الفقه الحنبلي - الشهادة
(فصل) فان شهد بالحق شاهد أصل وشاهدا فرع يشهدان على شهادة أصل آخر جاز وإن شهد شاهد أصل وشاهد فرع خرج فيه ما ذكرنا من الخلاف من قبل (فصل) وان شهد شاهد أصل ثم شهد هو وآخر فرعا
على شاهد أصل آخر لم تفد شهادته الفرعية شيئا وكان حكم ذلك حكم ما لو شهد على شهادته شاهد واحد (مسألة) (ولا مدخل للنساء في شهادة الفرع) عن احمدان الذكورية شرط فلا يقبل في شهود الفرع نساء بحال سواء كان الحق مما يقبل فيه شهادة النساء اولا.
وهذا قول الشافعي ومالك والثوري لانهم يثبتون بشهادتهم شهود الاصل دون الحق وليس ذلك بمال ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجل فأشبه القصاص والحد (والثانية) لهن مدخل فيما كان المشهود به يثبت بشهادتهن في الاصل قال حرب قيل لاحمد فشهادة امرأتين على شهادة امرأتين تجوز؟ قال نعم يعني إذا كان معهما رجل، وذكر الاوزاعي قال: سمعت نمير بن أوس يجيز شهادة المرأة على شهادة المرأة.
ووجهه ان المقصود بشهادتهن اثبات الحق الذي شهد به شهود الاصل فيدخل
النساء فيه فيجوز أن يشهد رجلان على رجل وامرأتين، وذكر أبو الخطاب رواية أخرى ان النساء ليس لهن مدخل في الشهادة على الشهادة لان فيها ضعفا لما ذكرنا من قبل فلا مدخل لهن فيها لانها تزداد بشهادتهن ضعفا فاعتبرت تقويتها باعتبار الذكورية فيها فعلى هذه الرواية لا يكن أصولا ولا فروعا ولنا ان شهود الفرع ان كانوا يثبتون شهادة الاصول فهي تثبت بشهادتهم وان كانوا يثبتون نفس الحق فهو يثبت بشهادتهم ولان النساء يشهدن بالمال أو ما يقصد به المال فيثبت بشهادتهن كما لو أدينها عند الحاكم وما ذكر للرواية الاخرى لا أصل له (مسألة) (قال القاضي لا تجوز شهادة رجلين على شهادة رجل وامرأتين) نص عليه احمد
وقال أبو الخطاب هذه الرواية سهو من ناقلها (مسألة) (ولا يحوز للحاكم أن يحكم بشهادة شاهدي الفرع حتى تثبت عنده عدالتهما وعدالة شاهدي الاصل) وذلك لان الحكم ينبني على الشهادتين جميعا فاعتبرت الشروط في كل واحد منهما ولا نعلم في هذا خلافا فان عدل شهود الاصل شهود الفرع فشهدا بعدالتهما وعلى شهادتهما جاز بغير خلاف نعلمه وان لم يشهدا بعدالتهما جاز، ويتولى الحاكم ذلك فإذا علم عدالتهما حكم وان لم يعرفهما وهذا مذهب الشافعي
وقال الثوري وابو يوسف ان لم يعدل شاهد الفرع شاهدي الاصل لم يسمع الحاكم شهادتهما لان ترك تعديله يرتاب به الحاكم ولا يصح ذلك لانه يجوز أن لا يعرفا ذلك فيرجع فيه إلي بحث الحاكم ويجوز أن يعرفا عدالتهما ويتركانها اكتفاء بما يثبت عند الحاكم من عدالتهما (مسألة) (وان شهدوا عنده فلم يحكم حتى حضر شهود الاصل وقف الحكم على سماع شهادتهم) لانه قدر على الاصل قبل العمل بالبدل فأشبه المتيمم إذا قدر على الماء فلا تصح صلاته حتى يتوضأ (مسألة) (وان حدث منهم ما يمنع قبول شهادتهم لم يجز الحكم) لابد من اشتراط اسم العدالة في الجميع إلى استمرار الحكم لما ذكرنا في شاهد الاصل قبل هذا فعلى هذا ان رجعوا قبل الحكم لم يحكم بها لان الحكم ينبني عليها فأشبه ما لو فسق شهود الفرع أو رجعوا (مسألة) (فان حكم بشهادتهما ثم رجع شهود الفرع لزمهم الضمان) لان الاتلاف كان بشهادتهم فلزمهم الضمان كما لو اتلفوا بأيديهم (مسألة) (فان رجع شهود الاصل لم يضمنوا) لان الاتلاف كان بشهادة غيرهم فلا يلزمهم ضمان كالمتسبب مع المباشر ولانهم لم يلجئوا الحاكم إلي الحكم ويحتمل أن يضمنوا لان الحكم يضاف إليهم بدليل انه تعتبر عدالتهم فلزمهم الضمان كما لو حكم بشهادتهم ثم رجعوا ولانهم سبب في الحكم فيضمنون كالمزكين
(فصل) فان مات شهود الاصل أو الفرع لم يمنع الحكم وكذلك لو مات شهود الاصل قبل أداء الفروع الشهادة لم يمنع من أدائها والحكم بها لان موتهم من شرط سماع شهادة الفروع والحكم فلا يجوز جعله مانعا وكذلك ان جنوا لان جنونهم بمنزلة موتهم (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ومتى رجع شهود المال بعد الحكم لزمهم الضمان ولم ينقض الحكم سواء كان المال قائما أو تالفا) وسواء كان قبل القبض أو بعده أما الرجوع به على المحكوم له فلا نعلم بين أهل العلم خلافا انه لا يرجع به عليه ولا ينقض الحكم في قول أهل الفتيا من علماء الامصار وحكي عن سعيد ابن المسيب والاوزاعي انهما قالا ينقض الحكم وان استوفى الحق ثبت بشهادتهما فإذا رجعا زال ما يثبت به الحكم كما لو تبين انهما كانا كافرين ولنا ان حق المشهود له وجب له فلا يسقط بقولهما كما لو ادعياه لانفسهما يحقق هذا ان حق الانسان لا يزول إلا ببينة أو اقرار ورجوعهما ليس بشهادة ولهذا لا يفتقر إلى لفظ الشهادة ولا هو إقرار من صاحب الحق وفارق ما إذا تبين انهما كانا كافرين لاننا تبينا انه لم يوجد شرط الحكم وهو شهادة العدول وفي مسئلتنا لم يتبين ذلك بجواز أن يكونا عدلى صادقين في شهادتهما وانما كذبا في رجوعهما ويفارق العقوبات حيث لا تستوفى لانها تدرأ بالشبهات.
وأما الرجوع على الشاهدين
به فهو قول أكثر أهل العلم منهم مالك وأصحاب الرأي وقول الشافعي القديم وقال في الجديد لا يرجع عليهما بشئ إلا أن يشهدا بعتق عبد فيضمنا قيمته لانه لم يوجد منهما اتلاف للمال ولا يد عادية عليه فلم يضمنا كما لو ردت شهادتهما ولنا انهما انما أخرج ماله من يده بغير حق وحالا بينه وبينه فلزمهما الضمان كما لو شهدا بعتقه ولانهما أزالا يد السيد عن عبده بشهادتهما المرجوع عنها فأشبه ما لو شهدا بحريته ولانهما تسببا إلى اتلاف حقه بشهادتهما بالزور عليه فلزمهما الضمان كشاهدي القصاص يحقق هذا انه إذا لزمهما القصاص الذي يدرأ بالشبهات فوجوب المال أولى وقوله انهما ما أتلفا المال يبطل بما إذا شهدا بعتقه فان الرق في الحقيقة لا يزول بشهادة الزور وإنما حالا بين سيده وبينه وفي موضع اتلاف
المال فهما تسببا إلى تلفه فلزمهما ضمان ما تلف بسببهما كشاهدي القصاص وشهود الزنا وحافر البئر وناصب السكين.
(مسألة) (وان رجع شهود العتق غرموا القيمة) كالحكم في الشهادة بالمال على ما ذكرنا من الخلاف لانهما من جملة المال.
وإن شهدا بالحرية ثم رجعا عن الشهادة لزمهما غرامة قيمتهما لسيدهما بغير خلاف بينهم فيه، فان المخالف في التي قبلها هو الشافعي وقد وافق ههنا وهو حجة عليه فيما خالف فيه ويغرما القيمة لان العبيد من المتقومات.
(مسألة) (وإن رجع شهود الطلاق قبل الدخول غرموا نصف المسمى وان كان بعده لم يغرموا شيئا) إذا شهدا بطلاق امرأة تبين به فحكم الحاكم بالفرقة ثم رجعا عن الشهادة وكان قبل الدخول فالواجب عليهما نصف المسمى.
وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي في أحد قوليه يجب مهر المثل لانهما تلفا عليه البضع فلزمها عوضه وهو مهر المثل وفي القول الآخر يلمزمهما نصف مهر المثل لانه إنما يملك نصف البضع بدليل انه إنما يجب عليه نصف المهر.
ولنا أن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بدليل ما لو أخرجه من ملكه بردتها واسلامها أو قتلها نفسها فانها لا تضمن شيئا ولو فسخت نكاحها قبل الدخول برضاع من ينفسخ به نكاحها لم يغرم شيئا وإنما يجب نصف المسمى لانهما ألزماه للزوج بشهادتهما وقرراه عليه كما يرجع به على فسخ نكاحه برضاع أو غيره وقوله انه ملك نصف البضع غير صحيح فان البضع لا يجوز تمليك نصفه ولان العقد ورد على جميعه والصداق واجب جميعه ولهذا تملكه المرأة إذا قبضته ونماؤه لها وتملك طلبه إذا لم تقبضه وإنما يسقط نصفه بالطلاق واما ان يكون الحكم بالفرقة بعد الدخول فليس عليهما ضمان وبه قال أبو حنيفة وعن احمد رواية أخرى عليهما ضمان المسمى في الصداق لانهما فوتا عليه
نكاحا وجب عليه به عوض فكان عليهما ضمان ما وجب به كما قبل الدخول، وقال الشافعي يلزمهما له مهر المثل لانهما أتلفا البضع وقد سبق الكلام سعه في هذا ولا يصح القياس على ما قبل الدخول لانهما قررا عليه نصف المسمى وكان بعرض السقوط وههنا قد تقرر المهر كله بالدخول فلم يقررا عليه شيئا ولم يخرجا من ملكه متقوما فأشبه ما لو أخرجاه من ملكه بقتلها أو أخرجته هي بردتها.
(مسألة) (وإن رجع شهود القصاص أو الحد قبل الاستيفاء لم يستوف وان كان بعده وقالوا أخطأنا فعليهم دية ما تلف ويقسط الغرم على عددهم فان رجع أحدهم غرم بقسطه).
وجملة ذلك أن الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم بعد أدائها لم تخل من ثلاثه أحوال (أحدها) أن يرجعوا قبل الحكم بها فلا يجوز الحكم بها في قول عامة أهل العلم وحكى عن ابي ثور أنه شذ عن اهل العلم فقال يحكم بها، لان الشهادة قد أديت فلا تبطل برجوع من شهد بها كما لو رجعا بعد الحكم وهذا فاسد، لان الشهادة شرط الحكم فإذا زالت قبله لم يجز كما لو فسقا ولان رجوعهما يظهر به كذبهما فلم يجز به الحكم كما لو شهد بقتل رجل ثم علمت حياته ولانه زال ظنه في أن ما شهد به حق فلم يجز به الحكم كما لو تغير اجتهاده وفارق ما بعد الحكم فانه تم بشرطه ولان الشك لا يزيل ما حكم به كما لو تغير اجتهاده (الحال الثاني) أن يرجعا بعد الحكم وقبل الاستيفاء فان كان المحكوم به عقوبة كالحد والقصاص ولم يجز استيفاؤه، لان
الحدود تدرأ بالشبهات ورجوعهما من أعظم الشبهات ولان المحكوم به عقوبة لم يبق ظن استحقاقها ولا سبيل إلى خبرها فلم يجز استيفاؤها كما لو رجعا قبل الحكم وان كان المحكوم به مالا استوفي ولم ينقض الحكم وقد ذكرناه وفارق المال القصاص والحد فانه يمكن جبره بالزام الشاهد عوضه والحد والقصاص لا يجير بايجاب مثله على الشاهدين لان ذلك ليس بجبر ولا يحصل لمن وجب له منه عوض وإنما شرع لزجر والتشفي والانتقام لا للجبر، فان قيل فلم قلتم إنه إذا حكم بالقصاص ثم فسق الشاهد استوفي في أحد الوجهين قلنا الرجوع أعظم في الشبهة من طريان الفسق لانهما يقران أن شهادتهما زور وانهما كانا فاسقين حين شهدا وحين حكم الحاكم بشهادتهما وهذا الذي طرأ فسقه لا يتحقق كون شهادته كذبا ولا انه كان فاسقا حين أدى الشهادة ولا حين الحكم بها ولهذا لو فسق بعد
الاستيفاء لم يلزمه شئ والراجعان تلزمهما غرامة ما شهدا به فافترقا، (الحال الثالث) أن يرجعا بعد الاستيفاء فانه لا يبطل الحكم ولا يلزم المشهود له شئ سواء كان المشهود به مالا أو عقوبة لان الحكم قد تم باستيفاء المحكوم به ووصول الحق إلى مستحقه ويرجع به على الشاهدين فان كان المشهود اتلافا في مثله القصاص كالقتل والجرح وقالا عمدنا الشهادة عليه بالزور ليقتل أو يقطع فعليهما القصاص وبه قال ابن أبي ليلى والاوزاعي والشافعي وأبو عبيد وقال أصحاب الرأي لاقود عليهما لانهما لم يباشرا الاتلاف فأشبها حافر البئر إذا تلف به شئ.
ولنا أن عليا رضي الله عنه شهد عنده رجلان على رجل بالسرقة فقطعه ثم عادا فقالا أخطأنا ليس هذا السارق فقال علي لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعتكما ولا مخالف له في الصحابة ولانهما تسببا إلى قتله وقطعه بما يفضي إليه غالبا فلزمهما القصاص كالمكره وفارق الحفر فانه لا يفضي إلى القتل غالبا وقد ذكرنا هذه المسألة في الجنايات فان قالا عمدنا الشهادة عليه ولم نعلم أنه يقتل بهذا وكانا ممن يجوز أن يجهلا ذلك وجبت الدية في أموالهما مغلظة لانه شبه عمد ولم تحمله العاقلة لانه ثبت باعترافهما وان قال أحدهما عمدت قتله وقال الآخر أخطأت فعلى العامد نصف الدية مغلظة وعلى الآخر نصفها مخففة ولا قصاص في الصحيح من المذهب وان قال كل واحد منهما إنما اعترف بعمد شارك فيه مخطئا وهو لا يوجب القصاص والانسان إنما يؤاخذ باقراره لا باقرار غيره فعلى هذا تجب عليهما دية مغلظة وإن قال أحدهما عمدنا جميعا وقال الآخر عمدت وأخطأ صاحبي فعلى الاول القصاص وفي الثاني وجهان كالتي قبلها، وإن قالا أخطأنا فعليهما الدية مخففة في أموالهما لان العاقلة لا تحمل الاعتراف وان قال أحدهما عمدنا معا وقال الآخر اخطأنا معا فعلى الاول القصاص وعلى الثاني نصف الدية مخففة لان كل واحد منهما يؤاخذ باقراره، وان قال كل واحد منهما عمدت ولا أدري ما فعل صاحبي فعليهما القصاص لاقرار كل واحد منهما بالعمد ويحتمل أن لا يجب عليهما القصاص، لان اقرار كل واحد منهما لو انفرد
لم يجب عليه قصاص وإنما يؤاخذ الانسان باقراره لا باقرار صاحبه وان قال أحدهما عمدت ولا أدري
ما قصد صاحبي سئل صاحبه فان قال مثل قوله فهي كالتي قبلها، وإن قال عمدنا معا فعليه القصاص وفي الاول وجهان وإن قال أخطأت أو أخطأنا فلا قصاص على كل واحد منهما وان جهل حال الآخر بجنون أو موت أو لم يقدر عليه فلا قصاص على المقر وعليه نصيبه من الدية المغلظة.
(فصل) وان رجع أحد الشاهدين وحده فالحكم فيه كالحكم في رجوعهما في ان الحاكم لا يحكم بشهادتهما إذا كان رجوعه قبل الحكم ولا تستوفى العقوبة إذا رجع قبل استيفائها لان الشرط يختل برجوعه كاختلاله برجوعهما وان كان رجوعه بعد الاستيفاء لزم حكم اقراره وحده فان اقربما يوجب القصاص وجب عليه وان اقربما يوجب دية مغلظة وجب عليه قسطه منها وان أقر بالخطأ وجب عليه قسطه من الدية المخفقة وان كان الشهود أكثر من اثنين في الحقوق المالية أو القصاص ونحوه فيما يثبت بشاهدين أو أكثر من أربعة فرجع لزائد منهم قبل الحكم أو الاستيفاء لم يمنع ذلك الحكم ولا الاستيفا لان ما بقي من البينة كاف في اثبات الحكم واستيفائه وان رجع بعد الاستيفاء فعليه القصاص ان أقر بما يوجبه أو قسطه من الدية أو من المفوت بشهادتهم ان كان غير ذلك وفي ذلك اختلاف ذكرنا بعضه
(فصل) وكل موضع وجب الضمان على الشهود بالرجوع فانه يوزع بينهم على عددهم قلوا أو كثروا قال أحمد في روايه بن منصور إذا شهد بشهادة ثم رجع وقد اتلف مالا فانه ضامن بقدر ما كانوا في الشهادة فان كانوا ائنين فعليه النصف وان كانوا ثلاثة فعليه الثلث وعلى هذا لو كانوا عشرة فعليه العشر فان رجع أحدهم وحده غرم بقسطه على ما ذكرنا وفيه اختلاف يذكر إنشاء الله تعالى فإذا شهد اربعة بالقتل فقتل المشهود عليه ثم رجع واحد فعليه الربع ان قال أخطأنا وان رجع اثنان فعليهما النصف (مسألة) (فإذا شهد ستة بالزنا على محصن فرجم بشهادتهم ثم رجع واحد فعليه القصاص أو سدس الدية وان رجع اثنان فعليهما القصاص أو ثلث الدية) وبهذا قال أبو عبيد وقال أبو حنيفة ان رجع واحد أو اثنان فلا شئ عليهما لان بينة
الزنا قائمة فدمه غير محقون وان رجع ثلاثة فعليهم ربع الدية وان رجع أربعة فعليهم نصف الدية وان رجع خمسة فعليهم ثلاثة ارباعها وان رجع الستة فعلى كل واحد منهم سدسها ومنصوص الشافعي فيما إذا رجع اثنان كمذهب أبي حنيفة واختلف أصحابه فيما إذا شهد بالقصاص ثلاثة فرجع أحدهم فقال أبو إسحاق لا قصاص عليه لان بينة القصاص قائمة وهل يجب عليه ثلث الدية؟
على وجهين قال ابن الحداد عليه القصاص وفرق بينه وبين الراجع من شهود الزنا إذا كان زائدا بان دم المشهود عليه بالزنا غير محقون وهذا دمه محقون وانما أبيح دمه لولي القصاص وحده واختلفوا فيما إذا شهد بالمال ثلاثة فرجع أحدهم على وجهين (أحدهما) يضمن الثلث (والثاني) لا شئ عليه ولنا ان الاتلاف حصل بشهادتهم فالراجع يقر بالمشاركة فيه عمدا عدوانا كمن هو مثله في ذلك فلزمه القصاص كما لو أقر بمشاركتهم في مباشرة قتله ولانه أحد من قتل المشهود عليه بشهادته فأشبه الثاني من شهود القصاص والرابع من شهود الزنا ولانه أحد من حصل الاتلاف بشهادته فلزمه من الضمان بقسطه كما لو رجع الجميع، وقولهم ان دمه غير محقون غير صحيح فان الكلام فيما إذا قتل ولم يبق له دم يوصف بحقن ولا عدمه وقيام الشهادة لا يمنع وجوب القصاص كما لو شهدت لرجل باستحقاق القصاص فاستوفاه ثم أقرانه قتله ظلما وان الشهود شهود زور والتفريق بين القصاص
والرجم يكون دم القاتل غير محقون لا يصح لانه غير محقون بالنسبة إلى من قتله ولان كل واحد مؤاخذ باقراره ولا يعتبر قول شريكه ول هذا لو أقر أحد الشريكين بعمدها وقال الآخر أخطأنا وجب القصاص على المقر بالعمد (مسألة) (وان شهد اربعة بالزنا واثنان بالاحصان ثم رجع الجميع لزمتهم الدية اسداسا في أحد الوجهين وفي الاخرى على شهود الزنا النصف وعلى شهود الاحصان النصف فان شهد أربعة بالزنا وشهد اثنان منهم بالاحصان صحت الشهادة فان رجم ثم رجعوا عن الشهادة فعلى من شهد بالاحصان ثلثا الدية على الوجه الاول وعلى الوجه الثاني يلزمهم ثلاثة أرباعها)
وجملة ذلك انه إذا شهد أربعة بالزنا واثنان بالاحصان فرجم ثم رجعوا عن الشهادة فالضمان على جميعهم وقال أبو حنيفة لا ضمان على شهود الاحصان لانهم شهدوا بالشرط دون السبب الموجب للقتل وانما يثبت ذلك بشهادة الزنا ولاصحاب الشافعي وجهان كالمذهبين ولنا ان قتله حصل بمجموع الشهادة فتجب الغرامة على الجميع كما لو شهدوا جميعا على الزنا وفي كيفية الضمان وجهان
(أحدهما) يوزع عليهم على عدد رؤوسهم كشهود الزنا لان القتل حصل من جميعهم (والثاني) على شهود الزنا النصف وعلى شهود الاحصان النصف لانهما حزبان فلكل حزب نصف فان شهد أربعة بالزنا واثنان منهم بالاحصان ثم رجعوا فعلى الاول على شاهدي الاحصان الثلثان وعلى الاخر الثلث لان على شاهدي الاحصان الثلث لشهادتهما به والثلث بشهادتهما بالزنا وعلي الآخرين الثلث لشهادتهما بالزنا وحده وعلى الوجه الثاني على شهود الاحصان ثلاثة ارباع الدية لان عليهما النصف لشهادتهما بالاحصان ونصف الباقي لشهادتهما بالزنا ويحتمل ان لا يجب على شاهدي الاحصان الا النصف لان كل واحد منهما جنى جنايتين وجنى كل واحد من الاخرين جناية واحدة فكانت الدية بينهم على عدد رؤوسهم لا على عدد جنايتهم كما لو قتل اثنان واحدا جرحه أحدهما جرحا والآخر اثنين (فصل) وإذا حكم الحاكم في المال برجل وامرأتين ثم رجعوا عن الشهادة يوزع الضمان عليهم على الرجل نصفه وعلى كل امرأة ربعه وان رجع أحدهم وحده فعليه من الضمان حصته وان كان الشهود رجلا وعشر نسوة فرجعوا على شهادتهم فعلى الرجل السدس وعلى كل امرأة نصف السدس وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لان كل امرأتين كرجل فالعشر كخمسة رجال ويحتمل ان يجب عليهن النصف وعلى الرجل النصف وبهذا قال أبو يوسف ومحمد لان الرجل نصف البينة بدليل أنه
نصف البينة بدليل أنه لو رجع وحده قبل الحكم كان كرجوعهن كلهن فيكون الرجل حزبا والنساء حزبا فان رجع بعض النسوة وحده والرجل فعلى الراجع مثل ما عليه إذا رجع الجميع وعند ابي حنيفة
وأصحابه متى رجع من النسوة معا زاد على اثنين فليس على الراجعات شئ وقد مضي الكلام معهم في هذا (فصل) وإذا شهد أربعة باربعمائة فحكم الحاكم بها ثم رجع واحد عن مائة وآخر عن مائتين والثالث عن ثلاثمائة والرابع عن اربعمائة فعلى كل واحد منهما ما رجع عنه بسقطه فعلى الاول خمسة وعشرون وعلى الثاني خمسون وعلى الثالث خمسة وسبعون وعلى الرابع مائة لان كل واحد منهم يقر بانه فوت على المشهود عليه وبع ما رجع عنه ويقتضي مذهب أبي حنيفة ان لا يلزم الراجع عن الثلاثمائة والاربعمائة أكثر من خمسين خمسين لان المائتين اللتين رجع عنهما قد بقى بهما شاهدان (مسألة) (وإذا حكم الحاكم بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد غرم المال كله ويتخرج ان يغرم النصف) المنصوص عن أحمد رحمه الله انه يضمن المال كله في رواية جماعة ويتخرج ان يضمن النصف وبه قال مالك والشافعي لانه أحد حجتي الدعوى فكان عليه النصف كما لو كانا شاهدين
ولنا ان الشاهد حجة الدعوى فكان الضمان عليه كالشاهدين يحققه ان اليمين قول الخصم وقول الخصم لمس بحجة على خصمه وانما هو شرط الحكم فجرى مجرى مطالبته للحاكم بالحكم وبهذا ينفصل عما ذكروه، وان سلمنا انها حجة لكن انما جعلها حجة شهادة الشاهد ولهذا لم يجز تقديمها على شهادته بخلاف شهادة الشاهد الآخر قال أبو الخطاب ويتخرج ان لا يلزمه الا النصف إذا قلنا برد اليمين على المدعي (فصل) وإذا شهد شاهدان انه أعتق هذا العبد عن ضمان مائة درهم وقيمة العبد مائتان فحكم الحاكم بشهادتهما ثم رجعا رجع السيد على الشاهدين بمائة لانها تمام القيمة وكذلك ان شهدا على رجل انه طلق امرأته قبل الدخول على مائة ونصف المسمى مائتان غرما للزوج مائة لانهما فوتاها بشهادتهما المرجوع عنها، وان شهد رجلان على رجل بنكاح امرأة بصداق ذكراه وشهد آخران بدخوله بها ثم رجعوا بعد الحكم عليه بصداقها فعلى شهود النكاح الضمان لانهم الزموه المسمى ويحتمل أن يكون
عليهم النصف وعلى الآخرين النصف لانهما قرراه وشاهدا النكاح أوجباه فيقسم بين الاربعة ارباعا، وان شهد مع هذا شاهدان بالطلاق لم يلزمهما شئ لانهما لم يفوتا عليه شيئا يدعيه ولا أوجبا عليه ما لم يكن واجبا.
(مسألة) (وان بان بعد الحكم ان الشاهدين كانا كافرين أو فاسقين نقض الحكم ويرجع بالمال أو ببدله على المحكوم له، وان كان المحكوم به اتلافا فالضمان على المزكين فان لم يكن ثم تزكية فعلى الحاكم، وعنه لا ينقض إذا كانا فاسقين) وجملة ذلك أن الحاكم إذا حكم بشهادة شاهدين ثم بانا فاسقين أو كافرين فان الامام ينقض حكمه ويرد المال ان كان قائما أو عوضه ان كان تالفا، فان تعذر ذلك لاعسارة أو غيره فعلى الحاكم ثم يرجع على المشهود له وعن احمد رواية أخرى لا ينقض حكمه إذا كانا فاسقين ويغرم الشهود المال وكذلك إذا شهد عنده عدلان أن الحاكم قبله حكم بشهادة فاسقين ففيه روايتان، واختلف أصحاب الشافعي فيه أيضا ولا خلاف بين الجميع انه ينقض حكمه إذا كانا كافرين وينقض حكم غيره إذا ثبت عنده انه حكم بشهادة كافرين فنقيس على ذلك إذا حكم بشهادة فاسقين فان شهادة الفاسقين مجمع على ردها وقد نص الله تعالى التبين فيها فقال سبحانه (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) وأمر
وامر باشهاد العدول فقال سبحانه (وأشهدوا ذوي عدل منكر) وقال سبحانه (ممن ترضون من الشهداء) فيجب نقض الحكم لفوات العدالة كما يجب نقضه لفوات الاسلام ولان الفسق معنى لو ثبت عند الحاكم قبل الحكم منعه فإذا شهد شاهدان انه كان موجودا حال الحكم وجب نقض الحكم كالكفر والرق في العقوبات.
إذا ثبت هذا فان ابا حنيفة قال لا يسمع الحاكم الشهادة بفسق الشاهدين قبل الحكم ولا بعده ومتى جرح المشهود عليه البينة لم تسمع بينته بالفسق لكن يسأل عن الشاهدين ولا يسمع على الفسق شهادة لان الفسق لا يتعلق به حق أحد فلا تسمع فيه الدعوى والبينة.
ولنا أنه معنى يتعلق به الحكم فسمعت فيه الدعوى والبينة كالتزكية، وقوله لا يتعلق به حق
أحد ممنوع فان المشهود عليه يتعلق حقه بفسقه في منع الحكم عليه قبل الحكم ونقضه بعد وتبرئته من اخذ ماله أو عقوبته بغير حق فوجب ان تسمع فيه الدعوى والبينة كما لو ادعى رق الشاهد ولم
يدعه لنفسه ولانه إذا لم تسمع البينة بالفسق أدى إلى ظلم المشهود عليه فإذا لم يسمع عليه شهادتهم وحكم عليه بشهادة الفاسقين كان ظالما له فأما ان قامت البينة انه حكم بشهادة والدين أو ولدين أو عدوين فان كان الحاكم الذي حكم بشهادتهما ممن يرى الحكم به لم ينقض حكمه لانه حكم باجتهاده فيما يسوغ فيه الاجتهاد ولم يخالف نصا ولا اجماعا، فان كل ممن لا يرى الحكم بشهادتهم نفضه لان الحاكم يعتقد بطلانه.
(فصل) فان كان المحكوم به اتلافا كالقطع في السرقة والقتل ثم بان أنهما كافران أو فاسقان أو عبدان أو أحدهما فلا ضمان على الشاهدين لانهما مقيمان على أنهما صادقان فيما شهدا به وإنما الشرع منع قبول شهادتهما بخلاف الراجعين عن الشهادة فانهما اعترفا بكذبهما فان لم يكن ثم مزكون فالضمان على الحاكم أو الامام الذي تولى ذلك لانه حكم بشهادة من لا يجوز له الحكم بشهادته ولا قصاص عليه لانه مخطئ وتجب الدية وفي محلها روايتان (احداهما) في بيت المال (والثانية) على العاقلة وقد ذكرنا ذلك فيما مضى وللشافعي قولان كالروايتين، فان قلنا الدية على العاقلة لم تحمل إلا الثلث فما زاد ولا تحمل الكفارة لانها لا تحمل ذلك في محل الوفاق كذى ههنا وتكون الكفارة في مال القاتل، وان قلنا في بيت المال فينبغي أن يكون فيه القليل والكثير لانه يكثر فيه خطؤه فجعل الضمان عليه يجحف به وان قل ولان جعله في بيت المال لعلة انه نائب عنهم وخطأ النائب على مستنيبه وسواء تولى الحاكم الاستيفاء بنفسه أو أمر من يتولاه، قال أصحابنا وان كان الولي استوفاه فهو كما لو استوفاه الحاكم لان الحاكم سلطه على ذلك ومكنه منه والولي يدعي انه حقه فان قيل فإذا
كان الولي استوفى حقه فينبغي أن يكون الضمان عليه كما لو حكم له بمال فقبضه ثم بان فسق الشهود كان الضمان على المستوفي دون الحاكم كذا ههنا قلنا ثم حصل في يد المستوفي مال المحكوم عليه بغير حق
فوجب عليه رده أو ضمانه ان تلف وههنا لم يحصل في يده شي وانما أتلف شيئا بخطأ الامام وتسليطه عليه فافترقا.
(فصل) فان كان ثم مزكون مثل أن يشهد بالزنا أربعة فيزكيهم اثنان فرجم المشهود عليه ثم بان الشهود فسقة أو عبيد أو بعضهم فلا ضمان على الشهود لانهم يزعمون أنهم محقون ولم يعلم كذبهم يقينا والضمان على المزكين، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، وقال القاضي الضمان على الحاكم لانه حكم بقتله من غير تحقيق شرطه ولا ضمان على المزكين لان شهادتهما شرط وليست الموجبة، وقال ابو الخطاب في رءوس المسائل الضمان على الشهود بالزنا ولنا ان المزكين شهدوا بالزور شهادة أفضت إلى قتله فلزمهم الضمان كشهود الزنا إذا رجعوا ولا ضمان على الحاكم لانه أمكن احالة الحكم على الشهود فاشبه ما إذا رجعوا عن الشهادة وقولهم إن شهادتهم شرط لا يصح لان من أصلنا ان شهود الاحصان يلزمهم الضمان وان لم يشهدوا بالسبب
وقد نص عليه احمد وقول ابي الخطاب لا يصح لان شهود الزنا لم يرجعوا ولا علم كذبهم بخلاف المزكين فانه تبين كذبهم وانهم شهدوا بالزور فأما ان تبين فسق المزكين فالضمان على الحاكم لان التفريط منه حيث قبل شهادة فاسق من غير تزكية ولا بحث فلزمه الضمان كما لو قبل شهادة شهود الزنا من غير تزكية ثم تبين كذبهم (فصل) ولو جلد امام انسانا تشهادة شهود ثم بان أنهم فسقة أو كفرة أو عبيد فعلى الامام ضمان ما حصل بسبب الضرب) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا ضمان عليه ولنا انها جناية صدرت عن خطأ الامام فكانت مضمونة عليه كما لو قطعه أو فتله (مسألة) (وإذا شهدوا عند الحاكم بحق ثم ماتوا حكم بشهادتهم إذا ثبتت عدالتهم) لانهم أدوا الشهادة، أشبه ما لو كانوا أحياء وكذلك ان جنوا لان جنونهم بمنزلة موتهم (مسألة) (وإذا علم الحاكم بشاهد الزور عزره وطاف به في المواضع التي يشتهر فيها فيقال
انا وجدنا هذا شاهد زور فاجتنبوه) شهادة الزور من اكبر الكبائر وقد نهى تعالى عنه في كتابه مع نهيه عن الاوتان فقال سبحانه (فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور) وروى أبو بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألا أنبئكم باكبر الكبائر؟) قالوا بلى يارسول الله قال (الاشراك بالله وعقوق الوالدين)
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: