الفقه الحنبلي - الذكاة - الصيد
(مسألة) (ولا يجوز تصديرهم في المجالس ولا بداءتهم بالسلام فان سلم أحدهم قيل له عليكم) لا يتصدرون في المجالس عند المسلمين لان في كتاب عبد الرحمن
بن غنم وان نوقر المسلمين في مجالسهم ونقوم لهم عن المجالس إذا أرادوا المجالس ولا يبدؤون بالسلام وذلك لما روى أبو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى اضيقها) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (انا غادون غدا فلا تبدءوهم بالسلام وان سلموا عليكم فقولوا وعليكم) رواه الامام أحمد باسناده عن أنس رضي الله عنه أنه قال نهينا أو أمرنا ان لا نزيد أهل الكتاب على وعليكم وقال أبو داود قلت لابي عبد الله رحمه الله تكره ان يقول الرجل للذمي كيف أصبحت؟ أو كيف؟ أنت أو كيف حالك؟ قال نعم اكرهه هذا عندي أكثر من السلام وقال أبو عبد الله رحمه الله إذا لقيته في طريق فلا توسع له لما تقدم من حديث أبي هريرة وروي عن ابن عمر انه مر على رجل فسلم عليه فقيل انه كافر فقال رد علي ما سلمت عليك فرد عليه فقال اكثر الله مالك وولدك ثم التفت إلى اصحابه فقال اكثر للجزية وقال يعقوب بن يحيى سألت ابا عبد الله ققلت نعامل اليهود والنصارى وناتيهم في منازلهم وعندهم قوم
مسلمون انسلم عليهم قال نعم تنوي السلام على المسلمين وسئل عن مصافحة اهل الذمة فكرهه (فصل) ولا يجوز تمكينهم من شراء مصحف ولا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فقه وان فعل فالشراء باطل لان ذلك يتضمن ابتذاله وكره احمد بيعهم الثياب المكتوب عليها ذكر الله تعالى قال منها سألت ابا عبد الله هل يكره للمسلم ان يعلم غلاما مجوسيا شيئا من القرآن؟ قال ان اسلم فنعم والا فاكره ان يضع القرآن في غير موضعه قلت فنعلمه ان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم وقال الفضل ابن زياد سألت ابا عبد الله عن الرجل يرهن المصحف عند اهل الذمة قال لا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يسافر بالقرآن إلى ارض العدو مخافة ان يناله العدو (مسألة) (وفي تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم روايتان) تهنئتهم وتعزيتهم تخرج على عيادتهم فيها روايتان (إحداهما) لا نعودهم لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى
عن بداءتهم بالسلام وهذا في معناه (والثانية) تجوز لان النبي صلى الله عليه وسلم أتى غلاما من اليهود كان مريضا يعوده فقعد عند رأسه فقال (له أسلم) فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال أطع أبا القاسم فاسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) رواه البخاري (مسألة) (ويمنعون من تعلية البنيان على المسلمين وفي مساواتهم وجهان) لقولهم في شروطهم ولا نطلع عليهم في منازلهم ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الاسلام
يعلو ولا يعلى) ولان في ذلك رتبة على المسلمين فمنعوا منه كما يمنعون التصدير في المجالس وإنما يمنع من تعليته على المسلم المجاور له ولا يمنع من تعليتها على من ليس بمجاور له لان الضرر انما يحصل عليه دون غيره وفي المساواة وجهان (أحدهما) يجوز لانه لا يفضي إلى علو الكفر (والثاني) المنع لقوله عليه السلام (الاسلام يعلو ولا يعلى) ولانهم منعوا من مساواة المسلمين في لباسهم وشعورهم وركوبهم وكذلك في بنيانهم فان كان للذمي دار عالية فملك المسلم دارا إلى جانبها أو بني المسلم إلى جنب دار الذمي دارا دونها أو اشترى ذمي دارا عالية من المسلم فله سكنى داره ولا يلزمه هدمها لانه ملكها على هذه الصفة ولانه لم يعل على المسلمين شيئا ويحتمل ان يلزمه لقوله عليه السلام (الاسلام يعلو ولا يعلى) فان انهدمت داره العالية ثم جدد بناءه لم تجز له تعليته على بناء المسلمين وان انهدم ما علا منها لم تكن له اعادته فان تشعث منه شئ ولم ينهدم فله رمه واصلاحه لانه ملك استدامته فملك رم شعثه كالكنيسة (مسألة) (وان ملكوا دارا عالية من مسلم لم يجب نقضها لانهم ملكوها على هذه الصفة) ويحتمل ان يجب لقولهم فيما شرطوا على انفسهم ولا نطلع عليهم في منازلهم ولقوله عليه السلام (الاسلام يعلو ولا يعلى) (مسألة) (ويمنعون من إحداث الكنائس والبيع ولا يمنعون رم شعثها وفي بناء ما استهدم منها روايتان) امصار المسلمين ثلاثة أقسام (أحدها) ما مصره المسلمون كالبصرة والكوفة وبغداد
وواسط فلا يجوز فيه إحداث كنيسة ولا بيعة ولا مجتمع لصلاتهم ولا يجوز صلحهم على ذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه انه قال أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم ان يبنوا فيه بيعة ولا يضربوا فيه ناقوسا ولا يشربوا فيه خمرا ولا يتخذوا فيه خنزيرا رواه الامام احمد واحتج
به ولان هذا البلد ملك للمسلمين ولا يجوز ان يبنوا فيه مجامع للكفر وما وجد في هذه البلاد من البيع والكنائس مثل كنيسة الروم في بغداد فهذه كانت في قرى أهل الذمة فاقرت على ما كانت عليه (القسم الثاني) ما فتحه المسلمون عنوة فلا يجوز احداث شئ من ذلك فيه لانها صارت ملكا للمسلمين وما فيه من ذلك ففيه وجهان (احدهما) يجب هدما (هدمها) وتحرم تبقينه (تبقيته) لانها بلاد مملوكة للمسلمين فلم يجز ان تكون فيها بيعة كالبلاد التي اختطها المسلمون (والثاني) يجوز لان في حديث ابن عباس ايما مصر مصرته العجم ثم فتحه الله على العرب فنزلوه فان للعجم ما في عهدهم ولان الصحابة رضي الله عنهم فتحوا كثيرا من البلاد عنوة فلم يهدموا شيئا من الكنائس ويشهد بصحة هذا وجود الكنائس والبيع في البلاد التي فتحت عنوة ومعلوم انها لم تحدث فلزم ان تكون موجودة فأبقيت، وقد كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى عماله ان لا تهدموا بيعة ولا كنيسة ولا بيت نار ولان الاجماع قد حصل على ذلك فانها موجودة في بلاد المسلمين من غير نكير (القسم الثالث) ما فتح صلحا وهو نوعان (احدهما) ان يصالحهم على ان الارض لهم، ولنا الخراج عنها فلم احداث ما يخنارون لان الدار لهم (الثاني) ان يصالحهم على ان الدار للمسلمين فالحكم في البيع والكنائس على ما يقع عليه الصلح من احداث ذلك وعمارته لانه إذا جاز ان يصالحهم على أن الكل لهم جاز أن يصالحوا على أن بعض البلد لهم ويكون موضع الكنائس والبيع معنا والاولى ان يصالحهم على ما صالحهم عليه عمر رضي الله
عنه ويشترط عليهم الشروط المذكورة في كتاب عبد الرحمن بن غنم وفيه ان لا تحدثوا كنيسة ولا
بيعة ولا صومعة راهب ولا قلاية، وان وقع الصلح مطلقا من غير شرط عمل على ما وقع عليه صلح عمر وأخذوا بشروطه، فأما الذين صالحهم عمر وعقد معهم الذمة فهم على ما في كتاب عبد الرحمن بن غنم مأخوذون بشروطه كلها وما وجدوا في بلاد المسلمين من الكنائس والبيع فهي على ما كانت عليه في زمن من فتحها ومن بعدهم وكل موضع قلنا بجواز إقرارها لم يجز هدمها ولهم رم ما تشعث منها وإصلاحها لان المنع من ذلك يفضي إلى خرابها فجرى مجرى هدمها فأما ان أستهدمت كلها ففيها روايتان (احداهما) لا يجوز وهو قول بعض أصحاب الشافعي (والثانية) يجوز وهو قول أبي حنيفة والشافعي لانه بناء لما استهدم اشبه بناء بعضها إذا انهدم ورم شعثها ولان استدامتها جائزة وبناؤها كاستدامتها وحمل الخلال قول أحمد لهم ان يبنوا ما انهدم منها على ماذا انهدم بعضها ومنعه من بناء ما انهدم على ما إذا انهدمت كلها فجمع بين الروايتين.
ووجه الرواية الاولى ان في كتاب أهل الجزيرة لعياض بن غنم ولا نجدد ما خرب من كنائسنا، وروى كثير بن مرة قال علي سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تبنى الكنيسة في الاسلام ولا يجدد ما خرب منها) ولانه بناء كنيسة في دار الاسلام فلم يجز كما لو ابتدأ بناءها وفارق رم ماشعث فانه إبقاء واستدامة وهذا إحداث (مسألة) (ويمنعون من إظهار المنكر وضرب الناقوس والجهر بكتابهم) يمنعون من إظهار المنكر كالخمر والخنزير وضرب الناقوس ورفع أصواتهم بكتابهم وإظهار أعيادهم
وصلبهم لان في شروطهم لعبد الدحمن بن غنم ان لا نضرب نواقيسنا الا ضربا خفيا في جوف كنائسنا ولا نظهر عليها صليبا ولا نرفع أصواتنا في صلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون وأن لا نخرج صليبا ولا كتابا في سوق المسلمين وأن لا نخرج باعوثا ولا شعانين ولا نرفع أصواتنا مع موتانا وان لا نجاورهم بالخنازير ولا نظهر شركا وقد ذكرنا بقية الكتاب (مسألة) (وان صولحوا في بلادهم علي اعطاء الجزية لم يمنعوا شيئا من ذلك ولم يؤخذوا بغيار ولا زنار ولا تغيير شعورهم ولا مراكبهم) لانهم في بلدانهم فلم يمنعوا من اظهار دينهم كاهل
الحرب في الهدنة (مسألة) (ويمنعون من دخول الحرم) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لهم دخوله كالحجاز ولا يستوطنون به ولهم دخول الكعبة والمنع من الاستيطان لا يمنع الدخول والتصرف كالحجاز ولنا قوله تعالى (انما المشركون نجس فلا يقوبوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) والمراد به الحرم بدليل قوله (سبحانه سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى) وانما أسري به من بيت ام هانئ وهو خارج المسجد ويخالفه الحجاز لان الله تعالى منع منه مع إذنه في الحجاز فان هذه الآية نزلت واليهود بخيبر والمدينة وغيرهما من الحجاز ولم يمنعوا الاقامة به وأول من اجلاهم عمر رضي الله عنه ولان الحرم اشرف لتعلق النسك به ويحرم شجره وصيده والملتجئ إليه فلا يصح قياس غيره عليه (مسألة) (فان قدم رسول لا بدله من لقاء الامام خرج إليه ولم يأذن له فان دخل عزر وهدد واخرج فان مرض أو مات أخرج وان دفن نبش واخرج الا ان يكون قد بلى)
إذا أراد كافر الدخول إلى الحرم منع على ما ذكرنا فان كانت معه تجارة أو ميرة خرج إليه من يشترى منه ولم يمكن من الدخول للآية وان كان رسولا إلى الامام بالحرم خرج إليه من يسمع رسالته فان قال لابد لي من لقاء الامام خرج إليه الامام ولم يأذن له فان دخل عالما بالمنع عزر وان دخل جاهلا هدد وأخرج فان مرض بالحرم أو مات أخرج ولم يدفن به لان حرمة الحرم أعظم ويفارق الحجاز من وجهين (أحدهما) ان دخوله إلى الحرم حرام واقامته به حرام بخلاف الحجاز (والثاني) ان خروجه من الحرم سهل ممكن لقرب الحل منه وخروجه من الحجاز في مرضه صعب ممتنع وان دفن نبش وأخرج لانه إذا لم يجز دخوله في حياته فدفن جيفته أولى أن لا يجوز فان كان قد بلي أو يصعب إخراجه لنتنه وتقطعه ترك للمشقة فيه (فصل) فان صالحهم الامام على دخول الحرم بعوض فالصلح باطل فان دخلوا إلى الموضع
الذي صالحهم عليه لم يرد عليهم العوض لانهم قد استوفوا ما صالحهم عليه، وان وصلوا إلى بعضه أخذ من العوض بقدره، ويحتمل أن يرد عليهم العوض بكل حال لان ما استوفوه لا قيمة له، والعقد لم يوجب العوض لبطلانه (مسألة) (ويمنعون من الاقامة بالحجاز كالمدينة واليمامة وخيبر وفدك وما والاها) وبهذا قال مالك والشافعي إلا أن مالكا قال أرى أن يجلوا من ارض العرب كلها لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب) وروى ابو داود باسناده عن عمر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لاخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلا مسلما) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وعن ابن عباس قال: أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشياء قال (اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم) وسكت عن الثالث رواه ابو داود
وجزيرة العرب مابين الوادي إلى أقصى اليمن قاله سعيد بن عبد العزيز، وقال الاصمعي وابو عبيد هي من ريف العراق إلى عدن طولا ومن تهامة وما وراها إلى أطراف الشام عرضا وقال ابو عبيدة هي من حفر ابي موسى إلى اليمن طولا ومن رمل تبرين إلى منقطع السماوة عرضا وقال الخيل انما قيل لها جزيرة العرب لان بحر الحبش وبحر فارس والفرات قد أحاطت بها ونسبت إلى العرب لانها أرضها ومسكنها ومعدنها.
قال احمد جزيرة العرب المدينة وما والاها يعني ان الممنوع من سكنى الكفار به المدينة وما والاها وهو مكة والمدينة وخيبر والينبع وقيل ومخاليفها وما والاها وهو قول الشافعي لانهم لم يجلوا من تيماء ولا من اليمن، وقد روي عن أبي عبيدة بن الجراح أنه قال آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (اخرجوا اليهود من الحجاز) وأما إخراج أهل نجران منه فلان النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم على ترك الربا فنقضوا عهده فكأن جزيرة العرب في تلك الاحاديث أريد بها الحجاز وإنما سمي حجازا لانه؟ حجز بين تهامة ونجد (مسألة) (فان دخلوا بتجارة لم يقيموا في موضع واحد أكثر من أربعة أيام)
يجوز لهم دخول الحجاز لتجارة لان النصارى كانوا يتجرون إلى المدينة في زمن عمر رضي الله عنه وأتاه شيخ بالمدينة وقال: انا الشيخ النصراني وان عاملك عشرني مرتين فقال عمر وأنا الشيخ الحنيف، وكتب له عمر ألا يعشروا في السنة الا مرة فعلى هذا لا يأذن لهم في الاقامة أكثر من ثلاثة أيام على ماروى عمر رضي الله عنه ثم ينتقل عنه، وقال القاضي يقيمون أربعة ايام حد ما يتم المسافر الصلاة والحكم في دخولهم إلى الحجاز في اعتبار الاذن كالحكم في دخول أهل الحرب دار الاسلام لا يجوز الا باذن الامام فيأذن لهم إذا رأى المصلحة فيه (مسألة) (فان مرض لم يخرج حتى يبرأ وان مات دفن به) إذا مرض بالحجاز جازت له الاقامة لمشقة الانتقال على المريض وتجوز الاقامة
لمن يمرضه لانه لا يستغني عنه فان كان له دين حال أجبر غريمه على وفائه فان تعذر لمطل أو تغيب فينبغي أن تجوز له الاقامة ليستوفي دينه لان التعدي من غيره، وفي اخراجه ذهاب ماله، وان كان الدين مؤجلا لم يمكن من الاقامة ويوكل من يستوفيه له لان التفريط منه، وان دعت الحاجة إلى الاقامة ليبيع بضاعته احتمل الجواز لان في تكليفه تركها وحملها معه ضياع ماله وذلك مما يمنع من الدخول إلى الحجاز بالبضائع فتفوت مصلحتهم وتلحقهم المضرة بانقطاع الجلب عنهم، ويحتمل أن يمنع من الاقامة لان له من الاقامة بدا فان أراد الانتقال إلى مكان آخر من الحجاز جاز ويقيم فيه أيضا ثلاثة أيام أو أربعة على الخلاف فيه وكذلك ان انتقل منه إلى مكان آخر، ولو حصلت الاقامة في الجميع شهرا، وإذا مات بالحجاز دفن لانه يشق نقله وإذا جازت الاقامة للمريض فدفن الميت أولى (مسألة) (ولا يمنعون من تيماء وفيد ونحوهما) لان عمر لم يمنعهم من ذلك (مسألة) (وهل لهم دخول المساجد باذن مسلم؟ على روايتين) لا يجوز لهم دخول مساجد الحل بغير إذن المسلمين لما روت أم عراب قالت رأيت عليا رضي الله عنه على المنبر وبصر بمجوسي فنزل فضربه وأخرجه من أبواب كندة، فان أذن لهم في دخولها جاز في الصحيح من المذهب لان النبي صلى الله عليه وسلم قدم عليه وفد من أهل الطائف فأنزلهم
في المسجد قبل اسلامهم وقال سعيد بن المسيب كان ابو سفيان يدخل مسجد المدينة وهو على شركه وقدم عمير بن وهب فدخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم فيه ليفتك به فرزقه الله الاسلام وفيه رواية أخرى ليس لهم دخوله بحال لان أبا موسى دخل على عمر ومعه كتاب قد كتب فيه حساب عمله فقال له عمر ادع الذي كتبه ليقرأه قال إنه لا يدخل المسجد قال ولم لا يدخل المسجد؟ قال انه نصراني فانتهره عمر وهذا اتفاق منهم على أنه لا يدخل المسجد وفيه دليل على شهرة ذلك بينهم وتقريره عندهم لان حدث الحيض
والجنابة والنفاس يمنع الاقامة في المسجد فحدث الشرك اولى والاول اصح لانه لو كان محرما لما اقرهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم (فصل) قال احمد في الرجل له المرأة النصرانية لا يأذن لها أن تخرج إلى عيد أو تذهب إلى بيعة وله ان يمنعها ذلك وكذلك في الامة قيل له أله ان يمنعها من شرب الخمر؟ قال يأمرها فان لم تقبل فليس له منعها قيل له فان طلبت منه ان يشتري لها زنارا قال لا يشتري زنارا؟ تخرج هي تشتري لنفسها (فصل) قال رضي الله عنه وان اتجر ذمي إلى غير بلده ثم عاد فعليه نصف العشر وقال الشافعي ليس عليه الا الجزية الا ان يدخل ارض الحجاز فينظر في حاله فان كان لرسالة أو نقل ميرة اذن له بغير شئ وان كان لتجارة لا حاجة باهل الحجاز إليها لم يأذن له إلا ان يشترط عليه عوضا بحسب ما يراه.
والاولى أن يشترط نصف العشر لان عمر شرط نصف العشر على من دخل الحجاز من أهل الذمة ولنا ما روى ابو داود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس على المسلمين عشور انما العشور على اليهود والنصارى) وعن أنس بن سيرين قال بعثني أنس بن مالك إلى العشور فقلت بعثتني إلى العشور من بين عمالك قال ألا ترضى أن أجعلك على ما جعلني عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمرني أن آخذ من المسلمين ربع العشر ومن أهل الذمة نصف العشر رواه الامام احمد وهذا كان بالعراق وروى ابو عبيد في كتاب الاموال باسناده عن لاحق بن عميد أن عمر بعث عثمان بن حنيف
إلى الكوفة فجعل على أهل الذمة في أموالهم التي يختلفون فيها في كل عشرين درهما درهما وهذا كان بالعراق واشتهرت هذه القصص وعمل بها الخلفاء بعده ولم ينكر ذلك فكان اجماعا ولم يأت تخصيص الحجاز بنصف العشر في شئ من الاحاديث عن عمر ولا غيره فيما علمنا ولان ما وجب في الحجاز من الاموال وجب في غيره كالديون والصدقات إذا ثبت هذا فلا فرق في ذلك بين بني تغلب ولا غيرهم.
وروي عن احمد ان التغلبي يؤخذ منه العشر ضعف ما يؤخذ من أهل الذمة لما روي باسناده عن زياد بن حدير ان عمر رضي الله عنه
بعثه مصدقا فأمره أن يأخذ من نصارى بني تغلب العشر ومن نصارى اهل الذمة نصف العشر رواه ابو عبيد قال: والعمل على حديث داود بن كردوس والنعمان بن زرعة وهو أن يكون عليهم الضعف مما على المسلمين الا تسمعه يقول من كل عشرين درهما درهم؟ وانما يؤخذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهم فذلك ضعف هذا وهو ظاهر كلام الخرقي وهو أقيس فان الواجب في سائر أموالهم ضعف ما على المسلمين لا ضعف ما على أهل الذمة (فصل) ولا يؤخذ من غير مال التجارة شئ فلو مر بالعاشر منهم منتقل ومعه أمواله أو سائمة لم يؤخذ منه شئ نص عليه احمد رحمه الله الا أن تكون الماشية للتجارة فيؤخذ منها نصف العشر (فصل) واختلفت الرواية عن احمد في العاشر يمر عليه الذمي بخمر أو خنزير فقال عمر: قال في موضع ولو هم بيعها ولا يكون الا على الاخذ منها وروى باسناده عن سويد بن غفلة في قول عمر ولو هم بيع الخمر والخنزير لعشرها قال احمد اسناده جيد، وممن رأى ذلك مسروق والنخعي وابو حنيفة وبه قال محمد بن الحسن في الخمر خاصة وذكر القاضي ان احمد نص على أنه لا يؤخذ وبه قال عمر بن عبد العزيز وابو عبيد وابو ثور قال عمر بن عبد العزيز الخمر لا يعشرها مسلم.
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان عتبة بن فرقد بعث إليه بأربعين الف درهم صدقة الخمر فكتب إليه عمر بعث إلي بصدقة الخمر وأنت أحق بها من المهاجرين فأخبر بذلك الناس
وقال والله لااستعملتك علي شئ بعدها قال فنزعه قال ابو عبيد معنى قول عمر ولوهم بيعها وخذوا أنتم من الثمن ان المسلمين كانوا يأخذون من اهل الذمة الخمر والخنازير من جزيتهم وخراج أرضهم بقيمتها ثم يتولى المسلمون بيعها فأنكره عمر ثم رخص لهم أن يأخذوا من أثمانها إذا كان أهل الذمة المتولين لبيعها وروي باسناده عن سويد بن غفلة ان بلالا قال لعمر ان عمالك يأخذون الخمر والخنازير في الخراج فقال لا تأخذوه ولكن ولوهم بيعها وخذوا أنتم من الثمن
(فصل) وإذا مر الذمي بالعشر وعليه دين بقدر ما معه أو ينقص ما معه عن النصاب فظاهر كلام احمد ان ذلك يمنع أخذ نصف العشر منه لانه حق يعتبر له النصاب والحول فمنعه الدين كالزكاة فان ادعى الدين احتاج إلى بينة مسلمين وان مر بجارية فادعى انها ابنته أو أخته قبل قوله في إحدى الروايتين لان الاصل عدم ملكه.
(والثانية) لا يقبل لانها في يده اشبهت البهيمة ولانه تمكنه إقامة البينة.
(مسألة) (فان انجر حربي الينا أخذ منه العشر ولا يؤخذ من أقل من عشرة دنانير).
هذا قول احمد رحمه الله وقال ابو حنيفة لا يؤخذ منهم شئ إلا أن يكونوا يأخذون منا شيئا فنأخذ منهم مثله لما روي عن أبي مجلزقال قالوا لعمر كيف نأخذ من أهل الحرب إذا قدموا علينا؟ قال كيف يأخذون منكم إذا دخلتم إليهم؟ قالوا العشر قال فكذلك خذوا منهم وعن زياد بن حدير قال كنا لانعشر مسلما ولا معاهدا قال من كنتم تعشرون؟ قال كفار أهل الحرب نأخذ منهم كما ياخذون منا، وقال الشافعي إن دخل الينا لتجارة لا يحتاج إليها المسلمون لم ياذن له الامام إلا بعوض يشرطه وما شرطه جاز ويستحب ان يشرط العشر ليوافق فعل عمر رضي الله عنه، وإن أذن مطلقا من غير شرط فالمذهب أنه لا يؤخذ منهم شئ لانه أمان من غير شرط فلم يستحق به شئ كالهدنة ويحتمل أن يجب عشر لان عمر أخذه.
ولنا ما رويناه في المسألة التي قبلها ولان عمر أخذ منهم العشر واشتهر ذلك فيما بين الصحابة وعمل به الخلفاء بعده والائمة في كل عصر من غير نكيرفاي إجماع يكون أقوى من هذا؟ ولم ينقل عنه انه شرط عليهم ذلك عند دخولهم ولا يثبت ذلك بالظن من غير نقل ولان مطلق الامر
يحمل على المعهود في الشرع وقد اشتهر أخذ العشر منهم في زمن الخلفاء الراشدين فيجب أخذه فاما سؤال عمر عما ياخذون منا فانما كان لانهم سألوا عن كيفية الاخذ ومقداره ثم استمر الاخذ من غير سؤال، ولو تقيد أخذنا منهم بأخذهم منا لوحب أن يسأل عنه في كل وقت
(فصل) ويؤخذ منهم العشر لكل مال للتجارة في ظاهر كلامه ههنا وهو ظاهر قول الخرقي،.
وقال القاضي ان دخلوا في نقل ميرة بالناس إليها حاجة اذن لهم في الدخول بغير عشر وهو قول الشافعي لان في دخولهم نفع المسلمين.
ولنا عموم مارويناه، وقد روى صالح عن أبيه عن عبد الرحمن بن مهدي عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر انه كان يأخذ من النبط من القطنية العشر ومن الحنطة والزبيب نصف العشر ليكثر الحمل إلى المدينة فعلى هذا يجوز للامام التخفيف عنهم إذا رأى المصلحة فيه وله الترك أيضا إذا رأى المصلحة لانه فيئ فملك تخفيفه وتركه كالخراج.
(فصل) ويؤخذ العشر من كل حربي تاجر ونصف العشر من كل ذمي تاجر ذكرا كان أو أنثى صغيرا أو كبيرا، وقال القاضي ليس على المرأة عشر ولا نصف عشر سواء كانت حربية أو ذمية لكن ان دخلت الحجاز عشرت لانها ممنوعة من الاقامة به، قال شيخنا ولا نعرف هذا التفصيل عن أحمد ولا يقتضيه مذهبه لانه يوجب الصدقة في أموال نساء بني تغلب وصبيانهم فكذلك يوجب العشر ونصفه في مال النساء وعموم الاحاديث المروية ليس فيها تخصيص للرجال دون النساء وليس هذا بجزية إنما هو حق يختص بمال التجارة لتوسعه في دار الاسلام وانتفاعه بالتجارة فيه فيستوي فيه الذكر والانثى كالزكاة في حق المسلمين.
(فصل) واختلفت الرواية في القدر الذي يؤخذ منه العشر ونصف العشر فروى صالح عنه في نصف العشر من كل عشرين دينارا دينارا يعني فإذا نقصت عن العشرين فليس عليه شئ لان ما دون النصاب لا يجب فيه زكاة على مسلم ولا على تغلبي فلا يجب على ذمي كالذي دون العشرة وروى صالح أيضا أنه قال إذا مروا بالعاشر فان كانوا أهل الحرب أخذ منهم العشر من العشرة واحدا فان كانوا من
اهل الذمة أخذ منهم نصف العشر من كل عشرين دينارا دينارا فإذا نقصت فليس عليه شئ وان نقص مال الحربي عن عشرة دنانير لم يؤخذ منه شئ ولا يؤخذ منهم إلا مرة واحدة المسلم والذمي في ذلك سواء وروي عن احمد أن في العشرة نصف مثقال وليس فيما دون العشرة شئ، نص عليه
في رواية أبي الحارث قال قلت إذا كان مع الذمي عشرة دنانير قال نأخذ منه نصف دينار قلت فان كان معه أقل من عشرة دنانير، قال إذا نقصت لم يؤخذ منه شئ وذلك لان العشرة مال يبلغ واجبه نصف دينار فوجب فيه كالعشرين في حق المسلم ولانه مال معشور فوجب في العشرة منه كمال الحربي وقال ابن حامد يؤخذ عشر الحربي ونصف عشر الذمي من كل مال قل أو كثر لان عمر قال خذ من كل عشرين درهما درهما ولانه حق عليه فوجب في قليله وكثيره نصيب المالك في أرضه التي عامله عليها.
ولنا أنه عشر ونصف عشر وجب بالشرع فاعتبر له نصاب كزكاة الزرع والثمرة ولانه حق يقدر بالحول فاعتبر له النصاب كالزكاة، وأما قول عمر فالمراد به والله أعلم بيان قدر المأخوذ وانه نصف العشر ومعناه إذا كان معه عشرة دنانير فخذ من كل عشرين درهما درهما لان في صدر الحديث ان عمر أمر مصدقا وأمره ان يأخذ من المسلمين من كل اربعين درهما درهما ومن اهل الذمة من كل عشرين درهما درهما ومن اهل الحرب من كل عشرة واحدا، وانما يؤخذ ذلك من المسلم إذا كان معه نصاب فكذلك من غيرهم (مسألة) (ويؤخذ منه في كل عام مرة، وقال ابن حامد يؤخذ من الحربي كلما دخل الينا لا يعشر الذمي ولا الحربي في السنة إلا مرة، نص عليه احمد لما روى الامام احمد باسناده قال جاء شيخ نصراني إلى عمر فقال ان عاملك عشرني في السنة مرتين، قال ومن انت؟ قال انا الشيخ النصراني فقال وأنا الشيخ الحنيف ثم كتب إلى عامله لا تعشروا في السنة إلا مرة، ولان الجزية والزكاة انما تؤخذ في السنة مرة فكذلك هذا، ومتى اخذ منهم ذلك مرة كتب لهم حجة بأدائهم لتكون وثيقة لهم وحجة على من يمرون عليه فلا يعشرهم ثانية الا أن يكون معه اكثر من المال الاول فيأخد منه الزيادة لانها لم تعشر وحكي عن ابي عبد الله بن حامد ان الحربي يعشر كلما دخل الينا وهو قول بعض أصحاب
الشافعي لاننا لو أخذنا منه واحدة لا يأمن أن يدخلوا فإذا جاء وقت السنة لم يدخلوا فيتعذر الاخذ منهم
ولنا انه حق يؤخذ من التجارة فلا يؤخذ في السنة إلا مرة كنصف العشر من الذمي، وقولهم يفوت لا يصلح فانه يؤخذ منه أول ما يدخل مرة ويكتب الآخذ له بما أخذ منه ثم لا يؤخذ منه شئ حتى تمضي تلك السنة فإذا جاء في العام الثاني أخذ منه في أول ما يدخل فان لم يدخل فما فات من حق السنة الاولي شئ (مسألة) (وعلى الامام حفظهم والمنع من أذاهم واستنقاذ من أسر منهم) تلزمه حمايتهم من المسلمين وأهل الحرب وأهل الذمة لانه التزم بالعهد حفظهم ولهذا قال علي رضي الله عنه انما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا وقال عمر رضي الله عنه في وصيته للخليفة بعده وأوصيه بأهل ذمة المسلمين خيرا أن يوفى لهم بعهدهم ويحاطوا من ورائهم ويجب فداء أسراهم سواء كانوا في معونتنا أو لم يكونوا وهذا ظاهر قول الخرقي وهو قول عمر بن عبد العزيز والليث لاننا التزمنا حفظهم بمعاهدتهم وأخذ جزيتهم فلزمنا القتال من ورائهم والقيام دونهم فإذا عجزنا عن ذلك وأمكننا تخليصهم لزمنا ذلك وقال القاضي انما يجب فداؤهم إذا استعان بهم الامام في قتال فسبوا وجب عليه فداءهم لان أسرهم كان لمعنى من جهته وهو المنصوص عن احمد ومتى وجب فداؤهم فانه يبدأ بفداء المسلمين قبلهم ولان حرمة المسلم أعظم والخوف عليه أشد وهو معرض الفتنة عن دين الحق بخلاف أهل الذمة (فصل) ومن هرب منهم إلى دار الحرب ناقضا للعهد عاد حربيا حكمه حكم الحربي سواء كان رجلا أو امرأة ومتى قدر عليه أبيح منه ما يباح من الحربي من القتل والاسر وأخذ المال فان هرب بأهله وذريته أبيح من الهاربين منهم ما يباح من أهل الحرب ولم يبح سبي الذرية لان النقض انما وجد من البالغين دون الذرية، وإن نقضت طائفة من أهل الذمة جاز غزوهم وقتالهم، وإن نقص بعضهم دون بعض اختص حكم النقض بالناقض وإن لم ينقضوا لكن خاف النقض منهم لم يجز أن ينبذ إليهم عهدهم لان عقد الذمة لحقهم بدليل ان الامام تلزمه اجابتهم بخلاف عقد الامان والهدنة فانه لمصلحة
المسلمين ولان عقد الذمة آكد لانه مؤبد وهو معاوضة وكذلك إذا نقض بعض أهل الذمة العهد
وسكت بقيتهم لم يكن سكوتهم نقضا وفي عقد الهدنة يكون نقضا (مسألة) وإن تحاكموا إلى الحاكم مع مسلم لزمه الحكم بينهم وإن تحاكم بعضهم مع بعض أو استعدى بعضهم على بعض خير بين الحكم بينهم وبين تركهم) لان انصاف المسلم والانصاف منه واحب وطريقه الحكم لقول الله تعالى (فان جاءوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم) ولانهما كافران فلم يجب الحكم بينهما كالمستأمنين ولا يحكم بينهم إلا بحكم الاسلام لقول الله تعالى (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) وعنه يلزمه الحكم بينهم لقول الله تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله) ولان رفع الظلم عنهم واجب وطريقه الحكم فوجب كالحكم بين المسلمين (فان استعدت المرأة على زوجها في طلاق أو ايلاء أو ظهار فان شاء أعداهما وإن شاء تركهما على الرواية الاولى فان أحضرت زوجها حكم عليه بحكم المسلمين في مثل ذلك، فان كان قد ظاهر منها منعه وطأها حتى يكفر وتكفيره بالاطعام لانه لا يصح منه الصوم ولا يصح شراؤه للعبد المسلم ولا تملكه (مسألة) (وإن تبايعوا بيوعا فاسدة وتقابضوا لم ينقض فعلهم لانه عقدتم قبل اسلامهم على ما يجوز ابتداء العقد عليه فأقروا عليه ولم ينقض كأنكحتهم وإن لم يتقابضوا فسخه سواء كان قد حكم بينهم حاكمهم ام لا) لانه عقد لم يتم ولا يجوز الحكم باتمامه لكونه فاسدا فتعين نقضه وحكم حاكمهم وجوده كعدمه لان من شرط الحاكم النافذة أحكامه الاسلام ولم يوجد (فصل) سئل احمد رحمه الله عن الذمي يعامل بالربا ويبيع الخمر والخنزير ثم يسلم وذلك المال في يده فقال لا يلزمه أن يخرج منه شيئا لان ذلك مضى في حال كفره فأشبه نكاحه في الكفر إذا أسلم، وسئل عن المجوسيين يجعلان ولدهما مسلما فيموت وهو ابن خمس سنين، فقال يدفن في مقابر المسلمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فأبواه يهودانه أو ينصرانه اويمجسانه)) يعني ان هذين لم يمجساه فبقي على الفطر (الفطرة):، وسئل عن اطفال المشركين فقال: اذهب إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم (اعلم بما كانوا عاملين) قال وكان ابن عباس يقول (وأبواه يهودانه وينصرانه - حتى سمع - الله أعلم بما كانوا عاملين) فترك قوله
وسأله ابن الشافعي فقال يا أبا عبد الله ذراري المشركين والمسلمين؟ فقال هذه مسائل أهل الزيغ وقال أبو عبد الله سأل بشر بن السري سفيان الثوري عن أطفال المشركين فصاح به وقال
يا صبي أنت تسأل عن هذا؟ قال احمد ونحن نمر هذه الاحاديث على ما جاءت ولا نقول شيئا وسئل عن أطفال المسلمين فقال ليس فيه اختلاف أنهم في الجنة وذكروا له حديث عائشة الذي قالت فيه عصفور من عصافير الجنة فقال وهذا حديث؟ وذكر فيه رجلا ضعفه طلحة وسئل عن الرجل يسلم بشرط أن لا يصلي إلا صلاتين فقال يصح إسلامه ويؤخذ بالخمس وقال معنى حديث حكيم بن حزام بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ألا أخر إلا قائما انه لا يركع في الصلاة بل يقرأ ثم يسجد من غير ركوع قال وحديث قتادة عن نصر بن عاصم ان رجلا منهم بايع النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يصلي طرفي النهار.
(مسألة) (وان تهود نصراني أو تنصر يهودي لم يقر ولم يقبل منه إلا الاسلام أو الدين الذي كان عليه ويحتمل أن لا يقبل منه الا الاسلام فان أبي هدد ويحبس ويحتمل أن يقبل وعنه انه يقر) إذا انتقل الكتابي إلى دين آخر من دين اهل الكتاب ففيه ثلاث روايات (احداهن) لا يقر لانه انتقل إلى دين باطل قد أقر ببطلانه فلم يقر عليه كالمرتد.
فعلى هذا يجبر على الاسلام ولان ما سواه باطل اعترف ببطلانه قبل ينتقل إليه ثم اعترف ببطلان دينه حين انتقل عنه فلم يبق الا الاسلام (والثانية) لا يقبل منه الا الاسلام أو الدين الذي كان عليه لاننا أقررناه عليه اولا فنقره عليه ثانيا (والثالثة) يقر نص عليه احمد وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار الخلال وصاحبه وقول ابي حنيفة وأحد قولي الشافعي لانه لم يخرج عن دين اهل الكتاب فأشبه غير المنتقل ولانه دين أهل الكتاب فيقر عليه كأهل ذلك الدين وفي صفة اجباره على ترك ما انتقل إليه روايتان (احدهما) يجبر عليه بالقتل لعموم قوله عليه الصلاة والسلام (من بدل دينه فاقتلوه) ولانه ذمي نقض العهد فأشبه ما لو نقضه بترك التزام الذمة وهل يستتاب؟ يحتمل وجهين (أحدهما) يستتاب لانه استرجع عن دين باطل انتقل إليه فيستتاب كالمرتد
(والثاني) لا يستتاب لانه كافر اصلي أبيح دمه فأشبه الحربي فعلى هذا ان بادر وأسلم أو رجع إلى ما يقر عليه عصم دمه والا قتل (والثانية) أنه يجبر بالضرب والحبس فان احمد قال إذا دخل اليهودي في النصرانية رددته إلى اليهودية فقيل له اتفقله (اتقتله) قال لا ولكن يضرب ويحبس لانه لم يخرج عن دين اهل الكتاب فلم يقتل كالباقي على دينه ولانه مختلف فيه فلا يقتل للشبهة
(مسألة) (وان انتقل إلى غير دين أهل الكتاب أو انتقل المجوسي إلى غير دين أهل الكتاب لم يقر وأمر ان يسلم فان أبى قتل إذا انتقل الكتابي إلى غير دين أهل الكتاب لم يقر عليه لا نعلم فيه خلافا لانه انتقل إلى دين لا يقر عليه بالجزية كعبدة الاوثان فالاصلي منهم لا يقر فالمنتقل أولى وان انتقل إلى المجوسية لم يقر لانه انتقل إلى ادنى من دينه فلم يقر كالمسلم إذا ارتد وكذلك الحكم في المجوسي إذا انتقل إلى إلى ادنى من دينه كعبادة الاوثان كذلك وإذا قلنا لا يقر ففيه ثلاث روايات (احداهن) لا يقبل منه الا الاسلام، نص عليه احمد واختاره الخلال وصاحبه وهو أحد قولي الشافعي لان غير الاسلام اديان باطلة فقد أقر ببطلانها فلم يقر عليها كالمرتد وإذا قلنا لا يقبل منه الا الاسلام فأبى أجبر عليه بالقتل لانه انتقل إلى دين ادنى من دينه أشبه المرتد.
(والثانية) لا يقبل منه الا الاسلام أو الدين الذي كان عليه لان دينه الاول قد أقررناه عليه مرة ولم ينتقل إلى خير منه فنقره عليه ان رجع إليه ولانه انتقل من دين يقر عليه إلى دين لا يقر عليه فقبل رجوعه إلى دينه كالمرتد إذا رجع إلى الاسلام.
(والثالثة) انه يقبل منه أحد ثلاثة أشياء الاسلام أو الدين الذي كان عليه أو دين أهل الكتاب لانه دين اهل الكتاب فيقر عليه كغيره من أهل ذلك الدين وإذا انتقل المجوسي إلى غير دين أهل الكتاب ثم رجع إلى المجوسية اقر عليه في احدى الروايتين لانه أقر عليه أولا فيقر عليه ثانيا.
(مسألة) (وان انتقل غير الكتابي إلى دين أهل الكتاب أقر ويحتمل أن لا يقبل منه الا الاسلام) إذا انتقل المجوسي إلى دين أهل الكتاب ففيه أيضا الروايات الثلاث (إحداهن) لا يقبل منه
إلا الاسلام لما ذكرنا (والثانية) يقر على ما انتقل إليه لانه أعلى من دينه ولانه انتقل إلى دين يقر عليه أهله والثالثة لا يقبل منه إلا الاسلام أو دينه الذي كان عليه لما تقدم (مسألة) (وإن تمجس الوثني فهل يقر؟ على روايتين) إحداهما يقر لما ذكرنا والثانية لا يقر لانه انتقل إلى دين لا تحل ذبائح أهله ولا تنكح نساؤهم أشبه ما لو انتقل إلى دين لا يقر عليه أهله والاولى أولى (فصل) (في نقض العهد وإذا امتنع الذمي من بذل الجزية أو التزام أحكام الملة انتقض عهده)
إذا امتنع الذمي من بذل الجزية أو التزام احكام الملة إذا حكم بها حاكم انتقض عهده بغير خلاف في المذهب سواء شرط عليهم أو لا، وهو مذهب الشافعي لقول الله تعالى (حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون) قيل الصغار التزام احكام المسلمين فأمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية ويلتزموا أحكام الملة، فإذا امتنعوا من ذلك وجب قتالهم فإذا قاتلوا فقد نقضوا العهد وفي معنى هذين قتالهم للمسلمين منفردين أو مع الحرب لان اطلاق الامان يقتضي ذلك وقال أبو حنيفة لا ينتقض العهد الا بالامتناع من الامام بحيث يتعذر أخذ الجزية منهم ولنا ما ذكرناه ولانه ينافي الامان أشبه مالو امتنعوا من بذل الجزية (مسألة) وان تعدى على مسلم بقتل أو قذف أو زنا أو قطع طريق أو تجسس أو إيواء جاسوس أو ذكر الله تعالى أو كتابه أو رسوله بسوء فعلى روايتين) ويلتحق بذلك أو فتن مسلم عن دينه أو اصابة المسلمة باسم نكاح (احداهما) ينتقض عهده اختاره القاضي والشريف ابو جعفر سواء شرط عليهم أو لم يشرط ومذهب الشافعي نحو هذا فيما إذا شرط عليهم لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه رفع إليه رجل اراد استكراه امرأة مسلمة على الزنا فقال ما على هذا صالحناكم وامر به فصلب في بيت المقدس وقيل لابن عمر ان راهبا يشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو سمعته لقتلته انا لم نعط الامان على هذا ولما روي عن عمر انه أمر عبد الرحمن بن غنم ان يلحق في كتاب صلح الجزيرة ومن ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده ولان فيه ضررا على المسلمين فاشبه الامتناع من بذل الجزية ولانه لم يف
بمقتضى الذمة وهو الامن من جانبه فانتقض عهده كما لو قاتل المسلمين (والثاينة) لا ينتقض العهد به لكن يقام عليه الحد فيما يوجب الحد أو يقتص منه فيما يوجب القصاص ويعذر فيما سوى ذلك بما ينكف به امثاله عن فعله لان ما يقتضيه العهد من التزام الجزية واحكام المسلمين والكف عن قتالهم باق فوجب بقاء العهد (مسألة) (وان أظهر منكرا أو رفع صوته بكتابه لم ينتض عهده) وظاهر كلام الخرقي أنه ينتقض إن كان مشروطا عليهم اما ما سوى الخصال المذكورة في المسألة
التي قبلها كالتميز عن المسلمين وترك اظهار المنكر ونحو ذلك فان لم يشرط عليهم لم ينتقض عهدهم به لان العقد لا يقتضيها ولا ضرر فيها على المسلمين وان شرطت عليهم فظاهر كلام الخرقي أن عهدهم ينتقض بمخالفتنا لقوله ومن نقض العهد بمخالفة شئ مما صولحوا عليه حل دمه وماله.
ووجه ذلك أن في كتاب صلح الجزيرة لعبد الرحمن بن غنم بعد استيفاء الشروط: وان نحن غيرنا أو خالفنا عما شرطنا على انفسنا وقبلنا الامان عليه فلا ذمة لنا وقد حل لك منا ما يحل من اهل المعاندة والشقاق ولانه عقد بشرط فزال بزوال الشرط كما لو امتنع من بذل الجزية وقال غيره من اصحابنا لا ينتقض العهد به لانه لا ضرر على المسلمين فيه ولا ينافي عقد الذمة اشبه ما لو لم يشرطه ولكنه يعزر ويلزم ما تركه (مسألة) (ولا ينتقض عهد نسائه وأولاده بنقض عهده وإذا انتقض عهده خير الامام فيه كالاسير الحربي) لان النقض وجد منه دونهم فاختص حكمه به قال شيخنا في كتاب العمدة الا ان يذهب بهم إلى دار الحرب وذكر في كتاب المغني انه لا يباح سبي الذرية وان ذهب بهم إلى دار الحرب وإذا انتقض عهده خير الامام فيه كالاسير الحربي فيخير فيه بين القتل والاسترقاق والمن والفداء لان عمر رضي الله عنه صلب الذي اراد استكراه امرأة ولانه كافر لا امان له قدرنا عليه في دارنا بغير عقد ولا عهد ولا شبهة ذلك فاشبه اللص الحربي هذا اختيار القاضي، وقال بعض اصحابنا فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم إنه يقتل بكل حال وذكر أن احمد نص عليه (مسألة) (وماله فيئ عند الخرقي وقال ابو بكر هو لورثته)
التي قبلها كالتميز عن المسلمين وترك اظهار المنكر ونحو ذلك فان لم يشرط عليهم لم ينتقض عهدهم به لان العقد لا يقتضيها ولا ضرر فيها على المسلمين وان شرطت عليهم فظاهر كلام الخرقي أن عهدهم ينتقض بمخالفتنا لقوله ومن نقض العهد بمخالفة شئ مما صولحوا عليه حل دمه وماله.
ووجه ذلك أن في كتاب صلح الجزيرة لعبد الرحمن بن غنم بعد استيفاء الشروط: وان نحن غيرنا أو خالفنا عما شرطنا على انفسنا وقبلنا الامان عليه فلا ذمة لنا وقد حل لك منا ما يحل من اهل المعاندة والشقاق ولانه عقد بشرط فزال بزوال الشرط كما لو امتنع من بذل الجزية وقال غيره من اصحابنا لا ينتقض العهد به لانه لا ضرر على المسلمين فيه ولا ينافي عقد الذمة اشبه ما لو لم يشرطه ولكنه يعزر ويلزم ما تركه (مسألة) (ولا ينتقض عهد نسائه وأولاده بنقض عهده وإذا انتقض عهده خير الامام فيه كالاسير الحربي) لان النقض وجد منه دونهم فاختص حكمه به قال شيخنا في كتاب العمدة الا ان يذهب بهم إلى دار الحرب وذكر في كتاب المغني انه لا يباح سبي الذرية وان ذهب بهم إلى دار الحرب وإذا انتقض عهده خير الامام فيه كالاسير الحربي فيخير فيه بين القتل والاسترقاق والمن والفداء لان عمر رضي الله عنه صلب الذي اراد استكراه امرأة ولانه كافر لا امان له قدرنا عليه في دارنا بغير عقد ولا عهد ولا شبهة ذلك فاشبه اللص الحربي هذا اختيار القاضي، وقال بعض اصحابنا فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم إنه يقتل بكل حال وذكر أن احمد نص عليه (مسألة) (وماله فيئ عند الخرقي وقال ابو بكر هو لورثته) لانه إنما عصم بعقد الذمة فزال بزواله كالمرتد لان ماله كان معصوما فلا تزول عصمته بنقضه العهد كأولاده الصغار (آخر كتاب الجهاد والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم) (تسليما كثيرا) (تم بحمد الله وعونه الجزء العاشر من كتابي المغني والشرح الكبير) (ويليه بمشيئة الله وتوفيقه الجزء الحادي عشر منهما وأوله (كتاب الصيد والذبائح)
الشرح الكبير - عبدالرحمن بن قدامه ج 11
الشرح الكبير
عبدالرحمن بن قدامه ج 11
الشرح الكبير على متن المقنع، تأليف الشيخ الامام شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي المتوفى سنة 682 ه كلاهما على مذهب امام الائمة (أبي عبد الله أحمد بن محمد ابن حنبل الشيباني) مع بيان الخلاف سائر الائمة وأدلتهم رضي الله عنهم الجزء الحادي عشر دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصيد الاصل في إباحة الكتاب والسنة والاجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) وقال سبحانه (وإذا حللتم فاصطادوا) وقال سبحانه (يسئلونك ماذا أحل لهم؟ قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما امسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه) وأما السنة فروى أبو ثعلبة الخشني قال اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله انا بارض صيد أصيد بقوسي وأصيد بكلبي المعلم وأصيد بكلبي الذي ليس بمعلم فاخبرني ماذا يصلح لي؟ " قال اما ما ذكرت أنكم بارض
صيد فما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك المعلم والذي ليس بمعلم فادركت ذكاته فكل " متفق عليه وعن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله انا نرسل الكلب المعلم فيمسك علينا قال " كل " قلت فان قتل؟ قال " وان قتل ما لم يشركه كلب غيره " قال وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض قال " ما خرق فكل وما قتل بعرضه فلا تأكل " متفق عليه أيضا وأجمع أهل العلم على اباحة الاصطياد والاكل من الصيد
* (مسألة) * (ومن صاد صيدا فادركه حيا حياة مستقرة لم يحل إلا بالذكاة) اما ما ادرك ذكاته من الصيد فلا يشترط في اباحته سوى صحة التذكية ولذلك قال عليه الصلاة والسلام " وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم فادركت ذكاته فكل " فاما ان ادركه وفيه حياة مستقرة فلم يذبحه حتى مات نظرت، فان كان الزمان لا يتسع لذكاته فمات فانه يحل أيضا قال قتادة يأكله ما لم يتوان في ذكاته أو يتركه عمدا وهو قادر على ذكاته ونحوه قول مالك والشافعي وروي ذلك عن الحسن والنخمي، وقال أبو حنيفة لا يحل لانه أدركه وفيه حياة مستقرة فتعلقت اباحته بتذكيته كما لو اتسع الزمان
ولنا أنه لم يقدر على ذكاته كالذي قتله الصائد، ويفارق ما قاسوا عليه لانه أمكنه ذكاته وفرط بتركها، لو أدركه وفيه حياة مستقرة يعيش بها زمنا طويلا وأمكنه ذكاته ولم يذكه حتى مات لم يبح سواء كان به جرح يعيش معه اولا وبه قال مالك والليث والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي لان ما كان كذلك فهو في حكم الحي بدليل ان عمر رضى الله عنه كانت جراحاته موجبة فأوصى واجيزت وصاياه وأقواله في تلك الحال ولم تسقط عنه الصلاة ولا العبادات ولانه ترك تذكيته مع القدرة عليها فاشبه غير الصيد * (مسألة) * (فان لم يجد ما يذكيه به أرسل الصائد له عليه حتى يقتله في إحدى الروايتين) واختاره الخرقي * (مسألة) * (فان لم يفعل وتركه حتى مات لم يحل وقال القاضي يحل والاخرى لا يحل الا ان يذكيه) اختلف قول أحمد في هذه المسألة فعنه مثل قول الخرقي وهو قول الحسن وابراهيم وقال في موضع إني لاقشعر من هذا يعني أنه لا يراه وهو قول أكثر أهل العلم لانه مقدور عليه فلم يبح بقتل الجارح كالانعام وكما لو أخذه سليما.
ووجه الاول أنه صيد قتله الجارح له من غير امكان ذكاته فابيح كما لو ادركه ميتا ولانها حال تتعذر فيها الذكاة في الحلق واللبة غالبا فجاز ان تكون ذكاته على حسب الامكان
كالمتردية في بئر، وحكي عن القاضي أنه قال في هذا يتركه حتى يموت فيحل لانه صيد تعذرت تذكيته
فابيح بموته من غير عقر الصائد له كالذي تعذرت تذكيته لقلة لبثه، والاول أصح لانه حيوان لا يباح بغير التذكية إذا كان معه آلة الذكاة فلم يبح بغيرها إذا لم تكن آلة كسائر المقدور على تذكيته، ومسألة الخرقي محمولة على ما يخاف موته ان لم يقتله الحيوان أو يذكى فان كان به حياة يمكن بقاؤه إلى ان يأتي به منزله فليس فيه اختلاف لانه لا يباح الا بالذكاة * (مسألة) * (وان رمى صيدا فاثبته ثم رماه آخر فقتله لم يحل ولمن اثبته قيمته مجروحا على قاتله الا ان يصيب الاول مقتله دور الثاني أو يصيب الثاني مذبحه فيحل وعلى الثاني ما خرق من جلده) إذا رمى صيدا فاثبته ثم رماه آخر فأصابه لم تخل رمية الاول من قسمين (أحدهما) ان تكون موجئة مثل ان ينحره أو يذبحه أو تقع في خاصرته أو قلبه فينظر في رمية الثاني فان كانت غير موجئة فهو حلال ولا ضمان على الثاني الا ان ينقصه برميه شيئا فيضمن ما نقصه وبالرمية الاولى صار مذبوحا، وان كانت رمية الثاني موجئة فقال القاضي وأصحابه يحل كالتي قبلها وهو مذهب الشافعي
ويجئ على قول الخرقي ان يكون حراما كما لو ذبح حيوان فغرق في ماء أو ولئ عليه شئ فقتله وقد ذكرناه (القسم الثاني) ان يكون جرح الاول غير موجئ فينظر في رمية الثاني فان كانت موجئة فهو محرم لما ذكرنا الا ان تكون رمية الثاني ذبحته أو نحرته (فصل) فان لم تكن جراحة الثاني موجئة فله ثلاث صور (أحدها) ان يذكى بعد ذلك فيحل (الثانية) لم يذك حتى مات فهو حرام لانه مات من جرحين مبيح ومحرم فحرم كما لو مات من جرح مسلم ومجوسي وعلى الثاني ضمان جميعه لان جرحه هو الذي حرمه فكان جميع الضمان عليه (الثانية) قدر على ذكاته فلم يذكه حتى مات فيحرم لمعنيين (أحدهما) أنه ترك ذكاته مع امكانه (الثاني) أنه مات من جرحين مبيح ومحرم ويلزم الثاني الضمان وفي قدره احتمالان (أحدهما) يضمن جميعه كالتي قبلها (الاحتمال الثاني) يضمن بقسط جرحه لان الاول إذا ترك الذبح مع إمكانه كان جرحه حاضرا أيضا بدليل ما لو انفرد وقتل الصيد فيكون الضمان منقسما عليهما، وذكر القاضي في قسمه عليهما ان يقسط ارش جرح الاول وعلى الثاني ارش جراحته ثم يقسم ما بقي من القيمة بينهما نصفين، وفرض
المسألة في صيد قيمته عشرة دراهم نقصه جرح الاول درهما ونقصه جرح الثاني درهما فعليه درهم
ويقسم الباقي وهو ثمانية بينهما نصفين فيكون على الثاني خمسة دراهم درهم بالمباشرة وأربعة بالسراية وتسقط حصة الاول وهي خمسة، وان كان ارش جرح الثاني درهمين لزماه ويلزمه نصف السبعة الباقية ثلاثة ونصف وذلك خمسة ونصف وتسقط حصة الاول اربعة ونصف، فان كانت جنايتهما مملوكة لغيرهما قسم الضمان عليهم كذلك، قال شيخنا: ويتوجه على هذه الطريقة انه سوى بين الجنايتين مع ان الثاني جنى عليه وقيمته دون قيمته يوم جنى عليه الاول وإن لم يدخل ارش الجناية في بدل النفس كما يدخل في الجناية على الآدمي قال شيخنا والجواب عن هذا ان كل واحد منهما انفرد باتلاف ما قيمته درهم وتساويا في اتلاف الباقي بالسراية وتساويا في الضمان وانما يدخل ارش الجناية في بدل النفس التي لا ينتقص بدلها باتلاف بعضها وهو الآدمي، أما البهائم فإذا جنى عليها جناية ارشها درهم نقص ذلك من قيمتها فإذا سرى إلى النفس اوجبنا ما بقي من قيمة النفس ولم يدخل الارش فيها وذكر أصحاب الشافعي في قسمة الضمان طرقا ستة (أصحها) عندهم ان يقال ان الاول اتلف نصف نفس قيمتها تسعة فيلزمه أربعة ونصف فيكون المجوع تسعة ونصفا وهي أقل من قيمته لانها عشرة فتقسم العشرة على تسعة ونصف فيسقط عن الاول ما يقابل اربعة ونصفا، ويتوجه على هذا ان كل
واحد منهما يلزمه أكثر من قيمة نصف الصيد حين جنى عليه، وان كانت الجراحات من ثلاثة فان كان الاول اثبته فعلى طريقة القاضي على كل واحد ارش جرحه وتقسم السراية عليهم اثلاثا وان كان المثبت له الثاني فجراحة الاول هدر لا عبرة بها والحكم في جرجي الآخرين كما ذكرنا وعلى الطريقة الاخرى الاول اتلف ثلث نفس قيمتها عشرة فيلزمه ثلاثة وثلث والثاني اتلف ثلثها وقيمتها تسعة فيلزمه ثلاثة (والثالث) اتلف ثلثها وقيمتها ثمانية فيلزمه درهمان وثلثان فمجموع ذلك تسعة تقسم عليها العشرة حصة كل واحد منهم ما يقابل ما اتلفه، وان اتلفوا شاة مملوكة لغيره ضمنوها كذلك (فصل) فان رمياه معا فقتلاه كان حلالا وملكاه لا نهما اشتركا في سبب الملك والحلل تساوى
الجرحان أو تفاوتا لان موته كان بهما فان كان أحدهما موجئا والآخر غير موجئ ولا يثبته مثله فهو لصاحب الجرح الموجئ لانه الذي اثبته وقتله، ولا شئ على الآخر لان جرحه كان قبل ثبوت ملك الاخر فيه وان اصابه أحدهما بعد صاحبه فوجدناه ميتا لم نعلم هل صار بالاول ممتنعا اولا؟ حل لان الاصل الامتناع ويكون بينهما لان ايديهما عليه، فان قال كل واحد منهما انا اثبته ثم قتلته أنت حرم لانهما اتفقا على تحريمه ويتخالفان لاجل الضمان، ان اتفقا على الاول منهما فادعى الاول أنه اثبته
ثم قتله الاخر وأنكر الثاني اثبات الاول له فالقول قول الثاني لان الاصل امتناعه ويحرم على الاول لاقراره بتحريمه والقول قول الثاني في عدم الامتناع مع يمينه، وان علمت جراحة كل واحد منهما نظر فيها فان علم ان جراحة الاول لا يبقى معها امتناع مثل ان كسر جناح الطير أو ساق الظبي فالقول قول الاول بغير يمين، وان علم أنه لا يزيل الامتناع مثل خدش الجلد فالقول قول الثاني وان احتمل الامرين فالقول قول الثاني لان الاصل معه وعليه اليمين لان ما ادعاه الاول محتمل * (مسألة) * (وان ادرك الصيد متحركا كحركة المذبوح فحكمه حكم الميت لا يحتاج إلى ذكاة) لان عقره كذكاته، ومتى أدركه ميتا حل بشروط أربعة (أحدها) ان يكون من أهل الذكاة وهو ان يكون مسلما عاقلا أو كتابيا فان كان وثنيا أو مجوسيا أو مرتدا أو من غير المسلمين وأهل الكتاب أو مجنونا لم يبح صيده لان الاصطياد اقيم مقام الذكاة والجارح مقام الآلة كالسكين وعقره للحيوان بمنزلة افراء الاوداج قال النبي صلى الله عليه وسلم " فان أخذ الكلب له ذكاة " والصائد بمنزلة المذكي فتشترط الاهلية فيه
(فصل) فاما ما لا يفتقر إلى الذكاة كالحوت والجراد فيباح إذا صاده المجوسي ومن لا تباح ذبيحته وقد أجمع على ذلك أهل العلم غير ان مالكا والليث وأبا ثور شذوا عن الجماعة وافرطوا فقال مالك والليث لا نرى ان يؤكل الجراد إذا صاده المجوسي ورخصا في السمك، واباح أبو ثور صيد المجوسي وذبيحته وقد ذكرنا ذلك في باب الذكاة
* (مسألة) * (فان رمى مسلم ومجوسي صيدا أو ارسلا عليه جارحا أو شارك كلب المجوسي كلب المسلم في قتله لم يحل، وان اصاب أحدهما المقتل دون الآخر حل ويحتمل أن لا يحل) متى رمى مسلم ومجوسي أو من ليس من أهل الذكاة صيدا أو ارسلا عليه جارحا فمات بذلك لم يحل لانه اجتمع في قتله مبيح ومحرم فغلب التحريم كالمتدلد بين ما يؤكل وبين مالا يؤكل، وكذلك ان شارك كلب المجوسي كلب المسلم في قتله لما ذكرنا ولان الاصل الحظر، والحل موقوف على شرط وهو ان يذكيه من هو من أهل الذكاة أو صيده الذي حصلت التذكية به ولم يتحقق ذلك وكذلك ان رمياه بسهميهما فاصاباه فمات لما ذكرناه ولا فرق بين ان يقع سهماهما فيه دفعة واحدة أو يقع أحدهما قبل الآخر، فان اصاب احدهما مقتله دون الاخر مثل ان يكون قد عقره (1) عقرا موحيا مثل ان ذبحه أو جعله في حكم المذبوح ثم اصابه الثاني وهو غير موح ويجئ، على قول الخرقي ان لا يباح فانه قال
__________
(1) هذا نقص ونصه مذبوح فيكون الحكم للاول فان كان الاول المسلم أبيح وان كان المجوسي لم يبح وان كان الثاني موحيا أيضا فقال أكثر أصحابنا الحكم للاول أيضا لان الاباحة حصلت به فأشبه ما لو كان الثاني غير اه من المعني
إذا ذبح فأتى على المقاتل فلم تخرج الروح حتى وقعت في الماء لم تؤكل ولان الروح خرجت بالجرحين فاشبه ما لو جرحاه معا وان كان الاول ليس بموح فالحكم للثاني في الحظر والاباحة (فصل) فان ارسل مسلمان كلبيهما على صيد وسمى احدهما دون الآخر وكان احد الكلبين غير معلم فقتلا صيدا لم يحل، وكذلك ان ارسل كلبه المعلم فاستهل معه معلم اخر بنفسه فقتلا الصيد في قول اكثر اهل العلم منهم ربيعة ومالك والشافعي وابو ثور واصحاب الرأي وقال الاوزاعي يحل ههنا ولنا أن ارسال الكلب على الصيد شرط لما نذكره ولم يوجد في أحدهما.
(فصل) إذا أرسل جماعة كلابا وسموا فوجدوا الصيد قتيلا لا يدرون من قتله حل أكله فان اختلفوا في قاتله وكانت الكلاب متعلقة به فهو بينهم على السواء لان الجميع مشتركة في امساكه فأشبه ما لو كان في أيدي الصيادين وعبيدهم، وان كان البعض متعلقا به دون باقيها فهو لمن كلبه معلق
به وعلى من حكمنا له به اليمين في المسئلتين، لان دعواه محتملة فكانت اليمين عليه كصاحب، اليد وان كان قتيلا والكلاب ناحية وقف الامر حتى يصطلحوا ويحتمل أن يقرع بينهم فمن قرع صاحبه حلف وكان له، وهذا قول أبي ثور قياسا على ما لو تداعيا دابة في يد غيرهما وعلى الاول إذا خيف فساده قبل اصطلاحهم عليه باعوه ثم اصطلحوا على ثمنه.
* (مسألة) * (وان رد كلب المجوسي إلى كلب المسلم فقتله حل أكله) وهذا قول الشافعي وأبي ثور وقال أبو حنيفة لا يحل لان كلب المجوسي عاون في اصطياده فأشبه إذا عقره.
ولنا أن جارحة المسلم انفردت بقتله فابيح كما لو رمى المجوسي سهمه فرد الصيد فأصابه سهم المسلم فقتله أو أمسك مجوسي شاة فذبحها مسلم وبهذا يبطل ما قاله.
* (مسألة) * (وان صاد المسلم بكلب المجوسي حل صيده).
وعنه لا يحل صيد المسلم بكلب المجوسي في الصحيح من المذهب، وبه قال سعيد بن المسيب والحكم ومالك والشافعي وأبو ثور واسحاق وأصحاب الرأي وعنه لا يباح وكرهه جابر والحسن ومجاهد والنخعي والثوري لقول الله تعالى (وما علمتم من الجوارح) وهذا لم يعلمه وعن الحسن انه كره الصيد بكلب اليهودي والنصراني لهذه الآية.
ولنا انه آلة صاد بها المسلم فحل صيده كالقوس والسهم، وقال ابن المسيب هو بمنزلة شفرته والآية دلت على إباحة الصيد بما علمناه وما علمه غيرنا فهو فيثبت الحكم بالقياس الذي ذكرناه، يحققه أن التعليم انما أثر في جعله آلة ولا تشترط الاهلية في ذلك هنا كعمل القوس والسهم وانما أثر فيما أقيم مقام الزكاة وهو ارسال الآلة من الكلب والسهم وقد وجد الشرط هنا.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: