الفقه الحنبلي - المكاتبة
(فصل) وان جنى بعض عبيد المكاتب على بعض جناية موجبها المال لم يثبت لها حكم لانه لا يجب للسيد على عبده مال وان كان موجبها القصاص فقال أبو بكر ليس له
القصاص لانه اتلاف لماله باختياره
وهذا الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وذكره أبو الخطاب في رءوس المسائل، وقال القاضي له القصاص لانه من مصلحة ملكه فانه لو لم يقتص أفضى إلى إقدام بعضهم على بعض وليس له العفو على مال لما ذكرنا ولا يجوز بيعه في ارش الجناية لان الارش لا يثبت له في رقبة عبده فان كان الجاني من عبيده ابنه لم يجز بيعه لذلك وقال اصحاب الشافعي يجوز بيعه في أحد الوجهين لانه لا يملك بيعه قبل جنايته فيستفيد بالجناية ملك بيعه.
ولنا أنه عبده فلم يجب له عليه أرش كالاجنبي وما ذكروه ينتقض بالرهن إذا جني على راهنه (فصل) فان جنى عبدالمكاتب عليه جناية موجبها المال كانت هدرا لما ذكرنا وان كان موجبها القصاص فله ان يقتض فيما دون النفس لان العبد يقتص منه لسيده وان عفا على مال سقط القصاص ولم يجب المال فان كان الجاني أباه لم يقتص منه لان الوالد لا يقتل بولده وان جنى المكاتب عليه لمى يقتص منه لان السيد لا يقتص منه لعبده وقال القاضي فيه وجه آخر أنه يقتص منه لان حكم الاب معه حكم الاحرار بدليل أنه لا يملك بيعه والتصرف فيه وجعلت حريته موقوفة على حريته قال القاضي ولا نعلم موضعا يقتص فيه المملوك من مالكه غير هذا الموضع
(فصل) وان جنى على المكاتب فيما دون النفس فارش الجناية له دون سيده لثلاثة معان (أحدهما) ان كسبه له وذلك عوض عما يتعطل بقطع يده من كسبه (والثاني) ان المكاتبة تستحق المهر في النكاح لتعلقه بعضو من أعضائها كذلك بدل العوض (الثالث) ان السيد أخذ مال الكتابة بدلا عن نفس المكاتب فلا يجوز ان يستحق عنه عوضا آخر ثم لا يخلو من ثلاثة أحوال (أحدهما) ان يكون الجاني سيده فلا قصاص عليه لامرين (أحدهما) أنه حر والمكاتب عبد (والثاني) انه ملكه ولا يقتص من المالك لمملوكه ولكن يجب الارش إذا اندمل الجرح على ما يذكر في الجنايات ولانه قبل الاندمال لا تؤمن سرايته إلى نفسه فيسقط ارشه فإذا ثبت هذا فسرى الجرح إلى نفسه انفسخت الكتابة وكان الحكم فيه كما لو قتله فان اندمل لجرح وجب له أرشه على سيده ويتقاصان ان كان من جنس مال الكتابة وقد حل عليه نجم وان كان من غير جنس مال
الكتابة أو لم يحل عليه نجم لم يتقاصا ويطالب كل واحد منهما بما يستحقه فان اتفقا على ان يجعل احدهما عوضا عن الآخر وكانا من جنسين لم يجز لانه بيع دين بدين فان قبض أحدهما حقه ثم دفعه إلى الآخر عوضا عن حقه جاز وان رضي المكاتب بتعجيل الواجب له عما لم يحل من نجومه جاز إذا كان من جنس مال الكتابة
(الحال الثانية) إذا كان الجاني أجنبيا حرا فلا قصاص، لا يقتل بالعبد فان سرى الجرح إلى نفسه انفسخت كتابته وعلى الجاني قيمته لسيده وان اندمل الجرح فعليه أرشه له فان أدى الكتابة وعتق ثم سرى الجرح إلى نفسه وجبت ديته لان اعتبار الضمان بحالة الاستقرار ويكون ذلك لورثته فان كان الجاني السيد أو غيره من ورثته لم يرث منه شيئا لان القاتل لا يرث ويكون لبيت المال ان لم يكن له وارث ومن اعتبر الجناية بحالة ابتدائها أوجب على الجاني قيمته ويكون أيضا لورثته (الحال الثالث) إذا كان الجاني عبدا أو مكاتبا فان كان موجب الجناية القصاص وكانت على النفس انفسخت الكتابة وسيده بالخيار بين القصاص والعفو على مال يتعلق برقبة الجاني وان كانت فيما دون النفس كقطع يده فللمكاتب استيفاء القصاص وليس لسيده منعه كما ان المريض يقتص ولا يعترض عليه ورثته والمفلس يقتص ولا يعترض عليه غرماؤه وان عفا على مال ثبت له وان عفا مطلقا انبنى على الروايتين في موجب العمد وان قلنا موجبه القصاص عينا صح ولم يثبت له مال وليس لسيده مطالبته باشتراط مال لان ذلك تكسب ولا يملك اجباره على الكسب وان قلنا الواجب أحد أمرين ثبت له دية الجرح لانه لما ثبت القصاص تعين المال ولا يصح عفوه عن المال لانه لا يملك التبرع بغير إذن سيده وان صالح على بعض الارش فحكمه حكم العفو إلى غير مال (فصل) وإذا مات المكاتب وعليه ديون وأروش جنايات ولم يكن ملك ما يؤدي في كتابته
انفسخت الكتابة وسقط أرش الجنايات لانها متعلقة برقبته وقد تلفت ويستوفي ديوته مما كان في يده فان لم يف بها سقط الباقي قال أحمد ليس على سيده قضاء دينه هذا كان يسعى لنفسه وان كان
قد ملك ما يؤدي في كتابته انبنى ذلك على الروايتين في عتق المكاتب بملك ما يؤديه وقد ذكرنا فيه روايتين الظاهر منهما أنه لا يعتق بذلك فتنفسخ الكتابة أيضا ويبدأ بقضاء الدين على ما ذكرنا في الحال الاول وهذا قول زيد بن ثابت وسعيد بن المسيب والحسن وشريح وعطاء وعمرو بن دينار وأبي الزناد ويحيى الانصاري وربيعة والاوزاعي وأبي حنيفة والشافعي (والثانية) انه إذا املك ما يؤدي صار حرا فعلى هذا يضرب السيد مع الغرماء بما حل من نجومه روي نحو هذا عن شريح والنخعي والشعبي والحكم وحماد وابن أبي ليلى والثوري والحسن ابن صالح لانه دين حال فيضرب به كسائر الديون ويجئ على قول من قال ان الدين يحل بالموت ان يضرب بجميع مال الكتابة لانه فدحل بالموت والمذهب الاول الذي نقله الجماعة عن أحمد وقد روي سعيد في سننه ثنا هشيم ثنا منصور وسعيد عن قتادة قال ذكرت لسعيد بن المسيب قول شريح في المكاتب إذا مات وعليه دين وبقية من مكاتبته فقلت ان شريحا قضى ان مولاه يضرب مع الغرماء فقال سعيد اخطأ شريح قضى زيد بالدين قبل المكاتبة (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وهي عقد لازم من الطرفين لا يدخلها خيار ولا يملك احدهما فسخها
وجملة ذلك ان الكتابة عقد لازم من الطرفين لانها عقد معاوضة أشبه عقد النكاح والبيع ولا يدخلها خيار لان الخيار شرع لدفع الغين عن المال والسيد دخل على بصيرة ان الحظ لعبده فلا معنى للخيار ولا يملك احدهما فسخها قياسا على سائر العقود اللازمة وعنه ان العبد يملك ذلك وسنذكره ولا يجوز تعليقها على شرط مستقبل كسائر عقود المعاوضات (مسألة) (ولا تنفسخ بموت السيد لا نعلم في ذلك خلافا ولا تنفسخ بجنونه ولا الحجر عليه لانه عقد لازم اشبه البيع) (مسألة) (ويعتق بالاداء إلى سيده وقد ذكرنا ذلك وبالاداء إلى الورثة) لانه انتقل إليهم مع بقاء الكتابة فهو كالاداء إلى موروثهم ويكون مقسوما بينهم على قدر مواريثهم كسائر ديونه فإذا كان له أولاد ذكور واناث فللذكر مثل حظ الانثيين ولا يعتق حتى
يؤدي إلى كل ذي حق حقه فان أدى إلى بعضهم دون بعض لم يعتق كما لو كان بين شركاء فأدى إلى بعضهم فان كان بعضهم غائبا وله وكيل دفع نصيبه إلى وكيله وان لم يكن له وكيل دفع نصيبه إلى الحاكم وعتق وان كان موليا عليه دفع إلى وليه إما أبيه أو وصيه أو الحاكم أو أمينه فان كان له وصيان لم يبرأ إلا بالدفع اليهما معا وان كان الوارث رشيدا قبض لنفسه ولا تصح الوصية ليقبض له لان الرشيد ولي نفسه وان كان بعضهم رشيدا وبعضهم موليا عليه فحكم كل واحد منهم حكمه
وانفرد فان إذن بعضهم في الاداء إلى الآخر وكان الدي اذن رشيدا فأذى إلى الآخر جميع حقه عتق نصيبه ولا يسري إلى نصيبه شريكه ان كان معسرا ويسري إليه ان كان موسرا ويقوم عليه نصيب شريكه كله كما لو كان بين شريكين فاعتق احدهما نصيبه وهذا ظاهر كلام الخرقي وهو أحد قولي الشافعي وقال القاضي لا يسري عتقه وان كان موسرا وهذا القول الثاني للشافعي وقال أبو حنيفة لا يعتق إلا باداء جميع مال الكتابة لانه أدى بعض مال الكتابة فاشبه ما لو اداه إلى السيد فان ابرأوه من مال الكتابة برئ منه وعتق وان ابرأه بعضهم عتق نصيبه وكذلك ان اعتق نصيبه منه عتق والخلاف في هذا كله كالخلاف فيما إذا أدى إلى بعضهم باذن الآخر ولنا على أنه يعتق نصيب من ابرأ من حقه عليه أو استوفى نصيبه باذن شركائه انه ابرأه من جميع ماله عليه فوجب ان يلحقه العتق كما لو أبرأه سيده من جميع مال الكتابة وفارق ما إذا أبرأه سيده من بعض مال الكتابة لانه ما أبرأه من جميع حقه ولنا على سراية عتقه انه اعتاق لبعض العبد الذي يجوز اعتاقه من موسر جائز التصرف غير محجور عليه فوجب ان يسري عتقه كما لو كان قنا ولانه عتق حصل بفعله واختياره فسرى كمحل الوفاق فان قيل في السراية اضرار بالشركاء لانه قد يعجز فيرد إلى الرق قلنا إذا كان العتق في محل الوفاق يزيل الرق المتمكن الذي لا كتابة فيه فلان يزيل عرضية ذلك بطريق الاولى
(فصل) وإذا عتق بالاداء إلى الورثة فولاؤه لسيده في احدى الروايتين وهو اختيار الخرقي يختص
به عصباته دون اصحاب الفروض وهذا قول اكثر الفقهاء واختاره أبو بكر ونقله إسحاق ابن منصور عن أحمد وإسحاق وروى حنبل وصالح بن أحمد عن أبيه قال اختلف الناس في المكاتب يموت سيده وعليه بقية من كتابته قال بعض الناس الولاء للرجال والنساء وقال بعضهم لا ولاء للنساء لان هذا انما هو دين على المكاتب ولا يرث النساء من الولاء إلا ما كاتبن أو أعتقن والذي يغلب علي انهن يرثن ولو عجز المكاتب بعد وفاة السيد رد رقيقا، وهذا قول طاوس والزهري لان المكاتب انتقل إلى الورثة بموت السيد بدليل انهم لو أعتقوه بعد عتقهم لكان ولاؤه لهم كما لو انتقل بالشراء ولانه يؤدي إلى الورثة فكان ولاؤه لهم كما لو أدى إلى المشتري ووجه الاول ان السيد هو المنعم بالعتق فكان الولاء له كما لو أدى إليه ولان الورثة إنما ينتقل إليهم ما بقي للسيد وإنما بقي له دين في ذمة المكاتب والفرق بين الميراث والشراء أن السيد نقل حقه في البيع باختياره فلم يبق له فيه حق من وجه والوارث يخلف الموروث ويقوم مقامه ويلي على موروثه ولا ينتقل إليه شئ امكن بقاؤه لموروثه والولاء مما أمكن بقاؤه للموروث فوجب أن لا ينتقل عنه وقذ ذكرنا ذلك في باب الولاء (فصل) وان اعتقه الورثة صح عتقهم لانه ملك لهم فصح عتقهم له ولان السيد لو أعتقه نفذ عتقه وهم يقومون مقام موروثهم وولاؤه لهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الولاء لمن أعتق) وإن أعتق
بعضهم نصيبه فعتق عليه كله بالسراية قوم عليه نصيب شركائه وكان ولاؤه له وان لم يسر لكونه معسرا أو لغير ذلك فله ولاء ما أعتقه للخبر ولانه منعم عليه فكان الولاء له كغير المكاتب وقال القاضي ان أعتقوه كلهم قبل عجزه كان الولاء للسيد وان أعتق بعضهم لم يسر عتقه ثم ينظر فان أدي إلى الباقين عتق كله وكان ولاؤه للسيد وان عجز فردوه إلى الرق كان ولاء نصيب المعتق له لانه لولا اعتاقه لعاد سهمه رقيقا كسهام سائر الورثة فلما أعتقه كان هو المنعم عليه فكان الولاء له دونهم فأما ان ابرأه الورثة كلهم عتق وكان ولاؤه على الروايتين اللتين ذكرناهما فيما إذا أدى إليهم لان الابراء جرى مجرى أداء ما عليه ويحتمل ان يكون الولاء لهم لانهم أنعموا عليه بما عتق به أشبه ما لو أعتقوه وان أبرأه بعضهم من نصيبه كان في ولائه ما ذكرنا من الخلاف
(فصل) إذا باع الورثة المكاتب أو وهبوه صح بيعهم وهبتهم لانهم يقومون مقام موروثهم وهو يملك بيعه وهبته كذلك ورثته ويكون عند المشتري الموهوب له مبقى على ما بقي من كتابته ان عجز فعجزه عاد رقيقا له، وان أدى عتق وكان ولاؤه لمن يؤدي إليه على الرواية التي نقول إن ولاءه للورثة إذا أدى إليهم وأما على الرواية الاخرى فيحتمل أن لا يصح بيعه ولا هبته لان ذلك يقتضي ابطال سبب ثبوت الولاء للسيد الذي كاتبه وليس ذلك للورثة ويحتمل أن يصح ويكون الولاء للسيد ان اعتق بالكتابة، لان السيد عقدها فعتق بها فكان ولاؤه له ويفارق ما باعه
السيد، لان السيد ببيعه أبطل حق نفسه وله ذلك بخلاف الورثة فانهم لا يملكون ابطال حق موروثهم (فصل) إذا وصى السيد بمال الكتابة صح فان سلم مال الكتابة إلى الموصى له أو وكيله أو وليه ان كان محجورا عليه برئ منه وعتق وولاؤه لسيده الذي كاتبه لانه المنعم عليه وان ابرأه من المال عتق لانه برئ من مال الكتابة فأشبه ما لو ادى وان أعتقه لم يعتق لانه لا يملك رقبته وانما وصى له بالمال الذي عليه وإن عجز ورد في الرق صار عبدا للورثة وما قبضه الموصى له من المال فهو له لانه قبضه بحكم الوصية الصحيحة والامر في تعجيزه إلى الورثة لان الحق يثبت لهم بتعجيزه ويصير عبدا لهم فكانت الخيرة في ذلك إليهم وتبطل وصية الموصى له بتعجيزه وان وصى بمال الكناية للمساكين ووصى إلى من يقبضه ويفرقه بينهم صح ومتى سلم المال إلى الوصي برئ وعتق وان أبرأه منه لم يبرأ لان الحق لغيره فان دفعه المكاتب إلى المساكين لم يبرأ منه ولم يعتق لان التعيين إلى الوصي دونه وان وصى بدفع المال إلى غرمائه تعين القضاء منه كما لو وصى به عطية لهم فان كان انما وصى بقضاء ديونه مطلقا كان على المكاتب ان يجمع بين الورثة والوصي بقضاء الدين ويدفعه إليهم بحضرته لان المال للورثة ولهم قضاء الدين منه ومن غيره وللوصي في قضاء الدين حق لان له منعهم من التصرف في التركة قبل قضاء الدين
(فصل) إذا مات رجل وخلف ابنين وعبدا فادعى العبد ان سيده كاتبه فصدقاه ثبتت الكتابة لان الحق لهما وان انكراه وكانت له بينة ثبتت الكتابة وعتق بالاداء اليهما وان عجز فلهما رده إلى الرق وان لم يعجزاه وصبرا عليه لم يملك الفسخ وان عجزه أحدهما وأبى الآخر تعجيزه بقي نصفه على الكتابة ورق النصف الآخر فان لم تكن له بينة فالقول قولهما مع ايمانهما لان الاصل بقاء الرق وعدم الكتابة وتكون ايمانهما على نفي العلم لانها يمين على نفي فعل الغير فان حلفا ثبت رقه وإن نكلا قضي عليهما أوردت اليمين عليه عند من يرى ردها فيحلف العبد وتثبت الكتابة وان حلف أحدهما ونكل الآخر قضي برق نصفه وكتابة نصفه وان صدقه أحدهما وكذبه الآخر ثبتت الكتابة في نصفه وعليه البينة في نصفه الآخر فان لم تكن بينة وحلف المنكر صار نصفه مكاتبا ونصف رقيقا قنا فان شهد المقر على أخيه قبلت شهادته لانه لا يجر إلى نفسه نفعا ولا يدفع عنها ضررا فان كان معه شاهد آخر كملت الشهادة وثبتت الكتابة في جميعه وان لم يشهد غيره فهل يحلف العبد معه؟ على روايتين وان لم يكن عدلا أو لم يحلف العبد معه وحلف المنكر كان نصفه مكاتبا ونصفه رقيقا ويكون كسبه بينه وبين المنكر نصفين ونفقته من كسبه لانها على نفسه وعلى مالك نصفه فان لم يكن له كسب كان على المنكر نصف نفقته ثم ان اتفق هو ومالك نصفه على المهايأة مياومة أو مشاهرة أو كيفما كان جاز فان طلب أحدهما ذلك وامتنع الآخر اجبر عليها في ظاهر كلام احمد وهو قول أبي حنيفة، لان
المنافع مشتركة بينهما فإذا أراد أحدهما حيازة نصيبه من غير ضرر لزم الآخر اجابته كالاعيان ويحتمل ان لا يجبر وهو قول الشافعي لان المهايأة تأخير حقه الحال لكون المنافع في هذا اليوم مشتركة بينهما فلا تجب الاجابة إليه كتأخير دينه الحال فان اقتسما الكسب مناصفة أو مهايأة جاز فان لم يف بأداء نجومه فللمقر رده في الرق وما في يده له خاصة لان المنكر قد اخذ حقه من الكسب وان اختلف المنكر والمقر فيما في يد المكاتب فقال المنكر هذا كان في يده قبل دعوى الكتابة أو كسبه في حياة ابينا وأنكر ذلك المقر فالقول قوله مع يمينه لان المدعي يدعي كسبه في وقت الاصل عدمه فيه ولانه لو اختلف هو والمكاتب في ذلك كان القول قول المكاتب فكذلك من يقوم مقامه وان ادى
الكتابة عتق نصيب المقر خاصة ولم يسر إلى نصيب شريكه لانه لم يباشر العتق ولم ينسب إليه وانما كان السبب من أبيه وهذا حاك عن أبيه مقر بفعله فهو كالشاهد ولان المقر بزعم أن نصيب أخيه حر أيضا لانه قد قبض من العبد مثل ما قبض فقد حصل اداء مال الكتابة اليهما فعتق كله بذلك وولاء النصف للمقر لان أخاه لا يدعيه والمقر يدعي انه كله عتق بالكتابة وهذا الولاء الذي على هذا النصف من نصيبي من الولاء وقال أصحاب الشافعي في ذلك وجهان (أحدهما) كقولنا (والثاني) ان الولاء بين الابنين لانه يثبت لموروثهما فكان لهما بالميراث
قال شيخنا والصحيح ما قلناه لما ذكرنا ولا يمتنع ثبوت الولاء للاب واختصاص أحد الابنين به كما لو ادعى أحدهما دينا لابيه على انسان وأنكره الاخر فان المدعي يأخذ نصيبه من الدين ويختص به دون اخيه وان كان يرثه عن الاب ولذلك لو ادعياه معا وأقاما به شاهدا واحدا فحلف أحدهما مع الشاهد وأبى الاخر فان اعتق أحدهما حصته عتق وسرى إلى باقيه ان كان موسرا هذا قول الخرقي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعتق شركا له في عبد وكان له ما يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة العدل واعطى شركاؤه حصصهم) ولانه موسر عتق نصيبه من عبد مشترك فسرى إلى باقيه كغير المكاتب وقال أبو بكر والقاضي لا يعتق الا حصته لانه ان كان المعتق المقر فهو منفذ وان كان المنكر لم يسر إلى نصيب المقر لانه مكاتب لغيره وفي سراية العتق إليه ابطال سبب الولاء عليه فلم يجز ذلك (مسألة) (وان حل نجم فلم يؤده فللسيد الفسخ وعنه لا يعجز حتى يحل نجمان وعنه لا يعجز حتى يقول قد عجزت) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيما يجوز به للسيد فسخ الكتابة فروي عنه انه يجوز له الفسخ إذا عجز عن نجم واحد وهو قول الحارث العكلي وابي حنيفة والشافعي لان السيد دخل على ان يسلم له مال الكتابة على الوجه الذي كاتبه عليه ويدفع إليه المال في نجومه فإذا لم يسلم له لم يلزمه
عتقه لانه عجز عن اداء النجم في وقته فجاز في وقته فجاز فسخ كتابته كالنجم الاخير ولانه تعذر العوض في عقد معاوضة ووجد عين ماله فكان له الرجوع كما لو باع سلعة فافلس المشتري قبل نقد ثمنها (والرواية الثانية) ان السيد لا يملك الفسخ حتى يحل نجمان قبل ادائها وهو ظاهر كلام الخرقي قال القاضي وهو ظاهر كلام اصحابنا روي ذلك عن الحكم وابن ابي ليلى وابي يوسف والحسن بن صالح لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال لا يرد المكاتب في الرق حتي يتوالى عليه نجمان ولان ما بين النجمين محل الاداء الاول فلا يتحقق العجز عنه حتى يفوت محله بحلول الثاني (والراية الثالثة) أنه لا يعجز حتى يقول قد عجزت رواها عنه ابن ابي موسى وروي عنه أنه إذا أدى اكثر مال الكتابة لم يرد إلى الرق واتبع بما بقي وإذا قلنا للسيد الفسخ لم تنفسخ الكتابة بالعجز بل له مطالبة المكاتب بل حل من نجومه لانه دين له حل فاشبه دينه على الاجنبي وله الصبر عليه وتأخيره به سواء كان قادرا على الاداء أو عاجزا لانه حق له سمع بتأخيره أشبه الدين على الاجنبي فان اختار الصبر عليه لم يملك العبد الفسخ بغير خلاف نعلمه قال ابن المنذر اجمع كل من نحفظ عنه من اهل العلم على ان المكاتب إذا حل عليه نجم ونجم أو نجومه كلها فوقف السيد عن مطالبته وتركه بحاله أن الكتابة لا تنفسخ ما داما ثابتين على العقد الاول وان اجله به ثم بدا له الرجوع فله ذلك لان الحال لا يتأجل بالتأجيل كالقرض وان اختار
السيد فسخ كتابته ورده إلى الرق فله ذلك بغير حضور حاكم ولا سلطان ولا يلزمه الاستبناء به، فعل ذلك ابن عمر وهو قول شريح والنخعي وابي حنيفة والشافعي، وقال ابن أبي ليلى لا يكون عجزه الا عند قاض، وحكي نحوه عن مالك، وقال الحسن إذا عجز استؤني بعد العجز سنتين، وقال الاوزاعي شهرين ولنا ما روى سعيد باسناده عن ابن عمر أنه كاتب عبدا له على الف دينار وعجز عن مائة دينار فرده في الرق وباسناده عن عطية العوفي عن ابن عمر أنه كاتب عبده على عشرين الفا فأدى عشرة آلاف ثم اتاه فقال اني طفت العراق والحجاز فردني في الرق فرده وروي عنه انه كاتب عبدا له
على ثلاثين الفا فقال له انا عاجز فقال له امح كتابتك فقالي امح انت وروى سعيد باسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال (أيما رجل كاتب غلامه على مائة أوقية فعجز عن عشر أواق فهو رقيق) ولانه عقد عجز عن عوضه فملك فسخه كالمسلم إذا تعذر المسلم فيه فان قيل فلم كانت الكتابة لازمة من جهة السيد غير لازمة من جهة العبد؟ قلنا بل هي لازمة من الطرفين ولا يملك العبد فسخها وانما له ان يعجز نفسه ويمتنع من الكسب وانما جاز له ذلك لوجهين (أحدهما) أن الكتابة تتضمن اعتاقا بصفة ومن علق عتقه بصفة لم يملك ابطالها ويلزم وقوع العتق بالصفة ولا يلزم العبد الاتيان بها ولا الاجبار عليها
(الثاني) ان الكتابة لحظ العبد دون سيده فكان لازما لمن ألزم نفسه حظ غيره وصاحب الحظ بالخيار فيه كمن ضمن لغيره شيئا أو كفل له أو رهن عنده رهنا (فصل) وإذا حل النجم على المكاتب وماله حاضر عنده طولب به ولم يجز الفسخ قبل الطلب كما لا يجوز فسخ البيع والسلم بمجرد وجوب الدفع قبل الطلب فان طلب منه فذكر انه غائب عن المجلس في ناحية من نواحي البلد أو قريب منه على مسافة لا تقصر فيها الصلاة لم يمكن احضاره قريبا لم يجز فسخ الكتابة وامهل بقدر ما يأتي به إذا طلب الامهال لان هذا يسير لا ضرر فيه وان كان معه مال من غير جنس مال الكتابة فطلب الامهال ليبيعه بجنس مال الكتابة امهل وان كان المال غائبا اكثر من مسافة القصر لم يلزم الامهال وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة ان كان له مال حاضر أو غائب يرجو قدومه استؤني يومين وثلاثة لا ازيده على ذلك لان الثلاثة آخر حد القلة والقرب لما بيناه فيما مضى وما زاد عليها في حد الكثرة وهذا كله قريب بعضه من بعض فأما إذا كان قادرا على الاداء واجدا لما يؤديه فامتنع من أدائه أو قال قد عجزت فقال الشريف ابو جعفر وجماعة من أصحابنا المتأخرين بملك السيد الفسخ وهذا الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وظاهر كلام
الخرقى وهذا مذهب الشافعي وقال أبو بكر بن جعفر ليس له ذلك ويجبر على تسليم العوض وهو قول
أبي حنيفة ومالك والاوزاعي وقد ذكر ذلك في كتاب البيع وفيه رواية اخرى أنه إذا قدر على اداء المال كله أنه يصير حرا بملك ما يؤدي وقد ذكرناها (فصل) فان حل النجم والمكاتب غائب بغير اذن سيده فله الفسخ وان كان غاب باذنه لم يكن له ان يفسخ لانه اذن في السفر المانع من الاداء لكن يرفع الامر إلى الحاكم ليجعل للسيده فسخ الكتابة وان كان قادرا على الاداء طالبه بالخروج إلى البلد الذي فيه السيد ليؤدي مال الكتابة أو يوكل من يفعل ذلك فان فعله في أول حال الامكان عند خروج القافلة ان كان لا يمكنه الخروج الا معها لم يجز الفسخ وان اخره مع الامكان ومضى زمن المسير ثبت للسيد خيار الفسخ وان كان قد جعل للوكيل الفسخ عند امتناع المكاتب من الدفع إليه جاز وله الفسخ إذا ثبتت وكالته ببينة بحيث يأمن المكاتب انكار السيد فان لم يثبت ذلك لم يلزم المكاتب الدفع إليه وكان له عذر يمنع جواز الفسخ لانه لا يأمن ان يسلم إليه فينكر السيد وكالته ويرجع على المكاتب بالمال وسواء صدقه في انه وكيل أو كذبه فان كتب حاكم البلد الذي فيه السيد إلى حاكم البلد الذي فيه المكاتب ليقبض منه المال لم يلزمه ذلك لان هذا توكيل لا يلزم الحاكم الدخول فيه فان الحاكم لا يكلف القبض للبالغ الرشيد فان اختار القبض جرى مجرى الوكيل ومتى قبض منه المال عتق
(مسألة) (وليس للعبد فسخها بحال) لانها عقد لازم ومقصودها ثبوت الحرية في العبد وذلك حق لله تعالى فلا يملك العبد فسخه وان كان له فيه حظ وعنه له ذلك لان العقد لحظه فملك فسخه كالمرتهن له فسخ الرهن دون الراهن وان اتفق هو والسيد على فسخها جاز لان الحق لهما فجاز باتفاقهما كفسخ البيع والاجارة (مسألة) (ولو زوج ابنته من مكاتبه ثم مات انفسخ النكاح) إذا زوج السيد ابنته من مكاتبه برضاها ثم مات السيد وكانت من الورثة انفسخ النكاح وبهذا قال الشافعي ويحتمل أن لا ينفسخ حتى يعجز وبه قال أبو حنيفة لانها لا ترثه وانما تملك نصيبها من الدين الذي عليه بدليل أن الوارث لو ابرأ المكاتب من الدين عتق وكان الولاء للميت لا للوارث
فان عجز وعاد رقيقا قلنا انفسخ النكاح حينئذ لانها ملكت نصيبها منه ولنا أن المكاتب مملوك لسيده ولا يعتق بموته فوجب ان ينتقل إلى ورثته كسائر أملاكه ولانها لا يجوز لها ابتداء نكاحه لاجل الملك فانفسخ نكاحها بتجدد ذلك فيه كالعبد القن، وأما كون الولاء للميت فلان السبب وجد منه فنسب العتق إليه وثبت الولاء له إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن ترثه كله أو ترث بعضه لانها إذا ملكت منه جزءا انفسخ النكاح فيه فبطل في باقيه لانه لا ينجز فان كانت لا ترث أباها لمانع من موانع الميراث فنكاحها
باق بحاله والحكم في سائر الورثة من النساء كالحكم في البنت وكذلك لو تزوج رجل مكاتبة فورثها أو بعضها انفسخ نكاحه لذلك (مسألة) (ويجب على السيد ان يؤتيه ربع مال الكتابة ان شاء وضعه عنه وان شاء قبضه ثم دفعه إليه) الكلام في الايتاء في خمسة فصول وجوبه وقدوه وجنسه ووقت جوازه ووقت وجوبه (الفصل الاول) انه يجب على السيد إيتاء المكاتب شيئا مما كوتب عليه روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الشافعي واسحاق وقال بريدة والحسن والنخعي والثوري ومالك وابو حنيفة ليس بواجب لانه عقد معاوضة فلا يجب فيه الايتاء كسائر عقود المعاوضات ولنا قول الله تعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) وظاهر الامر الوجوب قال علي رضي الله عنه: ضعوا عنه ربع مال الكتابة وعن ابن عباس قال ضعوا عنهم مكاتبتهم شيئا وتفارق الكتابة سائر العقود فان القصد بها رفق العبد بخلاف غيرها ولان الكتابة يستحق بها الولاء على العبد مع المعاوضة فكذلك يجب ان يستحق العبد على السيد شيئا فان قيل المراد بالايتاء إعطاؤه سهما من الصدقة والندب إلى التصدق عليه وليس ذلك واجبا بدليل ان العقد يوجب العوض عليه فكيف يقتضي اسقاط شئ منه؟ قلنا أما الاول فان عليا وابن عباس فسراه بما ذكرنا وهما أعلم بتأويل القرآن وحمل
الامر على الندب يخالف مقتضى الامر فلا يصار إليه إلا بدليل وقولهم ان العقد يوجب عليه فلا يسقط عنه قلنا إنما يجب الرفق به عند آخر كتابته رفقا به ومواساة له وشكرا لنعمة الله تعالى كما تجب الزكاد مواساة من النعمة التي أنعم الله تعالى بها على عبده ولان العبد ولي جمع هذا المال وتعب فيه فاقتضى الحال مواساته منه كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم باطعام عبده من الطعام الذي ولي حره ودخانه واختص هذا بالوجوب لان فيه معونة على العتق واعانة لمن يحق على الله تعالى عونه فان أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة حق على الله تعالى عونهم المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الاداء والناكح الذي يريد العفاف) قال الترمذي هذا حديث حسن (الفصل الثاني) في قدره وهو الربع ذكره الخرقي وأبو بكر وغيرهما من أصحابنا روي ذلك عن علي وقال قتادة العشر وقال الشافعي وابن المنذر يجزي ما يقع عليه الاسم وهو قول مالك إلا أنه عنده مستحب لقول الله تعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) ومن للتبعيض والقليل بعض فيكتفى به وقال ابن عباس ضعوا عنهم من مكاتبتهم شيئا ولانه قد ثبت أن المكاتب لا يعتق حتى يؤدي جميع الكتابة بما ذكرنا من الاخبار ولو وجب إيتاؤه الربع لوجوب ان يعتق إذا ادى ثلاثة أرباع الكتابة ولا يجب عليه أداء مال يجب رده إليه وقد روي عن ابن عمر انه كاتب عبدا له على خمسة وثلاثين ألفا فأخذ منه ثلاثين وترك له خمسة
ولنا ما روي أبو بكر باسناده عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) قال (ربع المكاتبة) وروي موقوفا عن علي ولانه مال يجب إيتاؤه مواساة بالشرع فكان مقدرا كالزكاة ولان حكمة إيجابه الرفق بالمكاتب واعانته على تحصيل العتق وهذا لا يحصل باليسير الذي هو أقل ما يقع عليه الاسم فلم يجز أن يكون هو الواجب وقول الله تعالى (وآتوهم من مال الله) إذا ورد غير مقدر فيه فان السنة بينته وقدرته كالزكاة (الفصل الثالث) في جنسه ان قبض مال الكتابة ثم أعطاه منه أجزأ لان الآية تقتضيه، وان وضع عنه مما وجب عليه جاز لان الصحابة رضي الله عنهم فسروا الآية بذلك ولانه ابلغ في النفع
وأعون على حصول العتق فيكون افضل من الايتاء وتدل الآية عليه من طريق التنبية وان أعطاه من جنس مال الكتابة من غيره جاز ويحتمل أن لا يلزم المكاتب قبوله، وهو ظاهر كلام الشافعي لان الله تعالى أمر بالايتاء منه ولنا انه لا فرق في المعنى بين الايتاء منه والايتاء من غيره إذا كان من جنسه فوجب أن يتساويا في الاجزاء كالزكاة وغير المنصوص إذا كان في معناه الحق به ولذلك جاز الحط عنه وليس هو بايتاء لما كان في معناه وان آتاه من غير جنسه مثل أن يكاتبه على دراهم فيعطيه دنانير أو عروضا لم يلزمه قبوله لانه لم يؤته منه ولا من جنسه ويحتمل اللزوم لحصول الرفق به فان رضي المكاتب بها جاز
(الفصل الرابع) في وقت جوازه وهو من حين العقد لقول الله تعالى (فكاتبوتهم ان علمتم فيهم خيرا وآتوهم) وذلك يحتاج إليه من حين العقد وكلما عجله كان أفضل لانه يكون أنفع كالزكاة (الفصل الخامس) في وقت وجوبه وهو حين العتق لان الله تعالى أمر بايتائه من المال الذي آتاه وإذا آتى المال عتق فيجب ايتاؤه حينئذ قال علي رضي الله عنه الكتابة على نجمين والايتاء من الثاني فان مات السيد قبل ايتائه فهو دين في تركته لانه حق واجب فهو كسائر ديونه فان ضاقت التركة عنه وعن غيره من الديون تحاصوا في التركة بقدر حقوقهم ويقدم على الوصايا لانه دين وقد قضي النبي صلى الله عليه وسلم ان الدين قبل الوصية (مسألة) (فان أدى ثلاثة أرباع الكتابة وعجز عن الربع عتق ولم تنفسخ الكتابة في قول القاضي وأصحابه) وهو قول ابي بكر لانه يجب رده إليه فلا يرد إلى الرق لعجزه عنه لانه عجز عن اداء حق هو له لا حق للسيد فيه فلا معنى لتعجيزه فيما يجب رده إليه وقال علي رضي الله عنه يعتق بقدر ما أدى لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (إذا أصاب المكاتب حدا وميراثا ورث بحساب ما عتق منه ويؤدى المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقي دية عبد) رواه الترمذي وقال حديث حسن، وروي عن عمر وعلي انه إذا أدى الشطر فلا رق عليه وروي ذلك عن النخعي
وقال عبد الله بن مسعود إذا أدى قدر قيمته فهو غريم وظاهر كلام الخرقي انه لا يعتق حتى يؤدي جميع الكتابة وروى الاثرم عن عمر وابنه وزيد بن ثابت وعائشة وسعيد بن المسيب والزهري انهم قالوا: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وهو قول القاسم وسالم وسليمان بن يسار وعطاء وقتادة والثوري وابن شبرمة ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن أم سلمة لما روى سعيد ثنا هشيم عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل كاتب غلامه على مائة أوقية فعجز عن عشر أواق فهو رقيق) وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) رواه أبو داود ولانه عوض عن المكاتب فلا يعتق قبل ادائه كالقدر المتفق عليه ولانه لو عتق بعضه لسرى إلى باقيه كما لو باشره بالعتق فأما حديث ابن عباس فمحمول على مكاتب لرجل مات وخلف ابنين فأقر أحدهما بكتابته وأنكر الآخر فأدى إلى المقر وما أشبهها من الصور جمعا بين الاخبار وتوفيقا بينها وبين القياس، ولان قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا كان لاحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه) دليل على اعتبار جميع ما يؤدي وروى سعيد باسناده عن ابي قلابة قال: كن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتجبن من
ما بقي عليه دينار ويجوز ان يتوقف العتق على اداء الجميع وإن وجب رد البعض إليه كما لو قال ااذا أديت إلي فانت حر ولله علي رد ربعها اليك فانه لا يعتق حتى يؤديها وإن وجب عليه رد بعضها (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإذا كاتب عبيدا له كتابة واحدة بعوض واحد صح) مثل أن يكاتب ثلاثة أعبد له بالف فيصح في قول اكثر أهل العلم منهم عطاء وسليمان بن موسى وابو حنيفة ومالك والحسن بن صالح واسحاق وهو المنصوص عن الشافعي وقال بعض أصحابه فيه قول آخر أنه لا يصح لان العقد مع ثلاثة كعقود ثلاثة عوض كل واحد منهم مجهول فلم يصح كما لو باع
كل واحد منهم لواحد صفقة واحدة بعوض واحد ولنا أن جملة العوض معلومة وانما جهل تفصيله فلم يمنع صحة العقد كما لو باعهم لواحد وعلى قول من قال إن العوض يكون بينهم على السواء فقد علم أيضا تفصيل العوض وعلى كل واحد منهم ثلث وكذا يقول فيما لو باعهم لثلاثة إذا ثبت هذا فكل واحد منهم مكاتب بحصته من الالف يقسم بينهم على قدر قيمتهم حين العقد لانه حين المعاوضة وزوال سلطان السيد عنهم فإذا أداه عتق، وهذا قول عطاء وسليمان بن موسى والحسن بن صالح والشافعي واسحاق وقال أبو بكر عبد العزيز يتوجه لابي
عبد الله قول آخر أن العوض بينهم على عدد رؤوسهم فيتساوون فيه لانه أضيف إليهم اضافة واحدة فكان بينهم بالسوية كما لو أقر لهم بشئ ولنا ان هذا عوض فيتقسط على المعوض كما لو اشترى شقصا وسيفا وكما لو اشترى عبيدا فرد واحدا منهم بعيب أو تلف أحدهم ورد الآخر ويخالف الاقرار فانه ليس بعوض إذا ثبت هذا فأيهم أدى حصته عتق وهذا قول الشافعي وقال ابن أبي موسى لا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع الكتابة وحكي ذلك عن أبي بكر وهو قول مالك وحكي عنه أنه إذ امتنع أحدهم من الكسب مع القدرة عليه أجبر عليه الباقون واحتجوا بان الكتابة واحدة بدليل أنه لا يصح من كل واحد منهم الكتابة بقدر حصته دون الباقين ولا يحصل العتق إلا باداء جميع الكتابة كما لو كان المكاتب واحدا وقال أبو حنيفة ان لم يقل لهم السيد ان اديتم عتقتم فايهم أدى بحصته عتق وان ادوا جميعها عتقوا كلهم ولم يرجع على صاحبه بشئ وان قال لهم ان اديتم عتقتم لم يعتق واحد منهم حتى يؤدي الكتابة كلها ويكون بعضهم حميلا عن بعض ويأخذ ايهم شاء بالمال وايهم أداها عتقوا كلهم ويرجع على صاحبيه بحصتهما ولنا أنه عقد معاوضة مع ثلاثة فيبرأ كل واحد منهم باداء حصته كما لو اشتروا عبيدا وكما لو لم يقل لهم ان اديتم عتقتم على أبي حنيفة فان قوله ذلك لا يؤثر لان استحقاق العتق باداء العوض لا بهذا القول بدليل أنه يعتق بالاداء بدون هذا القول ولم يثبت كون هذا القول مانعا من العتق وقوله ان
هذا العقد كتابة واحدة ممنوع فان العقد مع جماعة عقود بدليل البيع ولا يصح القياس على كتابة الواحد لان ما قدره في مقابلة عتقه وههنا في مقابلة عتقه ما يخصه فافترقا إذا ثبت هذا فانه ان شرط عليهم في العقد ان كان واحد منهم ضامن عن الباقين فسد الشرط والعقد صحيح وقال ابو الخطاب فيه رواية اخرى ان الشرط صحيح وخرجه ابن حامد وجها بناء على الروايتين في ضمان الحر لمال الكتابة وقال الشافعي العقد والشرط فاسدان لان الشرط فاسد ولا يمكن تصحيح العقد بدونه لان السيد انما رضي بالعقد بهذا الشرط فإذا لم يثبت لم يكن راضيا بالعقد وقال مالك وأبو حنيفة العقد والشرط صحيحان لانه من مقتضى العقد عندهما ولنا ان مال الكتابة ليس بلازم ولا مآله إلى اللزوم فلم يصح ضمانه كما لو جعل المال صفة مجردة في العتق فقال ان اديت الي الفا فانت حر ولان الضامن لا يلزمه أكثر من المضمون عنه ومال الكتابة لا يلزم المكاتب فلا يلزم الضامن ولان الضمان تبرع وليس للمكاتب التبرع ولان لا يملك الضمان عن حر ولا عمن ليس معه في الكتابة فكذلك من معه وأما العقد فصحيح بدليل ان الكتابة لا تفسد بفساد الشرط بدليل خبر بريرة (فصل) إذا مات بعض المكاتبين سقط قدر حصته نص عليه أحمد في رواية حنبل وكذلك ان اعتق بعضهم وعن مالك ان اعتق السيد أحدهم وكان مكتسبا نفذ عتقه لعدم الضرر فيه وهذا مبني على أنه لا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع مال الكتابة وقد مضى الكلام فيه
(فصل) فان أدى احد المكاتبين عن صاحبه أو عن مكاتب آخر قبل اداء ما عليه بغير علم سيده لم يصح لان هذا تبرع وليس له التبرع بغير اذن سيده فان كان قد حل نجم صرف ذلك فيه وان لم يكن حل عليه نجم فله الرجوع فيه وان علم السيد بذلك ورضي بقبضه عن الآخر صح لان قبضه له راضيا مع العلم دليل على الاذن فيه فجاز كما لو اذن فيه صريحا وان كان الاداء بعد ان عتق صح سواء علم السيد أو لم يعلم فإذا أراد الرجوع على صاحبه بما أدى عنه وكان قد قصد التبرع عليه لم يرجع به وان اداه محتسبا بالرجوع عليه باذن المؤدى عنه رجع عليه لانه قرض وان كان بغير اذنه
لم يرجع عليه لانه تبرع عليه باداء ما لا يلزمه اداؤه بغير اذنه فلم يرجع عليه كما لو تصدق عنه صدقة تطوع وبهذا فارق سائر الديون وان كان باذنه وطلب استيفاءه قدم على اداء مال الكتابة كسائر الديون وان عجز عن أدائه فحكمه حكم سائر الديون وهذا كله مذهب الشافعي (مسألة) (وان اختلفوا بعد الاداء في قدر ما أدى كل واحد منهم فالقول قول من يدعي أداء قدر الواجب عليه) وهذا إذا ادوا وعتقوا فقال من كثرت قيمته ادينا على قدر قيمنا وقال الآخر بل ادينا على السواء فبقيت لنا على الاكثر بقيمة فمن جعل العوض بينهم على عددهم قال القول قول من يدعي التسوية ومن جعل على كل واحد قدر حصته فعنده فيه وجهان (أحدهما) القول قول من يدعي
التسوية لان ايديهم على المال فيتساوون فيه (والثاني) قول من يدعي أداء قدر الواجب عليه لان الظاهران الانسان لا يؤدي الا ما عليه (فصل) فان جنى بعضهم فجنايته عليه دون صاحبه وبهذا قال الشافعي وقال مالك يؤدون كلهم ارشه فان عجزوا رقوا ولنا قول الله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجني جان إلا على نفسه) ولانه لو اشترك رجلان وتعاقدا لم يحمل أحدهما جناية صاحبه فكذا ههنا ولان ما لا يصح لا يتضمنه عقد الكتابة ولا يجب على أحدهما بفعل الاخر كالقصاص وقد بينا ان كل واحد منهما مكاتب بقدر حصته فهو كالمنفرد بعقده (فصل) إذا شرط المكاتب في كتابته ان يوالي من شاء فالشرط بالطل والولاء لمن أعتق لا نعلم في بطلان الشرط خلافا لما روت عائشة رضي الله عنها قالت كانت في بريرة ثلاث قضيات اراد أهلها ان يبيعوها ويشترطوا الولاة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال (اشتريها واشترطي لهم الولاء فانما الولاء لمن أعتق) فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وانثى عليه ثم قال (أما بعد
فما بال اناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وان كان مائة شرط، قضاء الله احق وشرط الله اوثق انما الولاء لمن اعتق) متفق عليه ولان الولاء لا يصح نقله بدليل ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته وقال (انما الولاء لمن اعتق) ولانه لحمة كلحمة النسب فلم يصح اشتراطه لغير صاحبه كالقرابة ولانه حكم العتق فلم يصح اشتراطه لغير المعتق كما لا يصح اشتراط حكم النكاح لغير الناكح ولا حكم البيع لغير العاقد وسواء شرط ان يوالي من شاء أو شرط لبائعه أو لرجل آخر بعينه ولا تفسد الكتابة بهذا الشرط نص عليه أحمد وقال الشافعي تفسد به كما لو شرط عوضا مجهولا ويتخرج لنا مثل ذلك بناء على الشروط الفاسدة في البيع ولنا حديث بريرة فان أهلها شرطوا لهم الولاء فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بشرائها مع هذا الشرط وقال (انما الولاء لمن أعتق) ويفارق جهالة العوض فانه ركن العقد لا يمكن تصحيح العقد الا به وربما افضت جهالته إلى التنازع والاختلاف وهذا شرط زائد فإذا حذفناه بقي العقد صحيحا بحاله فان قيل المراد بقوله عليه السلام (اشترطي لهم الولاء) أي عليهم لان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر بالشرط الفاسد واللام تستعمل بمعنى على كقوله تعالى (وان أسأتم فلها) قلنا لا يصح لثلاث وجوه (أحدها) أنه مخالف وضع اللفظ والاستعمال (والثاني) ان أهل بريرة أبو هذا الشرط فكيف يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بشرط لا يقبلونه؟
(الثالث) ان ثبوت الولاء لها لا يحتاج إلى شرط لانه مقتضى العتق وحكمه ولان في بعض الالفاظ (لا يمنعنك هذا الشرط منها، ابتاعي واعتقي) وانما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالشرط تعريفا لنا ان وجود هذا الشرط كعدمه وانه لا ينقل الولاء عن المعتق (فصل) فان شرط السيد على المكاتب ان يرثه دون ورثته أو مزاحمتهم في مواريثهم فهو شرط فاسد في قول عامة العلماء منهم الحسن وعطاء وشريح وعمر بن عبد العزيز والنخعي واسحاق واجاز اياس بن معاوية ان يشرط شيئا من ميراثه ولا يصح لانه يخالف كتاب الله وكل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل وروى سعيد ثنا هشيم عن منصور عن ابن سيرين
باسناده أن رجلا كاتب مملوكه واشترط ميراثه فلما مات المكاتب خاصم ورثته إلى شريح فقضى شريح بميراث المكاتب لورثته فقال الرجل ما يغني شرطي منذ عشرين سنة؟ فقال شريح كتاب الله أنزله على نبيه قبل شرطك بخمسين سنة ولا تفسد الكتابة بهذا الشرط كالذي قبله (فصل) فان شرط عليه خدمة معلومة بعد العتق جاز وبه قال عطاء وابن شبرمة وقال مالك والزهري لا يصح لانه ينافي مقتضى العقد أشبه ما لو شرط ميراثه ولنا أنه روي عن عمر رضي الله عنه أنه أعتق كل من يصلي من سبي العرب وشرط عليهم: أن تخدمو الخليفة من بعدي ثلاث سنوات ولانه اشترط خدمة في عقد الكتابة أشبه ما لو شرطها قبل
العتق ولانه شرط نفعا معلوما أشبه ما لو شرط عوضا معلوما ولا نسلم ان ينافي مقتضى العقد فان مقتضاه العتق عند الاداء وهذا لا ينافيه (فصل) إذا كاتبه على الفين في رأس كل شهر الف وشرط أن يعتق عند أداء الاول صح في قياس المذهب ويعتق عند أدائه لان السيد لو أعتقه بغير أداء شئ صح فكذلك إذا أعتقه عند أذاء البعض ويبقى الآخر دينا عليه بعد عتقه كما لو باعه نفسه به (مسألة) وتجوز كتابة بعض عبده فإذا أدى عتق كله قاله أبو بكر) لانها معاوضة فصحت في بعضه كالبيع فإذا أدى جميع كتابته عتق كله لانه إذا سرى العتق فيه إلى ملك غيره فالى ملكه أولى ويجب أن يؤدي إلى سيده مثلي كتابته لان نصف كسبه يستحقه سيده بما فيه من الرق ونصفه يؤدى في الكتابة إلا أن يرضى سيده بتأدية الجميع في الكتابة فيصح وإذا استوفى المال كله عتق نصفه بالكتابة وباقيه بالسراية (مسألة) وتجوز كتابة حصته من العبد المشترك بغير إذن شريكه) إذا كان لرجل نصف عبد فكاتبه صح سواء كان باقيه حرا أو مملوكا لغيره وسواء أذن الشريك أو لم يأذن وهذا ظاهر قول الخرقي وأبي بكر وهو قول الحكم وابن أبي ليلى وحكي عن الحسن البصري والحسن بن صالح ومالك والعنبري وكره الثوري وحماد كتابته بغير إذن شريكه، وقال
الثوري ان فعل رددته إلا أن يكون بعده فيضمن لشريكه نصف ما في يده وقال أبو حنيفة يصح باذن الشريك ولا يصح بغير إذنه وهو أحد قولي الشافعي إلا أن أبا حنيفة قال الاذن في ذلك اذن في تأدية مال الكتابة من جميع كسبه ولا يرجع الاذن بشئ منه، وقال ابو يوسف ومحمد يكون جميعه مكاتبا، وقال الشافعي في أحد قوليه ان كان باقيه حرا صحت كتابته وان كان ملكا لم يصح سواء أذن فيه الشريك أم لم يأذن لان كتابته تقتضي اطلاقه في الكسب والسفر وملك نصفه يمنع ذلك ويمنعه أخذ نصيبه من الصدقات لئلا يصير كسبا فيستحق سيده نصفه ولانه إذا أدى عتق جميعه فيفضي إلى أن يؤدي نصف كتابته ثم يعتق جميعه ولنا أنه عقد معاوضة على نصيبه فصح كبيعه ولانه ملك لم يصح بيعه وهبته فصحت كتابته كما لو ملك جميعه ولانه ينفذ اعتاقه فصحت كتابته كالعبد الكامل وكما لو كان باقيه حرا عند الشافعي أو أذن فيه الشريك عند الباقين وقولهم إنه يقتضي المسافرة والكسب واخذ الصدقة قلنا أما المسافرة فليست من المقتضيات الاصلية فوجود مانع منها لا يمنع اصل العقد، وأما الكسب وأخذ الصدقة فانه لا يمنع كسبه واخذه الصدقة بجزئه المكاتب ولا يستحق الشريك شيئا منه لانه انما يستحق ذلك بالجزء المكاتب ولا حق للشريك فيه فكذلك ما حصل به كما لو ورث شيئا بجزئه الحر، وأما الكسب فان هايأه مالك نصفه فكسب في نوبته شيئا لم يشاركه فيه أيضا وان لم يهايئه فكسب
بجملته شيئا كان بينهما له بقدر ما فيه من الجزء المكاتب ولسيده الباقي لانه كسبه بجزئه المملوك فيه فأشبه ما لو كسب قبل كتابته فقسم بين سيديه وقولهم انه يفضي إلى ان يؤدي بعض الكتابة فيعتق جميعه قلنا يبطل هذا بما لو علق عتق نصيبه على اداء مال فانه يؤدي عوض البعض ويعتق الجميع على انا نقول لا يعتق حتى يؤدي جميع الكتابة فان جميع الكتابة هو الذي كاتبه عليه مالك نصفه ولم يبق منها شئ فلا يعتق حتى يؤدي جميعها ولانه لا يعتق الجميع بالاداء وانما يعتق الجزء المكاتب لا غير وباقيه ان كان المكاتب معسرا لم يعتق وان كان موسرا عتق بالسراية لا بالكتابة ولا يمتنع هذا كما لو اعتق
بعضه عتق جميعه وإذا جاز عتق جميعه باعتاق بعضه بطريق السراية جاز ذلك فيما يجرى مجرى العتق (مسألة) (وإذا أدى ما كوتب عليه ومثله لسيده الآخر عتق كله ان كان الذي كاتبه موسرا وعليه قيمة حصة شريكه) وجملة ذلك ان احد الشريكين إذا كاتب نصيبه لم تسر الكتابة ولم يتعد الجزء الحر الذي كاتبه لان الكتابة عقد معاوضة فلم تسر كالبيع وليس للعبد ان يؤدي إلى مكاتبه شيئا حتى يؤدي إلى شريكه مثله سواء اذن الشريك في كتابته أو لم يأذن لانه انما اذن في كتابة نصيب شريكه وذلك يقتضي ان يكون نصيبه باقيا له هذا إذا كان الكسب لجميعه فان ادى الكتابة من جميع كسبه لم
يعتق لان الكتابة الصحيحة تقتضي العتق ببراءته من العوض وذلك لا يحصل بدفع ما ليس له وان ادى اليهما جميعا عتق كله لان نصفه يعتق بالاداء فإذا عتق سرى إلى سائره ان كان الذي كاتبه موسرا وتلزمه قيمة نصيب شريكه لان عتقه بسبب من جهته أشبه ما لو باشره بالعتق أو علق عتق نصيبه بصفة فعتق بها فأما ان ملك شيئا بجزئه المكاتب كمن هايأه سيده فكسب شيئا في نوبته أو أعطي من الصدقة من سهم الرقاب فلا حق لسيده فيه وله أداء جميعه في كتابته لانه يستحق ذلك بما فيه من الكتابة فأشبه النصف الباقي بعد اعطاء الشريك حقه ولو كان ثلثه حرا وثلثه مكاتبا وثلثه رقيقا فورث بجزئه الحر ميراثا وأخذ بجزئه المكاتب من سهم الرقاب فله دفع ذلك كله في كتابته لانه ما استحق بجزئه الرقيق شيئا منه فلا يستحق مالكه منه شيئا وإذا أدى جميع كتابته عتق فان كان الذي كاتبه معسرا لم يسر العتق ولم يتعد نصيبه كما إذا واجهه بالعتق إلا على الرواية التي نقول فيها بالاستسعاء فانه يستسعى في نصيب الذي لم يكاتب وان كان موسرا سرى إلى باقيه (مسألة) (وان أعتق الشريك قبل أدائه عتق عليه كله إن كان موسرا وعليه قيمة نصيب المكاتب وقال أبو بكر والقاضي لا يسري إلى النصف المكاتب) لانه قد انعقد للمكاتب سبب الولاء فلا يجوز ابطاله الا أن يعجز فيقوم عليه حينئذ، وقال ابن أبي ليلى عتق الشريك موقوف حتى تنظر ما يصنع في الكتابة فان أداها عتق وكان المكاتب
ضامنا لقيمة نصيب شريكه وولاؤه كله للمكاتب وان عجز سرى عتق الشريك وضمن نصف القيمة للمكاتب وولاؤه كله له وأما الشافعي فلا يجوز كتابته الا باذن شريكه في أحد قوليه فان كاتبه باذن شريكه فأعتق الذي لم يكاتب فهل يسري في الحال أو يقف على العجز؟ فيه قولان ولنا أنه عتق لجزء من العبد من موسر غير محجور عليه فسرى إلى باقيه كالقن وقولهم انه يفضي إلى ابطال الولاء قلنا إذا كان العتق يؤثر في ابطال الملك الثابت الذي الولاء من بعض آثاره فلان يؤثر في نقل الولاء بمفرده أولى ولانه لو أعتق عبدا له اولاد من معتقة قوم نقل ولاءهم إليه فإذا نقل ولاءهم الثابت باعتاق غيرهم فلان ينقل ولاء لم يثبت بعد باعتاق من عليه الولاء أولى ولانه نقل الولاء عمن لم يغرم له عوضا فلان ينقله بالعوض اولى فانتقال الولاء في موضع جر الولاء ينبه على سراية العتق وانتقال الولاء إلى المعتق لكونه أولى من ثلاثة أوجه (أحدها) أن الولاء ثم ثابت وهذا بعرض الثبوت (الثاني) أن النقل حصل ثم يا عتاق غيره وههنا باعتاقه (الثالث) أنه انتقل بغير عوض وههنا بعوض (فصل) وإن كان المعتق معسرا لم يسر عتقه وكان نصيبه حرا وباقيه على الكتابة فان ادى عتق عليهما وكان ولاؤه بينهما وان عجز عاد الجزء المكاتب رقيقا قنا إلا على الرواية التي تقول يستسعى العبد فانه يستعى عند عجزه في قيمة باقيه ولا يستسعى في حال الكتابة لان الكتابة سعاية فيما اتفقا
عليه فاستغني بها عن السعاية فيما يحتاج إلى التقويم فإذا عجز وفسخت الكتابة بطلت ورجع إلى السعاية في القيمة وحديث ابن عمر حجة لما ذهبنا اله وهو ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من اعتق شركا له في عبد فان كان معه ما يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة العدل واعطي شركاؤه حصصهم وعتق جميع العبد والا فقد عتق منه ما عتق) متفق عليه ورواه مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر وهذا الحديث حجة على من خالفه وهذا قول الخرقي والله تعالى أعلم (مسألة) (وإن كاتبا عبدهما جاز سواء كان على التساوي أو التفاضل ولا يجوز أن يؤدي
اليهما إلا على التساوي) إذا كان العبد لرجلين فكاتباه معا سواء تساويا في العوض أو اختلفا فيه وسواء اتفق نصيباهما فيه أو اختلفا وسواء كان في عقد واحد أو عقدين صح وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يجوز أن يتفاضلا في المال مع التساوي في الملك ولا التساوي في المال مع التفاضل في الملك لان ذلك يؤدى إلى أن ينتفع أحدهما بمال الآخر لانه إذا دفع إلى أحدهما أكثر من قدر ملكه ثم عجز رجع عليه الآخر بذلك
ولنا أن كل واحد منهما يعقد على نصيبه عقد معاوضة فجاز أن يختلفا في العوض كالبيع وما ذكره لا يلزم لان انتفاع أحدهما بمال الآخر انما يكون عند العجز وليس ذلك من مقتضيات العقد وانما يكون عند زواله فلا يضر ولانه انما يؤدي اليهما على التساوي فإذا عجز قسم ما كسبه بينهما على قدر الملكين فلم يكن أحدهما منتفعا الا بما يقابل ملكه وعاد الامر بعد زوال الكتابة إلى حكم الرق كأنه لم يزل فان قيل فالتساوي في الملك يقتضي التساوي في أدائه اليهما ويلزم منه وفاء كتابة أحدهما قبل الآخر فيعتق نصيبه ويسري إلى نصيب صاحبه ويرجع الآخر عليه بنصف قيمته قلنا يمكن أداء كتابته اليهما دفعة واحدة فيعتق عليهما ويمكن ان يكاتب أحدهما على مائة في نجمين في كل نجم خمسون ويكاتب الآخر على مائتين في نجمين في الاول خمسون وفي الثاني مائة وخمسون فيكون وقتهما واحدا فيؤدي إلى كل واحد منهما حقه على أن أصحابنا قد قالوا لا يسري العتق إلى نصيب الآخر ما دام مكاتبا فلا يفضي إلى ما ذكروه وان قدر افضاؤه إليه فلا مانع فيه من صحة الكتابة فانه لا يخل بمقصود الكتابة وهو العتق بها ويكون سراية العتق من غير ضرر بأن يكاتبه على مثلي قيمته فإذا عتق عليه غرم لشريكه نصف قيمته وسلم إليه باقي المال وحصل له ولاء العبد ولا ضرر في هذا ثم لو كان فيه ضرر لكنه قد رضي به حين كتابته على أقل مما كاتبه به شريكه والضرر المرضي به من جهة المضرور لا عبرة به كما لو باشره بالعتق أو أبرأه من مال الكتابة فانه يعتق عليه ويسري عتقه ويغرم لشريكه وهو جائز فهذا أولى بالجواز
(فصل) ولا يجوز ان يختلفا في التنجيم ولا ان يكون لاحدهما في النجوم قبل النجم الآخير أكثر من الاخر في أحد الوجهين لانه لا يجوز ان يؤدي اليهما إلا على السواء ولا يجوز تقديم أحدهما بالوفاء على الآخر واختلافهما في ميقات النجوم وقدر المؤدى يفضي إلى ذلك (والثاني) يجوز لانه يمكن ان يعجل لمن تأخر نجمه قبل محله ويعطي من قل نجمه أكثر من الواجب له ويمكن ان يأذن له أحدهما في الدفع إلى الآخر قبله أو أكثر منه ويمكن ان ينظره من حل نجمه أو يرضى من له الكثير بأخذ دون حقه وإذا أمكن افضاء العقد إلى مقصوده فلا يبطله باحتمال عدم الافضاء إليه (فصل) وليس للمكاتب ان يؤدي إلى احدهما أكثر من الآخر ولا يقدم أحدهما على الآخر ذكره القاضي وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي قال شيخنا لا أعلم فيه خلافا لانهما سواء فيه فيستويان في كسبه وحقهما متعلق بما في يده تعلقا واحدا فلم يكن له ان يخص احدهما بشئ منه دون الاخر ولانه ربما عجز فيعود إلى الرق ويتساويان في كسبه فيرجع احدهما على الآخر بما في يده من الفضل بعد انتفاعه به مدة فان قبض احدهما دون الآخر شيئا لم يصح القبض وللاخر ان يأخذ منه حصته إذا لم يكن اذن في القبض فان اذن فيه ففيه وجهان ذكرهما أبو بكر (أحدهما) يصح لان المنع لحقه فجاز باذنه كما لو اذن المرتهن للراهن في التصرف فيه أو اذن المشتري للبائع في قبض المبيع قبل أن يوفيه
ثمنه أو اذنا للمكاتب في التبرع ولانهما لو اذنا له في الصدقة بشئ صح قبض المصدق عليه له كذلك ههنا (والثاني) لا يجوز وهو اختيار أبي بكر ومذهب ابي حنيفة وأحد قولي الشافعي واختيار المزني لان ما في يد المكاتب ملك له فلا ينفذ اذن غيره فيه وانما حق سيده في ذمته والاول أصح ان شاء الله تعالى لان الحق لهم لا يخرج عنهم فإذا اتفقوا على شئ فلا وجه للمنع وقولهم إنه ملك للمكاتب تعليق على العلة ضد ما تقتضيه لان كونه ملكا له يقتضي جواز تصرفه فيه على حسب اختياره وانما المنع لتعلق حق سيده به فإذا اذن زال المانع فصح التقبيض لوجود مقتضيه وخلوه من المانع ثم يبطل بما ذكرنا من المسائل فعلى هذا الوجه إذا دفع إلى احدهما مال الكتابة باذن صاحبه عتق نصيبه من
المكاتب لانه استوفى حقه ويسري العتق إلى باقيه ان كان موسرا وعليه قيمة حصة شريكه لان عتقه بسببه وهذا قول الخرقي ويضمنه في الحال بنصف قيمته مكاتبا مبقى على ما بقي من كتابته وولاؤه كله له وما في يده من المال للذي لم بقبض منه بقدر ما قبضه صاحبه والباقي بين العبد وبين سيده الذي عتق عليه لان نصفه عتق بالكتابة ونصفه بالسراية فحصة ما عتق بالكتابة للعبد وحصة ما عتق بالسراية للسيد وعلى ما اختاره شيخنا يكون الباقي كله للعبد لان الكسب كان ملكا له فلا يزول ملكه عنه بعتقه كما لو عتق بالاداء وقال أبو بكر والقاضي لا يسري العتق في الحال وانما يسري عند عجزه فعلى قولهما يكون باقيا على الكتابة فان ادى إلى الاخر عتق عليهما وولاؤه لهما
وما يبقى في يده من كسبه فهو له وان عجز وفسخت الكتابة قوم على الذي ادى إليه وكان ولاؤه كله له وتنفسخ الكتابة في نصفه، وان مات فقد مات ونصفه حر ونصفه رقيق ولسيده الذي لم يعتق نصيبه ان يأخذ مما خلفه مثلما أخذه شريكه من مال الكتابة وله نصف ما يبقى والباقي لورثة العبد فان لم يكن له وارث من نسبه فهو للذي أدى إليه بالولاء وان قلنا لا يصح القبض فما أخذه القابض بينه ويين شريكه ولا تعتق حصته من المكاتب لانه لم يستوف عوضه ولغير القابض مطالبة القابض بنصيبه مما قبضه كما لو قبض بغير اذنه وان لم يرجع غير القابض بنصيبه حتى أدى المكاتب إليه كتابته صح وعتق عليهما جميعا، وان مات العبد قبل استيفاء الاخر حقه فقد مات عبدا ويستوفي الذي لم يقبض من كسبه بقدر ما أخذ صاحبه والباقي بينهما قال أحمد في رواية ابن منصور في عبد بين رجلين كاتباه فأدى إلى أحدهما كتابته ثم مات وهو يسعى للآخر لمن ميراثه؟ قال أحمد كل ما كسب العبد في كتابته فهو بينهما ويرجع هذا على الآخر بنصيبه مما أخذ وميراثه بينهما قال ابن منصور: قال اسحاق بن راهويه كما قال (فصل) عجز مكاتبهما فلهما الفسخ والامضاء فان فسخا جميعا أو امضيا الكتابة جاز ما اتفقا عليه وان فسخ احدهما وأمضى الاخر جاز وعاد نصفه رقيقا قنا ونصفه مكاتبا وقال القاضي تنفسخ الكتابة في جميعه وهو مذهب الشافعي لان الكتابة لو بقيت في نصفه لعاد ملك الذي
فسخ الكتابة إليه ناقصا
ولنا أنها كتابة عن ملك أحدهما فلم تنفسخ بفسخ الاخر كما لو انفرد بكتابته ولانهما عقدان مفردان فلم ينفسخ احدهما بفسخ الاخر كالبيع وما حصل من القبض لا يمنع لانه إنما حصل ضمنا لتصرف الشريك في نصيبه فإذا لم يمنع العقد في ابتدائه فلان لا يبطله في دوامه أولى ولان ضرره حصل بعقده وفسخه فلا يزال بفسخ عقد غيره ولان في فسخ الكتابة ضررا بالمكاتب وسيده وليس دفع الضرر عن الشريك الذي فسخ بأولى من دفع الضرر عن الذي لم يفسخ لوجوه ثلاثة (احدهما) ان ضرر الذي فسخ حصل ضمنا لبقاء عقد شريكه في ملك نفسه وضرر شريكه يزول بزوال عقده وفسخ تصرفه في ملكه (الثاني) ان ضرر الذي فسخ لم يعتبره الشرع في موضع ولا أصل لما ذكروه من الحكم ولا يعرف له نظير فيكون بمنزلة المصالح المرسلة التي وقع الاجماع على اطراحها وضرر شريكه بفسخ عقده معتبر في سائر عقوده من بيعه وهتبه وغير ذلك فيكون أولى (الثالث) ان ضرر الفسخ يتعدى إلى المكاتب فيكون ضررا باثنين وضرر الفاسخ لا يتعداه، ثم لو قدر تساوي الضررين لوجب ابقاء الحكم على ما كان عليه ولا يجوز احداث الفسخ من غير دليل راجح (فصل) وإذا عجز المكاتب ورد في الرق وكان في يده مال فهو لسيده سواء كان من كسبه أو صدقة تطوع أو وصية وما كان من صدقة مفروضة ففيه روايتان (احداهما) هو لسيده وهو قول
أبي حنيفة وقال عطاء يجعله في السبيل أحب إلي وإن أمسكه فلا بأس (والرواية الثانية) يؤخذ ما بقي في يده فيجعل في المكاتبين نقلها حنبل وهو قول شريح والنخعي والثوري واختار أبو بكر والقاضي انه يرد إلى أربابه وهو قول إسحاق لانه انما دفع إليه ليصرف في العتق فإذا لم يصرف فيه وجب رده كالعازي والغارم وابن السبيل ووجه الرواية الاولى ان ابن عمر رد مكاتبا في الرق فأمسك ما أخذه منه ولانه يأخذ لحاجته فلم يرد ما أخذه كالفقير والمسكين، وأما الغازي فانه يأخذ لحاجتنا إليه بقدر ما يكفيه لغزوه.
فأما
الغارم فان غرم لاصلاح ذات البين فهو كالغازي يأخذ لحاجتنا إليه وإن غرم لمصلحة نسفه فهو كمسئلتنا لا يرده (فصل) فأما ما أداه إلى سيده قبل عجزه فلا يجب رده بحال لان المكاتب صرفه في الجهة التي أخذه لها وثبت ملك سيده عليه ملكا مستقرا فلم يزل ملكه عنه كما لو عتق المكاتب ويفارق ما في يد المكاتب فان ملك سيده لم يثبت عليه قبل هذا والخلاف في ابتداء ثبوته وما تلف في يد المكاتب لم يرجع به عليه سواء عجز أو أدى لان ماله تلف في يده اشبه ما لو تلف في يد سائر أصناف الصدقة وإن اشترى به عرضا وعجز والعرض في يده ففيه من الخلاف مثل ما لو وجده بعينه لان العرض عوضه وقائم مقامه فأشبه ما لو أعطى الغازي من الصدقة ما اشترى به فرسا وسلاحا ثم فضل عن حاجته (فصل) وموت المكاتب قبل الاداء كعجزه فيما ذكرنا لان سيده يأخذ ما في يده قبل حصول
مقصود الكتابة وإن أدى وبقي في يده شئ فحكمه في رده واخذه حكم سيده في ذلك عند عجزه لانه مال لم يؤده في كتابته بقي بعد زوالها، فان كان قد استدان ما أداه في الكتابة وبقي عنده من الصدقة ما يقضي به دينه لم يلزمه رده لانه محتاج إليه بسبب الكتابة فاشبه ما يحتاج إليه في ادائها (فصل) إذا قال السيد لمكاتبه متى عجزت بعد موتي فأنت حر فهذا تعليق للحرية على صفة تحدت بعد الموت وفيه اختلاف ذكرناه، فان قلنا لا يصح فلا كلام وإن قلنا يصح فمتى عجز بعد الموت صار حرا بالصفة، فان ادعى العجز قبل حلول النجم لم يعتق لانه لم يجب عليه شئ يعجز عنه.
وإن كان بعد حلوله ومعه ما يؤديه لم يقبل قوله لانه غير عاجز وإن لم يكن معه مال ظاهر فصدقه الورثة عتق وإن كذبوه فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم المال وعجزه فإذا حلف عتق وإذا عتق بهذه الصفة كان ما في يده له إن لم تكن كتابته فسخت لان العجز لا تنفسخ به الكتابة وانما يثبت به استحقاق الفسخ والحرية تحصل به بأول وجوده فتكون الحرية قد حصلت له في حال كتابته فيكون ما في يده له كما لو عتق بالابراء من مال الكتابة ومقتضى قول بعض اصحابنا أن كتابته تبطل ويكون ما في يده لورثة سيده (فصل) إذا كاتب عبدا في صحته ثم اعتقه في مرض موته أو أبرأه من مال الكتابة فان كان
يخرج من ثلثه الاقل من قيمته أو مال كتابته عتق مثل أن يكون له سوى المكاتب مائتان وقيمة
المكاتب مائة ومال الكتابة مائة وخمسة فانا نعتير قيمته دون مال الكتابة وهي تخرج من الثلث وإن كان بالعكس اعتبرنا مال الكتابة ونفذ العتق ويعتبر الباقي من مال الكتابة دون ما أدي منها وانما اعتبرنا الاقل لان قيمته إن كانت أقل فهي قيمة ما اتلف بالاعتاق ومال الكتابة ما استقر عليه فان للعبد إسقاطه بتعجيز نفسه أو يمتنع من ادائه فلا يجبر عليه فلم يحتسب له به وإن كان عوض الكتابة أقل اعتبرناه لانه يعتق بأدائه ولا يستحق السيد عليه سواه وقد ضعف ملكه فيه وصار عوضه وإن كان كل واحد منهما لا يخرج من الثلث مثل أن يكون ماله سوى المكاتب مائة فانا نضم الاقل من قيمته أو مال الكتابة ونعمل بحسابه قيعتق منه ثلثاه ويبقى ثلثه بثلث مال الكتابة فان أداه عتق وإلا رق منه ثلثه ويحتمل أنه إذا كان مال الكتابة مائة وخمسين فيفي ثلثه بخمسين فأداها أن نقول قد زاد مال الميت لانه حسب على الورثة بمائة وحصل لهم ثلثه خمسون فقد زاد مال الميت فينبغي أن يزيد ما يعتق منه لان هذا المال يحصل لهم بعقد السيد والارث عنه ويجب أن يكون المعتبر من مال الكتابة ثلاثة أرباعه لان ربعه يجب ايتاؤه للمكاتب فلا يحسب من مال الميت فان كان ثلاثة أرباع مال الكتابة مائة وخمسين وقيمة العبد مائة وللميت مائة أخرى عتق من العبد ثلثاه وحصل للورثة من كتابة البعد خمسون عن ثلث العبد المحسوب عليهم ثلث المائة فقد زاد لهم ثلث الخمسين فيعتق من العبد قدر ثلثها وهو تسع الخمسين وذلك نصف تسعه فصار العتق ثابتا في ثلثيه ونصف تسعه
وحصل للورثة المائة وثمانية أتساع الخمسين وهو مثلا ما عتق منه.
فان قيل لم أعتقتم بعضه وقد بقي عليه بعض مال الكتابة؟ قلنا انما أعتقنا بعضه ههنا باعتاق سيده لا الكتابة، ولما كان العتق في مرض موته نفذ في ثلث ماله وبقي باقيه لحق الورثة، والموضع الذي لا يعتق إلا باداء جميع الكتابة إذا كان عتقه بها لانه إذا بقي عليه شئ فما حصل لاستيفاء يخص المعاوضة فلم تثبت الحرية في العوض (فصل) فان وصى سيده باعتاقه أو ابرائه من الكتابة وكان يخرج من ثلثه اقل الامرين من
قيمته أو مال الكتابة فالحكم فيه كالحكم فيما إذا أعتقه في مرضه أو أبرأه إلا انه لا يحتاج ههنا إلى ايقاع العتق لانه أوصى به وإن لم يخرج الاقل منهما من ثلثه عتق منه بقدر الثلث ويسقط من الكتابة بقدر ما عتق ويبقى باقيه على باقي الكتابة فإذا أداه عتق جميعه وإن عجز عتق منه بقدر الثلث ورق الباقي.
وقياس المذهب أن يتنجز عتق ثلثه في الحال وان لم يحصل للورثة في الحال شئ لان حق الورثة متحقق الحصول فانه ان أدى وإلا عاد الباقي قنا وذكر القاضي فيه وجها آخر انه لا يتنجز عتق شئ منه إذا لم يكن للميت مال سواه لئلا يتنجز للوصية ما عتق ويتأخر حق الوارث ولذلك لو كان له مال غائب أو دين حاضر لم يتنجز وصيته من الحاضر والاول أصح لما ذكرناه وأما الحاضر والغائب فانه إن كان موصى له بالحاضر أخذ ثلثه في الحال ووقف الباقي على قدوم الغائب فقد حصل
للموصى له ثلث الحاضر ولم يحصل للورثة شئ في الحال فهي كسمئلتنا ولم تكمل له جميع وصيته لان الغائب غير موثوق بحصوله فانه ربما تلف بخلاف ما نحن فيه.
فأما الزيادة الحاصلة بزيادة مال الكتابة فانها تقف على أدائه (فصل) قال الخرقي وإذا كان العبد لتلاثة فجاءهم بثلثمائة درهم فقال بيعوني نفسي بها فأجابوه فلما عاد إليهم ليكتبوا له كتابا أنكر أحدهم أن يكون أخذ شيئا وشهد الرجلان عليه بالاخذ فقد صار العبد حرا بشهادة الشريكين إذا كانا عدليل ويشاركهما فيما أخذا من المال وليس على العبد الشئ، اعترض على الخرقي في هذه المسألة حيث أجاز له شراء نفسه بعين ما في يده مع انه قد ذكر في باب العتق: إذا قال العبد لرجل اشترني من سيدي بهذا المال واعتقني فاشتراه بعين المال كان الشراء والعتق باطلا ويكون السيد قد أخذ ماله.
فأجاب القاضي عن هذا الاشكال بوجوه: منها ان يكون مكاتبا وقوله بيعوني نفسي بهذه أي اعجل لكم الثلاثمائة وتضعون عني ما بقي من كتابتي ولهذا ذكرها في باب المكاتب (الثاني) أن يكون العبد لاجنبي قال له اشتر نفسك بها من غير ان يملكه اياها (الثالث) أن يكون عتقا بصفة تقديره إذا قبضنا منك هذه الدراهم فأنت حر (الرابع) أن يكون سادته رضوا ببيعه نفسه بما في يده وفعلهم ذلك معه اعتاق منهم مشروط بتأدية ذلك إليهم فتكون صورته صورة
البيع ومعناه العتق بشرط الاداء كما لو قال بعتك نفسك بخدمتي سنة فان منافعه مملوكة لسيده وقد صح
هذا فيها فكذا ههنا قال شيخنا وهذا الوجه أظهر ان شاء الله تعالى لانه لا يحتاج إلى تأويل ومتى أمكن حمل الكلام على ظاهره لم يجز تأويله بغير دليل.
إذا تقرر هذا فمتى اشترى العبد نفسه من سادته عتق لان البيع يخرجه عن ملكهم ولا يثبت عليه ملك آخر الا أنه ههنا لا يعتق الا بالقبض لانا جعلناه عتقا مشروطا به ولهذا قال الخرقي وقد صار العبد حرا بشهادة الشريكين اللذين شهدا بالقبض ولو عتق بالبيع لعتق باعترافهم به لا بالشهادة بالقبض ومتى أنكر أحدهم اخذ نصيبه من الثمن فشهد عليه شريكاه وكانا عدلين قبلت شهادتهما لانهما شهدا للعبد باداء ما يعتق به فقبلت شهادتهما كالاجنبيين ويرجع المشهود عليه عليهما فيشاركهما فيما أخذاه لانهما اعترفا بأخذ مائتين من ثمن العبد والعبد مشترك بينهم فثمنه يجب أن يكون بينهم ولان ما في يد العبد لهم والذي أخذاه كان في يده فيجب ان يشترك فيه الجميع ويكون بينهم بالسوية وشهادتهما فيما لهما فيه نفع غير مقبولة ودفع مشاركته لهما فيه نفع لهما فلم تقبل شهادتهما فيه وقبلت بما ينتفع به العبد دون ما ينتفعان به كما لو اقر بشئ لغيرهما فيه نفع فان اقرارهما يقبل فيما عليهما دون مالهما وقياس المذهب ان لا تقبل شهادتهما على شريكهما بالقبض لانهما يدفعان بها عن أنفسهما ضررا ومغرما ومن شهد بشهادة يجر إلى نفسه نفعا بطلت شهادته في الكل وانما يقبل ذلك في الاقرار لان العدالة غير معتبرة فيه والتهمة لا تمنع من صحته بخلاف الشهادة فعلى هذا القياس يعتق نصيب الشاهدين باقرارهما ويبقى نصيب المشهود عليه موقوفا على
القبض وله مطالبته بنصيبه أو مشاركة صاحبيه بما أخذ فان شاركهما أخذ منهما ثلثي مائة ورجع على العبد بتمام المائة ولا يرجع المأخوذ منه على الآخر بشئ لانه ان أخذ من العبد فهو يقول ظلمني واخذ مني مرتين وإن أخذ من الشاهدين فهما يقولان ظلمنا وأخذ منا ما لا يستحقه علينا ولا يرجع المظلوم على غير ظالمه وان كانا غير عدلين فكذلك سواء قلنا ان شهادة العدلين مقبولة أو لا لان غير العدل لا تقبل شهادته وانما يؤاخذ باقراره وان أنكر الثالث البيع فنصيبه باق على الرق.
إذا حلف
الا ان يشهدا عليه بالبيع ويكونان عدلين فتقبل شهادتهما لانهما لا يجران إلى نفسهما بهذه الشهادة نفعا (فصل) وإذا كان العبد بين شريكين فكاتباه بمائة فادعى دفعها اليهما وصدقاه عتق وان أنكراه ولم تكن بينة فالقول قولهما مع أيمانهما وان اقر أحدهما وأنكر الآخر عتق نصيب المقر، وأما المنكر فعلى قول الخرقي تقبل شهادة شريكيه عليه إذا كانا عدلا فيحلف العبد مع شهادتهما ويصير حرا ويرجع المنكر على الشاهد فيشاركه فيما أخذه، وأما القياس فيقتضي أن لا تسمع شهادة شريكه عليه لانه يدفع بشهادته عن نفسه مغرما والقول قول السيد مع يمينه فإذا حلف فله مطالبة شريكه بنصف ما اعترف به وهو خمسة وعشرون لان ما قبضه كسب العبد وهو مشترك بينهما فان قيل فالمنكر ينكر قبض شريكه فكيف يرجع عليه؟ قلنا انما ينكر قبض نفسه وشريكه مقر بالقبض ويجوز أن يكون قد قبض فلم يعلم به وإذا أقر بمتصور لزمه حكم اقراره ومن حكمه جواز رجوع شريكه عليه
فان قيل لو كان عليه دين لاثنين فوفى أحدهما لم يرجع الآخر على شريكه فلم رجع ههنا؟ قلنا ان كان الدين ثابتا بسبب واحد فما قبض أحدهما منه رجع به الآخر عليه كمسئلتنا وعلى ان هذا يفارق الدين لكون الدين لا يتعلق بما في يد الغريم انما يتعلق بذمته حسب والسيد يتعلق حقه بما في يد المكاتب فلا يدفع شيئا منه إلى أحدهما الا كان حق الآخر ثابتا فيه.
إذا ثبت هذا فانه ان رجع على العبد بخمسين إستقر ملك الشريك على ما أخذه ولم يرجع العبد عليه بشئ لانه انما قبض حقه، وإن رجع على الشريك رجع عليه بخمسة وعشرين وعلى العبد بخمسة وعشرين ولم يرجع أحدهما على الآخر بما أخذه منه لما ذكرنا من قبل، وان عجز العبد باداء ما رجع به عليه فله تعجيزه واسترقاقه ويكون نصفه حرا ونصفه رقيقا ويرجع على الشريك بنصف ما أخذه ولا تسري الحرية فيه لان الشريك والعبد يعتقدان أن الحرية ثابتة في جميعه وان المنكر غاصب لهذا النصف الذي استرقه ظالما باسترقاقه والمنكر يدعي رق العبد جميعه ولا يعترف بحرية شئ منه لانه يزعم أنه ما قبضت نصيبي من كتابته وشريكي ان قبض شيئا استحق نصفه بغير اذني فلا يعتق شئ منه بهذا القبض وسراية العتق ممتنعة على كلا القولين والسراية انما تكون فيما إذا أعتق بعضه وبقي بعضه رقيقا وجميعهم متفقون
على خلاف ذلك وهذا منصوص الشافعي (فصل) فان ادعى العبد أنه دفع المائة إلى احدهما ليدفع إلى شريكه حقه ويأخذ الباقي فأنكر
المدعى عليه حلف وبرئ فان قال انما دفعت الي حقي والى شريكي حقه ولا بينة للعبد فالقول قول المدعى عليه في أنه لم يقبض الا قدر حقه مع يمينه ولا نزاع ببن العبد وبين الآخر لانه لم يدع عليه شيئا وله مطالبة العبد بجميع حقه وله مطالبته بنصفه ومطالبة القابض بنصف ما قبضه فان اختار مطالبة العبد فله القبض منه بغير يمين وان اختار الرجوع على شريكه بنصفه فللشريك عليه اليمين أنه لم يقبض من المكاتب شيئا لانه لو اقر بذلك لسقط حقه من الرجوع فإذا انكره لزمته اليمين فان شهد القابض على شريكه بالقبض لم تقبل شهادته لمعنيين (أحدهما) أن المكاتب لم يدع عليه شيئا وإنما تقبل البينة إذا شهدت بصدق المدعي (الثاني) أنه يدفع عن نفسه مغرما فان عجز العبد فلغير القابض ان يسترق نصفه ويقوم عليه نصيب شريكه لان العبد معترف برقه غير مدع لحرية هذا النصيب بخلاف التي قبلها ويحتمل أن لا يقوم أيضا لان القابض يدعي حرية جميعه والمنكر يدعي ما يوجب رق جميعه فانهما يقولان ما قبضه قبضه بغير حق فلا يعتق حتى يسلم إلي مثل ما سلم إليه وإذا كان أحدهما يدعي جميعه والآخر يدعي جزأه فما اتفقا على حرية البعض دون البعض (فصل) وان اعترف المدعي بقبض المائة على الوجه الذى ادعاه المكاتب وقال قد دفعت إلى شريكي نصفها فأنكر الشريك فالقول قوله مع يمينه وله مطالبة من شاء منهما بجميع حقه وللمرجوع عليه ان يحلفه فان رجع على الشريك فأخذ منه خمسين كان له ذلك لانه اعترف بقبض المائة كلها
ويعتق المكاتب لانه وصل إلى كل واحد منهما قدر حقه من الكتابة ولا يرجع الشريك عليه بشئ لانه يعترف له باداء ما عليه وبراءته منه وانما يزعم أن شريكه ظلمه فلا يرجع على غير ظالمه وان رجع على العبد فله أن يأخذ منه الخمسين لانه يزعم أنه ما قبض شيئا من كتابته وللعبد الرجوع على القابض بها سواء صدقه في دفعها إلى المنكر أو كذبه لانه وان دفعها فقد دفعها دفعا غير مبر فكان
مفرطا ويعتق العبد بأدائها فان عجز عن أدائها فله أن يأخذها من القابض ثم يسلمها فان تعذر ذلك فله تعجيزه واسترقاق نصفه ومشاركة القابض في الخمسين التي قبضها عوضا عن نصيبه ويقوم على الشريك القابض إن كان موسرا إلا أن يكون العبد يصدقه في دفع الخمسين إلى شريكه فلا يقوم لانه يعترف أنه حر وان هذا ظلمه باسترقاق نصفه الحر وان أمكن الرجوع على القبض بالخمسين ودفعها إلى المنكر فامتنع من ذلك فهل يملك المنكر تعجيزه واسترقاق
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: