الفقه الحنبلي - الشهادة - العتق
(فصل) إذا شهد عدلان أجنبيان انه وصى بعتق سالم وفهد عدلان وارثان انه رجع عن الوصية بعتق سالم ووصى بعتق غانم وقيمتهما سواء أو كانت قيمة غانم أكثر قبلت شهادتهما وبطلت وصية
عتق سالم وقد ذكرناه فان كان الوارثان فاسقين لم تقبل شهادتهما في الرجوع ويلزمهما اقرارهما لغانم فيعتق سالم بالبينة العادلة ويعتق غانم باقرار الورثة بالوصية باعتاقه وحده، وذكر القاضي واصحاب
الشافعي انه انما يعتق ثلثاه لانه لما أعتق سالم بشهادة الاجنبيين صار كالمغصوب فصار غانم نصف التركة فيعتق ثلثاه وهو ثلث التركة ولنا ان الوارثة لقر بأنه حين الموت ثلث التركة وان عتق سالم انما كان بشهادتهما بعد الموت فسار كالمغصوب بعد الموت ولو غصب بعد الموت لم يمنع عتق غانم كله فكذلك الشهادة بعتقه، وقد ذكر القاضي فيما إذا شهدت بينة عادلة باعتاق سالم في مرضه ووارثة فاسقة باعتاق غانم في مرضه وانه لم يعتق سالما ان غانما يعتق كله وهذا مثله، فأما ان كانت قيمة غانم أقل من قيمة سالم فالوارثة متهمة لكونها ترد إلى الرق من كثرت قيمته فترد شهادتهما في الرجوع كما ترد شهادتهما بالرجوع عن الوصية بعتق سالم ويعتق غانم كله أو ثلث الباقي على ما ذكرنا من الاختلاف فيما إذا كانت فاسقة
فان لم تشهد الوارثة بالرجوع عن عتق سالم لكن شهدت بالوصية بعتق غانم وهي بينة عادلة ثبتت الوصيتان سواء كانت قيمتهما سواء أو مختلفة إن خرجا من الثلث وإن لم يخرجا من الثلث أقرع بينهما فيعتق من خرجت له القرعة ويعتق تمام الثلث من الاخر سواء تقدمت احدى الوصيتين عن الاخرى أو استوتا لان المتقدم والمتأخر من الوصايا سواء (فصل) ولو شهدت بينة عادلة انه وصى لزيد بثلث ماله وشهدت بينة أخرى انه رجع عن الوصية لزيد ووصى لعمرو بثلث ماله وشهدت بينة ثالثة انه رجع عن الوصية لعمرو ووصى لبكر بثلث ماله صحت الشهادة كلها وكانت الوصية لبكر سواء كانت البينات من الورثة أو لم تكن لانه لا تهمة في حقهم وإن كانت شهادة البينة الثالثة انه رجع عن احدى الوصيتين لم تفد هذه الشهادة لانه قد ثبت بالبينة الثانية انه رجع عن الوصية لزيد وهي احدى الوصيتين، فعلى هذا تثبت الوصية لعمرو، وان كانت البينة شهدت بالوصية لعمرو ولم تشهد بالرجوع عن وصية زيد فشهدت الثالثة برجوعه عن احدى الوصيتين لا بعينها فقال القاضي لا تصح الشهادة وهو مذهب الشافعي لانهما لم يعينا المشهود عليه وتصير كما لو قالا نشهد ان لهذا على هذين ألفا أو ان لاحد هذين على هذا ألفا فيكون الثلث بين الجمع أثلاثا، وقال أبو بكر قياس قول أبي عبد الله انه يصح الرجوع عن احدى الوصيتين
ويقرع بينهما فمن خرجت له القرعة بالرجوع عن وصيته بطلت وهذا قول ابن أبي موسى وإذا صح
الرجوع عن احدهما بغير تعيين صحت الشهادة به لذلك، ووجه ذلك ان الوصية تصح بالمجهول وتصح الشهادة فيها بالمجهول فجازت في الرجوع من غير تعيين الرجوع عن وصيته (فصل) إذا شهد شاهدان انه وصى لزيد بثلث ماله وشهد واحد انه وصى لعمرو بثلث ماله انبنى هذا على الشاهد واليمين هل يعارض الشاهدين؟ فيه وجهان (أحدهما) يتعارضان فيحلف عمر مع شاهد ويقسم الثالث بينهما لان الشاهد واليمين حجة في المال فأشبه الشاهدين (والثاني) لا يعارضهما لان الشاهدين أقوى فعلى هذا ينفرد زيد بالثلث وتقف وصية عمرو على اجازة الورثة.
فاما إن شهد واحد انه رجع عن وصية زيد ووصى لعمرو بثلثه فلا تعارض بينهما ويحلف عمرو مع
شاهده وتثبت الوصية له والفرق بين المسئلتين ان في الاول تقابلت البينتان فقدمنا اقرارهما، وفي الثانية لم يتقابلا وانما يثبت بالرجوع وهو يثبت بالشاهد واليمين لان المقصود به المال وهذا مذهب الشافعي (فصل) إذا اختلفا في دار في يد أحدهما فأقام المدعي بينة ان هذه الدار كانت أمس ملكه أو منذ شهر فهل تسمع هذه البينة ويقضى بها؟ على وجين (أحدهما) تسمع ويحكم بها لانها تثبت الملك في الماضي وإذا ثبت استديم حتى يعلم زواله (والثاني) لا يحكم بها، قال القاضي وهو الصحيح لان الدعوى لا تسمع ما لم يدع المدعي الملك في الحال فلا تسمع بينته على ما لم يدعه، لكن ان انضم إلى شهادتهما بيان سبب يد الثاني وتعريف تعديهما فقالا نشهد انها كانت ملكه أمس فغصبها هذا منه أو سرقها أو ضلت منه فالتقطها هذا ونحو ذلك سمعت وقضي بها لانها إذا لم تبين السبب فاليد دليل الملك ولا تنافي بين ما شهدت به البينة وبين دلالة اليد لجواز أن تكون ملكه أمس ثم تنتقل
إلى صاحب اليد، فإذا ثبت ان سبب اليد عدوان خرجت عن كونها دليلا فوجب القضاء باستدامة الملك السابق، وان أقر المدعى عليه انها كانت ملكا للمدعي أمس أو فيما مضى سمع اقراره وحكم به
في الصحيح لانه حينئذ يحتاج إلى بيان سبب انتقالها إليه فيصير هو المدعي فيحتاج إلى البينة ويفارق البينة من وجهين (أحدهما) انه اقوى من البينة لكونها شهادة من الانسان على نفسه ويزول به النزاع بخلاف البينة ولهذا تسمع في المجهول ويقضى به بخلاف البينة (والثاني) ان البينة لا تسمع إلا على ما ادعاه والدعوى يجب أن تكون معلقة بالحال والاقرار يسمع ابتداءا، وإن شهدت البينة انها كانت في يده أمس ففي سماعها الوجهان وان أقر المدعى عليه بذلك، والصحيح انه يسمع ويقضى به لما ذكرنا (فصل) قال الشيخ رحمه الله (إذا مات رجل وخلف ولدين مسلما وكافرا فادعى كل واحد
منهما انه مات على دينه فان عرف أصل دينه فالقول قول من يدعيه وان لم يعرف فالميراث للكافر لان المسلم لا يقر ولده على الكفر في دار الاسلام) إذا مات رجل لا يعرف دينه وخلف تركة وابنين أحدهما مسلم والآخر كافر فادعى كل واحد منهما انه مات على دينه وان الميراث له دون أخيه فالميراث للكافر ذكره الخرقي لان دعوى المسلم لا تخلو من أن يدعي كون الميت مسلما أصليا فيجب كون اولاده مسلمين ويكون اخوه الكافر مرتدا وهذا خلاف الظاهر فان المرتد لا يقر على ردته في دار الاسلام أو يقول ان أباه كان كافرا فأسلم قبل موته فهو معترف بأن الاصل ما قاله اخوه مدع زواله وانتقاله والاصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت زواله، وذكر ابن أبي موسى عن احمد رواية أخرى انهما في الدعوى سواء فالميراث
بينهما نصفين كما لو تنازع اثنان عينا في يديهما ويحتمل أن يكون الميراث للمسلم منهما وهو قول أبي حنفة لان الدار دار الاسلام يحكم باسلام لقيطها ويثبت للميت فيها إذا لم يعرف اصل دينه حكم الاسلام في الصلاة عليه ودفنه وتكفينه من الوقف الموقوف على تكفين اموات المسلمين ولانه يدفن في مقابر المسلمين ويغسل فيثبت فيه سائر أحكام المسلمين فكذلك في ميراثه ولان الاسلام يعلو ولا يعلى ويجوز ان يكون أخوه الكافر مرتدا لم تثبت عند الحاكم ردته ولم ينته إلى الامام خبره وظهور الاسلام بناء على هذا أظهر من ثبوت الكفر بناء علي كفر أبيه ولهذا جعل الشرع أحكامه أحكام المسلمين فيما عدا
المتنازع فيه وقال القاضي قياس المذهب اننا ننظر فان كانت التركة في أيديهما اقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف واستحق كما قلنا فيما إذا تداعيا عينا ويقتضي كلامه انها إذا كانت في يد أحدهما فهي له مع يمينه وهذا قول لا يصح لان كل واحد منهما يقر بأن هذه التركة تركة هذا الميت وانه انما يستحقها بالميراث فلا حكم ليده، وقال أبو الخطاب يحتمل ان يقف الامر حتى يعرف أصل دينه أو بصطلحا وهذا قول الشافعي وقد ذكرنا الدليل على ظهور كفره فأما ظهور حكم الاسلام في الصلاة عليه وغسله وغير ذلك فان هذا لا ضرر فيه على أحد وأما قوله ان الاسلام يعلو ولا يعلى فانما يعلو إذا ثبت والنزاع في ثبوته وهذا إذا لم يثبت أصل دينه فان ثبت اصل دينه فالقول قول من ينفيه مع يمينه وهذا قول الشافعي وأبي ثور وابن المنذر وقال أبو حنيفة القول قول المسلم على كل حال لما ذكرنا في التى قبلها ولنا ان الاصل بقاء ما كان عليه فكان القول قول من يدعيه كسائر المواضع وأما ان لم يعترف
المسلم أنه أخوه وادعى كل واحد منهما ان الميت أبوه دون الآخر فهما سواء في الدعوى لتساوي أيديهما عليه ودعاويهما فان المسلم والكافر في الدعوى سواء ويقسم المال بينهما نصفين كما لو كان في ايديهما دار فادعي كمل واحد منهما اتها له ولا بينة لهما ويحتمل ان يقدم قول المسلم لان حكم الميت حكم المسلمين في غسله والصلاة عليه وسائر أحكامه، وقال القاضي يقرع بينهما كما إذا تداعيا عينا في يد غيرهما ولم يدعها لنفسه ويحتمل ان يقف الامر حتي يعرف أصل دينه وهو قول الشافعي الا ان يصطلحا (مسألة) (وإن أقام كل واحد بينة انه مات على دينه تعارضتا وان قال شاهدان نعرفه مسلما وقال شاهدان نعرفه كافرا فالميراث للمسلم إذا لم تؤرخ الشهود معرفتهم) اما إذا أقاما بينتين كل واحد بينة انه مات على دينه ولم يعرف اصل دينه تعارضتا وان عرف اصل دينه نظرنا في لفظ الشهادة فان شهدت كل واحدة منهما انه كان آخر كلامه التلفظ بما شهدت به فهما
متعارضتان وان شهدت احداهما انه مات على دين الاسلام وشهدت الاخرى انه مات على دين الكفر
قدمت بينة من يدعي انتقاله عن دينه لان المبقية له على اصل دينه ثبتت شهادتها على الاصل الذي تعرفه لانهما إذا عرفا اصل دينه ولم يعرفا انتقاله عنه جاز لهما ان يشهدا أنه مات على دينه الذي عرفاه والبينة الاخرى معها علم لم تعلمه الاولى فقدمت عليها كما لو شهدا ان هذا العبد كان ملكا لفلان إلى ان مات وشهد آخران انه اعتقه أو باعه قبل موته قدمت بينة العتق والبيع فأما ان قال شاهدان نعرفه مسلما وقال شاهدان نعرفه كافرا نظرنا في تاريخهما فان اختلف تاريخيهما عمل بالاخرة منهما لانه ثبت انه انتقل عما شهدت به الاولى إلى ما شهدت به الاخرى وان كانتا مطلقتين أو احداهما مطلقة قدمت بينة المسلم لان المسلم لا يقر على الكفر في دار الاسلام وقد يسلم الكافر فيقر وإن كانتا مؤرختين
بتاريخ واحد نظرنا في شهادتهما فان كانت على اللفظ فهما متعارضتان وإن لم تكن على اللفظ ولم يعرف أصل دينه فهما متعارضتان وإن عرف أصل دينه قدمت الناقلة له عن أصل دينه وكل موضع تعارضت البينتان فقال الخرقي تسقط البينتان ويكونان كمن لا بينة لهما وقد ذكرنا روايتين أخريين (احداهما) يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف وأخذ (والثانية) يقسم بينهما ونحو هذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة تقدم بينة الاسلام على كل حال وقد مضى الكلام معه وقد قال الخرقي إذا قال شاهدان نعرفه كان مسلما وقال شاهدان نعرفه كان كافرا فالميراث للمسلم إذا لم يؤرخ الشهود معرفتهم وهو محمول على
من لم يعلم أصل دينه أو على أن أصل دينه الكفر اما من كان مسلما في الاصل فينبغي ان تقدم بينة الكفر لان بينة الاسلام يجوز أن تستند إلى ما كان عليه في الاصل (فصل) وان خلف ابنا مسلما وأخا كافرا فاختلفا في دينه حال موته فالحكم فيها كالتي قبلها وهكذا سائر الاقارب.
(مسألة) (وان خلف ابوين كافرين وابنين مسلمين فاختلفوا في دينه فالقول قول الابوين ويحتمل أن القول قول الابنين)
ظاهر المذهب أن القول قول الابوين لان كون الابوين كافرين بمنزلة معرفة أصل دينه لان الولد قبل بلوغه محكوم له بدين ابويه فيثبت انه كان كافرا في صغره.
ويحتمل أن القول قول الابنين لان كفر ابويه يدل على أصل دينه في صغره واسلام ابنيه يدل على اسلامه في كبره فيعمل بهما جميعا يحمل كل واحد منهما على مقتضاه فهو كما لو قال شاهدان نعرفه كافرا في صغره وقال شاهدان نعرفه مسلما في كبره (فصل) وان خلف ابنا كافرا وأخا وامرأة مسلمين واختلفوا في دينه فالقول قول الابن على
قول الخرقي.
ووجهه ما سبق فيما إذا خلف ابنين مسلما وكافرا وقال القاضي يقرع بينهما وقد سبق تعليله في مسألة الابنين.
وقال أبو بكر قياس المسألة أن تعطى المرأة الربع ويقسم الباقي بين الاخ) والابن نصفين لانها تدعي زيادة عليه فيدخل في عموم قوله تعالى (ولهن الربع مما تركتم فلا يخرج الا بدليل تخصيصها ولا يخرج بالشك ويقسم الباقي بين الاخوين لتساويهما في الدعوى وهو في أيديهما.
(فصل) ولو مات مسلم وخلف زوجة وورثة سواها وكانت الزوجة كافرة ثم اسلمت وادعت
أنها اسلمت قبل موته وانكرها الورثة فالقول قولهم لان الاصل عدم ذلك فان لم يثبت أنها كافرة فادعى عليها الورثة أنها كانت كافرة وانكرتهم فالقول قولها لان الاصل عدم ما ادعوه وان ادعوا انه طلقها قبل موته فأنكرتهم فالقول قولها فان اعترفت بالطلاق وانقضاء العدة وادعت أنه راجعها فالقول قولهم وان اختلفوا في انقضاء عدتها فالقول قولهما في أنها لم تنقض لان الاصل بقاؤها ولا نعلم في هذا كله خلافا.
وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي ولو خلف ولدين مسلمين اتفقا على ان أحدهما كان مسلما حين
موت ابيه وادعى الآخر أنه أسلم في حياة أبيه وجحده أخوه فالميراث للمتفق عليه لان الاصل بقاء
الكفر الا ان يعلم زواله وعلى أخبه اليمين وتكون على نفي العلم لانها على نفي فعل أخيه الا ان يكون ثبت أنه اسلم قبل قسم التركة فيرث فان من اسلم على ميراث قبل القسمة قسم له وان كان أحدهما حرا والآخر رقيقا ثم عتق واختلفا في حريته عند الموت فالقول قول من ينفيها وان لم يثبت أنه كان رقيقا ولا كافرا فادعي عليه أنه كذلك فانكر فالقول قوله والميراث بينهما لان الاصل الحرية والاسلام وعدم ما سواهما.
(فصل) إذا اسلم احد الابنين في غرة شعبان والآخر في غرة رمضان واختلفا في موت ابيهما فقال الاول مات في شعبان فورثته وحدي وقال الآخر مات في رمضان فالميراث بينهما لان الاصل بقاء حياته حتى يعلم زوالها وان أقام واحد منهما بينة بدعواه ففيه وجهان (أحدهما) يتعارضان (والثاني) نقدم بينة موته في شعبان لانها معها زيادة علم لانه ثبت موته في شعبان ويجوز ان يخفى ذلك على البينة الاخرى (مسألة) ولو مات مسلم وخلف ولدين مسلما وكافرا فأسلم الكافر وقال اسلمت قبل موت ابى وقال أخوه بل بعده فلا ميراث له لان الاصل بقاء الكفر حتى يعلم زواله وعلى أخيه اليمين وتكون على نفي العلم لانها على نفي فعل الغير وقد ذكرناه
(مسألة) وان قال اسلمت في المحرم ومات أبي في صفر فلي الميراث وقال أخوه بل مات في ذي الحجة فله الميراث مع أخيه لان الاصل بقاء الحياة فان أقام كل واحد بينة بدعواه فهل يتعارضان أو تقدم بينة من ادعى تقديم موته؟ فيه وجهان ذكرناهما في الفصل قبل هاتين المسئلتين والله أعلم.
الله أكبر
كتاب العتق
العتق في اللغة الخلوص ومنه عتاق الخيل وعتاق الطير اي خالصتها وسمي البيت احرام عتيقا لخلوصه من أيدي الجبابرة وهو في الشرع تحرير الرقبة وتخليصها من الرق يقال عتق العبد واعتقته أنا وهو عتيق ومعتق والاصل فيه الكتاب والسنة والاجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى (فتحرير رقبة) وقال تعالى (فك رقبة) وأما السنه فما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من اعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إربا منه من النار حتى إنه ليعتق اليد باليد والرجل بالرجل والفرج بالفرج) متفق عليه في أخبار كثيرة سوى هذا وأجمع الامة على صحة العتق وحصول القربة به (مسألة) (وهو من افضل القرب) لان الله تعالى جعله كفارة للقتل والوطئ في رمضان والايمان وجعله النبي صلى الله عليه وسلم فكاكا لمعتقه من النار ولان فيه تخليص الآدمي المعصوم من ضرر الرق وملك نفسه ومنافعه وتكميل احكامه وتمكينه من التصرف في نفسه ومنافعه على حسب إرادته واختياره واعتاق الرجل افضل من اعتاق المرأة لما روى كعب بن مرة البهزي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (أيما رجل أعتق رجلا مسلما كان فكاكه منه النار يجزى بكل عظم من عظامه عظما من عظامه، وايما رجل مسلم اعتق امرأتين مسلمتين
كانتا فكاكه من النار يجزى بكل عظم من عظامهما عظما من عظامه، وأيما امرأة اعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار تجرى بكل عظم من عظامها عظما من عظامها) وقيل عتق المرأة للمرة أفضل.
(مسألة) (والمستحب عتق من له كسب ودين ينتفع بالعتق) فأما من لا قوة له ولا كسب فلا يستحب عتقه ولا كتابته لسقوط نفقتة عن سيده باعتاقه فيضيع أو يصير كلا على الناس ويحتاج إلى المسألة فلا يستحب عتقه ولا كتابته فان كان ممن يخاف عليه الرجوع إلى دار الحرب وترك اسلامه أو يخاف عليه الفساد كمن يخاف أنه إذا أعتق فاحتاج سرق أو فسق أو قطع الطريق أو جارية يخاف عليها الزنا والفساد كره اعتاقه فان غلب على الظن إفضاؤه إلى هذا كان محرما لان التوسل إلى الحرام حرام فان اعتقه صح لانه اعتاق صدر من اهله في محله فصح كعتق غيره
(مسألة) (ويحصل العتق بالقول والملك ولا يحصل بالنية المجردة) لانه إزالة ملك فلا يحصل بالنية المجردة كالطلاق والفاظه تنقسم إلى صريح وكناية فالصريح لفظ العتق والحرية كيف صرفا نحو انت حر أو محرر أو عتيق أو معتق أو اعتقتك لان هذين اللفظين وردا في الكتاب والسنة وهما يستعملان في العتق عرفا فمتى اتى بشئ من هذه الالفاظ حصل به العتق سواء نواه
أو لم ينوه قال احمد في رجل لقي امرأة في الطريق فقال تنحي يا حرة فإذا هي جاريته قال قد عتقت عليه وقال في رجل قال لخدم قيام في وليمة مروا أنتم أحرارا وكانت معهم أم ولده لم يعلم بها قال هذا عندي تعتق أم ولده ويحتمل ان لا تعتق في هذين الموضعين لانه قصد باللفظة الاولى غير العتق فلم تعتق به كما لو قال عبدي حر بريد انه عفيف كريم الاخلاق واللفظة الثانية أراد غير أم ولده فأشبه ما لو نادى امرأة من نسائه فأجابته غيرها فقال انت طالق يظنها المناداة فانها لا تطلق في رواية فكذا ههنا، وأما ان قصد غير العتق كالرجل يقول عبدي هذا حر يريد عفته وكرم أخلاقه أو يقول لعبده ما أنت الا حر أي انك لا تطيعني ولا ترى لي حقا ولا طاعة فلا يعتق في ظاهر المذهب قال حنبل سئل أبو عبد الله عن رجل قال لغلامه انت حر وهو يعاتبه قال إذا كان لا يريد به العتق يقول كأنك حر ولا يريد ان يكون حرا أو كلاما شبه هذا رجوت ان لا يعتق وأنا اهاب المسألة لانه نوى بكلامه ما يحتمله فانصرف إليه كما لو نوى بكناية العتق العتق قال وان طلب استحلافه حلف وبيان احتمال اللفظ لما اراده ان المرأة تمدح بهذا يقال امرأة حرة يعنون عفيفة وتمدح المملوكة به أيضا ويقال للحيي الكريم الاخلاق حر قالت سبيعة ترثي عبد المطلب ولا تسأما أن تبكيا كل ليلة * ويوم على حر كريم الشمائل وأما الكناية فنحو قوله خليتك والحق باهلك واذهب حيث شئت ونحوها وكذلك قوله حبلك
على غاربك فهذا ان نوى به العتق عتق وان لم ينوه لم يعتق لانه يحتمل غيره ولم يرد به كتاب ولا سنة ولا عرف استعمال وفي قوله لا سبيل لي عليك ولا ملك لي عليك ولا رق لي عليك وفككت
رقبتك وانت مولاي وأنت لله وانت سائبة روايتان (احداهما) انه صريح (والاخرى) كناية ذكر القاضي وأبو الخطاب في قوله لا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك: روايتين (احداهما) أنه صريح (والاخرى) كناية قال شيخنا والصحيح أنه كناية لما ذكرناه، فأما قوله لا ملك لي عليك ولا رق لي عليك وانت لله فقال القاضي هو صريح نص عليه احمد وذكر أبو الخطاب فيه روايتين لانه يحتمل غير العتق ولا خلاف في المذهب انه يعتق به إذا نوى وممن قال يعتق بقوله انت لله إذا نوى الشعبي والمسيب بن رافع وحماد والشافعي وقال أبو حنيفة لا يعتق به لان مقتضاه انت عبد الله أو مخلوق لله وهذا لا يقتضي العتق ولنا انه يحتمل انت حر لله أو عتيق لله أو عبد لله وحده لست بعبد لي ولا لاحد سوى الله فإذا نوى الحرية به وقعت كسائر الكنايات وما ذكروه لا يصح لان احتماله لما ذكروه لا يمنع احتماله لما ذكرناه بدليل سائر الكنايات فانها تحتمل العتق وغيره ولو لم تحتمل الا العتق لكانت صريحة فيه وما احتمل امرين انصرف إلى احدهما بالنية وهذا شأن الكنايات وما ذكروه من الاحتمال يدل على ان هذا ليس بصريح وانما هو كناية وقوله لا ملك لي عليك ولا رق لي عليك
خبر عن انتفاء ملكه ولم يرد به شرع ولا عرف استعمال في العتق فلم يكن صريحا فيه كقوله ما انت عبدي ولا مملوكي وقوله لامرأته ما انت امرأتي ولا زوجتي وفي قوله فككت رقبك وأنت سائبة وانت مولاي روايتان (احداهما) هو صريح في العتق لانها تتضمنه وقد جاء في كتاب الله تعالى (فك رقبة) يعني العتق فكانت صريحة كقوله اعتقتك (والثاني) هو كناية لانه يحتمل غير العتق (مسألة) (وفي قوله لامته أنت طالق وانت حرام روايتان) (أحداهما) هي كناية والاخرى لا تعتق به وهو قول ابي حنيفة لان الطلاق لفظ وضع لازالة الملك عن المنفعة فلم يزل به الملك عن الرقبة كفسخ الاجارة ولان ملك الرقبة لا يستدرك بالرجعة فلا ينحل كسائر الاملاك (والثانية) هو كناية تعتق به إذا نواه وهو قول مالك والشافعي لان الرق احد الملكين على
الآدمي فيزول بلفظ الطلاق كالآخر أو فيكون للفظ الموضوع لازالة احدهما كناية في ازالة الآخر كالحرية في ازالة النكاح ولان فيه معنى الاطلاق فإذا نوى به اطلاقها من ملكه فقد نوى بلفظه ما يحتمله فتحصل به الحرية كسائر كنايات العتق (فصل) وان قال لامته انت حرام ينوي به العتق عتقت، وذكر أبو الخطاب ان فيها رواية
أخرى لا تعتق كقوله لها أنت طالق والصحيح انها تعتق به لانه يحتمل انك حرام علي لكونك حرة فتعتق به كقوله لا سبيل لي عليك (مسألة) (وان قال لعبده وهو اكبر منه انت ابني لم يعتق ذكره القاضي ويحتمل ان يعتق) إذا قال لا كبر منه أو لمن لا يولد لمثله: هذا ابني مثل ان يقول من لم عشرون سنة لمن له خمسة عشرة سنة: هذا ابني لم يعتق ولم يثبت نسبه، وقال أبو حنيفة يعتق وخرجه أبو الخطاب وجها لنا لانه اعترف بما تثبت به حريته فاشبه ما لو اقر بها ولنا أنه قول يتحقق كذبه فيه فلم يثبت الحرية كما لو قال لطفل هذا ابي أو لطفلة هذه أمي، قال ابن المنذر هذا من قول النعمان شاذ لم يسبقه احد إليه ولا تبعه احد عليه وهو محال من الكلام وكذب يقينا ولو جاز هذا لجاز ان يقول الرجل لطفل هذا ابي ولانه لو قال لزوجته وهي أسن منه: هذه ابنتي أو قال لها وهي أسن منه هذه أمي لم تطلق كذا هذا (مسألة) (وان اعتق حاملا عتق جنينها الا ان يستثنيه) لانه يتبعها في البيع والهبة ففي العتق أولى فان استثناه لم يعتق روي ذلك عن ابن عمر وابي هريرة والنخعي واسحاق وابن المنذر وقال ابن سيرين له ما استثنى وقال عطاء والشعبي إذا استثنى ما في بطنها فله ثنياه وقال مالك والشافعي لا يصح استثناء الجنين لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا الا ان تعلم وقياسا على استثنائه في البيع اشبه بعض اعضائها
ولنا انه قول ابن عمر وأبي هريرة قال أحمد اذهب إلى حديث ابن عمر في العتق ولا أذهب
إليه في البيع ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم) ولانه يصح افراده بالعتق فصح استثناؤه كالمنفصل وخبرهم نقول به والحمل معلوم فصح استثناؤه للحديث ويفارق البيع لانه عقد معاوضة يعتبر فيه العلم بصفات العوض ليعلم هل هو قائم مقام لعوض أم لا؟ والعتق تبرع لا تتوقف صحته على معرفة صفات المعتق ولا تنافيه الجهالة ويكفي العلم بوجوده وقد وجد ولذلك صح افراد الحمل بالعتق ولم يصح بالبيع ولان استثناءه في البيع إذا بطل بطل البيع كله وههنا إذا بطل استثناؤه لم يبطل العتق في الامة ويسري الاعتاق إليه فكيف يصح إلحاقه به مع تضاد الحكم فيها؟ ولا يصح قياسه على بعض اعضائها لانه يصح انفراده بالحرية عن امه فيما إذا اعتقه دونها وفي ولد المغرور بحرية أمة وفيما إذا وطئ بشبهة وفي ولد ام الولد وغير ذلك ولا يصح ذلك في بعض أعضائها ولان الولد يرث ويورث ويوصى به فكيف يصح قياسه على بعض الاعضاء؟ وروى الاثرم عن ابن عمر أنه اعتق أمة واستثنى ما في بطنها ولانها ذات حمل فصح استثناء حملها كما لو باع نخلة لم تؤبر واشترط ثمرتها وقال القاضي يخرج على الروايتين فيما إذا استثنى ذلك في البيع والمنصوص عنه ما ذكرنا من انه يصح استثناؤه في العتق ولا يصح في البيع لم ذكرنا من الفرق بينهما
(مسألة) (وان اعتق ما في بطنها دونها عتق وحده) لا نعلم في ذلك خلافا وهو قول سفيان واحمد واسحاق لان حكمه حكم الانسان المنفرد ولهذا يورث الجنين إذا ضرب بطن امرأة فاسقطت جنينا وجب فيه غرة موروثة عنه كأنه سقط حيا وتصح الوصية به وله ويرث إذا مات موروثه قبل ان يولد ثم ولد بعده فصح عتقه كالمنفصل (فصل) ولا يصح العتق الا من جائز التصرف فلا يصح عتق الصبي والمجنون قال ابن المنذر هذا قول عامة اهل العلم منهم الحسن والشعبي والزهري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ) ولانه تبرع بالمال فلم يصح كالهبة ولا يصح عتق المحجور عليه للسفه وهو قول القاسم بن محمد وعنه يصح قياسا على طلاقه وتدبيره
ولنا أنه محجور عليه في ماله لحظ نفسه فلم يصح عتقه كالصبي ولانه تصرف في المال في حياته أشبه هبته وبيعه ويفارق الطلاق لان الحجر عليه في ماله والطلاق ليس بتصرف فيه ويفارق التديبر لانه تصرف فيه بعد موته وغناه عنه بالموت ولهذا صحت وصيته ولم تصح هبته المنجزة وعتق السكران مبني على طلاقه وفيه من الخلاف ما فيه ولا يصح عتق المكره كما لا يصح بيعه ولا تصرفاته ولا يصح
عتق الموقوف لان فيه ابطالا لحق البطن الثاني منه وليس له ذلك (فصل) ولا يصح العتق من غير المالك بغير إذنه فلو اعتق عبد ولده الصغير أو يتيمه الذي في حجره لم يصح، وبهذا قال الشافعي وابن المنذر وقال مالك يصح عتق عبد ولده الصغير لقوله عليه الصلاة والسلام (أنت ومالك لابيك) ولان له عليه ولاية وله فيه حق فسح اعتاقه كما له ولنا انه عتق من غير مالك فلم يصح كاعتاق عبد ولده الكبير قال ابن المنذر لما روث الله الاب من مال ابنه السدس مع ولده دل على أنه لا حق له في سائره وقوله عليه السلام (أنت ومالك لابيك) لم يرد به حقيقة الملك وإنما أراد المبالغة في وجوب حقه عليك وامكان الاخذ من مالك وامتناع مطالبتك إياه بما أخذ منه ولهذا لم ينفذ اعتاقه لعبده ولده الكبير الذي ورد الخبر فيه وثبوت الولاية له على مال ولده أبلغ في امتناع اعتاق عبده لانه انما أثبت عليه الولاية لحظ الصبي ليحفظ ماله عليه وينميه له ويقوم بمصالحه التي يعجز الصبي عن القيام بها.
وإذا كان مقصود الولاية الحفظ اقتضت منع التفريط والتضييع باعتاق رقيقه والتبرع بماله ولو قال رجل لعبد انت حر من مالي فليس بشئ فان اشتراه بعد ذلك فهو مملوكه ولا شئ عليه وبه قال مالك والشافعي وعامة للفقهاء ولو بلغ رجلا أن رجلا قال لعبده أنت حر من مالي فقال قد رضيت فليس بشئ وبه قال الثوري واسحاق (مسألة) (وأما الملك فمن ملك ذا رحم محرم عتق عليه وعنه لا يعتق الا عمودا النسب) ذو الرحم المحرم القريب الذي يحرم نكاحه عليه لو كان أحدهما رجلا والآخر امرأة وهم الولدان
وان علوا من قبل الاب والام جميعا والولد وإن سفل من ولد البنين والبنات والاخوة والاخوات
وأولادهم وان سفلوا والاعمام والعمات والاخوال والخالات وان علوا دون أولادهم فمتى ملك أحدا منهم عتق عليه روي ذلك عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما، وبه قال الحسن وجابر بن زيد وعطاء والحكم وابن أبي ليلى والثوري والليث وأبو حنيفة والحسن بن صالح وشريك ويحيى بن آدم واعتق مالك الوالدين والمولودين وان بعدوا والاخوة والاخوات دون أولادهم ولم يعتق الشافعي الا عمودي النسب وعن احمد كذلك ولم يعتق داود واهل الظاهر احدا حتى يعتقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجزي ولد والده الا ان يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه) رواه مسلم ولنا ما روى الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ملك ذا رحم محرم فهو حر) رواه ابو داود والترمذي وقال حديث حسن ولانه ذو رحم محرم فعتق عليه بالملك كعمودي النسب وكالاخوة والاخوات عند مالك فأما قوله (حتى يشتريه فيعتقه) فيحتمل أنه أراد فيشتريه فيعتقه بشرائه كما يقال ضربه فقتله والضرب هو القتل وذلك لان الشراء لما كان يحصل به العتق تارة دون أخرى جاز
عطف صفته عليه كما يقال ضربه فأطار رأسه وسواء ملكه بشراء أو هبة أو غنيمة أو ارث أو غيره لا نعلم بين اهل العلم فيه خلافا (فصل) ولا خلاف في ان المحارم من غير ذوي الارحام لا يعتقون على سيدهم كالام من الرضاعة والاخ منها والربيبة وام الزوجة وابنتها إلا انه حكي عن الحسن وابن سيرين وشريك انه لا يجوز بيع الاخ من الرضاعة وروي عن ابن مسعود انه كرهه والاول اصح قال الزهري جرت السنة بان يباع الاخ والاخت من الرضاعة ولانهم لا نص في عتقهم ولا هم في معنى المنصوص عليه فيبقون على الاصل ولانهما لا رحم بينهما ولا توارث ولا تلزمه نفقته فاشبه الربيبة وام الزوجة.
(مسألة) (وان ملك ولده من الزنا لم يعتق عليه في ظاهر كلام أحمد) لان أحكام الولد غير ثابتة فيه وهي الميراث والحجب والمحرمية ووجوب الانفاق وثبوت الولاية عليه ويحتمل أن يعتق لانه جزؤه حقيقة وقد ثبت فيه حكم تحريم التزويج ولهذا لو ملك ولده المخالف له في الدين عتق عليه مع انتفاء هذه الاحكام.
(مسألة) وان ملك سهما ممن يعتق عليه بغير الميراث وهو موسر عتق عليه كله وعليه قيمة نصيب شريكه وإن كان معسرا لم يعتق عليه الا ما ملك وان ملكه بالميراث لم يعتق منه إلا ما ملك موسرا كان أو معسرا وعنه أنه يعتق عليه نصيب الشريك إن كان موسرا.
وجملة ذلك أن من ملك سهما ممن يعتق عليه فانه يعتق عليه ما ملك منه سواء ملكه بعوض أو بغير عوض كالاغتنام والوصية وسواء ملكه باختياره كالذي ذكرنا أو بغير اختياره كالميراث لان كل ما يعتق به الكل يعتق به البعض كالاعتاق بالقوم ثم ينظر فان كان معسرا لم يسر العتق واستقر في ذلك الجزء ورق الباقي لانه لو اعتقه بقوله لم يسر اعتاقه بتصريحه بالعتق وقصده إياه فههنا أولى وان كان موسرا وكان الميراث باختياره كالملك بغير الميراث سرى إلى باقيه قعتق جميع العبد ولزمه لشريكه قيمة باقيه لانه فوته عليه، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف وقال قوم لا يعتق عليه الا ما ملك سواء ملكه بشراء أو غيره لان هذا لم يعتقه وانما عتق عليه بحكم الشرع عن غير اختيار فلم يسر كما لو ملكه بالميراث وفارق ما أعتقه لانه فعله باختياره قاصدا إليه ولنا انه فعل سبب العتق اختيارا منه وقصد إليه فسرى ولزمه الضمان كما لو وكل من اعتق نصيبه وفاروق الميراث فانه حصل بغير فعله ولا قصده ولان من باشر سبب السراية اختيارا لزمه الضمان كمن جرح إنسانا فسرى جرحه ولان مباشرة ما يسري ونسبته إليه في لزوم حكم السراية واحدة بدليل استواء الحافر والدافع في ضمان الواقع فاما ان ملكه بالميراث لم يسر العتق فيه واستقر فيما ملكه ورق الباقي موسرا كان أو معسرا لانه لم يتسبب إلى اعتاقه وانما حصل بغير اختياره وبه قال مالك والشافعي وابو يوسف وعن احمد ما يدل على أنه أنه يسري إلى نصيب الشريك إذا كان موسرا
لانه عتق عليه بعضه وهو موسر فسرى إلى باقيه كما لو وصى له به فقبله والمذهب الاول لانه لم يعتقه ولا تسبب إليه فلم يضمن ولم يسر كالاجنبي وفارق ما تسبب إليه (فصل) وان ورث الصبي والمجنون جزءا ممن يعتق عليهما عتق ولم يسر إلى باقيه لانه إذا لم
يسر في حق المكلف ففي حقهما أولى وان وهب لهما أو وصي لهما به وهما معسران فعلى وليهما قبوله لانه نفع لهما باعتاق قريبهما من غير ضرر يلحق قريبهما وان كانا موسرين ففيه وجهان مبنيان على أنه هل يقوم عليهما باقيه إذا ملكا بعضه؟ فيه وجهان (احدهما) لا يقوم ولا يسري العتق إليه لانه يدخل ملكه بغير اختياره اشبه ما لو ورثه (والثاني) يقوم عليه لان قبول وليه يقوم مقام قبوله فاشبه الوكيل فعلى هذا الوجه ليس لوليه قبوله لما فيه من الضرر، وعلى الاول يلزمه قبوله لانه نفع بغير ضرر إذا كان ممن لا تلزمه نفقته وإذا قلنا ليس له ان يقبله فقبله احتمل أن لا يصح القبول لانه فعل ما لم يأذن له الشرع فيه فاشبه ما لو باع ماله بغبن واحتمل ان يصح وتكون الغرامة عليه لانه الزمه هذه الغرامة فكانت عليه كنفقة الحج إذا حجه (فصل) وان باع عبدا لذي رحمه واجنبي صفقة واحدة عتق كله إذا كان ذو رحمة موسرا وضمن لشريكه قيمة حقه منه وقال أبو حنيفة لا يضمن لشريكه شيئا لان ملكه لم يتم الا بقبول شريكه فصار كانه اذن له في اعتاق نصيبه بملكه باختياره فوجب ان يقوم عليه باقيه مع يساره كما لو انفرد بشرائه ولا نسلم انه لا يصح قبوله الا بقبول شريكه.
(فصل) إذا كانت مزوجة ولها ابن موسر فاشتراها هو وزوجها وهي حامل منه صفقة واحدة عتق نصيب الابن من امه وسرى إلى نصيب الزوج ويقوم عليه وعتق الحمل عليهما معا لانه ابن الزوج واخو الابن ولا يجب لاحدهما على الآخر منه شئ لانه عتق عليهما في حال واحدة ولو كانت المسألة بحالها فوهبت لهما أو وصي لهما بها فقبلاها في حال واحدة فكذلك وان قبلها احدهما قبل الآخر نظرنا فان قبل الابن اولا عتقت الام وحملها وعليه قيمة باقيهما للزوج وإن قبل الزوج أو لا عتق عليه الحمل كله ثم إذا قبل الابن عتقت عليه الام كلها ويتقاصان ويرد كل واحد منهما الفضل على صاحبه ومن قال في الوصية ان الملك لا يثبت فيها بالموت فالحكم فيه كما لو قبلاها دفعة واحدة (مسألة) (وان مثل بعبده فجدع انفه واذته أو نحو ذلك عتق نص عليه) لما روى عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان زنباعا ابا روح وجد غلاما له مع جاريته فقطع
ذكره وجدع انفه فأتى العبد النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ما حملك على ما فعلت؟) قال فعل كذا وكذا قال (اذهب فأنت حر) قال القاضي والقياس ان لا يعتق لان سيده لم يعتقه بلفظ صريح ولا كناية وإذا ثبت الحديث وجب العمل به وترك القياس (مسألة) (وإذا أعتق العبد فماله لسيده) روي هذا عن ابن مسعود وأبي ايوب وأنس ابن مالك وبه قال قتادة والحكم والثوري والشافعي
وأصحاب الرأي وروي ذلك عن حماد والبتي وداود بن أبي هند وحميد وعنه رواية أخري أنه للعبد وبه قال الحسن وعطاء والنخعي ومالك وأهل المدينة يبيعه لما روى نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من اعتق عبدا وله مال فالمال للعبد) رواه الامام أحمد وغيره وروى حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر انه كان إذا اعتق عبدا لم يعرض لماله ولنا ما روى الاثرم باسناده عن ابن مسعود أنه قال لغلامه عمير يا عمير إني أريد ان اعتقك عتقا هنيئا فاخبرني بمالك فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ايما رجل اعتق عبده أو غلامه فلم يخبره بماله فماله لسيده ولان العبد وماله كانا للسيد فازال ملكه عن احدهما فبقي ملكه في الآخر كما لو باعه وقد دل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبدا وله مال فماله للبائع الا ان يشترطه المبتاع) فأما حديث ابن عمر فقال أحمد يرويه عبد الله بن أبي جعفر من أهل مصر وهو ضعيف في الحديث كان صاحب فقه فاما في الحديث فليس هو فيه بالقوي وقال أبو الوليد هذا الحديث خطأ فاما فعل ابن عمر فهو تقضل منه على معتقه قيل لاحمد كان هذا عندك على التفضل؟ فقال أي لعمري على التفضل قيل له فكأنه عندك للسيد؟ فقال نعم للسيد مع البيع سواء (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإذا اعتق جزءا من عبده معينا أو مشاعا عتق كله) أما إذا اعتق عبده وهو صحيح جائز التصرف فانه يصح عتقه باجماع أهل العلم فان اعتق بعضه
عتق كله في قول جمهور العلماء روي ذلك عن عمر وابنه رضي الله عنهما وبه قال الحسن والحكم
والاوزاعي والثوري والشافعي قال ابن عبد البر عامة العلماء بالحجاز والعراق قالوا يعتق كله إذا اعتق نصفه وقال طاوس يعتق في عتقه ويرق في رقه وقال حماد وابو حنيفة يعتق منه ما اعتق ويسعى في باقيه وخالف أبا حنيفة أصحابه فلم يروا عليه معايه وروي عن مالك في رجل اعتق نصف عبد ثم غفل عنه حتى مات فقال أرى نصفه حرا ونصف رقيقا لانه تصرف في بعضه فلم يسر إلى باقيه كالبيع ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من اعتق شركا له في عبد فكان معه ما يبلغ ثمنه قوم عليه قيمة عدل وعتق عليه جميع العبد) وإذا عتق عليه نصيب شريكه كان تنبيها على عتق جميعه إذا كان كله ملكا له وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من اعتق شقصا له من مملوك فهو حر من ماله) ولانه ازالة ملك عن بعض مملوكه الآدمي فزال عنه جميعه كالطلاق ويفارق البيع فانه لا يحتاج إلى السعاية ولا ينبى على التغليب والسراية.
إذا ثبت هذا فلا فرق بين ان يعتق جزءا كبيرا كنصفه أو ثلثه أو صغيرا كعشره أو عشر عشره ولا نعلم في هذا خلافا بين القائلين بسراية العتق إذا كان مشاعا (فصل) قان اعتق جزءا معينا كرأسه أو يده أو أصبعه عتق كله أيضا وبه قال قتادة والشافعي وإسحاق وقال اصحاب الرأي ان اعتق رأسه أو ظهره أو بدنه أو بطنه أو جسده أو نفسه أو فرجه عتق كله لان حياته لا تبقى بدون ذلك وان اعتق يده أو عضوا تبقى حياته بدونها لم يعتق لانها يمكن ازالة ذلك مع بقائه فلم يعتق كاعتاقه شعره
ولنا أنه اعتق عضوا من اعضائه فعتق جميعه كرأسه فاما إذا اعتق شعره أو سنه أو ظفره لم يعتق وقال قتادة والليث في الرجل يعتق ظفر عبده يعتق اكله لانه من اجزائه أشبه أصبعه ولنا ان هذه الاشياء تزول ويخرج غيرها فاشبهت الشعر والريق وسنذكر ذلك في الطلاق والعتق مثله (مسألة) (وان اعتق شركا له في عبد وهو موسر بقيمة باقيه عتق كله وعليه قيمة باقيه يوم العتق لشريكه) وجملته ان الشريك إذا اعتق نصيبه من العبد عتق عليه لا نعلم فيه خلافا لما ذكرنا من الاثر وإذا عتق نصيبه سرى العتق إلى جميعه فصار جميعه حرا وعلى المعتق قيمة انصباء شركائه ولولاء له هذا قول
مالك وابن أبي ليلى وابن شبرمة والثوري والشافعي وأبي يوسف ومحمد وإسحاق وقال البتي لا يعتق الا حصة المعتق ونصيب الباقين باق على الرق ولا شئ على المعتق لما روى التلب عن أبيه ان رجلا اعتق شقصا له في مملوك فلم يضمنه النبي صلى الله عليه وسلم رواه الامام أحمد ولانه لو باع نصيبه لاختص البيع به فكذلك العتق الا ان تكون جارية نفيسة يغالى فيها فيكون ذلك بمنزلة الجاية من المعتق للضرر الذي أدخله على شريكه وقال أبو حنيفة لا يعتق الا حصة المعتق ولشريكه الخيار في ثلاثة أشياء ان شاء اعتق وان شاء استسعى العبد وان شاء ضمن شريكه فيعتق حينئذ
ولنا الحديث الذي روينا وهو صحيح متفق عليه ورواه مالك في موطئه عن نافع عن ابن عمر فاثبت النبي صلى الله عليه وسلم العتق في جميعه وأوجب قيمة نصيب المعتق عليه ولم يجعل له خيرة ولا لغيره ورورى قتادة عن أبي المليح عن أبيه ان رجلا من قومه اعتق شقصا له في مملوك فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل خلاصه عليه في ماله وقال (ليس لله شريك) قال أبو عبد الله الصحيح أنه عن أبي المليح عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل وليس فيه عن أبيه هذا معنى كلامه وقول البتي شاذ يخالف الاخبار كلها فلا يعول عليه وحديث التلب يتعين حمله على المعسر جمعا بين الاحاديث وقياس العتق على البيع لا يصح فان البيع لا يسري فيما إذا كان العبد كله له والعتق يسري فانه لو باع نصف عبده لم يسر ولو أعتقه عتق كله.
إذا ثبب هذا فان ولاءه يكون له لانه عتق باعتاقه من ماله ولا خلاف في هذا عند من يرى عتقه عليه (فصل) ولا فرق في هذا بين أن يكون الشركاء مسلمين أو كافرين أو بعضهم مسلما وبعضهم كافرا ذكره القاضي وهو قول الشافعي وذكر أبو الخطاب في الكافر وجها أنه إذا اعتق نصيبه من مسلم أنه لا يسري إلى باقيه ولا يقوم عليه لانه لا يصح شراء الكافر عبدا مسلما ولنا عموم الخبر ولان ذلك يثبت لازالة الضرر فاستوى فيه الكافر والمسلم كالرد بالعيب والغرض ههنا تكميل العتق ودفع الضرر عن الشريك دون التمليك بخلاف الشراء ولو قدر ان ههنا تمليكا لكان تقديرا في أدنى زمان حصل ضرورة تحصيل العتق لا ضرر فيه فان قدر فيه ضرر فهو مغمور
بالنسبة إلى ما يحصل من العتق فوجوده كالعدم وقياس هذا على الشراء غير صحيح لما بينهما من الفرق (مسألة) (فان اعتقه الشريك بعد ذلك وقبل أخذ القيمة لم يثبت له فيه عتق) لانه قد صار حرا بعتق الاول له لان عتقه حصل باللفظ لا يدفع القيمة وصار جميعه حرا واستقرت القيمة على المعتق الاول فلا ينعتق بعد ذلك بعتق غيره وبهذا قال ابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري وأبو يوسف ومحمد وإسحاق وابن المنذر والشافعي في قول له اختاره المزني وقال الزهري وعمرو ابن دينار ومالك والشافعي في قول لا يعتق الا بدفع القيمة ويكون قبل ذلك ملكا لصاحبه ينفذ عتقه فيه ولا ينفذ تصرفه فيه بغير العتق واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (قوم عليه قيمة عدل لاوكس ولا شطط ثم يعتق) فجعله عتيقا بعد دفع القيمة ولان العتق إذا ثبت بعوض ورد الشرع به مطلقا لم يعتق إلا بالاداء كالمكاتب وللشافعي قول ثالث ان العتق مراعى، فان دفع القيمة تبينا ان العتق كان حصل من حين اعتق نصيبه، وان لم يدفع القيمة تبينا أنه لم يكن عتق لان فيه احتياطا لهما جميعا ولنا حديث ابن عمر فانه روي بالفاظ مختلفة تجتمع في الدلالة على الحرية باللفظ فروى أبو أيوب عن نافع عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من اعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمنه بقيمة العدل فهو عتيق) رواه أبو داود والنسائي وفي لفظ رواه ابن أبي مليكة عن نافع عن ابن عمر (فكان له مال
فقد عتق كله) وفي رواية ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر (وكان للذي يعتق ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل يعتق كله) وروى أبو داود باسناده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من اعتق شقصا في مملوك فهو حر من ماله) وهذه نصوص في محل النزاع فانه جعله حرا وعتيقا باعتاقه مشروطا بكونه موسرا ولانه عتيق بالسراية فكانت حاصلة من لفطه عقيبه كما لو أعتق جزءا من عبده ولا القيمة معتبرة وقت الاعتاق ولا ينفذ تصرف الشريك فيه بغير الاعتاق وعند الشافعي لا ينفذ بالاعتاق أيضا فدل على ان العتق حصل فيه بالاعتاق الاول فاما حديثهم فلا حجة لهم فيه فان الواو لا تقتضي ترتيبا وأما العطف بثم في اللفظ الآخر فلم يرد بها الترتيب فانها قد ترد لغير الترتيب كقوله سبحانه (ثم الله شهيد على ما يفعلون) فاما العوض فانما وجب عن المتلف بالاعتاق بدليل اعتباره بقيمته حين
الاعتاق وعدم اعتبار التراضي فيه ووجوب القيمة من يغر وكس ولا شطط بخلاف الكتابة.
إذا ثبت هذا فان الشريك إذا أعتقه بعد عتق الاول وقبل أخذ القيمة لم يثبت له فيه عتق ولا له عليه ولاء وولاؤه كله للمعتق الاول وعليه القيمة لانه قد صار حرا باعتاقه وعند مالك يكون ولاؤه بينهما على قدر ملكهما فيه ولا شئ على المعتق الاول من القيمة ولو ان المعتق الاول لم يؤد القيمة حتى أفلس عتق العبد وكانت القيمة في ذمته دينا يزاحم بها الشريك عندنا وعند مالك لا يعتق منه الا ما عتق ولو كان المعتق جارية حاملا فلم يؤد القيمة حتى وضعت حملها فليس على المعتق الا قيمتها حين
أعتقها لانه حينئذ حررها وعند مالك يقوم ولدها أيضا ولو أتلف العبد قبل اداء القيمة تلف حرا والقيمة على المعتق لانه فوت رقه، وعند مالك لا شئ على المعتق وما لم يقوم ويحكم بقيمته فهو في جميع أحكامه عبد (فصل) والقيمة معتبرة حين اللفظ بالعتق لانه حين الاتلاف وهو قول الشافعي على أقواله كلها فان اختلفا في قدره رجع إلى قول المقومين فان كان العبد قد مات أو غاب أو تأخر تقويمه زمنا تختلف فيه القيم ولم تكن بينة فالقول قول المعتق لانه منكر للزيادة والاصل براءة ذمته منها وهذا أحد قولي الشافعي فان اختلفا في صناعة في العبد توجب زيادة في القيمة فالقول قول المعتق كذلك الا أن يكون العبد يحسن الصناعة في الحال ولم يمض زمن يمكن تعلمها فيه فيكون القول قول الشريك لعلمنا بصدقه وان مضى زمن يمكن حدوثها فيه ففيه وجهان (أحدهما) القول قول المعتق لان الاصل براءة ذمته (والثاني) القول قول الشريك لان الاصل بقاء ما كان وعدم الحدوث وان احتلفا في عيب ينقص قيمته كسرقة أو اباق فالقول قول الشريك لان الاصل السلامة فبالجهة التي رجحنا قول المعتق في نفي الصناعة يرجح قول الشريك في نفي العيب وان كان العيب فيه حال الاختلاف واختلفا في حدوثه فالقول قول المعتق لان الاصل براءة ذمته وبقاء ما كان على ما كان وعدم حدوث العيب فيه ويحتمل ان يكون القول قول الشريك لان الاصل براءته من العيب حين الاعتاق
(فصل) والمعتبر في اليسار في هذا أن يكون له فضل عن قوت يومه وليلته وما يحتاج إليه من حوائجه الاصلية من الكسوة وسائر ما لابد منه ما يدفعه إلى شريكه ذكره أبو بكر في التنبيه وان وجد بعض ما يفي بالقيمة قوم عليه قدر ما يمكنه منه ذكره احمد في رواية ابن منصور وهو قول مالك وقال احمد لا يباع فيه دار ولا رباع ومقتضى هذا ان لا يباع له أصل مال، وقال مالك والشافعي يباع عليه سوار بيته وماله بال من كسوته ويقضى عليه في ذلك كما يقضى عليه في سائر الدعاوى والمعتبر في ذلك حال تلفظه بالعتق لانه حال الوجوب فان أيسر المعسر بعد ذلك لم يسر اعتاقه، وإن أعسر الموسر لم يسقط ما وجب عليه لانه وجب عليه فلم يسقط باعساره كدين الاتلاف نص عليه احمد (مسألة) (وان كان معسرا لم يعتق الا نصيبه وبقي حق شريكه فيه وعنه يعتق كله ويستسعى العبد في قيمة باقيه غير مشقوق عليه) ظاهر المذهب ان المعسر إذا اعتق نصيبه من العبد استقر فيه العتق ولم يسر إلى نصيب شريكه بل يبقى على الرق فإذا أعتق شريكه عتق عليه نصيبه وهذا قول اسحاق وأبي عبيد وابن المنذر وداود وابن جرير وهو قول مالك والشافعي على ما بيناه فيما مضى، وروي عن عروة انه اشترى عبدا اعتق نصفه فكان عروة يشاهره شهر عبد وشهر حر، وروي عن احمد ان المعتق إذا أعتق نصيبه استسعى العبد في قيمة باقيه حتى يؤديها فيعتق وهو قول ابن شبرمة وابن أبي ليلى والاوزاعي
وابي يوسف ومحمد لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعتق شقصا له في مملوك فعليه أن يعتقه كله ان كان له مال وإلا استسعى العبد غير مشقوق عليه) متفق عليه، ورواه أبو داود قال ابن ابي ليلى وابن شبرمة فإذا استسعي في نصف قيمته ثم أيسر معتقه رجع عليه بنصف القيمة لانه هو أجلاه إلى هذا وكلفه إياه، وعن ابي يوسف ومحمد انهما قالا يعتق جميعه وتكون قيمة نصيب الشريك في ذمته لان العتق لا يتبعض فإذا وجد في البعض سرى إلى جميعه كالطلاق وتلزم المعتق القيمة لانه المتلف لنصيب صاحبه باعتاقه فوجبت قيمته في ذمته كما لو أتلفه وقال أبو حنيفة لا يسري فيه العتق وانما يستحق به اعتاق النصيب الباقي فيخير شريكه بين اعتاق نصيبه ويكون الولاء بينهما
وبين أن يستسعى العبد في قيمة نصيبه فإذا أداه إليه عتق والولاء بينهما ولنا حديث ابن عمر وهو صحيح ثابت عند جميع العلماء بالحديث ولان الاستسعاء اعتاق بعوض فلم يجبر عليه كالكتابة ولان في الاستسعاء اضرارا بالشريك والعبد أما الشريك فانا نحيله على سعاية قد لا يحصل منها شئ أصلا وإن حصل فالظاهر انه يكون متفرقا ويفوت عليه ملكه وأما العبد فانه يجبره على سعاية لم يردها وكسب لم يختره وهذا ضرر في حقهما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وقال سليمان بن حرب اليس الزم المعتق ثمن ما بقي من العبد لئلا يدخل على شريكه ضرر فإذا أمروه بالسعي واعطاء كل شهر درهمين ولم يقدر على تملكه فأي ضرر أعظم من ذلك؟
فاما حديث الاستسعاء فقام الاثرم ذكره سليمان بن حرب فطعن فيه وضعفه، وقال أبو عبد الله ليس في الاستسعاء ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث ابي هريرة يرويه ابن ابي عروبة واما شعبة وهشام الدستوائي فلم يذكره وحدث به معمر ولم يذكر فيه السعاية قال أبو داود وهمام أيضا لا يقوله قال المروذي وضعف أبو عبد الله حديث سعيد وقال ابن المنذر لا يصح حديث الاستسعاء وذكر همام ان ذكر الاستسعاء من فتيا قتادة وفرق بين الكلام الذي هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول قتادة قال بعد ذلك فكان قتادة يقول: ان لم يكن له مال استسعي قال ابن عبد البر حديث ابي هريرة يدور على قتادة، وقد اتفق شعبة وهشام وهمام على ترك ذكره وهم الحجة في قتادة ولقول قولهم فيه عند جميع اهل العلم إذا خالفهم غيرهم فاما قول ابي حنيفة وقول صاحبيه الاخير فلا شئ معهم يحتجون به من حديث قوي ولا ضعيف بل هو محرد رأي وتحكم يخالف الحديثين جميعا قال ابن عبد البر لم يقل أبو حنيفة وزفر بحديث ابن عمر ولا بحديث أبي هريرة على وجهه وكل قول خالف السنة فمردود على قائله، والله المستعان.
(فصل) وإذا قلنا بالسعاية احتمل أن يعتق كله وتكون القيمة في ذمة العبد دينا يسعى في أدائها وتكون أحكامه احكام الاحرار فان مات وفي يده مال كان لسيده بقية السعاية وباقى ماله موروث ولا يرجع العبد على أحد وهذا قول أبي يوسف ومحمد ويحتمل أن لا يعتق حتى يؤدي السعاية فيكون
حكمه قبل ادائها حكم من بعضه رقيق ان مات فللشريك الذي لم يعتق من ماله مثل ما يكون له على قول من لم يقل بالسعاية لانه اعتاق باداء مال فلم يعتق قبل ادائه كالكاتب، وقال ابن ابي ليلى وابن شبرمة يرجع العبد على المعتق إذا أيسر لانه كلفه السعاية باعتاقه ولنا انه حق لزم العبد في مقابلة حريته فلم يرجع به على أحد كمال الكتابة ولانه لو رجع به على السيد لكان هو الساعي في العوض كسائر الحقوق الواجبة عليه (مسألة) وإذا كان العبد الثلاثة لاحدهم نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه فأعقت صاحب النصف وصاحب السدس معا وهما موسران عتق عليهما وضمنا حق شريكهما فيه نصفين وصار ولاؤه بينهما أثلاثا ويحتمل أن يضمناه على قدر ملكهما فيه) إذا كان العبد مشتركا بين جماعة فاعتق اثنان منهم وهو موسرون معاسرى عتقهم إلى باقى العبد ويكون الضمان بينهم على عدد رؤوسهم يتساوون في ضمانه وولائه وبهذا قال الشافعي ويحتمل ان يقسم بينهم على قدر أملاكهم وهو قول مالك في إحدى الروايتين عنه لان السراية جعلت باعتاق ملكهما وما وجب بسبب الملك كان على قدره كالنفقة واستحقاق الشفعة ولنا ان عتق النصيب اتلاف لرق الباقي وقد اشتركا فيه فيتساويان في الضمان كما لو جرح أحدهما
جرحا والآخر جرحين فمات بهما أو القى أحدهما جزءا من النجاسة في مائع والقى الآخر جزأين ويفارق الشفعة فانها ثبتت لازالة الضرر عن نصيب الشريك الذي لم يبع فكان استحقاقه على قدر نصيبه ولان الضمان ههنا لدفع الضرر منهما وفي الشفعة لدفع الضرر عنهما والضرر منهما يستويان في ادخاله على الشريك وفي الشفعة ضرر صاحب النصف اعظم من ضرر صاحب السدس فاختلفا إذا ثبت هذا كان ولاؤه بينهما ثلاثا لاننا إذا حكمنا بان الثلث معتق عليهما نصفين فنصفه سدس إذا ضممناه إلى النصف الذي لاحدهما صار ثلثين وإذا ضممنا السدس الآخر إلى سدس المعتق صار ثلثا وعلى الوجه الآخر يصير الولاء بينهما أرباعا لصاحب السدس ربعه ولصاحب النصف ثلاثة أرياعه والضمان
كذلك ويشترط عتقهما معا بان يوكلا من يعتقه عنهما أو يوكل احدهما الآخر في عتق نصيبه ويتلفظا به معا لانه لو سبق احدهما صاحبه عتق عليه جميعه على ما ذكرنا ويشترط اليسار أيضا فيهما فان كان أحدهما موسرا وحده قوم عليه نصيب من لم يعتق لان المعسر لا يسري عتقه فيكون الضمان على المعسر خاصة فان كان أحدهما موسرا ببعض ما يخصه قوم عليه ذلك القدر وباقيه على الآخر مثل ان يجد صاحب السدس قيمة نصف السدس فيقوم عليه ويقوم الربع على صاحب النصف ويصير ولاؤه بينهم أرباعا لصاحب السدس ربعه وباقيه لمعتق النصف لانه لو كان احدهما معسرا قوم الجميع على الآخر فإذا كان موسرا ببعضه قوم الباقي على صاحب النصف لانه مرسر وفيه اختلاف ذكرناه من قبل
(مسألة) (وإذا اعتق الكافر نصيبه من مسلم وهو موسر سرى إلى باقيه في أحد الوجهين) ذكره القاضي وهو قول الشافعي لانه تقويم متلف فاستوى فيه المسلم والكافر كتقويم المتلفات والوجه الثاني لا يسري ذكره أبو الخطاب لان فيه تقدير الملك والكافر لا يجوز ان يتملك المسلم والاول أصح ان شاء الله تعالي (مسألة) (وان ادعى كل واحد من الشريكين ان شريكه اعتق نصيبه وهما موسران فقد صار العبد حرا باعتراف كل واحد منهما وصار مدعيا على شريكه قيمة حقه منه ولا ولاء عليه لواحد منهما) وجملة ذلك ان الشريكين الموسرين إذا ادعى كل واحد منهما ان شريكه اعتق نصيبه فكل واحد منهما معترف بحرية نصيبه شاهد على شريكه بحرية نصفه الآخر لانه يقول لشريكه اعتقت نصيبك فسرى العتق إلى نصيبي فعتق كله عليك ولزمك لي قيمة نصيبي فصار العبد حرا لاعترافهما بحريته وبقي كل واحد منهما يدعي قيمة حصته على شريكه فان كانت لاحدهما بينة حكم له بها وان لم تكن بينة حلف كل واحد منهما لصاحبه وبرئا فان نكل احدهما قضي عليه وان نكلا جميعا تساقط حقاهما لتماثلهما ولا ولاء عليه لواحد منهما لانه لا يدعيه ولا فرق في هذه الحال بين العدلين والفاسقين والمسلمين والكافرين لتساوي العدل والفاسق والمسلم والكافر في الاعتراف والدعوى
فان اعترف أحدهما به بعد ذلك ثبت له لانه لا مستحق له سواه وانما لم يثبت له لانكاره له فإذا اعترف به زال الانكار فثبت له ولزمته قيمة نصيب شريكه لاعترافه بها
(مسألة) (وان كانا معسرين لم يعتق على واحد منهما) لانه ليس في دعوى احدهما على صاحبه أنه اعتق نصيبه اعتراف بحرية نصيبه ولا ادعاء استحقاق قيمتها على المعتق لكن عتق العسر لا يسري إلى غيره فلم يكن في دعواه أكبر من انه شاهد على صاحبه باعتاق نصيبه فان كانا فاسقين فلا أثر لكلامهما في الحال ولا عبرة بقولهما لان غير العدل لا تقبل شهادته، وإن كانا عدلين فشهاتهما مقبولة لان كل واحد منهما لا يجر إلى نفسه بشهادته نفعا ولا يدفع عنها ضررا وقد حصل للعبد بحرية كل نصف منه شاهد عدل فان حلف معهما عتق كله وان حلف مع احدهما عتق نصفه على الرواية التي تقول ان العتق يثبت بشاهد ويمين وان لم يحلف لم يعتق منه شئ لان العتق لا يحصل بشاهد من غير يمين وان كان أحدهما عدلا دون الآخر فله ان يحلف مع شهادة العدل ويصير نصفه حرا والآخر رقيقا (فصل) ومن قال بالاستسعاء فقد اعترف بان نصيبه خرج عن يده فيخرج العبد كله ويستسعى في قيمته لاعتراف كل واحد منهما بذلك في نصيبه (مسألة) (وان اشترى أحدهما نصيب صاحبه عتق عليه ولم يسر إلى النصف الذي كان له) لان عتقه حصل باعترافه بحريته باعتاق شريكه ولا يثبت له عليه ولاء لانه لا يدعي اعتاقه بل
يعترف ان المعتق غيره وانما هو مخلص له ممن يسترقه ظلما فهو كمخلص الاسير من ايدي الكافر وقال أبو الخطاب يسري لانه شراء حصل به الاعتاق فاشبه شراء بعض ولده فان أكذب نفسه في شهادته على شريكه ليسترق ما اشتراه منه لم يقبل لانه رجوع عن الاقرار بالحرية فلم يقبل كما لو أقر بحرية عبده ثم كذب نفسه وهل يثبت له الولاء عليه ان اعتقه؟ فيه احتمالان (احدهما) لا يثبت لما ذكرناه (والثاني) يثبت لانا نعلم ان على العبد ولاء ولا يدعيه أحد سواه ولا ينازعه فيه
فوجب ان يقبل قوله فيه وان اشترى كل واحد منهما نصيب صاحبه صار العبد كله حرا ولا ولاء عليه لواحد منهما فان اعتق كل واحد منهما ما اشتراه ثم أكذب نفسه في شهادته فهل يثبت له ولاء ما اعتقه؟ على وجهين وان أقر كل واحد منهما بانه كان اعتق نصيبه وصدق الآخر في شهادته بطل البيعان وثبت لكل واحد منهما الولاء على نصفه لان احدا لا ينازعه فيه وكل واحد منهما يصدق الآخر في استحقاق الولاء ويحتمل أن يثبت الولاء لهما وان لم يكذب واحد منهما نفسه لانا نعلم ان الولاء ثابت عليه لهما ولا يخرج عنهما وانه بينهما اما بالعتق الاول واما بالثاني لانهما ان كانا صادقين في شهادتهما فقد ثبت الولاء لكل واحد منهما على النصف الذي اعتقه اولا وان كانا كاذبين فقد اعتق كل واحد منهما نصفه بعد ان اشتراه وان كان احدهما صادقا والآخر كاذبا فلا ولاء للصادق منهما لانه لم يعتق النصف الذي كان له ولا صح عتقه في الذي اشتراه لانه كان حرا قبل شرائه والولاء كله للكاذب لانه اعتق النصف الذي كان له ثم اشترى النصف الذي لشريكه وكل واحد منهما يساوي صاحبه في الاحتمال فيقسم بينهما
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: