الفقه الحنبلي - الكتابة
أو قتل فهو باطل والعبد رقيق وان كاتبه وهو مسلم وارتد وحجر عليه لم يكن للعبد الدفع إليه ويؤدي إلى الحاكم ويعتق بالاداء وان دفع إلى المرتد كان موقوفا كما ذكرنا وان كاتب المسلم عبده المرتد صحت
كتابته لانه يصح بيعه فان أدى عتق وان أسلم فهو على كتابته (فصل) وكتابة المريض صحيحة فان كان مرض الموت المخوف اعتبر من الثلث لانه بيع ماله بماله فجرى مجرى الهبة ولذلك ثبت الولاء على المكاتب لكونه معتقا فان خرج من الثلث كانت الكتابة
لازمة وان لم يخرج من الثلث لزمت في قدر الثلث وباقيه موقوف على اجازة الورثة يصح باجازته ويبطل برده وهذا قول الشافعي وقال أبو الخطاب في رءوس المسائل تجوز الكتابة من رأس المال لانه عقد معاوضة أشبه البيع والاول أولى (مسألة) ولا يصح الا بالقول وينعقد بقوله كاتبتك على كذا) لانه لفظها الموضوع لها فانعقدت بمجرده كلفظ النكاح فيه (مسألة) ولا يفتقر إلى قوله وان أديت إلي فانت حر بل متى أدى عتق) وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يعتق حتى يقول ذلك أو ينوي بالكتابة الحرية ويحتمل مثل ذلك عندنا لان لفظ الكتابة يحتمل المخارجة ويحتمل العتق بالاداء فلابد من تمييز أحدهما عن الآخر ككنايات العتق
ولنا ان الحرية موجب عقد الكتابة فثبتت عند تمامه كسائر أحكامه ولان الكتابة عقد وضع للعتق فلم يحتج إلى لفظ العتق ولا نيته كالتدبير وما ذكروه من استعمال الكتابة في المخارجة إن ثبت فليس بمشهور فلم يمنع وقوع الحرية به كسائر الالفاظ الصريحة على ان اللفظ المحتمل ينصرف بالقرائن إلى أحد محتمليه كلفظ التدبير فانه يحتمل التدبير في معاشه وغيره وهو صريح في الحرية كذلك هذا.
(مسألة) ولا يصح الا على عوض معلوم منجم بنجمين فصاعدا) لا تصح الا على عوض معلوم لانها عقد معاوضه أشبهت البيع ولا تجوز الا منجمة مؤجلة هذا ظاهر المذهب وبه قال الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة تجوز حالة لانه عقد على عين فإذا كان عوضه في الذمة جاز ان يكون حالا كالبيع ولنا أنه قد روي عن جماعة من الصحابة انهم عقدوا الكتابة ولم ينقل عن واحد منهم عقدها حالة ولو جاز ذلك لم يتفقوا على تركه ولان الكتابة عقد معاوضة يعجز عن اداء عوضها في الحال فكان من شرطها التأجيل كالسلم على أبي حنيفه ولانها عقد معاوضة يلحقه الفسخ من شرطه
ذكر العوض فإذا وقع على وجه يتحقق فيه العجز عن العوض لم يصح كما لو أسلم في شئ لا يوجد عند محله ويفارق البيع لانه لا يتحقق فيه العجز عن العوض لان المشتري يملك المبيع والعبد لا يملك شيئا
وما في يده لسيده وفي التنجيم إذا كان اكثر من نجم حكمتان احداهما ترجع إلى المكاتب وهو التخفيف عليه لان الاداء مفرقا أسهل ولهذا تقسط الديون على المعسرين عادة تخفيفا عليهم والاخرى للسيد وهي ان مدة الكتابة تطول غالبا فلو كانت على نجم واحد لم يظهر عجزه الا في آخر المدة فإذا عجزه عاد إلى الرق وفاتت منافعه في مدة الكتابة كلها على سيده من غير نفع حصل له وإذا كانت منجمة نجوما فعجز عن النجم الاول فمدته يسيرة وان عجز عما بعده فقد حصل للسيد نفع بما أخذ من النجوم قبل عجزه إذا ثبت ذلك فأقله نجمان فصاعدا، وهذا مذهب الشافعي ونقل عن احمد أنه قال من الناس من يقول نجم واحد ومنهم من يقول نجمان ونجمان أحب الي وهذا يحتمل ان يكون معناه اني أذهب إلى أنه لا يجوز الا نجمان ويحتمل ان يكون المستحب نجمين ويجوز نجم واحد، قال ابن أبي موسى هذا على طريق الاختيار وان جعل المال كله في نجم واحد جاز لانه عقد يشترط فيه التأجيل فجاز ان يكون إلى اجل واحد كالسلم ولان اعتبار التأجيل ليتمكن من تسليم العوض وهذا يحصل بنجم واحد، ووجه الاول ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال الكتابة على نجمين والايتاء من الثاني وهذا يقتضي ان هذا أقل ما تجوز عليه الكتابة لان اكثر من نجمين جائز بالاجماع، وروي عن عن عثمان أنه غضب على عبد له فقال لاعاقبنك ولاكاتبنك على نجمين ولو جاز اقل من هذه لعاقبه به في الظاهر، وفي حديث بريرة انها أتت عائشة فقالت يا أم المؤمنين إني كاتبت أهلي على تسع
أواق في كل عام أوقية فأعينيني ولان الكتابة مشتقة من الضم وهو ضم نجم إلى نجم فدل ذلك على افتقارها إلى نجمين والاول أقيس (مسألة) (ويشترط علم ما يؤدي إليه في كل نجم كالثمن في البيع ولئلا يفضي إلى النزاع والاختلاف)
ولا يشترط تساوي النجوم فإذا قال كاتبتك على الف إلى عشر سنين تؤدي عند انقضاء كل سنة مائه أو قال تؤدي منها مائه عند انقضاء خمس سنين وباقيها عند تمام العشرة أو قال تؤدي في آخر العام الاول مائة وتسعمائة عند انقضاء السنة العاشرة فكل ذلك جائز فان قال تؤدي في كل عام مائه جاز ويكون أجل كل مائه عند انقضاء السنة، وظاهر قول القاضي وأصحاب الشافعي انه لا يصح لانه لا يبين وقت الاداء من العام ولنا قول بريرة كاتبت اهلي على تسع أواق في كل عام أوقية ولان الاجل إذا علق بمدة تعلق بأحد طرفيها فان كان بحرف إلى تعلق بأولها كقوله إلى شهر رمضان وان كان بحرف في كان إلى آخرها لانه جعل جميعها وقت الادائها فإذا أدى في آخرها كان مؤديا لها في وقتها فلم يتعين عليه الاداء قبله كتأدية الصلاة في آخر وقتها وان قال تؤديها في عشر سنين أو إلى عشر سنين لم يجز لانه نجم واحدا ومن اجاز الكتابة على نجم واحد أجازه وان قال تؤدي بعضها في نصف المدة وباقيها في آخرها
لم يجز لان البعض يقع على القليل والكثير فيكون مجهولا (فصل) وتجوز الكتابة على مال يجوز السلم فيه لانه مال يثبت في الذمة مؤجلا في معاوضة فجاز ذلك فيه كعقد السلم فان كان من الاثمان وكان في البلد نقد واحد جاز إطلاقه لانه ينصرف إليه فاشبه البيع وان كان فيه نقود بعضها اغلب في الاستعمال جاز للاطلاق ايضا وانصرف إليه عند الاطلاق كما لو انفرد وان كانت مختلفة متساوية في الاستعمال وجب بيانه بما يتميز به من غيره من النقود وان كان من غير الاثمان وجب وصفه بما يوصف به في السلم فأما مالا يصح السلم فيه فلا يجوز أن يكون عوضا في الكتابة لانه عقد معاوضة يثبت عوضه في الذمة فلم يجز بعوض مجهول كالسلم، وقال القاضي يصح على عبد مطلق وله الوسط إذا كاتبه على عبد مطلق لم يصح، ذكره أبو بكر وهو قول الشافعي يجوز في أحد الوجهين، وهو قول أبي حنيفة ومالك لان العتق لا يلحقه الفسخ فجاز أن يكون الحيوان المطلق عوضا فيه كالعقل.
ولنا أن ما لا يجوز أن يكون عوضا في البيع والاجارة لا يجوز أن يكون عوضا في الكتابة كالثوب
المطلق ويفارق العقل لانه بدل متلف مقدر في الشرع وههنا عوض في عقد أشبه البيع ولان الحيوان الواجب في العقل ليس بحيوان مطلق بل هو مقيد بجنسه وسنه فلم يصح الالحاق به ولان الحيوان المطلق لا تجوز الكتابة عليه بغير خلاف علمناه وإنما الخلاف في العبد المطلق ولم يرد الشرع به بدلا
في موضع علمناه.
إذا ثبت هذا فان من صحح الكتابة به أوجب له عبدا وسطا وهو السندي ويكون وسطا من السنديين في قيمته كقولنا في الصداق ولا تصح الكتابة على حيوان مطلق غير العبد فيما علمنا ولا على ثوب ولا دار ولذلك لا تجوز على ثوب من ثيابه ولا عمامة من عمائمه ولا غير ذلك من المجهولات وممن اختار الكتابة على العبد الحسن وسعيد بن جبير والنخعي والزهري وابن سيرين، وروي عن أبي برزة وحفصة رضي الله عنهما.
(مسألة) (وتصح على مال وخدمة سواء تقدمت الخدمة أو تأخرت).
تجوز الكتابة على المنافع المباحة لانها أحد العوضين في الاجارة فجاز أن تكون عوضا في الكتابة كالاثمان ويشترط العلم بها كما يشترط في الاجارة فان كاتبه على خدمة شهر ودينار صح ولا يحتاج إلى ذكر الشهر وكونه عقيب العقد لان الاجارة تقتضيه فان عين الشهر بوقت لا يتصل بالعقد مثل أن يكاتبه في المحرم على خدمته في رجب ودينار صح أيضا كما يجوز أن يؤجره داره شهر رجب في المحرم، وقال أصحاب الشافعي لا يجوز على شهر لا يتصل بالعقد ويشترطون ذكر ذلك ولا يجوزون اطلاقه بناء على قولهم في الاجارة وقد سبق الكلام فيه والخلاف في باب الاجارة ويشترط كون الدينار المذكور مؤجلا لان الاجل شرط في عقد الكتابة فان جعل محل الدينار بعد الشهر بيوم أو أكثر صح بغير خلاف نعلمه وان جعل محله في الشهر أو بعد انقضائه صح أيضا وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وقال
القاضي لا يصح لانه يكون نجا واحدا وهذا لا يصح لان الخدمة كلها لا تكون في وقت محل الدينار وانما يوجد جزء منها يسير مقاربا له وسائرها فيما سواه ولان الخدمة بمنزلة العوض الحاصل في ابتداء مدتها ولهذا يستحق عوضها جميعه ويكون محلها غير محل الدينار وإنما جازت له حالة لان المنع من
الحلول في غيرها لاجل العجز عنه في الحال وهذا غير موجود في الخدمة فجازت حالة وان جعل محل الدينار قبل الخدمة وكانت الخدمة غير متصلة بالعقد بحيث يكون الدينار مؤجلا والخدمة بعده جاز وان كانت الخدمة متصلة بالعقد لم يتصور كون الدنيار قبله ولم يجز في أوله، لانه يكول حالا ومن شرطه التأجيل.
(فصل) إذا كاتب السيد عبده على خدمة مفرده في مدة واحدة مثل ان يكاتبه على خدمة شهر بعينه أو سنة معينة فحكمه حكم الكتابة على نجم واحد على ما مضى من القول فيه ويحتمل أن يكون كالكتابة على انجم لان الخدمة تستوفى في أوقات مفرقة بخلاف المال وان جعله على شهر بعد شهر كأن كاتبه في أول المحرم على خدمته فيه وفي رجب صح لانه على نجمين وان كاتبه على منفعة في الذمة معلومة كخياطة ثوب عينه أو بناء حائط وصفه صح أيضا إذا كانت على نجمين وإن قال كاتبتك على أن تخدمني هذا الشهر وخياطة كذا على عقيب الشهر صح في قول الجميع وان قال على أن تخدمني شهرا من وقتي هذا وشهرا عقيب هذا الشهر صح أيضا وعند الشافعي لا يصح.
ولنا انه كاتبه على نجمين فصح كالتي قبلها.
(فصل) وإذا كاتب العبد وله مال فماله لسيده الا ان يشترطه المكاتب فان كان له سرية أو ولد فهو لسيده، وبه قال الثوري والحسن بن صالح وابو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وقال الحسن وعطاء والنخعي وسليمان بن موسى وعمرو بن دينار ومالك وابن أبي ليلى في المكاتب ماله له ووافقنا عطاء وسليمان بن موسى والنخعي وعمرو بن دينار ومالك في الولد واحتج لهم بما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أعتق عبدا وله مال فالمال للعبد.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع) متفق عليه والكتابة بيع ولانه باعه نفسه فلم يدخل معه غيره كولده وأقاربه ولانه هو وماله كانا لسيده فإذا وقع العقد على احدهما بقي الآخر على ما كان عليه كما لو باعه لاجنبي وحديثهم ضعيف قد ذكرنا ضعفه.
(مسألة) (وإذا أدى ما كوتب عليه أو أبرئ منه عتق لانه لم يبق لسيده عليه شئ ولا
يعتق قبل أداء جميع الكتابة).
هذا ظاهر كلام الخرقي، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) رواه أبو داود دل بمنطوقه على انه لا يعتق حتى يؤدي جميع كتابته وبمفهومه على انه إذا أدى كتابته لا يبقى عبدا قال أحمد في عبد رجلين كاتباه على ألف فأدى تسعمائة ثم أعتق أحدهما نصيبه قال يعتق الا نصف المائة وقد روي عن عمر وابنه وزيد بن ثابت وعائشة وسعيد بن المسيب والزهري انهم قالوا المكاتب عبد ما بقي عليه درهم رواه عنهم الاثرم وبه قال القاسم وسليمان بن يسار وعطاء وقتادة والثوري وابن شبرمة ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وروي ذلك عن ام سلمة وروى سعيد باسناده عن ابي قلابة قال كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتجبن من مكاتب ما بقي عليه درهم وباسناده عن عطاء ان ابن عمر كاتب غلاما على ألف دينار فأدى إليه تسعمائة دينار وعجز عن مائة دينار فرده ابن عمر في الرق.
(مسألة) (وما فضل في يده فهو له).
لانه كان له قبل العتق فبقي على ما كان وعنه انه إذا ملك ما يؤدي صار حرا لما روت ام سلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا كان لاحداكن مكاتب فكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه)، رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح فامرهن بالحجاب بمجرد ملكه لما يؤديه ولانه مالك لمال الكتابة اشبه ما لو أداه فعلى هذا متى امتنع من الاداء أجبره الحاكم عليه كسائر الديون الحالة على
القادر عليها فان هلك ما في يديه قبل الاداء صار دينا في ذمته وقد صار حرا والصحيح انه لا يعتق حتى يؤدي وهذا قول أكثر اهل العلم لما ذكرنا من حديث عمرو بن شعيب وروي سعيد باسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ايما عبد كانت عليه مائة أوقية فأداها إلا عشرة اواق فهو عبد) وفي رواية (من كاتب عبده على مائة اوقية فأداها إلا عشر اواق) أو قال (الا عشرة دراهم ثم عجز فهو رقيق) رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب ولانه عتق علق بعوض فلم يعتق قبل ادائه كما لو قال إذا
اديت إلي الفا فأنت حر فعلى هذه الرواية إذا ادى عتق وان لم يؤد لم يعتق فان امتنع من الاداء فقال أبو بكر يؤديه الامام عنه ولا يكون ذلك عجزا ولا يملك السيد الفسخ وهو قول ابي حنيفة ويحتمل انه إذا لم يؤد عجزه السيد ان احب وعاد عبدا غير مكاتب ونحوه قال الشافعي فانه قال ان شاء عجز نفسه وامتنع من الاداء.
ووجه ذلك ان العبد لا يجبر على اكتساب ما يؤديه في الكتابة فلا يجبر على الاداء كسائر العقود الجائزة.
ووجه الاول انه قد ثبت للعبد استحقاق الحرية بملك ما يؤدي فلم يملك ابطالها كما لو ادى فان تلف المال قبل ادائه جاز تعجيزه واسترقاقه وجها واحدا.
(فصل) إذا ابرأه السيد من مال الكتابة برئ وعتق لان ذمته خلت من مال الكتابة فاشبه ما لو أداه وان ابرأه من بعضه برئ منه وهو على الكتابة فيما بقي لان الابراء كالاداء فان كاتبه على دنانير فابرأه من دراهم أو بالعكس لم تصح البراءة لانه ابرأه مما لا يجب عليه الا ان يريد بقدر ذلك مما لي عليك فان اختلفا فقال المكاتب انما
أردت من قيمة ذلك وقال السيد بل ظننت ان لي عليك النقد الذي ابرأتك منه فلم تقع البراءة موضعها فالقول قول السيد مع يمينه لانه اعرف بنيته فان مات السيد واختلف المكاتب والورثة فالقول قولهم مع أيمانهم ويحلفون على نفي العلم وان مات المكاتب واختلف ورثته وسيده فالقول قول السيد لما ذكرنا (مسألة) (فلو مات قبل الاداء كان ما في يده لسيده في الصحيح عنه وعلى الرواية الاخرى لسيده بقية كتابته والباقي لورثته) هذه المسألة تشبه ان تكون مبنية على المسألة التي قبلها ان قلنا انه لا يعتق بملك ما يؤدي فقد مات رقيقا وانفسخت كتابته بموته وكان ما في يده لسيده وان قلنا انه عتق بملك ما يؤدي فقد مات حرا وعليه لسيده بقية كتابته لانه دين له عليه والباقي لورثته قال القاضي الاصح ان الكتابة تنفسخ بموته ويموت عبدا وما في يده لسيده رواه الاثرم باسناده عن عمر وزيد والزهري وبه قال ابراهيم وعمر بن عبد العزيز وقتادة والشافعي لما ذكرناه في التي قلبها ولانه مات قبل اداء مال الكتابة فوجب ان تنفسخ كما لو لم يكن له مال وكما لو علق عتقه بأداء ألف فمات قبل أدائها وعنه انه يعتق
ويموت حرا فيكون لسيده بقية كتابته والباقي لورثته روي ذلك عن على وابن مسعود ومعاوية وبه قال عطاء والحسن وطاوس وشريح والنخعي والثوري والحسن بن صالح ومالك واسحاق وأصحاب
الرأي الا ان ابا حنيفة قال يكون حرا في آخر جزء من حياته وهذا قول القاضي ووجه هذا الرواية ما تقدم في التي قبلها.
لانها معاوضة لا تنفسخ بموت أحد المتعاقدين فلا تنفسخ بموت الآخر كالبيع ولان العبد أحد من تمت به الكتابة فلم تنفسخ بموته كالسيد والاول اولى وتفارق الكتابة البيع لان كل واحد من المتعاقدين غير معقود عليه ولا يتعلق العقد بعينه فلم ينفسخ بتلفه والمكاتب هو المعقود عليه والعقد متعلق يعينه فإذا تلف قبل تمام الاداء انفسخ العقد كما لو تلف المبيع قبل قبضه ولانه مات قبل وجود شرط حريته ويتعذر وجودها بعد موته، فأما ان مات ولم يخلف وفاء فلا خلاف في المذهب ان الكتابة تنفسخ بموته ويموت عبدا وما في يده لسيده وهو قول أهل الفتاوى من أئمة الامصار الان يموت بعد أداء ثلاثة ارباع الكتابة عند أبي بكر والقاضي ومن وافقهما فانه يموت حرا في مقتضى قولهم وسنذكر ذلك ان شاء الله تعالى وقال مالك ان كان له ولد حرا انفسخت الكتابة وان كان مملوكا في كتابته اجبر على دفع المال إن كان له مال وان لم يكن له اجبر على الاكتساب والاداء (فصل) ولا تنفسخ الكتابة بالجنون لانها عقد لازم فلم تنفسخ بالجنون كالرهن وفارق الموت لان العقد على العين والموت يفوت العين بخلاف الجنون ولان القصد من الكتابة العتق والموت ينافيه ولهذا لا يصح عتق الميت والجنون لا ينافيه بدليل صحة عتق المجنون فعلى هذا إن أدى إليه المال عتق لان السيد إذا قبض منه فقد استوفى حقه الذي كان عليه وله أخذ المال من يده فيتضمن
ذلك براءته من المال فيعتق بحكم العقد وان لم يؤد إليه كان للسيد ان يحضره عند الحاكم وتثبت الكتابة بالبينة فيبحث الحاكم عن ماله فان وجد له مالا سلمه في الكتابة وعتق وان لم يجد له مالا جعل له أن يعجزه ويلزمه الانفاق عليه لانه عاد قنا ثم ان وجد له الحاكم بعد ذلك مالا يفي بمال الكتابة أبطل
فسخ السيد لان الباطل بخلاف ما حكم به فبطل حكمه كما إذا أخطأ النص وحكم بالاجتهاد إلا أنه يرد على السيد ما انفقه من حين الفسخ لانه لم يكن مستحقا عليه في الباطن وان أفاق وأقام البينة أنه كان قد دفع إليه مال الكتابة بطل أيضا ولا يرد عليه ما انفقه لانه انفق عليه مع علمه بحريته فكان متطوعا بذلك فلم يرجع به وينبغي أن يستحلف الحاكم السيد انه ما استوفى مال الكتابة وهذا قول أصحاب الشافعي ولم يذكره أصحابنا وهو حسن لانه يحتمل أنه استوفاه والمجنون لا يعبر عن نفسه فيدعيه فيقوم الحاكم مقامه في استحلافه عليه (فصل) وقتل المكاتب كموته في انفساخ الكتابة على ما اسلفنا من الخلاف سواء كان القاتل السيد أو الاجنبي ولا قصاص على قاتله الحر لان المكاتب عبد ما بقي عليه درهم للحديث فان كان القاتل سيده ولم يخلف وفاء انفسخت الكتابة وعاد ما في يده إلى سيده ولم يجب عليه شئ لانه لو وجب لوجب له فان قيل فالقاتل لا يستحق بالقتل شيئا من تركة المقتول قلنا ههنا لا يرجع إليه مال المكاتب ميراثا بل بحكم ملكه عليه لزوال الكتابة وانما يمنع القاتل الميراث خاصة الا ترى أن
من له دين مؤجل إذا قتل من عليه الحق حل الدين في رواية وأم الولد إذا قتلت سيدها عتقت وان كان المكاتب قد خلف وفاء وقلنا ان الكتابة تنفسخ بموته فالحكم كذلك وان قلنا لا تنفسخ فله القيمة على سيده تصرف إلى ورثته كما لو كانت الجناية على بعض اطرافه في حياته وان كان الوفاء يحصل بايجاب القيمة ولا يحصل بدونها وجب كما لو خلف وفاء لان دية المقتول كتركته في قضاء ديونه منها وانصرافها إلى ورثته بينهم على فرائض الله تعالى ولا فرق فيما ذكرنا بين ان يخلف وارثا أو لا يخلف وارثا وذكر القاضي انه إذا لم يخلف وارثا سوى سيده لم تجب القيمة عليه بحال ولنا أن من لا وارث له يصرف ماله إلى المسلمين ولا حق لسيده فيه لان صرفه إلى سيده بطريق الارث والقاتل لا ميراث له وان كان القاتل أجنبيا وجبت القيمة للسيد الا في الموضع الذي لا تنفسخ الكتابة تجب لورثته (مسألة) (وإذا عجلت الكتابة قبل محلها لزم السيد الاخذ وعتق)
هذا المنصوص عن احمد ويحتمل ان لا يلزمه ذلك إذا كان في قبضه ضرر، وذكر أبو بكر فيه رواية أخرى انه لا يلزمه قبول المال الا عند نجومه لان بقاء المكاتب في هذه المدة في ملكه حق له ولم يرض بزواله فلم يزل كما لو علق عتقه على شرط لم يعتق والصحيح في المذهب الاول وهو مذهب الشافعي الا ان القاضي قال أطلق احمد والخرقي هذا القول وهو مقيد بما لا ضرر في قبضه قبل محلة
كالذي لا يفسد ولا يختلف قديمه وحديثه ولا يحتاج إلى مؤنة في حفظه ولا يدفعه في حال خوف يخاف ذهابه فان اختل أحد هذه الامور لم يلزمه قبضه مثل ان يكون مما يفسد كالعنب والرطب والبطيخ أو يخاف تلفه كالحيوان فانه ربما تلف قبل المحل ففاته مقصوده، وان كان مما يكون حديثه خيرا من قديمه لم يلزمه أيضا أخذه لانه ينقص إلى حين الحلول وإن كان مما يحتاج إلى مخزن كالطعام والقطن لم يلزمه أيضا لانه يحتاج في ابقائه إلى وقت المحل إلى مؤنة فيتضرر بها ولو كان غير هذا إلا ان البلد مخوف لم يلزمه أخذه لان في أخذه ضررا لم يرض بالتزامه وكذلك لو سلمه إليه في طريق مخوف أو في موضع يتضرر بقبضه في لم يلزمه قبضه ولم يعتق المكاتب قال القاضي والمذهب عندي أن فيه تفصيلا على حسب ما ذكرناه في السلم ولانه لا يلزم الانسان التزام ضرر لم يقتضه العقد ولا رضي بالتزامه وأما ما لا ضرر في قبضه فإذا عجله لزم السيد أخذه وذكر أبو بكر انه يلزمه قبوله من غير تفصيل اعتمادا على اطلاق احمد القول في ذلك وهو ظاهر اطلاق الخرقي لما روى الاثرم باسناده عن ابي بكر بن حزم ان رجلا أتى عمر فقال يا أمير المؤمنين اني كاتبت على كذا وكذا واني أيسرت بالمال وأتيته به فزعم انه لا يأخذها الا نجوما فقال عمر رضي الله عنه يايرفا خذ المال فاجعله في بيت المال واد إليه نجوما في كل عام وقد عتق هذا فلما رأى ذلك سيده أخذ المال، وعن عثمان رضي الله عنه نحو هذا
ورواه سعيد بن منصور في سنه عن عمر وعثمان جميعا، وثنا هشيم عن ابن عون عن محمد بن سيرين ان عثمان قضى بذلك ولان الاجل حق لمن عليه الدين فإذا قدمه فقد رضي باسقاط حقه فسقط كسائر الحقوق
فان قيل إذا علق عتق عبده على فعل في وقت ففعله في غيره لم يعتق قلنا تلك صفة مجردة لا يعتق الا بوجودها والكتابة معاوضة يبدأ فيها باداء العوض فافترقا ولذلك لو أبرأه من العوض في الكتابة عتق ولو أبرأه من المال في الصفة المجردة لم يعتق قال شيخنا والاولى ما قاله القاضي في ان ما كان في قبضه ضرر لم يلزمه قبضه ولم يعتق ببذله لما ذكره من الضرر الذي لم يقتضه القعد وخبر عمر لا دلالة فيه على وجوب قبض ما فيه ضرر ولان اصحابنا قالوا لو لقيه في بلد اخر فدفع إليه نجوم الكتابة أو بعضها فامتنع من أخذها لضرر فيه من خوف أو مؤنة حمل لم يلزمه قبوله لما عليه من الضرر فيه وان لم يكن فيه ضرر لزمه قبضه كذا ههنا وكلام احمد محمول على ماذا لم يكن في قبضه ضرر وكذلك قول الخرقي وأبي بكر
(فصل) إذا أحضر المكاتب مال الكتابة أو بعضه ليسلمه فقال السيد هذا حرام أو غصب لا أقبله منك سئل العبد عن ذلك فان أقر به لم يلزم السيد قبوله لانه لا يلزمه أخذ المحرم ولا يجوز له وان أنكر وكانت للسيد بينة بدعواه لم يلزمه قبوله وتسمع بينته لان له حقا في ان لا يقتضي دينه من حرام ولا يأمن أن يرجع صاحبه عليه به وان لم تكن له بينة فالقول قول العبد مع يمينه فان نكل عن اليمين لم يلزم السيد قبوله أيضا وان حلف قيل للسيد اما أن تقبضه واما أن تبرئه ليعتق فان قبضه وكان تمام كتابته عتق ثم ينظر فان ادعى أنه حرام مطلقا لم يمنع منه لانه لم يقربه لاحد وانما تحريمه فيما بينه وبين الله تعالي وان ادعى انه غصبه من فلان لزمه دفعه إليه لان قوله وان لم يقبل في حق المكاتب فانه يقبل في حق نفسه كما لو قال رجل لعبد في يد غيره هذا حر وأنكر ذلك من العبد في يده لم يقبل قوله عليه فان انتقل إليه بسبب من الاسباب لزمته حريته فان ابرأه من مال الكتابة لم يلزمه قبضه لانه لم يبق له عليه حق وان لم يبرئه ولم يقبضه كان له دفع ذلك إلى الحاكم ويطالبه بقبضه فينوب الحاكم في قبضه عنه ويعتق العبد كما رويناه عن عمر وعثمان رضي الله عنهما في قبضهما مال الكتابة حين امتنع المكاتب من قبضه (فصل) إذا كاتبه على جنس لم يلزمه قبض غيره فلو كاتبه على دنانير لم يلزمه قبض دراهم ولا عرض وان كانت على عرض موصوف لم يلزمه قبض غيره وان كانت على نقد فأعطاه من جنسه خيرا منه وكان
ينفق فيما ينفق فيه الذي كاتيه عليه لزمه أخذه لانه زاده خيرا وان كان لا ينفق في بعض البلدان التي ينفق فيها ما كاتبه عليه لم يلزمه قبوله لان عليه فيه ضرارا (مسألة) ولا بأس ان يجعل المكاتب لسيده ويضع عنه بعض كتابته مثل ان يكاتبه على الف في نجمين إلى سنة ثم قال عجل لي خمسمائة حتى أضع عنك الباقي أو حتى ابرئك من الباقي أو قال صالحني منه على خمسمائة معجلة جاز ذلك.
وبه يقول طاوس والزهري والنخعي وأبو حنيفة وكرهه الحسن وابن سيرين والشعبي، وقال الشافعي لا يجوز لان هذا بيع الف بخمسمائة وهو ربا الجاهلية وهو أن يزيد في الدين لاجل الاجل وهذا أيضا هبة لان هذا لا يجوز بين الاجانب والربا يجري بين المكاتب وسيده فلم يجز هذا بينهما كالاجانب.
ولنا أن مال الكتابة غير مستقر ولا هو دين صحيح بدليل أنه لا يجبر على ادائه وله ان يمتنع من أدائه ولا تصح الكفالة به وما يؤديه إلى سيده كسب عبده وانما جعل الشرع هذا العقد وسيلة إلى العتق وأوجب فيه التأجيل مبالغة في تحصيل العتق وتخفيفا على المكاتب فإذا أمكنه التعجيل على وجه يسقط عنه يعض ما عليه كان أبلغ في حصول العتق واخف على العبد ويحصل من السيد اسقاط بعض
ماله على عبده ومن الله تعالى اسقاط بعض ما اوجبه عليه من الاجل لمصلحته ويفارق سائر الديون بما ذكرنا ويفارق الاجانب من حيث ان هذا عبده فهو أشبه بعبده القن وأما قولهم إن الربا يجري بينهما فيمنعه ما ذكره ابن أبي موسى وان سلمنا فان هذا مفارق لسائر الربا بما ذكرناه وهو يخالف ربا الجاهلية فانه اسقاط لبعض الدين وربا الجاهلية زيادة في الدين تفضي إلى نفاد مال المدين وتحمله ما يعجز عن وفائه من الدين فيحبس من اجله وهذا يفضي إلى تعجيل عتق المكاتب وخلاصه من الرق والتخفيف عنه فافترقا (فصل) فان اتفقا على الزيادة في الاجل والدين مثل ان يكاتبه على الف في نجمين إلى سنة يؤدي خمسمائة في نصفها والباقي في آخرها فيجعلانها إلى سنتين بالف ومائتين في كل سنة ستمائة أو مثل ان
يحل عليه نجم فيقول أخرني إلى كذا وأزيدك كذا فلا يجوز لان الدين المؤجل إلى وقت لا يتأخر اجله عن وقته باتفاقهما عليه ولا يتغير أجله بتغييره وإذا لم يتأخر عن وقته لم تصح الزيادة التي في مقابلته ولان هذا يشبه ربا الجاهلية المحرم وهو الزيادة في الدين للزيادة في الاجل ويفارق المسألة الاولى من هذين الوجهين فان قيل فكما أن الاجل لا يتأخر فكذلك لا يتعجل ولا يصير المؤجل حالا فلم يجاز في المسألة الاولى قلنا إنما جاز في المسألة الاولى بالتعجيل فعلا فانه إذا دفع إليه الدين
المؤجل قبل محله جاز وجاز للسيد اسقاط باقي حقه عليه وفي هذه المسألة يأخذ أكثر مما وقع عليه العقد فهو ضد المسألة الاولى وهو ممتنع من وجه آخر لان في ضمن الكتابة انك متى اديت الي كذا فأنت حر فإذا أدى إليه ذلك فينبغي أن يعتق فان قيل فإذا غير الاجل والعوض فكأنهما فسخا الكتابة الاولى وجعلا كتابة ثانية قلنا لم يجر بينهما فسخ وانما قصدا تغيير العوض والاجل على وجه لا يصح فبطل التغيير وبقي العقد بحاله ويحتمل ان يصح ذلك كما في المسألة الاولى فعلى هذا لو اتفقا على ذلك ثم رجع احدهما قبل التعجيل فله الرجوع لما ذكرنا من أن الدين المتأخر لا يتأخر عن أجله ولا يتقدم وانما له أن يؤديه قبل محله ولمن له الدين ترك قبضه في محله وذلك إلى اختياره فإذا وعد به ثم رجع قبل الفعل فله ذلك (فصل) وان صالح المكاتب سيده عما في ذمته بغير جنسه مئل ان يصالح عن النقود بحنطة أو شعير جاز الا أنه لا يجوز أن يصالحه على شئ مؤجل لانه يكون بيع دين بدين وان صالحه عن الدراهم بدنانير أو عن الحنطة بشعير لم يجز التفرق قبل القبض لان هذا بيع في الحقيقة فيشترط له القبض في المجلس، وقال القاضي يحتمل ان لا تصح هذه المصالحة مطلقا لان هذا دين من شرطه التأجيل فلم تجز المصالحة عليه بغير ولانه دين غير مستقر فهو كدين السلم، وقال ابن أبي موسى لا يجري الربا بين المكاتب وسيده فعلى قوله تجوز المصالحة كيفما كانت كما تجوز بين العبد القن وسيده والاولى ما ذكرنا ويفارق دين الكتابة دين السلم فانه يفارق سائر الديون بما ذكرنا في هذه المسألة فمفارقته لدين السلم أعظم
(مسألة) وإذا أدى وعتق فوجد السيد بالعوض عيبا فله ارشه أو قيمته ولا يرتفع العتق) وجملة ذلك أن المكاتب إذا دفع العوض في الكتابة فبان مستحقا تبين انه لم يعتق وكان وجود هذا الدفع كعدمه لانه لم يؤد الواجب عليه وقيل له ان أديت الآن والا فسخت كتابتك وان كان قد مات بعد الاداء فقد مات عبدا فان بان معيبا مثل ان كاتبه على عروض موصوفة فقبضها فأصاب بها عيبا بعد قبضها نظرت فان رضي بذلك وأمسكها استقر العتق فان قيل يستقر العتق ولم يعطه جميع ما وقع عليه العقد فان ما يقابل العيب لم يقبضه فأشبه ما لو كاتبه على عشرة فأعطاه تسعة قلنا امساكه العيب راضيا به رضا منه باسقاط حقه فجرى مجرى ابرائه من بقية كتابته وان اختار امساكه واخذ أرش العيب أو رده فله ذلك.
قال أبو بكر وقياس قول احمد أنه لا يبطل العتق وليس له الرد وله الارش لان العتق اتلاف واستهلاك فإذا حكم بوقوعه لم يبطل كعقد الخلع ولانه ليس المقصود منه المال فأشبه الخلع.
وقال القاضي يتوجه أن له الرد ويحكم بارتفاع العتق الواقع لان العتق انما يستقر باستقرار الاداء وقد ارتفع الاداء فارتفع العتق، وهذا مذهب الشافعي لان الكتابة عقد معاوضة يلحقه الفسخ بالتراضي فوجب أن يفسخ بوجود العيب كالبيع وان اختار امساكه وأخذ الارش فله ذلك وتبين أن العتق لم يقع لاننا تبينا أن ذمته لم تبرأ من مال الكتابة ولا يعتق قبل ظن وقوع
العتق لا يوقعه إذا بان الامر بخلافه كما لو بان العوض مستحقا وان تلفت العين عند السيد أو حدث بها عده عيب استقر أرش العيب والحكم في ارتفاع العتق على ما ذكرنا فيما مضى ولو قال السيد لعبده ان أعطيتني عبدا فأنت حر فاعطاه عبدا فبان حرا أو مستحقا لم يعتق بذلك لان معناه ان أعطيتنيه ملكا ولم يعطه إياه ملكا ولم يملكه إياه.
(فصل) وإذا دفع إليه مال الكتابة ظاهرا فقال له السيد أنت حر أو قال هذا حر ثم بان العوض مستحقا لم يعتق بذلك لان ظاهره الاخبار عما حصل له بالاداء فلو ادعى المكاتب أن السيد قصد
بذلك عتقه وأنكر السيد فالقول قول السيد مع يمينه لان الظاهر معه وهو أخبر بما نوى.
(فصل) قال رضي الله عنه ويملك المكاتب اكتسابه ومنافعه والشراء والبيع والاجارة والاستئجار والسفر وأخذ الصدقة والانفاق على نفسه وولده ورقيقه وكل ما فيه صلاح المال يملك المكاتب اكسابه ومنافعه والشراء والبيع باجماع أهل العلم لان عقد الكتابة لتحصيل العتق ولا يحصل إلا بأداء عوضه ولا يمكنه الاداء إلا بالاكتساب، والبيع والشراء من أقوى جهات الاكتساب فانه قد جاء في بعض الآثار أن تسعة أعشار الرزق في التجارة ويملك الاجارة والاستئجار قياسا على البيع والشراء ويملك السفر قريبا كان أو بعيدا، وهذا قول الشعبي والنخعي والحسن بن صالح وأبي حنيفة وقد
أطلق أصحابنا القول في ذلك ولم يفرقوا بين السفر الطويل وغيره وقياس المذهب ان له منعه من سفر تحل نجوم كتابته قبل لانه يتعذر معه استيفاء النجوم في وقتها والرجوع في رقه عند عجزه فمنع منه كالغريم الذي يحل الدين عليه قبل مدة سفره واختلف قوله فقال في موضع له السفر وقال في موضع ليس له السفر إذا كان قصيرا لانه في حكم الحاضر والموضع الذي منع منه إذا كان بعيدا يتعذر معه استيفاء نجومه والرجوع في رقه عند عجزه.
ولنا ان المكاتب في يد نفسه وانما للسيد عليه دين أشبه الحر الدين وما ذكروه لا أصل له ويبطل بالحر الغريم وله أخذ الصدقة الواجبة والمستحبة لان الله تعالى جعل للمكاتبين الاخذ من الواجبة وإذا جاز الاخذ من الواجبة فالمستحبة أولى.
(مسألة) (وان شرط عليه أن لا يسافر ولا يأخذ الصدقة فهل يصح الشرط؟ على وجهين.
إذا شرط السيد على مكاتبه أن لا يسافر، فقال القاضي الشرط باطل، وهو قول الحسن وسعيد ابن جبير والشعبي والنخعي وأبي حنيفة لانه ينافي مقتضى العقد فلم يصح شرطه كشرط ترك الاكتساب ولانه غريم فلم يصح ترك السفر عليه كما لو اقرض لرجل قرضا بشرط أن لا يسافر وقال ابو الخطاب يصح الشرط وله منعه من السفر وهو قول مالك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم)
ولانه شرط له فيه فائدة فلزم كما لو شرط نقدا معلوما وبيان فائدته أنه لا يأمن اباقه وانه لا يرجع إلى سيده فيفوت العبد والمال الذي عليه ويفارق القرض فانه عقد جائز من جانب المقرض متى شاء طالب باخذه ومنع الغريم السفر قبل إيفائه فكان المنع من السفر حاصلا بدون شرطه بخلاف الكتابة فانه لا يمكن السيد منعه من السفر إلا بشرطه وفيه حفظ عبده وماله فلا يمنع من تحصيله وهذا أصح ان شاء الله تعالى فعلى هذا الوجه لسيده منعه من السفر فان سافر بغير اذنه فله رده ان أمكنه وان لم يمكنه رده احتمل أن له تعجيزه ورده إلى الرق لانه لم يف بما شرط عليه أشبه ما لو لم يف بأداء الكتابة واحتمل أن لا يملك ذلك لانه مكاتب كتابة صحيحة لم يظهر عجزه فلم يملك تعجيزه كما لو لم يشترط عليه.
(فصل) وان شرط عليه ان لا يسأل الناس فقال أحمد قال جابر بن عبد الله هم على شروطهم ان رأيته يسأل تنهاه فان قال لا أعود لم يرده عن كتابته في مرة فظاهر هذا ان الشرط صحيح لازم وانه ان خالف مرة لم يعجزه وان خالف مرتين أو أكثر فله تعجيزه قال أبو بكر إذا رآه يسأل مرة في مرة عجزه كما إذا حل نجم في نجم عجزه فاعتبر المخالفة في مرتين كحلول نجمين وانما صح الشرط لقول عليه الصلاة والسلام (المسلمون على شروطهم) ولان له في هذا فائدة وغرضا صحيحا وهو أن
لا يكون كلا على الناس ولا يطعمه من صدقتهم وأوساخهم وذكر أبو الخطاب انه لا يصح الشرط لان الله تعالى جعل للمكاتب سهما عن الصدقة بقوله تعالى (وفي الرقاب) وهم المكاتبون فلا يصح اشتراط ترك طلب ما جعل الله له.
(مسألة) (وله الانفاق على نفسه وولده ورقيقه وكل ما فيه صلاح المال).
لان له التصرف في المال بما يعود بمصلحته ومصلحة ماله والانفاق على نفسه وولده ورقيقه من أهم المصالح فينفق عليهم ما يحتاجون إليه من مأكلهم ومشربهم وكسوتهم بالمعروف مما لا غنى لهم عنه والحيوان الذي له وله تأديب عبيده وتعزيرهم إذا فعلوا ما يستحقون ذلك لانه من مصلحة ملكه فملكه كالنفقة عليهم ولا يملك إقامة الحد عليهم لانه موضع ولاية وما هو من أهلها وله ان يختنهم لانه من مصلحتهم وله المطالبة بالشفعة والاخذ بها لانه نوع شراء فان كان المشتري للشقص سيده
فله أخذه منه لان له أن يشتري منه وان اشترى المكاتب شقصا لسيده فيه شركة فله أخذه من المكاتب بالشفعة لانه مع سيده في باب البيع والشراء كالاجنبي وان وجبت للسيد على مكاتبه شفعة فادعى المكاتب أن سيده عفا عنها سمعت دعواه وان انكره السيد كان عليه اليمين وان أذن السيد لمكاتبه في البيع بالمحاباة صح منه وكان لسيده الاخذ بالشفعة، لان بيعه بالمحاباة مع سيده فيه صحيح ويصح اقرار المكاتب بالبيع والشراء والعيب والدين لانه يصح تصرفه فيه بذلك ومن ملك شيئا ملك الاقرار به.
(مسألة) (وليس له ان يتزوج ولا يتسرى ولا يتبرع ولا يقرض ولا يحابي ولا يقتص من عبده الجاني على بعض رقيقه ولا يعتق ولا يكاتب إلا باذن سيده).
وجملة ذلك أن المكاتب ليس له أن يتزوج الا باذن سيده، وهو قول الحسن ومالك والليث وابي حنيفة والشافعي وأبي يوسف، وقال الحسن بن صالح له ذلك، لانه عقد معاوضة أشبه البيع.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر) ولان على السيد ضررا لانه ان عجز رجع عليه ناقص القيمة ويحتاج ان يؤدي المهر والنفقة من كسبه فيعجز عن أداء نجومه فيمنع من ذلك كالتبرع به فعلى هذا إذا تزوج لم يصح وقال الثوري نكاحه موقوف ان ادى تبينا انه كان صحيحا وان عجز فنكاحه باطل.
ولنا الخبر ولانه تصرف منع منه للضرر فلم يصح كالهبة.
إذا ثبت هذا فانه يفرق بينهما ولا مهر لها ان كان قبل الدخول وان كان بعده فعليه مهر المثل يؤدى من كسبه كجنايته فان أتت بولد لحقه نسبه لانه من وطئ في نكاح فاسد فان كانت المرأة حرة فهو حر وان كانت امه فهو رقيق لسيدها، فان أذن له سيده في النكاح صح في قول الجميع فان الخبر يدل بمفهومة على انه يصح إذا اذن له لان المنع من نكاحه لحق السيد فإذا اذن فيه زال المانع وقياسا على ما إذا اذن لعبده القن.
(فصل) وليس له التسري بغير اذن سيده لان ملكه ناقص.
وقال الزهري لا ينبغي لاهله ان يمنعوه من التسري.
ولنا ان على السيد فيه ضررا فمنع منه كالتزويج وبيان الضرر انه ربما احبلها والحمل عيب في بنات آدم وربما تلفت وربما ولدت فصارت ام ولد يمتنع عليه بيعها في اداء كتابته فان عجز رجعت إلى سيده ناقصة وإذا منع من التزويج لضرره فهذا اولى فان اذن له سيده جاز وقال الشافعي لا يجوز في احد القولين لانه امر يضر به وربما افضى إلى منعه من العتق فلم يجز باذن السيد.
ولنا انه لو اذن لعبده القن في التسري جاز فللكاتب اولى ولان المنع كان لاجل الضرر بالسيد فجاز باذنه كالتزويج إذا ثبت هذا فانه ان تسرى باذن سيده أو غير اذنه فلا حد عليه لشبهة الملك ولا مهر عليه لانه لو وجب لوجب له ولا يجب على الانسان شئ لنفسه فان ولدت فالنسب لاحق به لان الحد إذا سقط للشبهة لحقه النسب ويكون الولد مملوكا له لانه ابن امته ولا يعتق عليه لان ملكه غير تام وليس له بيعه لانه ولده ويكون موقوفا على كتابته فان ادى عتق وعتق الولد لانه ملك لابيه الحر وان عجز وعاد إلى الرق فولده رقيق أيضا ويكونان مملوكين للسيد (فصل وليس له ان يزوج عبيده واماءه بغير اذن سيده وهذا قول الشافعي وابن المنذر وذكر عن مالك ان له ذلك إذا كان على وجه النظر لانه عقد على منفعة فملكه كالاجارة وحكي
عن القاضي انه في الخصال له تزويج الامة دون العبد لانه يأخذ عوضا عن تزويجها بخلاف العبد ولانه عقد على منافعها اشبه اجارتها ولنا ان على السيد فيه ضررا لانه ان زوج العبد لزمته نفقة امرأته ومهرها وشغله بحقوق النكاح ونقص قيمته وان زوج الامة ملك الزوج بضعها ونقصت قيمتها وقلت الرغبات فيها وربما امتنع بيعها بالكلية وليس ذلك من جهات المكاسب فربما اعجزه ذلك عن أداء نجومه وان عجز عاد رقيقا للسيد مع ما تعلق بهم من الحقوق ولحقهم من النقص وفارق الاجارة فانها من جهات المكاسب عادة فعلى
هذا ان وجب تزويجهم لطلبهم ذلك وحاجتهم إليه باعهم فان العبد متى طلب التزويج حين سيده بين بيعه وتزويجه وان اذن السيد في ذلك جاز لان الحق له والمنع منه (فصل) وليس له استهلاك ماله ولا هبته وبه قال الحسن ومالك والثوري والشافعي والثوري وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا لان حق سيده لم ينقطع عنه لانه قد يعجز فيعود إليه ولان القصد من الكتابة تحصيل العتق بالاداء وهبة ماله تفوت ذلك وتجوز باذن سيده وقال أبو حنيفة لا تجوز لانه يفوت المقصود بالكتابة وعن الشافعي كالمذهبين ولنا ان الحق لا يخرج عنهما فجاز باتفاقهما كالراهن والمرتهن ولا تصح الهبة بالثواب وقال الشافعي في أحد قوليه تصح لان فيها معاوضة
ولنا أن الاختلاف في تقدير الثواب يوجب الغرر ولان عوضها يتأخر فهو كالبيع نسيئة وان اذن السيد فيها جازت ولذلك ان وهب لسيده أو لابن سيده الصغير جاز لان قبوله للهبة إذن فيها وليس له ان بحابي في البيع ولا يزيد في الثمن الذي اشترى به لانه اتلاف للمال على سيده فأشبه الهبة ولا يجوز له ان يعير دابته ولا يهدي هدية وأجاز ذلك اصحاب الرأي ويحتمل جواز اعارة دابته وهدية المأكول ودعائه إليه كالمأذون له لان المكاتب لا ينحط عن درجته ووجه الاول انه تبرع بماله فلم يجز كالهبة وليس له ان يوصي بماله ولا يحط عن المشتري شيئا ولا يقرض لانه يعرضه للاتلاف ولا يضمن ولا يتكفل با؟؟ وبه قال الشافعي واصحاب الرأي لان ذلك تبرع بماله فهو كالهبة ولا يقتص من عبده الجاني على بعض رقيقه ذكره أبو بكر لان فيه اتلاف المال على سيده وقال القاضي له ان يقتص من الجناة عليه وعلي رقيقه ويأخذ الارش لان فيه مصلحته (فصل) ولا يعتق رقيقه الا باذن سيده وبه قال الحسن والاوزاعي ومالك والشافعي وأبو حنيفة لان فيه ضررا على سيده بتفويت ماله فيما لا يحصل له به مال اشبه الهبة فان اعتق لم يصح اعتاقه ويتخرج ان يصح ويقف على اذن سيده وقال أبو بكر هو موقوف على آخر امر المكاتب فان ادى عتق معتقه وان لم يؤد رق قال القاضي هذا قياس المذهب كقولنا في ذوي الارحام انهم موقوفون
ولنا انه تبرع بماله بغير اذن سيده فكان باطلا كالهبة ولانه تصرف تصرفا منع منه لحق سيده
فكان باطلا كسائر ما منع منه ولا يصح قياسه على ذوي ارحامه لان عتقهم ليس بتصرف منه وانما يعتقهم الشرع على مالكهم بملكهم والمكاتب ملكه ناقص فلم يتقوا به فإذا عتق كمل ملكه فعتقوا حينئذ والمعتق انما يعتق بالاعتاق الذي كان باطلا فلا تتبين صحته إذا كمل الملك لان كمال الملك في في الثاني لا يوجب كونه كاملا حين الاعتاق ولذلك لا يصح سائر تبرعاته بادائه فان اذن فيه سيده صح وقال الشافعي في احد قوليه لا يصح لان تبرعه بماله يفوت المقصود من كتابته وهو العتق الذى هو حق لله تعالى أو فيه حق له فلا يجوز تفويته ولان العتق لا ينفك من الولاء وليس من أهله ولان ملك المكاتب ناقص والسيد لا يملك اعتاق ما في يده ولا هبته فلم يصح إذنه فيه ولنا ان الحق لا يخرج عنهما فإذا اتفقا على التبرع به جاز كالراهن والمرتهن وما ذكروه يبطل بالنكاح فانه لا يملكه ولا يملكه السيد عليه وإذا اذن فيه جاز وأما الولاء فانه يكون موقوفا فان عتق المكاتب لان له والا فهو لسيده كما يرق مماليكه من ذوي ارحامه هذا قول القاضي وقال أبو بكر يكون لسيده كان اعتاقه انما صح باذن سيده فكان كنائبه (فصل) قال شيخنا وليس له ان يحج إذا احتاج إلى انفاق ماله فيه وذكر في كتاب الاعتكاف ان له ان يحج بغير إذن سيده لانه كالحر المدين ونقل الميموني عن احمد للمكاتب ان يحج من المال الذي جمعه إذا لم يأت نجمه قال شيخنا وذلك محمول على انه يحج باذن سيده أما بغير إذنه فلا يجوز
لانه تبرع بما ينفق ماله فيه فلم يجز كالعتق فاما ان أمكنه الحج من غير انفاق ماله كالذى يتبرع له انسان باحجاجه أو يخدم من ينفق عليه فيجوز إذا لم يأت نجمه لان هذا يجرى مجرى تركه المكسب وليس ذلك مما يمنع منه (فصل) وليس للمكاتب ان يكاتب الا باذن سيده وهذا قول الحسن والشافعي لان الكتابة نوع اعتاق فلم تجز من المكاتب كالمنجر ولانه لا يملك الاعتاق فلم يملك الكتابة كالماذون واختيار
القاضي جواز الكتابة وهو الذى ذكره أبو الخطاب في رءوس المسائل وهو قول مالك وابي حنيفة والثوري والاوزاعي لانه نوع معاوضة فأشبه البيع وقال أبو بكر هو موقوف كقوله في العتق المنجز فان اذن فيها السيد صحت، وقال الشافعي فيها قولان وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم (مسألة) (وولاء من يعتقه ويكاتبه لسيده) إذا كاتب عبده فعجزا جميعا صارا رقيقين للسيد وان ادى المكاتب الاول ثم أدى الثاني فولاء كل واحد منهما لمكاتبه وإن أدى الاول وعجز الثاني صار رقيقا للاول وان عجز الاول وأدى الثاني فولاؤه للسيد الاول وإن أدى الثاني قبل عتق الاول عتق قال أبو بكر وولاؤه للسيد وهو قول أبي حنيفة لان العتق لا ينفك عن الولاء والولاء لا يوقف لانه سبب يورث به فهو كالنسب
ولان الميراث لا يقف كذلك سببه، وقال القاضي هو موقوف ان أدى عتق والولاء له وإلا فهو للسيد، وهذا أحد قولي الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الولاء لمن اعتق) ولان العبد ليس بملك له ولا يجوز ان يثبت له الولاء على من لم يعتق في ملكه وقولهم لا يجوز ان يقف كما لو يقف النسب والميراث ليس كذلك فان النسب يقف على بلوغ الغلام وانتسابه إذا لم تلحقه القافة باحد الواطئين وكذلك الميراث يوقف على ان الفرق بين النسب والميراث وبين الولاء أن الولاء يجوز أن يقع لشخص ثم ينتقل وهو ما يجره مولى الاب من مولى الام فجاز ان يكون موقوفا والنسب والميراث بخلاف ذلك فان مات المعتق قبل عتق المكاتب وقلنا الولاء للسيد ورثه، وإن قلنا هو موقوف فميراثه أيضا موقوف.
(مسألة) (وليس له ان يبيع نسيئة وان باعا لسلعة باضعاف قيمتها وهذا مذهب الشافعي) لان فيه تغريرا بالمال وهو ممنوع منه لتعلق حق السيد به.
قال القاضي ويتخرج الجواز بناء على المضارب ان له البيع نسيئة في إحدى الروايتين فيخرج ههنا مثله وسواء أخذ ضمينا أو رهينا أو لم يأخذ لان الغرر باق لانه يحتمل ان يتلف الرهن ويفلس الغريم والضمين، ويحتمل ان يجوز مع الرهن والضمين لان الوثيقة قد حصلت به والعوارض نادرة على خلاف الاصل فان باع
باكثر من قيمته حالا وجعل الزيادة مؤجلة جاز لان الزيادة ربح وان اشتري نسيئة جاز لانه لا غرر فيه ولا يجوز ان يدفع به رهنا لان الرهن امانة وقد يتلف أو يجحده الغريم وليس له ان يدفع ماله سلما لانه في معنى البيع نسيئة وله أن يستسلف في ذمته لانه في معني الشراء نسيئة وله أن يقترض لانه ينتفع بالمال وليس له أن يدفع ماله مضاربة لانه يسلمه إلى غيره فيغرر به وفي الرهن والمضاربة وجه آخر انه لا يجوز وله أن ياخذ قراضا لانه من انواع الكسب ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله على ما ذكرنا (مسألة) (ولا يكفر بالمال وعنه له ذلك باذن سيده) إذا لزمت المكاتب كفارة ظاهر أو جماع في رمضان أو قتل أو كفارة يمين لم يكن له التكفير بالمال لانه عبد ولانه في حكم المعسر بدليل أنه لا تلزمه زكاة ولا نفقة قريب وله أخذ الزكاة لحاجته وكفارة العبد والمعسر الصيام وان اذن له سيده في التكفير بالمال جاز لانه بمنزلة التبرع ولان المنع لحقه وقد أذن فيه ولا يلزمه التكفير بالمال وان اذن فيه السيد لان عليه ضررا لما يفضي إليه من تفويت حريته كما أن التبرع لا يلزمه باذن سيده وقال القاضي المكاتب كالعبد القن في التكفير ومتى أذن له سيده في التكفير بالمال انبنى على ملك العبد بالتمليك فان قلنا لا يملك لم يصح تكفيره بغير الصيام سواء أذن فيه أو لم يأذن لانه يكفر بما ليس بمملوك له وإن قلنا يملك بالتمليك صح تكفيره بالاطعام إذا أذن فيه السيد وان أذن
له في تكفير بالعتق فهل يصح؟ على روايتين نذكرهما في تكفير العبد ان شاء الله تعالى قال شيخنا والصحيح أن هذا التفصيل لا يتوجه في المكاتب لانه يملك المال بغير خلاف وانما ملكه ناقص لتعلق حق سيده به فإذا أذن له سيده فيه صح كالتبرع (مسألة) (وهل له أن برهن أو يضارب؟ يحتمل وجهين) (أحدهما) لا يجوز لان في دفع ماله إلى غيره تغريرا به وفي الرهن خطر لانه قد يتلف أو يجحده الغريم وهذا مذهب الشافعي (والثاني) يجوز لانه قد يرى الحظ فيه بدليل أن لولي اليتيم أن يفعله
في مال اليتيم فجاز كاجارته (مسألة) (وليس له شراء ذوي رحمه الا باذن سيده) لانه تصرف يؤدي إلى اتلاف ماله لانه يخرج من ماله ما يجوز التصرف فيه في مقابلة ما لا يجوز له التصرف فيه أشبه الهبة وهذا قول الشافعي وقال القاضي له ذلك وهو قول الثوري واسحاق وأصحاب الرأي لانه اشترى مملوكا لا ضرر على السيد في شرائه فصح كالاجنبي وبيانه انه يأخذ كسبهم وإن عجز صاروا رقيقا لسيده ولانه يصح ان يشتريه غيره فصح شراؤه له كالاجنبي ويفارق الهبة لانها تفوت المال بغير عوض ولا نفع يرجع إلى الكاتب ولاء السيد ولان السبب تحقق وهو صدور التصرف من أهله في محله ولم يتحقق المانع لان ما ذكروه لا نص فيه ولا له أصل يقاس عليه فان أذن
فيه سيده جاز وهو قول مالك لان المنع لحق سيده فجاز باذنه وهو قول بعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم فيه قولان (مسألة) (وله أن يقبلهم إذا وهبوا له أو وصي له بهم) لانه إذا ملك شراءهم مع ما فيه من بذل ماله فلان يجوز بغير عوض اولى وعند من لا يرى جواز شرائهم بغير اذن السيد لا يجوز قبولهم الا إذا لم يكن فيه ضرر بماله كما قالوا في ولي اليتيم إذا وصى لليتيم بمن يعتق عليه (مسألة) (وإذا ملكهم فليس لهم بيعهم ولا هبتهم ولا اخراجهم عن ملكه) وقال أصحاب الرأي له بيع من عدا الوالدين والمولودين لانهم ليست قرابتهم قرابة جزئية ولا بعضية فأشبهوا الاجانب ولنا انه ذو رحم يعتق عليه إذاعته فلا يجوز بيعه كالوالدين والمولودين ولانه لا يملك بيعهم إذا كان حرا فلا يملكه مكاتبا كوالديه (فصل) ولا يعتقون بمجرد ملكه لهم لانه لو باشرهم بالعتق أو أعتق غيرهم لم يقع العتق فلان لا يقع بالشراء الذى اقيم مقامه اولى ومتى أدى وهم في ملكه عتقوا لانه كمل ملكه فيهم وزال تعلق
حق سيده عنهم فعتقوا حينئذ وولاؤهم له دون سيده لانهم عتقوا عليه بعد زوال ملكه سيده عنه
فصاروا بمنزلة ما لو اشتراهم بعد عتقه وان عجز ورد في الرق صاروا عبيدا للسيد لانهم من ماله فيصيرون للسيد بعجزه كعبيده الاجانب وله كسبهم لانهم مماليكه اشبه الاجانب ونفقتهم عليه بحكم الملك لا بحكم القرابة وكذلك الحكم في ولده من امته قياسا عليهم (فصل) فان أعتقهم السيد لم يعتقوا لانه لا يملكهم فلم يملك التصرف فيهم، وان اعتقهم المكاتب بغير إذن سيده لم يعتقوا لتعلق حق سيده بهم وان اعتقهم باذنه عتقوا كما لو اعتق غيرهم من عبيده وان اعتقه سيده عتق وصاروا رقيقا للسيد كما لو عجز لان كتابته تبطل بعتقه كما تبطل بموته وعلى ما اختاره شيخنا يعتقون لانه عتق قبل فسخ الكتابة فوجب ان يعتقوا كما لو عتق بالابراء من مال الكتابة أو بأدائه يحقق هذا ان الكتابة عقد لازم يستفيد بها المكاتب ملك رقيقه واكسابه ويبقى حقه السيد في ملك رقبته على وجه لا يزول الا بالاداء أو ما يقوم مقامه فلا يتسلط السيد على إبطالها فيما يرجع إلى إبطال حق المكاتب وانما يتسلط على إبطال حقه من رقبة المكاتب فينفذ في ماله دون مال الكاتب وقد ذكرنا مثل هذا فيما مضى وان مات المكاتب ولم يخلف وفاء عادوا رقيقا وقال أبو يوسف ومحمد يسعون في الكتابة على نجومها وكذلك ام وولده وقال أبو حنيفة في
الولد خاصة ان جاء بالكتابة حالة قبلت منه وعتق ولنا انه عبد للمكاتب فصار بموته لسيده إذا لم يخلف وفاء كالاجنبي وان خلف وفاء انبنى على الروايتين في فسخ الكتابة على ما تقدم (مسألة) (وولد المكاتبة الذي ولدته في الكتابة يتبعها) تصح كتابة الامة كما تصح كتابة العبد بغير خلاف وقد دل عليه حديث بريرة وحديث جويرة بنت الحارث ولانها داخلة في عموم قوله تعالى (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا) فإذا اتت المكاتبة بولد من غير سيدها من نكاح أو غيره
فهو تابع لها فان عتقت بالاداء أو بالابراء عتق وان فسخت كتابتها وعادت إلى الرق عاد رقيقا قنا وهذا قول شريح ومالك والثوري وابي حنيفة واسحاق وسواء في هذا ما كان حملا حال الكتابة أو حدث بعدها وقال أبو ثور وابن المنذر هو عبد قن لا يتبع امه وللشافعي قولان كالمذهبين واحتجوا بان الكتابة غير لازمة من جهة العبد فلا تسري إلى الولد كالتعليق بالصفة ولنا ان الكتابة سبب ثابت للعتق لا يجوز ابطاله فسرى إلى الولد كالاستيلاد ويفارق التعليق بالصفة فان السيد يملك ابطاله بالبيع إذا ثبت هذا فالكلام في الولد في فصول اربعة في قيمته إذا تلف وفي كسبه وفي نفقته وفي
عتقه، أما قيمته إذا تلف فقال أبو بكر هي لامه تستعين بها على كتابتها لان السيد لا يملك التصرف فيه مع كونه عبدا فلا يستحق قيمته لانه بمنزلة جزء منها ولو جنى على جزء منها كان ارشه لها كذلك ولدها وإذا لم يستحقها هو كانت لامه لان الحق لا يخرج عنهما ولان ولدها لو ملكته بهبة أو شراء فقتل كانت قيمته لها فكذلك إذا تبعها يحققه انه إذا تبعها صار حكمه حكمها فلا يثبت ملك السيد في منافعه ولا في اروش الجناية عليه كما لا يثبت له ذلك فيها وقال الشافعي في أحد قوليه تكون القيمة لسيدها لانها لو قتلت كانت قيمتها لسيدها فكذلك ولدها والفرق بينهما ان الكتابة تبطل بقتلها فيصير مالها لسيدها بخلاف ولدها فان العقد باق بعد قتله فنظير هذا اتلاف بعض أعضائها والحكم في اتلاف بعض أعضائه كالحكم في اتلافه، وأما كسبه وارش الجناية عليه فينبغي ان يكون لامه ايضا لان ولدها جزء منها تابع لها فأشبه بقية أجزائها ولان اداءها لكتابتها سبب لعتقه وحصول الحرية له فينبغي ان يصرف ذلك فيه بمنزلة صرفه إليه إذ في عجزها رقه وفوات كسبه عليه، واما نفقته فعلى امه لانها تابعة لكسبه وكسبه لها ونفقته عليها واما عتقه فانه يعتق بادائها أو ابرائها ويرق بعجزها لانه تابع لها وان ماتت المكاتبة في كتابتها بطلت كتابتها وعاد رقيقا قنا لا ان يخلف وفاء فيكون على الروايتين، وان اعتقها سيدها لم يعتق ولدها لانه انما تبعها في حكم الكتابة وهو العتق بالاداء وما حصل الاداء انما حصل عتقها بأمر لا يتبعها
فيه فأشبه ما لو لم تكن مكاتبة ومقتضى قول أصحابنا الذين قالوا تبطل كتابتها بعتقها ان يعود ولدها رقيقا ومقتضى قول شيخنا أنه يبقى على حكم الكتابة ويعتق بالاداء لان العقد لم يوجد ما يبطله وانما سقط الاداء عنها لحصول الحرية بدونه فإذا لم يكن لها ولد يتبعها في الكتابة ولا في يدها مال يأخذه لم يظهر حكم بقاء العقد ولم يكن في بقائه فائدة فانتفى لانتفاء فائدته وفي مسئلتنا في بقائه فائدة لافضائه إلى عتق ولدها فينبغي أن يبقى ويحتمل أن يعتق باعتاقها لانه جرى مجرى ابرائها من المال والحكم فيما إذا عتقت باستيلاد أو تدبير أو تعليق بصفة كالحكم فيما إذا أعتقها لانها عتقت بغير الكتابة وان اعتق السيد الولد دونها صح عتقه نص عليه احمد في رواية مهنا لانه مملوك له فصح عتقه كامه ولانه لو أعتقه معها صح عتقه ومن صح عتقه مع غيره صح مفردا كسائر مماليكه.
قال القاضي: وقد كان يجب ان لا ينفذ عتقه لان فيه ضررا بامه لتفويت كسبه عليها فانها كانت تسعين به في كتابتها ولعل احمد نفذ عتقه تغليبا للعتق والحصيح أنه يعتق وما ذكره القاضي من الضرر لا يصح لوجوه (أحدها) أن الضرر انما يحصل في حق من له كسب يفضل عن نفقته فاما من لا كسب له فتخليصها من نفقته نفع محض ومن له كسب لا يفضل عن نفقته فلا ضرر في اعتاقه لانه لا يفضل لها من كسبه شئ تنتفع به فكان ينبغي أن يقيد الحكم الذي ذكره بهذا القيد (الثاني) أن النفع بكسبه ليس بواجب لها لانها لا تملك اجباره على الكسب فلم يكن الضرر بفواته معتبرا في حقها
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: