الفقه الحنبلي - العتق
(فصل) وكل من شهد على سيد عبد بعتق عبده ثم اشتراه عتق عليه وان شهد اثنان عليه بذلك فردت شهادتهما ثم اشترياه أو احدهما عتق وبهذا قال مالك والاوزاعي والشافعي وابن
المنذر وهو قياس قول أبي حنيفة ولا يثبت للمشتري ولاء على العبد لانه لا يدعيه ولا للبائع لانه ينكر عتقه ولو كان العبد بين شريكين فادعى كل واحد منهما ان شريكه اعتق حقه منه وكانا موسرين فعتق عليهما أو كانا معسرين عدلين فحلف العبد مع كل واحد منهم وعتق العبد أو ادعى عبد ان سيده اعتقه فانكر وقامت البينة بعتقه عتق ولا ولاء على العبد في هذه المواضع كلها لان احدا لا يدعيه ولا يثبت لاحد حق ينكره فان عاد من ثبت اعتاقه فاعترف به ثبت له الولاء لانه لا مستحق له سواه وانما لم يثبت له لانكاره له فإذا اعترف زال الانكار وثبت له وأما الموسران إذا عتق عليهما فان صدق أحدهما صاحبه في أنه أعتق نصيبه وحده أو أنه سبق بالعتق فالولاء له وعليه غرامة نصيب الآخر وان اتفقا على ان كل واحد منهما اعتق نصيبه دفعة واحدة فالولاء بينهما وان ادعى كل واحد
منهما أن المعتق وحده أو أنه السابق فانكر الآخر تحالفا والولاء بينهما نصفين (مسألة) (وان كان احدهما موسرا والآخر معسرا عتق نصيب المعسر وحده) لاعترافه بان نصيبه قد صار حرا باعتاق شريكه الموسر الذي يسري عتقه ولم يعتق نصيب الموسر لانه يدعي ان المعسر الذي لا يسري عتقه اعتق نصيبه فعتق وحده ولا تقبل شهادة المعسر عليه لانه يجر إلى نفسه نفعا لكونه يجب عليه بشهادته قيمة حصته فعلى هذا ان لم تكن للعبد بينة
سواه حلف الموسر وبرئ من القيمة والعتق جميعا ولا ولاء للمعسر في نصيبه لانه لا يدعيه ولا للموسر أيضا لذلك فان عاد المعسر فاعتقه وادعاه ثبت له وان اقر الموسر باعتاق نصيبه وصدق المعسر عتق نصيبه أيضا وعليه غرامة نصيب المعسر ويثبت له الولاء وان كان للعبد بينة تشهد باعتاق الموسر وكانت عدلين ثبت العتق ووجبت القيمة للمعسر عليه وان كانت عدلا واحدا وحلف العبد معه ثبت العتق في احدى الروايتين والاخرى لا يثبت العتق وللمعسر ان يحلف معه ويستحق قيمة نصيبه سواء حلف العبد أو لم يحلف لان الذي يدعيه مال يقبل فيه شاهد ويمين (فصل) وإذا ادعى أحد الشريكين أن شريكه أعتق نصيبه وأنكر الآخر وكان المدعى عليه موسرا عتق نصيب المدعي وحده لاعترافه بحريته بسراية عتق شريكه وصار مدعيا نصف القيمة على شريكه ولا يسري لانه لا يعترف أنه المعتق له وانما عتق باعترافه بحريته لا باعتاقه له ولا ولاء عليه لانكاره له قال القاضي وولاؤه موقوف وان كان المدعي عدلا لم تقبل شهادته لانه يدعي نصف قيمته على شريكه فيجر بشهادته إليه نفعا ومن شهد بشهادة يجر بها إليه نفعا بطلت كلها وأما ان كان المدعى عليه معسرا فالقول قوله مع يمينه ولا يعتق منه شئ فان كان المدعي عدلا حلف العبد مع شهادته وصار نصفه حرا وقال حماد ان كان المشهود عليه موسرا سعى له.
وان كان معسرا سعى لهما وقال أبو حنيفة ان كان معسرا استسعى العبد وولاؤه بينهما وان كان موسرا فولاء نصفه موقوف فان اعترف انه اعتق استحق الولاء والا كان الولاء لبيت المال
(مسألة) (وإذا قال أحد الشريكين إذا اعتقت نصيبك فنصيبي حر فاعتق الاول وهو موسر عتق كله عليه هذا اختيار الاصحاب أنه يعتق على الاول ويقوم عليه نصيب الشريك ان كان موسرا ولا يقع اعتاق شريكه لان السراية سبقت فمنعت عتق الشريك قال شيخنا ويحتمل ان يعتق عليهما جميعا لان عتق نصيبه سبب السراية وشرط لعتق نصيب الشريك فلم يسبق أحدهما الآخر لوجودهما في حال واحدة وقد يرجح وقوع عتق الشريك لانه تصرف منه في ملكه والسراية تقع في غير ملك على خلاف الاصل فكان نفوذ عتق الشريك أولى ولان سراية العتق على خلاف الاصل لكونها اتلافا لملك المعصوم بغير رضاه والزاما للمعتق غرامة لم يلتزمها بغير اختياره وانما ثبت لمصلحة تكميل العتق فإذا حصلت هذه المصلحة باعتاق الملك كان أولى.
(مسألة) (وان كان معسرا لم يعتق عليه الا نصيبه) لما ذكرنا من ان عتق المعسر لا يسري إلى نصيب شريكه ويعتق نصيب شريكه بالشرط (مسألة) (وان قال إذا اعتقت نصيبك فنصيبي حر مع نصيبك فاعتق نصيبه عتق عليهما موسرا كان أو معسرا ولم يلزم المعتق شئ لان العتق وجد منهما معا فهو كما لو وكلا رجلا في اعتاقه عنهما فاعتقهما وقيل يعتق كله على المعتق لان اعتاق نصيبه شرط عتق نصيب شريكه فيلزم ان يكون سابقا عليه والاول أولى لانه أمكن
العمل بمقتضى شرطه فوجب العمل به لما ذكرنا.
(فصل) فان قال إن اعتقت نصيبك فنصيبي حر قبل اعتاقك وقعا معا إذا اعتق نصيبه هذا مقتضى قول أبي بكر والقاضي ومقتصى قول ابن عقيل أن يعتق كله على المعتق ولا يقع اعتاق شريكه لانه اعتاق في زمن ماض ومقتضى قول ابن شريح ومن وافقه ممن قال بسراية العتق أن لا يصح اعتاقه لانه يلزم من عتق نصيبه تقدم عتق الشريك وسرايته فيمتنع اعتاق نصيبه هذا ويمتنع عتق نصيب الشريك ويفضي إلى الدور فيمتنع الجميع وسنذكر ذلك في الطلاق ان شاء الله تعالى
فصل إذا كان لرجل نصف عبدين متساويين في القيمة لا يملك غيرهما فاعتق احدهما في صحته عتق وسرى إلى نصيب شريكه لانه موسر بالنصف الذي له من العبد الآخر فان اعتق النصف الآخر عتق لان وجوب القيمة في ذمته لا يمنع صحة عتقه ولم يسر لانه معسر وان اعتق الاول في مرض موته لم ييسر لانه انما ينفذ عتقه في ثلث ماله وثلث ماله هو الثلث من العبد الذي أعتق نصفه وإذا اعتق الثاني وقف على اجازة الورثة وان اعتق الاول في صحته واعتق الثاني في مرضه لم ينفذ عتق الثاني لان عليه دينا يستغرق قيمته فيمنع صحة عتقه الا أن يجيز الورثة.
(فصل) إذا شهد شاهدان على رجل انه اعتق شركا له في عبد فسرى إلى نصيب الشريك
غرم له قيمة نصيبه ثم رجعا عن الشهادة غرما قيمة العبد جميعه، وقال بعض أصحاب الشافعي تلزمهما غرامة نصيبه دون نصيب شريكه لانهما لم يشهدا إلا بعتق نصيبه فلم تلزمهما غرامة ما سواه ولنا أنهما فوتا عليه نصيبه وقيمة نصيب شريكه فلزمهما ضمانه كما لو فوتاه بفعلهما وكما لو شهدا عليه بجرح ثم سرى الجرح ومات المجروح فضمن الدية ثم رجعا عن شهادتهما (فصل) وان شهد شاهدان على ميت بعتق عبد في مرض موته وهو ثلث ماله فحكم الحاكم بشهادتهما وعتق العبد ثم شهد آخران بعتق آخر وهو ثلث ماله ثم رجع الاولان عن الشهادة نظرنا في تاريخ شهدتهما فان كانت سابقة ولم يكذب الورثة رجوعهما عتق الاول ولم يقبل رجوعهما ولم يغرما شيئا ويحتمل أن يلزمهما شراء الثاني واعتاقه لانهما منعا عتقه بشهادتهما المرجوع عنها وان صدقوهما في رجوعهما وكذبوهما في شهادتهما عتق الثاني ورجعوا عليهما بقيمة الاول لانهما فوتا رقه عليهم بشهادتهما المرجوع عنها وان كان تاريخها متأخرا عن الشهادة الاخرى بطل حكم عتق المحكوم بعتقه لاننا تبينا أن الميت قد أعتق ثلث ماله قبل اعتاقه ولم يغرم الشاهدان شيئا لانهما ما فوتا شيئا وان كانتا مطلقتين أو احداهما أو اتفق تاريخهما أقرع بينهما فان خرجت على الثاني عتق وبطل عتق الاول ولا شئ على الشاهدين لان الاول باق على الرق وان خرجت قرعة الاول عتق
ونظرنا في الورثة فإذا كذبوا الشاهدين الاولين في شهادتهما عتق الثاني ورجعوا على الشاهدين بقيمة الاول لانهما فوتا رقه بغير حق وان كذبوهما في رجوعهما لم يرجعوا عليهما بشئ لانهم يقرون بعتق المحكوم بعتقه.
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه ويصح تعليق العتق بالصفات كدخول الدار ومجئ الامطار لانه عتق بصفة فصح كالتدبير وإذا علق عتقه على مجئ وقت كقوله أنت حر في رأس الحول لم يعتق حتى يجئ رأس الحول وله بيعه وهبته واجارته ووطئ الامة كالتدبير وبه قال الاوزاعي والشافعي وابن المنذر قال احمد إذا قال لغلامه أنت حر إلى أن يقدم فلان ويجئ فلان والى رأس السنة والى رأس الشهر إنما يريد إذا جاء رأس السنة أو جاء رأس الهلال وإذا قال أنت طالق إذا جاء الهلال إنما يريد إذا جاء رأس الهلال وقال اسحاق كما قال احمد وحكي عن مالك أنه قال إذا قال لعبده أنت حر في رأس الحول عتق في الحال والذي حكاه ابن المنذر عنه أنها إذا كانت جارية لم يطأها لانه لا يملكها ملكا تاما ولا يهبها ولا يبيعها وان مات السيد قبل الوقت كانت حرة عند الوقت من رأس المال وقد روي عن احمد أنه لا يطؤها لان ملكه غير تام عليها والاول أصح لما روي عن أبي ذر أنه قال لعبده أنت عتيق إلى رأس الحول فلولا ان العتق يتعلق بالحول لم يعلقه عليه ولانه علق العتق بصفة فوجب أن يتعلق بها كما لو قال إذا اديت إلي ألفا فانت حر واستحقاقه للعتق لا يمنع اباحة الوطئ كالاستيلاد وأما المكاتبة فانما لم يبح وطؤها لانها اشترت نفسها من سيدها بعوض وزال ملكه عن اكسابها بخلاف مسئلتنا، ومتى جاء الوقت وهو في ملكه
عتق بغير خلاف نعلمه فان خرج عن ملكه ببيع أو ميراث لم يعتق.
وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال النخعي وابن ابي ليلى إذا قال لعبده ان فعلت كذا فأنت حر فباعه بيعا صحيحا ثم فعل ذلك عتق وانتقض البيع قال ابن أبي ليلى إذا حلف بالطلاق لا كلمت فلانا ثم طلقها طلاقا بائنا ثم كلمه حنث وعامة أهل العلم على خلاف هذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا طلاق ولا عتاق ولا بيع فيما لا يملك ابن آدم) ولانه لا ملك له فلم يقع طلاقه وعتاقه كما لو لم
يكن له مال متقدم.
(فصل) وإذا قال لعبده إن لم أضربك عشرة اسواط فانت حر ولم ينو وقتا بعينه لم يعتق حتى يموت وان باعه قبل ذلك صح بيعه ولم يفسخ في قول أكثر اهل العلم وقال مالك ليس له بيعه فان باعه فسخ البيع.
ولنا انه باعه قبل وجود الشرط فلم يفسخ كما لو قال ان دخلت الدار فانت حر وباعه قبل دخولها (مسألة) (وإذا علق عتق عبده بشرط كقوله ان أديت إلي الفا فأنت حر أو ان دخلت الدار فأنت حر فهي صفة لازمة الزمها نفسه ولا يملك ابطالها بالقول قياسا على النذر) ولذلك ان اتفق السيد والعبد على ابطالها لم تبطل لذلك ولو أبرأه السيد من الالف لم يعتق بذلك ولم يبطل التعليق لانه لا حق له في ذمته يبرئه منه
(فصل) ولا يعتق قبل وجود الصفة بكمالها فلو قال لعبده إذا أديت إلي الفا فأنت حر لم يعتق حتى يؤدي الالف جميعها، وذكر القاضي ان من أصلنا ان العتق المعلق بصفة يوجد بوجود بعضها كما لو قال أنت حر ان أكلت رغيفا فأكل نصفه ولا يصح ذلك لوجوه (أحدها) ان أداء الالف شرط العتق وشروط الاحكام يعتبر وجودها بكمالها لثبوت الاحكام وتنتفي بانتفائها كسائر شروط الاحكام (الثاني) انه إذا علقه على وصف ذي عدد فالعدد وصف في الشرط ومن علق الحكم على شرط ذي وصف لم يثبت ما لم توجد الصفة كقوله لعبده ان خرجت عاريا فأنت حر فخرج لابسا لم يعتق فكذلك العدد (الثالث) انه متى كان في اللفظ ما يدل على الكل لم يحنث بفعل البعض كما لو حلف لا صليت صلاة أو لا صمت صياما لم يحنث حتى يفرغ مما سمي صلاة ويصوم يوما، ولو قال لامرأته ان حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر من الحيضة، وذكر الالف ههنا يدل على انه أراد الفا كاملة (الرابع) ان الاصل الذي ذكره فيما - إذا قال ان أكلت رغيفا فأنت حر انه يعتق بأكل بعضه - ممنوع وإنما إذا حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه يحنث في رواية في موضع يحتمل إرادة البعض ويتناوله اللفظ كمن حلف لا يصلي فشرع في الصلاة أو لا يصوم فشرع في الصيام أو لا يشرب
ماء هذا الاناء فشرب بعضه ونحو هذا لان الشارع في الصلاة والصيام قد صلى وصام ذلك الجزء
الذي شرع فيه والقدر الذي شربه من الاناء هو ماء الاناء وقرينة حاله تقتضي المنع من الكل فتقتضي الامتناع من الكل ومتى فعل البعض فما امتنع من الكل فحنث لذلك ولو حلف على فعل شئ لم يبر إلا بفعل الجميع وفي مسئلتنا تعليق الحرية على أداء الالف يقتضي وجود أدائها فلا يثبت الحكم المعلق عليها دون أدائها كمن حلف ليؤدين الفا لا يبر حتى يؤديها (الخامس) ان موضع الشرط في الكتاب والسنة وأحكام الشريعة على انه لا يثبت المشروط بدون شرطه كقول النبي صلى الله عليه وسلم (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) فلو قال بعضها لم يستحق إلا العقوبة وقوله (من أحيا أرضا ميتة فهي له) لا تكون له بشروعه في الاحياء، ولو قال في المسابقة من سبق إلى خمس اصابات فهو سابق لم يكن سابقا إذا سبق إلى اربع ولو قال من رد ضالتي فله دينار لم يستحقه بالشروع في ردها فكيف يخالف موضوعات الشرع واللغة بغير دليل؟ وإنما الرواية التي جاءت عن احمد في الايمان فيمن حلف أن لا يفعل شيئا ففعل بعضه: يحنث لان اليمين على الترك يقصد بها المنع فنزلت منزلة النهي والنهي عن فعل شئ يقتضي المنع من بعضه بخلاف تعليق المشروط على الشرط (فصل) وما يكتسبه العبد قبل وجود الشرط فهو لسيده لانه لا يوجد عقد يمنع كون كسبه لسيده إلا انه إذا علق عتقه على أداء مال معلوم فما أخذه السيد حسبه من المال فإذا كمل أداء المال عتق، وما فضل في يده لسيده لانه كسب عبده، وإن كان المعلق عتقه أمة فولدت لم يتبعها ولدها في أحد
الوجهين لانها أمة قن فأشبه ما لو قال ان دخلت الدار فأنت حرة ولا تجب عليها قيمة نفسها لانه عتق من السيدد فأشبه ما لو باشر العتق (فصل) إذا علق عتقه بصفة ثم باعه ثم اشتراه ووجدت الصفة عتق وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي فيها قولان (أحدهما) لا يعتق لان ملكه قيه متأخر عن عقد الصفة فلم يقع العتق فيه كما لو عقد الصفة في حال زوال ملكه عنه
ولنا انه علق الصفة في ملكه وتحقق الشرط في ملكه فوجب أن يعتق كما لو لم يزل ملكه عنه، وفارق ما إذا علقها في حال زوال ملكه لانه لو نجز العتق لم يقع.
فإذا علقه كان اولى بعدم الوقوع بخلاف مسئلتنا (مسألة) (إلا أن تكون الصفة وجدت منه في حال زوال ملكه فهل تعود بعوده؟ على روايتين) (إحداهما) لا تعود لانها انحلت بوجودها فلم تعد كما لو انحلت بوجودها في ملكه (والثانية) تعود لانه لم توجد الصفة التي يعتق بها فأشبه ما لو عاد إلى ملكه قبل وجود الصفة ولان الملك مقدر في الصفة فكأنه قال إذا دخلت الدار وأنت في ملكي فأنت حر ولم يوجد ذلك وقد روي عن احمد في الطلاق انه يقع لان التعليق والشرط وجدا في ملكه فاشبه ما لو لم يتخللهما دخول ومن نصر الرواية الاولى قال ان العتق معلق بشرط لا يقتضي التكرار فإذا وجد مرة انحلت اليمين وقد
وجد الدخول في ملك غيره فانحلت اليمين فلم يقع العتق به بعد ذلك ويفارق العتق الطلاق من حيث ان النكاح الثاني ينبني على النكاح الاول بدليل أن طلاقه في النكاح الاول يحتسب عليه في النكاح الثاني وينقص به عدد طلاقه والملك باليمين بخلافه (مسألة) (وتبطل الصفة بالموت) لان ملكه يزول بموته فتبطل تصرفاته بزواله كالبيع (مسألة) (وان قال ان دخلت الدار فأنت حر بعد موتي أو أنت حر بعد موتي بشهر فهل يصح ويعتق بذلك؟ على روايتين) إذا قال ان دخلت الدار بعد موتي فانت حر لم تنعقد هذه لانه علق عتقه على صفة توجد بعد زوال ملكه فلم يصح كما لو قال ان دخلت الدار بعد بيعي إياك فانت حر ولانه اعتاق له بعد قرار ملك غيره عليه فلم يعتق به كالمنجز (والثانية) يعتق ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لانه صرح بذلك فحمل عليه كما لو وصى باعتاقه وكما لو وصى ببيع سلعة ويتصدق بثمنها ويفارق التصرف بعد البيع فان الله تعالى جعل للانسان التصرف بعد موته في ثلثه بخلاف ما بعد البيع والاول أصح ان شاء الله تعالى ويفارق الوصية بالعتق وبيع السلعة لان الملك لا يستقر للورثة فيه ولا يملكون التصرف
فيه بخلاف مسئلتنا وسنذكر ذلك بابسط من هذا في التدبير ان شاء الله تعالى وعنه يصح لانه اعتاق
بعد الموت فصح كما لو قال أنت حر بعد موتي، وان قال أنت حر بعد موتي بشهر فقد روي عن احمد في رواية مهنا انه لا يعتق ولا تصح هذه الصفة، وقال أيضا سألت احمد عن رجل قال انت حر بعد موتي بشهر بالف درهم فقال هذا كله لا يكون شيئا بعد موته وهذا اختيار ابي بكر، وذكر القاضي وابن ابي موسي رواية أخرى انه يعتق إذا وجدت الصفتين بعد الموت ومضت المدة المذكورة وهذا قول الثوري وابي يوسف واسحاق ووجههما ما تقدم وقال أصحاب الرأي لا يعتق حتى يعتقه الوارث وعلى قول من قال يعتق يكون قبل العتق ملكا للوارث وكسبه له كام الولد والمدبر في حياة السيد وان كان امة فولدت قبل وجود الصفة فولدها يتبعها في التدبير ويعتق بوجود الصفة كما تعتق هي والله سبحانه أعلم (فصل) إذا قال لعبد له مقيد هو حر ان حل قيده ثم قال هو حر ان لم يكن في قيده عشرة ارطال فشهد شاهدان عند الحاكم ان وزن قيده خمسة أرطال فحكم بعتقه وأمر بحل قيده فوزن فوجد وزنه عشرة أرطال عتق العبد بحل قيده وتبينا انه ما عتق بالشرط الذي حكم الحاكم بعتقه به وهل يلزم الشاهدين ضمان قيمته؟ فيه وجهان (أحدهما) يلزمهما لان شهادتهما الكاذبة سبب عتقه
واتلافه فضمنا كالشهادة المرجوع عنها ولان عتقه حكم بحكم الحاكم المبني على الشهادة الكاذبة فاشبه الحكم بالشهادة التي يرجعان عنها وهذا قول ابي حنيفة (والثاني) لا ضمان عليهما وهو قول ابي يوسف ومحمد لان عتقه لم يحصل بالحكم المبني على شهادتهما وإنما حصل بحل قيده ولم يشهدا به فوجب أن لا يضمنا كما لو لم يحكم الحاكم (فصل) وان قال لعبده أنت حر متى شئت لم يعتق حتى يشاء بالقول فمتى شاء عتق سواء كان الفور أو التراخي وان قال أنت حر ان شئت فكذلك ويحتمل أن يقف على المجلس لان ذلك بمنزلة التخيير ولو قال لامرأته اختاري نفسك لم يكن لها الاختيار إلا على الفور فان تراخى ذلك بطل خيارها كذا
تعليقه بالمشيئة وان قال أنت حر كيف شئت احتمل أن يعتق في الحال وهو قول ابي حنيفة لان كيف الا تقتضي شرطا ولا وقتا ولا مكانا فلا تقتضي توقيف العتق انما هي صفة للحال فتقتضي وقوع الحرية على أي حال كان ويحتمل أن لا يعتق حتى يشاء وهو قول ابي يوسف ومحمد لان المشيئة تقتضي الخيار فتقتضي أن يعتق قبل اختياره كما لو قال أنت حرمتي شئت لان كيف تعطي ما تعطي حتى وأي فحكمهما حكمها وقد ذكر أبو الخطاب في الطلاق أنه إذا قال لزوجته أنت طالق متى شئت وكيف شئت وحيث شئت لم تطلق حتى تشاء فيجئ ههنا مثله (مسألة) (وان قال ان دخلت الدار فانت حر بعد موتي فدخل في حياة السيد صار مدبرا)
لانه وجد شرط التدبير وهو دخول الدار وان لم يدخل حتى مات بطلت الصفة لانه يزول به الملك ولم يوجد التدبير لعدم شرطه وسنذكره في التدبير ان شاء الله تعالى (مسألة) (وان قال ان ملكت فلانا فهو حرا أو كل مملوك أملكه فهو حر فهل يصح؟ على روايتين) (أحداهما) لا يصح ولا يعتق روي ذلك عن ابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وعروة والشافعي وابن المنذر ورواه الترمذي عن علي وجابر بن عبد الله وعلي بن الحسين وشريح وغير واحد من التابعين قال وهو قول اكثر أهل العلم لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا عتق فيما لا يملك ولا طلاق لابن آدم فيما لا يملك) قال الترمذي وهو حديث حسن وهو أحسن ما روي في هذا الباب، وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا طلاق فيما لا يملك ابن آدم وان عينها) رواه الدارقطني، وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا طلاق قبل نكاح) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا طلاق قبل ملك) رواه أبو داود الطيالسي قال أحمد هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من الصحابة ولانه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفا فكان اجماعا وهذا ظاهر المذهب ولانه لا يملك بتخيير العتق فلم يملك تعليقه (والثانية) يعتق إذا ملكه لانه أضاف العتق إلى حال يملك عتقه فيه فأشبه ما لو كان التعليق في ملكه، وروى أبو طالب عن أحمد أنه قال ان اشتريت هذا الغلام فهو حر فاشتراه عتق
قال أبو بكر في كتاب الشافعي لا يختلف قول أبي عبد الله ان العتاق يقع الا ما روى محمد بن الحسن ابن هارون في العتق أنه لا يقع وما اراه الا غلطا فان كان قد حفظ فهو قول آخر ولانه لو قال لامته أول ولد تلدينه فهو حر فانه يصح كذلك هذا وهو قول الثوري وأصحاب الرأي ولانه يصح تعليقه على الاخطار فصح تعليقه على حدوث الملك كالوصية والنذر واليمين وقال مالك ان خص جنسا من الاجناس أو عبدا بعينه عتق إذا ملكه وان قال كل عبد املكه لم يصح والاول أصح ان شاء الله تعالى لانه تعليق للعتق قبل الملك فأشبه ما لو قال لامة غيره: ان دخلت الدار فأنت حرة ثم ملكها ودخلت الدار ولما ذكرنا من الاحاديث (مسألة) (فان قال العبد ذلك ثم عتق وملك عتق في أحد الوجهين قياسا على الحر (والثاني) لا يعتق وهو الصحيح) لان العبد لا يصح العتق منه حين التعليق لكونه لا يملك وإن ملك فهو ملك ضعيف غير مستقر لا يتمكن من التصرف فيه وللسيد انتزاعه منه بخلاف الحر (فصل) إذا قال الحر أول غلام أملكه فهو حر انبنى ذلك على العتق قبل الملك وفيه روايتان ذكرناهما فان قلنا يصح عتق اول من يملكه لوجود الشرط فان ملك اثنين معا عتق احدهما بالقرعة في قياس قول احمد فانه قال في رواية مهنا إذا قال اول من يطلع من عبيدي فهو حر فطلع اثنان منهم أو جميعهم فانه يقرع بينهم ويحتمل ان يعتقا جميعا لان الاولية وجدت فيهما جميعا فثبتت الحرية
فيهما كما لو قال في المسابقة من سبق فله عشرة فسبق اثنان اشتركا في العشرة، وقال النخعي يعتق أيهما شاء وقال أبو حنيفة لا يعتق واحد منهما لانه لا أول فيهما لان كل واحد منهما مساو للآخر ومن شرط الاولية سبق الاول ولنا ان هذين لم يسبقهما غيرهما فكانا أول كالواحد وليس من شرط الاول ان يأتي بعده ثان بدليل ما لو ملك واحدا ولم يملك بعده شيئا، وإذا وجدت الصفة فيهما فاما ان يعتقا جميعا أو
يعتق أحدهما وتعينه القرعة على ما نذكره، وكذلك الحكم فيما إذا قال أول ولد تلدينه فهو حر فولدت اثنين خرجا معا (مسألة) (وان قال آخر مملوك أشتريه فهو حر فملك عبيدا لم يعتق واحد منهم حتى يموت) لانه ما دام حيا فانه يحتمل ان يشتري عبدا يكون هو الآخر فإذا مات عتق آخرهم وتبينا أنه كان حرا حين ملكه فتكون اكسابه له وإن كان أمة كان اولادها احرارا من حين ولدتهم لانهم أولاد حرة وإن كان وطئها فعليه مهرها لانه وطئ حرة أجنبية ولا يحل له أن يطأها إذا اشتراها حتي يشتري بعدها غيرها لانه ما لم يشتر بعدها غيرها فهي آخر في الحال وإنما يزول ذلك بشراء غيرها فوجب أن يحرم الوطئ وإن اشترى اثنين دفعة واحدة ثم مات فالحكم في عتقهما كالحكم فيما إذا ملك اثنين في الفصل الذي قبله
(فصل) إذا قال اول ولد تلدينه فهو حر فولدت اثنين واشكل أولهما خروجا اخرج بالقرعة كالتي قبلها فان علم أولهما خروجا عتق وحده وهو قول مالك والثوري وابي هاشم والشافعي وابن المنذر وقال الحسن والشعبي وقتادة إذا ولدت ولدين في بطن فهما حران ولنا انه انما اعتق الاول والذي خرج سابقا هو الاول من المولودين فاختص العتق به فهو كما لو ولدتهما في بطنين فان ولدت الاول ميتا والثاني حيا فذكر الشريف أنه يعتق الحي منهما وبه قال أبو حنيفة وقال ابو يوسف ومحمد والشافعي لا يعتق واحد منهما وهو الصحيح قاله شيخنا لان شرط العتق انما وجد في الميت وليس محلا للعتق فانحلت اليمين به وانما قلنا ان شرط العتق وجد فيه لانه أول ولد بدليل أنه إذا قال لامته إذا ولدت فأنت حرة فولدت ولدا ميتا عتقت، ووجه الاول ان العتق يستحيل في الميت فتعلقت اليمين بالحي كما لو قال ان ضربت فلانا فعبدي حر فضربه حيا عتق وان ضربه ميتا لم يعتق ولانه معلوم من طريق العادة أنه قصد عقد يمينه على ولد يصح العتق فيه وهو أن يكون حيا فتصير الحياة مشروطة فيه فكأنه قال أول ولد تلدينه حيا (فصل) فان قال لامته كل ولد تلدينه فهو حر عتق كل ولد ولدته في قول جمهور العلماء منهم
مالك والاوزاعي والليث والثوري والشافعي قال ابن المنذر لا أحفظ عن غيرهم خلافهم فان باع الامة ثم ولدت لم يعتق ولدها لانها ولدتهم بعد زوال ملكه
(مسألة) (فان قال لامته آخر ولد تلدينه فهو حر فولدت حيا ثم ميتا لم يعتق الاول) لانه لم يوجد شرط عتقه وعلى قياس قول الشريف وابي حنيفة فيما إذا قال أول ولد تلدينه فهو حر فولدت ميتا ثم حيا يعتق الحي وان ولدت ميتا ثم حيا عتق الثاني لوجود شرطه وان ولدت توأمين فأشكل الآخر منهما فان أحدهما استحق العتق ولم يعتق بعينه فوجب اخراجه بالقرعة وسيأتي ذلك ان شاء الله تعالى (مسألة) (ولا يتبع ولد المعتقة بالصفة أمه في العتق في أصح الوجهين الا أن تكون حاملا به حال عتقها أو حال تعليق عتقها) إذا علق عتق أمة بصفة وهي حامل تبعها ولدها في ذلك لانه كعضو من أعضائها فان وضعته قبل وجود الصفة ثم وجدت الصفة عتق لانه تابع في الصفة فأشبه ما لو كان في البطن وان كانت حائلا حين التعليق ثم وجدت الصفة وهي حامل عتقت هي وحملها لان العتق وجد فيها وهي حامل فتبعها ولدها كالمنجز فان حملت بعد التعليق وقبل وجود الصفة ثم وجدت بعد ذلك لم يعتق الولد لان الصفة لم تتعلق به في حال التعليق، وفيه وجه آخر أنه يتبعها في العتق لا في الصفة فإذا ولم توجد فيها لم توجد فيه بخلاف ولد المدبرة فانه يتبعها في التدبير وإذا بطل فيها بقي فيه
(مسألة) وإذا قال لعبده أنت حر وعليك ألف أو على الف عتق ولا شئ عليه وعنه ان لم يقبل لم يعتق) إذا قال لعبده أنت حر وعليك الف عتق ولا شئ عليه لانه أعتقه بغير شرط وجعل عليه عوضا لم يقبله فعتق ولم يلزمه الالف هكذا ذكر المتأخرون من أصحابنا ونقل جعفر بن محمد قال سمعت ابا عبد الله قيل له إذا قال انت حر وعليك ألف درهم فقال جيد قيل له فان لم يرض العبد قال لا يعتق إنما قال له على ان يؤدي إليه الفا فان لم يود فلا شئ فان قال انت حر على الف فكذلك في
احدى الروايتين لان على ليست من أدوات الشرط ولا البدل فاشبه قوله وعليك ألف والثانية ان قبل العتق عتق ولزمته الالف وإن لم يقبل لم يعتق وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وهذه الرواية هي الصحيحة لانه أعتقه بعوض فلم يعتق بدون قبوله كما لو قال انت حر بالف ولان على تستعمل للشرط والعوض قال الله تعالى (قال له موسى هل اتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا) وقال (فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم سدا) وقال (اني أريد أن أنكحك احدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) ولو قال في النكاح زوجتك ابنتى على خمسمائة درهم وقال الآخر قبلت صح النكاح ووجب الصداق
(مسألة) (وان قال على ان تخدمني سنة فكذلك) وقيل ان لم يقعل لم يعتق رواية واحدة فعلى هذا إذا قبل العبد عتق في الحال ولزمته خدمته سنة وان مات السيد قبل كمال السنة رجع على العبد بقيمة ما بقي من الخدمة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة تسقط قيمة العبد على خدمة السنة فيسقط منها بقدر ما مضى ويرجع عليه بما بقي من قيمته ولنا ان العتق عقد لا يلحقه الفسخ فإذا تعذر فيه استيفاء العوض رجع إلى قيمته كالخلع في النكاح والصلح في دم العبد فإذا قال انت حر على ان تعطيني الفا فالصحيح أنه لا يعتق حتى يقبل فإذا قبل عتق ولزمه الالف فاما ان قال أنت حر بالف لم يعتق حتى يقبل ويلزمه الالف (فصل) قال رضي الله عنه وإذا قال كل مملوك لي حر عتق عليه مكاتبوه ومدبروه وأمهات أولاده وشقص يملكه لان اللفظ عام فيهم فعتقوا كما لو عينهم وذكر ابن أبي موسى في الارشادان الشقض لا يعتق الا ان ينوبه لانه لا يملكه كله والاول المذهب
(مسألة) (وان قال أحد عبدي حر اقرع بينهما فمن وقعت له القرعة فهو حر من حين اعتقه) إذا قال أحد عبدي حر ولم ينو واحدا بعينه عتق أحدهم بالقرعة وليس للسيد التعيين ولا
للوارث بعده، فان قال اردت هذا بعينه قبل منه وعتق لان ذلك انما يعرف من جهته وقال أبو حنيفة والشافعي للمعتق التعيين ويطالب بذلك فيعتق من عينه وان لم يكن نواه حالة القول وإذا عتق بتعيينه فليس لسائر العبيد الاعتراض عليه لان له تعيين العتق ابتداء فإذا أوقعه غير معين كان له تعيينه كالطلاق ولنا ان مستحق العتق غير معين فلم يملك تعيينه ووجب ان يميز بالقرعة كما لو اعتق الجميع في مرضه ولم يخرجوا من الثلث وكما لو اعتق معينا ثم نسيه والطلاق كمسئلتنا فان مات المعتق ولم يعين
فالحكم عندنا لا يختلف وليس للورثة التعيين بل يخرج المعتق بالقرعة وقد نص الشافعي على هذا إذا قالوا لا ندري ايهم اعتق وقال أبو حنيفة لهم التعيين لانهم يقومون مقام موروثهم وقد سبق الكلام في المعتق وقوله من حين اعتقه يريد ان العبد ان كان اكتسب مالا بعد العتق فهو له دون سيده لانا تبينا أنه اكتسبه في حال الحرية (فصل) ولو اعتق احدى امائه غير معينه ثم وطئ احداهن لم يتعين الرق فيها وبه قال ابو حنيفة
وقال الشافعي يتعين الرق فيها لان الحرية عنده تتعين بتعيينه ووطؤه دليل على تعيينه وقد سبق الكلام معه (مسألة) (وان مات أحد العبدين أقرع بينه وبين الحي فان وقعت على الميت حسبناه من التركة وقومناه حيت الاعتاق سواء مات في حياة سيده أو بعده قبل القرعة) وبهذا قال الشافعي وقال مالك ان مات قبل موت سيده فالحي جميع التركة ولا يعتق الا ثلثه ولا يعتبر الميت لانه ليس بمحسوب من التركة ولهذا لو اعتق الحي بعد موته لاعتقنا ثلثه
ولنا ان الميت احد المعتقين فوجب ان يقرع بينه وبين الحي كما لو مات بعد سيده ولان المقصود من العتق تحصيل ثوابه وهو يحصل في حق الميت فيدخل في القرعة كالذي مات بعد سيده فعلى هذا ان خرجت القرعة على الميت حسبناه من التركة وقومناه حين الاعتاق لانه حين الاتلاف
وان وقعت على الحي نظرت في الميت فان كان موته قبل موت سيده أو بعده قبل قبض الوارث له لم نحسبه من التركة لانه لم يصل إلى الوارث فتكون التركة الحي وحده فيعتق ثلثه وتعتبر قيمته حين الاعتاق لانه حين اتلافه وتعتبر قيمة التركة باقل الامرين من حين الموت إلى حين قبض
الوارث لان الزيادة تجددت على ملك الوارث فلم تحسب عليه من التركة والنقصان قبل القبض فلم يحصل له فاشبه الشارد والآبق وانما يحسب عليه ما حصل في يديه ولا يحسب الميت من التركة لانه وصل إليهم وجعلناه كالحي في تقويمه معه والحكم باعتاقه ان وقعت القرعة عليه أو من الثلثين ان وقعت القرعة على غيره وتحسب قيمته أقل الامرين من حين موت سيده إلى حين قبضه
(فصل) فان دبر ثلاثة اعبد أو وصى بعتقهم فمات أحدهم في حياته بطل تدبيره والوصية فيه واقرع بين الحيين واعتق من أحدهما ثلثهما لان الميت لا يمكن الحكم بوقوع العتق فيه لكونه مات قبل الوقت الذي يعتق فيه، وقبل تحقق شرط العتق بخلاف التي قبلها فان العتق حصل من حين الاعتاق وانما القرعة تبينه وتكشفه ولهذا يحكم بعتقه من حين الاعتاق ويكون كسبه له وحكمه حكم الاحرار في سائر أحواله، وإن مات المدبر بعد موت سيده أقرع بينه وبين الاحياء لان العتق حصل من حين موت السيد (مسألة) (وإن أعتق عبدا أو نسيه أخرج بالقرعة) هذا قياس قول احمد وهو قول الليث، وقال الشافعي يقف الامر حتى يذكر فان مات قبل أن يبين أقرع الورثة بينهم، وقال ابن وهب يعتقون كلهم، وقال مالك ان أعتق عبدا له ومات ولم يبين وكانوا ثلاثة عتق منهم بقدر ثلثهم وان كانوا اربعة عتق منهم بقدر ربع قيمتهم وعلى هذا فيقرع بينهم فان خرجت القرعة على من قيمته أقل من الربع أعيدت القرعة حتى يكمل وقال اصحاب الرأي ان قال الشهود نشهد ان فلانا أعتق بعض عبيده ونسيناه فشهادتهم باطلة ونحو هذا قول الشعبي والاوزاعي ولم يذكروا ما ذكره اصحاب الرأي في الشهادة
ولنا أن مستحق العتق غير معين فأشبه ما لو أعتق جميعهم في مرض موته (مسألة) (فان علم بعد ان المعتق غيره عتق وهل يبطل عتق الاول؟ على وجهين) (أحدهما) يبطل ويرد إلى الرق ويعتق الذي عينه لانه تبين له المعتق فيعتق دون غيره كما لو لم يقرع (والثاني) يعتقان معا قاله الليث ومقتضى قول ابن حامد لان الاول ثبتت الحرية فيه بالقرعة فلا تزول كسائر الاحرار، ولان قول العتق ذكرت من كنت نسيته يتضمن اقراره بحرية من ذكره واقرارا على غيره فقبل اقراره على نفسه دون غيره.
اما إذا لم يقرع فانه يقبل قوله فيعتق من عينه ويرق غيره فإذا قال اعتقت هذا عتق ورق الباقون، وان قال أعتقت هذا لا بل هذا عتقا جميعا لانه أقر بعتق الاول فلزمه ثم اقر بعتق الثاني فلزمه ولم يقبل رجوعه عن اقراره الاول وكذلك الحكم في اقرار الوارث (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وان أعتق في مرض موته ولم يجز الورثة اعتبر من ثلثه) إذا اعتق في مرض الموت المخوف اعتبر من الثلث إذا لم يجز الورثة وكذلك التدبير والوصية بالعتق لانه تبرع بمال أشبه الهبة ولان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز من عتق الذي أعتق ستة مملوكين في مرضه الا ثلثهم وما زاد على الثلث ان أجازوه فان ردوه بطل لان الحق لهم فجاز باجازتهم وبطل بردهم
(مسألة) (وان أعتق جزءا من عبده أو دبره وهو ان يقول إذا مت فنصف عبدي حر ثم مات فان كان النصف المدبر ثلث ماله من غير زيادة عتق ولم يسير) لانه لو دبره كله لم يعتق منه الا ثلثه فإذا لم يدبر الا ثلثه كان اولى، وان كان العبد كله يخرج من الثلث ففي تكميل الحرية روايتان (إحداهما) تكمل وهو قول أكثر الفقهاء منهم ابو حنيفة واصحابه لانهم يرون التدبير كالعتق في السراية وهو أحد قولي الشافعي لانه اعتق البعض عبده فعتق جميعه كما لو أعتقه في حياته (والثانية) لا يكمل العتق فيه لانه لا يمنع جواز البيع قلم يسير كتعليقه بالصفة في الحياة فاما ان
اعتق بعض عبده في مرضه فهو كعتق جميعه ان خرج من الثلث عتق جميعه والا عتق منه بقدر الثلث لان الاعتاق في المرض كالاعتاق في الصحة الا في اعتباره من الثلث، وتصرف المريض في ثلثه في حق الاجنبي كتصرف الصحيح في جميع ماله وعنه لا يعتق منه الا ما أعتق كما لو أعتق شركا له في عبد وثلثه يحتمل جميعه (فصل) وإذا دبر أحد الشريكين نصيبه صح ولم يلزمه لشريكه في الحال شئ وهذا قول الشافعي فإذا مات عتق الجزء المدبر إذا خرج من ثلثه وفي سرايته إلى نصيب الشريك ما ذكرنا في المسألة قبلها وقال مالك إذا دبر نصيبه تقاوماه فان صار للمدبر صار مدبرا كله وان صار للآخر صار
رقيقا كله وقال الميث يغرم المدبر لشريكه قيمة نصيبه ويصير العبد كله مدبرا فان لم يكن له مال سعى العبد في قيمة نصيب الشريك فإذا أداها صار مدبرا كله، وقال ابو يوسف ومحمد يضمن المدبر للشريك قيمة حقه موسرا كان أو معسرا ويصير المدبر له، وقال أبو حنيفة الشريك بالخيار إن شاء دبر وان شاء أعتق وان شاء استسعى العبد وان شاء ضمن صاحبه ان كان موسرا، ولنا انه تعليق المعتق على صفة فصح في نصيبه كما لو علقه بموت شريكه (مسألة) وان اعتق في مرضه شركا له في عبد أو دبره وثلثه يحتمل باقيه أعطي الشريك وكان جميعه حرا في إحدى الروايتين والاخرى لا يعتق الا ما ملك منه) وجملته أنه إذا ملك شقصا من عبد فاعتقه في مرض موته أو دبره أو وصى بعتقه ثم مات ولم يف ثلث ماله بقيمة نصيب الشريك لم يعتق إلا نصيبه بغير خلاف نعلمه الا قولا شاذا أو قول من يرى السعاية وذلك لانه ليس له من ماله إلا الثلث الذي استغرقته قيمة الشقص فيبقى معسرا بمنزلة من اعتق في صحته شقصا وهو معسر فان كان ثلث ماله يفي بقيمة حصة شريكه سرى إلى نصيب الشريك في إحدى الروايتين فيعتق العبد كله ويعطى الشريك قيمة نصيبه من الثلث لان ملك المعتق لثلث المال تام له انتصرف فيه بالتبرع وغيره فهو كمال الصحيح فأشبه عتق الصحيح الموسر والثانية لا يعتق الا حصته لان ملكه يزول إلى ورثته بموته فلا يبقى شئ يقضى منه الشريك وبه قال الاوزاعي
وقال القاضي ما اعتقه في مرض موته سرى وما دبره أو وصى بعتقه لم يسر فالرواية في سراية العتق في حال الحياة أصح والرواية في وقوفه في التدبير أصح وهذا مذهب الشافعي لان العتق في الحياة ينفذ في حال ملك المعتق وصحة تصرفه وتصرفه في ثلثه كتصرف الصحيح في ماله كله وأما التدبير والوصية فانما يحصل العتق به في حال زوال ملك المعتق وتصرفاته.
(مسألة) (وان اعتق في مرضه ستة أعبد قيمتهم سواء وثلثه يحتملهم ثم ظهر عليه دين يستغرقهم بيعوا في دينه ويحتمل ان يعتق ثلثهم) وجملة ذلك ان المريض إذا اعتق عبيده في مرضه أو دبرهم أو وصى بعتقهم وهم يخرجون من ثلثه في الظاهر فاعتقناهم ثم مات فظهر عليه دين يستغرقهم تبينا بطلان عتقهم وبقاء رقهم فيباعون في الدين ويكون عتقهم وصية والدين يقدم على الوصية قال علي رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضي بالدين قبل الوصية ولان الدين يقدم على الميراث بالاتفاق ولهذا تباع التركة في قضاء الدين وقد قال الله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) والميراث مقدم على الوصية في الثلثين فما يقدم على الميراث يجب ان يقدم على الوصية، وبهذا قال الشافعي ورد ابن أبي ليلى عبدا اعتقه سيده عند الموت وعليه دين قال احمد أحسن ابن ابي ليلى وذكر أبو الخطاب رواية أخرى في الذي يعتق عبده في مرضه وعليه دين أنه يعتق منه بقدر الثلث ويرد الباقي لان تصرف المريض في ثلثه
كتصرف الصحيح في جميع ماله وكما لو لم يكن عليه دين، وقال قتادة وأبو حنيفة واسحاق بسعي العبد في قيمته.
ولنا انه تبرع في مرض موته بما يعتبر خروجه من الثلث فقدم عليه الدين كالهبة ولانه معتبر من الثلث فقدم عليه الدين كالوصية وخفاء الدين لا يمنع ثبوت حكمه ولهذا يملك الغريم استيفاءه فيتبين انه اعتقهم وقد استحقهم الغريم بدينه فلم ينفذ عتقه كما لو أعتق ملك غيره فان قال الورثة نحن نقضي الدين ونمضي العتق لم ينفذ في أحد الوجهين حتى يبتدئوا العتق لان الدين كان مانعا منه فيكون
باطلا ولا يصح بنوال المانع بعده (والثاني) ينفذ العتق لان المانع منه انما هو الدين فإذا سقط وجب نفوذه كما لو اسقط الورثة حقوقهم من ثلثي التركة بعد العتق في الجميع ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين وقيل ان أصل الوجهين إذا تصرف الورثة في التركة ببيع أو غيره وعلى الميت دين وقضي الدين هل ينفذ؟ فيه وجهان: (فصل) فان أعتق المريض ثلاثة اعبد لا مال له غيرهم فاقرع الورثة فاعتقوا واحدا وارقوا اثنين ثم ظهر عليه دين يستغرق نصفهم ففيه وجهان: (أحدهما) تبطل القرعة لان الدين شريك في الاقراع فإذا حصلت القسمة مع عدمه كانت باطلة
كما لو قسم شريكان دون شريكهما الثالث (والثاني) يصح الاقراع لانه لا يمكن امضاء القسمة وافراد حصة الدين من كل واحد من النصيبين لان القرعة دخلت لاجل العتق دون الدين فيقال للورثة اقضوا ثلثي الدين وهو بقدر قيمة نصف العبدين اللذين بقيا اما من العبيد واما من غيرهم ويجب رد نصف العبد الذي عتق فان كان الذي اعتق عبدين اقرعنا بينهما فإذا خرجت القرعة على احدهما وكان بقدر السدس من التركة عتق وبيع الآخر في الدين وان كان اكثر منه عتق منه بقدر السدس وان كان أقل عتق وعتق من الآخر تمام السدس.
(مسألة) (وان أعتقهم فاعتقنا ثلثهم ثم ظهر له مال يخرجون من ثلثه عتق من ارق منهم) وجملته أنه إذا أعتق عبيده في مرضه أو دبرهم أو وصى بعتقهم لم يعتق منهم الا الثلث ويرق الثلثان إذا لم يجز الورثة عتقهم فإذا فعلنا ذلك ثم ظهر له مال بقدر ثلثيهم تبينا انهم قد عتقوا من حين أعتقهم أو من حين موته إن كان دبرهم أو وصى بعتقهم لان تصرف المريض في ثلث ماله نافذ وقد بان أنهم ثلث ماله وخفا ذلك علينا لا يمنع كونه موجودا فلا يمنع كون العتق واقعا فعلى هذا يكون حكمهم حكم الاحرار من حين اعتقهم فيكون كسبهم لهم وان كانوا قد تصرف فيهم ببيع أو هبة أو رهن أو تزويج بغير إذن كان باطلا وان كانوا قد تصرفوا فحكم تصرفهم حكم تصرف الاحرار فلو تزوج عبد منهم بغير اذن سيده كان نكاحه صحيحا ووجب عليه المهر وان ظهر له مال
بقدر قيمتهم عتق ثلثاهم لانه ثلث جميع المال فيقرع بين الذين وقفوا فيعتق من تقع له القرعة ان وفى الثلثان بقيمته وقيمة الاول والا عتق منه تمام الثلثين وان ظهر له مال بقدر نصفهم عتق نصفهم وان كان بقدر ثلثهم عتق أربعة اتساعهم وعلى هذا الحساب (فصل) وان وصى بعتق عبد له يخرج من الثلث وجب على الوصي اعتاقه فان وصى بذلك ورثته لزمهم اعتاقه فان امتنعوا أجبرهم السلطان أو من ينوب منابه كالحاكم لان هذا حق لله تعالى وللعبد ومن وجب عليه ذلك ناب السلطان عنه أو نائبه كالزكاة والديون فإذا اعتقه الوارث أو السلطان عتق وما اكتسبه في حياة الموصي فهو للموصي يكون من تركته ان بقي بعده لانه كسب عبده القن وما كسبه بعد موته وقبل اعتاقه فهو للوارث وقال القاضي هو للعبد لانه كسبه بعد استقرار سبب العتق فكان له ككسب المكاتب وقال بعض أصحاب الشافعي فيه قولان مبنيان على القولين في كسب العبد الموصى به قبل قبول الوصية.
ولنا انه عبد قن فكان كسبه للورثة كغير الموصى بعتقه وكالمعلق عتقه بصفة وفارق المكاتب فانه يملك كسبه قبل عتقه فكذلك بعده ويبطل ما ذكروه بام الولد فان عتقها قد استقر سببه في حياة سيدها وكسبها له والموصى به ممنوع وان سلمناه فالفرق بينهما أن الموصى به قد تحقق فيه سبب الملك وانما وقف على شرط هو القبول فإذا وجد الشرط استند الحكم إلى ابتداء السبب وفي الوصية
بالعتق ما وجد السبب وانما اوصى بايجاده وهو العتق فإذا وجد لم يجز أن يثبت حكمه سابقا عليه ولهذا يملك الموصى له القبول بنفسه والعبد ههنا لا يملك أن يعتق نفسه فان مات العبد قبل موت سيده وقبل اعتاقه فما كسبه للورثة على قولنا ولا نعلم قول مخالفينا فيه (فصل) فان علق عتق عبده على شرط في صحته فوجد في مرضه اعتبر خروجه من الثلث قاله أبو بكر وقد نص احمد على مثل هذا في الطلاق وقال أبو الخطاب فيه وجه آخر انه يعتق من رأس المال وهو مذهب الشافعي لانه يتهم فيه أشبه العتق في صحته
ولنا أنه عتق في حال تعلق حق الورثة بثلثي ماله فاعتبر من الثلث كالمنجز وقولهم لا يتهم فيه قلنا وكذلك العتق المنجز لا يتهم فيه فان الانسان لا يتهم بمحاباة غير الوارث وتقديمه على وارثه وانما منع منه لما فيه من الضرر بالورثة وهو حاصل ههنا ولو قال إذا قدم زيد وانا مريض فانت حر فقدم وهو مريض كان معتبرا من الثلث وجها واحدا (مسألة) وان لم يظهر له مال جزأنا لهم ثلاثة اجزاء كل اثنين جزءا وأقرعنا بينهم بسهم حرية وسهمي رق فمن خرج له سهم الحرية عتق ورق الباقون وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان ومالك والشافعي
واسحاق وداود وابن جرير وقال أبو حنيفة يعتق من كل واحد ثلثه ويستسعى في باقيه وروي نحو هذا عن سعيد بن المسيب وشريح الشعبي والنخعي وقتادة وحماد لانهم تساووا في سبب الاستحقاق فيتساوون في الاستحقاق كما لو كان لا يملك إلا ثلثهم وحده وهو ثلث ماله أو كما لو وصى بكل واحد منهم لرجل، وأنكر أصحاب أبي حنيفة القرعة وقالوا هي من القمار وحكم الجاهلية ولعلهم يردون الخبر الوارد في هذه المسألة لمخالفته قياس الاصول وذكر الحديث لحماد فقال هذا قول الشيخ - يعنى ابليس - فقال له محمد بن ذكوان وضع القلم عن ثلاثة (أحدهم) المجنون حتى يفيق يعني - أنك مجنون - فقال له حماد ما دعاك إلى هذا؟ فقال محمد وأنت ما دعاك إلى هذا وهذا قليل في جواب حماد وكان حريا أن يستتاب عن هذا، فان تاب وإلا ضربت عنقه.
ولنا ما روى عمران بن حصين ان رجلا من الانصار أعتق ستة مملوكين في مرضه لا مال له غيرهم فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أجزاء فأعتق اثنين وارق أربعة وهذا نص في محل الننزاع وحجة لنا في الامرين المختلف فيهما وهما جمع الحرية واستعمال القرعة، وهو حديث صحيح رواه مسلم وابو داود وسائر أصحاب السنن، ورواه عن عمران بن الحصين الحسن وابن سيرين وابو المهلب ثلاثة أئمة ورواه الامام أحمد عن اسحاق بن عيسى عن هشيم عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن ابي زيد الانصاري
رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وروي نحوه عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولانه حق في تفريقه
ضرر فوجب جمعه بالقرعة كقسمة الاجبار إذا طلبها أحد الشركاء ونظيره من القسمة ما لو كانت دار بين اثنين لاحدهما ثلثها وللآخر ثلثاها وفيها ثلاثة مساكن متساوية لا ضرر في قسمتها فطلب أحدهما القسمة فانه يجعل كل بيت سهما ويقرع بينهم بثلاثة اسهم لصاحب الثلث سهم وللآخر سهمان وقولهم ان الخبر يخالف قياس الاصول نمنع ذلك بل هو موافق لما ذكرناه وقياسهم فاسد لانه إذا كان ملكهم ثلثهم وحده لم يكن جميع نصيبه والوصية لا ضرر في تفريقها بخلاف مسئلتنا وان سلمنا مخالفته قياس الاصول فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب الاتباع سواء وافق القياس أو خالفه لانه قول المعصوم الذي جعل الله عزوجل قوله حجة على الخلق أجمعين وأمر باتباعه وطاعته وحذر العقاب في مخالفة أمره وجعل الفوز في طاعته والضلال في معصيته وتطرق الخطأ إلى القائس في قياسه أغلب من تطرق الخطأ إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والائمة بعدهم في روايتهم على أنهم قد خالفوا قياس الاصول باحاديث ضعيفة فأوجبوا الوضوء بالنبيذ في السفر دون الحضر ونقضوا الوضوء بالقهقهة في الصلاة دون خارجها وقولهم في مسئلتنا في مخالفة القياس والاصول أشد وأعظم والضرر في مذهبهم أعظم وذلك لان الاجماع منعقد على ان صاحب الثلث في الوصية وما في معناها لا يحصل له شئ حتى
يحصل للورثة مثلاه وفي مسئلتنا يعتقون الثلث ويستسعون العبد في الثلثين فلا يحصل للورثة شئ في الحال ويحيلونهم على السعاية فربما لا يحصل منها شئ أصلا وربما لا يحصل منها في الشهر الا اليسير كالدرهم والدرهمين فيكون هذا كمن لم يحصل له شئ وفيه ضرر على العبيد لانهم يجبرونهم على الكسب والسعاية من غير اختيارهم وربما كان المجبر جارية فيحملها ذلك على البغاء أو عبدا فيسرق أو يقطع الطريق وفيه ضرر على الميت حيث أفضوا بوصيته إلى الظلم والاضرار وتحقيق ما يوجب له العقاب من ربه والدعاء عليه من عبيده وورثته، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكرناه في حق الذي فعل هذا قال (لو شهدته لم يدفن في مقابر المسلمين) قال ابن عبد البر في قول الكوفيين ضروب من الخطأ والاضطراب مع مخالفة السنة الثابتة وأشار إلى ما ذكرناه وأما انكارهم القرعة فقد جاءت في الكتاب والسنة والاجماع، قال الله تعالى (وما كنت لديهم
إذ يلقون أقلامهم ايهم يكفل مريم) وقال سبحانه (فساهم فكان من المدحضين) وأما السنة فقال احمد في القرعة خمس سنن أقرع بين نسائه وأقرع في ستة مملوكين وقال لرجلين (استهما) وقال (مثل القائم بحدود الله والمداهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة) وقال (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الاول لاستهموا عليه) وفي حديث الزبير ان صفية جاءت بثوبين ليكفن فيهما حمزة فوجدنا إلى جنبه قتيلا فقلنا لحمزة ثوب وللانصاري ثوب فوجدنا احد الثوبين اوسع من الآخر فأقرعنا عليهما ثم
كفنا كل واحد في الثوب الذي طار له وتشاح الناس يوم القادسية في الاذان فاقرع بينهم سعد واجمع العلماء على استعمالها في القسمة ولا نعلم بينهم خلافا في ان الرجل يقرع بين نسائه إذا اراد السفر باحداهن وإذا اراد البداية في القسمة بينهن وبين الاولياء إذا تشاموا فيمن يتولى التزويج أو من يتولى استيفاء القصاص واشباه هذا.
(فصل) في كيفية القرعة قال احمد قال سعيد بن جبير يقرع بينهم بالخواتيم اقرع بين اثنين في ثوب فاخرج خاتم هذا وخاتم هذا ثم قال يخرجون بالخواتيم ثم تدفع إلى رجل فيخرج منها واحدا قال احمد بأي شئ خرجت مما يتفقان عليه وقع الحكم به سواء كان رقاعا أو خواتيم، وقال اصحابنا المتأخرون الاولى ان يقطع رقاعا صغارا مستوية ثم تجعل في بنادق شمع أو غيره متساوية القدر والوزن ثم تلقى في حجر رجل لم يحضر ويغطى عليها بثوب ثم يقال له ادخل يدك فاخرج بندقة فنفضها ونعلم ما فيها، وهذا قول الشافعي وفي كيفية القرعة والعتق ست مسائل.
(احدها) ان يعتق عددا من العبيد لهم ثلث صحيح كثلاثة أو تسعة أو ستة (أو قيمتهم متساوية) ولا مال له غيرهم فيجزءون ثلاثة اجزاء جزءا للحرية وجزأين للرق ويكتب ثلاث رقاع في واحد حرية وفي اثنين رق وتترك في ثلاث بنادق وتغطى بثوب ويقال لرجل لم يحضر اخرج على اسم هذا الجزء فان خرجت قرعة الحرية عتق ورق الجزآن الآخران وان خرجت رق رق وأخرجت
اخرى على جزء آخر فان خرجت رقعة الحرية عتق ورق الجزء الثالث وان خرجت قرعة الرق رق
وعتق الجزء الثالث لان الحرية تعينت فيهم وان شئت كتبت اسم كل جزء في رقعة ثم اخرجت رقعة على الحرية فإذا اخرجت رقعة عتق المسمون فيها ويرق الباقون وان اخرجت رقعة على الرق رق المسمون فيها ثم تخرج اخرى على الرق فيرق المسمون فيها ويعتق الجزء الثالث وان اخرجت الثانية على الحرية عتق المسمون فيها ورق الثالث (المسألة الثانية) أن تمكن قسمتهم أثلاثا وقيمتهم مختلفة يمكن تعديلهم بالقيمة كستة قيمة اثنين منهم ثلاثة آلاف وقيمة اثنين ألفان وقيمة اثنين الف فتجعل الاثنين الاوسطين جزءا وتجعل اثنين قيمة أحدهما ثلاثة آلاف مع آخر قيمته الف جزءا والآخرين جزءا فتكون ثلاثة اجزاء متساوية في العدد والقيمة على ما قدمناه في المسألة الاولى قيل لاحمد لم يستووا في القيمة؟ قال يقومون بالثمن.
(المسألة الثالثة) أن يتساووا في العدد ويختلفوا في القيمة ولا يمكن الجمع بين تعديلهم بالعدد والقيمة معا ولكن يمكن تعديلهم بكل واحد منهما منفردا كستة أعبد قيمة أحدهم الف وقيمة اثنين الف وقيمة ثلاثة ألف فانهم يعدلون بالقيمة دون العدد نص عليه احمد فقال إذا كانت قيمة واحد مثل اثنين قوم لانه لا يجوز أن يقع العتق في أكثر من الثلث ولا أقل وفي قسمته بالعدد تكرار القرعة وتبعيض العتق حتى يكمل الثلث فكان التعديل بالقيمة أولى بيان ذلك انا لو جعلنا مع الذي قيمته
ألف آخر فخرجت قرعة الحرية لهما احتجنا أن نعيد القرعة بينهما فإذا خرجت على القليل القيمة عتق وعتق من الذي قيمته ألف تمام الثلث وان وقعت قرعة الحرية على اثنين قيمتهما دون الثلث عتقا ثم أعيدت لتكميل الثلث فإذا وقعت على واحد كملت الحرية منه فحصل ما ذكرناه من التبعيض والتكرار، ولان قسمتهم بين المشتركين فيهم إنما يعدلون فيها بالقيمة دون الاجزاء فعلى هذا تجعل الذي قيمته ألف جزءا والاثنين اللذين قيمتهما ألف جزءا والثلاثة الباقين جزءا ثم يقرع بينهم على ما ذكرنا.
(المسألة الخامسة) أمكن تعديلهم بالعدد دون القيمة كستة أعبد قيمة اثنين الف وقيمه اثنين سبعمائة وقيمة اثنين خمسمائة فههنا تجزئهم بالعدد لتعذر تجزئتهم بالقيمة فتجعل كل اثنين جزءا وتضم كل واحد
ممن قيمتهما قليلة إلى واحد ممن قيمتهما كثيرة وتجعل المتوسطين جزءا وتقرع بينهم فان وقعت قرعة الحرية على حر قيمته أكثر من الثلث أعيدت القرعة بينهما فعتق من تقع له قرعة الحرية ويعتق من الآخر تتمة الثلث ويرق باقيه والباقون وان وقعت الحرية على جزء أقل من الثلث عتقا جميعا ثم يكمل الثلث من الباقين بالقرعة (المسألة السادسة) لم يمكن تعديلهم بالعدد ولا بالقيمة كخمسة اعبد قيمة أحدهم الف واثنان
الف واثنان ثلاثة آلاف فيحتمل ان تجزئهم ثلاثة اجزاء فتجعل اكثرهم قيمة جزءا وتضم إلى الثاني أقل الباقين قيمة وتجعلهما جزءا والباقين جزءا وتقرع بينهم بسهم حرية وسهمي رق لان هذا أقرب إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ويعدل الثلث بالقيمة على ما تقدم ويحتمل ان لا يجزئهم بل يخرج القرعة على واحد واحد حتى يستوفي الثلث فيكتب خمس رقاع باسمائهم ثم يخرج رقعة على الحرية فمن خرج اسمه فيها عتق ثم يخرج الثانية فمن خرج اسمه فيها عتق منه تمام الثلث (مسألة) (وان كانوا ثمانية فان شاء أقرع بينهم بسهمي حرية وخمسة رق وسهم لمن ثلثاه حر وان شاء جزأهم أربعة اجزاء فاقرع بينهم بسهم حرية وثلاثة رق ثم اعاد القرعة لاخراج من ثلثاه حر وان فعل غير ذلك جاز بان يجعل ثلاثة جزءا وثلاثة جزءا واثنين جزءا فان خرجت على الاثنين عتقا وكمل الثلث بالقرعة من الباقين وان خرجت الثلاثة اقرع بينهم بسهمي حرية وسهم رق فان كان جميع ماله عبدين اقرعنا بينهم بسهم حرية وسهمي رق على كل حال (فصل) قد ذكرنا أنه إذا كان للمعتق مال غير العبيد مثلا قيمة العبيد عتقوا جميعهم لخروجهم من الثلث وان كان اقل من مثليهم عتق من العبيد قدر ثلث المال كله فإذا كان العبيد نصف المال عتق ثلثاهم وان كانوا ثلثي المال عتق نصفهم وان كانوا ثلاثة أرباعه عتق أربعة اتساعهم وطريقه ان تضرب
قيمة العبيد في ثلاثة ثم تنسب إليه مبلغ التركة فما خرج بالنسبة عتق من العبيد مثلها فإذا كانت قيمة العبيد الفا وباقي التركة الفين ضربت قيمة العبيد في ثلاثة تكن ثلاثه آلاف ثم تنسب إليها الالفين تكن ثلثيها
فيعتق ثلثاهم وان كانت قيمة العبيد ثلاثة آلاف وباقي التركة الف ضربنا قيمتهم في ثلاثة تكن تسعة وتنسب إليها التركة كلها تكن أربعة اتساعها وان كانت قيمتهم أربعة آلاف وباقي التركة الف ضربت قيمتهم في ثلاثة تكن اثنى عشر وتنسب إليها خمسة آلاف تكن ربعها وسدس فيعتق ربعهم وسدسهم (فصل) فان كان على الميت دين يحيط ببعض التركة قدم الدين لان العتق وصية وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الدين قبل الوصية ولان قضاء الدين واجب وهذا تبرع وتقديم الواجب متعين فان كان الدين بقدر نصف العبيد جعلوا جزأين وكتب رقعتان رقعة للدين ورقعة للتركة ويخرج واحد منهما على أحد الجزأين فمن خرجت عليه رقعة الدين بيع فيه وكان الباقي جميع التركة يعتق ثلثهم بالقرعة على ما تقدم وان كان الدين بقدر ثلثهم كتب ثلاث رقاع رقعة للدين واثنتان للتركة وان كان بقدر ربعهم كتب أربع رقاع رقعة للدين وثلاث للتركة ثم يقرع بين من خرجت له رقاع التركة وان كتب رقعة للدين ورقعة للحرية ورقعتين للتركة جاز وقيل لا يجوز لئلا تخرج رقعة الحرية قبل قضاء الدين والاول أصح لانه انما إنما يمنع من قبل قضاء الدين إذا لم يكن له وفاء فاما إن كان له وفاء لم يمنع منه بدليل ما لو كان العتق في أقل من ثلث الباقي بعد وفاء الدين فانه لا يمنع من العتق قبل وفائه
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: