الفقه الحنبلي - اليمين - تعارض البينتين
(مسألة) (وان تنازع الزوجان أو ورثتهما في قماش البيت فما كان يصلح للرجال فهو للرجل وما كان يصلح للنساء فهو للمرأة وما كان يصلح لهما فهو بينهما) إذا اختلف
الزوجان في قماش البيت أو في بعضه فقال كل واحد منهما جميعه لي أو قال كل واحد منهما هذه العين لي وكانت لاحدهما بينة ثبت له بلا خلاف، وان لم تكن لواحد منهما بينة فالمنصوص عن أحمد ان ما يصلح للرجال من العمائم وقمصانهم وجبابهم والاقبية والطيالسة والسلاح وأشباه ذلك القول فيه قول الرجل مع يمينه وما يصلح للنساء كحليهن وقمصهن ومقانعهن ومغازلهن
فالقول قول المرأة مع يمينها وما يصلح لهما كالمفارش والاواني فهو بينهما وسواء كان في أيديهما من طريق الحكم أو من طريق المشاهدة وسواء اختلفوا في حال الزوجية أو بعد البينونة وسواء اختلفا أو اختلف ورثتهما أو أحدهما وورثه الآخر قال احمد في رواية الجماعة منهم يعقوب بن بختان في الرجل يطلق زوجته أو يموت فتدعي المرأة المتاع: فما كان يصلح للرجال فهو للرجل وما كان من متاع النساء فهو للنساء وما استقام أن يكون للرجال وللنساء فهو بينهما، فان كان المتاع على يدي غيرهما فمن أقام البينة دفع إليه وان لم تكن لهما بينة اقرع بينهما فمن كانت له القرعة حلف وأعطي المتاع وقال في رواية مهنا وكذلك ان اختلفا وأحدهما مملوك وبهذا قال الثوري وابن أبي ليلى لان أيديهما جميعا على قماش البيت بدليل ما لو نازعهما فيه اجنبي كان القول قولهما وقد يرجح احدهما على صاحبه يدا وتصرفا فيجب تقديمه كما لو تنازعا دابة أحدهما راكبها والآخر آخذ بزمامهما أو قميصا احدهما لابسه والآخر آخذ بكمه أو جدارا متصلا بجداريهما معقودا ببناء احدهما (مسألة) (وان اختلف صانعان في قماش دكان لهما حكم بآلة كل صناعة لصاحبها في ظاهر كلام أحمد والخرقي) لما ذكرنا فيما إذا اختلف الزوجان في قماش البيت فألة العطار له وآلة النجارين للنجار فان لم يكونا في دكان واحد ولكن اختلفا في عين لم يرجح احدهما بصلاحية العين المختلف له فيها كما يذكر في مسألة الزوجين بعد وقال القاضي هذا انما هو إذا كانت ايديهما عليه من طريق
الحكم أما ما كان في يد أحدهما من طريق المشاهدة فهو له مع يمينه، وان كان في ايديهما قسم بينهما نصفين سواء كان يصلح لهما أو لاحدهما وهذا قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن الا أنهما قالا ما يصلح لهما ويدهما عليه من طريق الحكم فالقول فيه قول الرجل مع يمينه، وإذا اختلف احدهما وورثه الاخر فالقول قول الباقي، لان اليد المشاهدة أقوى من اليد الحكمية بدليل ما لو تنازع الخياط وصاحب الدار في الابرة والمقص كانت للخياط وقال أبو يوسف القول قول المرأة فيما جرت العادة انه قدر جهاز مثلها وقال مالك ما صلح لكل واحد منهما فهو له وما صلح لهما كان للرجل سواء كان في أيديهما من طريق المشاهدة أو من طريق الحكم لان البيت للرجل ويده عليه أقوى لان عليه السكنى وقال الشافعي وزفر والبتي ما كان في البيت فهو لهما نصفين فيحلف كما واحد منهما على نصفه ويأخذه وروي ذلك عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لانهما تساويا في ثبوت يدهما على المدعى وعدم البينة فلم يقدم احدهما على صاحبه كالذي يصلح لهما أو كما لو كان في يدهما من حيث المشاهدة عند من سلم ذلك ولنا أن يديهما جميعا على متاع البيت بدليل ما لو نازعهما فيه اجنبي كان القول قولهما وقد يرجح احدهما على صاحبه يدا وتصرفا فيجب أن يقدم كما لو تنازعا دابة احدهما راكبها والآخر آخذ بزمامها أو جدارا متصلا بداريهما معقودا ببناء احدهما اوله أزج ولنا على أبي حنيفة والقاضي انهما تنازعا فيما في ايديهما اشبه إذا كان في اليد الحكمية، فاما ما كان
يصلح لهما فانه في أيديهما ولا مزية لاحدهما على صاحبه أشبه إذا كان في ايديهما من جهة المشاهدة والدلالة على انه ليس للباقى منهما ان وارث الميت قائم مقامه اشبه ما لو جعل احدهما لنفسه وكيلا (فصل) فأما إذا لم تكن لاحدهما يد حكمية بل تنازع رجل وامرأة في عين غير قماش بينهما فلا يرجح احدهما بصلاحية ذلك له بل ان كانت في ايديهما فهي بينهما وان كانت في يد احدهما فهي له وان كانت في يد غيرهما اقترعا عليها فمن خرجت له القرعة فهي له واليمين على من حكمنا له بها في كل المواضع لانه ليس لهما يد حكمية فاشبها سائر المختلفين
(مسألة) (وكل من قلنا هو له فهو له مع يمينه إذا لم تكن بينة) لاحتمال ما ادعاه خصمه (مسألة) (وان كان لاحدهما بينة حكم له بها) وجملة ذلك ان البينة إذا كانت للمدعي وحده وكانت العين في يد المدعى عليه حكم باليمين للمدعي بغير خلاف ولم يحلف وهو قول اهل الفتيا من اهل الامصار منهم الزهري والثوري وابو حنيفة ومالك والشافعي وقال شريح وعون بن عبد الله والنخعي والشعبي وابن ابي ليلي يستحلف الرجل مع بينته قال شريح لو أثبت كذا وكذا شهداء عندي ما قضيت لك حتى تحلف ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (البنية على المدعي واليمين على المدعى عليه) ولان البينة احد حجتي الدعوى
فيكتفى بها كاليمين إذا ثبت ذلك فقال اصحابنا لا فرق بين الحاضر والغائب والحي والميت والعاقل والمجنون والصغير والكبير وقال الشافعي إذا كان المشهود عليه لا يعبر عن نفسه احلف المشهود له لانه لا يعبر عن نفسه في دعوى القضا والابراء فيقوم الحاكم مقامه في ذلك لنزول الشبهة قال شيخنا وهذا حسن فان قيام البينة للمدعي بثبات حقه لا بنفي احتمال القضاء والابراء بدليل ان المدعى عليه لو ادعاه سمعت دعواه وبينته فإذا كان حاضرا مكلفا فسكوته عن الدعوى دليل على انتفائه فيكتفى بالبينة فان كان غائبا أو ممن لا قول له بقي احتمال ذلك من غير دليل يدل على انتفائه فتشرع اليمين لنفيه وان لم تكن للمدعي بينة وكانت للمنكر بينة سمعت بينته ولم يحتج إلى الحلف معها لانا ان قلنا بتقديمها مع التعارض وانه لا يحلف معها فمع افرادها اولي، وان قلنا بتقديم بينة المدعى عليه فيجب ان يكتفى بها عن اليمين لانها اقوى من اليمين فإذا اكتفي باليمين فيما هو اقوى منها اولى ويحتمل ان تشرع ايضا لان البينة ههنا يحتمل أن يكون مستندها اليد والتصرف فلا تفيد الا ما افادته اليد والتصرف لا يغني عن اليمين فكذلك ما قام مقامه (مسألة) (وان كان لكل واحد منهما بينة حكم بها للمدعي في ظاهر المذهب، وعنه إن
شهدت بينة المدعى عليه أنها له نتجت في ملكه أو قطيعة من الامام قدمت بينته وإلا فهي للمدعي
ببينته وقال القاضي فيهما إذا لم يكن مع بينة الداخل ترجيح لم يحكم بها رواية واحدة وقال أبو الخطاب فيه رواية أخرى أنها مقدمة بكل حال) وجملة ذلك ان من ادعى عينا في يده غير فأنكره وأقام كل واحدة منهما بينة حكم بها للمدعي ببينته وتسمى بينة الخارج وبينة المدعى عليه تسمى بينة الداخل وقد اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيما إذا تعارضتا فالمشهور عنه تقديم بينة المدعي ولا تسمع بينة المدعى عليه بحال وهذا اختيار الخرقي وهو قول اسحاق وعنه رواية ثانية ان شهدت بينة الداخل بسبب الملك فقالت نتجت في ملكه أو اشتراها أو نسجها أو كانت بينته اقدم تاريخا قدمت وإلا قدمت بينة المدعي وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور في النتاج والنساج فيما لا يتكرر نسجه، وأما ما يتكرر نسجه كالخز والصوف فلا تسمع بينته لانها إذا شهدت بالسبب فقد افادت مالا تفيده اليد وقد روى جابر بن عبد الله ان النبي صلى الله عليه وسلم اختصم إليه رجلان في دابة أو بعير فقام كل واحد منهما البينة أنه أنتجها فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي هي في يده، وذكر أبو الخطاب رواية ثالثة ان بينة المدعى عليه تقدم بكل حال وهو قول شريح والشعبي والحكم والشافعي وأبي عبيد وقال هو قول أهل المدينة وأهل الشام وروي ذلك عن طاوس وأنكر القاضي كون هذا رواية عن أحمد وقال لا تقدم بينة الداخل إذا لم تفد الا ما افادته يده رواية واحدة واحتج من ذهب الي تقديم بينة المدعى عليه بان جنبته أقوى لان الاصل معه ويمينه تقدم
على يمين المدعي فإذا تعارضت البيتان وجب ابقاء يده على ما فيها وتقديمه كما لو لم تكن بينة لواحد منهما وحديث جابر يدل على هذا فانه انما قدم بينته ليده ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) فجعل جنس البينة من جنبة المدعي فلا يبقي في جنبة المدعى عليه بينة ولان بينة المدعي أكثر فائدة فوجب تقديمها كتقديم بينة الجرح والتعديل ودليل كثرة فائدتها أنها تثبت شيئا لم يكن وبينة المنكر انما تثبت ظاهرا تدل اليد عليه فلم تكن مفيدة ولان الشهادة بالملك يجوز ان يكون مستندها رؤية اليد والتصرف فان ذلك جائز عند كثير من أهل العلم فصارت البينة بمنزلة اليد المفردة فقدم عليه بينة المدعي كما تقدم اليد
كما ان شاهدي الفرع لما كانا مبنيين على شاهدي الاصل لم تكن لهما مزية عليهما (فصل) وأي البينتين قدمناها لم يحلف صاحبها وقال الشافعي في أحد قوليه يستحلف صاحب اليد لان البينتين سقطتا بتعارضهما فصارتا كمن لا بينة لهما فيحلف الداخل كما لو لم تكن لواحد منهما بينة ولنا ان إحدى البينتين راجحة فيجب الحكم بها منفردة كما لو تعارض خبران خاص وعام أو أحدهما ارجح بوجه من الوجوه ولا نسلم ان البينة الراجحة تسقط وانما ترجح ويعمل بها وتسقط المرجوحة (مسألة) (وان اقام الداخل ببينة أنه اشتراها من الخارج وأقام الخارج بينة انه اشتراها
من الداخل فقال القاضي تقدم بينة الداخل لانه الخارج في المعنى وقيل تقدم بينة الخارج) لقول النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي) (فصل) إذا ادعى الخارج ان العين ملكه وأنه أودعها الداخل أو اعاره اياها أو اجرها منه ولم تكن لواحد منهما بينة فالقول قول المنكر مع يمينه لا نعلم فيه خلافا وان كان لكل واحد منهما بينة قدمت بينة الخارج وهو قول الشافعي وقال القاضي بينة الداخل مقدمة لانه هو الخارج في المعنى كالمسألة قبلها لانه ثبت ان المدعي صاحب اليد فان يد الداخل نائبة عنه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) فتكون البينة للمدعي كما لو لم يدع الايداع.
يحققه ان دعواه الايداع زيادة في حجته وشهادة البينة بها تقوية لها فلا يجوز ان تكون مبطلة لبينته، وان ادعى الخارج ان الداخل غصبه اياها وقام بينتين قضي للخارج ويقتضي قول القاضي انها للداخل والاولى ما ذكرناه (فصل) فان كان في يد رجل جلد شاة مسلوخة ورأسها وسواقطها وباقيها في يد آخر فادعاها كل واحد منهما جميعها ولا بينة لهما ولا لاحدهما فلكل واحد منهما ما في يده مع يمينه وان اقاما بينتين وقلنا تقدم بينة الداخل فلكل واحد منهما ما في يده من غير يمين وان كان في يد كل واحد منهما شاة فادعى كل واحد منهما ان الشاة التي في يد صاحبه له ولا بينة لهما حلف كل واحد منهما
لصاحبه وكانت الشاة التي في يده له وان اقاما بينتين فلكل واحد منهما شاة التي في يد صاصبه ولا تعارض بينهما وان كان كل واحد قال هذه الشاة التي في يدك لي من نتاج شاتي هذه فالتعارض في النتاج لا في الملك وان ادعى واحد منهما ان الشاتين له دون صاحبه واقاما بينتين تعارضتا وانبنى ذلك على القول في بينة الداخل والخارج فمن قدم بينة الخارج جعل لكل واحد منهما ما في يد الآخر ومن قدم بينة الداخل أو قدمها إذا شهدت بالنتاج جعل لكل واحد منهما ما في يده (فصل) إذا ادعى زيد شاة في يد عمرو واقام بها بينة فحكم له بها حاكم ثم ادعاها عمرو على زيد واقام بها بينة فان قلنا بينة الخارج مقدمة لم تسمع بينة عمرو لان بينة زيد مقدمة عليها وان قلنا بينة الداخل مقدمة نظرنا في الحكم كيف وقع؟ فان كان حكم بها لزيد لان عمرا لا بينة له ردت إلى عمرو لانه قد قامت له بينة واليد كانت له وان كان حكم بها لزيد لانه يرى تقديم بينة الخارج لم ينقض حكمه لانه حكم بما يسوغ الاجتهاد فيه وان كانت بينة عمرو قد شهدت له ايضا وردها الحاكم لفسقها ثم عدلت لم ينقض الحكم ايضا لان الفاسق إذا شهد عند الحاكم بشهادة فردها لفسقه ثم اعادها بعد لم تقبل وان لم يعلم الحكم كيف كان لم ينقض لانه حكم حاكم الاصل جريانه على الصحة والعدل فلا ينقض بالاحتمال وان جاء ثالث فادعاها واقام بها بينة فبينته وبينة زيد متعارضتان ولا
يحتاج زيد إلى اقامة بينة لانها قد شهدت مرة وهما سواء في الشهادة حال التنازع فلم يحتج إلى اعادتها كالبينة إذا شهدت ووقف الحكم على البحث عن حالها ثم بانت عدالتها فانها تقبل ويحكم بها من غير إعادة شهادتهما كذا ههنا (فصل) وإذا كان في يد رجل شاة فادعاها رجل انها له منذ سنة واقام بذلك بينة وادعى الذي هي في يده انها في يديه منذ سنتين واقام بذلك بينة فهي للمدعي بغير خلاف لان بينته تشهد له بالملك وبينة الداخل تشهد باليد خاصة فلا تعارض بينهما لامكان الجمع بينهما بان تكون اليد عن غير ملك فكانت بينة الملك اولى وان شهدت بينته بانها ملكه منذ سنتين فقد تعارض ترجيحان تقديم
التاريخ من بينة الداخل وكون الاخرى بينة الخارج ففيه روايتان (إحداهما) تقدم بينة الخارج وهو قول ابي يوسف ومحمد وابي ثور ويقتضيه عموم كلام الخرقي لقوله عليه الصلاة والسلام (البينة على المدعي) ولان بينة الداخل يجوز ان يكون مستندها اليد فلا تفيد أكثر مما تفيده اليد فاشبهت الصورة الاولى (والثانية) تقدم بينة الداخل وهو قول ابي حنيفة والشافعي لانها تضمنت زيادة وان كانت بالعكس فشهدت بينة الداخل انه يملكها منذ سنة وشهدت بينة الخارج انه يملكها منذ سنتين قدمت بينة الخارج الا على الرواية التي تقدم فيها بينة الداخل فيخرج فيها وجهان بناء على الروايتين في التي قبلها وظاهر مذهب الشافعي تقديم بينة الداخل على كل حال وقال بعضهم فيها
قولان فان ادعى الخارج انها ملكه منذ سنة وادعي الداخل انه اشتراها منه منذ سنتين واقام كل واحد منهما بينة قدمت بينة الداخل ذكره القاضي وهو قول ابي ثور فان اتفق تاريخ البينتين إلا ان بينة الداخل تشهد بنتاج أو شراء أو غنيمة أو ارث أو هبة من مالك أو قطيعة من الامام أو سبب من اسباب الملك ففي أيهما يقدم روايتان ذكرناهما فان ادعى انه اشتراها من الآخر قضي له بها لان بينة الابتياع شهدت بأمر حادث خفي على البينة الاخرى فقدمت عليها كما تقدم بينة الجرح على التعديل (فصل) قال رحمه الله (القسم الثاني أن تكون العين في يديهما فيتحالفان وتقسم بينهما) وجملة ذلك انه إذا تنازع نفسان في عين في أيديهما فادعى كل واحد منهما انها له دون صاحبه ولم تكن لهما بينة حلف كل واحد منهما لصاحبه وجعلت بينهما نصفين لا نعلم في هذا خلافا لان يد كل واحد منهما على نصفها والقول قول صاحب اليد مع يمينه وإن نكلا جميعا عن اليمين فكذلك لان كل واحد منهما يستحق ما في يد الآخر بنكوله، وان نكل أحدهما وحلف الآخر قضي له بجميعها لانه يستحق ما في يده بيمينه وما في يد الآخر بنكوله أو بيمينه التي ردت عليه بنكول صاحبه، وان كان لاحدهما بينة دون الآخر حكم له بها بغير خلاف علمناه لانه يرجح بالبينة (مسألة) (وان تنازعا مسناة بين نهر أحدهما وارض الآخر تحالفا وهي بينهما) لانها حاجز بين ملكيهما فكانت يدهما عليه كما لو تنازعا حائطا بين داريهما وفي كل موضع قلنا
هو بينهما نصفين انما يحلف كل واحد منهما على النصف الذي يجعله له دون ما لا يحصل له (مسألة) (وان تنازعا صبيا في يديهما فكذلك) لان يديهما عليه واليد دليل الملك والطفل لا يعبر عن نفسه فهو كالبهيمة والمتاع إلا أن يعترف أن سبب يده غير الملك مثل ان يلتقطه فلا تقبل دعواه لرقه لان اللقيط محكوم بحريته فاما غيره فقد وجد فيه دليل الملك من غير معارض فيحكم برقه فعلى هذا إذا بلغ فادعى الحرية لم تسمع دعواه لانه محكوم برقه قبل دعواه فاما ان كان مميزا فقال إني حر منعا منه إلا ان تقوم بينة برقه لان الظاهر الحرية وهي الاصل في بني آدم والرق طارئ عليها فان كان له بينة قدمت البينة لانها تقدم على الاصل لانها تشهد بزيادة ويحتمل أن يكون كالطفل فيكون بينهما لانه غير مكلف أشبه الطفل والاول أولى لان المميز يصح تصرفه بالوصية ويلزم بالصلاة أشبه البالغ ولانه يعرب عن نفسه في دعوى الحرية أشبه البالغ فاما البالغ إذا ادعى رقه فأنكر لم يثبت رقه الا ببينة وان لم تكن له بينة فالقول قوله مع يمينه في الحرية لانها الاصل وهذا مذهب الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي فان ادعى رقه اثنان فاقر لهما بالرق ثبت رقه فان ادعاه كل واحد منهما لنفسه فاعترف لاحدهما فهو لمن اعترف له وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يكون بينهما نصفين لان يدهما عليه فاشبه الطفل والثوب ولنا أنه انما ثبت رقه باعترافه فكان مملوكا لمن اعترف له كما لو لم تكن يده عليه ويخالف الثوب
والطفل فان الملك حصل فيهما باليد وقد تساويا فيها وههنا حصل بالاعتراف وقد اختص به أحدهما فكان مختصا به فان أقام كل واحد بينة أنه مملوكه تعارضتا وسقطتا ويقرع بينهما أو يقسم بينهما على ما مر من التفصيل فان قلنا بسقوطهما ولم يعترف لهما بالرق فهو حر وان اعترف لاحدهما فهو لمن اعترف له وإن أقر لهما معا فهو بينهما لان البينتين سقطتا فصارتا كالمعدومتين وان قلنا بالقرعة أو بالقسمة فانكرهما لم يلتفت إلى إنكاره فان اعترف لاحدهما لم يلتفت إلى اعترافه لان رقه ثابت بالبينة فلم يبق له يد على نفسه كما قلنا فيما إذا ادعى رجلان دارا في يد ثالث وأقام كل واحد بينة أنها ملكه واعترف
أنها ليست له ثم أقر أنها ليست له ثم أقر انها لاحدهما لم يرجح باقراره (مسألة) (وان كان لاحدهما بينة حكم له بها لانه ترجح بالبينة وإن كان لكل واحد منهما بينة قدم اسبقهما تاريخا فان وقتت احداهما وأطلقت الاخرى فهما سواء ويحتمل تقديم المطلقة) أما إذا أقام كل واحد منهما بينة وتساوتا تعارضتا وقسمت العين بينهما نصفين وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لما روى أبو موسى أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعير فأقام كل واحد منهما شاهدين فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبعير بينهما نصفين رواه ابو داود ولان كل واحد منهما داخل في نصف العين خارج في نصفها فتقدم بينة كل واحد منهما
فيما في يده عند من يقدم بينة الداخل وفيما في يد صاحبه عند من يقدم بينة الخارج فيستويان على كل واحد من القولين.
(مسألة) (وان كانت إحداهما متقدمة التاريخ وحكم بها له مثل أن تشهد احداهما أنها له منذ سنة وتشهد الاخرى أنها للآخر منذ سنتين فيقدم أسبقهما تاريخا) قال القاضي هو قياس المذهب وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لان المتقدمة التاريخ أثبتت الملك له في وقت لم تعارضه فيه البينة الاخرى فيثبت الملك فيه ولهذا له المطالبة بالنماء في ذلك الزمان وتعارضت البينتان في الملك في الحال فسقطتا وبقي ملك السابق تحت استدامته وأن لا يثبت لغيره ملك الا من جهته وظاهر كلام الخرقي التسوية بينهما وهو أحد قولي الشافعي ووجهه أن الشاهد بالملك الحادث أحق بالترجيح لجواز أن يعلم به دون الاول بدليل انه لو ذكر أنه اشتراه من الآخر أو وهبه إياه لقدمت بينته اتفاقا فإذا لم يرجح بها فلا أقل من التساوي وقولهم إنه يثبت الملك في الزمان الماضي من غير معارضة قلنا إنما يثبت تبعا لثبوته في الحال ولو انفرد بان يدعي الملك في الماضي لم تسمع دعواه ولا بينته (مسألة) (فان وقتت إحداهما وأطلقت الاخرى فهما سواء) ذكره القاضي ويحتمل أن يحكم به لمن يوقت قاله أبو الخطاب وهو قول أبي يوسف ومحمد
ولنا انه ليس في إحداهما ما يقتضي الترجيح من تقدم الملك ولا غيره فوجب استواؤهما كما لو أطلقا أو استوى تاريخهما (مسألة) (وان شهدت احداهما بالملك والاخرى بالملك والنتاج أو سبب من اسباب الملك فهل يرجح بذلك؟ على وجهين) (احداهما) لا يرجح به وهو اختيار الخرقي لانهما تساوتا فيما يرجع إلى المختلف فيه وهو ملك العين الآن فوجب تساويهما في الحكم (والثاني) تقدم بينة النتاج وما في معناه وهو مذهب أبي حنيفة لانها تتضمن زيادة علم وهو معرفة السبب والاخرى خفي عليها ذلك فيحتمل ان تكون شهادتها مستندة إلى مجرد اليد والتصرف فتقدم الاولى عليها كتقديم بينة الجرح على التعديل، وهذا قول القاضي فيما إذا كانت العين في يد غيرهما.
(مسألة) ولا تقدم احداهما بكثرة العدد ولا اشتهار العدالة ولا الرجلان على الرجل وامرأتين ويقدم الشاهدان على الشاهد واليمين في أحد الوجهين) لا ترجح احدى البينتين بكثرة العدد واشتهار العدالة وهو قول أبي حنيفة والشافعي ويتخرج أن يرجح بذلك مأخوذا من قول الخرقي ويقدم الاعمى أوثقهما في نفسه وهذا قول مالك لان احد الخبرين يرجح بذلك فكذلك الشهادة ولانها خبر ولان الشهادة إنما اعتبرت لغلبة الظن بالمشهود به
وإذا كثر العدد أو قويت العدالة كان الظن أقوى وقال الاوزاعي تقسم على عدد الشهود فإذا شهد لاحدهما شاهدان وللآخر اربعة قسمت العين بينهما أثلاثا لان الشهادة سبب الاستحقاق فتوزع الحق عليها ولنا ان الشهادة مقدرة بالشرع فلا تختلف بالزيادة كالدية بخلاف الخبر فانه مجتهد في قبول خبر الواحد دون العدد فرجح بالزيادة والشهادة متفق فيها على خبر الاثنين فصار الحكم متعلقا بهما دون اعتبار الظن ألا ترى أنه لو شهد النساء منفردات لا تقبل شهادتهن وان كثرن حتى صار الظن
بشهادتهن أغلب من شهادة الذكرين؟ وعلى هذا لا ترجح شهادة الرجلين على شهادة الرجل والمرأتين في المال لان كل واحدة من البينتين حجة في المال فإذا اجتمعتا تعارضتا فاما ان كان لاحدهما شاهدان وللآخر شاهد فبذل يمينه معه ففيه وجهان: (احدهما) يتعارضان لان كل واحد منهما حجة بمفرده فاشبه الرجلين مع الرجل والمرأتين (والثاني) يقدم الشاهدان لانهما حجة متفق عليها والشاهد واليمين مختلف فيهما ولان اليمين قوله لنفسه والبينة الكاملة شهادة الاجنبيين فوجب تقديمها كتقديمها على يمين المنكر وهذا الوجه أصح ان شاء الله تعالى وللشافعي قولان كالوجهين (مسألة) وان تساوتا تعارضتا وقسمت العين بينهما بغير يمين وعنه أنهما يتحالفان كمن لا بينة لهما وعنه أنه يقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها)
وجملة ذلك ان البينتين إذا تساوتا تعارضتا وقسمت العين نصفين لما ذكرنا من حديث أبي موسى وما ذكرناه من المعنى.
واختلفت الرواية هل يحلف كل واحد منهما على النصف المحكوم له به أو يكون له من غير يمين؟ روي انه يحلف وهو الذي ذكره الخرقي لان البينتين لما تعارضتا من غير ترجيح وجب اسقاطهما كالخبرين إذا تعارضا وتساويا وإذا سقطا صار المختلفان كمن لا بينة لهما ويحلف كل واحد منهما على النصف المحكوم له به وهذا أحد قولي الشافعي بناء على ان اليمين تجب على الداخل مع بينته ويحلف معها والرواية الاخرى: تقسم بينهما العين من غير يمين وهو قول مالك وأبي حنيفة والقول الثاني للشافعي وهو أصح ان شاء الله للخبر والمعنى الذي ذكرناه ولا يصح قياس هاتين البينتين على الخبرين المتساوييين لان كل بينة راجحة في نصف العين على كل واحد من القولين وقد ذكرنا ان البينة يحكم بها من غير يمين وفيه رواية أخرى أنه يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف أنها له لا حق للآخر فيها وكانت العين له كما لو كانت في يد غيرهما ذكر هذه الرواية أبو الخطاب والاولى أصح ان شاء الله تعالى للخبر والمعنى.
(مسألة) (وإن ادعى أحدهما انه اشتراها من زيد لم تسمع البينة على ذلك حتى تقول وهو ملكه وتشهد البينة به)
وجملة ذلك انه متى كان في يد رجل عين فادعى آخر أنه اشتراها من زيد وهي ملكه واقام بذلك بينة حكم له بها لانه ابتاعها من مالكها وكذا ان شهدت أنه باعه اياها وسلمها إليه حكم له بها لانه لم يسلمها إليه إلا وهي في يده وإن لم يذكر إلا التسليم لم يحكم بها لانه يمكن أن يبيعه مالا يملكه فلا يزال صاحب اليد فان ادعي أحدهما انه اشتراها من زيد وهي ملكه وادعى الآخر انه اشتراها من عمرو وهي ملكه وأقاما بذلك بينتين تعارضتا فان كانت في يد أحدهما انبنى ذلك على الروايتين في تقديم بينة الخارج والداخل فان كانت في أيديهما قسمت بينهما لان بينة كل واحد منهما داخلة في أحد النصفين خارجة عن النصف الآخر وإن كانت في يد أحد البائعين فأنكرهما وادعاها لنفسه فان قلنا تسقط البينتان حلف وكانت له وإن أقر بها لاحدهما صار الداخل إلا أن يقر بعد أن يحلف انها له وإن قلنا يقدم أحدهما بالقرعة فهي لمن تخرج له القرعة مع يمينه وإن قلنا تقسم بينهما قسمت ورجع كل احد منهما بنصف ثمنها فان كان المبيع مما يدخل في ضمان المشتري بنفس العقد أو كان المشتري مقرا بقبضه فلا خيار لو حد منهما ولا الرجوع بشئ من الثمن لاعترافه بسقوط الضمان على البائع وإن كان من
المكيل والموزون ولم يقبض فلكل واحد منهما الخيار في الفسخ والامضاء فان اختار أحدهما الفسخ لم يتوفر المبيع على الآخر لان البائع اثنان والله أعلم (مسألة) (وإن أقام أحدهما بينة انها ملكه وأقام الآخر بينة انه اشتراها أو أعتقه قدمت بينة الثاني) لانها تشهد بأمر حادث على الملك خفي على بينة الملك ولا تعارض بينهما فيثبت الملك للاول والشراء منه للثاني.
(مسألة) (وان أقام رجل بينة ان هذه الدار لابي خلفها تركة وأقامت امرأته بينة ان أباه أصدقها اياها فهي للمرأة) لما ذكرنا
(فصل) قال رضي الله عنه (القسم الثالث تداعيا عينا في يد غيرهما فان يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة حلف انها له وأخذها) وجملة ذلك ان الرجلين إذا تداعيا عينا في يد غيرهما ولا بينة لهما فأنكرهما فالقول قوله مع يمينه بغير خلاف، وان اعترف أنه لا يملكها وقال لا أعرف صاحبها أو قال هي لاحدكما لا أعرفه عينا اقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف انها له وسلمت إليه لما روى أبو هريرة ان رجلين تداعيا عينا لم تكن لواحد منهما بينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يستهما على اليمين أحبا أم كرها رواه أبو داود، ولانهما تساويا في الدعوى ولا بينة لواحد منهما ولايد والقرعة تميز عند التساوي كما لو اعتق عبيدا الا مال له غيرهم في مرض موته
(مسألة) (فان كان المدعى عبدا فأقر لاحدهما لم يرجح باقراره) لانه محجور عليه أشبه الطفل فان كانت لاحدهما بينة حكم له بها بغير خلاف نعلمه (مسألة) (وان كانت لكل واحد منهما بينة ففيه روايتان ذكرهما أبو الخطاب) (إحداهما) تسقط البينتان ويقترع لتداعيان على اليمين كما لو لم تكن بينة هذا الذي ذكره القاضي وهو ظاهر كلام الخرقي لانه ذكر القرعة ولم يفرق بين ان تكون معها بينة أو لم تكن روي هذا عن ابن عمر وابن الزبير وبه قال اسحاق وأبو عيبد وهو رواية عن مالك وقديم قولي الشافعي لما روى ابن المسيب ان رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة وجاء كل واحد منهما بشهود عدول على عدة واحدة فأسهم النبي صلى الله عليه وسلم بينهما رواه الشافعي في مسنده ولان البينتين حجتان تعارضتا من غير ترجيح لاحداهما على الاخرى فسقطتا كالخبرين (والرواية الثانية) تستعمل البينتان وفي كيفية استعمالهما روايتان (احداهما) تقسم العين بينهما وهو قول الحارث العكلي وقتادة وابن شبرمة وحماد وأبي حنيفة وقول للشافعي لما ذكرنا من حديث أبي موسى ولانهما تساويا في دعواه فتساويا في قسمته (والرواية الثانية) تقدم إحداهما وهو قول للشافعي وله قول رابع يوقف الامر حتى يتبين وهو قول أبي ثور لانه اشتبه الامر فوجب التوقف
كالحاكم إذا لم يتضح الحكم له في قضية
ولنا خبر أبي موسى وخبر ابن المسيب ولان تعارض الحجتين لا يوجب التوقف كالخبرين بل إذا تعذر الترجيح أسقطناهما ورجعنا إلى دليل غيرهما إذا ثبت هذا.
فأما إذا أسقطنا البينتين أقرعنا بينهما فمن خرجت له القرعة حلف وأخذها كما لو لم تكن لهما بينة، وان قلنا يعمل بالبينتين ويقرع بينهما فمن خرجت له القرعة أخذها من غير يمين وهذا قول الشافعي لان البينة تغني عن اليمين، وقال أبو الخطاب عليه اليمين مع بينته ترجيحا لها وعلى هذا القول تكون هذه الرواية كالاولى وانما يظهر اختلاف الحكم في شئ آخر سنذكره ان شاء الله تعالى (فصل) وان أنكرهما من العين في يده وكانت لاحدهما بينة حكم له بها وإن أقام كل واحد منهما بينة فان قلنا تستعمل البينتان أخذت العين من يده وقسمت بينهما على قول من يرى القسمة وتدفع إلى من تخرج له القرعة عند من يرى ذلك، وان قلنا تسقط البينتان حلف صاحب اليد وأقرت في يده كما لو لم تكن لهما بينة (مسألة) (وان أقر صاحب اليد لاحدهما لم يرجح باقراره إذا قلنا لا تسقط البينتان) لانه قد ثبت زوال ملكه فصار كالاجنبي وان قلنا بسقوطهما فأقر بها لهما أو لاحدهما قبل اقراره، فأما ان أقر بها في الابتداء لاحدهما صار المقر له صاحب اليد لان من هي في يده مقر بأن يده نائبة عن يده، وان أقر لهما جميعا فاليد لكل واحد منهما في الجزء الذي أقر له به لذلك
(مسألة) (وان ادعاها صاحب اليد لنفسه وقلنا يسقوط البينتين حلف لكل واحد منهما وهي له وهو قول القاضي) لانه صاحب اليد وهو منكر فلزمته اليمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اليمين على من أنكر) وقال أبو بكر بل يقرع بين المدعبين فتكون لمن تخرج له القرعة وهذا ينبني على ان البينتين إذا تعارضتا لا يسقطان فرجحت احدى البينتين بالقرعة كما لو أقر صاحب اليد انها لاحدهما لا يسلمه بعينه (فصل) إذا تداعيا عينا في يد غيرهما فقال هي لاحدكما لاعرفه عينا أو قال لا أعرف صاحبها
أو هو أحدكما أو غيركما أو قال أودعنيها أحدكما أو رجل لا أعرفه عينا فادعى كل واحد منهما انك تعلم اني صاحبها أو اني أنا الذي أودعتكها وطلب يمينه لزمه أن يحلف له لانه لو أقر له لزمه تسليمها إليه ومن لزمه الحق مع الاقرار لزمته اليمين مع الانكار ويحلف على ما ادعاه من نفي العلم وإن صدقاه فلا يمين عليه، وان صدقه أحدهما حلف الآخر وإن أقر بها لاحدهما أو لغيرهما صار المقر له صاحب اليد فان قال غير المقر له احلف لي ان العين ليست ملكي أو اني لست الذي أودعكها لزمته اليمين على ما ادعاه من ذلك لما ذكرنا وإن نكل عن اليمين قضي عليه بقيمتها وإن اعترف لهما كان الحكم فيها كما لو كانت في أيديهما ابتداءا وعليه اليمين لكل واحد منهما في النصف المحكوم به لصاحبه وعلى كل واحد منهما اليمين لصاحبه في الصنف المحكوم له به.
(فصل) إذا كان في يد رجل دار فادعاها نفسان فقال أحدهما أجرتكها وقال الآخر هي داري
أعرتكها أو قال هي داري ورثتها من أبي أو قال هي داري ولم يذكر شيئا آخر فأنكرهما صاحب اليد فالقول قوله مع يمينه، وان كان لاحدهما بينة حكم له بها فان اقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه تعارضتا وكان الحكم على ما ذكرنا فيما مضي إلا على الرواية التي تقدم فيها البينة الشاهدة بالسبب فان بينة من ادعى انه ورثها مقدمة لشهادتها بالسبب، وان أقام احدهما بينة انه غصبه إياها واقام الاخر بينة انه اقر له بها فهي للمغصوب منه ولا تعارض بينهما لان الجمع بينهما ممكن بأن يكون غصبها من هذا واقر بها لغيره واقرار الغاصب باطل وهذا مذهب الشافعي فتدفع إلى المغصوب منه (فصل) نقل ابن منصور عن احمد في رجل اخذ من رجلين ثوبين احدهما بعشرة والاخر بعشرين ثم لم يدر أيهما ثوب هذا من هذا فادعى احدهما ثوبا من هذين الثوبين وادعاه الاخر يقرع بينهما فأيهما اصابته الفرعة حلف واخذ الثوب الجديد والآخر للآخر وانما قال ذلك لانهما تنازعا عينا في يد غيرهما.
(فصل) إذا تداعيا عينا فقال كل واحد منهما هذه العين لي استدنتها من زيد بمائة ونقدته اياها ولا بينة لواحد منهما فان أنكرهما زيد فهي له مع يمينه وان أقر بها لاحدهما سلمها إليه وحلف للآخر وان أقر لكل
واحد منهما بنصفها سلمت إليهما وحلف لكل واحد منهما على نصفها وان قال لا أعلم لمن هي اقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف واخذها وان حلف البائع له ثم أقربها لاحدهما سلمت إليه وان أقربها للآخر
لزمته غرامتها وان أقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه وكانتا مؤرختين بتاريخين مختلفين مثل ان يدعي احدهما انه اشتراها في المحرم وادعى الآخر انه اشتراها في صفر وشهدت بينة كل واحد منهما للآخر بدعواه فهي للاول لتقدم بينته بانه باعها منه أولا وزال ملكه عنها فيكون بيع الثاني باطلا لكونه باع ما لا يملكه ويطالب برد الثمن وان اتفق تاريخهما أو كانتا مطلقتين أو أحدهما مطلقة والآخري مؤرخة تعارضتا لتعذر الجمع فينظر في العين فان كانت في يد أحدهما انبنى ذلك على بينة الداخل والخارج فمن قدم بينة الداخل جعلها لمن هي في يده ومن قدم بينة الخارج جعلها له وان كانت في يد البائع وقلنا تسقط البينتان رجع إلى البائع فان أنكرهما حلف لهما وكانت له وان أقر لاحدهما سلمت إليه وحلف للآخر وان أقر لهما فهي بينهما ويحلف لكل واحد منهما على نصفها كما لو لم يكن لهما بينة وان قلنا لا تسقط البينتان لم يلتفت إلى انكاره ولا اعترافه وهذا قول القاضي وأكثر أصحاب الشافعي لانه قد ثبت زوال ملكه وان يده لا حكم لها فلا حكم لقوله فمن قال يقرع بينهما اقرع بينهما فمن خرجت له القرعة فهي له مع يمينه وهذا قول القاضي لم يذكر غيره وقال أبو الخطاب يقسم بينهما وقد نص عليه أحمد في رواية الكوسج في رجل أقام بينة انه اشترى سلعة بمائة وأقام الاخر بينة انه اشتراها بمائتين فكل واحد منهما يستحق نصف السلعة بنصف الثمن ويكونان شريكين وحمل القاضي هذه الرواية على ان العين في أيديهما أو على ان البائع أقر لهما
جميعا واطلاق والرواية يدل على صحة قول أبي الخطاب فعلى هذا ان كان البيع مما لا يدخل في ضمان المشتري الا بقبضه فلكل واحد منهما الخيار لان الصفقة تبعضت عليه فان اختار الامساك رجع كل واحد منهما بنصف الثمن وان اختار الفسخ رجع كل واحد منهما بجميع الثمن وان اختار أحدهما الفسخ توفرت السلعة كلها على الآخر الا ان يكون الحاكم قد حكم بنصف السلعة ونصف الثمن فلا
يعود النصف الاخر إليه وهذا قول الشافعي في كل موضع (فصل) ولو كان في يد رجل دار فادعى عليه رجلان كل واحد منهما يزعم انه غصبها منه واقام بذلك بينة فالحكم فيه كالحكم فيما إذا ادعي كل واحد منهما: إني اشتريتها منه على ما مضى من التفصيل فيه (مسألة) (وان كان في يد رجل عبد فادعى انه اشتراه من زيد فادعى العبد ان زيدا أعتقه وأقام كل واحد بينة انبني على بينة الداخل والخارج فان كان العبد في يد زيد فالحكم فيه كالحكم فيما إذا ادعيا عينا في يد غيرهما) إذا ادعي رجل عبدا في يد آخر انه اشتراه منه وادعى العبد ان سيده اعتقه ولا بينة لهما فانكرهما حلف لهما والعبد له فان أقر لاحدهما ثبت ما أقر به ويحلف للاخر وان أقام احدهما بينة بما ادعاه ثبت وان اقام كل واحد منهما بينة بدعواه وكانتا مؤرختين بتاريخين
مختلفين قدمنا الاولى وبطلت الاخرى لانه ان سبق العتق لم يصح البيع وان سبق البيع لم يصح العتق لانه أعتق عبد غيره فان قيل يحتمل انه عاد إلى ملكه فاعتقه قلنا قد ثبت الملك للمشتري فلا يبطله عتق البائع، وان كانتا مؤرختين بتاريخ واحد أو مطلقتين أو احداهما مطلقه تعارضتا لانه لا ترجيح لاحداهما على الاخرى فان كان في يد المشتري انبني ذلك على الخلاف في تقديم بينة الداخل والخارج فان قدمنا بينة الداخل فهو للمشتري وان قدمنا بينه الخارج قدم العتق لانه خارج وان كان في يد البائع وقلنا ان البينتين تسقطان بالتعارض صارا كمن لا بينة لهما فان انكرهما حلف لهما وإن اقر بالعتق ثبت ولم يحلف العبد لانه لو اقر بأنه ما اعتقه لم يلزمه شئ فلا فائدة في احلافه وان قلنا ترجح احدى البينتين بالقرعة قرعنا بينهما فمن خرجت قرعته قدمناه قال أبو بكر هذا قياس قول ابي عبد الله فعلى هذا يحلف من خرجت له القرعة في احد الوجهين وان قلنا يقسم قسمنا العبد فجعلنا نصفه مبيعا ونصفه حرا ويسري العتق إلى جميعه ان كان البائع موسرا لان البينة عليه انه اعتقه مختارا وقد ثبت العتق في نصفه بشهادتهما (مسألة) (وان كان في يده عبد وادعى عليه رجلان كل واحد منهما انه اشتراه بثمن سماه فصدقهما
لزمه الثمن لكل واحد منهما وان أنكرهما حلف لهما وبرئ وان صدق أحدهما لزمه ما ادعاه وحلف للآخر
وان كان لاحدهما بينة فله الثمن ويحلف للآخر وإن كان لكل واحد منهما بينة وأمكن صدقهما لاختلاف تاريخهما أو اطلاقهما أو اطلاق إحداهما وتاريخ الاخرى ععمل بهما وان اتفق تاريخهما تعارضتا والحكم على ما تقدم وان كان في يد انسان عين فادعى عليه رجلان كل واحد منهما انك اشتريته مني بألف وأقام بذلك بينة واتفق تأريخهما مثل ان يقول اشتراها مني مع الزوال يوم كذا ليوم واحد فهما متعارضتان فان قلنا يسقطان رجع إلى قول المدعى عليه فان أنكرهما حلف لهما وبرئ وان أقر لاحدهما فعليه له الثمن يحلف للآخر وان أقر لهما فعليه لكل واحد منهما الثمن لانه يحتمل ان يشتريها من أحدهم ثم يهبها للآخر ويشتريها منه وإن قال اشتريتها منكما صفقة واحدة بألف فقد أقر لكل واحد منهما بنصف الثمن وله ان يحلف على الباقي وان قلنا يقرع بينهما وجب الثمن لمن تخرج له القرع ويحلف للاخر ويبرأ وان قلنا يقسم قسم الثمن بينهما ويحلف لكل واحد منهما على الباقي فان كان التاريخان مختلفين أو كانتا مطلقتين أو أحداهما مطلقة ثبت العقدان ولزمه الثمنان لانه يمكن ان يشتريها من أحدهما ثم يملكها الآخر فيشتريها منه وإذا أمكن صدق البينتين والجمع بينهما وجب تصديقهما فان قيل فلم قلتم ان البائع إذا كان واحدا والمشتري اثنان فأقام أحدهما بينة انه اشتراه في المحرم وأقام الاخر بينة انه اشتراه في صفر يكون الشراء الثاني باطلا؟ قلنا انه إذا ثبت الملك للاول لم يبطله بان يبيعه للثاني ثانيا
وفي مسئلتنا ثبوت شرائه من كل واحد منها يبطل ملكه لانه لا يجوز ان يشتري ثانيا ملك نفسه ويجوز ان يبيع البائع ما ليس له فافترقا فان قيل فإذا كانت البينتان مطلقتين أو احداهما مطلقة احتمل ان يكون تاريخهما واحدا فيتعارضان والاصل برائة ذمة المشهود عليه فلا تشغل بالشك قلنا متى امكن صدق البينتين وجب تصديقهما ولم يكن ثم شك وانما يبقى الوهم والوهم لا تبطل به البينة لانها لو بطلت به لم يثبت بها حق اصلا لانه ما من بينة الا ويحتمل ان تكون كاذبة أو غير عادلة أو متهمة أو معارضة ولم يلتفت إلى الوهم كذا ههنا
(مسألة) (وان ادعي كل واحد منهما انه باعني اياه بألف وأقام بنية قدم اسبقهما تاريخا لما ذكرنا فان لم تسبق أحدهما تعارضنا (مسألة) (وان قال أحدهما غصبني اياه وقال الاخر ملكنيه أو أقر لي به فان اقام كل واحد منهما بينة فهو للمغصوب منة ولا يغرم للاخر شيئا) لانه لا تعارض بينهما لجواز ان يكون غصبه من هذا ثم ملكه الاخر والله أعلم (مسألة) (وإذا ادعى رجل زوجية امرأة فأقرت بذلك قبل اقرارها) لانها اقرت على نفسها وهي غير متهمة لانها لو ارادت ابتداء النكاح لم تمنع منه فان ادعاها اثنان فاقرت لاحدهما لم يقبل اقرارها لان الآخر يدعي ملك بضعها وهي معترفة ان ذلك قد ملك
عليها فصار اقرارها بحق غيرها ولانها متهمة فانها لو ارادت ابتداء تزويج احد المتداعيين لم يكن لها ذلك قبل الانفصال من دعوى الاخر فان قيل فلو تداعيا عينا في يد ثالث فأقر لاحدهما قبل قلنا لا يثبت الملك باقراره في العين إنما يجعله كصاحب اليد فيحلف والنكاح ولا يستحق باليمين فلم ينفع الاقرار بها ههنا فان كان احد المتداعيين له بينة حكم له بها لان البينة حجة في النكاح وغيره وان اقاما بينتين تعارضتا وسقطا وحيل بينهما وبينها ولا يرجح أحد المتداعيين باقرار المرأة لما ذكرنا ولا بكونها في بيته ويده لان اليد لا تثبت على حرة ولا سبيل إلى القسمة ههنا ولا إلى القرعة لانه لابد مع القرعة من اليمين ولا مدخل لها ههنا (باب في تعارض البينتين) إذا قال لعبده متى قتلت فانت حر فادعى العبد أنه قتل وأنكر لورثة فالقول قولهم لان الاصل عدم القتل فان أقام بينة بدعواه عتق وان أقام الورثة بينة بموته قدمت بينة العبد في أحد الوجهين لانها تشهد بزيادة وهي القتل (والثاني) يتعارضان لان إحداهما تشهد بضد ما شهدت به الاخرى فيبقى على الرق
(مسألة) (وان قال ان مت في المحرم فسالم حر وان مت في صفر فغانم حر واقام كل واحد منهما بينة بدعواه بموجب عتقه قدمت بينة سالم في أحد الوجوه) لان معها زيادة علم فانها اثبتت ما يجوز ان يختفي على البينة الاخرى (والثاني) يتعارضان ويبقى العبد على الرق لانهما سقطا فصارا كمن لا بينة لهما (والثالث) يقرع بينهما فيعتق من تقع له القرعة فاما ان لم تقم لواحد منهما بينة وأنكر الورثة فالقول قولهم لانه يجوز ان يموت في غير هذين الشهرين وان اقروا لاحدهم عتق باقرارهم وكذلك ان أقام بينة (مسألة) (وان قال ان مت من مرضي هذا فسالم حر وان برئت فغانم حر فاقاما بينتين تعارضتا وبقيا على الرق ذكره أصحابنا والقياس ان يعتق أحدهما بالقرعة ويحتمل ان يعتق غانم وحده لان بينته تشهد بزيادة) إذا قال ان مت من مرضي هذا فسالم حر وان برئت فغانم حر فمات وادعى كل واحد منهما موجب عتقه اقرع بينهما فمن خرجت له القرعة عتق لانه لا يخلو من ان يكون برأ أو لم يبرأ فيعتق أحدهما على كل حال ولم تعلم عينه فيخرج بالقرعة كما لو اعتق احدهما فاشكل علينا ويحتمل ان يقدم قول سالم لان الاصل عدم البرء وان أقام كل واحد منهما بينة بموجب عتقه فقال أصحابنا يتعارضان ويبقى العبدان على الرق وهذا مذهب الشافعي لان كل واحدة منهما تكذب الاخرى وتثبت زيادة
تنفيها الاخرى وهذا قول لا يصح وهو ظاهر الفساد لان التعارض أثر في اسقاط البينتين ولو لم يكونا أصلا لعتق أحدهما فكذلك إذا سقطا وذلك لانه لا يخلو من احدى الحالتين اللتين علق على كل واحدة منهما عتق احدهما فيلزم وجوده كما لو قال ان كان هذا الطائر غرابا فسالم حر وان لم يكن غرابا فغانم حر ولم يعلم حاله ولكن يحتمل وجهين (احدهما) يقرع بينهما كما في مسألة الطائر ولان البينتين إذا تعارضنا قدمت احداهما بالقرعة في رواية (والثاني) تقدم بينة غانم لانها شهدت بزيادة وهي البرء وان اقر الورثة لاحدهم عتق باقرارهم ولم يسقط حق الآخر مما ذكرنا الا ان يشهد عدلان منهم بذلك مع انتفاء التهمة فيعتق وحده إذا لم تكن للآخر بينة
(مسألة) (وان اتلف ثوبا فشهدت بينة ان قيمته عشرون وشهدت أخرى ان قيمته ثلاثون لزمته أقل القيمتين) وجملة ذلك أنه إذا شهد شاهد أنه غصبه ثوبا قيمته درهمان وشهد آخر ان قيمته ثلاثة ثبت ما اتفقا عليه وهو درهمان فله ان يحلف مع الآخر على درهم لانهما اتفقا على درهمين وانفرد احدهما بدرهم فاشبه ما لو شهد احدهما بالف والآخر بخمسمائة وإذا شهد شاهدان ان قيمته درهمان وشاهدان ان قيمته ثلاثة ثبت له درهمان وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة له ثلاثة لانه قد شهد بها شاهدان
وهما حجة فيؤخذ بهما كما يؤخذ بالزيادة في الاخبار وكما لو شهد شاهدان بالف وشاهدان بالفين فانه يجب له الفان قال القاضي ويتوجه لنا مثل ذلك كما لو شهد له شاهدان بالف وشاهدان بخمسمائة ولنا ان من شهد ان قيمته درهمان ينفي ان قيمته ثلاثة فقد تعارضت البينتان في الدرهم ويخالف الزيادة في الاخبار فان من يروي الناقص لا ينفي الزيادة وكذلك من شهد بالف لا ينفي ان عليه الفا آخر فان قيل فلم قلتم إنه إذا شهد بواحدة من القيمتين شاهدان تعارضتا وان شهد شاهد لم يتعارضا وكان له ان يحلف من الشاهد بالزيادة عليها؟ قلنا لان الشاهدين حجة وبينة وإذا كملت من الجانبين تعارضت الحجتان لتعذر الجمع بينهما اما الشاهد الواحد فليس بحجة وحده وانما يصير حجة مع اليمين فإذا حلت مع احدهما كملت الحجة مع يمينه ولم يعارضها ما ليس بحجة كما لو شهد باحدهما شاهدان وبالآخر شاهد واحد (مسألة) (ولو ماتت امرأة وابنها فقال زوجها ماتت فورثناها ثم مات ابني فورثته وقال أخوها بل مات ابنها فورثته ثم ماتت فورثناها حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه وكان ميراث الابن لابيه وميراث المرأة لاخيها وزوجها نصفين وإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه تعارضتا وسقطتا أيضا وقياس مسائل الخرقي ان يجعل للاخ سدس مال الابن والباقي للزوج) وجملة ذلك أنه إذا مات جماعة برث بعضهم بعضا واختلف الاحياء من ورثتهم في السابق
بالموت في المسألة المذكورة فقال الزوج ماتت المرأة أولا فصار ميراثها كله لي ولابني ثم مات ابني فصار ميراثه لي وقال أخوها مات ابنها أولا فورثت ثلث ماله ثم ماتت فكان ميراثها بيني وبينك نصفين حلف كل واحد منهما على ابطال دعوى صاحبه وجعلنا ميراث كل واحد منهما للاحياء من ورثته دون من مات معه لان سبب استحقاق الحي من موروثه موجود وانما يمتنع لبقاء موروث الاخر بعده وهذا الامر مشكوك فيه فلا نزول عن اليقين بالشك فيكون ميراث الابن لابيه لا مشارك له فيه وميراث المرأة بين أخيها وزوجها نصفين وهذا مذهب الشافعي فان قيل فقد اعطيتم الزوج النصف وهو لا يدعي إلا الربع قلنا بل هو مدع لجميعه ربعه بميراثها منه وثلاثة أرباعه بميراثه من أبيه قال أبو بكر قد ثبتت البنوة بيقين فلا يقطع ميراث الاب فيه إلا ببينة تقوم للاخ وهذا تعليل لقول الخرقي في هذه المسألة وذكر قولا آخر يحتمل ان الميراث بينهما نصفين قال شيخنا وهذا ما يدرى ما أراد به ان اراد ان مال المرأة بينهما نصفين لم يصح لانه يفضي إلى إعطاء الاخ ما لا يدعيه ولا يستحقه يقينا لانه لا يدعي من مال الابن أكثر من سدسه ولا يمكن ان يستحق أكثر منه وان أراد ان ثلث مال الابن يضم إلى مال المرأة فيقسمانه نصفين لم يصح لان نصف ذلك إلى الزوج باتفاق منهما لا ينازعه الاخ فيه وانما النزاع بينهما في نصفه ويحتمل ان يكون هذه مراده كما لو تنازع رجلان دارا في ايديهما فادعاها احدهما كلها وادعى الاخر نصفها فانها تقسم بينهما نصفين وتكون اليمين على مدعي النصف الا ان الفرق بين هذه المسألة وتلك ان الدار في ايديهما فكل واحد منهما في يد
نصفها فمدعى النصف يدعيه وهو في يده فقبل قوله فيه مع يمينه وفي مسئلتنا يعترفان أن هذا ميراث عن البنين فلا يد لاحدهما عليه لاعترافهما بانه لم يكن لهما وانما هو ميراث يدعيانه من غيرهما وان اراد ان سدس مال الابن يضم إلى نصف مال المرأة فيقسم بينهما نصفين فله وجه لانهما تساويا في دعواه فيقسم بينهما كما لو تنازعا دابة في أيديهما وعلى كل واحد منهما اليمين فيما حكم له به والذي يقتضيه قول أصحابنا في الغرقى والهدمي أن يكون سدس الابن للاخ وباقي ميراثهما للزوج لانا نقدر ان المرأة ماتت أولا فيكون ميراثها لابنها وزوجها ثم مات الابن فورثه أبوه وهو الزوج فصار ميراثها كله لزوجها ثم
نقدر ان الابن مات أولا فورثه أبواه لامه الثلث ثم ماتت فصار الثلث بين أخيها وزوجها نصفين لكل واحد منهما السدس فلم يرث الاخ الا سدس مال لابن كما ذكرنا قال شيخنا ولعل هذا القول يختص بمن جهل موتهما واتفق وراثهما على الجهل به والقولان المتقدمان قول الخرقي وقول أبي فيما إذا ادعى ورثة كل ميت ان مات أخيرا وان الاخر مات قبله فان كان لاحدهما بينة بما ادعاه حكم له بها وان اقاما بينتين تعارضتا وهل يسقطان أو يقرع بينهما أو يقسمان ما اختلفا فيه؟ يخرج على الروايات الثلاث.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (إذا شهدت بينة على ميت انه وصي بعتق سالم وهو ثلث ماله وشهدت بينة أخرى أنه وصى بعتق غانم وهو ثلث ماله أقرع بينهما فمن تقع له القرعة عتق دون
صاحبه الا ان يجيز الورثة لان الوصيتين ثبتا بشهادة العدول فهما سواء فيقرع بينهما سواء اتفق تاريخهما أو اختلف لان الوصية يستوي فيها المتقدم والمتأخر فمن خرجت له القرعة عتق جميعه وقال أبو بكر وابن ابي موسى يعتق نصف كل واحد منهما بغير قرعة لان القرعه إنما تجب إذا كان أحدهما عبدا والآخر حرا ولا كذلك ههنا فيجب ان يقسم بينهما ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر وصيته كما لو أوصى لاثنين بمال والاول قياس المذهب لان الاعتاق بعد الموت كالاعتاق في مرض الموت وقد ثبت في الاعتاق في مرض الموت أنه يقرع بينهما لحديث عمران بن حصين كذلك بعد الموت ولان المعنى المقتضي في أحدهما في الحياة موجود بعد الممات فيثبت فلما ان صرح فقال إذا مت فنصف كل واحد من سالم وغانم حر أو كان في لفظه ما يقتضيه أو دلت عليه قرينة ثبت ما اقتضاه وان أجاز الورثة عتقهما عتقا لان الحق لهم فأشبه ما لو أعتقوهما بعد موته (مسألة) وان شهدت بينة سالم أنه رجع عن عتق غانم عتق سالم وحده سواء كانت بينته وارثة أو لم تكن) لانهما لم يجران بشهادتهما إلى أنفسهما نفعا ولا يدفعان عنها ضررا فان قيل فهما يثبتان لانفسهما ولاء سالم قلنا وهما يسقطان ولاء غانم أيضا على أن الولاء إنما هو اثبات سبب الميراث ومثل ذلك لا ترد الشهادة فيه كما يثبت النسب بالشهادة وان كان الشاهد يجوز أن يرث المشهود له وتقبل شهادته
لاخيه بالمال وان جاز ان يرثه
(مسألة) (وان كانت قيمة غانم سدس المال وبينته أجنبية قبلت) لانها بينة غير متهمة فتقبل شهادتها كما لو كانت قيمته ثلث المال وان كانت بينته وارثة عتق العبدان لان البينة الوارثة متهمة في شهادتها لكونها ترد إلى الرق من كثرت قيمته وترد شهادتها في الرجوع كما لو كانت فاسقة ويعتق سالم كله بالبينة العادلة ويعتق غانم لان سالما لما عتق بشهادة الاجنبيين صار كالمغصوب فصار غانم ربع التركة فيعتق جميعه لنقصه عن ثلث الباقي لان الباقي يصير كانه التركه جميعها وإنما يعتق باقرارهم لا بشهادتهم قال أبو بكر، ويحتمل ان يقرع بينهما فان خرجت القرعة لسالم عتق وحده وان خرجت لغانم عتق هو ونصف سالم كما لو لم تشهد بالرجوع فان الشهادة بالرجوع لم تقبل فكان وجودها كعدمها فانه في هذه الصورة يعتق فيها ثلث المال وتكمل في احدهما فإذا وقعت القرعة لسالم عتق جميعه لانه ثلث المال وان وقعت لغانم عتق جميعه ونصف سالم لان ذلك ثلث المال (مسألة) وان شهدت بينة أنه أعتق سالما في مرضه وشهدت أخرى أنه وصى بعتق غانم وكل واحد منهما ثلث المال عتق سالم وحده) لانه لا ينفذ تصرفه في مرضه الا في الثلث إذا لم تجز الورثة وعتق سالم منجز وعتق غانم وصية فيقدم عتق سالم على الوصية
(مسألة) وان شهدت بينة غانم أنه اعتقه في مرضه أيضا عتق اقدمهما تاريخا فان جهل السابق عتق أحدهما بالقرعة) وجملة ذلك أنه إذا ادعى سالم أنه أعتقه في مرض موته وادعى عبده غانم انه اعتقه في مرض موته وأقام كل واحد منهما بينة بدعواه فلا تعارض بينهما لان ما شهدت به كل بينة لا ينفي ما شهدت به الاخرى ولا يكذبها فيثبت اعتاقه لهما فان كانت البينتين مؤرختين بتاريخين متخلفين عتق الاول منهما ورق الثاني الا ان يجيز الورثة لان المريض إذا تبرع تبرعا يعجز ثلثه قدم الاول فالاول وان
اتفق تاريخهما أو اطلقتا أو احداهما فهما سواء لانه لا مزية لاحداهما على الاخرى فيستويان ويقرع بينهما فيعتق من تخرج له القرعة ويرق الآخر الا أن يجيز الورثة لانه لا يخلو اما أن يكون أعتقهما معا فيقرع بينهما كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في العبيد الستة الذين أعتقهم سيدهم عنه موته ولم يكن له مال سواهم أو يكون اعتق احدهما قبل صاحبه واشكل علينا فيخرج بالقرعه كما في مسألة الطائر وقيل يعتق من كل واحد نصفه.
وهو قول الشافعي لانه أقرب إلى التعديل منهما فان في القرعه قد يرق السابق المستحق للعتق ويعتق الثاني المستحق للرق وفي القسمة لا يخلو المستحق للعتق من حرية ولا المستحق للرق من رق ولذلك قسمنا المختلف فيه على إحدى الروايتين إذا تعارضت بينتان والاول المذهب لانه لا يخلو من شبهة باحدى
الصورتين اللتين ذكرناهما والقرعة ثابتة في كل واحد منهما وقولهم ان في القرعة احتمال ارفاق الحر قلنا وفي القسمة ارقاق نصف الحر يقينا وتحرير نصف الرقيق يقينا وهو أعظم ضررا (مسألة) (فان كانت بينة أحدهما وارثة ولم تكذب الاجنبية فكذلك وان قالت ما أعتق سالما انما أعتق غانما عتق غانم كله وحكم سالم كحكمه لو لم يطعن في بينته في انه يعتق ان تقدم تاريخ عتقه أو خرجت له القرعة وإلا فلا، وان كانت الوراثة فاسقة ولم تطعن في بينة سالم عتق سالم كله وينظر في بينة غانم فان كان تاريخ عتقه سابقا أو خرجت القرعه له عتق كله، وإن كان متأخرا أو خرجت القرعه لسالم لم يعتق منه شئ.
وقال القاضي: يعتق من غانم نصفه وإن كذبت بينة سالم عتق العبدان) وجملة ذلك ان المريض إذا خلف ابنين لا وارث له سواهما فشهدا انه اعتق سالما في مرض موته وشهد اجنبيان انه اعتق غانما في مرض موته وكل واحد ثلث ماله ولم يطعن الاثنان في شهادتهما وكانت البينتين عادلتين فالحكم فيه كالحكم فيما إذا كانتا اجنبيتين سواء لانه قد ثبت ان الميت اعتق العبدين، وان طعن الاثنان في شهادة الاجنبيين وقالا ما اعتق غانما انما اعتق سالما لم يقبل قولهما في رد شهادة الاجنبية لانها بينه عادلة مثبته والاخرى نافيه وقول المثبت يقدم على قول النافي ويكون حكم ما شهدت به إذا لم تطعن الوارثة في شهادتها انه يعتق ان تقدم تاريخ عتقه أو خرجت له القرعة ويرق
إذا تأخر تاريخه أو خرجت القرعه لغيره.
واما الذي شهد به الابنان فيعتق كله لاقرارهما باعتاقه وحده واستحقاقه الحرية.
وهذا قول القاضي وقيل يعتق ثلثاه إن حكم بعتق سالم وهو ثلث الباقي لان العبد الذي شهد به الاجنبيان كالمغصوب من التركة والذاهب من التركة بموت أو تلف فيعتق ثلث الباقي وهو ثلثا غانم والاول أصح لان المعتبر خروجه من الثلث حال الموت وحال الميت في قول الابنين لم يعتق سالم انما عتق بالشهادة بعد الموت فيكون ذلك بمنزلة موته بعد موت سيده فلا يمنع من عتق من خرج من الثلث قبل موته فان كان الاثنان فاسقين ولم يردا شهادة لاجنبية ثبت العتق لسالم ولم يزاحمه من شهد له الاثنان لفسقهما فلا يقبل قولهما في اسقاط حق ثبت ببينة عادلة وقد أقر الابنان بعتق غانم فينظر فان تقدم تاريخ عتقه أو أقرع بينهما فمن خرجت له القرعة عتق كله كما قلنا في التي قبلها وإن تأخر تاريخ عتقه أو خرجت القرعة لغيره لم يعتق منه شئ لان الاثنين لو كانا عدلين لم يعتق منه شئ فإذا كانا فاسقين أولى وقال القاضي وبعض اصحاب الشافعي يعتق نصقه في الاحوال كلها لانه استحق العتق باقرار الورثة مع ثبوت عتق الاخر بالبينة العادلة فصار بالبينة كأنه أعتق العبدين فيعتق منه نصفه.
قال شيخنا: وهذا لا يصح فانه لو أعتق العبدين لاعتقنا أحدهما بالقرعة ولانه في حال تقديم تاريخ من شهدت له البينة لا يعتق منه شئ وكانت بينة عادلة فمع فسوقها أولى وان كذبت الوارثة
الاجنبية فقالت ما أعتق سالما انما أعتق غانما عتق العبدان وقيل يعتق من غانم ثلثاه والاول أولى.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: