدوا ثمنه ولا يمكن قسمة ما يأخذه الواحد منهم ولو قسم لم يحصل للواحد منهم شئ ينتفع به ولا يدفع به حاجته فأبيح لهم ذلك فمن أخذ من الطعام شيئا مما يقتات أو يصلح به القوت من الادم أو غيره أو العلف لدابته فهو أحق به سواء كان له ما يستغني به عنه أولا.
ويكون أحق بما يأخذه من غيره فان فضل منه مالا حاجة به إليه رده على المسلمين لانه انما أبيح له ما يحتاج إليه، وان اعطاه أحد من أهل الجيش ما يحتاج إليه جاز له أخذه وصار أحق به من غيره
وان باع شيئا من الطعام أو العلف رد قيمته في الغنيمة لما ذكرنا من حديث عمر وبه قال سليمان بن موسى والثوري والشافعي، وكره القاسم وسالم ومالك بيعه، وقال القاضي لا يخلو إما أن يبيعه من غاز أو غيره فان باعه لغيره فالبيع باطل لانه باع مال الغنيمة بغير ولاية ولا نيابة فيجب رد المبيع ورفض البيع فان تعذر رده رد قيمته أو ثمنه ان كان اكثر من قيمته إلى المغنم وان باعه لغاز لم يخل من أن يبدله بطعام أو علف مما له الانتفاع به أو بغيره فان باعه بمثله فليس هذا بيعا في الحقيقة انما سلم إليه مباحا وأخذ مثله مباحا، ولكل واحد منهما الانتفاع بما أخذه وصار احق به من غيره لثبوت يده عليه، فعلى هذا لو باع صاعا بصاعين أو افترقا قبل القبض جاز، وان باعه به نسيئة أو أقرضه اياه فأخذه فهو أحق به ولا يلزمه ايفاؤه فان وفاه ورده إليه عادت اليد إليه وان باعه بغير الطعام والعلف فالبيع غير صحيح ويصير المشترى احق به لثبوت يده عليه ولا ثمن عليه وان أخذه منه وجب رده إليه (فصل) (وان وجد دهنا فهو كسائر الطعام) لما ذكرنا من حديث عبد الله بن مغفل ولانه طعام فاشبه البر والشعير وان كان غير مأكول فاحتاج ان يدهن به أو يدهن دابته فظاهر كلام أحمد جوازه إذا كان من حاجة قال في زيت الروم إذا كان من ضرورة أو صداع فلا بأس فاما التزين فلا يعجبني وقال الشافعي ليس له دهن دابته من جرب الا بالقيمة لان ذلك لا تعم الحاجة إليه ويحتمل
كلام أحمد مثل هذا لانه ليس بطعام ولا علف ووجه الاول ان هذا مما يحتاج إليه لاصلاح نفسه ودابته أشبه الطعام والعلف وله أكل ما يتداوى به ويشرب الشراب من الجلاب والسكنجبين وغيرهما عند الحاجة إليه لانه من الطعام وقال أصحاب الشافعي ليس له تناوله لانه ليس من القوت ولا يصلح به القوت ولانه لا يباح مع عدم الحاجة إليه فلم يبح مع الحاجة كغير الطعام ولنا أنه طعام احتيج إليه أشبه الفواكه وما ذكروه يبطل بالفاكهة وإنما اعتبرنا الحاجة ههنا لان هذا لا يتناول في العادة الا عند الحاجة إليه (فصل) وللغازي ان يطعم دوابه ورقيقه مما يجوز له الاكل منه سواء كانوا للقنية أو للتجارة قال أبو داود قلت لابي عبد الله يشتري الرجل السبي في بلاد الروم يطعمهم من طعام الروم؟ قال نعم وروى عنه ابنه عبد الله أنه قال سألت أبي عن الرجل يدخل بلاد الروم ومعه الجارية والدابة للتجارة أيطعمها يعني الجارية وعلف الدابة؟ قال لا يعجبني ذلك فان لم يكن للتجارة فلم ير به بأسا فظاهر هذا أنه لا يجوز إطعام ما كان للتجارة لانه ليس مما يستعين به على الغزو وقال الخلال رجع أحمد عن هذه الرواية وروى عنه جماعة بعد هذا أنه لا بأس به وذلك لان الحاجة داعية إليه فاشبه مالا يراد به التجارة (فصل) قال أحمد ولا يغسل ثوبه بالصابون لان ذلك ليس بطعام ولا علف ويراد للتحسين والزينة ولا يكون في معناهما ولو كان مع الغازي فهد وكلب للصيد لم يكن له اطعامه من الغنيمة
فان أطعمه غرم قيمة ما أطعمه لان هذا يراد للتفرج والزينة وليس مما يحتاج إليه في الغزو بخلاف الدواب (فصل) ولا يجوز لبس الثياب ولا ركوب دابة من دواب المغنم لما روى رويفع بن ثابت الانصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يركب دابة من فئ المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يلبس ثوبا من فئ المسلمين حتى إذا اخلقه رده فيه) رواه سعيد (فصل) ولا يجوز الانتفاع بجلودهم واتخاذ النعل والجرب (والجورب) منها ولا الخيوط ولا الحبال وبهذا
قال ابن محيريز ويحيى بن أبي كثير واسماعيل بن عياش والشافعي ورخص في اتخاد الجرب من جلود الغنم سليمان بن موسى ورخص مالك في الابرة وفي الحبل يتخذ من الشعر والنعل والخف يتخذ من جلود البقر.
ولنا ماروى قيس بن أبي حازم ان رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكمنة شعر من المغنم فقال يا رسول الله انا نعمل الشعر فهبها لي فقال (نصيبي منها لك) رواه سعيد وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أدوا الخيط والمخيط فان الغلول نار وشنان يوم القيامة) ولان ذلك من الغنيمة ولا تدعو إلى أخذه حاجة عامة فاشبه الثياب (فصل) فاما كتبهم فان كانت مما ينتفع به ككتب الطب واللغة والشعر فهي غنيمة وان كانت
مما لا ينتفع به ككتب التوراة والانجيل وأمكن الانتفاع بجلودها أو ورقها بعد غسله غسل وهو غنيمة وإلا فلا ولا يحوز بيعها (فصل) وان أخذوا من الكفار جوارح للصيد كالفهد والبزاة فهي غنيمة تقسم وان كانت كلابا لم يجز بيعها وان لم يردها أحد من الغانمين جاز إرسالها وإعطاوها غير الغانمين وان رغب فيها بعض الغانمين دون بعض دفعت إليه ولم تحسب عليه لانها لا قيمة لها وان رغب فيها الجميع أو جماعة كثيرة فامكن قسمتها قسمت عددا من غير تقويم، وإن تعذر ذلك أو تنازعوا في الجيد منها فطلبه كل واحد منهم أقرع بينهما وان وجدوا خنازير قتلوها لانها مؤذية ولا نفع فيها وان وجدوا خمرا اراقوه فان كان في أوعيته نفع للمسلمين أخذوها وإلا كسروها لئلا يعودوا إلى استعمالها (مسألة) فان فضل معه منه شئ فادخله البلد رده في الغنيمة إلا ان يكون يسيرا فله أكله في إحدى الروايتين) أما الكثير فيجب رده بغير خلاف علمناه لان ما كان مباحا له في حال الحرب فإذا أخذه على وجه ففضل منه كثير إلى دار الاسلام فقد أخذ مالا يحتاج إليه فيلزمه رده لان الاصل تحريمه لكونه مشتركا بين الغانمين فهو كسائر المال وإنما ابيح منه ما دعت الحاجة إليه فما زاد يبقى على أصل التحريم
ولهذا لم يبح بيعه وأما اليسير ففيه روايتان
(إحداهما) يجب رده أيضا اختاره أبو بكر وهو قول أبي حنيفة وابن المنذر وأبي ثور وهو أحد قولي الشافعي لما ذكرنا في الكثير ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ادوا الخيط والمخيط) ولانه من الغنيمة ولم يقسم فلم يبح في دار الاسلام كالكثير وكما لو أخذه في دار الاسلام (والثانية) يباح وهو قول مكحول وخالد بن معدان وعطاء الخراساني ومالك والاوزاعي، قال أحمد اهل الشام يتساهلون في هذه وقد روى القاسم بن عبد بن الرحمن عن بعض اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال كنا نأكل الجزر في الغزو ولا نقسمه حتى ان كنا لنرجع إلى رحالنا وأخرجتنا منه مملوءة رواه ابو داود وسعيد، وعن عبد الله بن يسار السلمي قال دخلت على رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم إلي تميرا من تمير الروم فقلت لقد سبقت الناس بهذا؟ قال ليس هذا من العام هذا من العام الاول رواه الاثرم في سننه، وقال الاوزاعي أدركت الناس يقدمون بالقديد فيهديه بعضهم إلى بعض لا ينكره امام ولا عامل ولا جماعة، وهذا نقل للاجماع ولانه أبيح امساكه عن القسمة فأبيح في دار الاسلام كمباحات دار الحرب التي لا قيمة لها فيها ويفارق الكثير لانه لا يجوز امساكه عن القسمة ولان اليسير تجري فيه المسامحة ونفعه قليل بخلاف الكثير
(فصل) وإذا جمعت المغانم وفيها طعام أو علف لم يجز لاحد أخذه إلا للضرورة لاننا انما أبحنا أخذه قبل جمعه لانه لم يثبت فيه ملك المسلمين بعد فأشبه المباحات من الحطب والحشيش فإذا جمعت ثبت ملك المسلمين فيها فخرجت عن حيز المباحات وصارت كسائر املاكهم فلم يجز الاكل منها إلا لضرورة وهو أن لا يجدوا ما يأكلونه فحينئذ يجوز لان حفظ نفوسهم ودوابهم اهم وسواء حيزت في دار الحرب أو في دار الاسلام، وقال القاضي يجوز الاكل منها ما كانت في دار الحرب، وإن حيزت لان دار الحرب مظنة الحاجة لعسر نقل الميرة إليها بخلاف دار الاسلام والاولى أولى لان ما ثبت عليه أيدي المسلمين وتحقق ملكهم له لا ينبغي أن يؤخذ إلا برضاهم كسائر املاكهم ولان
حيازته في دار الحرب تثبت الملك فيه بدليل يجواز قسمته وثبوت احكام الملك فيه بخلاف ما قبل الحيازة فان الملك لم يثبت فيه بعد (مسألة) (ومن أخذ سلاحا فله ان يقاتل به حتى تنقضي الحرب ثم يرده وليس له ركوب الفرس في إحدى الروايتين) إذا دعت الحاجة إلى القتال بسلاحهم فلا بأس قال احمد إذا كان أبلى فيهم أو خاف على نفسه فنعم وذكر ما روي عن عبد الله بن مسعود قال انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وقد ضربت رجله
فقلت الحمد لله الذي أخزاك يا أبا جهل فأضربه بسيف معي غير طائل فوقع سيفه من يده فأخذت سيفه فضربته به حتى برد رواه الاثرم ولانهم أجمعوا على انه يجوز ان يلتقط النشاب ثم يرمي به العدو وهذا أبلغ من الذي يقاتل بسيف ثم يرده إلى المغنم أو يطعن برمح ثم يرده لان النشاب يرمي به فلا يرجع إليه والسيف يرده في الغنيمة وفي ركوب الفرس للجهاد عليه روايتان (احداهما) يجوز كالسلاح (والثانية) لا يجوز لحديث رويفع بن ثابت ولانها تتعرض للعطب غالبا وقيمتها كثيرة بخلاف السلاح والله تعالى أعلم (باب قسمة الغنائم) الغيمة كل ما أخذ من المشركين قهرا بالقتال واشتقاقها من الغنم وهي الفائدة وخمسها لاهل الخمس وأربعة أخماسها للغانمين لقول الله تعالى (واعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسه) فأضافها إليهم ثم جعل خمسها لله فدل على ان اربعة اخماسها لهم ثم قال (فكلوا مما غنتم حلالا طيبا) ولان النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنائم كذلك (فصل) ولم تكن الغنائم تحل لمن مضى بدليل قوله عليه السلام (أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي) فذكر منها (أحلت لي الغنائم) متفق عليه وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس غيركم كانت تنزل نار من السماء تأكلها) متفق عليه ثم كانت في أول
الاسلام لرسول الله بقوله تعالى (يسألونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول) ثم صار أربعة أخماسها للغانمين وخمسها لغيرهم لما ذكرنا وقال تعالى (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) (مسألة) (وان أخذ منهم مال مسلم فأدركه صاحبه قبل قسمه فهو أحق به، وان أدركه مقسوما فهو أحق به بثمنه وعنه لا حق لهم فيه، وان اخذه منهم أحد الرعية بثمن فصاحبه أحق به بثمنه وان أخذه بغير عوض فصاحبه أحق به بغير شئ) إذا اخذ الكفار أموال المسلمين ثم أخذها المسلمون منهم قهرا فان علم صاحبها قبل قسمها ردت إليه بغير شئ في قول عامة أهل العلم منهم عمر رضي الله عنه وسلمان بن ربيعة وعطاء والنخعي والليث والثوري ومالك والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وقال الزهري لا يرد إليه وهو للجيش ونحوه عن عمرو بن دينار لان الكفار ملكوه باستيلائهم فصار غنيمة كسائر أموالهم ولنا ما روى بن عمران غلاما له أبق إلى العدو فظهر عليه المسلمون فرده النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمر ولم يقسم وعنه قال ذهب فرس له فأخذها العدو فظهر عليه المسلمون فرد عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رواهما أبو داود وعن رجاء بن حيوة ان أبا عبيدة كتب إلى عمر بن الخطاب فيما أحرز المشركون من المسلمين ثم ظهر المسلمون عليه بعد قال من وجد ماله بعينه فهو أحق به ما لم يقسم رواه سعيد والاثرم
وكذلك ان علم الامام بمال مسلم قبل قسمه فقسمه وجب رده وصاحبه أحق به بغير شئ لان قسمته كانت باطلة من أصلها فهو كما لو لم يقسم فأما ان أدركه بعد القسم ففيه روايتان (احداهما) يكون صاحبه أحق به بالثمن الذي حسب به على آخذه وكذلك ان بيع ثم قسم ثمنه فهو احق به بالثمن وهذا قول أبي حنيفة والثوري والاوزاعي ومالك لما روى ابن عباس ان رجلا وجد بعيرا له كان المشركون أصابوه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (ان أصبته قبل ان نقسمه فهو لك وان أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة) ولانه انما امتنع أخذه له بشئ كيلا يفضي إلى حرمان آخذه من الغنيمة أو تضييع الثمن على المشتري وحقهما ينجبر بالثمن فيرجع صاحب المال في عين ماله بمنزلة مشتري الشقص المشفوع الا ان المحكي عن مالك وأبي حنيفة انه يأخذه بالقيمة ونحوه عن مجاهد
(والرواية الثانية انه لا حق له فيه بعد القسم بحال نص عليه أحمد في رواية أبي داود وغيره وهو قول عمر وعلي وسلمان بن ربيعة وعطاء والنخعي والليث قال أحمد أما قول من قال فهو احق به بالقيمة فهو قول ضعيف عن مجاهد وقال الشافعي وابن المنذر يأخذه صاحبه قبل القسمة و؟ ويعطي مشتريه ثمنه من خمس المصالح لانه لم يزل عن ملك صاحبه فوجب ان يستحق أخذه بغير شئ كما قبل القسمة ويعطي من حسب عليه القيمة لئلا يفضي إلى حرمان أخذه حقه من الغنيمة وجعل من بهم؟ المصالح لان هذا منها
ولنا ما روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى السائب ايما رجل من المسلمين أصاب رقيقه ومتاعه بعينه فهو أحق به من غيره، وان أصابه في أيدي التجار بعدما اقتسم فلا سبيل إليه وقال سلمان بن ربيعة إذا قسم فلا حق له فيه رواهما سعيد في سننه ولانه إجماع قال أحمد أنما قال الناس فيها قولين إذا اقتسم فلا شئ له وقال قوم إذا اقتسم فهو له بالثمن فاما ان يكون له بعد القسمة بغير ذلك فلم يقله أحد ومتى إنقسم أهل العصر على قولين في حكم لم يجز إحداث قول ثالث لمخالفته الاجماع وقد روى أصحابنا عن ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أدرك ماله قبل ان يقسم فهو له) وان أدركه بعد ان قسم فليس له فيه شئ والمعول على ما ذكرنا من الاجماع وقولهم لم يزل ملك صاحبه ممنوع (فصل) فان أخذه أحد من الرعية بهبة أو سرقة أو بغير شئ فصاحبه أحق به بغير شئ وقال أبو حنيفة لا يأخذه الا بقيمة لانه صار ملكا لواحد بعينه أشبه ما لو قسم ولنا ما روي ان قوما اغاروا على سرح النبي صلى الله عليه وسلم فاخذوا ناقة وجارية من الانصار فاقامت عندهم اياما ثم خرجت في بعض الليل قالت فما وضعت يدي على ناقة إلا رغت حتى وضعتها على ناقة ذلول فامتطيتها ثم توجهت إلى المدينة ونذرت ان نجاني الله عليها ان انحرها فلما قدمت المدينة استعرفت الناقة فإذا هي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخذها فقلت يا رسول الله أني نذرت ان انحرها
قال (بئس ما جازيتها لا نذر في معصية الله) وفي رواية (لا نذر فيما لا يملك ابن آدم) أخرجه مسلم
ولانه لم يحصل في يده بعوض فكان صاحبه أحق به بغير شئ كما لو أدركه في الغنيمة قبل القسمة فاما إن اشتراه رجل من العدو فليس لصاحبه أخذه الا بثمنه وقال القاضي وما حصل في يده بهبة أو سرقة أو شراء فهو كما لو وجده صاحبه بعد القسمة هل يكون صاحبه احق به بالقيمة؟ على روايتين ولنا الحديث المذكور وما روى سعيد باسناده قال اغار أهل ماه وجلولا على العرب فأصابوا شيئا من سبايا العرب ورقيقا ومتاعا ثم ان السائب بن الاكوع عامل عمر غزاهم ففتح ماه فكتب إلى عمر في سبايا المسلمين ورقيقهم ومتاعهم قد اشتراه التجار من أهل ماه فكتب إليه عمر إن المسلم أخو المسلم لا يحزنه ولا يخذله فايما رجل من المسلمين اصاب رقيقه ومتاعه بعينه فهو احق به وان اصابه في ايدي التجار بعد ما انقسم فلا سبيل إليه وايما حر اشتراه التجار فانه يرد عليهم رؤوس أموالهم فان الحر لا يباع ولا يشتري (فصل) وحكم اموال اهل الذمة إذا استولى عليها الكفار ثم قدر عليها حكم اموال المسلمين فيما ذكرنا قال علي رضي الله عنه إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا واموالهم كاموالنا ولان اموالهم معصومة فاشبهت اموال المسلمين
(فصل) فان غنم المسلمون من المشركين شيئا عليه علامة المسلمين ولم يعلم صاحبه فهو غنيمة قال احمد في مركب يجئ من مصر يقطع عليها الروم فيأخذونها ثم يأخذها المسلمون منهم ان عرف صاحبها فلا يؤكل منها وهذا يدل على جواز الاكل منها إذا لم يعرف صاحبها ونحو هذا قول الثوري والاوزاعي قال في المصحف يحصل في الغنائم يباع وقال الشافعي يوقف حتى يجئ صاحبه وان وجد شئ موسوم عليه حبس في سبيل الله رد كما كان نص عليه احمد وبه قال الاوزاعي والشافعي وقال الثوري يقسم ما لم يأت صاحبه ولنا ان هذا قد عرف هذا مصرفه وهو الحبس فهو بمنزلة مالو عرف صاحبه قيل لاحمد فالجواميس تدرك قد ساقها العدو للمسلمين وقد ردت يؤكل منها؟ قال إذا عرف لمن هي فلا يوكل منها قيل فما حازه العدو للمسلمين فأصابه المسلمون أعليهم أن يقفوه حتى يبين صاحبه؟ قال إذا عرف فقيل هذا لفلان وكان صاحبه بالقرب
قيل له أصيب غلام في بلاد الروم فقال أنا لفلان رجل بمصر؟ قال إذا عرف الرجل لم يقسم ورد على صاحبه قيل له أصبنا مركبا في بلاد الروم فيها النواتية قالوا هذا لفلان وهذا لفلان؟ قال هذا قد عرف صاحبه لا يقسم.
(مسألة) (وبذلك الكفار أموال المسلمين بالقهر ذكره القاضي وقال ابو الخطاب ظاهر كلام أحمد انهم لا يملكونها، وروي عن أحمد في ذلك روايتان).
(احداهما) أن الكفار يملكون أموال المسلمين بالقهر هذا قول مالك وأبي حنيفة.
(والرواية الثانية) لا يملكونها وهو قول الشافعي لحديث ناقة النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو الخطاب وهو ظاهر كلام احمد حيث قال ان أدركه صاحبه قبل القسم فهو أحق به قال انما منعه أخذه بعد القسمة لان قسمة الامام له تجري مجرى الحكم ومتى صادف الحكم أمرا مجتهدا فيه نفذ حكمه ولانه مال معصوم طرأت عليه يد عادية فلم يملك بها كالغصب ولان من لا يملك رقبة غيره بالقهر لا يملك ماله به كالمسلم مع المسلم.
ووجه الاول أن القهر سبب يملك به المسلم مال الكافر فملك به الكفار مال المسلم كالبيع، فأما الناقة فانما أخذها النبي صلى الله عليه وسلم لانه أدركها غير مقسومة ولا مشتراة فعلى هذا يملكونها قبل حيازتها إلى دار الكفر وهو قول مالك، وذكر القاضي انهم إنما يملكونها بالحيازة إلى دارهم وهو قول أبي حنيفة وحكي عن أحمد في ذلك روايتان: ووجه الاول أن الاستيلاء سبب للملك فيثبت قبل الحيازة إلى الدار كاستيلاء المسلمين على مال الكافر، ولان ما كان سببا للملك أثبته حيث وجد كالهبة والبيع، وفائدة الخلاف في ثبوت الملك وعدمه ان من أثبت الملك للكافر في أموال المسلمين أباح للمسلمين إذا ظهروا عليها قسمتها والتصرف فيها ما لم يعلم صاحبها وان الكافر إذا أسلم وهي في يده فهو أحق بها، ومن لم يثبت الملك اقتضى مذهبه عكس ذلك، قال الشيخ رحمه الله ولا أعلم خلافا
في أن الكافر الحربي إذا أسلم أو دخل الينا بامان بعد أن استولى على مال مسلم فاتلفه أنه لا يلزمه ضمانه فان أسلم وهو في يده فهو له بغير خلاف في المذهب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أسلم على شئ فهو له) وان كان أخذه من المستولي
عليه بهبة أو سرقة أو شراء فكذلك لانه استولى عليه في حال كفره فأشبه ما لو استولى عليه بقهره المسلم، وعن احمد ان صاحبه يكون احق به بالقيمة وان استولى على جارية مسلم فاستولدها ثم اسلم فهي له وهي أم ولده، نص عليه أحمد لانها مال فأشبهت سائر الاموال وان غنمها المسلمون وأولادها قبل اسلام سابيها فعلم صاحبها ردت إليه وكان أولادها غنيمة لانهم أولاد كافر حدثوا بعد ملك الكافر لها.
(فصل) وان استولوا على حر لم يملكوه مسلما كان أو ذميا، لا نعلم فيه خلافا لانه لا يضمن بالقيمة ولا تثبت عليه اليد بحال، وإذا قدر المسلمون على اهل الذمة بعد ذلك وجب ردهم إلى ذمتهم ولم يجز استرقاقهم في قول عامة العلماء منهم الشعبي ومالك والليث والاوزاعي والشافعي واسحاق ولا نعلم لهم مخالفا لان ذمتهم باقية ولم يوجد منهم ما يوجب نقضها وكلما يضمن بالقيمة كالعروض يملكونه بالقهر وكذلك العبد القن والمدبر والمكاتب وام الولد، وقال ابو حنيفة لا يملكون المكاتب وأم الود لانه لا يجوز نقل الملك فيهما فهما كالحر.
ولنا انهما يضمنان بالقيمة فملكوهما كالقن ويحتمل ان لا يملكوا ام الولد لانها لا يجوز نقل الملك فيها ولا يثبت فيها لغير سيدها، وفائدة الخلاف ان من قال بثبوت الملك فيهما قال متى قسما أو
اشتراهما انسان لم يكن لسيدهما اخذهما إلا بالثمن قال الزهري في ام الولد يأخذها سيدها بقيمة عدل وقال مالك يفديها الامام فان لم يفعل يأخذها سيدها بقيمة عدل ولا يدعها يستحل فرجها من لا تحل له، ومن قال لا يثبت الملك فيهما ردا إلى ما كانا عليه على كل حال كالحر وان اشتراهما انسان فالحكم فيهما كالحكم في الحر إذا اشتراه على ما نذكره ان شاء الله تعالى.
(فصل) وإذا ابق عبد المسلم إلى دار الحرب فأخذوه ملكوه كالدابة وهو قول مالك وأبي يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يملكونه وعن احمد مثل ذلك لانه إذا صار في دار الحرب زالت يد مولاه عنه وصار في يد نفسه فلم يملك كالحر.
ولنا أنه مال لو أخذوه من دار الاسلام ملكوه فإذا اخذوه من دار الحرب ملكوه كالبهيمة (مسألة) (وما اخذوا من دار الحرب من ركاز أو مباح له قيمة فهو غنيمة)
اما الركاز إذا وجده في موضع يقدر عليه بنفسه فهو له كما لو وجده في دار الاسلام فيه الخمس وباقيه له، وان لم يقدر عليه الا بجماعة من المسلمين فهو غنيمة، ونحو هذا قول مالك والاوزاعي والليث وقال الشافعي ان وجده في مواتهم فهو كما لو وجده في دار الاسلام.
ولنا ما روى عاصم بن كليب عن ابي الجوين الحرمي قال لقيت بارض الروم جرة فيها ذهب في
امرة معاوية وعلينا معن بن يزيد السلمي فاتيته بها فقسمها بين المسلمين وأعطاني مثل ما اعطى رجلا منهم ثم قال لولا اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا نفل الا بعد الخمس لاعطيتك) ثم اخذ يعرض علي من نصيبه فأبيت اخرجه ابو داود ولانه مال مشترك مظهور عليه بقوة جيش المسلمين فكان غنيمة كأموالهم الظاهرة.
(فصل) ومن وجد في دارهم لقطة فان كانت من متاع المسلمين فهو كما وجده في غير دار الحرب وان كانت من متاع المشركين فهي غنيمة، وان احتمل الامرين عرفها حولا ثم جعلها في الغنيمة نص عليه احمد، ويعرفها في بلد المسلمين لانها تحتمل الامرين فغلب فيها حكم مال المسلمين في التعريف وحكم مال أهل الحرب في كونها غنيمة احتياطا (فصل) وأما غير الركاز من المباح فما كان له قيمة في دار الحرب كالصيود والحجارة والخشب فالمسلمون شركاؤه فيه وبه قال أبو حنيفة والثوري.
وقال الشافعي ينفرد أخذه بملكه لانه لو أخذه من دار الاسلام ملكه فكذلك إذا اخذه من دار الحرب كالشئ التافه وهذا قول مكحول والاوزاعي ونقل ذلك عن القاسم وسالم
ولنا انه مال ذو قيمة مأخوذ من دار الحرب بقوة المسلمين فكان غنيمة كالمطعومات، وفارق ما أخذه من دار الاسلام لانه لا يحتاج إلى الجيش في أخذه فان احتاج إلى أكله والانتفاع به فله اكله ولا يرده لانه لو وجد طعاما مملوكا للكافر كان له اكله إذا احتاج إليه فما اخذه من الصيود والمباحات فهو أولى (فصل) فان أخذ ما لا قيمة له في أرضهم كالمسن والاقلام والادوية فله اخذه وهو أحق به وان صارت له قيمة بمعالجته أو نقله نص احمد رحمه الله على نحو هذا وبه قال مكحول والاوزاعي
والشافعي، وقال الثوري إذا جاء به إلى دار الاسلام رده في المقسم وان عالجه فصار له ثمن اعطي بقدر علمه فيه وبقيته في المقسم، ولنا ان القيمة انما صارت له بعمله أو بنقله فلم يكن غنيمة كما لو لم تصر له قيمة (فصل) وان ترك صاحب المقسم شيئا من الغنيمة عجزا عن حمله فقال من اخذ شيئا فهو له فمن أخذ شيئا ملكه نص عليه احمد، وسئل عن قوم غنموا غنائم كثيرة فبقي خرثي المتاع مما لا يباع ولا يشترى فيدعه الوالي بمنزلة الفخار وما أشبه ذلك أيأخذه الانسان لنفسه؟ قال نعم إذا ترك ولم يشتر ونحو هذا قول مالك، ونقل عنه أبو الخطاب في المتاع لا يقدرون على حمله إذا حمله رجل: يقسم وهذا قول ابراهيم، قال الخلال روى ابو طالب هذه في ثلاثة مواضع في موضع منها وافق اصحابه وفي موضع خالفهم قال ولا اشك ان ابا عبد الله قال هذا أولا ثم تبين له بعد ذلك ان للامام ان يبيحه وان يحرمه وان لهم أن يأخذوه إذا تركه الامام إذا لم يجد من يحمله لانه إذا لم يجد من يحمله ولم يقدر على حمله بمنزلة ما لا قيمة له فصار كالذي ذكرناه في الفصل قبل هذا
(مسألة) وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب ويجوز قسمها فيها) والدليل على ثبوت الملك عليها في دار الحرب ثلاثة امور [ احدها ] ان سبب الملك الاستيلاء التام وقد وجد فان أيدينا قد ثبتت عليها حقيقة وقهرناهم ونفيناهم عنها والاستيلاء يدل على حاجة المستولي فيثبت به الملك كما في المباحات [ الثاني ] ان ملك الكفار قد زال عنها بدليل انه لا ينفذ عتقهم في العبيد الذين حصلوا في الغنيمة ولا ينفذ تصرفهم فيها ولا يزول ملكهم إلى غير مالك إذ ليست في هذه الحال مباحة علم ان ملكهم زال إلى الغانمين [ الثالث ] انه لو اسلم عبدالحربي ولحق بجيش المسلمين صار حرا وهذا يدل على زوال ملك الكافر وثبوت الملك لمن قهره (فصل) وإذا ثبت الملك فيها جازت قسمتها وبهذا قال مالك والاوزاعي والشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وقال اصحاب الرأي لا يقسم إلا في دار الاسلام لان الملك لا يتم عليها إلا بالاستيلاء
التام ولا يحصل إلا باحرازها في دار الاسلام فان قسمت أساء قاسمها وجازت قسمته لانها مسألة مجتهد فيها فإذا حكم فيها الامام بما يوافق قول بعض المجتهدين نفذ حكمه ولنا ماروى ابو إسحاق الفزاري قال قلت للاوزاعي هل قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من الغنائم بالمدينة؟ قال لا أعلمه انما كان الناس يبتغون غنائمهم ويقسمونها في أرض عدوهم ولم يقفل
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غزاة قط اصاب فيها غنيمة إلا خمسه وقسمه من قبل ان يققل، ومن ذلك غزوة بني المصطلق وهوازن وخيبر، ولان كل دار صحت القسمة فيها جارت كدار الاسلام ولان الملك ثبت فيها بالقهر بما ذكرنا من الادلة فصحت قسمتها كما لو أحرزت بدار الاسلام، وبهذا يحصل الجواب عما ذكروه (مسألة) (وهي لمن شهد الوقعة من اهل القتال، قاتل أو لم يقاتل من تجار العسكر وأجرائهم الذين يستعدون للقتال) قوله: وأجرائهم يعني اجراء التجار، وانما كانت الغنيمة لمن شهد الوقعة وان لم يقاتل لما روي عن عمر رضي الله عنه انه قال: الغنيمة لمن شهد الوقعة ولان غير المقاتل ردء له معين فشاركه كردء المحارب فصل والتاجر والصانع كالخياط والخباز والبيطار ونحوهم يسهم لهم إذا حضروا نص عليه احمد قال اصحابنا قاتلوا أو لم يقاتلوا وبه قال في التاجر الحسن وابن سيرين والثوري والاوزاعي والشافعي وقال مالك وابو حنيفة لا يسهم لهم الا ان يقاتلوا، وعن الشافعي لا يسهم لهم بحال
قال القاضي في التاجر والاجير إذا كانا مع المجاهدين وقصدهما الجهاد وإنما معه المتاع ان طلب؟ منه باعه والاجير قصده الجهاد أيضا فهذان يسهم لهما لانهما غازيان والصناع بمنزلة التجار متى كانوا مستعدين للقتال ومعهم السلاح فمتى عرض اشتغلوا به أسهم لهم لما ذكرنا من حديث عمر ولانهم في الجهاد بمنزلة غيرهم وإنما يشتغلون بغيره عند فراغهم منه، وان لم يكونوا مستعدين للقتال لم يسهم
لهم لانهم لا نفع في حضورهم أشبهوا المخذل (مسألة) (فاما المريض العاجز عن القتال والمخذل والمرجف والفرس الضعيف العجيف فلا حق له) أما المريض الذي لا يتمكن من القتال فان خرج بمرضه عن أهلية الجهاد كالزمن والاشل والمفلوج فلا سهم له لانه لم يبق من أهل الجهاد، وان لم يخرج بمرضه عن ذلك كالمحموم ومن به الصداع فانه يسهم له ويعين برأيه وتكثيره ودعائه وكذلك المخذل والمرجف ومن في معناه ممن يدل على عوارات المسلمين وبؤوي جواسيس الكفار ويوقع بينهم العداوة لا يسهم له وان قاتل لان ضرره أكثر من نفعه، وكذلك لا يسهم لفرس ينبغي للامام منعه كالحطم والصدع والاعجف وان شهد عليه الوقعة وبهذا قال مالك وقال الشافعي يسهم له كما يسهم للمريض ولنا أنه لا ينتفع به فلم يسهم له كالمخذل والمرجف ولانه حيوان يتعين منعه من الدخول فلم يسهم له كالمرجف وأما المريض فانه يعين برأيه وتكثيره ودعائه بخلاف الفرس
(مسألة) (وإذا ألحق مدد وهرب أسير فادركوا الحرب قبل تقضيها أسهم لهم، وان جاءوا بعد إحراز الغنيمة فلا شئ لهم) وجملة ذلك ان الغنيمة إنما هي لمن شهد الوقعة لما ذكرنا من قول عمر رضي الله عنه لانهم إذا قدموا قبل انقضاء الحرب فقد شاركوا الغانمين في السبب فشاركوهم في الاستحقاق كما لو قدموا قبل الحرب فمن تجدد بعد ذلك من مدد يلحق بالمسلمين أو اسير ينفلت من الكفار فيلحق بجيش المسلمين أو كافر يسلم فلا حق له فيها وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة في المدد يلحقهم قبل القسمة أو احرازها بدار الاسلام: شاركهم لان ملكها لا يتم الا بتمام الاستيلا وهو الاحراز إلى دار الاسلام أو قسمها فمن جاء قبل ذلك فقد ادركها قبل ملكها فاستحق منها كما لو جاء في اثناء الحرب، وان مات احد من العسكر قبل ذلك فلا شئ له لما ذكرنا وقد روى الشعبي ان عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد أسهم لمن اتاك قبل ان تتفقأ قتلى فارس.
ولنا ما روي ابو هريرة ان أبان بن سعيد بن العاص واصحابه قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر
بعد ان فتحها فقال ابان اقسم لنا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اجلس يا أبان) ولم يقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابو داود وعن طارق بن شهاب أن اهل البصرة غزوا نهاوند فأمدهم أهل الكوفة فكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه فكتب عمر إن الغنيمة لمن شهد الوقعة، رواه سعيد
في سننه وروي نحوه عن عثمان رضي الله عنه في غزوة أرمينية ولانه مدد لحق بعد تقضي الحرب أشبه ما لو جاء بعد القسمة أو بعد احرازها بدار الاسلام وقولهم إن ملكها باحرازها إلى دار الاسلام ممنوع بل هو بالاستيلاء وقد استولى عليها الجيش قبل المدد وحديث الشعبي مرسل يرويه مجالد وقد تكلم فيه ثم هم لا يعملون به ولا نحن فقد حصل الاجماع على خلافه فكيف يحتج به؟ (فصل) وحكم الاسير يهرب إلى المسلمين حكم المدد سواء قاتل أو لم يقاتل في أنه يستحق من الغنيمة إذا هرب قبل تقضي الحرب، وقال ابو حنيفة لا يسهم له الا أن يقاتل لانه لم يأت للقتال بخلاف المدد.
ولنا ان من استحق إذا قاتل استحق وان لم يقاتل كالمدد وسائر من حضر الوقعة.
(فصل) فان لحقهم المدد بعد تقضي الحرب وقبل احراز الغنيمة أو جاءهم الاسير فظاهر كلام الخرقي انه يشاركهم لانه جاء قبل إحرازها، وقال القاضي تملك الغنيمة بانقضاء الحرب قبل حيازتها فعلى هذا لا يسهم لهم، وان حازوا الغنيمة ثم جاءهم قوم من الكفار يقاتلونهم فادركهم المدد فقاتلوا معهم فقد قال احمد إذا غنم المسلمون غنيمة فلحقهم العدو وجاء المسلمين مدد فقاتلوا العدو معهم حتى سلموا الغنيمة فلا شئ لهم في الغنيمة لانهم انما قاتلوا عن اصحابهم دون الغنيمة لان الغنيمة قد صارت في ايديهم وحووها قيل له فان اهل المصيصة غنموا ثم استنقذه منهم العدو فجاء اهل طرسوس فقاتلوا معهم حتى استنقذوه فقال احب إلى (إلي) ان يصطلحوا، اما في الصورة الاولى فان الاولين
قد أحرزوا الغنيمة وملكوها بحيازتها فكانت لهم دون من قاتل معهم وأما في الصورة الثانية فانما حصلت الغنيمة بقتال الذين استنقذوها في المرة الثانية فينبغي ان يشتركوا فيها لان الاحراز الاول
قد زال باخذ الكفار لها ويحتمل ان الاولين قد ملكوها بالحيازة الاولى ولم يزل ملكهم باخذ الكفار لها منهم فلهذا أحب أحمد أن يصطلحوا على هذا.
(فصل) ومن بعثه الامير لمصلحة الجيش مثل الرسول والدليل والجاسوس واشباههم فانه يسهم له وان لم يحضر لانه في مصلحة الجيش أشبه السرية ولانه إذا اسهم للمتخلف عن الجيش فهؤلاء أولى وبهذا قال أبو بكر بن أبي مريم وراشد بن سعد وعطية بن قيس قالوا وقد تخلف عثمان رضي الله عنه يوم بدر فاجرى له رسول الله صلى الله عليه وسلم سهما من الغنيمة ويروى عن عمر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يعني يوم بدر فقال (ان عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله وإني أبايع له) فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه ولم يضرب لاحد غاب غيره رواه أبو داود وعن ابن عمر قال انما تغيب عثمان عن بدر لانه كانت تحته ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (ان لك أجر رجل ممن شهد بدار وسهمه) رواه البخاري (فصل) وسئل أحمد عن قوم خلفهم الامير في بلاد العدو وغزا وغنم ولم يمر بهم فرجعوا هل يسهم لهم؟ قال نعم يسهم لهم لان الامير خلفهم قيل له وان نادى الامير من كان صبيا فليتخلف فتخلف قوم
فصاروا إلى لؤلؤة وفيها المسلمون فأقاموا حتى فصلوا فقال إذا كانوا قد التجئوا إلى مأمن لهم لم يسهم لهم، ولو تخلفوا وأقاموا في موضع خوف اسهم لهم، وقال في قوم خلفهم الامير واغار في جلد الخيل فقال ان اقاموا في بلد العدو حتى رجع اسهم لهم، وان رجعوا حتى صاروا إلى مأمنهم فلا شئ لهم قيل له فان اعتل رجل أو اعتلت دابته وقد ادرب فقال له الامير اقم اسهم لك أو انصرف إلى اهلك أسهم لك فكرهه وقال هذا ينصرف إلى اهله فكيف يسهم له؟ (مسألة) (وإذا أراد القسمة بدأ بالاسلاب فدفعها إلى اهلها) وإن كان فيها مال لمسلم أو لذمي دفع إليه لان صاحبه متعين ولانه استحقه بسبب سابق ثم بمؤنة الغنيمة من اجرة النقال والجمال والحافظ والمخزن والحاسب لانه لمصلحة الغنيمة ثم بالرضخ في احد الوجهين لانه استحق بالمعاونة في تحصيل الغنيمة اشبه اجرة النقالين والحافظين في الآخر يبدأ
بالخمس قبله لانه استحق بحضور الوقعة فأشبه سهام الغانمين وهذا اقيس وللشافعي قولان كالروايتين (مسألة) (ثم يخمس الباقي فيقسم خمسة على خمسة اسهم سهم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم يصرف مصرف الفئ وسهم لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطالب حيث كانوا للذكر مثل حظ الانثيين غنيهم وفقيرهم فيه سواء وسهم لليتامى الفقراء وسهم للمساكين وسهم لابناء السبيل من المسلمين) لا خلاف بين اهل العلم في ان الغنيمية مخموسة بقوله تعالى (واعلموا ان ما غنمتم من شئ فان لله
خمسه) الآية لكن اختلف في اشياء منها سلب القاتل والاكثرون على أنه مخموس ومنها إذا قال الامام من جاء بعشرة رؤوس فله رأس ومن طلع الحصن فله كذا والظاهر ان هذا غير مخموس لانه في معنى السلب وقد ذكرنا الاختلاف في السلب ومنها إذا قال الامام من اخذ شيئا فهو له وقلنا بجواز ذلك فقد قيل لا خمس فيه لانه في معنى ما قبله قال شيخنا والصحيح ان الخمس لا يسقط ههنا لدخوله في عموم الآية وليس هو في معنى السلب والنفل لان ترك تخميسها لا يسقط خمس الغنيمة بالكلية وهذا يسقطه بالكلية فلا يكون تخصيصا للآية بل نسخا لحكمها ونسخا بالقياس غير جائز اتفاقا ومنها ان دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب فغنموا بغير إذن الامام وقد ذكرناه (فصل) والخمس مقسوم على خمسة أسهم كما ذكرنا ههنا وبه قال عطاء ومجاهد والشعبي والنخعي وقتادة وابن جريج والشافعي وقيل يقسم على سته أسهم سهم لله تعالى وسهم لرسوله لظاهر قوله تعالى (واعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) فعد ستة وجعل الله تعالى لنفسه سهما سادسا وهو مردود على عباد الله أهل الحاجة، وقال ابو العالية سهم الله عزوجل هو أنه إذا عزل الخمس ضرب بيده فيه فما قبض عليه من شئ جعله للكعبة فهو الذي سمى الله لا تجعلوا لله نصبيا فان لله الدنيا والآخرة ثم يقسم بقية السهم الذي عزله على خمسة أسهم وروي عن الحسن وقتادة في سهم ذوي القربى: كانت طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته فلما توفي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله وروى ابن عباس ان أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قسما الخمس على ثلاثة أسهم وهو قول أصحاب الرأي قالوا يقسم الخمس على ثلاثة اليتامى والمساكين وابن السبيل
واسقطوا سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته وسهم قرابته أيضا وقال مالك الفيئ والخمس واحد يجعلان في بيت المال قال ابن القاسم وبلغني عن من أثق به ان مالكا قال يعطي الامام أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يرى وقال الثوروي الخمس يضعه الامام حيث أراه الله ولنا قوله تعالى (واعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) وسهم الله والرسول واحد كذا قال عطاء والشعبي، وقال الحسن بن محمد ابن الحنيفة وغيره قوله (فأن لله خمسه) افتتاح كلام يعني ان ذكر الله تعالى لافتتاح الكلام باسمه تبركا به لا لافراده بسهم فان لله تعالى الدنيا والآخرة وقد روي عن ابن عمر وابن عباس قالا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الخمس على خمسة، وما ذكره أبو العالية فشئ لا يدل عليه رأي ولا يقتضيه قياس فلا يصار إليه إلا بنص صحيح ولا نعلم في ذلك أثرا صحيحا سوى قوله، فلا يترك له ظاهر النص وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله من أجل قول أبي العالية، وما قاله أبو حنيفة فمخالف لظاهر الآية فان الله تعالى سمى لرسوله وقرابته شيئا وجعل لهما في الخمس حقا كما سمى الثلاثة الاصناف الباقية فمن خالف ذلك فقد خالف نص الكتاب، وأما حمل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما سهم ذي القربى في سبيل الله فقد ذكر لاحمد فسكت ولم يذهب إليه ورأى ان قول ابن عباس ومن وافقه أولى لموافقته كتاب الله وسنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم فان ابن عباس لما سئل عن سهم ذي القربى فقال إنا كنا نزعم انه لنا فأبى ذلك علينا قومنا، ولعله أراد
بقوله ابى ذلك علينا قومنا فعل ابي بكر وعمر في حملهما عليه في سبيل الله ومن تبعهما على ذلك، ومتى اختلف الصحابة وكان قول بعضهم يوافق الكتاب والسنة كان اولى وقول ابن عباس موافق للكتاب والسنة فان جبير بن مطعم روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من الخمس شيئا كما كان يقسم لبني هاشم وبني المطلب، وان ابا بكر كان يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غير انه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يعطيهم وكان عمر يعطيهم
وعثمان من بعده، رواه احمد في مسنده وقد تكلم في رواية ابن عباس عن أبي بكر وعمر انهما حملا على سهم ذي القربى في سبيل الله فقيل انه يرويه محمد بن مروان وهو ضعيف عن الكلبي وهو ضعيف أيضا ولا يصح عند أهل النقل فان قالوا فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس بباق فكيف يبقى سهمه؟ قلنا جهة صرفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة المسلمين والمصالح باقية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما يحل لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس وهو مردود عليكم) رواه سعيد (فصل) فسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف في مصالح المسلمين لما روى جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول بيده وبرة من بعير ثم قال (والذي نفسي بيده مالي مما أفاء الله إلا الخمس، والخمس مردود عليكم) فجعله لجميع المسلمين ولا يمكن صرفه إلى جميعهم إلا بصرفه في مصالحهم من سد الثغور
وكفاية أهلها وشراء الكراع والسلاح ثم الاهم فالاهم على ما نذكره في الفيئ ان شاء الله تعالى ونحوه قول الشافعي فانه قال أختار ان يضعه الامام في كل أمر خص به الاسلام وأهله من سد ثغر وإعداد كراع وسلاح وإعطائه أهل البلاء في الاسلام نفلا عند الحرب وغير الحرب وعن أحمد ان سهم الرسول الله صلى الله عليه وسلم يختص بأهل الديوان لان النبي صلى الله عليه وسلم استحقه بحصول النصرة فيكون لمن يقوم مقامه في النصرة، وعنه انه يصرف في الكراع والسلاح لان ذلك يروى عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهذا السهم كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنيمة حضر أو لم يحضر كما ان بقية أصحاب الخمس يستحقون وان لم يحضروا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع به ما شاء فلما توفي وليه أبو بكر ولم يسقط بموته، وقد قيل انما أضافه الله تعالى إلى نفسه وإلى رسوله ليعلم ان جهته جهة المصلحة وانه ليس بمختص بالنبي صلى الله عليه وسلم فيسقط بموته وقد زعم قوم انه سقط بموته ويرد على الانصباء الباقية من الخمس لانهم شركاؤه، وقال آخرون بل يرد على الغانمين لانهم استحلوها بقتالهم وحرمت منها سهام منها سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دام حيا فلما مات وجب رده إلى من وجد فيه سبب الاستحقاق كما ان تركة الميت إذا خرج منها سهم بوصية ثم بطلت الوصية رد إلى التركة،
وقالت طائفة هو للخليفة بعده لان أبا بكر رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (إذا أطعم الله نبيا طعمة ثم قبضه فهي للذي يقوم بها من بعده وقد رأيت أن أرده على المسلمين) والصحيح انه باق وانه يصرف في مصالح المسلمين لكن الامام يقوم مقام النبي صلى الله عليه وسلم في صرفه فيما يرى فان أبا بكر
قال لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه الا صنعته، متفق عليه، واتفق هو وعمر والصحابة رضي الله عنهم على وضعه في الخيل والعدة في سببل الله، هكذا روي عن الحسن بن محمد بن الحنفية (فصل) وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المغنم الصفي وهو شئ يخناره من المغنم قبل القسمة كالجارية والعبد والثوب والسيف ونحوه هذا قول محمد بن سيرين والشعبي وقتادة وغيرهم من أهل العلم وقال أكثرهم ان ذلك انقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم قال أحمد الصفي إنما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصا لم يبق بعده لا نعلم مخالفا لهذا إلا أبا ثور فانه قال كان الصفي ثابتا للنبي صلى الله عليه وسلم فللامام ان يأخذه على نحو ماكان يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ويجعله مجعل سهم النبي صلى الله عليه وسلم من خمس الخمس فجمع بين الشك فيه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومخالفة الاجماع في ابقائه بعد موته، قال ابن المنذر لا أعلم أحدا سبق أبا ثور إلى هذا القول وقد أنكر قوم كون الصفي لرسول الله صلى الله عليه وسلم واحتجوا بحديث جبير بن مطعم وقد روى أبو داود باسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ولان الله تعالى قال (واعلموا أنما غنمتم من شئ فان لله خمسه) فمفهومه ان باقيها للغانمين ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى بني زهير بن قيس (إنكم ان شهدتم ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله وآتيتم الزكاة واديتم الخمس من المغنم وسهم الصفي إنكم آمنون بامان الله ورسوله)) رواه
أبو داود، وفي حديث وفد عبدالقبيس (عبد القيس) الذي رواه ابن عباس (وان تعطوا سهم النبي صلى الله عليه وسلم والصفي) وقالت عائشة رضي الله عنها كانت صفية من الصفي رواه أبو داود، وأما انقطاعه بعد النبي صلى الله عليه وسلم فثابت باجماع الامة قبل أبي ثور وبعده وكون الخلفاء الراشدين ومن بعدهم لم يأخذوه ولا يجمعون الاعلى الحق (فصل) (والسهم الثاني) لذي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب حيث كانوا غنيهم وفقيرهم
فيه سواء للذكر مثل حظ الانثيين وسهم ذوي القربى ثابت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا ذلك والخلاف فيه وقد دل عليه ماروى جبيربن مطعم قال وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب وذكر الحديث وهو حديث صحيح رواه ابو داود ولم يأت لذلك نسخ ولا تغيير فوجب القول به والعمل بحكمه (فصل) وهم بنو هاشم وبنو المطلب ابنا عبد مناف دون غيرهم لما روى جبير بن مطعم قال لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى من حنين بين بني هاشم وبني المطلب اتيت انا وعثمان بن عفان فقلنا يارسول الله أما بنو هاشم فلا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم فما بال أخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة؟ فقال (إنهم لم يفارقوني في
جاهلية ولا إسلام، وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد) وشبك بين اصابعه رواه أحمد وروى البخاري فراعى لهم النبي صلى الله عليه وسلم نصرتهم وموافقتهم بني هاشم، ولا يستحق من كانت أمه منهم وأبوه من غيرهم لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفع إلى أقارب أمه وهو بنو زهرة شيئا ولم يدفع أيضا إلى بني عماته كالزبير بن العوام وعبد الله بن جحش ونحوهم (فصل) ويستوي فيه الذكر والانثى لدخولهم في اسم القرابة واختلفت الرواية في قسمه بينهم فعن أحمد أنه يقسم للذكر مثل حظ الانثيين هذا اختيار الخرقي ومذهب الشافعي لانه سهم استحق بالقرابة من الاب شرعا ففضل فيه الذكر على الانثى كالميراث ويفارق الوصية وولد الام لان الوصية استحقت بقول الموصي وولد الام استحقوا الميراث بقرابة الام وعنه أنه يساوى بين الذكر والانثى وهو قول أبي ثور والمزني وابن المنذر لانهم أعطوا باسم القرابة والذكر والانثى فيها سواء فاشبه مالو وقف على قرابة فلان ألا ترى ان الجد يأخذ مع الاب وابن الاب يأخذ مع الابن وهذا يدل على مخالفة المواريث ولانه سهم من خمس الخمس لجماعة فاستوى فيه الذكر والانثى كسهم اليتامى ويسوى بين الصغير والكبير على الروايتين لاستوائهم في القرابة وقياسا على الميراث (فصل) ويفرق فيهم حيث كانوا ويجب تعميمهم به حسب الامكان وهذا قول الشافعي وقال
قوم يختص كل أهل ناحية بخمس مغزاها الذي ليس لهم مغزى سواه فما يوجد من مغزى الروم لاهل الشام والعراق وما يوجد من مغزى الترك لمن في خراسان من ذوي القربى لما يلحق من المشقة في نقله ولانه بتعذر تعميمهم فلم يجب كأصناف الزكاة ووجه الاول أنه سهم مستحق بقرابة الاب فوجب
دفعه إلى كل المستحقين كالميراث فعلى هذا يبعث الامام إلى عماله في الاقاليم وينظر كم حصل من ذلك فان استوت فيه فرق كل خمس خمس فيمن قاربه وان اختلفت أمر بحمل الفضل ليدفع إلى مستحقه كالميراث وفارق الصدقة حيث لا تنقل لان كل بلد لا يكاد يخلو من صدقة تفرق على فقراء أهله والخمس يوجد في بعض الاقاليم فلو لم ينقل لادى إلى اعطاء البعض وحرمان البعض قال شيخنا والصحيح ان شاء الله أنه لا يجب التعميم لانه يتعذر فلم يجب كتعميم المساكين وما ذكر من بعث الامام عماله فهو متعذر في زماننا لان الامام لم يبق له حكم إلا في بعض بلاد الاسلام ولم يبق له جهة في الغزو ولا له فيه أمر ولان هذا سهم من سهام الخمس فلم يجب تعميمه كسائر سهامه فعلى هذا يفرقه كل سلطان فيما أمكن من بلاده (فصل) ويستوي فيه غنيهم وفقيرهم، وهذا قول الشافعي وأبي ثور.
وقيل يختص بالفقير كبقية السهام.
ولنا عموم قوله تعالى (ولذي القربى) وهو عام لا يجوز تخصيصه بغير دليل ولان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي أقاربه كلهم وفيهم الغني كالعباس وغيره ولم ينقل عنه تخصيص الفقراء منهم ولانه مال مستحق بالقرابة فاستوى فيه الغني والفقير كالميراث والوصية للاقارب ولان عثمان وجبيرا طلبا حقهما وسألا عن علة المنع لهما ولاقاربهما وهما موسران فعلله النبي صلى الله عليه وسلم بنصرة بني المطلب دونهم
وكونهم مع بني هاشم كالشئ الواحد ولو كان اليسار مانعا والفقر شرطا لم يطلبا مع عدمه ولعل النبي صلى الله عليه وسلم منعهما بيسارهما وانتفاء فقرهما (فصل) والسهم الثالث لليتامى واليتيم الذي لا أب له ولم يبلغ الحلم لقول النبي (لايتم بعد
احتلام) قال بعض أصحابنا لا يستحقون الا مع الفقر وهو المشهور من مذهب الشافعي لان ذا الاب لا يستحق والمال أنفع من وجود الاب، ولانه صرف إليهم لحاجتهم فان اسم اليتيم يطلق عليهم في العرف للرحمة ومن كان اعطاؤه لذلك اعتبرت الحاجة وفارق ذوي القربى فانهم استحقوا لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم تكرمة لهم والغني والفقير في القرب سواء فاستويا في الاستحقاق.
قال شيخنا: ولم أعلم هذا نصا عن احمد والآية تقتضي تعميمهم وقال بعض أصحاب الشافعي له قول آحر أنه للغني والفقير لعموم النص في كل يتيم ولانه لو خص به الفقير لكان داخلا في جملة المساكين الذين هم اصحاب السهم الرابع وكان يستغنى عن ذكرهم وتسميتهم، وقال أصحابنا ويفرقه الامام في جميع الاقطار ولا يختص به أهل ذلك المغزى، والقول فيه كالقول في سهم ذي القربى وقد تقدم القول فيه: (فصل) والسهم الرابع للمساكين للآية وهم اهل الحاجة فيدخل فيهم الفقراء فالفقراء والمساكين صنفان في الزكاة وصنف واحد ههنا وفي سائر الاحكام وإنما يقع التميز بينهما إذا جمع بينهما بلفظين ولم يرد ذلك الا في الزكاة، وقد ذكرناهم في أصنافها.
قال أصحابنا: ويعم بها جميعهم في جميع
البلاد كقولهم في سهم ذي القربى واليتامى وقد تقدم القول في ذلك ولان تعميمهم يتعذر فلم يجب كما لا يجب تعميمهم في الزكاة (فصل) والسهم الخامس لابناء السبيل وقد ذكرناه في الزكاة ويعطى كل واحد منهم قدر ما يصل به إلى بلده كما ذكرنا في الزكاة فان اجتمع في واحد أسباب كالمسكين واليتيم وابن السبيل استحق بكل واحد منهما لانها اسباب لاحكام فوجب أن تثبت أحكامها كما لو انفردت، فان أعطاه ليتمه فزال فقره لم يعط لفقره شيئا (فصل) ولا حق في الخمس لكافر لانه عطية من الله تعالى فلم يكن لكافر فيه حق كالزكاة ولا لعبد لان ما يعطاه لسيده فكانت العطية لسيده دونه (مسألة) (ثم يعطي النفل بعد ذلك)
لانه حق ينفرد به بعض الغانمين فقدم على القسمة كالاسلاب والنفل من اربعة اخماس الغنيمة وفيه اختلاف ذكرناه فيما مضى (مسألة) (ويرضخ لمن لا سهم له وهم العبيد والنساء والصبيان) ومعنى الرضخ أن يعطوا شيئا من الغنيمة دون السهم ولا تقدير لما يعطونه بل ذلك إلى اجتهاد الامام فان رأى التسوية بينهم سوى، وان رأى التفضيل فضل وهذا قول اكثر العلماء منهم سعيد ابن المسيب والثوري والليث واسحاق والشافعي وبه قال مالك في المرأة والعبد وروي عن ابن عباس
وقال أبو ثور يسهم للعبد، وروي عن عمر بن عبد العزيز والحسن والنخعي لما روي عن الاسود بن يزيد انه شهد فتح القادسية عبيد فضرب لهم سهامهم ولان حرمة العبد في الدين كحرمة الحر وفيه من الغناء مثل ما فيه فوجب ان يسهم له كالحر وحكي عن الاوزاعي ليس للعبيد سهم ولا رضخ الا ان يجيئوا بغنيمة أو يكون لهم غناء فيرضخ لهم قال ويسهم للمرأة لما روى جبير بن زياد عن جدته أنها حضرت فتح خيبر قالت فاسهم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما اسهم للرجال وأسهم أبو موسى في غزوة تستر لنسوة معه، وقال ابو بكر بن أبي مريم أسهم للنساء يوم اليرموك، وروى سعيد باسناده عن ابن شبل ان النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لسهلة بنت عاصم يوم حنين فقال رجل من القوم أعطيت سهلة مثل سهمي.
ولنا ماروى ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوا بالنساء فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة واما سهم فلم يضرب لهن رواه مسلم، وروى سعيد عن يزيد بن هارون ان نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن المرأة والمملوك يحضران الفتح الهما من الغنيمة شئ؟ وفي رواية ليس لهما سهم وقد يرضخ لهما وعن عمير مولى أبي اللحم قال شهدت خيبر مع سادتي فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبر أبي مملوك فأمر لي بشئ من خرثي المتاع رواه أبو داود واحتج به أحمد ولانهما ليسا من أهل وجوب القتال اشبها الصبي فأما ما روي في سهام النساء فيحتمل ان الراوي سمي الرضخ سهما بدليل ان في حديث حشرج انه جعل لهن نصيبا تمرا ولو كان سهما ما اختص التمر ولان خيبر قسمت على أهل
الحديبية نفر مخصوصين في غير حديثها ولم يذكرن منهم ويحتمل انه أسهم لهن مثل سهم الرجال من التمر خاصة أو من المتاع دون الارض وأما حديث سهلة فان في الحديث انها ولدت فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم لها ولولدها فبلغ رضخهما سهم رجل ولذلك عجب الرجل فقال اعطيت سهلة مثل سهمي ولو كان هذا مشهورا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما عجب منه (فصل) والمدبر والمكاتب كالقن لانهم عبيد فمن عتق منهم قبل تقضي الحرب أسهم له وكذلك ان قتل سيد المدبر قبل تقضي الحرب فخرج من الثلث فأما من بعضه حر فقال أبو بكر يرضخ له بقدر ما فيه من الرق ويسهم له بقدر ما فيه من الحرية فإذا كان نصفه حرا أعطي نصف سهم ونصف رضخ لان هذا مما يمكن تبعيضه فقسم على قدر ما فيه من الحرية والرق كالميراث وظاهر كلام أحمد انه يرضخ له لانه ليس من أهل وجوب القتال فأشبه الرقيق (فصل) والخنثى المشكل يرضخ له لانه لم يثبت انه رجل فيسهم له ولانه ليس من أهل وجوب الجهاد فأشبه المرأه ويحتمل أن يقسم له نصف سهم ونصف الرضخ كالميراث فان انكشف حاله فتبين انه رجل اتم له سهم رجل سواء انكشف قبل تقضي الحرب أو بعد أو قبل القسمة أو بعدها لانا تبينا انه كان مستحقا للسهم وانه أعطي دون حقه قأشبه مالو أعطى بعض الرجال دون حقه غلطا (فصل) والصبي يرضخ له وبه قال الثوري والليث وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وعن القاسم في الصبي يغزو انه ليس له شئ وقال مالك يسهم له إذا قاتل وأطاق ذلك ومثله قد بلغ القتال لانه حر
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: