الفقه الحنبلي - الشهادة - الدعاوي - اليمين
وكان متكئا فجلس فقال (ألا وقول الزور وشهادة الزور) فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت متفق عليه وروى أبو حنيفة عن محارب بن دثار عن ابن عمر عن النبي
صلى الله عليه وسلم انه قال (شاهد الزور لا تزول قدماه حتى تجب له النار) فمتى ثبت عند الحاكم أن رجلا شهد بزور عمدا عزره وشهره في قول أكثر أهل العلم، وروي ذلك عن عمر رضي الله عنه وهو قول شريح والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله والاوزاعي وابن ابي ليلى ومالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يعزر ولا يشهر ولانه قول منكر وزور فلا يعزر به كالظهار، وروى عنه الطحاوي انه يشهر وانكره المتأخرون ولنا انه قول محرم يضر به الناس فأوجب العقوبة على قائله كالسب والقذف ويخالف الظهار من وجهين (أحدهما) انه يختص بضرره (والثاني) انه اوجب كفارة شاقة هي يشد من التعزير ولانه قول عمر رضي الله عنه ولا نعلم له في الصحابة مخالفا.
إذا ثبت ذلك فان عقوبته غير مقدرة وإنما ذلك مفوض إلى رأي الحاكم ان راى ذلك بالجلد فعل وإن رآه بحبس أو كشف راسه وتوبيخه فعل ولا يزيد في جلده على عشر جلدات وقال الشافعي لا يزيد على تسع وثلاثين وقال ابن ابي ليلى يجلد خمسا وسبعين سوطا.
وهذا احد قولي ابي يوسف وقال الاوزاعي في شاهدي الطلاق يجلدان مائة ويغرمان الصداق.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجلد أحد فوق عشر جلدات إلا في حد من من حدود الله) متفق عليه
وقال القاسم وسالم يخفق سبع خفقات فأما شهرته بين الناس فانه يوقف في سوقه ان كان من اهل السوق أو في قبيلته ان كان من اهل القبائل أو في مسجده إن كان من أهل المساجد ويقول الموكل به
ان الحاكم يقرأ عليكم السلام ويقول هذا شاهد زور فاعرفوه، وهذا مذهب الشافعي وأتي الوليد بن عبد الملك بشاهد زور فأمر بقطع لسانه وعنده القاسم وسالم فقالا سبحان الله بحسبه أن يخفق سبع خفقات ويقام بعد العصر فيقال هذا أبو قبيس وجدناه شاهد زور ففعل ذلك به، ولا يسخم وجهه ولا يركب ولا يكلف أن ينادي على نفسه، وروى عن عمر رضي الله عنه أنه يجلد أربعين جلدة ويسخم وجهه ويطال حبسه رواه الامام احمد وقال سوار يلبب ويدار به على حلق المسجد فيقول من رأني فلا يشهد بزور وروي عن عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة أنه امر بحلق بعض رؤوسهم وتسخيم وجوههم ويطاف بهم في السوق والذي شهدوا له معهم.
ولنا أن هذا مثلة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة وما روي عن عمر فقد روي عنه خلافه وانه حبسه يوما وخلى سبيله وفي الجملة ليس في هذا تقدير شرعي فما فعل الحاكم مما رآه لم يخرج عن مخالفة نص أو معنى نص فله ذلك ولا يفعل به شئ من هذا حتى يتحقق أنه شاهد زور وتعمد ذلك أو يشهد على رجل بفعل في الشام ويعلم ان المشهود عليه في ذلك الوقت في العراق أو يشهد بقتل رجل وهو حي وأن هذه البهيمة في يد هذا منذ ثلاثة أعوام وسنها اقل من ذلك أو يشهد على رجل
انه فعل شيئا وقد مات قبل ذلك وأشباه هذا مما يعلم به كذبه ويعلم تعمده لذلك فأما تعارض البينتين أو ظهور فسقه أو غلطه في شهادته فلا يؤدب لان الفسق لا يمنع الصدق والتعارض لا يمنع أنه كذب احدى البينتين بعينها والغلط قد يعرض للصادق العدل ولا يتعمده فيعفى عنه قال الله تعالى (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) (فصل) ومتى علم ان الشاهدين شهدا بالزور تبين ان الحكم كان باطلا ولم نقضه لانا تبينا كذبهما وان كان المحكوم به مالا رد إلى صاحبه وإن كان اتلافا فعلى الشاهدين ضمانه لانهما سبب اتلافه إلى أن يثبت ذلك باقرارهما على أنفسهما من غير موافقة المحكوم له فيكون ذلك رجوعا منهما عن شهادتهما وقد مضى حكم ذلك.
(فصل) وان تاب شاهد الزور ومضى على ذلك مدة تظهر فيها توبته وتبين صدقه فيها
وعدالته قبلت شهادته، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك لا تقبل شهادته أبدا لان ذلك لا يؤمن منه.
ولنا انه تائب من ذنبه فقبت توبته كسائر التائبين وقوله لا يؤمن منه ذلك.
قلنا مجرد الاحتمال لا يمنع قبول الشهادة بدليل سائر التائبين فانه لا يؤمن معاودة ذنوبهم وشهادتهم مقبولة (مسألة) (ولا تقبل الشهادة الا بلفظ الشهادة فان قال أعلم أو احق لم يحكم به) وجملة ذلك أن لفظ الشهادة معتبر في أدائها فيقول أشهد أنه اقر بكذا ونحوه ولو قال أعلم أو احق أو اتيقن أو اعرف لم يعتد به لان الشهادة مصدر شهد يشهد شهادة فلا بد من الاتيان بفعلها المشتق منها ولان فيها معنى لا يحصل في غيرها من اللفظات بدليل انها تستعمل في اللعان ولا يحصل ذلك من غيرها وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم في ذلك خلافا.
(فصل) وإذا عين العدل شهادته بحضرة الحاكم فزاد فيها أو نقص قبلت منه ما لم يحكم بشهادته ذكره الخرقي مثل ان يشهد بمائة ثم يقول بل هي مائة وخمسون أو بل هي تسعون فانه يقبل منه رجوعه ويحكم بما شهد به أخيرا وبهذا قال أبو حنيفة والثوري واسحاق وقال الزهري لا تقبل شهادته الاولى ولا الاخيرة لان كل واحدة منهما ترد ولان الاولى مرجوع عنها (والثانية) غير موثوق بها لانها من مقر بغلطه وخطئه في شهادته فلا يؤمن أن تكون في الغلط كالاولى وقال مالك يؤخذ باقل قوليه لانه أدى الشهادة وهو غير متهم فلا يقبل رجوعه عنها كما لو اتصل بها الحكم
ولنا ان شهادته الآخرة شهادة من عدل غير متهم لم يرجع عنها فوجب الحكم بها كما لو لم يتقدمها ما يخالفها ولا تعارضها الاولى لانها قد بطلت برجوعه عنها ولا يجوز الحكم بها لانها شرط الحكم فوجب استمرارها إلى انقضائه ويفارق رجوعه بعد الحكم لان الحكم قد تم باستمرار شرطه فلا ينقض بعد تمامه.
(باب اليمين في الدعاوى)
وهي مشروعة في حق المنكر في كل حق لآدمي وجملة ذلك أن الحقوق على ضربين (احدهما) ما هو حق لآدمي (والثاني) ما هو حق لله تعالى وحق الآدمي ينقسم قسمين: (أحدهما) ما هو مال أو المقصود منه المال كالبيع والقرض والصلح والغصب والجناية الموجبة للمال فيستحلف فيه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه) متفق عليه ولحديث الحضرمي والكندي
(القسم الثاني) ما ليس بمال ولا المقصود منه المال وهو كل ما لا يثبت الا بشاهدين كالقصاص وحد القذف والنكاح والطلاق والرجعة والعتق والنسب والاستيلاء والولاء والرق ففيه روايتان: (احداهما) لا يستحلف المدعى عليه ولا تعرض عليه اليمين قال احمد ولم أسمع من مضى جوز الايمان إلا في الاموال والعروض خاصة، وهذا قول مالك ونحوه قول أبي حنيفة فانه قال لا يستحلف في النكاح وما يتعلق به من دعوى الرجعة والفيئة في الايلاء ولا في الرق وما يتعلق به من الاستيلاء والولاء والنسب لان هذه الاشياء لا يدخلها البدل وانما تعرض اليمين فيما يدخلها البدل فان المدعى عليه مخير بين ان يحلف أو يسلم ولان هذه الاشياء لا تثبت الا بشاهدين ذكرين فلا تعرض فيها اليمين كالحدود.
(والرواية الثانية) يستحلف في الطلاق والقصاص والقذف وقال الخرقي إذا قال ارتجعتك فقالت انقضت عدتي قبل رجعتك فالقول قولها مع يمينها وإذا اختلفا في مضي الاربعة الاشهر في الايلاء فالقول قوله مع يمينه فيخرج في هذا أنه يستحلف في كل حق لآدمي وهذا قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد
لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قول دماء رجال وأموالهم) ولان اليمين على المدعى عليه وهذا عام في كل مدعى وهو ظاهر في دعوى الدماء لذكرها في الدعوى مع عموم الاحاديث ولانها دعوى صحيحة في حق آدمي فجاز أن يحلف عليه كدعوى المال وهذا أولى إن
شاء الله تعالى.
وقال أبو بكر عبد العزيز تشرع اليمين في كل حق لآدمي إلا في النكاح والطلاق لان هذا مما لا يحل بذله فلم يستحلف كحقوق الله سبحانه وانما كان كذلك لان الابضاع مما يحتاط لها فلا تستباح بالنكول لان النكول ليس بحجة قوية لانه سكوت مجرد يحتمل أن يكون للخوف من اليمين ويحتمل أن يكون للجهل بحقيقة الحال، ويحتمل أن يكون لعلمه بصدق المدعي ومع هذه الاحتمالات لا نيبغي أن يقضى به فيما يحتاط له، وقال أبو الخطاب تشرع اليمين في كل حق لآدمي إلا في تسعة أشياء النكاح والرجعة والطلاق والرق والاستيلاء والنسب والقذف والقصاص لان البدل لا يدخل هذه الاشياء ثم يستحلف فيها كحقوق الله سبحانه، وقال القاضي في الطلاق والقصاص والقذف روايتان (احداهما) لا يستحلف فيها لذلك (والثانية) يستحلف فيها لانها دعوى صحيحة يستحلف فيها كدعوى المال.
وأما الستة الباقية فلا يستحلف فيها رواية واحدة لما سبق وقال الخرقي لا يستحلف
في القصاص ولا المرأة إذا أنكرت النكاح وتحلف إذا ادعت انقضاء عدتها لما سبق وإذا أقام العبد شاهدا بعتقه حلف مع شاهده وعتق وهي إحدى الروايتين عن احمد وقد ذكرنا ذلك (مسألة) (ولا يستحلف في حقوق الله سبحانه) وهي نوعان (أحدهما) الحدود فلا تشرع فيها يمين لا نعلم في هذا خلافا لانه لو أقر ثم رجع عن اقراره قبل منه وخلي من غير يمين فلان لا يستحلف مع عدم الاقرار اولى ولانه يستحب ستره والتعريض للمقر به بالرجوع عن إقراره وللشهود ترك الشهادة والستر عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم لهزال في قصة ماعز (ياهزال لو سترته بثوبك لكان خيرا لك) فلا تشرع فيه يمين بحال (النوع الثاني) الحقوق المالية كدعوى الساعي الزكاة على رب المال وان الحول قد تم وكمل النصاب فقال احمد القول قول رب المال بغير يمين ولا يستحلف الناس على صدقاتهم وقول الشافعي وابو يوسف يستحلف لانها دعوى مسموعة يتعلق بها حق آدمي اشبه حق الآدمي، ووجه الاول انه حق لله تعالى اشبه الحد ولان ذلك عبادة فلا يستحلف عليها كالصلاة ولو ادعي عليه ان عليه كفارة يمين أو ظهار أو نذر أو صدقة أو غيرها فالقول قوله في نفي ذلك من غير يمين ولا تسمع
الدعوى في هذا ولا في حد لله تعالى ولانه لا حق للمدعي فيه ولا ولاية له عليه فلا تسمع منه دعواه
كما لو ادعى حقا لغيره من غير اذنه ولا ولاية له عليه فان تضمنت دعواه حقا له مثل ان يدعي سرقة ماله لتضمين السارق أو يأخذ منه ما سرق أو يدعي عليه الزنا بجاريته ليأخذ مهرها منه سمعت دعواه ويستحلف المدعى عليه لحق الآدمي دون حق الله تعالى (مسألة) (ويجوز الحكم في المال وما يقصد به المال بشاهد ويمين المدعي) روي ذلك عن الخلفاء الاربعة رضي الله عنهم، وقد سبق ذكر ذلك ولا تقبل فيه شهادة امرأتين ويمين لان شهادة النساء ناقصة وانما اجيزت بانضمام الذكر اليهن فلا يقبلن منفردات وان كثرن ويحتمل ان يقبل لان المرأتين في المال مقام رجل فيحلف معهما كما يحلف مع الرجل وهو مذهب مالك ويبطل ذلك بشهادة اربع نسوة فانه لا يقبل اجماعا (مسألة) (وهل يثبت العتق بشاهد ويمين؟ على روايتين) (أحداهما) يثبت وهو اختيار الخرقي وأبي بكر لانه ازالة ملك فيقبل فيه شاهد ويمين كالبيع أو اتلاف مال فيقبل فيه شاهد ويمين كالاتلاف بالفعل (والرواية الثانية) لا تثبت الحرية إلا بشاهدين عدلين ذكرين لانه ليس بمال ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال في غالب الاحوال فأشبه الحدود والقصاص.
(مسألة) (ولا يقبل في النكاح والرجعة وسائر ما لا يستحلف فيه كالطلاق والوصية شاهد ويمين) لقول الله تعالى في الرجعة (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وقسنا عليه سائر ما ذكرنا لانه ليس بمال ولا يقصد به المال أشبه العقوبات وفيه رواية اخرى يقبل فيه رجل وامرأتان أو يمين لانه ليس بعقوبة ولا يسقط بالشبهة أشبه المال وقال القاضي النكاح لا يثبت الا بشاهدين والثاني يخرج فيه روايتان ذكرنا وجههما (مسألة) (ومن حلف على فعل نفسه أو دعوى عليه في الاثبات حلف على البت)
معنى البت القطع أي يحلف بالله ما له علي شئ والايمان كلها على البت والقطع الا على نفي فعل الغير فانها على نفي العلم وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وقال الشعبي والنخعي كلها على العلم وذكره ابن أبي موسى رواية عن أحمد وذكر حديث البستاني عن القاسم بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا تضطروا الناس في ايمانهم ان يحلفوا على ما لا يعلمون) ولانه لا يحلف على ما لا علم له به وقال ابن ابي ليلى كلها علي البت كما يحلف على فعل نفسه ولنا حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم استحلف رجلا فقال (قل والله الذي لا اله الا هو ماله عليك حق) وروى الاشعث بن قيس ان رجلا من كندة ورجلا من نضر موت اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ارض من اليمين فقال الحضرمي يارسول الله إن أرضي اغتصبنيها أبو هذا وهي في يده
قال (هل لك بينة؟) قال لا ولكن أحلفه: والله ما يعلم انها ارضي اغتصبنيها ابوه فتهبأ الكندي لليمين رواه أبو داود ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وما ذكروه لا يصح لانه يمكنه الاحاطة بفعل نفسه ولا يمكنه ذلك في فعل غيره فافترقا في اليمين كما لو افترقت الشهادة فأنها تكون بالقطع فيما يمكن القطع فيه من العقود وعلى الظن فيما لا يمكن فيه القطع من الاملاك والاسباب وعلى نفي العلم فيما لا تمكن الاحاطة بانتفائه كالشهادة علي انه لا وارث له الا فلان وفلان وحديث القاسم بن عبد الرحمن محمول على اليمين على نفي فعل الغير إذا ثبت هذا فانه يحلف فيما عليه على البت نفيا كان أو اثباتا، وأما ما يتعلق بفعل غيره فان كان اثباتا مثل ان يدعي انه اقرض أو باع ويقيم شاهدا بذلك فانه يحلف مع شاهده على البت والقطع، وان كان على نفي مثل ان يدعى عليه دين أو غصب أو جناية فانه يحلف على نفي العلم لا غير، وان حلف عليه على البت كفاه وكان التقدير فيه العلم كما في الشاهد إذا شهد بعدد الورثة وقال ليس له وارث غيرهم سمع ذلك وكان التقدير فيه علمه ولو ادعى ان عبده استدان أو جنى فأنكر ذلك فيمينه على نفي العلم لانها يمين على فعل الغير فاشبهت يمين الوارث على نفي فعل الموروث (فصل) ذكر ابن أبي موسى أنه اختلف قوله فيمن باع سلعة فظهر المشتري على عيب بها فانكره
البائع هل اليمين على البتات أو على علمه؟ على روايتين ولو ابق عبد المشتري فادعى على البائع أنه ابق عنده فانكر هل يلزمه أن يحلف انه لم يأبق قط أو على نفي علمه؟ على روايتين الا أن يكون ولده
فيلزمه ان يجلف أنه لم يأبق قط، ووجه كون اليمين على نفي علمه انها على نفي فعل الغير فاشبه ما لو ادعى عليه ان عبده جنى، ووحه الاخرى أنه ادعى عليه انه باعه معيبا يستحق رده عليه فلزمته اليمين على البت كما لو كان اثباتا (مسألة) (ومن توجهت عليه يمين الجماعة فقال احلف يمينا واحدة فرضوا جاز وان ابوا حلف لكل واحد يمينا) إذا كان الحق لجماعة فرضوا بيمين واحدة صح وسقطت دعواهم باليمين لانها حقهم ولانه لما جاز ثبوت الحق ببينة واحدة لجماعة جاز سقوطه بيمين واحدة قال القاضي: ويحتمل ان لا يصح حتى يحلف لكل واحد يمينا وهو احد الوجهين لاصحاب الشافعي لان اليمين حجة في حق الواحد فإذا رضي بها اثنان صارت الحجة في حق كل واحد منهما ناقصة لا يعمل برضى الخصم كما لو رضي ان يحكم عليه بشاهد واحد والصحيح الاول لان الحق لهما فإذا رضيا به جاز ولا يلزم من رضاهما بيمين واحدة ان يكون لكل واحد بعض اليمين كما ان الحقوق إذا قامت بها بينة واحدة لا تكون لكل حق بعض البينة فاما ان حلفه الحاكم لجميعهم يمينا واحدة فخطأه أهل عصره (1) (فصل) قال (الشيخ رحمه الله واليمين المشروعة هي اليمين بالله تعالى اسمه في قول عامة
__________
(1) كذا بالاصل
أهل العلم الا ان مالكا أحب بالله الذي لا اله الا هو وان استحلف حاكم بالله أجزأ) قال ابن المنذر وهذا أحب إلي لان ابن عباس روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استحلف رجلا فقال (قل والله الذي لا اله الا هو ماله عندك شئ) رواه أبو داود وفي حديث عمر حين حلف لابي قال والله الذي لا اله الا هو ان النخل لتخلي وما لابي فيها شئ وقال الشافعي ان كان المدعى قصاصا أو عتاقا أو حدا أو مالا يبلغ نصابا غلظت اليمين فحلف بالله الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم
الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية وقال في القسامة عالم خائنة الاعين وما تخفي الصدور وهذا اختيار أبي الخطاب وذكر القاضي ان هذا في ايمان القسامة خاصة وليس بشرط ولنا قول الله تعالى (فيقسمان بالله ان ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربي) وقال تعالى (فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما) وقال تعالى في اللعان (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله) وقال سبحانه (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) قال بعض المفسرين من اقسم بالله فقد أقسم بالله جهد اليمين واستحلف النبي صلى الله عليه وسلم ركانة بن عبد يزيد في الطلاق فقال (آالله ما أردت الا واحدة؟) وقال عثمان لابن عمر تحلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه ولان فيه كفاية فوجب ان يكتفى باسمه في اليمين كالمواضع التي سلموها فأما حديث ابن عباس وابن عمر فانه يدل على جواز الاستحلاف لذلك وما ذكرناه يدل على
الاكتفاء ببسم الله وحده وما ذكره الباقون تحكم لا نص فيه ولا قياس يقتضيه إذا ثبت هذا فان اليمين في حق المسلم والكافر جميعا بالله تعالى لا يحلف أحد بغيره لقول الله تعالى (فيقسمان بالله) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (مسألة) (وان رأى الحاكم تغليظها بلفظ أو زمن أو مكان جاز) ففي اللفظ يقول والله الذي لا اله الا هو عالم الغيب وشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار النافع الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور واليهودي والله الذي انزل التوراة على موسى وفلق له البحر وانجاه من فرعون وملائه والنصراني يقول والله الذي انزل الانجيل على عيسى وجعله يحى الموتى ويبرئ الاكمه والايرص والمجوسي يقول والله الذي خلقني وصورني ورزقني، والزمان يحلفه بعد العصر وبين الاذانين والمكان يحلفه بمكة بين الركن والمقام وفي الصخرة ببيت المقدس وفي سائر البلدان عند المنبر ويحلف أهل الذمة في المواضع التي يعظمونها وهذا الذي ذكره شيخنا اختيار أبي الخطاب قال وقد أومأ إليه أحمد في رواية الميموني وذكر التغليظ في حق المجوسي قال قل والله الذي خلقني ورزقني وان كان وثنيا حلفه بالله وحده وكذلك ان كان لا يعبد الله لانه لا يجوز الحلف بغير الله تعالى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) ولان
هذا ان لم يكن يعد هذه يمينا فانما يزداد بها اثما وعقوبة وربما عجلت عقوبته فيتعظ بذلك ويعتبر به غيره وهذا كله ليس بشرط في اليمين وانما للحاكم فعله إذا رأى، وظاهر كلام الخرقي ان اليمين لا تغلظ الا في حق أهل الذمة ولا تغلظ في حق المسلم وبه قال أبو بكر وذلك لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني (لليهود نشدتكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى؟) رواه أبو داود وكذلك قال الخرقي تغلظ في المكان فيحلف في المواضع التي يعظمونهما ويتوقى الكذب فيها ولم يذكر التغليظ بالزمان، وممن قال يستحلف أهل الكتاب بالله وحده مسروق وأبو عبيدة بن عبد الله وعطاء وشريح والحسن وابراهيم وكعب بن سور ومالك والثوري وأبو عبيد وممن قال لا يشرع التغليظ بالزمان والمكان في حق مسلم أبو حنيفة وصاحباه وقال مالك والشافعي تغلظ ثم اختلفا فقال مالك يحلف في المدينة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحلف قائما ولا
يحلف قائما الا على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستحلفون في غير المدينة في مساجد الجماعات ولا يحلف عند المنبر الا على ما يقطع فيه السارق فصاعدا وهو ثلاثة دراهم وقال الشافعي يستحلف المسلم بين الركن والمقام بمكة وفي المدينة عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سائر البلدان في الجوامع عند المنبر وعند الصخرة ببيت المقدس وتغلظ في الزمان في الاستحلاف بعد العصر على نحو ما ذكرناه في صدر المسألة ولا تغلظ في المال الا في نصاب فصاعدا وتغلظ في الطلاق والعتاق والحد والقصاص وقال ابن حزم تغلظ بالقليل والكثير واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (من حلف على منبري هذا بيمين آثمة فليتبوأ مقعده من النار) فثبت انه يتعلق بذلك تأكيد اليمين، وروى مالك قال اختصم زيد بن ثابت وابن مطيع في دار كانت بينهما إلى مروان بن الحكم فقال زيد أحلف له مكاني فقال مروان لا
والله الا عند منقطع الحقوق قال فجعل زيد يحلف أن حقه لحق ويأبى ان يحلف عند المنبر فجعل مروان يعجب.
ولنا قول الله تعالى (فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الاوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما) ولم يذكر مكانا ولا زمانا ولا زيادة في اللفظ، واستحلف النبي صلى الله عليه وسلم ركانة في الطلاق فقال (آالله ما أردت إلا واحدة؟) قال آالله ما أردت الا واحدة ولم يغلظ يمينه بزمن ولا مكان ولا زيادة لفظ، وحلف عمر لابي حين تحاكما إلى زيد في مكانه وكانا في بيت زيد وقال عثمان لابن عمر تحلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه وفيما ذكروه من التغليظ تقييد لهذه النصوص ومخالفة للاجماع فان ما ذكر عن الخليفتين عمر وعثمان مع من حضرهما لم ينكر وهو في الشهرة فكان إجماعا وقوله تعالى (تحبسونهما من بعد الصلاة) إنما كان في حق أهل الكتاب والوصية في السفر وهي قضية خولف فيها القياس في مواضع، منها قبول شهادة أهل الكتاب على المسلمين، ومنها استحلاف الشاهدين، ومنها استحلاف خصومهما عند العثور على استحقاقهما الاثم وهم لا يعلمون بها أصلا فكيف
يحتجون بها؟ ولما ذكر ايمان المسلمين أطلق اليمين ولم يقيدها والاحتجاج بهذا أولى من المصير إلى ما خولف فيه القياس وترك العمل به.
وأما حديثهم فليس فيه دليل على مشروعية اليمين عند المنبر إنما فيه دليل على تغليظ الاثم على الحالف.
وأما قضية مروان فمن العجب احتجاجهم بها وذهابهم إلى قول مروان في قضية خالفه زيد فيها وقول زيد فقيه الصحابة وقارئهم وأفرضهم أحق أن يحتج به من قول مروان الذي لو انفرد ما جاز الاحتجاج به فكيف يجوز مع مخالفة اجماع الصحابة وقول أئمتهم وفقهائهم ومخالفة فعلى النبي صلى الله عليه وسلم واطلاق كتاب الله سبحانه وتعالى؟ فهذا مما لا يجوز إنما ذكر الخرقي التغليظ بالمكان واللفظ في حق الآدمي لاستحلاف النبي صلى الله عليه وسلم اليهود بقوله (نشدتكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى) وروي عن كعب بن سور في النصراني قال: اذهبوا به إلى المذبح واجعلوا الانجيل في حجره والتوراة على رأسه، وقال الشعبي في نصراني: اذهب إلى البيعة فاستحلفه بما يستحلف به مثله.
وقال ابن المنذر لا أعلم حجة توجب أن يستحلف في مكان بعينه ولا يمينا يستحلف بها غير التي يستحلف بها المسلمون، وفي الجملة لا خلاف بين المسلمين في أن التغليظ بالمكان والزمان والالفاظ غير
واجب الا أن ابن الصباغ ذكر في وجوب التغليظ بالمكان قولين للشافعي وخالفه ابن القاص فقال لا خلاف بين أهل العلم أن القاضي حيث استحلف المدعى عليه في عمله وبلد قضائه جاز وانما التغليظ بالمكان اختيار منه فيكون التغليظ عند من رآه اختيارا واستحبابا.
(فصل) قال ابن المنذر ولم أجد أحدا يوجب اليمين بالمصحف وقال الشافعي رأيتهم يؤكدون بالمصحف ورأيت ابن مازن وهو قاض بصنعاء يغلظ اليمين بالمصحف قال أصحابه فيغلظ عليه بالحضار المصحف لانه يشتمل على كلام الله وأسمائه وهذه زيادة على ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليمين وعلى ما فعله الخلفاء وقضاتهم من غير دليل ولا حجة يستند إليها ولا يترك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه لفعل ان مازن ولا غيره (مسألة) (ولا تغلظ اليمين الا فيما له خطر كالجنايات والعتاق والطلاق وما تجب فيه الزكاة من المال عند من يرى التغليظ)
وقيل ما يقطع فيه السارق روي ذلك عن مالك لان التغليظ زيادة على اليمين التي ورد الشرع بوجوبها فلا تجب الا بزيادة على مطلق الحق وترك التغليظ أولى على ما اختاره شيخنا ودل عليه الا في موضع ورد الشرع به وصح كتحليف رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود بقوله (نشدتكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى) ونحوه (مسألة) (وان رأى الحاكم ترك التغليظ فتركه كان مصيبا) لموافقته مطلق النص وهو قوله عليه الصلاة والسلام (ولكن اليمين على المدعى عليه) (فصل) ومن توجهت عليه يمين وهو فيها صادق أو توجهت له أبيح له الحلف ولا شئ عليه من اثم ولا غيره لان الله تعالى شرع اليمين ولا يشرع محرما وقد أمر الله سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقسم على الحق في ثلاثة مواضع من كتابه منها قوله تعالى (زعم الذين كفروا أن لن
يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن)) وحلف عمر لابي على نخل ثم وهبه إياه وقال خفت ان لم احلف ان يمتنع الناس من الحلف على حقوقهم فيصير سنة قال حنبل بلي أبو عبد الله بمثل هذا جاء إليه ابن عمه فقال لي قبلك حق من ميراث أبي وأطالبك بالقاضي وأحلفك فقيل لابي عبد الله ما ترى؟ قال أحلف له، إذا لم يكن له في قبلي حق وأنا غير شاك في ذلك حلفت له وكيف لا أحلف وابن عمر قد حلف؟ وانا من أنا؟ وعزم أبو عبد الله على اليمين فكفاه الله ذلك ورجع الغلام عن تلك المطالبة واختلف في الاولى فقال قوم الحلف أولى من افتداء يمينه لان عمر حلف ولان في الحلف فائدتين (أحداهما) حفظ ماله عن الضياع وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اضاعته (والثانية) تخليص أخيه الظالم من مظلمته وأكل المال بغير حقه وهذا من نصحه ونصرته بكفه عن ظلمه وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم على رجل ان يحلف ويأخذ حقه وقال أصحابنا الافضل افتداء يمينه فان عثمان افتدى يميمنه وقال خفت ان يصادف قدرا فيقال حلف وعوقب، أو هذا شؤم يمينه.
وروى الخلال باسناده ان حذيفة عرف جملا سرق
له فخاصم إلى قاضي المسلمين فصارت اليمين على حذيفة فقال لك عشرة دراهم فابى فقال لك عشرون فأبى فقال لك ثلاثون فأبى فقال لك أربعون فأبى فقال حذيفة أتراني أترك جملي؟ فحلف بالله انه ما باع ولا وهب، ولان في اليمين عند الحاكم تبذلا ولا يأمن أن يصادف قدرا فينسب إلى الكذب وانه عوقب بحلفه كاذبا وفي ذهاب ماله أجر وليس هذا تضيبعا للمال فان أخاه المسلم ينتفع به في الدنيا ويغرمه له في الآخرة، وأما عمر فانه خاف لاستنان به وترك الناس الحلف على حقوقهم فيدل على أنه لولا ذلك لما حلف قال شيخنا وهذا أولى والله تعالى أعلم (فصل) والحلف الكذب ليقتطع به مال أخيه فيه اثم كبير وقيل انه من الكبائر لان الله تعالى وعده عليه العذاب الاليم فقال سبحانه (ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) وروى ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان) متفق عليه وقد روي في حديث أن يمين الغموس تدع الدبار بلاقع.
(فصل) ومن ادعي عليه دين وهو معسر به لم يحل له ان يحلف انه لا حق له علي وبهذا قال المزني وقال أبو ثور له ذلك لان الله تعالى قال (وإن كانوا ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) ولانه لا يستحق مطالبته في الحال ولا يجب عليه اداؤه إليه.
ولنا أن الدين في ذمته وهو حق له عليه ولو لم يكن عليه حق لم يجز انظاره به (فصل) ويمين الحالف على حسب جوابه فإذا ادعى عليه انه غصبه أو استودعه أو اقترض منه نظرنا في جواب المدعى عليه فان قال ما غصبتك ولا استودعتني ولا أقرضتني كلف ان يحلف على ذلك، وإن قال مالك علي شئ أو لا تستحق علي شيئا أو لا تستحق علي ما ادعيته ولا شيئا منه كان جوابا صحيحا ولا يكلف الجواب عن الغصب والوديعة والقرض لانه يجوز أن يكون غصب منه ثم رده عليه فلو كلف جحد ذلك كان كاذبا، وإن أقر به ثم ادعى الرد لم يقبل منه فإذا طلبت منه اليمين حلف
على حسب ما أجاب ولو ادعى أنني ابتعتك الدار التي في يدك فانكره وطلب يمينه فان كان أجاب بانك لا تستحقها حلف على ذلك
قال احمد في رجل ادعى على رجل انه أودعه فانكره هل يحلف ما أودعتك؟ قال إذا حلف مالك عندي ولا في يدي شئ فهو يأتي على ذلك؟ وهذا يدل على انه لا يلزمه أن يحلف على حسب الجواب
وانه متى حلف مالك قبلي حق برئ بذلك ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين (فصل) ولا تدخل اليمين النيابة ولا يحلف أحد عن غيره فلو كا ن المدعى عليه صغيرا أو مجنونا
لم يحلف عنه حتى يبلغ الصبي أو يعقل المجنون ولم يحلف عنه وليه ولو ادعى الاب لابنه الصغير حقا أو ادعاه الوصي أو الامين له وأنكر المدعى عليه فالقول قوله مع يمينه فان نكل قضي عليه ومن لم ير
القضاء بالنكول ورأى رد اليمين على المدعي لم يحلف الولي عنهما ولكن تقف اليمين ويكتب الحاكم محضرا بنكول المدعى عليه، وان ادعى على العبد دعوى وكانت مما يقبل قول العبد فيها على نفسه
كالقصاص والطلاق والقذف والخصومة معه دون سيده فان قلنا ان اليمين تشرع في هذا حلف العبد دون سيده وان نكل لم يحلف غيره.
وان كان مما لا يقبل قول العبد فيه كاتلاف مال أو
جنياة توجب المال فالخصم السيد واليمين عليه ولا يحلف العبد فيها بحال، وإن نكل من توجهت عليه اليمين عنها وقال لي بينة أقيمها أو حساب أستثبته لاحلف على ما أتيقنه فذكر أبو الخطاب انه لا يمهل وان لم يحلف جعل ناكلا.
وقيل لا يكون ذلك نكولا ويمهل مدة قريبة كما لو ادعى قضاء أو إبراء (فصل) ولو ادعى على رجل دينا أو حقا فقال قد أبرأتني منه واستوفيته مني فالقول قول
المنكر الابراء والاستيفاء مع يمينه ويكفيه ان يحلف بالله ان هذا الحق ويسميه تسمية يصير بها معلوما - برئت ذمتك منه ولا من شئ منه، أو ما برئت ذمتك من ذلك الحق ولا من شئ منه وان ادعى استيفاءه أو البراءة بجهة معلومة كفاه الحلف على تلك الجهة وحدها
باب الدعاوى والبينات الدعوى إضافة الانسان إلى نفسه شيئا أو ملكا أو استحقاقا أو نحوه.
وهو في الشرع إضافته إلى نفسه استحقاق شئ في يد غيره أو في ذمته والمدعى عليه من يضاف إليه استحقاق شئ عليه.
وقال ابن عقيل الدعوى الطلب قال الله تعالى (ولهم ما يدعون) (مسألة) (والمدعي من إذا ترك سكت والمنكر من إذا سكت لم يترك) وقيل المدعي من يلتمس بقوله أخذ شئ من يد غيره وإثبات حق في ذمته والمدعى عليه من
ينكر ذلك وقد يكون كل واحد منهما مدعيا ومدعى عليه بأن يختلفا في العقد فيدعي كل واحد منهما ان اليمين غير الذي ذكره صاحبه.
والاصل في الدعوى قول النبي صلى الله عليه وسلم (لو أعطي الناس بدعواهم لادعى قول دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه) رواه مسلم وفي حديث (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) (مسألة) (ولا تصح الدعوى والانكار الا من جائز التصرف) لان من لا يصح تصرفه لا قول له في المال ولا يصح إقراره ولا تصرفه فلا تسمع دعواه ولا إنكاره كما لا يسمع إقراره
(مسألة) (وان تداعيا عينا لم تخل من ثلاثة أقسام (أحدها) أن تكون في يد أحدهما فهي له مع يمينه انه لا حق للآخر فيها إذا لم تكن بينة) لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو أن الناس أعطوا بدعواهم لادعي ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه) متفق عليه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الحصرمي والكندي (شاهداك أو يمينه ليس لك الا ذلك) ولان الظاهر من اليد الملك (مسألة) (ولو تنازعا دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل والآخر آخذ بزمامها فهي للاول) لان تصرفه أقوى ويده آكد وهو المستوفي لمنفعتها، فان كان لاحدهما عليها حمل والآخر راكبها فهي للراكب لانه اقوى تصرفا فان اختلفا في الحمل فادعاه الراكب وصاحب الدابة فهو للراكب لان يده على الدابة والحمل معا فأشبه ما لو اختلف الساكن وصاحب الدار في قماش فيها.
وإن تنازع الراكب وصاحب الدابة في السرج فهو لصاحب الدابة لان السرج في العادة يكون لصاحب الفرس.
ولو تنازع اثنان في ثياب عبد لاحدهما فهي لصاحب العبد لان يد العبد عليها وإن تنازع صاحب الثياب وآخر في العبد اللابس لها فهما سواء لان نفع الثياب يعود إلى العبد لا إلى صاحب الثياب ومذهب الشافعي في هذا الفصل كالذي ذكرنا
(فصل) وان تنازعا قميصا أحدهما لابسه والآخر آخذ بكمه فهو للابسه لان تصرفه أقوى وهو المستوفي لمنفعته، فان كان كمه في يد احدهما وباقيه مع الآخر أو تنازعا عمامة طرفها في يد أحدهما وباقيها في يد الآخر فهما سواء فيها لان يد الممسك بالطرف عليها بدليل انه لو كان باقيها على الارض فنازعه فيها غيره كانت له وإذا كانت في أيديهما تساويا فيها (فصل) ولو كانت دار فيها أربعة ابيات في احد أبياتها ساكن وفي الثلاثة الباقية ساكن آخر فاختلفا فيها فان لكل واحد ما هو ساكن فيه لان كل بيت منفصل عن صاحبه ولا يا شرك الخارج منه الساكن فيه في ثبوت اليد عليه وإن تنازعا الساحة التي يتطرق منها إلى البيوت فهي بينهما نصفان لاشتراكهما في ثبوت اليد عليها فأشبهت العمامة فيما ذكرنا (مسألة) (وإن تنازع صاحب الدار والخياط الابرة والمقص فهما للخياط) لان تصرفه فيهما أكثر وأظهر، والظاهر ان الانسان إذا دعى خياط يخيط له فالعادة انه يحمل معه ابرته ومقصه.
وإن اختلفا في القميص فهو لصاحب الدار إذ ليست العادة أن يحمل القميص معه يخيطه في دار غيره وإنما العادة ان يخيط قميص صاحب الدار فيها وإن اختلف صاحب الدار والنجار في القدوم والمنشار وآلة النجارة فهي النجار وإن اختلفا
في الخشبة المنشورة والابواب والرفوف المنجورة فهي لصاحب الدار وإن اختلف النجاد ورب الدار في قوس الندف فهو للنجاد، وان اختلفا في الفرش والقطن والصوف فهو لصاحب الدار (مسألة) (وإن تنازع هو والقراب القربة فهي للقراب) وإن اختلفا في الخابية والجرار فهي لصاحب الدار، ومذهب الشافعي في هذه المسائل على ما ذكرناه (مسألة) (وان تنازعا عرصة فيها شجر أو بناء لاحدهما فهي له) لانه استوفى لمنفعتها (مسألة) (وإن تنازعا حائطا معقودا ببناء أحدهما أو وحده أو متصلا به اتصالا لا يمكن إحداثه أو له عليه ازج فهو له وإن كان محلولا من بنائهما أو معقودا بهما فهو بينهما) وجملة ذلك ان الرجلين إذا تنازعا حائطا بين ملكهما وتساويا في كونه معقودا ببنائهما معا وهو
أن يكون متصلا بهما اتصالا لا يمكن إحداثه بعد بناء الحائط مثل اتصال البناء بالطين كهذه معطائر التي لا يمكن إحداث اتصال بعضها ببعض أو تساويا في كونه محلولا من بنائهما أي غير متصل القنائهما الاتصال المذكور بل بينهما شق مستطيل كما يكون بين الحائطين اللذين ألصق أحدهما بالآخر فهما سواء في الدعوى إن لم تكن لواحد منهما بينة تحالفا فيحلف كل واحد منهما على نصف الحائط انه له وتكون بينهما نصفين لان كل واحد منهما يده على نصف الحائط لكون الحائط في أيديهما.
وإن حلف كل واحد منهما على جميع الحائط انه له وما هو لصاحبه جاز وبهذا قال أبو حنيفة وأبو ثور وابن
المنذر ولا أعلم فيه مخالفا لان المختلفين في العين إذا لم تكن لواحد منهما بينة فالقول قول من هي في يده مع يمينه، وإذا كانت في أيديهما كانت يد كل واحد منهما على نصفها فيكون القول قوله في نصفها مع يمينه، وإن كان لاحدهما بينة حكم له بها وإن كان لكل واحد منهما بينة تعارضتا وصارا كمن لا بينة لهما فان لم تكن لهما بينة ونكلا عن اليمين كان الحائط في أيديهما على ما كان وإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضي على الناكل فكان الكل للآخر، وإن كان متصلا بببناء أحدهما دون الاخر فهو له مع يمينه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال أبو ثور لا يرجح بالعقد ولا ينظر إليه ولنا أن الظاهر ان هذا البناء بني كله بناء واحدا فإذا كان بعضه لرجل كان باقيه له والبناء الآخر الظاهر انه بني وحده فانه لو بني مع هذا كان متصلا به فالظاهر انه لغير صاحب هذا الحائط المختلف فيه فوجب أن يرجح بهذا كاليد فان قيل فلم لا تجعلوه له بغير يمين لذلك؟ قلنا لان ذلك ظاهر وليس بيقين إذا يحتمل ان أحدهما بنى الحائط لصاحبه تبرعا مع حائطه أو كان له فوهبه إياه أو بناه بأجرة فشرعت اليمين من أجل الاحتمال كما شرعت في حق صاحب اليد وسائر من وجبت عليه اليمين.
فأما إن كان معقودا ببناء أحدهما عقد يمكن إحداثه كالبناء باللبن والآجر فانه يمكن أن ينزع من الحائط المبني نصف لبنة أو آجرة ويجعل مكانها لبنة صحيحة أو آجرة صحيحة تعقد الحائطين فقال القاضي: لا يرجح بهذا لاحتمال أن يكون فعل هذا ليتملك الحائط المشترك، وظاهر كلام الخرقي أنه يرجح بهذا الاتصال
كما يرجح بالاتصال الذي لا يمكن احداثه لان الظاهر أن صاحب الحائط لا يدع غيره يتصرف فيه.
بنزع آجره وتغيير بنائه وفعل ما يدل على ملكه له فوجب ان يرجح كما يرجح باليد مع أنها تحتمل أن تكون يدا عادية حدثت بالغصب أو بالعارية أو الاجارة ولم يمنع ذلك الترجيح بها فان كان لاحدهما عليه بناء كحائط مبني عليه أو عقد معتمد عليه أو قبة ونحو هذا فهو له، وبهذا قال الشافعي لان وضع بنائه عليه بمنزلة اليد الثابتة لكونه منتفعا به فجرى مجرى حمله على البهيمة وزرعه في الارض ولان الظاهر ان الانسان لا يترك غيره يبني على حائط وكذلك إن كانت عليه سترة أو كان في أصل الحائط خشبة أو طرفها بجنب حائط منفرد به احدهما أو له عليه أزج معقود فالحائط المختلف فيه له لان الظاهر في الخشبة أنها لمن ينفرد بوضع بنائه عليها فيكون الظاهر أن ما عليها من البناء له (مسألة) ولا ترجح الدعوى بوضع خشب احدهما عليه ولا بوجوه الآجر والتزويق والتجصيص ومعاقد القمط في الخمص) قال أصحابنا لا ترجح دعوى أحدهما بوضع خشبة على الحائط وهو قول الشافعي لان هذا مما يسمح به الجار وقد ورد في الخبر النهي عن المنع منه وهو عندنا حق يجب التمكين منه فلا ترجح به الدعوى كاسناد متاعه إليه وتجصيصه وتزويقه ويحتمل ان ترجح به الدعوى وهو قول مالك لانه
ينتفع به بوضع ماله عليه فاشبه الباني عليه والزارع في الارض وورود الشرع بالنهي عن المنع منه لا يمنع كونه دليلا على الاستحقاق بدليل اننا استدللنا بوضعه على كون الوضع مستحقا على الدوام حتى متى زال جازت إعادته ولان كونه مستحقا تشترط له الحاجة إلى وضعه ففيما لا حاجة إليه له منعه من وضعه، وأما السماح به فان أكثر الناس لا يسامحون به، ولهذا لما روى أبو هريرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم طأطئوا رؤوسهم كراهة لذلك فقال مالي أراكم عنها معرضين؟ والله لا رمين بها بين اكتافكم وأكثر الفقهاء لا يوجبون التمكين من هذا ويحملون الحديث على كراهة المنع لا على تحريمه ولان الحائط يبنى لذلك فيرجح به كالازج وقال أصحاب أبي حنيفة لا ترجح الدعوى بالجذع الواحد
لان الحائط لا يبنى له وترجح بالجذعين لان الحائط يبنى لهما ولنا أنه موضوع على الحائط فاستوى في ترجيح الدعوى قليله وكثيره كالبناء (فصل) ولا ترجح الدعوى بكون الدواخل إلى أحدهما والخوارج ووجوه الاجر والحجارة ولا كون الاجرة الصحيحة مما يلي أحدهما وقطع الآجر مما يلي ملك الآخر ولا بمعاقد القمط في الخص يعني عقد الخيوط التي يشد بها الخص، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال أبو يوسف ومحمد يحكم به لمن إليه وجه الحائط ومعاقد القمط لما روى نمران بن حارثة التميمي عن ابيه أن قوما اختصموا
إلى النبي صلى الله عليه وسلم في خص فبعث حذيفة بن اليمان يحكم بينهم فحكم لمن تليه معاقد القمط ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره فقال (أصبت وأحسنت) رواه ابن ماجه وروي نحوه عن علي ولان العرف جار بأن من بنى حائطا جعل وجه الحائط إليه ولنا عموم قوله عليه الصلاة والسلام (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) ولان وجه الحائط ومعاقد القمط إذا كانا شريكين فيه لا بد من ان يكون إلى أحدهما إذ لا يمكن كونه اليهما جميعا فبطلت دلالته كالتزويق، ولانه براد للزينة فهو كالتزويق، وحديثهم لا يثبته أهل النقل واسناده مجهول قاله ابن المنذر قال الشالنجي ذكرت هذا الحديث لاحمد فلم يقنعه وذكرته لاسحاق بن راهويه فقال ليس هذا حديثا ولم يصححه وحديث علي فيه مقال وما ذكروه من العرف ليس بصحيح فان العادة جعل وجه الحائط إلى خارج ليراه الناس كما يلبس الرجل احسن ثيابه أعلاها الظاهر للناس ليروه فيتزين به فلا دليل فيه (فصل) ولا ترجح الدعوى بالتزويق والتحسين ولا بكون أحدهما له الآجر وسترة غير مبنية عليه لانه مما يتسامح به ويمكن إحداثه.
(مسألة) وان تنازع صاحب العلو والسفل في السلم والدرجة فهي لصاحب العلو الا أن يكون تحت الدرجة مسكن لصاحب السفل فيكون بينهما وان تنازعا في السقف الذي بينهما فهو بينهما)
إذا تنازع صاحب العلو والسفل في الدرجة التي يصعد منها ولم يكن تحتها مرفق لصاحب السفل كسلم مستمر أو دكة فهي لصاحب العلو وحده لان له اليد والتصرف وحده لكونها مصعد صاحب العلو لا غير والعرصة التي عليها الدرجة له أيضا لانتفاعه بها وحده وان كان تحتها بيت بنيت لاجله وليكون مدرجا للعلو فهي بينهما لان يدهما عليه ولانها سقف للسفلاني وموطئ للفوقاني فهي كالسقف وان كان تحتها طباق صغيرة لم تبن الدرجة لاجله وانما جعل مرفقا يجعل فيه حب الماء ونحوه فهي لصاحب العلو لانها بنيت لاجله وحده، ويحتمل ان تكون بينهما لان يدهما وانتفاعهما حاصل بها فهي كالسقف (فصل) فان تنازعا السقف الذي بينهما تحالفا وكان بينهما وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة هو لصاحب السفل لان السقف على ملكه فكان القول قوله فيه كما لو تنازعا سرجا على دابة أحدهما كان القول قول صاحبها وحكي عن مالك أنه لصاحب السفل وحكي عنه أنه لصاحب العلو لانه يجلس عليه ويتصرف فيه ولا يمكنه السكنى الا به ولنا انه حاجز بين ملكيهما ينتفعان به غير متصل ببناء أحدهما اتصال البنيان فكان بينهما
كالحائط بين الملكين وقولهم هو على ملك صاحب السفل يبطل بحيطان العلو ولا يشبه السرج على الدابة لانه لا ينتفع به غير صاحبها ولا يراد إلا لهذا فكان في يده وهذا السقف ينتفع به كل واحد منهما لانه سماء صاحب السفل يظله وأرض صاحب العلو يقله فاستويا فيه، وان تنازعا حوائط العلو فهي لصاحب العلو لما ذكرنا (مسألة) (وان تنازع المؤجز والمستأجر في رف مقلوع أو مصراع له شكل منصوب في الدار فهو لصاحبها والا فهو بينهما) وجملة ذلك ان المكتري والمكري إذا اختلفا في شئ في الدار فان كان مما ينقل ويحول كالاثاث والاواني والكتب فهو للمكتري لان العادة أن الانسان يكري داره فارغة من رحله وقماشه وإن كان في شئ مما يتبع في البيع كالابواب المنصوبة والخوابي المدفونة والرفوف المسمرة والسلاليم
المستمرة والرحا المنصوبة وحجرها الفوقاني فهو للمكري لانه من توابع الدار فاشبه الشجرة المغروسة فيها وان كانت الرفوف موضوعة على أوتاد فقال احمد إذا اختلفا في الرفوف فهي لصاحب الدار فظاهر هذا العموم في الزفوف كلها، وقال القاضي هي بينهما إذا تحالفا لانها لا تتبع في البيع فاشبهت القماش فهذا ظاهر يشهد للمكتري وللمكري ظاهر يعارض هذا وهو أن المكري يترك الرفوف في الدار ولا ينقلها عنها فإذا تعارض الظاهر من الجانبين استويا وهذا مذهب الشافعي فعلى هذا إن
تحالفا كانت بينهما وإن حلف أحدهما ونكل الآخر فهي لمن حلف وذكر شيخنا في الكتاب المشروح أنه ان كان للرف شكل منصوب في الدار فهو لصاحب الدار مع يمينه وان لم يكن له شكل فهو بينهما إذا تحالفا لانه إذا كان له شكل منصوب في الدار فالمنصوب تابع للدار فهو لصاحبها والظاهر أن احد الرفين لمن له الآخر وكذلك إذا اختلفا في مصراع باب مقلوع فالحكم فيه كما ذكرنا هكذا ذكره أبو الخطاب وذكره القاضي في موضع لان احدهما لا يستغني عن صاحبه فكان أحدهما لمن له الآخر كالحجر الفوقاني من الرحا والمفتاح مع السكرة (مسألة) وان تنازعا دارا في أيديهما فادعاها أحدهما وادعى الآخر نصفها جعل بينهما نصفين واليمين على مدعي النصف نص عليه احمد ولا يمين على الآخر لان النصف المحكوم له به لا منازع له فيه ولا أعلم في هذا خلافا الا انه حكي عن ابن شبرمة ان لمدعي الكل ثلاثة أرباعها لان النصف له لا منازع له فيه والنصف الآخر يقسم بينهما على حسب دعواهما فيه ولنا ان مدعي النصف على ما يدعيه فكان القول قوله فيه مع يمينه كسائر الدعاوى فان لكل واحد منهما بينة بما يدعيه فقد تعارضت بينتاهما في النصف فيكون النصف لمدعي الكل والنصف الآخر ينبني على الخلاف في أي البينتين تقدم، وظاهر المذهب تقديم بينة المدعي الكل وعلى قول
أبي حنيفة وصاحبيه إن كانت الدار في يد ثالث لا يدعيها فالنصف لصاحب الكل لا منازع له فيه
ويقرع بينهما في النصف الآخر فمن خرجت له القرعة حلف وكان له، وان كان لكل واحد بينة تعارضتا وسقطتا وصارا كمن لا بينة لهما، وإن قلنا تستعمل البينتان اقرع بينهما وقدم من تقع له القرعة في أحد الوجهين والثاني يقسم بينهما النصف فيكون لمدعي الكل ثلاثة أرباعها (فصل) فان كانت دار في يد ثلاثة ادعى أحدهم نصفها وادعى الآخر ثلثها وادعى الثالث سدسها فهذا اتفاق منهم على كيفية ملكهم وليس ههنا اختلاف ولا تجاحد، وإن ادعى كل واحد منهم ان بقية الدار وديعة أو عارية كانت لكل واحد منهما بما ادعاه من الملك بينة قضي له بها لان بينته تشهد بما ادعاه ولا معارض لها وان لم تكن لواحد منهم بينة حلف كل واحد منهم وأقرفي يده ثلثها (فصل) فان ادعى أحدهم جميعها والآخر نصفها والآخر ثلثها فان لم يكن لواحد منهم بينة قسمت بينهم أثلاثا وعلى كل واحد منهم اليمين على ما حكم له به لان يد كل واحد منهم على ثلثها وإن كانت لاحدهم بينة نظرت فان كانت لمدعي الجميع فهي له وإن كانت لمدعي النصف أخذه والباقي بين الآخرين نصفين لصاحب الكل السدس بغير يمين ويحلف على نصف السدس ويحلف الآخر على الربع الذي يأخذه جميعه وإن كانت البينة لمدعي الثلث أخذه والباقي بين الآخرين لمدعي الكل السدس بغير يمين ويحلف على السدس الآخر ويحلف الاخر على جميع ما يأخذه وان كانت لكل
واحد بما يدعيه بينة فان قلنا تقدم بينة صاحب اليد قسمت بينهم أثلاثا لان يد كل واحد منهم على الثلث وإن قلنا تقدم بينة الخارج فينبغي أن تسقط بينة صاحب الثلث لانها داخلة ولمدعي النصف السدس لان بينته خارجة فيه ولمدعي الكل خمسة أسداس لان له السدس بغير بينة لكونه لا منازع له فيه لان أحدا لا يدعيه وله الثلثان لكون بينته خارجة فيهما وقيل بل لمدعي الثلث السدس لان بينته تدعي الكل وتدعي النصف تعارضتا فيه وتساقطتا وبقي لمن هو في يده ولا شئ لمدعي النصف لعدم ذلك فيه وسواء كان لمدعي الثلث بينة أو لم تكن، وان كانت العين في يد غيرهم واعترف انه لا يملكها ولا بينة لهم فالنصف لمدعي الكل لانه ليس منهم من يدعيه ويقرع بينهم في النصف الباقي فان خرجت القرعة لصاحب الكل أو صاحب النصف حلف وأخذه وإن خرجت لصاحب
الثلث حلف وأخذ الثلث ثم يقرع بين الآخرين في السدس فمن قرع صاحبه حلف وأخذه وان أقام كل واحد منهم بينة بما ادعاه فالنصف لمدعي الكل لما ذكرنا والسدس الزائد يتنازعه مدعي الكل ومدعي النصف والثلث يدعيه الثلاثة وقد تعارضت البينات فيه فان قلنا تسقط البينات قرعنا بين المتنازعين فيما تنازعوا فيه فمن قرع صاحبه حلف وأخذه ويكون الحكم فيه كما لو لم تكن لهم بينة وهذا قول أبي عبيد وقول الشافعي إذ كان بالعراق وعلى الرواية التي تقول إذا تعارضت البينتان قسمت العين بين المتداعيين فلمدعي الكل النصف ونصف السدس الزائد وثلث الثلث ولمدعي النصف نصف
السدس وثلث الثلث ولمدعي الثلث ثلثه وهو التسع فتخرج المسألة من ستة وثلاثين لمدعي الكل النصف ثمانية عشر ونصف السدس ثلاثة والتسع أربعة فذلك خمسة وعشرون سهما ولصاحب النصف سبعة ولمدعي الثلث أربعة وهو التسع وهذا قياس قول قتادة والحارث العكلي وابن شبرمة وحماد وأبي حنيفة وهو قول الشافعي وقال أبو ثور يأخذ مدعي الكل النصف ويوقف الباقي حتى يتبين وروي هذا عن مالك وهو قول الشافعي وقال ابن أبي ليلى وقوم من أهل العراق تقسم العين بينهم على حسب عول الفرائض لصاحب الكل ستة ولصاحب النصف ثلاثة ولصاحب الثلث اثنان فصح من احد عشر سهما.
وسئل سهل بن عبد الله بن أويس عن ثلاثة ادعوا كيسا وهو بأيديهم ولا بينة لهم وحلف كل واحد منهم على ما ادعاه ادعى أحدهم جميعه وادعى الآخر ثلثيه وادعى آخر نصفه فأجاب فيها بشعر: نظرت أبا يعقوب في الحسب التي طرت * فأقامت منهم كل قاعد فللمدعي الثلثين ثلث وللذي * استلاط جميع المال عند التحاشد من المال نصف غير ماسيغو به * وحصته من نصف ذا المال زائد وللمدعي نصفا من المال ربعه * ويؤخذ نصف السدس من كل واحد وهذا قول من قسم المال بينهم على حسب العول فكأن المسألة عالت إلى ثلاثة عشر وذلك
انه أخذ مخارج الكسور وهي ستة فجعلها لمدعي الكل وثلثاها اربعة لمدعي الثلثين ونصفها ثلاثة لمدعي النصف صارت ثلاثة عشر (فصل) فان كانت الدار في أيدي أربعة فادعى أحدهم جميعها والثاني ثلثيها والثالث نصفها والرابع ثلثها ولا بينة لهم حلف كل واحد منهم وله ربعها لانه في يده والقول قول صاحب اليد مع يمينه، وإن أقام كل واحد منهم بما ادعاه بينة قسمت بينهم أرباعا أيضا لاننا ان قلنا تقدم بينة الداخل فكل واحد منهم داخل في ربعها فتقدم بينته فيه، وإن قلنا تقدم بينة الخارج فان الرجلين إذا ادعيا عينا في يد غيرهما فأنكرهما وأقام كل واحد منهما بينة بدعواه تعارضتا وأقر الشئ في يد من هو في يده، وإن كانت الدار في يد خامس لا يدعيها ولا بينة لواحد منهم بما ادعاه فالثلث لمدعي الكل لان أحدا لا ينازعه فيه ويقرع بينهم في الباقي، فان خرجت القرعة لصاحب الكل أو مدعي الثلثين أخذه وإن وقعت لمدعي النصف أخذه وأقرع بين الباقين في الباقي فان وقعت لصاحب الثلث أخذه وأقرع بين الثلاثة في الثلث الباقي وهذا قول أبي عبيد والشافعي إذ كان بالعراق إلا انهم عبروا عنه بعبارة أخرى فقالوا لمدعي الكل الثلث ويقرع بينه وبين مدعي النصف في السدس الزائد عن الثلث ثم يقرع بين الاربعة في الثلث الباقي ويكون الاقرار في ثلاثة مواضع، على الرواية الاخرى الثلث لمدعي الكل ويقسم السدس الزائد عن النصف بينه وبين مدعي الثلثين ثم يقسم السدس الزائد عن الثلث بينهما وبين مدعي النصف أثلاثا ثم يقسم الثلث الباقي بين الاربعة أرباعا وتصح المسألة من
ستة وثلاثين سهما لصاحب الكل ثلئها اثنا عشر ونصف السدس الزائد عن النصف ثلاثة وثلث السدس الزائد عن الثلث سهمان وربع الثلث الباقي ثلاثة فيحصل له عشرون سهما وذلك خمسة أتساع الدار، ولمدعي الثلثين ثمانية أسهم تسعان وهي مثل ما لمدعي الكل بعد الثلث الذي انفرد به ولمدعي النصف خمسة أسهم تسع وربع تسع، ولمدعي الثلث ثلاثة نصف سدس وعلى قول من قسمها على العول من خمسة عشر لصاحب الكل ستة ولصاحب الثلثين أربعة ولصاحب الثلث سهمان ولصاحب النصف ثلاثة وعلى قول أبي ثور لصاحب الكل الثلث ويوقف الباقي
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: