الفقه الحنبلي - الغنائم - الاراضي المغنومة
ذكر مقاتل فيسهم له كالرجل وقال الاوزاعي يسهم له وقال أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان بخيبر واسهم أئمة المسلمين لكل مولود ولد في أرض الحرب وروى الجوزجاني باسناده عن الوضين بن
عطاء قال حدثتني جدتي قالت كنت مع حبيب بن سلمة وكان يسهم لامهات الاولاد لما في بطونهن ولنا ما روي عن سعيد بن المسيب قال كان الصبيان والعبيد يحذون من الغنيمة إذا حضروا الغزو في صدر هذه الامة وروى الجوزجاني باسناده ان تميم بن قرع المهري كان في الجيش الذي فتح
الاسكندرية في المرة الاخيرة قال فلم يقسم لي عمرو من الفئ شيئا وقال غلام لم يحتلم حتى كاد يكون بين قومي وبين اناس من قريش لذلك ثائرة فقال بعض القوم فيكم اناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسألوهم فسألوا أبا نضرة الغفاري وعقبة بن عامر فقالوا أنظروا فان كان قد أشعر فاقسموا له فنظر الي بعض القوم فإذا انا قد انبت فقسم لي قال الجوزجاني هذا من مشاهير حديث مضر وجيده ولانه ليس من أهل القتال فلم يسهم له كالعبد ولم يثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم قسم لصبي بل كان لا يجيزهم في القتال قال ابن عمر عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن اربع عشرة فلم يجزني في القتال وعرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة فأجازني وما ذكروه يحتمل ان الراوي سمي الرضخ سهما بدليل ما ذكرناه (فصل) فان انفرد بالغنيمة من لا يسهم له مثل عبيد دخلوا دار الحرب فغنموا أو صبيان أو
عبيد وصبيان أخذ خمسه وما بقي لهم فيحتمل ان يقسم بينهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم لانهم تساووا فاشبهوا الرجال الاحرار ويحتمل ان يقسم بينهم على ما يراه الامام من المفاضلة لانه لا تجب التسوية بينهم مع غيرهم فلا تجب مع الانفراد قياسا لاحدى الحالتين على الاخرى، وان كان فيهم رجل حر أعطي سهما وفضل عليهم بقدر ما يفضل الاحرار على العبيد والصبيان في غير هذا الموضع ويقسم الباقي بين من بقي على ما يراه الامام من التفضيل لان فيهم من له سهم بخلاف التي قبلها (مسألة) (وفي الكافر روايتان احداهما يرضخ له والاخرى يسهم له) اختلفت الرواية في الكافر يغزو مع الامام باذنه فروي عن احمد أنه يسهم له كالمسلم وبهذا قال الزهري والاوزاعي والثوري واسحاق قال الجوزجاني هذا قول أهل الثغور وأهل العلم بالصوائف والبعوث وعن أحمد لا يسهم له وهو مذهب مالك وابي حنيفة والشافعي لانه من غير اهل الجهاد فلم يسهم له ولكن يرضخ له كالعبد ولنا ماروى الزهري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم رواه سعيد في سننه وروي ان صفوان بن أمية خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو على شركه فأسهم له واعطاه من سهم المؤلفة ولان الكفر نقص في الدين فلم يمنع استحقاق السهم كالفسق وبهذا فارق
العبد فان نقصه في دنياه واحكامه، وان غزا بغير اذن الامام فلا سهم له لانه غير مأمون على الدين فهو كالمرجف وشر منه وان غزا جماعة من الكفار وحدهم فغنموا احتمل ان تكون غنيمتهم لهم لا خمس
فيها لان هذا اكتساب مباح لم يوجد على وجه الجهاد فكان لهم لا خمس فيه كالاحتشاش والاحتطاب ويحتمل ان يؤخذ خمسه والباقي لهم لائه غنيمة قوم من اهل دار الاسلام فأشبهت غنيمة المسلمين (مسألة) (ولا يبلغ بالرضخ للراجل سهم راجل ولا للفارس سهم فارس) كما لا يبلغ بالتعزير الحد ولا بالحكومة دية العضو، ويقسم الامام بين أهل الرضخ كما يرى فيفضل العبد المقاتل ذو البأس على من ليس مثله ويفضل المرأة المقاتلة والتي تسقي الماء وتداوي الجرحى وتنفع على غيرها، فان قيل هلا سويتم بينهم كما سويتم بين اهل السهمان؟ قلنا السهم منصوص عليه غير موكول إلى الاجتهاد فلم يختلف كالحد ودية الحر، والرضخ غير مقدر بل هو مجتهد فيه مردود إلى اجتهاد الامام فاختلف كالتعزير وقيمة العبد والرضخ بعد الخمس في أحد الوجهين، وفيه وجه آخر انه من أصل الغنيمة وقد ذكرناه (مسألة) (فان تغيرت حالهم قبل تقضي الحرب أسهم لهم) يعني ان بلغ الصبي أو عتق العبد أو اسلم الكافر أسهم لهم لانهم شهدوا الوقعة وهم من أهل القتال فأسهم لهم كغيرهم ولقول عمر رضي الله عنه: الغنيمة لمن شهد الوقعة (مسألة) (وان غزا العبد على فرس لسيده قسم لفرس ورضخ للعبد) أما الرضخ للعبد فلما تقدم.
وأما الفرس الذي تحته فيستحق مالكها سهمها، فان كان معه فرسان
أو أكثر أسهم لفرسين كما لو كانتا مع السيد.
ويرضخ للعبد نص على هذا أحمد، وقال أبو حنيفة والشافعي لا يسهم للفرس لانه تحت من لا يسهم له فلم يسهم له كما لو كان تحت مخذل ولنا انه فرس حضر الوقعة وقوتل عليه فأسهم له كما لو كان السيد راكبه.
إذا ثبت هذا فان سهم الفرس ورضخ العبد لسيده لانه مالكه ومالك فرسه وسواء حضر السيد القتال أو غاب عنه،
وفارق فرس المخذل لان الفرس له فإذا لم يستحق شيئا بحضوره فلان لا يستحق بحضور فرسه أولى (فصل) فان غزا الصبي على فرس أو المرأة أو الكافر إذا قلنا لا يسهم له لم يسهم للفرس في ظاهر قول أصحابنا لانهم قالوا لا يبلغ بالرضخ للفرس سهم فارس وظاهر هذا انه يرضخ له ولفرسه ما لم يبلغ سهم الفارس، ولان سهم الفرس له فإذا لم يستحق السهم بحضوره فبفرسه أولى بخلاف العبد فان الفرس لغيره (فصل) وان غزا المخذل أو المرجف على فرس فلا شئ له ولا للفرس لما ذكرنا، وان غزا العبد بغير إذن سيده لم يرضخ له لانه عاص بغزوه فهو كالمخذل والمرجف، وان غزا الرجل بغير اذن والديه أو بغير اذن غريمه استحق السهم لان الجهاد تعين عليه بحضور الصف فلا يبقى عاصيا به بخلاف العبد (فصل) ومن استعار فرسا ليغزو عليه فسهم الفرس للمستعير وبهذا قال الشافعي لانه متمكن
من الغزو عليه باذن صحيح شرعي أشبه مالو استأجره وعن احمد ان سهم الفرس لمالكه لانه من نمائه فأشبه ولده وبهذا قال بعض الحنفية، وقال بعضهم لا سهم للفرس لان مالكه لم يستحق سهما فلم يستحق الفرس شيئا كالمخذل والمرجف، والاول أصح لانه فرس قاتل عليه من يستحق سهما وهو مالك نفعه فاستحق سهم الفرس كالمستأجر ولان سهم الفرس مستحق بمنفعته وهي للمستعير باذن المالك فيها، وفارق النماء فانه غير مأذون فيه، فأما ان استعاره لغير الغزو ثم غزا عليه فهو كالفرس المغصوب عليه ما سنذكره ان شاء الله تعالى (فصل) فان استأجر فرسا للغزو فغزا عليه فسهم الفرس له، لا نعلم فيه خلافا لانه مستحق لنفعه استحقاقا لازما أشبه المالك وان كان المستأجر والمستعير ممن لا سهم له إما لكونه لا شئ له كالمخذل والمرجف أو ممن يرضخ له كالصبي فحكمه حكم فرسه على ما ذكرنا، وان غزا على فرس حبيس فسهم الفرس له كما لو استأجره (فصل) ينبغي أن يقدم قسم أربعة الاخماس على قسم الخمس لان أهلها حاضرون وأهل الخمس غائبون ولان رجوع الغانمين إلى أوطانهم يقف على قسمة الغنيمة وأهل الخمس في اوطانهم، ولان
الغنيمة حصلت بتحصيل الغانمين وتعبهم وأهل الخمس بخلاف ذلك فكان الغانمون أولى بالتقديم، ولان الغنيمة إذا قسمت بين الغانمين أخذ كل واحد نصيبه فكفى الامام همه ومؤنته بخلاف الخمس
فان الامام لا يكتفي مؤنته بقسمه فلا تحصل الفائدة به، ولان الخمس لا يمكن قسمه بين أهله كلهم لانه يحتاج إلى معرفتهم وعددهم ولا يمكن ذلك مع غيبتهم، ولان الغانمين ينتفعون بسهامهم ويتمكنون من التصرف فيها والله تعالى اعلم (مسألة) (ثم يقسم باقي الغنيمة للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه) اجمع اهل العلم على ان للغانمين أربعة أخماس الغنيمة، وقد دل النص على ذلك بقوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شئ فان لله خمسه) يفهم منه ان اربعة أخماسها الباقية لهم لانه اضافها إليهم ثم أخذ منها سهما لغيرهم فبقي سائرها لهم كقوله تعالى (وورثه أبواه فلامه الثلث) ففهم منه ان الباقي للاب وقال عمر رضي الله عنه الغنيمة لمن شهد الوقعة (فصل) (ويقسم بينهم للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه) هذا قول أكثر اهل العلم ان الغنيمة تقسم للفارس ثلاثة اسهم له سهم ولفرسه سهمان وللراجل سهم، قال ابن المنذر هذا مذهب عمر بن عبد العزيز والحسن وابن سيرين وحبيب بن أبي ثابت وعوام علماء الاسلام قي القديم والحديث منهم مالك ومن تبعه من أهل المدينة والثوري ومن وافقه من اهل العراق والليث ومن تبعه من اهل مصر والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابو يوسف ومحمد، وقال ابو حنيفة للفرس سهم واحد لما روى مجمع بن حارثة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر على اهل الحديبية فأعطى الفارس
سهمين وأعطى الراجل سهما، رواه ابو داود ولانه حيوان ذو سهم فلم يزد على سهم كالآدمي ولنا ما روى ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اسهم يوم خيبر للفارس ثلاثه أسهم سهمان لفرسه وسهم له متفق عليه وعن أبي رهم وأخيه أنهما كانا فارسين يوم خيبر فاعطيا ستة أسهم أربعة اسهم لفرسيهما وسهمين لهما رواه سعيد بن منصور وعن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الفارس ثلاثة
أسهم وأعطى الرجال سهما وقال خالد الحذاء لا يختلف فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم هكذا للفرس سهمين ولصاحبه سهما وللراجل سهما، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن: أما بعد فان سهمان الخيل فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين للفرس وسهما للراجل ولعمري لقد كان حديثا ما أشعر ان أحدا من المسلمين هم بانتقاص ذلك والسلام عليك رواهما سعيد والاثرم وهذا يدل على ثبوت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا وأنه أجمع عليه فلا يعول على ما خالفه، فاما حديث مجمع فيحتمل أنه أراد أعطى الفارس سهمين لفرسه وأعطى الراجل سهما يعني صاحبه فيكون ثلاثة أسهم على ان حديث ابن عمر أصح منه وقد وافقه حديث أبي رهم وأخيه وابن عباس وهؤلاء أحفظ وأعلم وابن عمر وأبورهم وأخوه ممن شهدوا وأخذوا السهمان وأخبروا عن انفسهم فلا يعارض ذلك بخبر شاذ تعين غلطه أو حمله على ما ذكرنا وقياس الفرس على الآدمي لا يصح لان أثرها في الحرب أكثر وكلفتها اعظم فينبغي ان يكون سهما أكثر
(مسألة) (إلا ان يكون فرسه هجينا أو برذونا فيكون له سهم وعنه له سهمان كالعربي) الهجين الذي ابوه عربي وامه برذونة والعربي بالعكس قالت هند بنت النعمان ابن (1) بشير وما هند إلا مهرة عربية سليلة أفراس تحللها بغسل فان ولدت مهرا كريما فبالحري وان يك اقراف فما اتجب الفحل وقد حكي عن احمد انه قال الهجين البرذون واختلفت الرواية عنه في سهمانها فقال الخلال تواترت الروايات عن ابي عبد الله في سهام البرذون انه سهم واحد واختاره ابو بكر والخرقي وهو قول الحسن، قال الخلال وروى عنه ثلاثة منقطعون انه يسهم للبرذون سهم العربي اختاره الخلال وبه قال عمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي والثوري لان الله تعالى قال (والخيل والبغال) وهذا من الخيل، ولان الرواة رووا ان النبي صلى الله عليه وسلم اسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهما وهذا عام في كل فرس ولانه حيوان ذو سهم فاستوى فيه العربي وغيره كالآدمي وحكى ابو بكر عن احمد رواية ثالثة ان البرازين ان ادركت ادراك العراب اسهم لها سهم العربي والا فلا وهذا قول ابن ابي شيبة وابن
ابي خثيمة وأبي ايوب ولجوزجاني لانها من الخيل وقد عملت عمل العراب فاعطيت سهما كالعربي وحكى القاضي رواية رابعة أنها لا سهم لها وهو قول مالك بن عبد الله الخثعمي لانه حيوان لا يعمل عمل الخيل العراب فاشبه البغال ويحتمل ان تكون هذه الرواية فيما لا يقارب العتاق منها لما روى الجوزجاني باسناده عن أبي موسى أنه كتب إلى عمر بن الخطاب انا وجدنا بالعراق خيلا عرابا دكنا فما
__________
(1) لعله ابن المنذر
ترى يا أمير المؤمنين في سهمانها؟ فكتب إليه تلك البراذين بما قارب العتاق منها فاجعل له سهما واحدا وألغ ما سوى ذلك ووجه الاولى ما روى سعيد باسناده عن أبي الاقمر قال اغارت الخيل على الشام فادركت العراب من يومها وأدركت الكوادن صحي الغدو على الخيل رجل من همدان يقال له المنذر ابن أبي حميضة فقال لا أجعل الذي أدرك من يومه مثل الذي لم يدرك ففضل الخيل العراب فقال عمر هبلت الوادعي امه امضوها على ما قال ولم يعرف عن الصحابة خلاف هذا القول وروى مكحول ان النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الفرس العربي سهمين وأعطى الهجين سهما رواه سعيد ولان نفع العربي وأثره في الحرب أكثر فيكون سهمه أرجح كتفاضل من يرضخ له وأما قولهم إنه من الخيل قلنا الخيل في أنفسها تتفاضل فتتفاضل سهامها وقولهم إن النبي صلى الله عليه وسلم قسم للفرس سهمين من غير تفريق قلنا هذه قضية في عين لا عموم لها فيحتمل أنه لم يكن فيها برذون وهو الظاهر فانها من خيل العرب ولا براذين فيها ويدل على صحة ذلك أنهم لما وجدوا البراذين في العراق أشكل عليهم أمرها وان عمر فرض لها سهما واحدا وأمضى ما قال المنذر بن أبي حميضة في تفضيل العراب عليها ولو خالفه لما سكت الصحابة عن انكاره عليه سيما وابنه هو راوي الخبر فكيف يخفى عليه ذلك؟ ويحتمل أنه فضل العراب فلم يذكر الرواي ذلك لغلبة العراب وقلة البراذين وقد دل على ذلك التأويل خبر مكحول الذي رويناه
وقياسها على الآدمي لا يصح لان العربي منهم لا أثر له في الحرب زيادة على غيره بخلاف العربي من الخيل فانه يفضل على غيره والله أعلم
(فصل) ويعطى الراجل سهما بغير خلاف لما ذكرنا من الاخبار ولان الراجل لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الفارس من النفقة ولا يغني كغنائه فاقتضى ان ينقص سهمه عن سهمه وسواء كانت الغنيمة من فتح مدينة أو حصن وبه قال الشافعي وقال الوليد بن مسلم سألت الاوزاعي عن اسهام الخيل من غنائم الحصون فقال كانت الولاة قبل عمر بن عبد العزيز لا يسهمون للخيل من الحصون ويجعلون الناس كلهم رجالة حتى ولي عمر فانكر ذلك وأمر باسهام الخيل من الحصون والمدائن ووجهه ان النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم خيبر ففضل الفارس وهي حصون ولان الخيل ربما احتيح إليها ان خرج أهلا الحصن ويلزم صاحبه مؤنة له فاشبه الغنيمة من غير الحصن (مسألة) (ولا يسهم لاكثر من فرسين).
يعني إذا كان مع الرجل خيل أسهم لفرسين أربعة أسهم ولصاحبهما سهما ولم يزد على ذلك، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي لا يسهم لاكثر من فرس واحد لانه لا يمكن أن يقاتل على أكثر منها فلم يسهم لما زاد عليها كالزائد على الفرسين.
ولنا ما روى الاوزاعي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسهم للخيل وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين
وان كانت معه عشرة أفراس، وعن أزهر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح ان يسهم للفرس سهمين وللفرسين أربعة أسهم ولصاحبها سهما فذلك خمسة أسهم وما كان فوق الفرسين فهي جنائب رواهما سعيد ولان به إلى الثاني حاجة فان إدامة ركوب واحد تضعفه وتمنع القتال عليه فيسهم له كالاول بخلاف الثالث فانه مستغنى عنه.
(مسألة) (ولا يسهم لغير الخيل، وقال الخرقي من غزا على بعير لا يقدر على غيره قسم له ولبعيره سهمان).
أما ما عدا الخيل والابل من البغال والحمير والفيلة وغيرها فلا سهم لها وان عظم غناؤها وقامت مقام الخيل، وذكر القاضي ان الفيلة حكمها حكم الهجين لها سهم ذكره في الاحكام السلطانية والاول أولى لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يسهم لها ولا أحد من خلفائه ولانها مما لا تجوز المسابقة عليه بعوض فلم
يسهم لها كالبقر، وأما الابل فقدروي عن احمد انه يسهم للبعير سهم ولم يشترط عجز صاحبه عن غيره وحكي نحو هذا عن الحسن لان الله تعالى قال (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) ولانه خيل تجوز المسابقة عليه بعوض فيسهم له كالفرس.
يحققه أن تجويز المسابقة بعوض إنما ابيح في ثلاثة أشياء دون غيرها لانها آلات الجهاد فأبيح أخذ الرهن في المسابقة بها تحريضا على رباطها وتعلم الاتقان فيها، وروي عن احمد مثل ما ذكر الخرقي وظاهر ذلك ان لا يسهم للبعير مع امكان الغزو
على فرس إذا ثبت ذلك فلا يزاد على سهم البرذون لانه دونه ولا يسهم له إلا أن يشهد الوقعة عليه ويكون مما يمكن القتال عليه فأما هذه الابل الثقيلة التي لا تصلح إلا للحمل فلا تستحق شيئا لان راكبها لا يكر ولا يفر فهو ادنى حالا من الراجل، واختار ابو الخطاب انه لا سهم له وهو قول الاكثرين قال ابن المنذر اجمع كل من تحفظ عنه من اهل العلم ان من غزا على بعير فله سهم راجل كذلك قال الحسن ومكحول والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وهو الصحيح ان شاء الله تعالى لان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه انه اسهم لغير الخيل من البهائم وقد كان معه يوم بدر سبعون بعيرا ولم تخل غزوة من غزواته من الابل بل هي كانت غالب دوابهم فلم ينقل انه اسهم لها ولو اسهم لها لنقل وكذلك من بعد النبي صلى الله عليه وسلم من خلفائه وغيرهم مع كثرة غزواتهم لم ينقل عن احد منهم فيما علمناه انه اسهم لبعير ولو اسهم لم يخف ذلك ولانه لا يمكن صاحبه الكر والفر فلم يسهم له كالبغل.
(مسألة) (ومن دخل دار الحرب راجلا ثم ملك فرسا أو استعاره أو استأجره فشهد به الوقعة فله سهم فارس ومن دخل فارسا فنفق فرسه أو شرد حتى تقضى الحرب فله سهم راجل).
قال احمد ارى ان كل من شهد الوقعة على اي حالة كان يعطى ان كان فارسا ففارس وان كان راجلا فراجل لان عمر رضي الله عنه قال الغنيمة لمن شهد الوقعة، وبهذا قال الاوزاعي والشافعي وابو ثور وإسحاق ونحوه قال ابن عمر وقال ابو حنيفة الاعتبار بدخول دار الحرب فان دخل
فارسا فله سهم فارس وإن نفق فرسه قبل القتال وإن دخل راجلا فله سهم الرجال وإن استفاد فرسا
فقاتل عليه وعنه رواية اخرى كقولنا قال احمد كان سليمان بن موسى يعرضهم إذا ادركوا الفارس فارس والراجل راجل لانه دخل في الحرب بنية القتال فلا يتغير سهمه بذهاب دابته أو حصول دابة له كما لو كان بعد القتال وقال الخرقي الاعتبار بحال احراز الغنيمة فان احرزت الغنيمة وهو راجل فله سهم راجل وإن احرزت وهو فارس فله سهم فارس فيحتمل انه أراد بحيازة الغنيمة الاستيلاء عليها فيكون كما ذكرنا ويحتمل أن يكون أراد جمع الغنيمة وضمها واحرازها وقد ذكرنا فيما إذا لحق مدد أو هرب اسير بعد تقضي الحرب وقبل احراز الغنيمة هل يسهم له منها؟ على وجهين فيخرج ههنا مثل ذلك والله اعلم.
ولنا ان الفرس حيوان يسهم له فاعتبر وجوده حالة القتال فيسهم له مع الوجود فيه ولا يسهم له مع العدم كالآدمي والاصل في هذا أن حالة استحقاق السهم حال تقضي الحرب بدليل قول عمر الغنيمة لمن شهد الوقعة ولانها الحال التي يحصل فيها الاستيلاء الذي هو سبب الملك بخلاف ما قبل ذلك فان الاموال في أيدي أصحابها فلا ندري هل يظفر بهم أولى ولانه لو مات بعض المسلمين قبل الاستيلاء لم يستحق شيئا ولو وجد مددا في تلك الحال استحقوا السهم فدل على أن الاعتبار بحالة الاستيلاء فوجب اعتباره دون غيره
(مسألة) (ومن غصب فرسا فقاتل عليه فسهم الفرس لمالكه) نص عليه أحمد وقال بعض الحنفية لا سهم للفرس وهو وجه لاصحاب الشافعي وقال بعضهم سهم الفرس للغاصب وعليه أجرته لمالكه لانه آلة فكان الحاصل بها لمستعملها كما لو غصب منجلا فاحتش بها أو سيفا فقاتل به.
ولنا أنه فرس قاتل عليه من يستحق السهم فاستحق السهم كما لو كان مع صاحبه فإذا ثبت أن له سهما كان لمالكه، لان النبي صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما وما كان للفرس كان لصاحبه وفارق ما يحتش به فانه لا شئ له ولان السهم مستحق بنفع الفرس ونفعه لمالكه فوجب ان يكون ما يستحق به له.
(فصل) فان الغاصب ممن لا سهم له اما لكونه لا شئ له كالمخذل أو ممن يرضخ له كالصبي احتمل أن يكون حكم فرسه حكمه على ما ذكرنا لان الفرس تتبع الفارس في حكمه فتتبعه إذا كان مغصوبا قياسا على فرسه واحتمل أن يكون سهم الفرس لمالكه لان الجناية من راكبه والنقص فيه فيخص المنع به وبما هو تابع له وفرسه تابعة له لان ما كان لها فهو له والفرس ههنا لغيره وسهمها لمالكها فلا ينقص سهمها بنقص سهمه كما لو قاتل العبد على فرس لسيده ولو قاتل العبد بغير إذن سيده على فرس لسيده خرج فيه الاحتمالان اللذان ذكرناهما فيما إذا غصب فرسا فقاتل عليه لانه ههنا بمنزلة المغصوب.
(مسألة) (وإذا قال الامام من أخذ شيئا فهو له أو فضل بعض الفانمين على بعض لم يجز في إحدى الروايتين ويجوز في الاخرى) إذا قال الامام من أخذ شيئا فهو له جاز في إحدى الروايتين وبه قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي، قال أحمد في السرية تخرج فيقول الوالي من جاء بشئ فهو له ومن لم يجئ بشئ فلا شئ له: الانفال إلى الامام ما فعل من شئ جاز لان النبي صلى الله عليه وسلم قال في يوم بدر (من اخذ شيئا فهو له) ولانهم على هذا غزوا ورضوا به (والثانية) لا يجوز وهو القول الثاني للشافعي لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم الغنائم والخلفاء بعده ولان ذلك يفضي إلى اشتغالهم بالنهب عن القتال وظفر العدو بهم فلا يجوز ولان الاغتنام سبب لاستحقاقهم لها على سبيل التساوي فلا يزول ذلك بقول الامام كسائر الاكتساب فأما قضية بدر فانها منسوخة فانهم اختلفوا فيها فانزل الله تعالى (يسألونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول) الآية (فصل) فاما تفضيل بعض الغانمين على بعض فان كان على سبيل النفل لبعضهم زيادة على سهمه فقد ذكرناه في الانفال فاما غير ذلك فلا يجوز لان النبي صلى الله عليه وسلم قسم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما وسوى بينهم ولانهم اشتركوا في الغنيمة على سبيل التسوية فتجب التسوية بينهم كسائر الشركاء ولانه يفضي إلى إيقاع العداوة بينهم وافساد قلوبهم
(مسألة) (ومن استؤجر للجهاد ممن لا يلزمه من العبيد والكفار فليس له الا الاجرة إذا استأجر الامام قوما يغزون مع المسلمين لم يسهم لهم واعطوا ما استؤجروا به نص عليه احمد في رواية جماعة فقال في رواية عبد الله وحنبل في الامام يستاجر قوما يدخل بهم في بلاد العدو: لا يسهم لهم ويوفى لهم بما استؤجروا عليه وقال القاضي هذا محمول على استئجار من لا يجب عليه الجهاد كالعبيد والكفار، اما الرجال المسلمون الاحرار فلا يصح استئجارهم على الجهاد لان الغزو يتعين بحضوره على من كان من اهله، فإذا تعين عليه الفرض لم يجز أن يفعله عنه غيره كمن عليه حجة الاسلام لا يجوز ان يحج عنه غيره، وهذا مذهب الشافعي قال شيخنا ويحتمل ان يحمل كلام احمد على ظاهره في صحة الاستئجار على الغزو لمن لم يتعين عليه وهو ظاهر ما ذكره الخرقي لما روى ابو داود باسناده عن عبد الله بن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال للغازي اجره وللجاعل اجره وأجر الغازي وروى سعيد بن منصور عن جبير بن نفير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون الجعل ويتقوون به على عدوهم مثل ام موسى ترضع ولدها وتاخذ أجرها) ولانه امر لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة فصح الاستئجار عليه كبناء المساجد أو لم يتعين عليه الجهاد فصح أن يؤجر نفسه عليه كالعبد، ويفارق الحج حيث انه
ليست بفرض عين وان الحاجة داعية إليه، وفي المنع من أخذ الجعل عليه تعطيل له ومنع له مما للمسلمين فيه نفع وبهم إليه حاجة فينبغي أن يجوز بخلاف الحج إذا ثبت هذا فان قلنا بالاول فالاجارة فاسدة وعليه رد الاجرة وله سهمه لان غزوه بغير أجرة وان قلنا بصحة الاجارة فظاهر كلام أحمد والخرقي انه لا يسهم له لما روى أبو داود باسناده عن يعلى ابن منير قال أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغزو وأنا شيخ كبير ليس لي خادم فالتمست أجيرا يكفيني وأجري له سهمه فوجدت رجلا فلما دنى الرحيل قال ما أدري ما السهمان؟ وما يبلغ سهمي؟ فسم لي شيئا
كان السهم أو لم يكن فسميت له ثلاثة دنانير فلما حضرت غنيمة أردت أن أجري له سهمه فذكرت الدنانير فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أمره فقال (ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى) ولان غزوه بعوض فكأنه واقع من غيره فلم يستحق شيئا ويحتمل أن يسهم له وهذا اختيار الخلال قال وروى جماعة عن أحمد ان للاجير السهم إذا قاتل وروى عنه جماعة أن كل من شهد القتال فله السهم إذا قاتل قال وهذا أعتمد عليه من قول أبي عبد الله ووجهه ما تقدم من حديث عبد الله بن عمرو وحديث جبير بن نفير وقول عمر الغنيمة لمن شهد الوقعة ولانه حضر الوقعة وهو من أهل القتال فيسهم له كغير الاجير
فأما الذين يعطون حقهم من الفئ فلهم سهامهم لان ذلك حق جعله الله لهم ليغزوا ولانه عوض عن جهادهم بل نفع جهادهم لهم لا لغيرهم، وكذلك من يعطى من الصدقات للغزو فانهم يعطون معونة لهم لاعوضا، وكذلك إذا دفع دافع إلى الغزاة ما يتقوون به ويستعينون به كان له فيه الثواب ولم يكن عوضا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من جهز غازيا كان له مثل أجره) (فصل) فأما الاجير للخدمة في الغزو والذي يكري دابة له ويخرج معها ويشهد الوقعة فعن أحمد فيه روايتان (إحداهما) لا سهم له وهو قول الاوزاعي وإسحاق قالا: المستأجر على خدمة القوم لا سهم له لحديث يعلى بن منبه (والثانية) يسهم له إذا شهد القتال مع المسلمين وهو قول مالك وابن المنذر وبه قال الليث إذا قاتل، وان اشتغل بالخدمة فلا سهم له واحتج ابن المنذر بحديث سلمه بن الاكوع انه كان أجيرا لطلحة حين أدرك عبد الرحمن بن عيينة حين أغار على سرح النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سهم الفارس والراجل وقال القاضي يسهم له إذا كان مع المجاهدين وقصد الجهاد فأما لغير ذلك فلا، وقال الثوري يسهم له إذا قاتل ويرفع عمن استأجره نفقة ما اشتغل عنه (فصل) ومن أجر نفسه بعد أن غنموا على حفظ الغنيمة وحملها وسوق الدواب ورعيها أبيح له
أخذ الاجرة على ذلك ولم يسقط من سهمه شئ لان ذلك من مؤنة الغنيمة فهو كعلف الدواب وطعام السبي يجوز للامام بذله ويباح للاجير أخذ الاجرة عليه لانه أجر نفسه لفعل بالمسلمين إليه حاجة فحلت له الاجرة كالدلالة على الطريق ولا يجوز له ان يركب من دواب المغنم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيئ المسلمين حتى إذا أعجفها ردها) قال أحمد لا بأس ان يؤجر الرجل نفسه على دابته وكره ان يستأجر القوم على سباق الرمك على فرس حبس لانه يستعمل الفرس الموقوفة للجهاد فيما يختص نفعه بنفسه فان آجر نفسه فركب الدابة الحبيس أو دابة من المغنم لم تطب له اجرة لان المعين له على العمل يختص نفع نفسه فلا يجوز ان يستعمل فيه دواب المغنم ولا دواب الحبس وينبغي ان يلزمه بقدر أجرة الدابة ترد في الغنيمة ان كانت من الغنيمة أو تصرف في نفقة دواب الجيش ان كانت جيشا فان شرط في الاجارة ركوب دابة من الحبس لم يجز لانها انما حبست على الجهاد وليس هذا بجهاد وانما هو نفع لاهل الغنيمة وان شرط ركوب دابة من الغنيمة جاز لان ذلك بمنزلة أجرة تدفع إليه من المغنم ولو أجر نفسه بدابة معينة من المغنم صح فإذا جعلت أجرته ركوبها كان أولى ويشترط ان يكون العمل معلوما فان كان مجهولا لم يجز لان من شرط صحة اجارتها كون عوضها معلوما
(مسألة) (ومن مات بعد انقضاء الحرب فسهمه لوارثه) إذا مات الغازي أو قتل قبل حيازة الغنيمة فلا سهم له في ظاهر كلام الخرقي لانه مات قبل ثبوت ملك المسلمين عليها وسواء مات حال القتال أو قبله وان مات بعد ذلك فسهمه لورثته لانه مات بعد ثبوت ملكه عليها فكان سهمه لورثته كسائر أمواله، وان مات بعد انقضاء الحرب وقبل حيازة الغنيمة فقال الشافعي وأبو ثور متى حضر القتال اسهم سواء مات قبل حيازة الغنيمة أو بعدها وان لم يحضر فلا سهم له ونحوه قال مالك والليث، والذي ذكر شيخنا في هذا الكتاب أنه إذا مات بعد انقضاء الحرب انه يستحق السهم ويقتضيه كلام القاضي لانه قال في الاسير يهرب بعد انقضاء الحرب وقبل حيازة الغنيمة لا يستحق شيئا فدل على انهم بملكونها بالاستيلاء عليها ونفي الكفار عنها
ووجه الاول انه إذا مات قبل حيازتها فقد مات قبل ثبوت اليد عليها فلم يستحق شيئا كما لو مات قبل انقضاء الحرب، وقال أبو حنيفة ان مات قبل احراز الغنيمة في دار الاسلام أو قسهما (قسمها) في دار الحرب فلا شئ له لان ملك المسلمين لا يتم عليها الا بذلك، وقال الاوزاعي ان مات بعد ما يدرب فاصلا في سبيل الله قبل أو بعد أسهم له ولنا على أبي حنيفة انه مات بعد الاستيلاء عليها في حال لو قسمت صحت قسمتها وكان له سهمه منها فيجب ان يستحق سهمه فيها كما لو مات بعد احرازها في دار الاسلام وعلى الاوزاعي أنه مات
قبل الاستيلاء عليها فلم يتسحق شيئا كما لو مات قبل دخول الدرب وان أسر أو مات أو قتل قبل تقضى الحرب فلا شي له بغير خلاف في المذهب لانه لم يملك شيئا والله أعلم (مسألة) (ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت ويشاركونه فيما غنم) وجملة ذلك ان الجيش إذا فصل غازيا فخرجت منه سرية أو أكثر فايهما غنم شاركه الآخر في قول عامة العلماء منهم مالك والثوري والاوزاعي والليث وحماد والشافعي واسحق وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال النخعي ان شاء الامام خمس ما تأتي به السرية وان شاء نفلهم إياه كله ولنا ماروي ان النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا هوازن بعث سرية من الجيش قبل أوطاس فغنمت السرية فاشرك بينها وبين الجيش قال ابن المنذر روينا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (وترد سراياهم على قعدهم) رفي وفي تنفيل النبي صلى الله عليه وسلم في البداءة الربع وفي الرجعة الثلث دليل على اشتراكهم فيما سوى ذلك لانهم لو اختصوا بما غنموه لما كان ثلثه نفلا ولانهم جيش واحد وكل واحد منهم ردء لصاحبه فيشتركون كما لو غنم احد جانبي الجيش وان أقام الامير ببلاد الاسلام وبعث سرية أو جيشا فما غنمت السرية فهو لها وحدها لانه انما يشترك المجاهدون والمقيم في بلد الاسلام ليس بمجاهد، وان نفذ من بلد الاسلام جيشين أو سريتين فكل واحدة تنفرد بما غنمته لان كل واحدة منهما انفردت بالغزو فانفردت بالغنيمة بخلاف ما إذا فصل الجيش فدخل بجملته بلاد الكفار فان جميعهم اشتركوا في الجهاد فاشتركوا في الغنيمة
(مسألة) (وإذا قسمت الغنيمة في أرض الحرب فتبايعوها ثم غلب عليها العدو فهي مال المشتري في احدى الروايتين اختارها الخلال وصاحبه والاخرى هي من مال البائع اختارها الخرقي) يجوز للامير البيع في الغنيمة قبل القسمة للغانمين ولغيرهم إذا رأى المصلحة فيه لان الولاية ثابتة له عليها وقد تدعوا الحاجة إلى ذلك لازالة كلفة نقلها أو تعذر قسمتها بعينها ويجوز لكل واحد من الغانمين بيع ما يحصل له بعد القسم والتصرف فيه كيف شاء لان ملكه ثابت فيه فان باع الامير أو بعض الغانمين في دار الحرب شيئا فغلب عليه العدو قبل اخراجه إلى دار الاسلام فان كان التفريط من المشتري مثل ان يخرج به منه العسكر ونحو ذلك فضمانه عليه لان ذهابه حصل بتفريطه فكان من ضمانه كما لو اتلفه وان كان بغير تفريطه ففيه روايتان (احداهما) ينفسخ البيع ويرد الثمن إلى المشتري من الغنيمة ان باعه الامام أو من مال البائع وان كان الثمن لم يؤخذ من المشتري سقط عنه وهي اختيار الخرقي لان القبض لم يكمل لكون المال في دار الحرب غير محرز وكونه على خطر من العدو فأشبه الثمر المبيع على رؤوس النخل إذا تلف قبل الجذاذ (والثانية) هو من ضمان المشتري وعليه ثمنه وهذا أكثر الروايات عن أحمد رحمه الله واختاره الخلال وصاحبه أبو بكر وهو مذهب الشافعي لانه مال مقبوض أبيح لمشتريه فكان عليه ضمانه كما لو أحرز إلى دار الاسلام ولان أخذ العدو له تلف فلم يضمنه البائع كسائر أنواع التلف ولان
نماءه للمشتري فكان ضمانه عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الخراج بالضمان) وان اشتراه مشتر من المشتري الاول وقلنا هو من ضمان البائع رجع البائع الثاني على البائع الاول بما رجع به عليه (فصل) قال أحمد في الرجل يشتري الجارية من المغنم معها الحلي في عنقها والثياب: يرد ذلك في المغنم إلا شيئا تلبسه من قميص ومقنعة وازار وهذا قول حكيم بن حزام ومكحول ويزيد بن أبي مالك وإسحاق وابن المنذر ويشبه قول الشافعي واحتج إسحاق بقول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبدا وله مال فماله للبائع) وقال الشعبي يجعله في بيت المال وكان مالك يرخص في اليسير كالقرطين واشباههما ولا
يرد ذلك في الكثير، قال شيخنا ويمكن التفصيل في ذلك فيقال ما كان ظاهرا يشاهده البائع والمشتري كالقرط والخاتم والقلادة فهو للمشتري لان الظاهر أن البائع انما باعها بما عليها والمشتري اشتراها بذلك فيدخل في البيع كثياب البذلة وحلية السيف، وما خفي فلم يعلم به البائع رده لان البيع وقع عليها بدونه فلم يدخل في البيع كجارية أخرى.
(فصل) قال أحمد لا يجوز لامير الجيش أن يشتري من مغنم المسلمين شيئا لانه يحابى ولان عمر رضي الله عنه رد ما اشتراه ابنه في غزوة جلولاء وقال انه يحابى احتج به أحمد ولانه هو البائع أو وكيله فكأنه يشتري من نفسه أو من وكيله قال أبو داود قيل لابي عبد الله إذا قوم أصحاب المغانم شيئا معروفا فقالوا في جلود المعاعز بكذا وفي جلود الخرفان بكذا يحتاج إليه يأخذه بتلك القيمة ولا يأتي المغانم فرخص فيه
لانه يشق الاستئذان فيه فسومح فيه كما سومح في دخول الحمام وركوب سفينة الملاح من غير تقدير أجرة (فصل) ومن اشترى من المغنم اثنين أو أكثر أو حسبوا عليه بنصيبه بناء على أنهم أقارب يحرم التفريق بينهم فبان أنه لا نسب بينهم رد الفضل الذي فيهم على المغنم لان قيمتهم تزيد بذلك فان من اشترى اثنتين بناء على أن احداهما أم الاخرى لا يحل له الجمع بينهما في الوطئ ولا بيع إحداهما دون الاخرى كانت قيمتهما قليلة لذلك فإذا أبان ان إحداهما أجنبية من الاخرى أبيح له وطؤهما وبيع إحداهما فتكثر قيمتهما فيجب رد الفضل كما لو اشتراهما فوجد معهما حليا أو ذهبا وكما لو أخذ دراهم فبانت أكثر مما حسب عليه.
(مسألة).
(وإن وطئ جارية من المغنم ممن له فيها حق أو لولده أدب ولم يبلغ به الحد وعليه مهرها إلا أن تلد منه فيكون عليه قيمتها وتصير ام ولد له والولد حر ثابت النسب).
إذا وطئ جارية من المغنم وكان له في الغنيمة حق أو لولده ادب لانه فعل ما لا يحل له ولم يبلغ به الحد، لان الملك ثبت للغانمين في الغنيمة فيكون للواطئ حق في الجارية الموطوءة وان قل فيدرأ عنه الحد للشبهة، وبه قال ابو حنيفة والشافعي وقال مالك وابو ثور عليه الحد لقول الله تعالى (الزانية
والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وهذا زان ولانه وطئ في غير ملك عامدا عالما بالتحريم
فلزمه الحد كما لو وطئ جارية غيره وقال الاوزاعي كل من سلف من علمائنا يقول عليه أدنى الحدين مائة جلدة ومنع بعض الفقهاء ثبوت الملك في الغنيمة وقال إنما يثبت بالاحتياز بدليل ان أحدهم لو قال اسقطت حقي سقط ولو ثبت ملكه لم يزل بذلك كالوارث.
ولنا ان له فيها شبهة ملك فلم يجب عليه الحد كوطئ جارية له فيها شرك والآية مخصوصة بوطئ الجارية المشتركة وجارية ابنه فنقيس عليه هذا ومنع الملك لا يصح لان ملك الكفار قد زال ولا يزول إلا إلى مالك ولانه تصح قسمته ويملك الغانمون طلب قسمتها فأشبهت حال الوارث وإنما كثر الغانمون فقل نصيب الواطئ ولم يستقر في شئ بعينه وكان للامام تعيين نصيب كل واحد بغير اختياره فلذلك جاز ان يسقط بالاسقاط بخلاف الميراث وضعف الملك لا يخرجه عن كونه شبهة في الحد الذي يدرأ بالشبهات ولهذا أسقط الحد بادنى شئ وان لم يكن حقيقة الملك فهو شبهة.
إذا ثبت هذا فانه يعزر ولا يبلغ بالتعزير الحد على ما نذكره ان شاء الله تعالى ويؤخذ منه مهرها فيطرح في المغنم، وبهذا قال الشافعي وقال القاضي إنه يسقط عنه من المهر قدر حصته منها وتجب عليه بقيته كالجارية المشتركة بينه وبين غيره ولا يصح ذلك لاننا إذا أسقطنا عنه حصته وأخذنا الباقي فطرحناه في المغنم ثم قسمناه على الجميع وهو فيهم عاد إليه سهمه من حصة غيره ولان حصته قد لا تمكن معرفتها
لقلة المهر وكثرة الغانمين ثم إذا أخذناه فان قسمناه مفردا على من سواه لم يمكن وان خلطناه بالغنيمة ثم قسمنا الجميع أخذ سهما مما ليس فيه حقه فان ولدت منه فالولد حر يلحقه نسبه، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة هو رقيق لا يلحقه نسبه، لان الغانمين إنما يملكون بالقسمة فقد صادف وطؤه غير ملكه ولنا انه وطئ سقط فيه الحد بشبهة الملك فيلحق فيه النسب كوطئ جارية ابنه وما ذكره غير مسلم ثم يبطل بوطئ جارية ابنه وفارق الزنا فانه يوجب الحد، وإذا ثبت ذلك فان الامة تصير أم ولد
له في الحال وقال الشافعي لا تصير أم ولد له في الحال لانها ليست ملكا له فإذا ملكها بعد ذلك فهل تصير أم ولد له؟ فيها قولان ولنا انه وطئ يلحق به النسب لشبهة الملك فتصير به أم ولد كوطئ جارية ابنه وبه يبطل ما ذكروه ولا نسلم أنه ليس له فيها ملك فانا قد تبينا ان الملك قد ثبت في الغنيمة بمجرد الاغتنام وعليه قيمتها تطرح في المغنم لانه فرتها؟ عليهم بفعله فلزمته قيمتها كما لو قتلها فان كان معسرا كان في ذمته قيمتها وقال القاضي ان كان معسرا حسب قدر حصته من الغنيمة فصارت أم ولد وباقيها رقيق للغانمين لان كونها ام ولد إنما يثبت بالسراية إلى ملك غيره فلم يسر في حق المعسر كالاعتاق.
ولنا أنه استيلاء جعل بعضها ام ولد فيجعل جميعها ام ولد كاستيلاء جارية الابن وفارق العتق لان الاستيلاء أقوى لكونه فعلا وينفذ من المجنون فاما قيمة الولد فقال أبو بكر فيها روايتان (إحداهما) تلزمه قيمته حين وضعه تطرح في المغنم لانه فوت رقه فاشبه ولد المغرور (والثانية) لا تلزمه لانه ملكها حين علقت ولم يثبت ملك الغانمين في الولد بحال فاشبه ولد الاب من جارية ابنه إذا وطئها ولانه يعتق حين علوقها به ولا قيمة حينئذ وقال القاضي إذا صار نصفها ام ولد يكون الولد كله حرا وعليه قيمة نصفه (مسألة) (ومن أعتق منهم عبدا عتق عليه قدر حصته وقوم عليه باقيه ان كان موسرا وكذلك ان كان فيهم من يعتق عليه) إذا أعتق بعض الغانمين اسيرا من الغنيمة وكان رجلا لم يعتق لان العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وعم علي وعقيلا أخا علي كانا في اسرى بدر فلم يعتقا عليهما ولان الرجل لا يصير رقيقا بنفس السبي وان استرق وقلنا بجواز استرقاقه أو كان امرأة أو صبيا عتق منه قدر نصيبه وسرى إلى باقيه ان كان موسرا وان كان معسرا لم يعتق عليه الا ما ملكه منه ويؤخذ منه قيمة باقيه تطرح في المغنم إذا كان موسرا فان كان بقدر حقه من الغنيمة عتق ولم يأخذ شيئا وإن كان دون حقه أخذ باقي حقه فان أعتق عبدا ثانيا وفضل من حقه عن الاول شئ عتق بقدره من الثاني وان لم يفضل شئ لم يعتق
من الثاني شئ وكذلك الحكم إذا كان فيهم من يعتق عليه لانه نسب إلى ملكه أشبه مالو اشتراه
وقال ابن أبي موسى في الارشاد لا يعتق إلا ان يحصل في سهمه أو بعضه وقال الشافعي لا يعتق منه شئ وهذا مقتضى قول أبي حنيفة لانه لا يملكه بمجرد الاغتنام ولو ملك لم يتعين ملكه فيه وان قسم وحصل في نصيبه واختار تملكه عتق عليه وإلا فلا وان جعل له بعضه فاختار تملكه عتق عليه وقوم عليه الباقي ولنا ما بيناه من ان الملك يثبت للغانمين لكون الاستيلاء التام وجد منهم وهو سبب للملك ولان ملك الكفار زال ولا يزول إلا إلى المسلمين (مسألة) (والغال من الغنيمة يحرق رحله كله إلا السلاح والمصحف والحيوان) الغال الذي يكتم ما يأخذه من الغنيمة ولا يطلع الامام عليه ولا يطرحه في الغنيمة فحكمه ان يحرق رحله كله وبه قال الحسن وفقهاء الشام منهم مكحول والاوزاعي والوليد بن هشام ويزيد بن يزيد بن جابر وأني سعيد بن عبد الملك بغال فجمع ماله واحرقه وعمر بن عبد العزيز حاضر فلم يعبه وقال يزيد بن يزيد بن جابر السنة في الذي يغل ان يحرق رحله رواهما سعيد في سننه وقال مالك والليث والشافعي وأصحاب الرأي لا يحرق لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرق فان عبد الله بن عمرو روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال يا رسول الله هذا فيما كنا اصبنا من الغنيمة فقال (سمعت بلالا ينادي
ثلاثا قال نعم قال (فما منعك ان تجئ به) فاعتذر فقال (كن انت تجئ به يوم القيامة فلن أقبله منك) رواه ابو داود ولان احراق المتاع اضاعة له وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اضاعة المال ولنا ماروى صالح بن محمد بن زائدة قال دخلت مع مسلمة أرض الروم فاتي برجل قد غل فسأل سالما عنه فقال سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا وجدتم الرجل قد غل فاحرقوا متاعه واضربوه) قال فوجدنا في متاعه مصحفا فسأل سالما عنه فقال
بعه وتصدق بثمنه رواه سعيد وابو داود والاثرم وروى عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وابا بكر وعمر احرقوا متاع الغال رواه ابو داود فاما حديثهم فلا حجة لهم فيه فان الرجل لم يعترف انه اخذ ما اخذ على سبيل الغلول ولا اخذه لنفسه وإنما توانى في المجئ به وليس الخلاف فيه ولان الرجل جاء به من عند نفسه تائبا معتذرا والتوبة تجب ما قبلها وأما النهي عن اضاعة المال فانما نهي عنه إذا لم يكن فيه مصلحة فاما إذا كان فيه مصلحة فلا بأس ولا يعد تضييعا كالقاء المتاع في البحر عند خوف الغرق وقطع يد العبد السارق مع ان المال لا تكاد المصلحة تحصل به إلا بذهابه فأكله اتلافه وايقافه اذهابه ولا يعد شئ من ذلك تضييعا ولا افسادا ولا ينهى عنه.
إذا ثبت ذلك فان السلاح لا يحرق لانه يحتاج إليه في القتال ولا نفقته لانه مما لا يحرق عادة ولا يحرق المصحف لحرمته ولما ذكرنا من حديث سالم فيه فعلى هذا يحتمل ان يباع ويتصدق بثمنه لما ذكرنا
من حديث سالم ويحتمل ان يكون له كالحيوان والسلاح وكذلك الحيوان لا يحرق لنهي النبي صلى الله عليه وسلم ان يعذب بالنار إلا ربها ولحرمة الحيوان في نفسه ولانه لا يدخل في اسم المتاع المأمور باحراقه وهذا لا خلاف فيه ولا تحرق آلة الدابة أيضا نص عليه أحمد لانه يحتاج إليها للانتفاع بها ولانها تابعة لما لا يحرق اشبه جلد المصحف وكيسه وقال الاوزاعي يحرق سرجه واكافه ولنا انه ملبوس حيوان فلا يحرق كثياب الغال فانه لا تحرق ثيابه التي عليه لانه لا يجوز ان يترك عريانا ولا يحرق ما غل لانه من غنيمة المسلمين قيل لاحمد فالذي أصاب في الغلول اي شئ يصنع به قال يرفع إلى المغنم وكذلك قال الاوزاعي وجميع ما لا يحرق وما ابقت النار من حديد أو غيره فهو لصاحبه لان ملكه كان ثابتا عليه ولم يوجد ما يلزمه وإنما عوقب باحراق متاعه فما لم يحترق يبقى على ما كان، وان كان معه شئ من كتب العلم والحديث فينبغي ان لا يحرق ايضا لان نفع ذلك يعود إلى الدين وليس المقصود الاضرار به في دينه وإنما القصد الاضرار به في بعض دنياه (فصل) فان لم يحرق رحله حتى استحدث متاعا آخر أو رجع إلى بلده أحرق ما كان معه حال الغلول، نص عليه أحمد في الذي يرجع إلى بلده قال ينبغي أن يحرق ما كان معه في أرض العدو فان
مات قبل إحراق رحله لم يحرق نص عليه لانه عقوبة فيسقط بالموت كالحدود ولانه بالموت انتقل إلى ورثته وإحراقه عقوبة لغير الجاني
وان باع متاعه أو وهبه احتمل أن لا يحرق لانه صار لغيره أشبه انتقاله بالموت واحتمل أن ينقض البيع والهبة ويحرق لانه تعلق به حق سابق على البيع والهبة فوجب تقديمه كالقصاص في حق الجاني (فصل) وان كان العال صبيا لم يحرق متاعه وبه قال الاوزاعي لان الاحراق عقوبة وليس هو من أهلها فاشبه الحد، وان كان عبدا لم يحرق متاعه لانه لسيده فلا يعاقب سيده بجناية عبده، وان استهلك ما غله فهو في رقبته لانه من جنايته وان غلت المرأة أو ذمي أحرق متاعهما لانهما من أهل العقوبة ولذلك يقطعان في السرقة ويحدان في الزنا، وان أنكر الغلول وذكر انه ابتاع ما بيده لم يحرق متاعه حتى يثبت غلوله ببينة أو إقرار لانه عقوبة قلا يجب قبل ثبوته بذلك كالحد ولا يقبل في بينته إلا عدلان لذلك (فصل) ولا يحرم الغال سهمه، وقال أبو بكر في ذلك روايتان (احداهما) يحرم سهمه لانه قد جاء في الحديث يحرم سهمه فان صح فالحكم له، وقال الاوزاعي في الصبي يغل يحرم سهمه ولا يحرق متاعه ولنا ان سبب الاستحقاق موجود فيستحق كما لو لم يغل ولم يثبت حرمان سهمه في خبر ولا يدل عليه قياس فيبقى بحاله ولا يحرق سهمه لانه ليس من رحله (فصل) إذا تاب الغال قبل القسمة رد ما أخذه في المقسم بغير خلاف لانه حق تعين رده إلى اهله فان تاب بعد القسمة فمقتضى المذهب أن يؤدي خمسه إلى الامام ويتصدق بالباقي وهذا قول
الحسن والزهري ومالك والاوزاعي والثوري والليث.
وقال الشافعي لا أعرف للصدقة وجها، وحديث الغال ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له (لا أقبله منك حتى تجئ به إلى يوم القيامة) ولنا ماروى سعيد بن منصور عن عبد الله بن المبارك عن صفوان بن عمرو عن حوشب بن سيف قال غزا الناس الروم وعليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فغل رجل مائة دينار فلما قسمت الغنيمة
وتفرق الناس ندم فاتى عبد الرحمن فقال قد غللت مائة دينار فامضها فقال قد تفرق الناس فلن أقبضها منك حتى توافي الله بها يوم القيامة، فأتي معاوية فذكر ذلك له فقال له مثل ذلك فخرج وهو يبكي فمر بعبد الله بن الشاعر السكسكي فقال ما يبكيك؟ فاخبره فقال إنا لله وإنا إليه راجعون أمطيع أنت يا عبد الله؟ قال نعم قال فانطلق إلى معاوية فقل له خذ مني خمسك فاعطه عشرين دينارا وانظر إلى الثمانين الباقية فتصدق بها عن ذلك الجيش فان الله تعالى يعلم أسماءهم ومكانهم وان الله يقبل التوبة عن عباده، فقال معاوية: أحسن والله لان أكون أنا أفتيته بهذا أحب إلي من أن يكون لي مثل كل شئ امتلكت وعن ابن مسعود رضي الله عنه انه رأى أن يتصدق بالمال الذي لا يعرف صاحبه فقد قال به ابن مسعود ومعاوية ومن بعدهم ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم فيكون إجماعا، ولان تركه تضييع له وتعطيل لمنفعته التي خلق لها ولا يتخفف به شئ من اثم الغال، وفي الصدقة به نفع لمن يصل إليه من
المساكين، وما يحصل من أجر الصدقة يصل إلى صاحبه فيذهب به الاثم عن الغال فيكون أولى (مسألة) (وما أخذ من الفدية أو أهداه الكفار إلى أمير الجيش أو بعض قواده فهو غنيمة) ما أخذ من فدية الاسارى فهو غنيمة، لا نعلم فيه خلافا فأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم فداء أسارى بدر بين الغانمين ولانه مال حصل بقوة الجيش أشبه الخيل والسلاح وأما الهدية للامام والقواد فان كان في حال الغزو فهي غنيمة وهكذا ذكر أبو الخطاب لان الظاهر انه لا يفعل ذلك الا لخوف من المسلمين فظاهر هذا يدل على أن ما أهدي لآحاد الرعية فهو له، وقال القاضي هو غنيمة لما ذكرنا، وان كانت الهدية من دار الحرب إلى دار الاسلام فهي لمن أهديت له سواء كان الامام أو غيره لان النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدية المقوقس فكانت له دون غيره، وهذا قول الشافعي ومحمد بن الحسن، وقال أبو حنيفة هو للمهدى له بكل حال لانه خص بها أشبه ما إذا كان في دار الاسلام، وحكي ذلك رواية عن أحمد ولنا انه أخذ ذلك بظهر الجيش أشبه مالو اخذه قهرا ولانه إذا أهدي إلى الامام أو أمير فالظاهر
انه يداري عن نفسه به فاشبه ما أخذ منه قهرا، وأما الهدية لآحاد المسلمين فلا يقصد بها ذلك في الظاهر لعدم الخوف منه فيكون كما لو أهدى إليه إلى دار الاسلام، ويحتمل أن ينظر فان كانت بينهما مهاداة قبل ذلك فله ما أهدي إليه.
وان تجدد ذلك بالدخول إلى دارهم فهو للمسلمين كقولنا في الهدية إلى القاضي
(باب حكم الارضين المغنومة) وهي على ثلاثة أضرب (أحدها) ما فتح عنوة وهي ما أجلي عنها اهلها بالسيف فيخير الامام بين قسمها ووقفها للمسلمين ويضرب عليها خراجا مستمرا يؤخذ ممن هي في يده يكون أجرة لها.
وعنه تصير وقفا بنفس الاستيلاء وعنه تقسم بين الغانمين الارضون المغنومة تنقسم قسمين عنوة وصلح (فالعنوة) ما أجلي عنها أهلها بالسيف وهي نوعان (أحدهما) ما فتح ولم يقسم بين الغانمين فتصير وقفا للمسلمين يضرب عليها خراج معلوم يؤخذ منها في كل عام يكون أجرة لها وتقر بايدي أربابها ما دامو يؤدون خراجها مسلمين كانوا أو من أهل الذمة لا يسقط خراجها باسلام أربابها ولا بانتقالها إلى مسلم لانه بمنزله اجرتها ولم نعلم ان شيئا مما فتح عنوة قسم بين الغانمين الا خيبر فان النبي صلى الله عليه وسلم قسم نصفها فصار لاهله لاخراج عليه وسائر ما فتح عنوة مما فتحه عمر رضي الله عنه ومن بعده كارض الشام والعراق ومصر وغيرها لم يقسم منه شئ فروى أبو عبيد في كتاب الاصول ان عمر رضي الله عنه قدم الجابية فأراد قسم الارض بين المسلمين فقال له معاذ رضي الله عنه والله إذا ليكونن ما تكره انك ان قسمتها اليوم صار الريع العظيم في أيدي القوم ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد والمرأة ثم يأتي من بعدهم قوم يمدون من الاسلام
الاسلام مسداهم لا يجدون شيئا فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم فصار عمر إلى قول معاذ وروى أيضا قال قال: الماجشون قال بلال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في القرى التي افتتحوها عنوة اقسمها بيننا وخذ خمسها فقال عمر لا هذا عن المال ولكني أحبسه فيئا يجري عليهم وعلى المسلمين فقال بلال
وأصحابه اقسمها بيننا فقال عمر اللهم اكفني بلالا وذويه قال فما جاء الحول وفيهم عين تطرف وروى باسناده عن سفيان بن وهب الخولاني قال لما افتتح عمرو بن العاص مصر قال الزبير يا عمرو بن العاص اقسمها فقال عمرو لاأقسمها فقال الزبير لتقسمنها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال عمرو لا أقسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين فكتب إلى عمر فكتب إليه دعها حتى يغزو منها حبل الحبلة قال القاضي ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن احد من الصحابة انه قسم ارضا عنوة الا خيبر (فصل) قال أحمد ومن يقوم على أرض الصلح وأرض العنوة؟ ومن أين هي؟ وإلى أين هي؟ وقال أرض الشام عنوة الا حمص وموضعا آخر وقال ما دون النهر صلح وما وراء عنوة وقال فتح المسلمون السواد عنوة إلا ما كان منه صلح وهي أرض الحيرة وأرض بانقيا وقال أرض الري خلطوا في أمرها فأما ما فتح عنوة فمن نهاوند وطبرستان خراج وقال أبو عبيد أرض الشام عنوة ما خلا مدنها فانها فتحت صلحا إلا قيسارية افتتحت عنوة وأرض السواد والجبل ونهاوند والاهواز ومصر والمغرب وقال موسي بن علي بن رباع عن أبيه: المغرب كله عنوة فأما أرض الصلح فارض هجر والبحر بن
وأيلة ودومة الجندل وأذرح فهذه القرى التي أدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية ومدن الشام ما خلا أرضيها الا قيسارية وبلاد الجزيرة كلها وبلاد خراسان كلها أو أكثرها صلح وكل موضع فتح عنوة فانه وقف على المسلمين (النوع الثاني) ما استأنف المسلمون فتحه عنوة ففيه ثلاث روايات (احداهما) أن الامام مخير بين قسمها على الغانمين وبين وقفها على جميع المسلمين ويضرب عليها خراجا مستمرا على ما ذكرنا هذا ظاهر المذهب لان كلا الامرين قد ثبت فيه حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم نصف خيبر ووقف نصفها لنوائبه ووقف عمو الشام والعراق ومصر وسائر ما فتحه وأقره على ذلك علماء الصحابة وأشاروا عليه به، وكذلك من بعده من الخلفاء ولم نعلم ان أحدا منهم قسم شيئا من الارض التي افتتحوها
(والثانية) انها تصير وقفا بنفس الاستيلاء عليها لاتفاق الصحابة رضي الله عنهم عليه وقسمة النبي صلى الله عليه وسلم خيبر كانت قي بدء الاسلام وشدة الحاجة وكانت المصلحة فيه وقد تعينت المصلحة فيما بعد ذلك في وقف الارض فكان هو الواجب (والثالثة) ان الوجب قسمها وهو قول مالك وأبي ثور لان النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وفعله أولى من فعل غيره مع عموم قوله تعالى (واعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسه يفهم من ذلك ان أربعة اخماسها للغانمين
(والرواية الاولى) أولى لما ذكرنا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولان عمر رضي الله عنه قال لولا آخر الناس لفسمت الارض كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر فقد وقف الارض مع علمه بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على ان فعله ذلك لم يكن متعينا كيف والنبي صلى الله عليه وسلم قد وقف نصف خيبر ولو كانت للغانمين لم يكن له وقفها، قال ابو عبيد تواترت الاخبار في افتتاح الارض عنوة بهذين الحكمين، حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر حين قسمها، وبه اشار بلال واصحابه على عمر في ارض الشام والزبير في ارض مصر وحكم عمر في ارض السواد وغيره حين وقفه، وبه اشار علي ومعاذ على عمر وليس فعل النبي صلى الله عليه وسلم رادا لفعل عمر لان كل واحد منهما اتبع آية محكمة قال الله تعالى (واعلموا انما غنمتم منه شئ فان لله خمسه - وقال - ما افاء الله على رسوله من اهل القرى) الآية فكان كل واحد من الامرين جائزا والنظر في ذلك إلى الامام فما رأى منه ذلك فعليه وهذا قول الثوري وأبي عبيد.
إذا ثبت هذا فان التخيير المفوض إلى الامام تخيير مصلحة لا تخيير تشهي فيلزمه فعل ما يرى فيه المصلحة لا يجوز له العدول عنه كالخيرة في الاسرى بين القتل والاسترقاق والمن والفداء ولا يحتاج إلى النطق بالوقف بل تركه لها من غير قسمة وقف لها كما أن قسمتها بين الغانمين لا يحتاج معه إلى لفظ ولان عمر وغيره لم ينقل عنهم في وقف الارض لفظ بالوقف ولان معنى وقفها
هاههنا أنها باقية لجميع المسلمين يؤخذ خراجها يصرف في مصالحهم ولا يخص أحد بملك شئ منها وهذا حاصل بتركها
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: