الفقه الحنبلي - المكاتبة
(الثالث) أن مطلق الضرر لا يكفي في منع العتق الذي يحقق مقتضيه ما لم يكن له أصل يشهد له بالاعتبار ولم يذكر له أصلا ثم هو ملغي بعتق
المفلس والراهن وسراية العتق إلى ملك الشريك فانه يعتق مع وجود الضرر بتفويت الحق اللازم فهذا أولى.
(فصل) فاما ولد ولدها فان ولد ابنها حكمه حكم امه لان ولد المكاتب لا يتبعه وأما ولد بنتها فهو كبنتها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تسري الكتابة إليه لان السراية إنما تكون مع الاتصال
وهذا ولد منفصل فلا يسري إليه بدليل ان أم الولد قبل ان يستولدها لا يسري إليه الاستيلاد وهذا الولد اتصل بامه دون جدته ولنا ان ابنتها ثبت لها حكمها تبعا فيجب ان يثبت لابنتها حكمها تبعا كما ثبت لها حكم أمها ولان البنت تبعت امها فيجب ان يتبعها ولدها لان علة اتباعها لامها موجودة في ولدها ولان البنت تعلق بها حق العتق فيجب ان يسري إلى ولدها كالمكاتبة وهذا الخلاف في ولد البنت التابعة لامها في الكتابة فاما المولودة قبل الكتابة فلا تدخل في الكتابة فابنتها أولى (مسألة) (وان اشترى زوجته صح وانفسخ نكاحها) يجوز للمكاتب شراء امرأته وللمكاتبة شراء زوجها لان ذلك يجوز لغير المكاتب فجاز للمكاتب كشراء الاجانب وينفسخ النكاح بذلك وقال الشافعي لا ينفسخ لان المكاتب لا يملك بدليل أنه لا يجوز له الشراء ولا يعتق والده وولده إذا اشتراه فاشبه العبد القن
ولنا أن المكاتب يملك ما اشتراه بدليل أنه تثبت له الشفعة على سيده ولسيده عليه ويجري الربا بينة وبينه وإنما منع لتسري لتعلق حق سيده بما في يده كما يمنع الراهن من الوطئ مع ثبوت ملكه ولذلك لم يعتق عليه ذوو رحمه وإذا اشترى أحدهما الآخر فله التصرف فيه لانه أجنبي منه.
(مسألة) (وان استولد أمته فهل تصير أم ولد يمتنع عليه بيعها؟ على وجهين) إذا استولد المكاتب امته قبل عتقه وعجزه فانها تصير أم ولد للمكاتب وليس له بيعها نص عليه أحمد لان ولدها له حرمة الحرية ولا يجوز بيعه ويعتق بعتق أبيه وكذلك أمه فعلى هذا لا يجوز بيعها وتكون موقوفة مع المكاتب ان اعتق فهي أم ولده وإن رق رقت، وقال القاضي في موضع لا تصير أم ولد بحال وله بيعها لانها حملت بمملوك في ملك غير تام وللشافعي قولان كهذين الوجهين (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ولا يملك السيد شيئا من كسبه ولا بيعه درهما بدرهمين)
لا يملك شيئا من كسب المكاتب لانه اشترى نفسه من سيده ليملك ماله وكسبه ومنافعه فلا
يبقى ذلك لبائعه كسائر المبيعات ويجري الربا بينه وبين سيده لانه معه في باب المعاوضة كالاجنبي وقال ابن ابي موسى لا ربا بينهما لانه عبد في الاظهر من قوله ولا ربا بين العبد وسيده ولهذا جاز ان يعجل لسيده ويضع عنه بعض كتابته وله وطئ مكاتبته إذا شرط ولو حملت منه صارت له بذلك أم ولد، ووجه الاول أن السيد مع مكاتبه في باب المعاملة كالاجنبي بدليل ان لكل واحد منهما الشفعة على صاحبه ولا يملك كل واحد منهما التصرف فيما بيد صاحبه وانما يتعلق لسيده حق فيما بيده لكونه بعرضية أن يعجزه فيعود إليه وهذا لا يمنع جريان الربا بينهما كالاب مع ابنه فعلى هذا القول لا يجوز التفاضل بينهما فيما يحرم التفاضل فيه بين الاجنبيين ولا النساء فيما يحرم فيه النساء بين الاجانب.
(فصل) فان كان لكل واحد منهما على صاحبه دين مثل ان كان للسيد على مكاتبه دين من الكتابة أو غيرها وللمكاتب على سيده دين وكانا نقدا من جنس واحد حالين أو مؤجلين أجلا واحدا تقاصا وتساقطا لانهما إذا تساقطا بين الاجانب فمع السيد ومكاتبه أولى وان كانا نقدا من جنسين كدراهم ودنانير فقال ابن أبي موسى لو كان له على سيده الف درهم ولسيده على مائة دينار فجعلها قصاصا بها جاز بخلاف الحرين.
وقال القاضي لا يجوز هذا لانه بيع دين بدين وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الدين بالدين ولانه
لا يجوز بين الاجنبيين فلم يجز بين المكاتب وسيده كسائر المحرمات وفارق العبد القن فانه باق في تصرف سيده وما في يده ملك خالص لسيده أخذه والتصرف فيه فعلى هذا لا يجوز وان تراضيا به وعلى قول ابن أبي موسى يجوز إذا تراضيا بذلك وتبايعاه ولا يثبت التقاص قبل تراضيهما به لانه بيع فان كانا عرضين أو عرضا ونقدا لم تجز المقاصة فيهما بغير تراضيهما بحال سواء كان العوض من جنس حقه أو من غير جنسه وان تراضيا بذلك لم يجز ايضا لانه بيع دين بدين وان قبض احدهما من الآخر
حقه ثم دفعه إلى الآخر عوضا عن ماله في ذمته جاز إذا لم يكن الثابت في الذمة عن سلم فان كان ثبت عن سلم لم يجز أخذ عوضه قبل قبضه وفي الجملة ان حكم المكاتب مع سيده في هذا حكم الاجانب الا على قول ابن أبي موسى الذي ذكرناه.
(مسألة) وان ججنى عليه فعليه ارش جنايته) إذا جنى السيد على مكاتبه فلا قصاص عليه لامرين (أحدهما) أنه حر والمكاتب عبد (والثاني) أنه ملكه ولا يقتص من المالك لمملوكه ولكن يجب الارش ولا يجب الا باندمال الجرح لانه قبل الاندمال لا تؤمن سرايته إلى نفسه فيسقط ارشه ومتى سرى الجرح إلى نفسه انفسخت الكتابة وكان كقتله فإذا ندمل الجرح وجب له ارشه حينئذ فان كان من جنس مال الكتابة وقد حل عليه نجم تقاصا وان كان من غير جنس مال الكتابة أو كان النجم لم يحل لم يتقاصا ولكل واحد
منهما مطالبة صاحبه بما يستحقه فان رضي المكاتب بتعجيل الواجب له عما لم يحل من نجومه جاز إذا كان من جنس مال الكتابة (مسألة) وان حبسه مدة فعليه أرفق الامرين به من انظاره مثل تلك المدة أو اجرة مثله) إذا حبسه سيده فقد اساء ولا يحتسب عليه بمدته في أحد الوجوه (والثاني) يحتسب عليه بمدته لان مال الكتابة دين مؤجل فيحتسب بمدة الحبس من الاجل كسائر الديون المؤجلة فعلى هذا الوجه يلزمه أجر مثله في المدة التي حبسه فيها والاول أصح لان على سيده تمكينه من التصرف مدة كتابته فإذا حبسه مدة وجب عليه تأخيره مثل تلك المدة ليستوفي الواجب له ولان حبسه يقضي إلى ابطال الكتابة وتفويت مقصودها ورد، إلى الرق ولان عجزه عن اداء نجومه في محلها بسبب من سيده فلم يستحق به فسخ العقد كما لو منع البائع المشتري من أداء الثمن لم يستحق فسخ البيع لذلك ولو منعت المرأة زوجها من الانفاق عليها لم تستحق فسخ العقد لذلك (والثالث) يلزم سيده أرفق الامرين به من انظاره مثل تلك المدة أو اجرة مثله فيها لانه وجد سببهما فكان للمكاتب أنفعهما.
(مسألة) (وليس له ان يطأ مكاتبته الا ان يشترط) وطئ المكاتبة من غير شرط حرام في قول اكثر اهل العلم منهم سعيد بن المسيب والحسن والزهرى
ومالك والليث والثوري والشافعي وأصاب الرأي وقيل له وطؤها في الوقت الذى لا يشغلها الوطئ عن السعي عما هي فيه لانها ملك يمينه فتدخل في عموم قوله تعالى (أو ما ملكت ايمانهم) ولنا ان الكتابة عقد أزال ملك استخدامها وملك عوض منفعة بضعها فيما إذا وطئت بشبهة فأزال حل وطئها كالبيع والآية مخصوصة بالمزوجة فنقيس عليها محل النزاع ولان الملك ههنا ضعيف لانه قد زال عن منافعها جملة ولهذا لو وطئت بشبهة كان المهر لها وتفارق أم الولد فان ملكه باق عليها وانما يزول بموته فاشبهت المدبرة والموصى بها وانما امتنع البيع لانها ستحقت العتق بموته استحقاقا لازما لا يمكن زواله.
(فصل) فان شرط وطأها فله ذلك، وبه قال سعيد بن المسيب وقال سائر من ذكرنا ليس له وطؤها لانه لا يملكه مع اطلاق العقد فلم يملكه بالشرط كما لو زوجها أو أعتقها، وقال الشافعي إذا شرط ذلك في عقد الكتابة فسد لانه شرط فاسد فأفسد العقد كما لو شرط عوضا فاسدا وقال مالك لا يفسد العقد به لانه لا يخل بركن العقد ولا شرطه فلم يفسد كالصحيح.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمنون عند شروطهم) ولانها مملوكة له شرط نفعها فصح كشرط استخدامها.
يحقق هذا ان منعه من وطئها مع بقاء ملكه عليها ووجود المقتضي لحل وطئها انما كان لحقها فإذا اشترطه عليها جاز كالخدمة ولانه استثنى بعض ما كان له فسح كاشتراط الخدمة وفارق البيع فانه يزيل ملكه عنها.
(مسألة) (وإن وطئها من غير أن يشترط أو وطئ امتها أدب ولم يبلغ به الحد).
إذا وطئها من غير شرط لم يجب عليه الحد لشبهة الملك في قول عامة الفقهاء، وروي عن الحسن والزهري أنهما قالا عليه الحد لانه عقد عليها عقد معاوضة يحرم الوطئ فأوجب
الحد بوطئها كالبيع.
ولنا أنها مملوكته فلم يجب عليه الحد بوطئها كالمرهونة والمستأجرة ويخالف البيع فانه يزيل الملك والكتابة لا تزيله بدليل قوله عليه السلام (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) وعليه مهرها إذا وطئها بغير شرط، لانه استوفى منفعتها الممنوع من استيفائها فأشبه منافع بدنها فان كانا عالمين عزرا وان كانا جاهلين عزرا وان كان أحدهما عالما والآخر جاهلا عزر العالم وعزر الجاهل ولا تخرج بالوطئ عن الكتابة وقال الليث ان طاوعته فقد فسخت كتابتها وعادت قنا ولنا انه عقد لازم عقد لازم فلم ينفسخ بالمطاوعة على الوطئ كالاجارة والبيع بعد لزومه ويجب لها المهر مطاوعة كانت أو مكرهة وبه قال الحسن والثوري والحسن بن صالح والشافعي وقال قتادة يجب إذا أكرهها ولا يجب إذا طاوعته ونقله المزني عن الشافعي لان المطاوعة بذلت نفسها بغير عوض فصارت كالزانية ومنصوص الشافعي وجوبه في الحالين وانكر أصحابه ما نقله المزني وقالوا لا يعرف وقال مالك لا شئ عليه لانها ملكه
ولنا انه عوض منفعتها فوجب لها كعوض بدنها ولان المكاتبة في يد نفسها ومنافعها لها ولهذا لو وطئها أجنبي كان المهر لها وانما وجب في حال المطاوعة لان الحد سقط عنه للشبهة فوجب لها المهر كما لو وطئ امرأة بشبهة عقد مطاوعة، فان تكرر وطؤها وكان قد ادى مهر الوطئ الاول فللثاني مهر أيضا لان الاداء قطع حكم الوطئ وان لم يكن أدى عن الاول لم يجب الا مهر واحد لان هذا عن وطئ الشبهة فلم يجب الا مهر واحد كالوطئ في النكاح الفاسد (فصل) فأما ان وطئها مع الشرط فلا حد عليه ولا مهر ولا تعزير لانه وطئ يملكه ويباح له فأشبه وطأها قبل كتابتها، وإذا وجب لها المهر بالوطئ فان كان لم يحل عليها نجم فلها المطالبة وان كان قد حل عليها وكان المهر من غير جنسه فلها المطالبة أيضا به وان كان من جنسه تقاصا وأخذ ذو الفضل فضله.
(مسألة) (فان أولدها صارت ام ولد له سواء وطئها بشرط أو بغير شرط)
لانه أحبلها بحر في ملكه فكانت أم ولد كغير المكاتبة والولد حر لانه ولده من مملوكته ويلحقه نسبه لذلك ولانه من وطئ سقط فيه الحد للشبهة فأشبه ولد المغرور ولا تلزمه قيمته لانها وضعته في ملكه
(فصل) وليس له وطئ بنت مكاتبته لانها تابعة لها موقوفة معها فلم يبح وطؤها كأمها ولا يباح ذلك بالشرط لان حكم الكتابة ثبت فيها تبعا ولم يكن وطؤها مباحا حال العقد فيشترط فان وطئها فلا حد عليه ويأثم ويعزر لانه وطئ وطئها محرما ولها المهر حكمه حكم كسبها يكون لامها تسعتين به في كتابتها لان ذلك سبب حريتها فان احبلها صارت أم ولد له والولد حر لانه أحبلها بحر في ملكه ويلحقه نسبه ولا تجب عليها قيمتها لان امها لا تملكها ولا قيمة ولدها لانها وضعته في ملكه (فصل) وليس له وطئ جارية مكاتبه ولا مكاتبته اتفاقا فان فعل اثم وعزر ولا حد عليه لشبهة الملك لانه يملك مالكها وعليه مهرها لسيدها وولده منها حر يلحقه نسبه لان الحد سقط لشبهة الملك وتصير أم ولد له وعليه قيمتها لسيدها لانه أخرجها بوطئه عن ملكه ولا تجب عليه قيمة الولد لانها وضعته في ملكه ويحتمل أن تلزمه قيمته لانه أخرجه بوطئه عن أن يكون مملوكا لسيدها فأشبه ولد المغرور (فصل) ولا يملك السيد اجبار مكاتبته ولا ابنتها ولا امتها على التزويج لانه زال ملكه بعقد الكتابة عن نفعها ونفع بعضها وعن عوضه وليس لواحدة منهن التزويج بغير إذنه لان عليه ضررا في ذلك فانه يثبت حقا للزوج فيها فربما عجزت وعادت إليه على وجه لا يملك وطأها فان تراضيا بذلك
جاز لان الحق لا يخرج عنهما وهو وليها وولي ابنتها وجاريتها جميعا لان الملك له فأشبه الجارية القن والمهر للمكاتبة على ما ذكرنا في مهرهن إذا وطئهن السيد (مسألة) (فان أدت عتقت وان مات سيدها قبل أدائها عتقت وسقط ما بقي من كتابتها وما في يدها لها إلا ان يكون بعد عجزها وقال أصحابنا هو لورثة سيدها وكذلك الحكم فيما إذا
اعتق المكاتب سيده) قذ ذكرنا أن السيد إذا استولد مكاتبته صارت أم ولد له والولد حر ونسبه لاحق به ولا تبطل كتابتها بذلك لانها عقد لازم من جهة سيدها وقد اجتمع لها سببان يقتضيان العتق أيهما سبق صاحبه ثبت حكمه هذا قول الزهري ومالك والليث والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال الحاكم تبطل كتابتها لانها سبب للعتق فتبطل بالاستيلاد كالتدبير ولنا أنها عقد معاوضة فلا تبطل بالوطئ كالبيع ولانها سبب للعتق لا يملك السيد الرجوع عنه فلم يبطل بذلك كالتعليق بصفة وما ذكره يبطل بالتعليق بالصفة وتفارق الكتابة التدبير من وجوه (أحدها) أن حكم التديبر والاستيلاد واحد وهو العتق عقيب الموت والاستيلاد أقوى لانه يعتبر من رأس المال ولا سبيل إلى ابطاله بحال فاستغني به عن التدبير والكتابة سبب يتعجل به العتق بالاداء ويكون ما فضل من كسبها لها وتملك بها منافعها وكسبها وتخرج عن تصرف سيدها وهذا لا يحصل بالاستيلاد فيجب أن تبقى لبقاء فائدتها
(الثاني) ان الكتابة أقوى من التدبير للزومها وكونها لا تبطل بالرجوع عنها ولا بيع المكاتب ولا هبته (الثالث) ان التدبير تبرع والكتابة عقد معاوضة لازم.
إذا ثبت هذا فانه يجتمع لها سببان كل واحد منهما يقتضي الحرية فأيهما تم قبل صاحبه ثبتت الحرية به كما لو انفرد لان انضمام أحدهما إلى الآخر مع كونه لا ينافيه لا يمنع ثبوت حكمه فان ادت عتق بالكتابة وما فضل من كسبها فهو لها لان المعتق بالكتابة له ما فضل من نجومه وإن عجزت وردت في الرق بطل حكم الكتابة وبقي لها حكم الاستيلاد منفردا كما لو لم تكن مكاتبة وله وطؤها وتزويجها واجارتها وتعتق بموته وما في يدها لورثة سيدها فان مات سيدها قبل عجزها عتقت بانها ام ولد وسقطت الكتابة لان الحرية حصلت فسقط العوض المبذول في تحصيلها كما لو باشرها سيدها بالعتق وما في يدها لورثة سيدها في قول الخرقي وأبي الخطاب لانها عتقت بحكم الاستيلاد فبطل حكم الكتابة فاشبهت غير المكاتبة
وقال القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول ما فضل في يدها لها وهو قول الشافعي لان العتق إذا وقع في الكتابة لا يبطل حكمها كالابراء من مال الكتابة ولان ملكها كان ثابتا على ما في يدها ولم يحدث الا ما يزيل حق سيدها عنها فيقتضى زوال حقه عما في يدها يدها وتقرير ملكها وخلوصه لها كما اقتضى ذلك في نفسها وهذا أصح
(مسألة) (وكذلك الحكم فيما إذا اعتق المكاتب سيده يكون كسبه له في قول القاضي ومن وافقه، وعلى قياس قول الخرقي ومن وافقه يكون لسيده كما لو عتقت الامة المكاتبة ويحتمل ان يكون لسيدها ايضا على قول الخرقي ومن وافقه لان السيد اعتقه برضاه فيكون رضا منه باعطائه ماله بخلاف العتق بالاستيلاد فانه حصل بغير رضا الورثة واختيارهم ولانه لو كان مال المكاتب يصير إلى السيد اعتاقه لتمكن السيد من أخذ مال المكاتب متى شاء فمتى كان له غرض في اخذ ماله اما لكونه يفضل عن نجوم الكتابة واما الغرض له في بعض اعيان ماله أو لكونه يتعجله قبل ان تحل نجوم الكتابة أعتق واخذ ماله وهذا ضرر على المكاتب لم يرد الشرع به ولا يقتضيه عقد الكتابة فوجب ان لا يشرع (فصل) وان أتت المكاتبة بولد من غير سيدها بعد استيلادها فله حكمها بالعتق بكل واحد من السببين أيهما سبق عتق به كالام سواء لانه تابع لها فيثبت له ما ثبت لها وان ماتت المكاتبة بقي للولد سبب الاستيلاد وحده فان اختلفا في ولدها فقالت ولدته بعد كتابتي أو بعد ولادتي وقال السيد بل قبله فقال أبو بكر القول قول السيد مع يمينه وهذا قول الشافعي لان الاصل كون الامة وولدها رقيقا لسيدها له التصرف فيهما وهو يدعي ما يمنع التصرف ثم، وان زوج مكاتبه أمته ثم باعها منه واختلفا في ولدها فقال السيد هو لي لانها ولدته قبل بيعها لك وقال المكاتب بل بعده فالقول قول المكاتب لانهما اختلفا في ملكه ويد المكاتبة عليه فكان القول قول صاحب اليد مع يمينه كسائر الاموال ويفارق ولد المكاتب لانها لا تدعي ملكه
(فصل) وان كاتب اثنان جاريتهما ثم وطئها أحدهما أدب فوق أدب الواطئ المكاتبة الخالصة
له لان الوطئ ههنا حرم من وجهين الشركة والكتابة فهو آكد واثمه أعظم وعليه لها مهر مثلها على ما اسلفناه فيما إذا كان السيد واحدا فان لم يكن حل نجم قبضت المهر فإذا حل نجمها سلمته اليهما وان حل نجمها وهو من جنس مال الكتابة وكان في يدها بقدره دفعته إلى الذي لم يطأها واحتسب على الواطئ بالمهر وان لم يكن في يدها شئ وكان بقدر نجمها أو دونه أخذت من الواطئ نصفه وسلمته إلى الآخر وان لم يكن من جنس مال الكتابة فاتفقا على أخذه عوضا عن مال الكتابة فالحكم فيه كما لو كان من جنسها وان لم يتفقا قبضت ودفعت ما عليها من مال الكتابة من عوضه أو غيره وان عجرت ففسخا الكتابة وكان في يدها بقدر المهر أخذه الذي لم يطأ وسقط المهر من ذمة الواطئ وان لم يكن في يدها شئ كان للذي لم يطأ ان يرجع على الواطئ بنصفه لانه وطئ جارية مشتركة بينهما فان حبلت منه صارت أم ولد له وعليه نصف قيمتها لشريكه مع نصف المهر الواجب لها موسرا كان أو معسرا فان كان موسرا اداه في الحال وان كان معسرا فهو في ذمته هذا ظاهر كلام الخرقي فعلى هذا تصير أم ولد للواطئ ومكاتبة له كأنه اشتراها وتكون مبقاة على ما بقي من كتابتها وتعتبر قيمتها مكاتبة مبقاة على ما بقي من كتابتها واختار القاضي أنه ان كان معسرا لم يسر الاحبال لانه بمنزلة
لا عتاق بالقول يعتبر اليسار في سرايته ونصيب الواطئ قد ثبت له حكم الاستيلاد وحكم الكتابة ونصيب شريكه لم يثبت له الا حكم الكتابة فان أدت اليهما عتقت وبطل حكم الاستيلاد ونصفها قن لا يقوم على الوارث وان كان موسرا لانه ليس بعتق وان مات الواطئ قبل عجزها عتق نصيبه وسقط حكم الكتابة فيه وكان الباقي مكاتبا وان كان الواطئ موسرا فقد ثبت لنصفها حكم الاستيلاد ونصفها الآخر موقوف فان أدت اليهما عتقت كلها وولاؤها لهما وان عجزت وفسخت الكتابة قومناها حيئنذ على الواطئ فيدفع إلى شريكه قيمة نصيبه ويصير جميعها ام ولد له فان مات التقت عليه وكان ولاؤها له وهذا مذهب الشافعي وله قول آخر أنها تقوم على الموسر وتبطل عكتابة في نصف الشريك ويصير جميعها أم ولد ونصفها مكاتبا للواطئ فان أدت نصيبه إليه عتقت وسرى إلى الباقي لانه ملكه وعتق جميعها وان عجزت ففسخت الكتابة كانت ام ولد له خاصة
فإذا مات عتقت كلها ولنا ان بعضها أم ولد فكان جميعها كذلك كما لو كان الشريك موسرا يحقق هذا ان الولد حاصل من جميعها وهو كله من الواطئ ونسبه لاحق به فينبغي ان يثبت ذلك لجميعها ويفارق الاعتاق فانه أضعف على ما بينا من قبل ولنا على ان الكتابة لا تبطل بالتقويم أنها عقد لازم فلا تبطل مع بقائها بفعل صدر منه كما لو
استولدها وهو في ملكه أو كما لو لم تحبل منه وأما الولد فهو حر لانه من وطئ فيه شبهة ونسبه لاحق به لذلك ولا تلزمه قيمته لانها وضعته في ملكه وروي عن أحمد في هذا روايتان (إحداهما) لا تجب قيمته لان نصيب شريكه انتقل إليه من حين العلوق وفي تلك الحال لم تكن له قيمة فلم يضمنه (والثانية) عليه نصف قيمته لانه كان من سبيل هذا النصف ان يكون مملوكا لشريكه فقد أتلف رقه عليه فكان عليه نصف قيمته قال القاضي هذا الرواية أصح في المذهب وذكر هاتين الروايتين أبو بكر وذكر أنها ان وضعته بعد التقويم فلا شئ على الواطئ وان وضعته قبل التقويم غرم نصف قيمته فان ادعى الواطئ لها لاستبراء فاتت بالولد لاكثر من ستة أشهر من حين الاستبراء لم يلحق به ولم تصر أم ولد وكان حكم ولدها حكمها وان أتت به لاقل من ستة أشهر من حين الاستبراء لحق به كما لو كان قبل الاستبراء لانا تبينا أنها كانت حاملا وقت الاستبراء فلم يكن ذلك استبراء (مسألة) (وان وطئاها جميعا فقد وجب لها على كل واحد منهما مهر مثلها) فان كانت في الحالين على صفة واحدة فهما سواء في الواجب عليهما وان كانت بكرا حين وطئها الاول فعليه مهر بكر وعلى الآخر مهر ثيب فان كان نجمها لم يحل فلها مطالبتهما بالمهرين وان كان قد حل وهو من جنس المهر تقاصا على ما ذكرنا في المقاصة فان أدت اليهما عتقت وكان لها المطالبة بالمهرين وان عجزت نفسها وفسخا الكتابة بعد قبضها المهرين وكانا سواء لم يملك أحدهما
مطالبة الاخر بشئ لانها قبضتهما وهي مستحقة لذلك فان كانا في يدها اقتسماهما وان تلفا أو بعضهما
فلا شئ لهما لان السيد لا يثبت له دين على مملوكه وان كان الفسخ قبل قبض المهرين وهما سواء سقط عن كل واحد ما عليه وان كان أحدهما أقل من الاخر تقاضا منهما بقدر أقلهما ويرجع من عليه أقلهما على الاخر بنصف الزيادة وان قبضت من أحدهما دون الاخر رجع المقبوض منه على الاخر بنصف ما عليه وان قبضت البعض من أحدهما دون الاخر أو قبضت من أحدهما أكثر من الاخر رجع من قبض منه الاكثر على الاخر بنصف الزيادة التي اداها فان افضاها أحدهما بوطئه فعليه لها ثلث قيمتها لان الافضاء في الحرة يوجب ثلث ديتها فيوجب في الامة ثلث قيمتها وهو مذهب الشافعي وهذا الخلاف مبني على الواجب في افضاء الحرة وسنذكره ان شاء الله تعالى فان فسخت الكتابة رجع من لم يفضها على الاخر بنصف قيمة الافضاء على الخلاف المذكور فان ادعى كل واحد منهما على الاخر انه الذي افضاها أو وطئها حلف كل واحد منهما وبرئ وان نكل احدهما قضي عليه وان كان الخلاف قبل عجزها فادعت على احدهما فالقول قوله مع يمينه وان ادعت على احدهما غير معين لم تسمع الدعوى (مسألة) (وان ولدت من احدهما صارت ام ولد له) ويغرم لشريكه نصف قيمتها وهل يغرم نصف قيمة ولدها؟ على روايتين
وقد ذكرنا ذلك والخلاف فيه فيما إذا وطئها احدهما (مسألة) (وان اتت بولد والحق بهما صارت ام ولد لهما يعتق نصفها بموت احدهما وباقيها بموت الاخر كما لو كان سيدها واحدا واستولدها فانها تعتق بموته وعند القاضى لا يسري استيلاد احدهما إلى نصيب شريكه) لانه انعقد له سبب استحقاقه للولاء على نصيبه بالكتابة فلم يجز ابطاله بالسراية الا ان يعجز فينظر حينئذ فان كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه وإلا فلا وقد ذكرنا قول القاضى واجبنا عنه فيما سبق (فصل) فاما ان اولدها كل واحد منهما واتفقا على السابق منهما فعلى قول الخرقي تصير ام ولد له وولده حر يلحقه نسبه والخلاف في ذلك كالخلاف فيما إذا انفرد بايلادها سواء، واما الثاني فقد وطئ
ام ولد غيره بشبهة واولدها فلا تصير ام ولد له لانها مملوكة غيره فاشبه ما لو باعها ثم اولدها وعليه مهرها لها لان الكتابة لم تبطل والولد حر لانه من وطئ شبهة وعليه قيمته للاول لانه فوت رقه عليه وكان من سبيله ان يكون رقيقا له حكمه حكم امه فتلزمه قيمته على هذه الصفة وقد ذكرنا في وجوب نصف قيمة الاول خلافا فان قلنا بوجوبها تقاصا بما لو احد منهما على صاحبه في القدر الذي تساويا فيه ويرجع ذو الفضل بفضله وتعتبر القيمة يوم الولادة لانها اول حال امكن التقويم فيها وذكر القاضي في المسألة اربعة احوال
(أحدها) ان يكونا موسرين فالحكم على ما ذكرنا الا انه جعل المهر الواجب على الثاني للاول وهذا مذهب الشافعي ولا يصح هذا لان الكتابة لا تبطل بالاستيلاد ومهر المكاتبة لها دون سيدها ولان سيدها لو وطئها وجب عليه المهر لها فلان لا يملك المهر الواجب على غيره أولى ولانه عوض نفعها فكان لها كأجرتها (الثاني) ان يكون الاول موسرا والثاني معسرا فيكون الحال الاول سواء قال القاضي الا ان ولده يكون مملوكا لاعساره بقيمته وهذا غير صحيح لان الولد لا يرق باعسار والده بدليل ولد المغرور من امة والواطئ بشبهة وكل موضع حكمنا بحرية الولد لا يختلف بالاعسار واليسار وانما يعتبر اليسار في سراية العتق وليس عتق هذا بطريق السراية انما هو لاجل الشبهة في الوطئ فلا وجه لاعتبار التساوي فيه والصحيح انه حر وتجب قيمته في ذمة ابيه (الحال الثالث) ان يكونا معسرين فانها تصير أم ولد للاول ونصفها للثاني قال وعلى كل واحد منهما نصف مهرها لصاحبه وفي ولد كل واحد منهما وجهان (أحدهما) ان يكون كله حرا وفي ذمة أبيه نصف قيمته لشريكه (والثاني) نصف حر وباقيه عبد لشريكه الا ان نصف الولد الاول عبد قن لانه تابع للنصف الباقي من الام وأما النصف الباقي من ولد الثاني فحكمه حكم أمه لانه ولد منها بعد ان ثبت لنصفها حكم الاستيلاد للاول فكان نصفه الرقيق تابعا لها في ذلك ولعل القاضي أراد
ما إذا عجزت وفسخت الكتابة، فأما إذا كانت باقية على الكتابة فلها المهر كاملا على كل واحد منهما إذا حكم برق نصف ولدها وجب ان يكون له حكمها في الكتابة لان ولد المكاتبة يكون تابعا لها (الحال الرابع) ان يكون الاول معسرا والثاني موسرا فحكمه حكم الثالث سواء الا ان ولد الثاني حر لان الحرية تثبت لنصفه بفعل أبيه وهو موسر فسرى إلى جميعه وعلى نصف قيمته لشريكه ولم تقوم عليه الام لان نصفها ام ولد للاول ولو صح هذا لوجب ان لا يقوم عليه نصف الولد لان حكمه حكم امه في هذا فإذا منع حكم الاستيلاد السراية في الام منعه فيما هو تابع لها ومذهب الشافعي في هذا الفصل قريب مما ذكر القاضي (فصل) وإن اختلفا في السابق منهما فادعى كل واحد منهما أنه السابق فعلى قولنا لها المهر على كل واحد منهما وكل واحد منهما يقر لصاحبه بنصف قيمة الجارية لانه يقول صارت أم ولد لي باحبالي اياها ووجب لشريكي علي نصف قيمتها ولي عليه قيمة ولده لانه يقول اولدتها بعد أن صارت ام ولد لي وهل يكون مقرا لها بنصف قيمة ولدها؟ على وجهين سبق ذكرهما فعلى هذا ان استوى ما يدعيه وما يقر به تقاصا وتساقطا ولا يمين على صاحبه لانه يقول لي عليك مثل مالك علي والجنس واحد فتساقطا وان زاد ما يقر به فلا شئ عليه لان خصمه يكذبه في اقراره وان زاد ما يدعيه فله اليمين على صاحبه في الزيادة ويثبت للامة حكم العتق في نصيب كل واحد منهما بموته لاقراره بذلك ولا يقبل قوله على شريكه في اعتاق نصيبه
وقال أبو بكر في الامة قولان (أحدهما) ان يقرع بينهما فتكون أم ولد لمن تقع القرعة له (والثاني) تكون أم ولد لهما ولا يطؤها واحد منهما قال وبالاول اقول وأما القاضي فاختار انهما ان كانا موسرين فكل واحد منهما يدعي المهر على صاحبه ويقر له بنصفه وهذا مذهب الشافعي لان المهر عندهم لسيدها دونها ولا يعتق شئ منها بموت الاول لاحتمال ان تكون ام ولد للآخر فإذا مات الآخر عتقت لان سيدها قد مات يقينا وان كانا معسرين فكل واحد منهما يقر بان نصفها أم ولده ويصدقه الاخر لان الاستيلاد لا يسري مع الاعسار وكل واحد منهما يقر لصاحبه بنصف المهر والاخر
يصدقه فيتقاصان ان تساويا وان فضل احدهما صاحبه نظرت فان كان كل واحد منهما يدعي الفضل تحالفا وسقط وان كان كل واحد منهما يقر بالفضل سقط لتكذيب المقر له به وفي الولد وجهان (أحدهما) يكون حرا فيكون كل واحد منهما يدعي على الآخر نصف قيمة الولد (والوجه الثاني) نصفه حر فيقربان نصف الولد مملوك لشريكه فيكون الولد بينهما من غير يمين وعلى الوجه الاول يتقاصان ان استوت قيمة الولدين ولا يمين في الموضعين وأيهما مات عتقه نصيبه وولاؤه له وان كان أحدهما موسرا والآخر معسرا فالموسر يقر للمعسر بنصف قيمة الامة ونصف مهر مثلها ويدعي عليه جميع المهر وقيمة الولد والمعسر يقر للموسر بنصف المهر ونصف قيمة الولد فيسقط إقرار الموسر للمعسر بنصف قيمة الجارية لكونه لا يدعيه ولا يصدقه فيه ويتقاصان بالمهر لاستواءهما فيه ويدفع المعسر إلى الموسر نصف قيمة الولد لاقراره به ويحلف على ما يدعيه عليه من الزيادة لانه ادعى عليه
جميع قيمة الولد فاقر له بنصفها ويحلف له الموسر على نصف قيمة الولد الذي ادعاه المعسر عليه وأما الجارية فان نصيب الموسر منها أم ولد بغير خلاف بينهما فيه وباقيه يتنازعانه فان مات الموسر أولا عتق نصيبه وولاؤه لورثته فإذا مات المعسر عتق باقيها وان مات المعسر أولا لم يعتق منها شئ فإذا مات الموسر عتق جميعها ويجئ على قول أبي بكر ان يقرع بينهما في النصف المختلف فيه (فصل) فان وطئاها معا فاتت بولد لم تخل من ثلاثة أقسام (أحدها) ان لا يمكن ان يكون من واحد منهما مثل أن تأتي به بعد استبرائها منهما أو بعد أربع سنين منذ وطئها كل واحد منهما فيكون منفيا عنهما مملوكا لهما حكمه حكم امه في العتق بادائها وتقبل دعوى الاستبراء من كل واحد منهما لان دعوى الاستبراء في الامة كاللعان في الحرة (القسم الثاني) أن يكون من أحدهما بعينه دون صاحبه والحكم فيه حكم ما إذا ولدت من أحدهما بعينه من وجوب المهر لها وقيمة نصفها لشريكه مع الخلاف في ذلك فاما الذي لم تحبل من وطئه فان كان الاول فعليه المهر لها وان كان الثاني فقد وطئ ام ولد غيره فان كانت الكتابة باقية فعليه المهر لها أيضا وان كانت قد فسخت فالمهر للذي استولدها وقد وجب للثاني على الاول نصف قيمتها وفي
قيمة نصف الولد روايتان فان كان المهر للاول تقاصا بقدر أقل الحقين وان كان المهر لها رجع بحقه على الذي أحبلها وأما القاضي فقال في هذا القسم الحكم في الاول كالحكم فيه إذا انفرد بالوطئ على ما مضى من التفصيل وأما الثاني فان وطئها بعد ولادتها من الاول نظرنا فان وطئها بعد الحكم بكونها ام ولد للاول فعليه مهر مثلها فان كان فسخ الكتابة في حق نفسه لعجزها فالمهر له لانها ام ولده وان
كان لم يفسخ فالمهر بينه وبينها نصفين وان وطئها بعد زوال الكتابة في حقه وقبل الحكم بأنها أم ولد للاول سقط عنه نصف مهر لان نصفها قن له وعليه النصف لها ان لم يكن الاول فسخ الكتابة أوله ان فسخ وإن كان الاول معسرا فنصيبه منها أم ولد له ولها عليهما المهران والحكم فيما إذا عجزت أو أدت قد تقدم فأما ان كان الولد من الثاني فالحكم في وطئ الاول كالحكم فيه إذا وطئ منفردا ولم يحبلها، وأما الثاني فان كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه عند العجز فان فسخا الكتابة قومناها عليه وصارت ام ولد له وان رضي الثاني بالمقام على الكتابة قومنا عليه نصيب الاول وصارت كلها ام ولد له ونصفها مكاتب ويرجع الاول على الثاني بنصف المهر ونصف قيمة الولد على احدى الروايتين ويرجع الثاني على الاول بنصف المهر فيتقاصان به ان كان باقيا عليهما وان كان الثاني معسرا فالحكم فيه كما لو ولدت من الاول وكان معسرا لا فصل بين المسلتين (القسم الثالث) أمكن ان يكون الولد من كل واحد منهما فيرى القافة معهما فيلحق بمن الحقوه به منهما فمن الحق به فحكمه حكم ما لو عرف أنه منه بغير قافة (مسألة) (ويجوز بيع المكاتب ومشتريه يقوم مقام المكاتب) وممن قال يجوز بيع المكاتب عطاء والنخعي والليث وابن المنذر وهو قديم قولي الشافعي قال ولا وجه لقول ما قال لا يجوز وحكى أبو الخطاب رواية أخرى عن أحمد أنه لا يجوز بيعه وهو قول مالك وأصحاب الرأي والجديد من قولي الشافعي لانه عقد يمنع استحاق كسبه فمنع بيعه كبيعه
لاجنبي وعتقه، وقال الزهري وابو الزناد يجوز بيعه برضاه ولا يجوز بغيره وحكي ذلك عن ابي يوسف
لان بريرة انما بيعت برضاها وطلبها ولان لسيده استيفاء منافعه برضاه ولا يجوز بغير رضاه كذلك بيعه ولنا ما روى عروة عن عائشة انها قالت جاءت بريرة الي فقالت يا عائشة اني كاتبت اهلي على تسع اواق في كل عام أوقية فأعينيني ولم تكن قضت من كتابتها شيئا فقالت لها عائشة ونقست فيها ارجعي إلى أهلك ان أحوا أن أعطيهم ذلك جميعا فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فعرضت عليهم ذلك فأبوا وقالوا ان شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا فذكرت ذلك عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " لا يمنعك ذلك منها ابتاعي واعتقي إنما الولاء لمن أعتق " فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال (اما بعد فما بال ناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وان كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق وانما الولاء لمن أعتق) متفق عليه، قال ابن المنذر بيعت بريرة بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وهي مكاتبة لم ينكر ذلك ففي ذلك ابين البيان ان بيعه جائز ولا أعلم خبرا يعارضه ولا أعلم في شئ من الاخبار دليلا على عجزها وتاوله الشافعي على انها كانت قد عجزت وكان بيعها فسخا لكتابتها وهذا التأويل بعيد يحتاج إلى دليل في غاية القوة وليس في الخبر ما يدل عليه بل قولها اعينيني على كتابتي دليل على بقائها على الكتابة ولانها أخبرتها ان نجومها في كل عام أوقية فالعجز إنما يكون بمضي عامين عند من لا يرى العجز إلا بحول
نجمين أو بمضي عام عند الآخرين والظاهر ان شراء عائشة لها كان في اول كتابتها ولا يصح قياسه على أم الولد لان سبب حريتها مستقر على وجه لا يمكن فسخه بحال فأشبه الوقف والمكاتب يجوز رده إلى الرق وفسخ كتابته إذا عجز فافترقا قال ابن أبي موسى هل للسيد أن يبيع المكاتب باكثر مما كان عليه؟ على روايتين ولان المكاتب عبد مملوك لسيده لم يتحتم عتقه فجاز بيعه كالمعلق عتقه بصفة والدليل على انه مملوك قول النبي صلى الله عليه وسلم (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) ولان مولاته لا يلزمها أن تحتجب منه إذا لم يملك ما يؤدي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا كان لاحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه يدل بمفهومه على أنها لا تحتجب منه قبل ذلك وإنما سقط الحجاب عنه لكونه مملوكها ولانه يصح عتقه ولا يصح عتق من ليس بمملوك ولانه يرجع عند العجز إلى كونه قنا ولو صار حرا
ما عاد إلى الرق ويفارق اعتاقه لانه يزيل الرق بالكلية وليس بعقد انما هو اسقاط للملك فيه وأما بيعه فلا يمنع للمشترى بيعه وأما البائع فلم يبق له فيه ملك بخلاف مسئلتنا.
(فصل) وتجوز هبته والوصية به وقد روي عن احمد انه منع هبته لان الشرع انما ورد ببيعه والصحيح جوازها لان ما كان في معنى المنصوص عليه يثبت الحكم فيه.
(فصل) ومشتريه يقوم فيه مقام المكاتب.
وجملة ذلك أن الكتابة لا تنفسخ بالبيع ولا يجوز ابطالها لا نعافي هذا خلافا قال ابن المنذر
أجمع كل من نحفظ عنه من اهل العلم على ان بيع السيد مكاتبه على أن يبطل كتابته ببيعه إذا كان ماضيا فيها مؤديا ما يجب عليه من نجومه في أوقاتها غير جائز وذلك لانها عقد لازم فلا يبطل بالبيع كالاجارة والنكاح ويبقى على كتابته عند المشتري وعلى نجومه كما كان عند البائع مبقى على ما بقي من كتابته يؤدي إلى المشتري ما كان يؤدي إلى البائع (مسألة) (فان أدى عتق وولاؤه له وان عجز عاد قنا له، وإن لم يعلم انه مكاتب فله الرد والارش) إذا أدى إلى المشتري عتق لان حق المكاتب فيه انتقل إلى المشتري فصار المشتري هو المعتق وولاؤه له لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (انما الولاء لمن اعتق) وقد دل عليه حديث بريرة لانه جعل ولاءها لعائشة حين اشترتها واعتقتها وان عجز عاد قنا له لانه صار سيده فقام مقام المكاتب وان لم يعلم انه مكاتب ثم علم ذلك فله فسخ البيع أو أخذ الارش لان الكتابة عيب لكون المشتري لا يقدر على التصرف فيه ولا يستحق كسبه ولا استخدامه ولا الوطئ ان كانت أمة فملك الفسخ كشراء الامة المزوجة فيخير حينئذ بين الفسخ والرجوع بالثمن وبين الامساك مع الارش على ما ذكرنا في البيع
(فصل) فاما بيع الدين الذي على المكاتب من نجومه فلا يصح وبهذا قال ابو حنيفة
والشافعي وابو ثور وقال عطاء وعمرو بن دينار ومالك يصح لان السيد يملكها في ذمة المكاتب فجاز بيعها كسائر أمواله ولنا انه دين غير مستقر فلم يجز بيعه كدين السلم ودليل عدم الاستقرار انه معرض للسقوط بعجز المكاتب ولانه لا يملك السيد اجبار العبد على أدائه ولا الزامه بتحصيله فلم يجز بيعه كالعدة بالتبرع ولانه غير مقبوض وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض فان باعه فالبيع باطل وليس للمشتري مطالبة المكاتب بتسليمه إليه وله الرجوع بالثمن على البائع ان كان دفعه إليه وان سلم المكاتب إلى المشتري نجومه ففيه وجهان (احدهما) يعتق لان البيع يضمن الاذن في القبض فاشبه قبض الوكيل (والثاني) لا يعتق لانه لم يستنبه في القبض وانما قبض لنفسه بحكم البيع الفاسد فكان القبض فاسدا فلم يعتق بخلاف وكيله فانه استنابه ولو صرح بالاذن لم يكن مستنيبا له في القبض وانما اذنه في القبض بحكم المعاوضة فلا فرق بين التصريح وعدمه فان قلنا يعتق بالاداء برئ المكاتب من مال الكتابة ويرجع السيد على المشتري بما قبضه لانه كالنائب عنه فان كان من جنس الثمن وكان قد تلف تقاصا بقدر أقلهما ورجع ذو الفضل بفضله وان قلنا لا يعتق بذلك فمال الكتابة باق في ذمة المكاتب ويرجع المكاتب على المشتري بما
دفعه إليه ويرجع المشتري على البائع فان سلمه المشتري إلى البائع لم يصح تسليمه لانه قبضه بغير اذن المكاتب فأشبه ما لو أخذه من ماله بغير اذنه وان كان من غير جنس مال الكتابة تراجعا بما لكل واحد منهما على الآخر وان باعه ما أخذه بماله في ذمته وكان مما يجوز البيع فيه جاز إذا كان ما قبضه السيد باقيا وان كان قد تلف ووجبت قيمته وكان من جنس مال الكتابة تقاصا وإن كان المقبوض من جنس مال الكتابة فتحاسبا به جاز (فصل) وإذا كان للمكاتب ولد تبعه في الكتابة فباعهما صح لانهما ملكه ولا مانع من بيعهما ويكونان عند المشتري كما كانا عند البائع سواء وان باع أحدهما دون صاحبه أو باع احدهما الرجل وباع الآخر لغيره لم يصح لوجهين
(احدهما) انه لا يجوز التفريق بين الوالد وولده في البيع إلا بعد البلوغ على احدى الروايتين (والثاني) ان الولد تابع لوالده وله كسبه وعليه نفقته فصار في معنى مملوكه فلم يجز التفريق بينهما وعلى الرواية الاخرى يحتمل أن يجوز بيعه بعد البلوغ لانه محل للبيع صدر فيه التصرف من اهله ويكون عند من هو عنده على ما كان عليه قبل بيعه لوالده كسبه وعليه نفقته وأرش جنايته ويعتق بعتقه كما لو بيع مع والده (فصل) وتصح الوصية لمكاتبه لانه مع سيده في المعاملة كالاجنبي ولذلك جاز دفع زكاته
إليه فان قال ضعوا عن مكانبي بعض كتابته أو بعض ما عليه وضعوا ما شاءوا قليلا كان أو كثيرا وقد ذكرنا نحوه في الوصايا (مسألة) (وإن اشترى كل واحد من المكاتبين الآخرين صح شراء الاول وبطل شراء الثاني وسواء كانا لواحد أو لاثنين) لا خلاف في ان المكاتب يصح شراؤه للعبيد والمكاتب يجوز بيعه على ما ذكرنا في الصحيح من المذهب فإذا اشترى احدهما الآخر صح شراؤه وملكه لان التصرف صدر من اهله في محله وسواء كانا مكاتبين لسيد واحد أو لاثنين فان عاد الثاني فاشترى الذي اشتراه لم يصح لانه سيده ومالكه وليس للملوك أن يملك مالكه لانه يفضي إلى تناقض الاحكام إذ كل واحد منهما يقول لصاحبه أنا سيدك ولي عليك مال الكتابة تؤديه الي وان عجزت فلي فسخ كتابتك وردك إلى ان تكون رقيقا وهذا تناقض وإذا تناقض بملك المرأة زوجها ملك اليمين لثبوت ملكه عليها في النكاح فههنا أولى ولانه لو صح هذا لتقاصا الدينين إذا تساويا وعتقا جميعا إذا ثبت هذا فشراء الاول صحيح والمبيع منهما باق على كتابته فان ادى عتق وولاؤه موقوف فان ادى سيده كتابته كان الولاء له لانه عتق بادائه إليه وان عجز فولاؤه لسيده لان العبد لا يثبت له ولان السيد يأخذ ماله فكذلك حقوقه هذا مقتضى قول القاضي ومقتضى قول ابي بكر ان الولاء
لسيده لان المكاتب عبد لا يثبت له الولاء فيثبت لسيده ذكر ذلك فيما إذا أعتق باذن سيده أو كاتب عبده فأدى كتابته وهذا نظيره، ويحتمل ان يفرق بينهما لكون العتق ثم باذن السيد فيحصل الانعام عنه باذنه فيه وههنا لا يفتقر إلى اذنه فلا نعمة له عليه فلا يكون له عليه ولاء ما لم يعجز سيده (مسألة) (فان لم يعلم السابق منهما فسد البيعان) وهذا قول أبي بكر ويرد كل واحد منهما إلى كتابته لان كل واحد منهما مشكوك في صحة بيعه فيرد إلى اليقين وذكر القاضي انه يجري مجرى ما إذا زوج الوليان فأشكل الاول منهما فيقتضي هذا ان يفسخ البيعان كما يفسخ النكاحان، وعلى قول أبي بكر لا يحتاج إلى الفسخ لان النكاح انما احتيج فيه إلى الفسخ من اجل المرأة فانها منكوحة نكاحا صحيحا لواحد منهما يقينا فلا يزول الا بفسخ وفي مسئلتنا لم يثبت يقين البيع في واحد بعينه فلم يفتقر إلى فسخ (مسألة) (وان اسر العدو المكاتب فاشتراه رجل فأحب سيده اخذه بما اشتراه والا فهو عند مشتريه مبقى على ما بقي من كتابته يعتق بالاداء وولاؤه له) إذا اسر الكفار مكاتبا ثم استنقذه المسلمون فالكتابة بحالها فان اخذ في الغنائم فعلم بحاله أو ادركه سيده قبل قسمه اخذه بغير شئ وهو على كتابته كمن لم يؤسر وان لم يدركه حتى قسم وصار في سهم بعض الغانمين أو اشتراه رجل من الغنيمة قبل قسمه أو من المشركين واخرجه إلى سيده
فان السيد أحق به بالثمن الذي ابتاعه به وفيما إذا كان غنيمة رواية اخرى انه إذا قسم فلا حق لسيده فيه بحال فيخرج في المشتري مثل ذلك وعلى كل تقدير فان سيده ان اخذه فهو مبقى على ما بقي من كتابته وان تركه فهو في يد مشتريه مبقى على ما بقي من كتابته يعتق بالاداء في الموضعين وولاؤه لمن يؤدي إليه كما لو اشتراه من سيده وقال أبو حنيفة والشافعي لا يثبت عليه ملك للكفار ويرد إلى سيده بكل حال ووافق أبو حنيفة والشافعي في المكاتب والمدبر خاصة لانهما عنده لا يجوز بيعهما ولا نقل الملك فيهما فأشبها أم الولد وقد تقدم الكلام في الدلالة على ان ما ادركه صاحبه مقسوما لا يستحق صاحبه أخذه بغير شئ
وكذلك ما اشتراه مسلم من دار الحرب وفي ان المكاتب والمدبر يجوز بيعهما بما يغني عن اعادته ههنا (فصل) وهل يحتسب عليه بالمدة التي كان فيها عند الكفار؟ على وجهين (احدهما) لا يحتسب عليه بها لان الكتابة اقتضت تمكينه من التصرف والكسب في هذه المدة فإذا لم يحصل ذلك لم يحتسب كما لو حسبه سيده فعلى هذا يبني على ما مضى من المدة قبل الاسر وتلغى مدة الاسر كأنها لم توجد (والثاني) يحتسب عليه بها لانها من مدة الكتابة مضت بغير تفريظ من سيده فاحتسب عليه بها كمرضه ولانه مدين مضت مدة من اجل دينه في حبسه فاحتسب عليه كسائر الغرماء وفارق ما إذا حبسه سيده بما ذكرناه فعلى هذا إذا حل عليه نجم عند استنقاذه جازت مطالبته به وان حل ما يجوز تعجيزه بترك ادائه فلسيده تعجيزه ورده إلى الرق وهل له ذلك بنفسه أو بحكم الحاكم؟ فيه وجهان
(احدهما) له ذلك لانه تعذر عليه الوصول إلى المال في وقته اشبه ما لو كان حاضرا والمال غائبا يتعذر احضاره واداؤه في مدة قريبة كان لسيده الفسخ والمال ههنا اما معدوم واما غائب يتعذر اداؤه وفي كلا الحالتين يجوز الفسخ (والثاني) ليس له ذلك الا بحكم الحاكم لانه مع الغيبة يحتاج إلى أن يبحث هل له مال أم لا؟ وليس كذلك إذا كان حاضرا فانه يطالبه فان ادى والا فقد عجز نفسه فان فسخ الكتابة بنفسه أو بحكم الحاكم ثم خلص المكاتب وادعى ان له مالا في وقت الفسخ يفي بما عليه واقام بذلك بينة بطل الفسخ ويحتمل ان لا يبطل حتى يثبت أنه كان يمكنه اداؤه لانه إذا كان متعذر الاداء كان وجوده كعدمه (فصل) (قال الشيخ رضي الله عنه وان جنى على سيده أو اجنبي فعليه فداء نفسه مقدما على الكتابة وقال أبو بكر يتحاصان) وجملة ذلك ان المكاتب إذا جنى جناية موجبة للمال تعلق ارشها برقبته ويؤدي من المال الذي في يده وبهذا قال الحسن والحكم وحماد والاوزاعي ومالك والحسن بن صالح والشافعي وابو ثور وقال عطاء والنخعي وعمرو بن دينار جنايته على سيده وقال عطاء ويرجع سيده بها عليه وقال الزهري
إذا قتل رجلا خطأ كانت كتابته وولاؤه لولي المقتول الا ان بفديه سيده ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجني جان الا على نفسه) ولانها جناية عبد فلم تجب في ذمة سيده كالقن
إذا ثبت هذا فانه يبدأ باداء الجناية قبل الكتابة سواء حل عليه نجم أو لم يحل نص عليه أحمد وهو المعمول به في المذهب وذكر أبو بكر قولا آخر ان السيد يشارك ولي الجناية فيضرب بما حل من نجوم كتابته لانهما دينان فيتحاصان قياسا على سائر الديون ولنا ان ارش الجناية من العبد يقدم على سائر الحقوق المتعلقة به ولذلك قدمت على حق المالك وحق المرتهن وغيرهما فوجب ان تقدم ههنا.
يحققه ان ملك الكتابة مقدم على ملك السيد في عبده فيجب تقديمه على عوض وهو مال الكتابة بطريق الاولى لان الملك فيه قبل الكتابة كان مستقرا ودين الكتابة غير مستقر فإذا قدم على المستقر فعلى غيره اولى.
إذا ثبت هذا فانه يفدي نفسه باقل الامرين من قيمته أو ارش جنايته لانه ان كان ارش الجناية أقل فلا يلزمه اكثر من موجب جنايته وهو ارشها، وان كان أكثر لم يكن عليه اكثر من قيمته لانه لا يلزمه اكثر من بذل المحل الذي تعلق به الارش فان بدأ بدفع المال إلى ولي الجناية فوفى بارش الجناية والا باع الحاكم منه بما يفي من ارشها وباقيه باق على كتابته وان اختار السيد الفسخ فله ذلك ويعود عبدا قنا مشتركا بين السيد والمشتري وان أبقاه السيد على الكتابة فأدى عتق بالكتابة وسرى العتق إلى باقيه ان كان المكاتب موسرا ويقوم عليه وان كان معسرا عتق منه ما عتق وباقيه رقيق فان لم يكن في يده مال ولم يف بالجناية الا قيمته كلها بيع كله فيها وبطلت كتابته
(فصل) وان بدأ بدفع المال إلى سيده وكان ولي الجناية سأل الحاكم فحجر على المكاتب ثبت الحجر عليه وكان النظر فيه إلى الحاكم فلا يصح دفعه إلى سيده ويرتجعه الحاكم ويسلمه إلى ولي الجناية فان وفى والا كان الحكم فيه على ما ذكرنا من قبل وان لم يكن الحاكم حجر عليه صح دفعه إلى السيد لانه يقضي حقا عليه فجاز كما لو قضى بعض غرمائه قبل الحجر عليه فان كان ما دفعه
إليه جميع مال الكتابة عتق (مسألة) (وعليه فداء نفسه ويكون الارش في ذمته فيضمن ما كان عليه قبل العتق ويفديه بأقل الامرين من قيمته أو ارش جنايته) لانه لا يلزم اكثر مما كان واجبا عليه بالجناية فان اعتقه السيد فعليه فداؤه بذلك لانه أتلف محل الاستحقاق فأشبه ما لو قتله (مسألة) (وان عجز فلسيده تعجيزه ويفديه أيضا بما ذكرناه وقال أبو بكر فيه رواية أخرى أنه يفديه بارش الجناية بالغة ما بلغت) لانه لو سلمه احتمل أن يرغب فيه راغب باكثر من قيمته فقد فوت تلك الزيادة باعتاقه (فصل) فان كانت الجناية على سيده فيما دون النفس فالسيد خصمه فيها فان كانت موجبة للقصاص فلسيده القصاص كما يجب على عبده القن لان القصاص يجب للزجر فيحتاج إليه العبد في حق سيده
وان عفا على مال أو كانت موجبة للمال وجب له لان المكاتب مع سيده كالأجنبي يصح أن يبايعه ويثبت له في ذمته المال والحقوق كذلك الجناية ويفدي نفسه بأقل الامرين كالجناية على الاجنبي وعنه يفديه بارش الجناية كله فان وفى ما في يده بما عليه فلسيده مطالبته به وان لم يف به فلسيده تعجيزه فإذا عجزه وفسخ الكتابة سقط عنه مال الكتابة وارش الجناية وعاد عبدا قنا ولا يثبت للسيد على عبده القن مال وان أعتقه سيده ولا مال في يده سقط الارش لانه متعلق برقبته وقد أتلفها وان كان في يده مال لم يسقط لان الحق كان متعلقا بالذمة وما في يده من المال فإذا تلفت الرقبة بقي الحق متعلقا بالمال فاستوفي منه كما لو عتق بالاداء وهل يجب أقل الامرين أو ارش الجناية كله؟ على وجهين ويستحق السيد مطالبته بارش الجناية قبل أداء مال الكتابة لما ذكرنا من قبل في حق الاجنبي وان اختار تأخير الارش والبداية بقبض مال الكتابة جاز ويعتق إذا قبض مال الكتابة كله وقال أبو بكر لا يعتق بالاداء قبل ارش الجناية لوجوب تقديمه على مال الكتابة ولنا ان الحقين ان الحقين جميعا للسيد فإذا تراضيا على تقديم أحدهما على الآخر جاز لان الحق لهما لا يخرج
عنهما ولانه لو بدأ باداء مال الكتابة في حق الاجنبي عتق ففي حق السيد أولى ولان أرش الجناية لا يلزم أداؤه قبل اندمال الجرح فيمكن تقديم وجوب الاداء عليه إذا ثبت هذا فانه إذا أدى عتق ويلزمه أرش الجناية سواء كان في يده مال أو لم يكن لان عتقه بسبب من جهته فلم يسقط ما عليه بخلاف ما
إذا اعتقه سيده فانه اتلف محل حقه بخلاف هذا وهل يلزمه اقل الامرين أو جميع الارش؟ على وجهين وان كانت جنايته على نفس سيده فلورثته القصاص في العمد والعفو على مال وفي الخطأ المال وحكم الورثة مع المكاتب حكم سيده معه لان الكتابة انتقلت إليهم والعبد لو عاد قنا كان لهم وان جنى على موروث سيده فورثه سيده فالحكم فيه كما لو كانت الجناية على سيده فيما دون النفس على ما مضى (فصل) وان جنى المكاتب جنايات تعلقت برد رقبته واستوى الاول والآخر في الاستيفاء ولم يقدم الاول على الثاني ان كانت موجبة للمال لانها تعلقت بمحل واحد وكذا ان كان بعضها في حال كتابته وبعضها بعد تعجيزه فهي سواء ويتعلق جميعها بالرقبة فان كان فيها ما يوجب القصاص فالولي الجناية استيفاؤه وتبطل حقوق الآخرين فان عفا إلى مال صار حكمه حكم الجناية الموجبة للمال فان ابرأه بعضهم استوفى الباقون لان حق كل واحد يتعلق برقبته يستوفيه إذا انفرد فإذا اجتمعوا تزاحموا فإذا ابرأه بعضهم سقط حقه وتزاحم الباقون كما لو انفردوا كما في الوصايا وديون الميت فان ادى وعتق فالضمان عليه وان اعتقه سيده فعليه الضمان وأيهما ضمن فالواجب عليه أقل الامرين كما ذكرنا في الجناية الواحدة ولانه لو عجزه الغرماء وعاد قنا بيع وتحاصوا في ثمنه كذلك ههنا فاما ان عجزه سيده وعاد قنا خير بين فدائه وتسليمه فان اختار فداءه فداه باقل الامرين كما لو أعتقه أو قتله
وفيه رواية اخرى أنه يلزمه أرش الجناية كله لانه لو سلمه احتمل ان يرغب فيه راغب باكثر من قيمته فقد فوت تلك الزيادة باختياره امساكه فكان عليه جميع الارش ويفارق ما إذا أعتقه أو قتله لان المحل تلف فتعذر تسليمه فلم يجب أكثر من قيمته والمحل ههنا باق يمكن تسليمه وبيعه وقد ذكرناه فان أراد المكاتب فداء
نفسه قبل تعجيزه أو اعتقه ففيما تفدى به نفسه وجهان بناء على ما إذا عجزه سيده والله أعلم (مسألة) وان لزمته ديون تعلقت بذمته بيع بها بعد العتق) إذا اجتمع على المكاتب ثمن مبيع أو عوض قرض أو غيرهما من الديون مع مال الكتابة وفي يده ما يفي بها فله أداؤها ويبدأ بايها شاء كالحر وان لم يف بها ما في يده وكلها حالة ولم يحجر الحاكم عليه فخص بعضهم بالقضاء صح كالحر وان كان فيها مؤجل فعجله بغير إذن سيده لم يجز لان تعجيله تبرع فلم يجز بغير اذن سيده كالهبة وان كان باذن سيده جاز كالهبة وان كان التعجيل للسيد فقبوله بمنزلة اذنه وان كان الحاكم قد حجر عليه بسؤال غرمائه فالنظر إلى الحاكم وانما يحجر عليه بسؤالهم فان حجر عليه بغير سؤالهم لم يصح لان الحق لهم فلا يستوفى بغير اذنهم وان سأله سيده الحجر عليه لم يجبه إلى ذلك لان حقه غير مستقر فلا يحجر عليه من أجله وإذا حجر عليه بسؤال الغرماء فقال القاضي عندي انه يبدأ بقضاء ثمن المبيع وعوض القرض يستوي بينهما ويقدمهما على ارش الجناية ومال الكتابة لان ارش الجناية محله الرقبة فإذا لم يحصل مما في يده استوفي من رقبته
وهذا مذهب الشافعي وقد ذكرنا أن اصحابنا والشافعي اتفقوا على تقديم ارش الجناية على مال الكتابة فيما مضى وإذا لم يحجر عليه ودفع إلى السيد مال الكتابة عتق وبقيمة الديون في ذمته يتبع بها بعد العتق لانه صار حرا فهو كالاحرار ولان المداين رضي بذمته حين أدائه فكان له ما رضي به كالحر.
(فصل) وإذا جنى بعض عبيد المكاتب جناية توجب القصاص فللمجني عليه الخيار بين القصاص والمال فان اختار المال أو كانت الجناية خطأ أو شبه عمد أو اتلاف مال تعلق ارشها برقبته وللمكاتب فداؤه باقل الامرين من قيمته أو ارش جنايته لانه بمنزلة شرائه وليس له فداؤه باكثر من قيمته كما لا يجوز له ان يشتريه بذلك الا ان يأذن فيه سيده فان كان الارش أقل من قيمته لم يكن له تسليمه لانه تبرع بالزائد وان زاد الارش على قيمته فهل يلزمه تسليمه أو يفديه باقل الامين؟ على روايتين:
(فصل) فان ملك المكاتب ابنه أو بعض ذوي رحمه المحرم أو ولد له ولد من أمته فجنى جناية تعلق ارشها برقبته فللمكاتب فداؤه بغير اذن سيده كما يفدي غيره من عبيده.
وقال القاضي في المجرد ليس له فداؤه بغير اذنه وهو مذهب الشافعي لانه اتلاف لا له فان ذوي رحمه ليسوا بمال له ولا يتصرف فيهم فلم يجز له اخراج ماله في مقابلتهم ولا شراؤهم كالتبرع ويفارق
العبد الاجنبي فانه ينتفع به وله صرفه في كتابته وكان له فداؤه وشراؤه كسائر أمواله ولكن ان كان لهذا الجاني كسب فدي منه وان لم يكن له كسب بيع في الجناية ان استغرقت قيمته وان لم تستغرقها بيع بعضه فيها وما بقي للمكاتب.
ولنا انه عبد له حي فملك فداءه كسائر عبيده ولا نسلم انه لا يملك شراءه وقولهم لا يتصرف فيه قلنا الا ان كسبه له فان عجز المكاتب صار رقيقا معه لسيده وإن أدى المكاتب لم يتضرر السيد بعتقهم وانتفع به المكاتب وإذا دار أمره بين نفع وانتفاء ضرر وجب ان لا يمنع منه وفارق التبرع فانه يفوت المال على السيد فان قيل فيه ضرر وهو منعه من اداء الكتابة فانه إذا صرف المال فيه ولم يقدر على صرفه في الكتابة عجز عنها قلنا هذا الضرر لا يمنع المكاتب منه بدليل ما لو ترك الكسب مع إمكانه أو امتنع من الاداء مع قدرته عليه فانه لا يمنع منه ولا يجبر على كسب ولا أداء فكذلك لا يمنع مما هو في معناه ولا مما يفضي إليه ولان غاية الضرر في هذا المنع من اتمام الكتابة وليس اتمامها واجبا عليه فأشبه ترك الكسب بل هذا أولى لوجهين (احدهما) ان هذا فيه نفع للسيد لمصيرهم عبيدا له (والثاني) أن فيه نفعا للمكاتب باعتاق ولده وذوي رحمه ونفعا لهم بالاعتاق على تقدير الاداء فإذا لم يمنع مما يساويه في المضرة من غير نفع فيه فلان لا يمنع مما فيه نفع لازم لاحدى الجهتين أولى وولد المكاتبة يدخل في كتابتها والحكم في جنايته كالحكم في ولد المكاتب سواء
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: