الفقه الحنبلي - الجهاد
(مسألة) (ولا يستعين بمشرك الا عند الحاجة إليه) لما روت عائشة قالت خرج رسول الله (ص) إلى بدر حتى إذا كان بحرة الوبر أدركه رجل من المشركين كان يذكر منه جراءة ونجدة فسر المسلمون به فقال يا
رسول الله جئت لاتبعك وأصيب
معك فقال له رسول الله (ص) (أتؤمن بالله ورسوله؟) قال لا قال (فارجع فانا لا نستعين بمشرك) ثم مضى رسول الله (ص) حتى إذا كان بالبيداء أدركه ذلك الرجل فقال له رسول الله (ص) (أتؤمن بالله ورسوله؟) قال نعم قال (فانطلق) متفق عليه وروى الامام أحمد باسناده عن عبد الرحمن بن حبيب قال أتيت رسول الله (ص) وهو يريد غزوة أنا ورجل من قومي ولم نسلم فقلنا إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم قال (فأسلمتما؟) قلنا لا قال (فانا لا نستعين بالمشركين على المشركين) قال فأسلمنا وشهدنا معه، وهذا اختيار ابن المنذر والجوزجاني في جماعة من أهل العلم وعن أحمد ما يدل على جواز الاستعانة بهم، وكلام الخرقي يدل على جواز الاستعانة بهم عند
الحاجة وهو الذي ذكره شيخنا في هذا الكتاب وبه قال الشافعي لما روى الزهري ان رسول الله (ص) استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم رواه سعيد، وروي ان صفوان بن أمية خرج مع النبي (ص) يوم حنين وهو على شركه فأسهم له وأعطاه من سهم المؤلفة، وذكر الحديث إذا ثبت هذا فيشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين فان كان غير مأمون عليهم لم تجز الاستعانة بهم لاننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من المسلمين كالمخذل والمرجف فالكافر أون
(فصل) ويستحب أن يخرج يوم الخميس لما روى كعب بن مالك قال قلما كان رسول الله [ ص ] يخرج في سفر الا يوم الخميس (مسألة) (ويرفق بهم في المسير فيسير بهم سير أضعفهم لئلا يشق عليهم فان دعت الحاجة إلى الجد في السير جاز) لان النبي [ ص ] جد في السير حين بلغه قول عبد الله بن أبي ليخرجن الاعز منها الاذل ليشغل الناس عن الخوض فيه، ويعدلهم الزاد لانه لابد منه في الغزو وفي غيره وبه قوامهم ويقوي نفوسهم بما يخيل إليهم من أسباب النصر لانه مما يطمعهم في عدوهم، ويعرف عليهم العرفاء وهو أن يكون لكل طائفة من يكون كالمقدم عليهم ينظر في حالهم ويفتقدهم ويعقد لهم الالوية والرايات، ويجعل لكل طائفة لواء لما روى ابن عباس ان أبا سفيان حين أسلم قال النبي (ص) للعباس احبسه على الوادي حتى تمر به جنود الله فيراها قال فحبسته حيث امرني رسول الله [ ص [ ومرت به القبائل على راياتها وهو مخير في ألوانها لكنه يغاير ألوانها ليعرف كل قوم رايتهم ويجعل لكل طائفة شعارا يتداعون به عند الحرب لئلا يقع بعضهم على بعض وهي علامة بينهم يعرفونها، ويتخير لهم من المنازل أصلحها لهم ويتتبع مكانها فيحفظها لئلا يؤتوا منها، ولا يغفل الحرس والطلائع ليحفظهم من البيات، ويبعث العيون على العدو حتى لا يخفى عليه امرهم فيحترز منهم ويتمكن
من الفرصة فيهم، ويمنع جيشه من الفساد والمعاصي ومن التجارة المانعة لهم من القتال، ولان
المعاصي من أسباب الخذلان، ويعد ذا الصبر بالاجر والنفل ترغيبا في الجهاد، ويخفي من أمره ما أمكن اخفاؤه لئلا يعلم به عدوه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورى بغيرها ويشاور ذا الرأي منهم لقول الله تعالى (وشاورهم في الامر) وكان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مشاورة لاصحابه (فصل) وإذا وجد رجل رجلا قد أصيبت فرسه ومعه فرس فضل استحب حمله ولم يجب نص عليه فان خاف تلفه فقال القاضي يجب عليه بذل فضل مركوبه ليحيي به صاحبه كما يلزمه بذل فضل طعامه للمضطر إليه وتخليصه من عدوه، ويصف جيشه لقول الله تعالى (ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) ويجعل في كل جنبة كفؤا لما روى أبو هريرة قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فجعل خالدا على احدى الجنبتين وجعل الزبير على الاخرى وجعل ابا عبيدة على الساقة، ولان ذلك احوط للحرب وأبلغ في إرهاب العدو، ولا يميل مع قريبه وذي مذهبه على غيره لئلا تنكسر قلوبهم فيخذلوه عند الحاجة ويراعي أصحابه ويرزق كل واحد بقدر حاجته (فصل) ويقاتل أهل الكتاب والمجوس حتى يسلموا أو يعطوا الجزية لقول الله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من
الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) والمجوس حكمهم في قبول الجزية منهم حكم أهل الكتاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في هذين القسمين.
فاما من سواهم من الكفار كعبدة الاوثان ونحوهم فلا يقبل منهم إلا الاسلام في ظاهر المذهب وفيه اختلاف يذكر في باب عقد الذمة إن شاء الله تعالى (فصل) ومن بلغته الدعوة من الكفار يجوز قتاله من غير دعاء ومن لم تبلغه الدعوة يدعى قبل القتال، ولا يجوز قتالهم قبل الدعاء لما روى بريدة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرية أو جيش امره بتقوى الله في خاصته وبمن معه من المسلمين، وقال (إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم: ادعهم
إلى الاسلام فان اجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فان هم أبوا فادعهم إلى اعطاء الجزية فان أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فان ابوا فاستعن بالله وقاتلهم) رواه مسلم وهذا والله أعلم كان في بدء الامر قبل انتشار الدعوة وظهور الاسلام فاما اليوم فقد انتشرت الدعوة واستغني بذلك عن الدعاء عند القتال قال احمد ان الدعوة قد بلغت وانتشرت لكن ان جاز أن يكون قوم خلف الروم وخلف الترك بهذه الصفة لم يجز قتالهم قبل الدعوة، ومن بلغته الدعوة يجوز قتالهم قبل ذلك، وان دعاهم فحسن لما ذكرنا من الحديث
وقد روي ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا حين أعطاه الراية يوم خيبر وأمره بقتالهم ان يدعوهم وهم ممن قد بلغته الدعوة رواه البخاري ودعا خالد بن الوليد طليحة حين ادعى النبوة فلم يرجع فأظهره الله عليه ودعا سلمان أهل فارس (مسألة) (ويجوز أن يبذل جعلا لمن يدله على طريق أو قلعة أو ماء ويجب أن يكون معلوما إلا أن يكون من مال الكفار فيجوز أن يكون مجهولا) لا نعلم خلافا في أنه يجوز للامام ونائبه أن يبذل جعلا لمن يدله على ما فيه مصلحة للمسلمين مثل طريق سهل أو ماء في مغازة (مفازة) أو قلعة يفتحها أو مال يأخذه أو عدو يغير عليه أو ثغرة يدخل منها.
لا نعلم في هذا خلافا لانه جعل في مصلحة فجاز كاجرة الدليل، وقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم وابو بكر رضي الله عنه في الهجرة من دلهم على الطريق، ويستحق الجعل بفعل ما جعل له فيه سواء كان مسلما أو كافرا من الجيش أو من غيره، فان جعل له الجعل مما في يده وجب أن يكون معلوما لانها جعالة بعوض من مال معلوم فوجب أن يكون معلوما كالجعالة في رد الآبق، فان كان الجعل من مال الكفار جاز أن يكون مجهولا لا يمنع التسليم ولا يفضي إلى التنازع لان النبي صلى الله عليه وسلم جعل للسرية الثلث والربع مما غنموه وهو مجهول لان الغنيمة كلها مجهولة ولانه مما تدعو الحاجة إليه، والجعالة انما تجوز بحسب الحاجة
(مسألة) (فان شرط له جارية معينة على قلعة يفتحها نحو أن يشرط له بنت فلان من أهل القلعة لم يستحق شيئا حتى يفتح القلعة) لان جعالة شئ منها اقتضت اشتراط فتحها فمتى فتحت القلعة عنوة سلمت إليه فان ماتت قبل الفتح أو بعده فلا شئ له لانه تعلق حقه بمعين وقد تلفت بغير تفريط فسقط حقه كالوديعة، وان أسلمت قبل الفتح فله قيمتها لانها عصمت نفسها باسلامها فتعذر دفعها إليه فاستحق القيمة لان النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح أهل مكة عام الحديبية على ان من جاءه مسلما رده إليهم فجاءه نساء مسلمات فمنعه الله من ردهن وكذلك لو كان الجعل رجلا فأسلم قبل الفتح لانه عصم نفسه فلم يجز دفعه إليه وله قيمته كالجارية وان كان اسلامهما بعد الفتح سلما إليه ان كان مسلما لانهما أسلما بعد أسرهما فصارا رقيقين، وان كان كافرا فله قيمتهما لانه لا يجوز للكفار أن يبتدئ الملك على المسلم وانما لم.
تجب له القيمة إذا ماتا وتجب إذا أسلما لان تسليمهما ممكن إذا أسلما لكن منع الشرع منه (مسألة) (وان فتحت صلحا ولم يشترطوا الجارية فله قيمتها ان رضي بها وإن أبى الا الجارية وأبى صاحب القلعة تسليمها فقال القاضي يفسخ الصلح)
لانه قد تعذر امضاء الصلح لان حق صاحب الجعل سابق ولا يمكن الجمع بينه وبين الصلح ونحو هذا مذهب الشافعي ولصاحب القلعة أن يحصنها مثلما كانت من غير زيادة ويحتمل أن لا يكون له إلا قيمتها ويمضي الصلح لانه تعذر دفعها إليه مع بقائها فدفعت إليه القيمة كما لو أسلمت قبل الفتح قولهم ان حق صاحب الجعل سابق قلنا الا ان المفسدة في فسخ الصلح أعظم لان ضرره يعود على الجيش كله وربما تعدى إلى غيره من المسلمين في كون هذه القلعة يتعذر فتحها بعد ذلك ويبقى ضررها على المسلمين ولا يجوز تحمل هذه المضرة لدفع ضرر يسير عن واحد فان ضرر صاحب الجعل انما هو في فوات عين الجعل وتفاوت ما بين عين الشئ وقيمته يسير لا سيما وهو في حق شخص واحد ومراعاة حق المسلمين بدفع الضرر الكثير عنهم أولى من دفع الضرر اليسير عن واحد منهم أو من غيرهم ولهذا قلنا لمن وجد ماله قبل قسمه انه أحق به فان وجده بعد قسمه لم يأخذه الا بثمن
لئلا يؤدي إلى الضرر بنقض القسمة أو حرمان من وقع ذلك في سهمه (مسألة) وله ان ينفل في البداءة الربع بعد الخمس وفي الرجعة الثلث بعده وذلك أنه إذا دخل الجيش بعث سرية تغير وإذا رجع بعث اخرى فما اتت به اخرج خمسه وأعطى السرية ما جعل لها وقسم الباقي للجيش والسرية معا) النفل الزيادة على السهم المستحق ومنه نفل الصلاة وهو ما زيد على الفرض وقول الله تعالى
(ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة) كأنه سأل الله ولدا فأعطاه ما سأل وزاده الله ولد الولد، والمراد بالبداءة هنا ابتداء دخول دار الحرب والرجعة رجوعه عنها، والنفل في الغزو ينقسم ثلاثة أقسام (أحدها) هذا وهو ان الامام أو نائبه إذا دخل دار الحرب غازيا بعث بين يديه سرية تغير على العد ويجعل لهم الربع بعد الخمس فما قدمت به السرية أخرج خمسه ثم أعطى السرية ما جعل لهم وهو ربع الباقي ثم قسم ما بقي في الجيش والسرية معا فإذا قفل بعث سرية تغير وجعل لهم الثلث بعد الخمس فما قدمت به السرية أخرج خمسه ثم أعطى السرية ثلث ما بقي ثم قسم سائره في الجيش والسرية معه وبهذا قال حبيب بن مسلمة والحسن والاوزاعي وجماعة من أهل العلم وروي عن عمرو بن شعيب انه لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعله احتج بقوله تعالى (قل الانفال لله والرسول) فخصه بها، وكان ابن المسيب ومالك يقولان: لا نفل إلا من الخمس.
وقال الشافعي يخرج من خمس الخمس لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر فغنموا إبلا كثيرا فكانت سهمانهم اثني عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا متفق عليه.
ولو أعطاهم من أربعة أخماس الغنيمة التي هي لهم لم يكن نفلا وكان من سهمانهم ولنا ما روى حبيب بن مسلمة الفهري قال شهدت رسول الله (ص) نفل الربع في البداءة والثلث
في الرجعة، وفي لفظ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل الربع بعد الخمس والثلث بعد الخمس إذا قفل.
رواهما أبو داود
وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البداءة الربع وفي القفول الثلث، رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب، وروى الاثرم باسناده عن جرير بن عبد الله البجلي أنه لما قدم على عمر في قومه قال له عمر هل لك أن تأتي الكوفة ولك الثلث بعد الخمس من كل أرض وشئ؟ فأما قول عمرو بن شعيب فان مكحولا قال له حين قال لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر له حديث حبيب بن سلمة: شغلك أكل الزبيب بالطائف، وما ثبت للنبي صلى الله عليه وسلم ثبت للائمة بعده ما لم يقم على تخصيصه به دليل وأما حديث ابن عمر فهو حجة عليهم فان بعيرا على اثني عشر يكون جزءا من ثلاثة عشر، وخمس الخمس جزء من خمسة وعشرين جزءا وجزء من ثلاثة عشر أكثر فلا يتصور أخذ الشئ من أقل منه فيتعين أن يكون من غيره أو ان النفل كان للسرية دون سائر الجيش، على ان ما رويناه صريح في الحكم ولا يعارض بشئ مستنبط يحتمل غير ما حمله عليه من استنبطه إذا ثبت هذا فظاهر كلام احمد انهم انما يستحقون هذا بالشرط السابق فان لم يكن شرطه لهم
فلا، قيل له أليس قد نفل النبي صلى الله عليه وسلم في البداءة الربع وفي الرجعة الثلث؟ قال نعم ذاك إذا نفل وتقدم القول فيه، فعلى هذا إن رأى الامام أن لا ينفلهم فله ذلك، وان رأى أن ينفلهم دون الثلث والربع فله ذلك لانه إذا جاز ترك النفل كله جاز ترك البعض ولا يجوز أن ينفل اكثر من الثلث نص عليه أحمد وهذا قول مكحول والاوزاعي وجمهور العلماء، وقال الشافعي لا حد للنفل بل هو موكول إلى اجتهاد الامام لان النبي (ص) نفل مرة الثلث ومرة الربع، وفي حديث ابن عمر نفل نصف السدس فهذا يدل على انه ليس للنفل حد لا يتجاوزه الامام فينبغي أن يكون موكولا إلى اجتهاده ولنا ان نفل النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى الثلث فينبغي أن لا يتجاوزه، وما ذكره الشافعي يدل على انه ليس لاقل النفل حد وانه يجوز ان ينفل أقل من الثلث والربع ونحن نقول به، على أن هذا القول مع قوله ان النفل من خمس الخمس تناقض، فان شرط لهم الامام زيادة على الثلث ردوا إليه
وقال الاوزاعي لا ينبغي أن يشترط النصف فان زادهم على ذلك فليف لهم به ويجعل ذلك من الخمس وإنما زيد في الرجعة على البداءة في النفل لمشقتها فان الجيش في البداءة ردء للسرية تابع لها والعدو خائف وربما كان غارا وفي الرجعة لا ردء للسرية لان الجيش منصرف عنهم والعدو مستيقظ كلب قال أحمد في البداءة إذا كان ذاهبا الربع في القفلة إذا كان في الرجوع الثلث لانهم يشتاقون إلى أهليهم فهنا (فهذا) أكثر
(القسم الثاني) ان ينفل الامام بعض الجيش لغنائه وبأسه وبلائه أو لمكروه تحمله دون سائر الجيش قال أحمد في الرجل يأمره الامير يكون طليعة أو عنده يدفع إليه رأسا من السبي أو دابة قال إذا كان رجل له غناء أو يقاتل فلا بأس ذلك أنفع لهم يحرض هو وغيره ويقاتلون ويغنمون وقال إذا نفذ الامام صبيحة المغار الخيل فيصيب بعضهم وبعضهم لا يأتي بشئ فللوالي ان يخص بعض هؤلاء الذين جاءوا بشئ دون هؤلاء وظاهر هذا ان له إعطاء من هذا حاله من غير شرط وحجة هذا حديث سلمة بن الاكوع أنه قال غار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعتهم فذكر الحديث فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم الفارس والراجل رواه مسلم وعنه ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر قال فبيتنا عدونا فقتلت ليلتئذ تسعة أهل ابيات وأخذت منهم امرأة فنفلنيها أبو بكر فلما قدمت المدينة استوهبنيها النبي صلى الله عليه وسلم فوهبتها له رواه مسلم (القسم الثالث) ان يقول الامير من طلع هذا الحصن أو هدم هذا السور أو نقب هذا النقب أو فعل كذا فله كذا أو من جاء باسير فله كذا فهذا جائز في قول أكثر أهل العلم منهم الثوري قال أحمد إذا قال من جاء بعشر دواب أو بقر أو غنم فله واحد فمن جاء بخمسة أعطاه نصف ما قال لهم ومن جاء بشئ أعطاه بقدره قيل له إذا قال من جاء بعلج فله كذا وكذى فجاء بعلج يطيب له ما يعطى؟ قال نعم وكره مالك هذا القسم ولم يره وقال قتالهم على هذا الوجه إنما هو للدنيا وقال هو وأصحابه
لا نفل إلا بعد إحراز الغنيمة وقال مالك: ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا فله سلبه) إلا
بعد أن برد القتال ولنا ما تقدم من حديث حبيب وعبادة وما شرطه عمر لجرير بن عبد الله وقول النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا فله سلبه) ولان فيه تحريضا على القتال فجاز كاستحقاق الغنيمة وزيادة السهم للفارس واستحقاق السلب وما ذكره يبطل بهذه المسائل، وقوله ان النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل السلب للقاتل بعد ان برد القتال قلنا قوله ذلك ثابت الحكم فيما يأتي من الغزوات بعد قوله فهو بالنسبة إليها كالمشروط في أول الغزاة، قال القاضي لا يجوز هذا إلا إذا كان فيه مصلحة للمسلمين فان لم تكن فيه فائدة لم يجز لانه إنما يخرج على وجه المصلحة فاعتبرت الحاجة فيه كاجرة الحمال والحافظ.
إذا ثبت هذا فان النفل لا يختص بنوع من المال وذكر الخلال أنه لا نفل في الدراهم والدنانير وهو قول الاوزاعي لان القاتل لا يستحق شيئا منها فكذلك غيره لنا حديث حبيب بن مسلمة وعبادة فان النبي صلى الله عليه وسلم جعل لهم الثلث والربع وهو عام في كل ما غنمره ولانه نوع مال فجاز النفل فيه كسائر الاموال وأما القاتل فانما نفل السلب وليست الدراهم والدنانير من السلب فلم يستحق غير ما جعل له (فصل) نقل أبو داود عن أحمد أنه قال له: إذا قال من رجع إلى الساقة فله دينار والرجل
يعمل في سياقة الغنم قال لم يزل أهل الشام يفعلون هذا وقد يكون في رجوعهم إلى الساقة وسياقة الغنم منفعة، قيل له فان اغار على قرية فنزل فيها والسبي والدواب والخرثي معهم في القرية ويمنع الناس من جمعه الكسل لا يخافون عليه العدو فيقول الامام من جاء بعشرة أثواب فله ثوب ومن جاء بعشرة رؤوس فله رأس قال أرجو ان لا يكون به بأس، قيل له فان قيل من جاء بعدل من دقيق الروم فله دينار يريده لطعام السبي ما ترى في أخذ الدينار؟ فما رأى به بأسا، قيل فالامام يخرج السرية وقد نفلهم جميعا فلما كان يوم المغار نادى من جاء بعشرة رؤوس فله رأس ومن جاء بكذا فله كذا فذهب الناس فطلبوا فما ترى في هذا النفل؟ قال لا بأس به إذا كان يحرضهم على ذلك ما لم يستغرق الثلث قلت لا بأس بنفلين في شئ واحد قال نعم ما لم يستغرق الثلث سمعته غير مرة يقول ذلك
(فصل) قال أحمد والنفل من أربعة اخماس الغنيمة، هذا قول أنس بن مالك وفقهاء الشام منهم رجاء بن حيوة وعبادة بن نسي وعدي بن عدي ومكحول والقاسم بن عبد الرحمن ويزيد بن أبي مالك ويحيى بن جابر والاوزاعي وبه قال اسحاق وأبو عبيد قال أبو عبيد والناس اليوم على هذا، قال أحمد وكان سعيد بن المسيب ومالك بن أنس يقولان لا نفل الا من الخمس فكيف خفي عنهما هذا مع علمهما؟ وقال النخعي وطائفة ان شاء الامام نفلهم قبل الخمس وان شاء بعده وقال أبو ثور إنما النفل قبل الخمس واحتج من ذهب إلى هذا بحديث ابن عمر الذي أوردناه
ولنا ماروى معن بن يزيد السلمى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا نفل الا بعد الخمس) رواه أبو داود وابن عبد البر وهذا صريح وحديث حبيب بن أبي مسلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل الربع بعد الخمس والثلث بعد الخمس وحديث جرير حين قال له عمر لك الثلث بعد الخمس ولان النبي صلى الله عليه وسلم نفل الثلث ولا يتصور إخراجه من الخمس ولان الله تعالى قال (واعلموا أنما غنمتم من شئ فان لله خمسه) يقتضي ان يكون الخمس خارجا من الغنيمة كلها وأما حديث ابن عمر فقد رواه شعيب عن نافع عن ابن عمر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش قبل نجد وابتعث سرية من الجيش فكان سهمهمان الجيش اثني عشر بعيرا ونفل أهل السرية بعيرا بعيرا فكانت سهمانهم ثلاثة عشر بعيرا فهذا يمكن ان يكون نفلهم من أربعة أخماس الغنيمة دون بقية الجيش كما يفعل السرايا ويتعين حمل هذا الخبر على هذا لانه لو أعطى جميع الجيش لم يكن ذلك نفلا وكان قد قسم لهم أكثر من أربعة الاخماس وخو خلاف الآية والاخبار (فصل) وكلام أحمد في ان النفل من أربعة الاخماس عام لعموم الخبر فيه ويحتمل أن يحمل على
القسمين الاولين من النفل، فأما القسم الثالث وهو أن يقول من جاء بشئ فله كذا أو من جاء بعشرة رؤوس فله رأس منها فيحتمل ان يستحق ذلك من الغنيمة كلها لانه ينزل منزلة الجعل فأشبه السلب فانه غير مخموس ويحتمل في القسم الثاني وهو زيادة بعض الغانمين على سهمه أن يكون
من خمس الخمس المعد للمصالح لان عطية هذا من المصالح والمذهب الاول لان عطية سلمة بن الاكوع سهم الفارس زيادة على سهمه انما كان من أربعة الاخماس (فصل) قال الخرقي ويرد من نفل على من معه في السرية إذ بقوتهم صار إليه ومعناه إذا بعث سرية ونفلها الثلث أو الربع فخص به بعضهم أو جاء بعضهم بشئ فنفله ولم يأت بعضهم بشئ فلم ينفله شارك من نفل من لم ينفل، وقد نص أحمد على هذا لان هؤلاء انما أخذوا بقوة هؤلاء ولانهم استحقوا النفل على وجه الاشاعة بينهم بالشرط السابق فلم يختص به واحد منهم كالغنيمة، فأما النفل في القسمين الاخيرين مثل أن يخص بعض الجيش بنفل لغنائه أو يجعله له كقوله من جاء بعشر رؤوس فله رأس فجاء واحد بعشرة دون سائر الجيش فيختص بنفله دون غيره لان النبي صلى الله عليه وسلم لما خص من قتل بسلب قتيله اختص به ولما خص سلمة بن الاكوع بسهم الفارس والراجل اختص به ولذلك اختص بالمرأة التي نفلها إياه أبو بكر دون الناس ولان هذا جعل تحريضا على القتال وحثا على فعل ما يحتاج المسلمون إليه لتحمل فاعله كلفة فعله رغبة فيما جعل له فلو لم يختص به فاعله ما خاطر أحد بنفسه فيه ولا حصلت مصلحة النفل فوجب أن يختص الفاعل لذلك بنفله كثواب الآخرة
(فصل) قال رضي الله عنه ويلزم الجيش طاعة الامير والنصح له والصبر معه لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني) رواه النسائي.
(مسألة) (ولا يجوز لاحد أن يتعلف ولا يحتطب ولا يبارز ولا يخرج من العسكر ولا تحدث حدثا إلا باذن الامير) يعني لا يحرج لتعلف وهو تحصيل العلف ولا احتطاب ولا غيره إلا باذن الامير لقول الله تعالى (انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه) ولان الامير أعرف بحال الناس وحال العدو ومكامنهم وقربهم وبعدهم فإذا خرج أحد بغير اذنه
لم يأمن أن يصادف كمينا للعدو أو طليعة لهم فيأخذوه أو يرحل الامير ويدعه فيهلك فإذا كان باذن الامير لم يأذن لهم إلا إلى مكان آمن وربما يبعث معهم من الجيش من يحرسهم (فصل) فأما المبارزة فتجوز باذن الامير في قول عامة أهل العلم إلا الحسن فانه كرهها.
ولنا ان حمزة وعليا وعبيدة بن الحارث بارزوا يوم بدر باذن النبي صلى الله عليه وسلم وبارز علي عمرو بن عبدود في غزوة الخندق وبارز مرحبا يوم خيبر وقيل بارزه محمد بن مسلمة وبارز البراء بن مالك مرزبان المرازبه فقتله
وأخذ سلبه فبلغ ثلاثين ألفا، وروي عنه انه قال قتلت تسعة وتسعين رئيسا من المشركين مبارزة سوى من شاركت فيهم ولم يزل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبارزون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده لم ينكره منكر فكان اجماعا وكان أبو ذر يقسم ان قوله تعالى (هذان خصمان اختصموا في ربهم) نزلت في الذين تبارزوا يوم بدر وهم حمزة وعلي وعبيدة، بارزوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة رواه البخاري.
إذا ثبت هذا فانه ينبغي أن يستأذن الامير في المبارزة إذا امكن وبه قال الثوري وإسحاق ورخص فيها مالك والشافعي وابن المنذر لان أبا قتادة قال بارزت رجلا يوم حنين وقتلته ولم يعلم انه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك اكثر من حكينا عنهم المبارزة لم نعلم منهم استئذانا ولنا ان الامام اعلم بفرسانه وفرسان عدوه، ومتى برز الانسان لمن لا يطيقه كان معرضا نفسه للهلاك فتنكسر قلوب المسلمين فينبغي ان يفوض ذلك إلى الامام ليختار للمبارزة من يرضاه لها فيكون اقرب إلى الظفر وجبر قلوب المسلمين وكسر قلوب الكافرين، فان قيل فقد ابحتم له ان ينغمس في الكفار وهو سبب قتله قلنا إذا كان مبارزا تعلقت قلوب الجيش به وارتقبوا ظفره، فان ظفر جبر قلوبهم وسرهم وكسر قلوب الكافرين وان قتل كان بالعكس والمنغمس يطلب الشهادة لا يترقب منه ظفره ولا مقاومته
فافترقا وأمبارزة (وأما مبارزة) أبي قتادة فغير لازمة فانها كانت بعد التحام الحرب رأى رجلا يريد أن يقتل مسلما فضربه ابو قتادة فالتفت إلى أبي قتادة فضمه ضمة كاد يقتله وليس هذا هو المبارزة المختلف فيها بل المبارزة المختلف فيها ان يبرز رجل بين الصفين قبل التحام الحرب يدعو إلى المبارزة فهذا هو الذي
يتعين له اذن الامام لان أعين الطائفتين تمتد اليهما وقلوب الفريقين تتعلق بهما بخلاف غير ذلك.
(مسألة) (فان دعى كافر إلى البراز استحب لمن يعلم من نفسه القوة والشجاعة أن يبارزه باذن الامير).
المبارزة تنقسم ثلاثة أقسام مستحبة ومباحة ومكروهة (فالمستحبة) إذا خرج كافر يطلب البراز فيستحب لمن يعلم من نفسه القوة والشجاعة أن يبارزه باذن الامير، لان فيه ردا عن المسلمين وإظهارا لقوتهم (والمباحة) أن يبتدئ الرجل الشجاع فيطلبها فتباح ولا تستحب لانه لا حاجة إليها ولا يؤمن ان يغلب فيكسر فلوب المسلمين الا أنه لما كان شجاعا واثقا من نفسه أبيحت له لانه بحكم الظاهر غالب، (والمكروهة) أن يبرز الضعيف البنية الذي لا يثق من نفسه فتكره له المبارزة لما فيه من كسر قلوب المسلمين بقتله ظاهرا.
(مسألة) (فان شرط الكافر ان لا يقاتله غير الخارج إليه فله شرطه) إذا خرج كافر يطلب البراز فشرط ان لا يعين الذي يبارزه غيره فله شرطه لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اوفوا بالعقود) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمنون عند شروطهم) ويجوز رميه وقتله قبل المبارزة لانه كافر لاعهد له ولا امان فأبيح قتله كغيره الا أن تكون العادة جارية بينهم أن من خرج يطلب المبارزة لا يعرض له فيجري ذلك مجرى الشرط.
(مسألة) (فان انهزم المسلم أو اثخن بالجراح جاز الدفع عنه) إذا انهزم المسلم تاركا للقتال أو مثخنا بالجراح جاز لكل أحد قتال الكافر لان المسلم إذا صار إلى هذه الحال فقد انقضى قتاله والامان انما كان حال القتال وقد زال وان كان المسلم شرط عليه ان لا يقاتل حتى يرجع إلى صفه وفي له بالشرط الا أن يترك قتاله أو يثخنه بالجراح فيتبعه ليقتله أو يجهز عليه فيجوز ان يحولوا بينه وبينه، وان قاتلهم قاتلوه لانه إذا منعهم انقاذه فقد نقض أمانه وان أعان الكفار صاحبهم فعلى المسلمين أن يعينوا صاحبهم ويقاتلوا من أعان عليه ولا يقاتلون المبارز لانه ليس بسبب من جهته فان كان قد استنجدهم أو علم منه الرضا بفعلهم انتقض امانه وجاز قتله وذكر
الاوزاعي أنه ليس للمسلمين معاونة صاحبهم وان أثخن بالجراح قيل له فخاف المسلمون على صاحبهم قال وان، لان المبارزة انما تكون هكذا ولكن لو حجزوا بينهما وخلوا سبيل العلج قال فان أعان العدو صاحبهم فلا بأس ان يعين المسلمون صاحبهم ولنا أن حمزة وعليا أعانا عبيدة بن الحارث على قتل شيبة بن ربيعة حين ثخن عبيدة.
(فصل) وتجوز الخدعة في الحرب للمبارز وغيره، لان النبي صلى الله عليه وسلم قال (الحرب خدعة وهو حديث حسن صحيح، وروي ان عمرو بن عبدود لما بارز عليا رضي الله عنه قال علي ما برزت لا قاتل اثنين فالتفت عمرو فوثب عليه فضربه فقال عمرو خدعتني فقال الحرب خدعة.
(فصل قال أحمد وإذا غزوا في البحر فأراد رجل ان يقيم بالساحل يستأذن الوالي الذي هو على جميع المراكب ولا يكفيه أن يستأذن الوالي الذي في مركبه.
(مسألة) (وان قتله المسلم فله سلبه).
اما استحقاق سلب القتيل في الجملة فلا نعلم فيه خلافا وقد دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم من قتل كافرا فله سلبه، رواه جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم منهم انس وسمرة بن جندب وغيرهما، وروي ابو قتادة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين فلما التقينا رأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه ضربة فأدركه الموت ثم إن الناس رجعوا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه) قال فقمت فقلت من يشهد لي؟ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (مالك يا أبا قتادة، فاقتصصت عليه القصة فقال رجل من القوم صدق يا رسول سلب ذلك القتيل عندي فارضه منه فقال أبو بكر الصديق لاها الله إذا تعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسول الله يعطيك سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صدق فأسلمه إليه) قال فأعطانيه متفق عليه، وعن أنس قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين (من قتل قتيلا فله سلبه) فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا
فأخذ اسلابهم، رواه ابو داود.
(مسألة) (وكل من قتل قتيلا فله سلبه غير مخموس إذا قتله حال الحرب منهمكا على القتال غير مثخن وغرر بنفسه في قتله وعنه لا يستحقه إلا من شرط له).
الكلام في هذه المسألة في فصول (إحداها) في أن القاتل يستحق السلب وقد ذكرناه (الثاني) ان السلب لكل قاتل يستحق السهم أو الرضخ كالعبد والمرأة والصبي والمشرك وقال ابن أبي موسى من بارز بغير إذن الامام لم يستحق السلب ذكره في الارشاد وروي عن ابن عمر أن العبد إذا بارز باذن مولاه لم يستحق السلب ويرضخ له منه وللشافعي فيمن لا سهم له قولان (احدهما) لا يستحق السلب لان السهم آكد منه للاجماع عليه فإذا لم يستحقه فالسلب أولى ولنا عموم الخبر ولانه قاتل من أهل الغنيمة فاستحق السلب كذي السهم ولان الامير لو جعل جعلا لمن منع شيئا فيه نفع للمسلمين لاستحقه فاعله من هؤلاء فالذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم أولى وفارق السهم لانه علق على المظنة ولهذا يستحق بالحضور ويستوي فيه الفاعل وغيره والسلب يستحق بحقيقة الفعل وقد وجد منه ذلك فاستحقه كالمجعول له جعلا على فعل إذا فعله فان كان القاتل ممن لا يستحق سهما ولا رضخا كالمرجف والمخذل والمعين على المسلمين لم يستحق السلب وان قل وهو قول الشافعي لانه
ليس من أهل الجهاد وكذلك ان بارز العبد بغير إذن مولاه لا يستحق السلب لانه عاص وكذلك كل عاص مثل من دخل بغير إذن الامير وعن أحمد فيمن دخل بغير إذن انه يؤخذ منه الخمس وباقيه له كالغنيمة ويخرج مثل ذلك في العبد المبارز بغير إذن سيده ويحتمل ان يكون سلب قتيل العبد له على كل حال لان ما كان له فهو لسيد ففي حرمانه حرمان سيده ولم يعص (الفصل الثالث) السلب للقاتل في كل حال إلا ان ينهزم العدو وبه قال الشافعي وأبو ثور وداود وابن المنذر وقال مسروق إذا التقى الزحفان فلا سلب له انما النفل قبل وبعد ونحوه قول نافع وكذلك قال الاوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وأبو بكر بن أبي مريم: السلب للقاتل ما لم تمتد الصفوف بعضها إلى بعض فإذا كان كذلك فلا سلب لاحد
ولنا عموم قوله عليه السلام من قتل قتيلا فله سلبه ولان أبا قتادة انما قتل الذي أخذ سلبه في حال التقاء الزحفين الا تراه يقول فلما التقينا رأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين؟ وكذلك قول أنس قتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ اسلابهم وكان ذلك بعد التقاء الزحفين لان هوازن لقوا المسلمين فجأة فالحموا الحرب قبل تقدم مبارزة
(الفصل الرابع) انه انما يستحق السلب بشروط اربعة [ أحدها ] ان يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم فأما ان قتل امرأة أو صبيا أو شيخا فاينا أو ضعيفا مهينا ونحوهم ممن لا يقاتل لم يستحق سلبه لا نعلم فيه خلافا وان كان أحد هؤلاء يقاتل استحق قاتله سلبه لجواز قتله ومن قتل أسيرا له أو لغيره لم يستحق سلبه لذلك [ الثاني ] ان يكون المقتول فيه منعة غير مثخن بالجراح فان كان مثخنا فليس لقاتله شئ من سلبه وبهذا قال مكحول وجرير بن عثمان والشافعي لان معاذ بن عمرو بن الجموح أثبت ابا جهل وذفف عليه ابن مسعود فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ولم يعط ابن مسعود شيئا [ الثالث ] أن يقتله أو يثخنه بالجراح فيعجله في حكم المقتول فيستحق سلبه لحديث معاذ ابن عمرو بن الجموح [ الرابع ] ان يغرر بنفسه في قتله فان رماه بسهم من صف المسلمين فقتله فلا سلب له قال أحمد السلب للقاتل انما هو في المبارزة لا يكون في الهزيمة وان حمل جماعة من المسلمين على واحد فقتلوه فسلبه غنيمة لانهم لم يغرروا بانفسهم في قتله (فصل) وانما يستحق السلب إذا قتله حال الحرب فان انهزم الكفار كلهم فادرك انسانا منهزما
فقتله فلا سلب له لانه لم يغرر في قتله، وان كانت الحرب قائمة فانهزم أحدهم فقتله انسان فله سلبه لان الحرب كروفر وقد قتل سلمة بن الاكوع طليعة للكفار وهو منهزم وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من
قتله؟) قالوا ابن الاكوع قال (له سلبه أجمع) وبهذا قال الشافعي وقال أبو ثور وداود وابن المنذر السلب لكل قاتل لعموم الخبر واحتجاجا بحديث سلمة هذا ولنا ان ابن مسعود ذفف على أبي جهل فلم يعطه النبي صلى الله عليه وسلم سلبه وأمر بقتل عقبه بن أبي معيط والنضر ابن الحارث صبرا ولم يعط سلبهما من قتلهما وقتل بني قريظة صبرا فلم يعط من قتلهم اسلابهم وانما أعطي السلب من قتل مبارزا وكفى المسلمين شره وغرر في قتله والمنهزم بعد انقضاء الحرب قد كفى المسلمين شر نفسه ولم يغرر قاتله بنفسه في قتله فهو كالاسير وأما الذي قتله سلمة فكان متحيزا إلى فئة وكذلك من قتل حال قيام الحرب فانه وان كان منهزما فهو متحيز إلى فئة وراجع إلى القتال فأشبه الكار فان القتال كر وفر.
إذا ثبت هذا فانه لا يشترط في استحقاق السلب ان تكون المبارزة باذن الامير لان كل من قضي له بالسلب في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيهم من نقل الينا انه أذن له في المبارزة مع ان عموم الخبر يقتضي استحقاق السلب لكل قاتل الا من خصه الدليل (الفصل الخامس) ان السلب لا يخمس روي ذلك عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وبه قال الشافعي وابن المنذر وقال ابن عباس يخمس وبه قال الاوزاعي ومكحول لعموم قوله تعالى (واعلموا
أنما غنمتم من شئ فان لله خمسه) وقال اسحاق ان استكثر الامام السلب خمسه وذلك إليه لما روى ابن سيرين ان البراء ابن مالك بارز مرزبان المرازبة بالبحرين فطعنه فدق صلبه وأخذ سواريه وسلبه، فلما صلى عمر الظهر أتى أبا طلحة في داره فقال إنا كنا لا نخمس السلب وان سلب البراء قد بلغ مالا وأنا خامسه، فكان أول سلب خمس في الاسلام سلب البراء.
رواه سعيد في السنن وفيها ان سلب البراء بلغ ثلاثين ألفا ولنا ماروى عوف بن مالك وخالد بن الوليد أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في السلب للقاتل ولم يخمس السلب.
رواه أبو داود، وخبر عمر حجة لنا فانه قال إنا كنا لا نخمس السلب وقول الراوي كان أول سلب خمس في الاسلام يعني ان النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر صدرا من خلافته لم يخمسوا سلبا واتباعهم أولى، قال الجوزجاني: لا أظنه يجوز لاحد في شئ سبق فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ
الا اتباعه ولا حجة في قول احد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ذكرناه يصلح ان يخصص به عموم الآية إذا ثبت هذا فان السلب من أصل الغنيمة، وقال مالك يحسب من خمس الخمس ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى به للقاتل مطلقا ولم ينقل عنه انه احتسب به من خمس الخمس، ولانه لو احتسب به من خمس الخمس احتيج إلى معرفة قيمته وقدره ولم ينقل ذلك، ولان سببه لا يفتقر إلى اجتهاد الامام فلم يكن من خمس الخمس كسهم الراجل والفارس
(الفصل السادس) ان القاتل يستحق السلب قال الامام ذلك أو لم يقله وبه قال الاوزاعي والليث والشافعي واسحاق وأبو عبيد وابو ثور وقال ابو حنيفة والثوري لا يستحقه الا ان يشرطه الامام وكذلك قال مالك ولم ير أن يقول الامام ذلك إلا بعد انقضاء الحرب على ما تقدم من مذهبه في النفل وجعلوا السلب ههنا من جملة الانفال، وقد روي عن احمد مثل قولهم وهو اختيار ابي بكر لما روى عوف بن مالك ان مدديا تبعهم فقتل علجا فأخذ خالد بعض سلبه وأعطاه بعضه فذكر ذلك لرسول الله (ص) فقال (لا تعطه يا خالد) رواه سعيد وأبو داود بمعناه بأطول من هذا وروينا باسنادهما عن شبر بن علقمة قال بارزت رجلا يوم القادسية فقتلته وأخذت سلبه فأتيت به سعدا فخطب سعد أصحابه وقال ان هذا سلب شبر خير من اثني عشر الفا وانا قد نفلناه اياه ولو كان حقا لم يحتج أن ينفله ولان عمر أخذ الخمس من سلب البراء ولو كان حقا له لم يجز أن ياخذ منه شيئا ولان النبي (ص) دفع سلب ابي قتادة إليه من غير بينة ولا يمين ولنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا فله سلبه) وهذا من قضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهورة التي عمل بها الخلفاء بعده، وأخبارهم التي احتجوا بها تدل على ذلك فان عوف بن مالك احتج على خالد حين اخذ بعض سلب المددي فقال له عوف أما تعلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال
بلى، وقول عمر إنا كنا لا نخمس السلب يدل على ان هذه قضية عامة في كل غزوة وحكم مستمر
لكل قاتل وانما امر النبي صلى الله عليه وسلم خالدا ان لا يرد على المددي عقوبة حين اغضبه عوف بتقريعه خالدا بين يديه وقوله قد أنجزت لك ما ذكرت لك من امر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما خبر شبر فانما أنفذ له سعد ما قضى له به رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه نفلا لانه في الحقيقة نفل لانه زيادة على سهمه، وأما ابو قتادة فان خصمه اعترف له به وصدقه فجرى مجرى البينة ولان السلب مأخوذ من الغنيمة بغير تقدير الامام واجتهاده فلم يفتقر إلى شرطه كالسهم إذا ثبت هذا فان احمد قال لا يعجبني ان يأخذ السلب الا باذن الامام وهو قول الاوزاعي، وقال ابن المنذر والشافعي له اخذه بغير اذن لانه استحقه بجعل النبي صلى الله عليه وسلم له ذلك ولا يأمن ان اظهره عليه ان لا يعطاه ووجه قول احمد انه فعل مجتهد فيه فلم ينفذ امره فيه الا باذن الامام كأخذ سهمه، ويحتمل ان يكون هذا من حمد على سبيل الاستحباب ليخرج من الخلاف لا على سبيل الايجاب، فعلى هذا ان اخذه بغير اذن ترك الفضيلة وله ما اخذه (مسألة) (وان قطع أربعته وقتله آخر فسلبه للقاطع دون القاتل) لان القاطع هو الذي كفى المسلمين شره ولان معاذ بن عمرو بن الجموح أثبت أبا جهل وذفف عليه ابن مسعود فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ
(مسألة) (وان قتله اثنان فسلبه غنيمة) هذا ظاهر كلام أحمد فانه قال في رواية حرب له السلب إذا انفرد بقتله.
وقال القاضي انهما يشتركان في سلبه لقوله (من قتل قتيلا فله سلبه) وهو يتناول الاثنين، ولانهما اشتركا في السبب فاشتركا في السلب ولنا ان السلب انما يستحق بالتغرير في قتله ولا يحصل ذلك بقتل الاثنين أشبه مالو قتله جماعة ولم يبلغنا ان النبي صلى الله عليه وسلم شرك بين اثنين في سلب، فان اشترك اثنان في ضربه وكان احدهما أبلغ في قتله من الآخر فالسلب له لان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء ضربا أبا جهل وأتيا النبي
صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال (كلاكما قتله) وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح (مسألة) (وان أسره وقتله الامام فسلبه غنيمة) إذا أسر رجلا لم يستحق سلبه سواء قتله الامام أو لم يقتله، وقال مكحول: لا يكون السلب إلا لمن أسر علجا أو قتله وقال القاضي إذا اسر رجلا فقتله الامام صبرا فسلبه لمن اسره لان الاسر أصعب من القتل فإذا استحق سلبه بالقتل كان تنبيها على استحقاقه بالاسر قال وان استبقاه الامام كان له فداؤه أو رقبته وسلبه لانه كفى المسلمين شره ولنا ان المسلمين أسروا اسرى يوم بدر فقتل النبي صلى الله عليه وسلم عقبة والنضر بن الحارث
واستبقى سائرهم فلم يعط من أسرهم اسلابهم ولا فداءهم وكان فداؤهم غنيمة ولان النبي صلى الله عليه وسلم أنما جعل السلب للقاتل وليس الاسر بقتل ولان الامام مخير في الاسرى ولو كان لمن اسره كان امره إليه دون الامام (مسألة) (وان قطع يده ورجله وقتله آخر فسلبه غنيمة وقيل هو للقاتل) إذا قطع يده ورجله وقتله آخر فالسلب للقاطع في أحد الوجهين لانه عطله فأشبه الذي قتله (والثاني) هو غنيمة لانه لم ينفرد احدهما بقتله ولا يستحقه القاتل لانه مثخن بالجراح وقيل هو للقاتل لعموم الخبر وكذلك ان قطع يديه أو رجليه وان قطع احدى يديه أو احدى رجليه ثم قتله آخر احتمل أن يكون سلبه غنيمية لانهما اشتركا في قتله فلم ينفرد به احدهما واحتمل انه للقاتل لانه قتل من لم يكتف المسلمون شره وان عانق رجلا فقتله آخر فالسلب للقاتل وبهذا قال الشافعي وقال الاوزاعي هو للمعانق ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا فله سلبه) ولانه كفى المسلمين شره اشبه ما لو لم يعانقه الآخر وكذلك لو كان الكافر مقبلا على رجل يقاتله فجاء آخر من ورائه فضربه فقتله فسلبه لقاتله بدليل قصة قتيل أبي قتادة
(فصل) ولا تقبل دعوى القتل الا ببينة وقال الاوزاعي يعطي السلب إذا قال انا قتلته ولا يسأل بينة لان النبي صلى الله عليه وسلم قبل قول أبي قتادة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه) متفق عليه وأما أبو قتادة فان خصمه اعترف له فاكتفي باقراره قال أحمد لا يقبل الا شاهدان وقالت طائفة من أهل الحديث يقبل شاهد ويمين لانها دعوى في المال ويحتمل ان يقبل شاهد بغير يمين لان النبي صلى الله عليه وسلم قبل قول الذي شهد لابي قتادة من غير يميز ووجه الاول ان النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر البينة واطلاقها ينصرف إلى شاهدين ولانها دعوى للقتل فاعتبر شاهدان كدعوى قتل العمد (مسألة) (والسلب ما كان عليه من ثياب وحلي وسلاح والدابة بآلتها وعنه ان الدابة ليست من السلب ونفقته وخيمته ورحله غنيمة) سلب القتيل ما كان لابسه من ثياب وعمامة وقلنسوة ومنطقة ودرع ومغفر وبيضة وتاج وأسورة وران وخف بما في ذلك من حلية لان المفهوم من السلب اللباس وكذلك السلاح من السيف والرمح واللت والقوس ونحوه لانه يستعين به في قتال فهو أولى بالاخذ من اللباس فأما المال الذي معه في هميانه وخريطته فليس بسلب لانه ليس من الملبوس ولا مما يستعين به في الحرب وكذلك
رحله وإناؤه وما ليست يده عليه من ماله وبه قال الاوزاعي ومكحول والشافعي الا أن الشافعي قال مالا يحتاج إليه في الحرب كالتاج والسوار والطوق والهميان الذي للنفقة ليس من السلب في أحد القولين لانه مما لا يستعان به في الحرب فأشبه المال الذي في خريطته ولنا ان البراء بارز مرزبان المرازبه فقتله فبلغ سواره ومنطقته ثلاثين ألفا فخمسه عمر ودفعه إليه وفي حديث عمرو بن معدي كرب انه حمل على سوار فطنعه فدق صلبه فصرعه فنزل إليه فقطع يده وأخذ سوارين كانا عليه ويلقا من ديباج وسيفا ومنطقة فسلم ذلك إليه ولانه من ملبوسه أشبه ثيابه ولانه داخل في اسم السلب اشبه الثياب والمنطقة ويدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم (فله سلبه) واختلفت
الرواية عن أحمد رحمه الله في الدابه فنقل عنه انها ليست من السلب اختاره أبو بكر لان السلب ما كان على بدنه والدابة ليست كذلك فلا تدخل في الخبر وذكر أبو عبد الله حديث عمرو بن معدي كرب فأخذ سواريه ومنطقته يعنى ولم يذكر الدابة ونقل عنه انها من السلب وهو ظاهر المذهب وبه قال الشافعي لما روى عوف بن مالك قال خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة ورافقني مددي من أهل اليمن فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس أشقر عليه سرج مذهب وسلاح مذهب فجعل يغري بالمسلمين وقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه فعلاه ققتله وحاز فرسه وسلاحه فلما فتح الله للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ من السلب قال عوف فأتيته فقلت يا خالد أما علمت ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال بلى رواه الاثرم وفي حديث شبر بن علقمه انه أخذ فرسه كذلك قال أحمد كقوله فيه ولان الفرس يستعان بها في الحرب فأشبهت السلاح وما ذكروه يبطل بالرمح والقوس واللت فانها من السلب وليست ملبوسة إذا ثبت هذا فان الدابة وما عليها من سرجها ولجامها وتحقيبها وحلية ان كانت عليه وجميع آلتها من السلب لانه تابع لها ويستعان به في الحرب وانما تكون من السلب إذا كان راكبا عليها فان كانت في منزله أو مع غيره أو منقلبة لم تكن من السلب كالسلاح الذي ليس معه وان كان عليها فصرعه عنها أو أشعره عليها ثم قتله بعد نزوله عنها فهي من السلب وهذا قول الاوزاعي وان كان ممسكا بعنانها غير راكب عليها فعن أحمد فيها روايتان (إحداهما) هي سلب وهو قول الشافعي لانه متمكن من القتال عليها فاشبهت سيفه ورمحه في يده (والثانية) ليست من السلب وهو ظاهر كلام الخرقي لانه ليس براكب عليها فاشبه مالو كانت مع غلامه وان كان على فرس وفي يده جنيبة لم تكن الجنيبة من السلب لان لا يمكنه ركوبهما معا (فصل) ويجوز سلب القتلى وتركهم عراة وهذا قول الاوزاعي وكرهه الثوري وابن المنذر لما فيه من كشف عوراتهم ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في قتيل سلمة بن الاكوع له سلبه أجمع وقال (من قتل قتيلا فله سلبه) وهذا يتناول جميعه
(فصل) ويكره نقل رؤوس المشركين من بلد إلى بلد والمثلة بقتلاهم وتعذيبهم لما روى سلمة
ابن جندب قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة وعن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان أعف الناس قتلة أهل الايمان) رواهما أبو داود وعن شداد بن اوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ان الله كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فاحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة) رواه النسائي وعن عقبة بن عامر أنه قدم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه برأس بباق البطريق فانكر ذلك فقال يا خليفة رسول فانهم يفعلون ذلك بنا قال (فاستنان بفارس والروم) لا يحمل الي رأس فانما يكفي الكتاب والخبر وقال الزهري لم يحمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم رأس قط وحمل إلى أبي بكر فأنكره واول من حملت إليه الرؤوس عبد الله بن الزبير ويكره رميها في المنجنيق نص عليه أحمد وإن فعلوا ذلك لمصلحة جاز لما روينا ان عمرو بن العاص حين حاصر الاسكندرية ظفر أهلها برجل من المسلمين فاخذوا رأسه فجاء قومه عمرا متعصبين فقال لهم عمرو خذوا رجلا منهم فاقطعوا رأسه فارموا به إليهم في المنجنيق ففعلوا ذلك فرمى أهل الاسكندرية رأس المسلم إلى قومه (فصل) ولا يجوز الغزو إلا بأذن الامير الا ان يفجأهم عدو يخافون كلبه) إذا جاء العدو لزم جميع الناس ممن هو من اهل القتال الخروج إليهم إذا احتيج إليهم ولا يجوز لاحد التخلف إلا من يحتاج إلى التخلف لحفظ المكان والاهل والمال ومن يمنعه الامير الخروج ومن لا قدرة له على الخروج لقول الله تعالى (انفروا خفافا وثقالا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا استنفرتم فانفروا) وقد ذم الله
تعالى الذين أرادوا الرجوع إلى منازلهم يوم الاحزاب فقال (ويستأذن فريق منهم النبي يقولون ان بيوتنا عورة وماهي بعورة ان يريدون إلا فرارا) ولانهم يصير الجهاد عليهم فرض عين إذا جاء العدو فلا يجوز لاحد التخلف عنه.
إذا ثبت هذا فانهم لا يخرجون إلا بأذن الامير لان أمر الحرب موكول إليه وهو أعلم بقلة العدو وكثرتهم ومكامنهم وكيدهم فينبغي ان يرجع إلى رأيه لانه أحوط للمسلمين إلا ان يتعذر استئذانه لمفاجأة عدوهم فلا يجب استئذانه حينئذ لان المصلحة تتعين في قتالهم
والخروج إليهم لتعين الفساد في تركهم ولذلك لما اغار الكفار على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم فصادفهم سلمة ابن الاكوع خارجا من المدينة تبعهم فقاتلهم من غير اذن فمدحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال (خير رجالنا سلمة بن الاكوع) وأعطاه سهم فارس وراجل وكذلك ان عرضت لهم فرصة يخافون فوتها ان تركوها حتى يستأذنوا الامير فلهم الخروج بغير اذنه لئلا تفوتهم (فصل) وسئل أحمد عن الامام إذا غضب على الرجل فقال أحرج عليك ان لا تصحبني فنادى بالنفير يكون اذنا له؟ قال لا انما قصد له وحده فلا يصحبه حتى يأذن له، قال وإذا نودي بالصلاة والنفير فان كان العدو بالبعد انما جاءهم طليعة العدو صلوا ونفروا إليهم وإذا استغاثوهم وقد جاء العدو اغاثوا ونصروا وصلوا على ظهور دوابهم ويؤمون الغياث عندي أفضل من صلاة الجماعة والطالب والمطلوب في هذا الموضع يصلي على ظهر دابته وهو يسير ان شاء الله وإذا سمع النفير وقد أقيمت الصلاة يصلي ويخفف ويتم الركوع والسجود ويقرأ بسور قصار وقد نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو جنب
يعني حنظلة بن الراهب غسيل الملائكة قال ولا يقطع الصلاة إذا كان فيها، وإذا جاء النفير والامام يخطب يوم الجمعة لا نرى ان ينفروا قال ولا تنفر الخيل الا على حقيقة ولا تنفر على الغلام إذا أبق إذا نفروهم ولا يكون هلاك الناس بسبب غلام وإذا نادى الامام الصلاة جامعة لامر يحدث فيشاور فيه لم يتخلف عنه أحد الا لعذر (فصل) وسئل أحمد عن الرجلين يشتريان الفرس بينهما يغزوان عليه يركب هذا عقبة وهذا عقبة فقال ما سمعت فيه بشئ وأرجو أن لا يكون به بأس قيل له أيما أحب اليك يعتزل الرجل في الطعام أو يرافق؟ قال يرافق هذا أرفق يتعاونون وإذا كنت وحدك لم يمكنك الطبخ ولا غيره ولا بأس بالنهد قد تناهد الصالحون كان الحسن إذا سافر القى معهم ويزيد أيضا بعدما يلقي ومعنى النهد أن يخرج كل واحد من الرفقة شيئا من النفقة يدفعونه إلى رجل ينفق عليهم منه ويأكلون جميعا وكان الحسن يدفع إلى وكيلهم مثل واحد منهم ثم يعود فيأتي سرا بمثل ذلك يدفعه إليه قال أحمد ما أرى أن يغزو ومعه مصحف يعني لا يدخل به أرض العدو لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو
رواه أبو داود والاثرم.
(فصل) ومن أعطي شيئا يستعين به في غزاته فما فضل فهو له إذا كان قد أعطي لغزوة بعينها
هذا قول عطاء ومجاهد وسعيد بن المسيب وكان ابن عمر إذا أعطى شيئا في الغزو يقول لصاحبه إذا بلغت وادي القرى فشأنك به ولانه اعطاه على سبيل المعاونة والنفقة لا على سبيل الاجارة فكان الفاضل له كما لو وصى له أن يحج عنه فلان حجة بألف وان أعطاه شيئا لينفقه في سبيل الله أو في الغزو مطلقا ففضل منه فضل أنفقه في غزاة أخرى لانه أعطاه الجميع لينفقه في جهة قربة فلزمه انفاق الجميع فيها كما لو وصى أن يحج عنه بالف.
(فصل) ومن أعطي شيئا يستعين به في الغزو فقال احمد لا يترك لاهله منه شيئا لانه ليس بملكه إلا أن يصير إلى رأس مغزاة فيكون كهيئة ماله فيبعث إلى عياله منه ولا يتصرف فيه قبل الخروج لئلا يتخلف عن الغزو فلا يكون مستحقا لما انفقه الا أن يشتري منه سلاحا أو آلة الغزو فان قصد اعطاءه لمن يغزو به فقال أحمد لا يتخذ منها سفرة فيها طعام فيطعم منها أحدا لانه انما أعطيها لينفقها في جهة مخصوصة وهي الجهاد.
(فصل) وإذا اعطي الرجل دابة ليغزو عليها فإذا غزا عليها ملكها كما يملك النفقة المدفوعة إليه الا أن تكون عارية فتكون لصاحبها أو حبسا فيكون حبسا بحاله قال عمر رضي الله عنه حملت على فرس عتيق في سبيل الله فاضاعه صاحبه الذي كان عنده فأردت ان اشتريه وظنت انه بائعه برخص فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (لا تشتره ولا تعد في صدقتك وان اعطاكه بدرهم فان العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه) متفق عليه، وهذا يدل على انه ملكه لولا ذلك ما باعه
ويدل على انه ملكه بعد الغزو لانه أقامه للبيع بالمدينة ولم يكن ليأخذه من عمر ثم يقيمه للبيع في الحال فدل على انه اقامه للبيع بعد غزوه عليه ذكر احمد نحو هذا الكلام وسئل متى تطيب له الفرس؟ قال إذا غزا عليه قيل له فان العدو جاءنا فخرج على هذا الفرس في الطلب إلى خمس فراسخ ثم رجع؟
قال لا حتى يكون غزا قيل له فحديث ابن عمر إذا بلغت وادي القرى فشأنك به قال ابن عمر كان يضع ذلك في ماله وروي انه انما يستحقه إذا غزا عليه وهذا قول اكثر اهل العلم منهم سعيد بن المسيب ومالك وسالم والقاسم والانصاري والليث والثوري ونحوه عن الاوزاعي قال ابن المنذر ولم اعلم ان احدا قال له ان يبيعه في مكانه وكان مالك لا يرى ان ينتفع بثمنه في غير سبيل الله إلا ان يقول له شأنك به ما اردت.
ولنا ان حديث عمر ليس فيه ما اشترط مالك فأما ان قال هي حبس فلا يجوز بيعها وسنذكر ذلك في الوقف ان شاء الله تعالى، (فصل) قال احمد لا يركب دواب السبيل في حاجة ويركبها ويستعملها في سبيل الله ولا يركب في الامصار والقرى ولا بان يركبها ويعلفها واكره سباق الرمك على الفرس الحبس وسهم الفرس الحبيس لمن غزا عليه، وإذا أراد أن يشتري فرسا ليحمل عليه فقال أحمد يستحب شراؤها من غير الثغر ليكون توسعة على أهل الثغر في الجلب
(مسألة) (وان دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب بغير اذن الامام فغنموا فعن أحمد فيها ثلاث روايات) [ إحداهن ] ان غنيمتهم كغنيمة غيرهم يخمسه الامام ويقسم باقيه بينهم هذا قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي لعموم قوله سبحانه (واعلموا أنما غنمتم من شئ فان لله خمسه) الآية، والقياس على ما إذا دخلوا باذن الامام [ والثانية ] هو لهم من غير أن يخمس وهو قول أبي حنيفة لانه اكتساب مباح من غير جهاد فأشبه الاحتطاب فان الجهاد باذن الامام أو من طائفة لهم منعة وقوة، فأما هذا فتلصص وسرقة ومجرد اكتساب [ الثالثة ] انه لا حق لهم فيه قال أحمد في عبد أبق إلى الروم ثم رجع ومعه متاع: العبد لمولاه وما معه من المتاع والمال فهو للمسلمين، لانهم عصاة بفعلهم فلم يكن لهم فيه حق والاولى أولى
قال الاوزاعي لما أقفل عمر بن عبد العزيز الجيش الذين كانوا مع مسلمة كسر مركب بعضهم فأخذ المشركون ناسا من القبط فكانوا خدما لهم فخرجوا يوما إلى عيد لهم وخلفوا القبط في مركبهم وشرب الآخرون ورفع القبط القلع وفي المركب متاع الآخرين وسلاحهم فلم يضعوا قلعهم حتى
أتوا بيروت فكتب في ذلك إلى عمر بن عبد العزيز فكتب عمر نفلوهم القلع وكل شئ جاءوا به الا الخمس، رواه سعيد والاثرم، فان كانت الطائفة ذات منعة غزوا بغير اذن الامام ففيهم روايتان (إحداهما) لا شئ لهم وهو فئ المسلمين (والثانية) يخمس والباقي لهم وهي أصح، ووجه الروايتين ما تقدم ويخرج فيه وجه كالرواية الثالثة وهو ان الجميع لهم لكونه اكتسابا مباحا من غير جهاد (فصل) قال الخرقي ولا يتزوج في أرض العدو الا أن تغلب عليه الشهوة فيتزوج مسلمة ويعزل عنها ولا يتزوج منهم ومن اشترى جارية لم يطأها في الفرج وهو في أرضهم قال شيخنا رحمه الله تعالى يريد والله أعلم من دخل أرض العدو بأمان، فأما ان كان في جيش المسلمين فله ان يتزوج لما روي عن سعيد عن أبي هلال انه بلغه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج أسماء بنت عميس أبا بكر وهم تحت الرايات، أخرجه سعيد ولان الكفار لا يد لهم عليه أشبه من في دار الاسلام، وأما الاسير فظاهر كلام احمد انه لا يحل له التزوج ما دام أسيرا لانه منعه من وطئ امرأته إذا أسرت معه مع صحة نكاحهما وهذا قول الزهري فانه قال لا يحل للاسير أن يتزوج ما كان في ارض المشركين ولان الاسير إذا ولد له ولد كان رقيقا لهم ولا يأمر ان يطأ امرأته غيره منهم، وسئل أحمد عن اسير أسرت معه امرأته أيطؤها؟ فقال كيف يطؤها ولعل غيره منهم يطؤها؟ قال الاثرم قلت له فلعلها تعلق بولد فيكون معهم فقال وهذا ايضا وأما الذي يدخل إليهم بأمان كالتاجر ونحوه فهو الذي اراد الخرقي ان شاء الله تعالى فلا ينبغي
له ان يتزوج لانه لا يأمن ان تاتي امرأته بولد فيستولي عليه الكفار وربما نشأ بينهم فيصير على دينهم فان غلبت عليه الشهوة ابيح له نكاح مسلمة لانه حال ضرورة ويعزل عنها كيلا تأتي بولد
ولا يتزوج منهم لانها تغلبه على ولدها فيتبعها على دينها قال القاضي قول الخرقي هذا نهي كراهة لا نهي تحريم لان الله تعالى قال (وأحل لكم ما وراء ذلكم) ولان الاصل الحل فلا يحرم بالشك والتوهم وانما كرهنا له التزوج منهم مخافة ان يغلبوا على ولده فيسترقوه ويعلموه الكفر ففي تزويجه تعريضه لهذا الفساد العظيم وازدادت الكراهة إذا تزوج منهم لان الظاهر ان امرأته تغلبه على ولدها فتكفره كما ان حكم الاسلام يغلب للاسلام فيما إذا اسلم احد الابوين أو تزوج مسلم ذمية، وإذا اشترى منهم جارية لم يطأها في الفرج في ارضهم مخافة ان يغلبوه على ولدها فيسترقوه ويكفروه
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: