الفقه الحنبلي - الصيد بواسطة الكلاب
* (مسألة) * (وان صاد المجوسي بكلب المسلم لم يحل صيده في قول الجميع) * (مسألة) * (وان ارسل المسلم كلبا فزجره المجوسي حل صيده لان الصائد هو المسلم وان ارسله مجوسي فزجره مسلم لم يحل
لان الصائد هو المجوسي).
(فصل) الثاني الآلة وهي نوعان: محدد فيشترط له ما يشترط لآلة الذكاة ولابد أن يجرحه
فان قتله بثقله لم يحل لانه وقذ فيدخل في عموم قوله تعالى (والموقوذة) * (مسألة) * (وان أصاب بالمعراض اكل ما قتل بحده دون عرضه) المعراض عود محدد وربما جعل في رأسه حديدة.
قال احمد المعراض يشبه السهم يحذف به الصيد فربما اصاب الصيد بحده فخرق وقتل فيباح.
وربما اصاب بعرضه فقتل بثقله فيكون موقوذا فلا يباح وهذا قول علي وسليمان وعمار وابن عباس وبه قال النخعي والحكم ومالك والثوري والشافعي وابو حنيفة واسحاق وابو ثور وقال الاوزاعي والحكم واهل الشام يباح ما قتل بحده وعرضه وقال ابن عمر ما رمي من الصيد بحلاهق أو معراض فهو من الموقوذة وبه قال الحسن.
ولنا ما روى عدي بن حاتم قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض فقال " ما خرق فكل وما قتل بعرضه فهو وقيذ فلا تأكل " متفق عليه، وهذا نص صريح ولان ما قتل بحده بمنزلة ما طعنه برمحه أو رماه بسهمه، ولانه محدد خرق وقتل بحده وما قتل بعرضه انما يقتله بثقله فهو موقوذ كالذي رماه بحجر أو بندق ويحمل قول ابن عمر في تحريم ما قتل بالمعراض على ما قتل بعرضه ولانه شبهه بالبندق.
(فصل) وحكم آلات الصيد حكم المعراض في أنها إذا قتلت بعرضها ولم تجرح لم يبح الصيد كالسهم يصيب الطائر بعرضه فيقتله أو الرمح والحربة والسيف يضرب به صفحا فيقتل فكل ذلك حرام، وكذا ان أصاب بحده فلم يجرح وقتل بثقله لم يبح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما خرق فكل " ولانه إذا لم يجرحه فانما يقتل بثقله فأشبه ما أصاب بعرضه.
* (مسألة) * (وان نصب مناجل أو سكاكين وسمى عند نصبها فقتلت صيدا أبيح فان بان منه عضو فحكمه حكم البائن بضربة الصائد على ما نذكره).
وروي نحو هذا عن ابن عمر وهو قول الحسن وقتادة، وقال الشافعي لا يباح بحال لانه لم يذكه أحد وانما قتلت المناجل بنفسها ولم يوجد من الصائد إلا السبب فجرى ذلك مجرى من نصب سكينا
فذ بحث شاة ولانه لو رمى سهما وهو لا يرى صيدا فقتل صيدا لم يحل فذا أولى ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " كل ما ردت عليك يدك " ولانه قصد قتل الصيد بما له حد جرت العادة بالصيد به أشبه ما ذكرنا والتسبب يجري مجرى المباشرة في الضمان فكذلك في إباحة الصيد، وفارق ما إذا نصب سكينا فان العادة لم تجر بالصيد بها وإذا رمى سهما ولم يرم صيدا فليس ذلك بمعتاد والظاهر انه لا يصيب صيدا فلم يصح قصده بخلاف هذا.
* (مسألة) * (وإذا قتله بسهم مسموم لم يبح إذا غلب على الظن أن السم أعان على قتله) إنما كان كذلك لان ما قتله السم محرم وما قتله السهم مباح فإذا مات بسبب مباح ومحرم حرم كما لو مات بسهمي مسلم، فأما ان علم أن السم لم يعن على قتله لكون السهم أوحى منه فهو مباح.
* (مسألة) * (وان رماه فوقع في ماء أو تردى من جبل أو وطئ عليه شئ فقتله لم يبح إلا أن تكون الجراح موحية كالذكاة فهل يحل؟ على روايتين).
إذا وقع في ماء يقتله مثله أو تردى ترديا يقتله مثله فلا يحل إذا لم تكن الجراح موحية فان كانت الجراح موحية كالذكاة ففيه روايتان (احداهما) لا يحل وهو الذي ذكره الخرقي، وهي المشهورة عن أحمد وهو ظاهر قول ابن مسعود وعطاء وأصحاب الرأي (والرواية الثانية) يحل وهو قول أكثر أصحابنا المتأخرين ولا يضر وقوعه في الماء ولا ترديه، هو قول الشافعي ومالك والليث وقتادة وأبي ثور لان هذا صار في حكم الميت بالذبح فلا يؤثر فيه ما أصابه.
ووجه الاولى قوله عليه الصلاة والسلام " وان وجدته غريقا في الماء فلا تأكل " ولانه يحتمل أن الماء أعان على خروج روحه فصار بمنزلة ما لو كانت الجراحة غير موحية ولا خلاف في تحريمه إذا كانت الجراح غير موحية، فاما ان وقع في الماء على وجه لا يقتله مثل أن يكون رأسه خارجا من الماء أو يكون من طير الماء الذي لا يقتله الماء أو كان التردي لا يقتل مثل ذلك الحيوان فلا خلاف في إباحته، لان قول النبي صلى الله عليه وسلم
" وان وجدته غريقا في الماء فلا تأكله " يقتضي أن يغرق جميعه، ولان الوقوع في الماء والتردي
إنما حرم خشية أن يكون قاتلا أو معينا على القتل وهذا منتف فيما ذكرناه * (مسألة) * (فان رماه في الهواء فوقع على الارض فمات حل) إذا رمى طائرا في الهواء أو على شجرة أو جبل فوقع على الارض فمات به حل وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقال مالك لا يحل إلا أن تكون الجراح موحية أو يموت قبل سقوطه وحكي ابن أبي موسى عن أحمد رواية نحو ذلك لقوله تعالى (والمتردية) ولانه اجتمع المبيح والحاظر فغلب الحاظر كما لو غرق.
ولنا أنه صيد سقط بالاصابة سقوطا لا يمكن الاحتراز عن سقوطه عليه فوجب أن يحل كما لو أصاب الصيد فوقع على جنبه ويخالف ما ذكروه فان الماء يمكن التحرز عنه بخلاف الارض.
* (مسألة) * (وان رمى صيدا فغاب ثم وجده ميتا لا اثر به غير سهمه حل وعنه ان كانت الجراح موحية حل وإلا فلا وعنه ان جده في يومه حل وإلا فلا وان وجد به غير أثر سهمه مما يحتمل انه اعان على قتله لم يبح)
متى رمى صيدا فغاب عن عينه فوجده ميتا وسهمه فيه لا أثر به غيره حل أكله.
هذا المشهور عن أحمد وكذلك لو ارسل كلبه على صيد فغاب عن عينه ثم وجده ميتا ومعه كلبه حل وهذا قول الحسن وقتادة عن أحمد ان كانت الجراح موحية حل والا فلا لانها إذا كانت موحية لم يتأخر الموت عنها ولم تجز نسبة الموت إلى غيرها الا بوجود مثلها أو أوحى بخلاف غيرها، وعنه ان وجده في يومه حل والا فلا قال احمد ان غاب نهارا فلا بأس وان غاب ليلا لم يأكله وعن مالك كالروايتين وعن أحمد ما يدل على انه ان غاب مدة طويلة لم يبح وان كانت يسيرة أبيح قيل له ان غاب يوما؟ قال يوم كثير، ووجه ذلك قول ابن عباس إذا رميت فاقعصت فكل وان رميت فوجدت فيه سهمك من يومك أو ليلتك فكل وان غاب عنك ليلة فلا تأكل فانك لا تدري ما حدث به بعدك.
وكره عطاء والثوري أكل ما غاب وعن أحمد مثل ذلك وللشافعي فيه قولان لان ابن عباس قال: كل ما اصميت وما انميت فلا تأكل، قال الحكم الاصماء الاقعاص يعني انه يموت في الحال والانماء ان يغيب عنك يعني انه لا يموت في الحال قال الشاعر فهو لا تنمي رميته * ماله لا عد من نفره
وقال أبو حنيفة يباح ان لم يكن ترك طلبه وان تشاغل عنه ثم وجده لم يبح
ولنا ما روى عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به الا أثر سهمك فكل، وان وجدته غريقا في الماء فلا تأكل " متفق عليه، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله افتني في سهمي قال " ما رد عليك سهمك فكل " قال وان تغيب عني؟ قال " وان تغيب عنك ما لم تجد فيه اثرا غير سهمك أو تجده قد صل " رواه أبو داود وعن أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " إذا رميت الصيد فادركته بعد ثلاث وسهمك فيه فكله ما لم ينتن " ولان جرحه سبب إباحته وقد وجد يقينا والمعارض له مشكوك فيه فلا نزول عن اليقين بالشك ولانه جده وسهمه فيه ولم يجد به أثرا آخر فاشبه ما لو لم يترك طلبه عند أبي حنيفة أو كما لو غاب نهارا أو مدة يسيرة أو كما لو لم يغب.
إذا ثبت هذا فانه يشترط لحله شرطان (احدهما) ان يجد سهمه فيه أو اثره ويعلم انه أثر سهمه لانه إذا لم يكن كذلك فهو شاك في وجود المبيح فلا يثبت بالشك (والثاني) ان لا يجد به أثرا غير أثر سهمه مما يحتمل انه أعان على قتله لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما لم تجد فيه اثرا غير سهمك " وفي لفظ " ان وجدت فيه اثر غير سهمك فلا تأكله فانك لا تدري أقتلته أنت أو غيرك " رواه الدارقطني وفي لفظ " إذا وجدت فيه سهمك ولم يأكل منه سبع فكل منه " رواه النسائي وفي حديث عدي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " فان رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به الا أثر سهمك فكل وان وقع في
الماء فلا تأكل " رواه البخاري ولانه إذا وجد به أثرا يصلح ان يكون قد قتله أو أعان على قتله فقد تحقق المعارض فلم يبح كما لو جد مع كلبه كلبا سواه، فأما ان كان الاثر مما لا يقتل مثله مثل أكل حيوان ضعيف كالسنور والثعلب من حيوان قوي فهو مباح لان هذا يعلم انه لم يقتله فهو كما لو تهشم من وقعته * (مسألة) * (وان ضربه فأبان منه عضو أو بقيت فيه حياة مستقرة لم يبح ما أبان منه وان بقي معلقا بجلده حل وان أبانه ومات في الحال حل الجميع وعنه لا يباح ما أبان منه) وجملة ذلك انه إذا رمى صيدا أو ضربه فأبان منه بعضه لم يخل من ثلاثة أقسام (احدها) ان يقطعه
قطعتين أو يقطع رأسه فيحل جميعه سواء كانت القطعتان متساويتين أو متفاوتتين وبهذا قال الشافعي وروي ذلك عن عكرمة والنخعي وقتادة، قال أبو حنيفة ان كانتا متساويتين أو التي مع الرأس أقل حلتا وإن كانت الاخرى أقل لم تحل وحل الرأس وما معه لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما أبين من حي فهو ميت " ولنا أنه جزء لا تبقى الحياة مع فقده فأبيح كما لو تساوت القطعتان (والثاني) ان يبين منه عضو وتبقى فيه حياة مستقرة فالبائن محرم بكل حال سواء بقي الحيوان حيا أو أدركه فذكاه أو رماه
بسهم آخر فقتله الا أنه ان ذكاه حل بكل حال دون ما أبان منه، وان ضربه في غير مذبحه فقتله نظرت، فان لم يكن اثبته بالضربة الاولى حل دون ما أبان منه، وان كان اثتبه لم يحل شئ منه لان ذكاة المقدور في الحلق واللبة (الثالث) أبان منه عضوا ولم تبق فيه حياة مستقرة ففيها روايتان (اشهرهما) عن أحمد إباحتها قال أحمد انما حديث النبي صلى الله عليه وسلم " ما قطعت من الحي ميتة إذا قطعت وهي حية تمشي وتذهب " اما إذا كانت البينونة والموت جميعا أو بعده بقليل إذا كان في علاج الموت فلا باس به الا ترى الذي يذبح ربما مكث ساعة وربما مشى حتى يموت، وهذا مذهب الشافعي وروي ذلك عن علي وعطاء والحسن وقال قتادة وابراهيم وعكرمة ان وقعا معا أكلهما وان مشى بعد قطع العضو اكله ولم يأكل العضو (والرواية الثانية) لا يباح ما بان منه وهو مذهب ابي حنيفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما ابين من حي فهو ميت " ولان هذه البينونة لا تمنع بقاء الحيوان في العادة فلم يبح أكل البائن كما لو أدركه الصياد وفيه حياة مستقرة والاولى المشهورة لان ما كان ذكاة لبعض الحيوان كان ذكاة لجميعه كما لو قده نصفين والخبر يقتضي ان يكون الباقي حيا حتى يكون المنفصل منه ميتا وكذا نقول قال فان بقي معلقا بجلده حل رواية واحدة ذكره أبو الخطاب لانه لم يبن
(فصل) قال أحمد ثنا هشيم عن منصور عن الحسن انه كان لا يرى بالطريدة بأسا كان المسلمون يفعلون ذلك في مغازيهم واستحسنه أبو عبد الله قال والطريدة الصيد يقع بين القوم فيقطع ذامنه بسيفه قطعة ويقطع الآخر أيضا حتى يؤتى عليه وهو حي قال وليس هو عندي الا ان الصيد يقع بينهم
لا يقدرون على ذكاته فيقطعونه قطعا * (مسألة) * (وان اخذ قطعة من حوت وافلت حيا أبيح ما أخذ منه) لان أقصى ما فيه انه ميت وميتته حلال لقوله عليه الصلاة والسلام في البحر " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " * (مسألة) * (وأما ما ليس بمحدد كالبندق والعصي والحجر والشبكة والفخ فلا يباح ما قتل به) لانه وقيذ أما ما قتلته الشبكة والحبل فهو محرم لا نعلم فيه خلافا الا عن الحسن انه مباح إذا قتله الحبل إذا سمى فدخل فيه وجرحه وهذا قول شاذ يخالف عوام اهل العلم ولانه قتل بما ليس له حد اشبه ما قتله بالبندق (فصل) فأما ما قتل البندق والحجر الذي لا حد له فلا يؤكل وهذا قول عامة الفقهاء فأما الحجر المحدد كالصوان فهو كالمعراض ان قتل بحده ابيح وان قتل بعضره أو ثقله فهو وقيذ لا يباح قال
ابن عمر في المقتولة بالبندق: تلك الموقوذة وكره ذلك سالم والقاسم ومجاهد وعطاء والحسن وابراهيم ومالك والثوري والشافعي وأبو ثور.
ورخص فيما قتل بها ابن المسيب أيضا وعمار وعبد الرحمن ابن أبي ليلى ولنا قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة - إلى قوله - والموقوذة) وروى سعيد باسناده عن ابراهيم عن عدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولا تأكل من البندقة الا ما ذكيت " وقال عمر رضي الله عنه ليتق أحدكم ان يحذف الارنب بالعصا والحجر ثم قال ولتذك لكم الاسل الرماح والنبل.
إذا ثبت هذا فسواء شدخه أو لم يشدخه حتى لو رماه ببندقة فقطعت حلقوم طائر ومريئه أو أطارت رأسه لم يحل ومثله لو فعل ذلك بحجر غير محدد (فصل) أجمع أهل العلم على تحريم صيد المجوسي إذا لم يذكه من هو من أهل الذكاة الا مالا ذكاة له كالسمك والجراد، الا ان مالكا والليث وأبا ثور شذوا عن الجماعة وأفرطوا، فاما مالك والليث فقالا لا نرى يؤكل الجراد إذا صاده المجوسي ورخصا في السمك، وأبا ثور اباح صيده لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " وهذا قول يخالف الاجماع فلا عبرة به والحديث انما أريد به قبول الجزية منهم لا تحليل ذبائحهم ونسائهم لمخالفته الاجماع
(النوع الثاني) الجارحة فيباح ما قتلته ان كانت معلمة الا الكلب الاسود البهيم فلا يباح صيده، ولا خلاف في اعتبار شرط التعليم في الجارحة لقوله تعالى (وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما امسكن عليكم) فاما الكلب الاسود البهيم فلا يباح صيده، والبهيم الذي لا يخالط لونه لون سواه قال أحمد الذي ليس فيه بياض قال ثعلب وابراهيم الحربي كل لون لم يخالطه لون آخر فهو بهيم قيل لهما من كل لون؟ قال نعم، وممن كره صيده الحسن والنخعي وقتادة واسحاق قال احمد ما اعرف أحدا يرخص فيه يعني من السلف واباح صيده أبو حنيفة ومالك والشافعي لعموم الآية والخبر والقياس على غيره من الكلاب ولنا أنه كلب محرم اقتناؤه فلم يبح صيده كغير المعلم ودليل تحريم اقتنائه قول النبي صلى الله عليه وسلم " فاقتلوا منها كل أسود بهيم " رواه سعيد وغيره وروى مسلم في صحيحه باسناده عن عبد الله بن المغفل قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم نهى عن قتلها فقال " عليكم بالاسود البهيم ذي النكتتين فانه شيطان " فأمر بقتله وما وجب قتله حرم اقتناؤه وتعليمه فلم يبح صيده كغير المعلم ولان النبي صلى الله عليه وسلم سماه شيطانا ولا يجوز اقتناء الشيطان، واباحة الصيد المقتول رخصة فلا تستباح بمحرم
كسائر الرخص والعمومات مخصوصة بما ذكرناه، وان كان فيه نكتتان فوق عينيه لم يخرج بذلك عن كونه بهيما لما ذكرنا من الخبر * (مسألة) * (والجوارح نوعان ما يصيد بنابه كالكلب والفهد فتعليمه بثلاثة أشياء، ان يسترسل إذا ارسل وينزجر إذا زجر وإذا أرسل لم يأكل) * (مسألة) * (ولا يعتبر تكرر ذلك منه) هذا قول الشريف أبي جعفر وأبي الخطاب بل يحصل ذلك بالمرة لانه تعلم صنعة فلا يعتبر فيه التكرار كسائر الصنائع، وقال القاضي يعتبر تكرار ذلك منه مرة بعد اخرى حتى يصير معلما في العرف وأقل ذلك ثلاث وهو قول أبي يوسف ومحمد ولم يقدر أصحاب الشافعي عدد المرات لان التقدير بالتوقيف ولا توقيف في هذا بل قدره بما يصير به في العرف معلما، وحكي عن أبي حنيفة أنه إذا
تكرر مرتين صار معلما لان التكرار يحصل بمرتين وانما اشترطنا التكرار لان تركه للاكل يحتمل ان يكون لشبع ويحتمل ان يكون لتعليم فلا يتميز ذلك الا بالتكرار وما اعتبر فيه التكرار
اعتبر ثلاثا كالمسح في الاستحمار والاقرار والشهود في العدة والغسلات في الوضوء.
ويفارق الصنائع فانه لا يتمكن من فعلها الا من تعلمها فإذا فعلها علم أنه تعلمها وعرفها، وترك الاكل ممكن الوجود من المتعلم وغيره فيوجد من الصنفين جميعا فلا يتميز به أحدهما من الاخر حتى يتكرر (فصل) قد ذكرنا ان ترك الاكل شرط لكون الجارح المذكور معلما وحكي عن ربيعة ومالك أنه لا يشترط ترك الاكل لما روى أبو ثعلبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا ارسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل وان أكل " ذكره الامام أحمد ورواه أبو داود ولنا ان العادة في المعلم ترك الاكل فاعتبر شرطا كالانزجار إذا زجر وحديث أبي ثعلبة معارض بما روي عدي بن حاتم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فان أكل فلا تأكل فاني اخاف ان يكون انما امسك على نفسه " وهذا اولى بالتقديم لانه اصح وهو متفق عليه ولانه متضمن للزيادة وهو ذكر الحكم معللا ثم ان حديث أبي ثعلبة محمول على جارحة ثبت تعليمها لقوله " إذا ارسلت كلبك المعلم " ولا يثبت التعليم حتى يترك الاكل، إذا ثبت هذا فان الانزجار بالزجر انما يعتبر قبل إرساله على الصيد أو رؤيته أما بعد ذلك فانه لا يعتبر الانزجار بحال قال شيخنا ولا أحسب هذه الخصال تعتبر في
غير الكلب فانه الذي يجيب صاحبه إذا دعاه وينزجر إذا زجره والفهد لا يكاد يجيب داعيا وان عد متعلما فيكون التعليم في حقه ترك الاكل خاصة أو بما يعده به أهل العرف معلما * (مسألة) * (فان أكل بعد تعلمه لم يحرم ما تقدم من صيده ولم يبح ما اكل منه في احدى الروايتين والاخرى يحل) أصح الروايتين ان ما اكل منه لا يباح ويروى ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وبه قال عطاء وطاوس وعبيد بن عمير والشعبي والنخعي وسويد بن عفلة وأبو بردة وسعيد بن جبير وعكرمة
والضحاك وقتادة واسحاق وأبو حنيفة وأصحابه (والثانية) يباح روي ذلك عن سعد بن أبي وقاص وسلمان وأبي هريرة وابن عمر حكاه عنهم الامام احمد وبه قال مالك وللشافعي قولان كالمذهبين واحتج من أباحه بعموم قوله تعالى (فكلوا مما امسكن عليكم) ولحديث أبي ثعلبة ولانه صيد جارح معلم فابيح كما لو لم يأكل فان الاكل يحتمل ان يكون لفرط جوع أو غيظ على الصيد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم " إذا ارسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل مما امسك عليك " قلت وان قتل؟ قال " وان قتل الا ان يأكل الكلب فان أكل فلا
تأكل فاني اخاف ان يكون انما امسك على نفسه " متفق عليه ولان ما كان شرطا في الصيد الاول كان شرطا في سائر صيوده كالارسال والتعليم فاما الآية فلا تتناول هذا الصيد لانه قال (مما أمسكن عليكم) وهذا انما امسك على نفسه واما حديث أبي ثعلبة فقال احمد يختلفون عن هشيم فيه وحديثنا اصح لانه متفق عليه وحديث عدي أضبط ولفظه ابين لانه ذكر الحكم والعلة، قال احمد حديث الشعبي عن عدي من أصح ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الشعبي يقول كان جاري وربيطي فحدثني والعمل عليه ويحتمل أنه أكل منه بعد ان قتله وانصرف عنه (فصل) ولا يحرم ما تقدم من صيده في قول أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة يحرم لانه لو كان معلما ما اكل ولنا عموم الآية والاخبار وانما خص ما أكل منه ففيما عداه يجب العمل بالعموم ولان اجتماع شروط التعليم حاصل فوجب الحكم به ولهذا حكمنا بحل صيده فإذا وجد الاكل احتمل ان يكون لنسيان أو فرط جوع فلا يترك ما ثبت يقينا بالاحتمال
(فصل) ولا يحرم ما صاده الكلب بعد الصيد الذي أكل منه ويحتمل كلام الخرقي أنه يخرج عن ان يكون معلما فتعتبر له شروط التعليم ابتداء والاول اولى لما ذكرنا في صيده قبل الاكل
(فصل) فان شرب من دمه ولم يأكل منه لم يحرم نص عليه أحمد وبه قال عطاء والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وكرهه الشعبي والثوري لانه في معنى الاكل ولنا عموم الآية والاخبار وإنما خرج منه ما اكل منه لحديث عدي وهو قوله " فان اكل منه فلا تأكل " وهذا لم يأكل ولان الدم لا يقصده الصائد منه ولا ينتفع به فلا يخرج بشربه عن ان يكون ممسكا على صائده (فصل) وكل ما يقبل التعليم ويمكن الاصطياد به من سباع البهائم كالفهد وجوارح الطير فحكمه حكم الكلب في اباحة صيده قال ابن عباس في قوله تعالى (وما علمتم من الجوارح مكلبين) هي الكلاب المعلمة وكل طير تعلم الصيد والفهود والصقور واشباهها وبمعنى ذلك قال طاووس ويحيى ابن أبي كثير والحسن ومالك والثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي وأبو ثور وحكي عن ابن عمر ومجاهد انه لا يجوز الصيد الا بالكلب لقول الله تعالى (وما علمتم من الجوارح مكلبين) يعني علمتم من الكلاب
ولنا ما روي عن عدي قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال " إذا امسك عليك فكل " ولانه جارح يصاد به عادة ويقبل التعليم فاشبه الكلب، فاما الآية فان الجوارح الكواسب قال الله تعالى (ويعلم ما جرحتم) أي كسبتم وفلان جارحة أهله أي كاسبهم (مكلبين) من التكليب وهو الاغراء (النوع الثاني) ذو المخلب كالبازي والصقر والعقاب والشاهين فتعليمه بان يسترسل ويجيب إذا دعي ولا يعتبر ترك الاكل، فعلى هذا يباح صيده وان أكل منه وبهذا قال ابن عباس واليه ذهب النخعي وحماد والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ونص الشافعي على أنه كالكلب في تحريم ما أكل منه من صيده، لان مجالدا روى عن الشعبي عن عدي عن النبي صلى الله عليه وسلم " فان أكل الكلب والبازي
فلا تأكل " ولانه جارح أكل مما صاده عقيب قتله فأشبه سباع البهائم.
ولنا إجماع الصحابة فروي الخلاف باسناده عن ابن عباس قال: إذا أكل الكلب فلا تأكل
وان أكل الصقر فكل لانك تستطيع أن تضرب الكلب ولا تستطيع أن تضرب الصقر وقد ذكرنا عن أربعة من الصحابة إباحة ما أكل منه الكلب وخالفهم ابن عباس ووافقهم في الصقر ولم ينقل عن أحد في عصرهم خلافهم ولان جوارح الطير تعلم بالاكل ويتعذر تعليمها بترك الاكل فلم يقدح في تعليمها بخلاف الكلب والفهد، وأما الخبر فلا يصح برواية مجالد وهو ضعيف قال أحمد مجالد يضير القصة واحدة كم من أعجوبة لمجالد؟ والرواية الصحيحة تخالفه، ولا يصح قياس الطير على السباع لما بينهما من الفرق وعلى هذا كل ما امكن تعليمه والاصطياد به من جوارح الطير كالبازي والصقر والعقاب والباشق ونحوه حل صيدها على ما ذكرنا.
* (مسألة) * (ولابد أن يجرح الصيد فان قتله بصدمته أو خنقه لم يبح) قال الشريف وبه قال أكثرهم وقال ابن حامد يباح وهو قول للشافعي لعموم الآية والخبر.
ولنا أنه قتله بغير جرح أشبه ما لو قتله بالحجر والبندق، ولان الله تعالى حرم الموقوذة وهذا
كذلك وهو يخص ما ذكروه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما انهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل " يدل على أنه يباح ما لم ينهر الدم.
* (مسألة) * (وما أصابه فم الكلب هل يجب غسله؟ على وجهين) [ أحدهما ] لا يجب، لان الله تعالى ورسوله أمرا بأكله ولم يأمرا بغسله [ والثاني ] يجب لان نجاسته قد ثبتت فيجب غسل ما أصابه كبوله.
* (فصل) * قال رحمه الله (الثالث أن يرسل الآلة قاصدا للصيد فان استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح صيده وان زجره إلا أن يزيد عدوه بزجره فيحل، وبهذا قال ربيعة ومالك والشافعي وأبو ثور واصحاب الرأي وقال عطاء والاوزاعي يؤكل صيده إذا جرح الصيد، وقال اسحاق إذا
سمى عند انفلاته أبيح وروى باسناده عن ابن عمر أنه سئل عن الكلاب تنفلت من مرابضها فتصيد الصيد قال إذا ذكر اسم الله فكل قال اسحاق فهذا الذي اختار إذا لم يتعمد ارساله من غير اسم
الله عليه قال الخلال هذا قول أبي عبد الله.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أرسلت كلبك وسميت فكل، ولان ارسال الجارحة جعل بمنزلة الذبح ولهذا اعتبرت التسمية معه فان استرسل بنفسه فسمى صاحبه وزجره فزاد عدوه بزجره ابيح صيده، وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يباح وعن مالك كالمذهبين.
ولنا أن زجره أثر في عدوه فصار كما لو أرسله، لان فعل الآدمي إذا انضاف إلى فعل البهيمة كان الاعتبار بفعل الانسان بدليل أنه لو عدا على إنسان فأغراه آدمي فأصابه ضمن الآدمي، وان لم يزد عدوه بزجره لم يبح لانه لم يؤثر شيئا فهو كما لو لم يزجره
(فصل) وان أرسله بغير تسمية ثم سمى وزجره فزاد عدوه فظاهر كلام أحمد أنه يباح فانه قال إذا أرسل ثم سمى فانزجر أو أرسل وسمى فالمعنى قريب من السواء وظاهر هذا الاباحة لانه انزجر بتسميته وزجره فأشبه التي قبلها، وقال القاضي لا يباح لان الحكم يتعلق بالارسال الاول بخلاف ما إذا استرسل بنفسه ولانه لا يتعلق به حظر ولا إباحة.
* (مسألة) * (وان أرسل كلبه إلى هدف فقتل صيدا أو أرسله يريد الصيد ولا يرى صيدا لم يحل صيده إذا قتله) لان قصد الصيد شرط ولم يوجد وكذلك ان قصد إنسانا أو حجرا أو رمى عينا غير قاصد صيدا فقتله لم يحل لانه لم يقصد صيدا لكون القصد لا يتحقق إلا بعلمه، وبهذا قال الشافعي في الكلب وقال الحسن ومعاوية بن قرة يأكله لعموم الآية والخبر ولانه قصد الصيد فحل له ما صاده كما لو رآه ولنا أن قصد الصيد شرط ولا يصح مع عدم العلم فأشبه ما لو لم يقصد الصيد.
* (مسألة) * (فان رمى حجرا يظنه صيدا فأصاب صيدا لم يحل ويحتمل أن يحل ذكره أبو الخطاب) لانه لم يقصد شيئا على الحقيقة ويحتمل أن يحل اختاره شيخنا لانه قصد الصيد أشبه ما لو رآه، ولان صحة القصد تبنى على الظن وقد وجد وصح قصده فينبغي أن يحل صيده، فأما ان شك هل هو
صيد أم لا؟ وغلب على ظنه أنه ليس بصيد لم يبح، لان صحة القصد تنبني على العلم ولم يوجد ذلك.
(فصل) فان رأى سوادا أو سمع حسا فظنه آدميا أو بهيمة أو حجرا فرماه فقتله فإذا هو صيد لم يبح، وبهذا قال مالك ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة والشافعي يباح ان كان المرسل سهما ولا يباح ان كان جارحا واحتج من أباحه بعموم الآية والخبر، ولانه قصد الاصطياد وسمى فاشبه ما لو علمه صيدا.
ولنا انه لم يقصد فلم يبح كما لو رمى هدفا فاصاب صيدا أو كما في الجارح عند الشافعي وان ظنه كلبا أو خنزيرا لم يبح لذلك وقال محمد بن الحسن يباح لانه مما يباح قتله، ولنا ما تقدم
* (مسألة) * (وان رمى صيدا فقتل غيره أو رمى صيدا فقتل جماعة حل) إذا رمى صيدا فأصابه هو وغيره حلا جميعا والجارح في هذا بمنزلة السهم.
نص احمد على ذلك وبه قال الثوري وقتادة وأبو حنيفة والشافعي إلا أن الشافعي قال إذا أرسل الكلب على صيد فأخذ آخر في طريقه حل وان عدل عن طريقه إليه ففيه وجهان، وان ارسله على صيد فقتل غيره أبيح وقال مالك إذا أرسل كلبه على صيد بعينه فاخذ غيره لم يبح لانه لم يقصد صيده إلا ان يرسله على صيود فتفرق عن صغار فانها تباح إذا اخذها.
ولنا عموم قوله تعالى (فكلوا مما امسكن عليكم) وقوله عليه السلام " إذا ارسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل مما امسك عليك " وقوله عليه السلام " كل ما ردت عليك قوسك " ولانه ارسل آلة الصيد على صيد فحل ما صاده كما لو ارسلها على كبار فتفرقت عن صغار فاخذها عند مالك أو كما لو اخذ صيدا في طريقه عند الشافعي ولانه لا يمكن تعليم الجارح اصطياد واحد بعينه دون واحد فسقط اعتباره.
* (مسألة) * (وان أرسل سهمه على صيد فأعانته الريح فقتلته ولولاها ما وصل حل) لانه قتل الحيوان بسهمه ورميه فحل كما لو وقع سهمه في حجر فرده إلى الصيد فقتله
* (مسألة) * (وان رمى صيدا فاثبته ملكه، فان تحامل فأخذه غيره لزمه رده كما يلزمه رد الشاة) * (مسألة) * (وان لم يثبته فذخل خيمة إنسان فأخذه فهو لآخذه) لان الاول لم يملكه لكونه ممتنعا فملكه الثاني باخذه، ولو رمى طيرا على شجرة في دار قوم فطرحه في دارهم فأخذوه فهو للرامي دونهم لانه ملكه بازالة امتناعه.
* (مسألة) * (وان وقع صيد في شبكة انسان فخرقها وذهب بها فصاده آخر فهو للثاني) أما إذا تعلق صيد في شرك إنسان أو شبكته ملكه لانه أثبته بآلته ذكره أصحابنا فان أخذه انسان لزمه رده عليه لان آلته اثبتته فاشبه ما لو اثبته بسهمه وان لم تمسكه الشبكة بل انفلت منها في الحال أو
بعد حين لم يملكه لانه لم يثبته وان أخذ الشبكة وذهب بها فصاده انسان ملكه ويرد الشبكة على صاحبها دون الصائد لانه لم يثبته، وان كان يمشي بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع فهو لصاحبها لانها ازالت امتناعه، فاما ان امسكه الصائد وثبتت يده عليه ثم انفلت منه لم يزل ملكه عنه لانه امتنع منه بعد ثبوت ملكه عليه فلم يرد ملكه عنه.
كما لو شردت فرسه أو ند بعيره.
(فصل) فان اصطاد صيدا فوجد عليه علامة مثل قلادة في عنقه أو في اذنه قرطا لم يملكه لان الذي صاده ملكه فلا يزول ملكه بالانفلات، وكذلك ان وجد طائرا مقصوص الجناح ويكون لقطة فان قيل يحتمل ان الذي أمسكه أولا محرم لم يملكه أو انه أرسله على سبيل التخلية وازالة الملك عنه كالقاء الشئ التافه قلنا أما الاول فنادر وهو مخالف للظاهر لان ظاهر حال المحرم انه لا يصيد ما حرم الله تعالى عليه، وأما الثاني فخلاف الاصل فان الاصل بقاء ملكه عليه وما ذكروه محتمل فلا يزول الملك بالشك * (مسألة) * (ومن كان في سفينة فوثبت سمكة فوقعت في حجره فهي له دون صاحب السفينة) وذلك لان السمك من الصيد المباح فملك بالسبق إليه وهذه حصلت في يد الذي هي في حجره
وحجره له ويده عليه دون صاحب السفينة ألم تر انهما لو تنازعا كيسا في حجره كان أحق به من صاحب السفينة؟ كذا ههنا، فأما ان وقعت السمكة في السفينة فهي لصاحبها ذكره ابن أبي موسى
وهو مفهوم كلام الخرقي لان السفينة ملكه ويده عليها فما حصل من المباح فيها كان أحق به كحجره (فصل) فان كانت السمكة وثبت بفعل انسان لقصد الصيد كالصياد الذي يجعل في السفينة ضوأ بالليل وبدق بشئ كالجرس ليثب السمك في السفينة فهذا للصياد دون من وقع في حجره لان الصائد اثبتها بذلك فصار كمن رمى طائرا فألقاه في دار قوم وان لم يقصد الصيد بهذا بل حصل اتفاقا كانت لمن وقعت في حجرة * (مسألة) * (وان صنع بركة ليصيد بها السمك فما حصل فيها ملكه وان لم يقصد بها ذلك لم يملكه) كما لو توحل الصيد في أرضه وكذلك لو حصل في أرضه سمك من مد الماء، وان عشش فيها طائر لم يملكه ولغيره أخذه كما يجوز له أخذ الماء والكلا) * (مسألة) * (ويكره صيد السمك بالنجاسة) وهو أن يترك في الماء شئ نجس كالعذرة والميتة وشبههما ليأكله السمك ليصيد به، كره أحمد
ذلك وقال هو حرام لابصادبه وانما كره لما يتضمن من أكل السمك للنجاسة فيشبه الجلالة وسواء في هذا ما يتفرق كالدم ومالا يتفرق كقطعة من الميتة، وكره أحمد الصيد ببنات وردان وقال ان مأواها الحشوش وكره الصيد بالضفادع وقال نهي عن قتل الضفدع * (مسألة) * [ ويكره صيد الطير بالشباش ] وهو طير يخيط عينيه أو يربطه وكره أحمد الصيد بالخراطيم وكل شئ فيه روح لما فيه من تعذيب الحيوان فان صاده فالصيد مباح ولم ير بأسا بالصيد بالشبكة والشرك وبالدبق الذي يمنع الحيوان من الطيران وان يطعم شيئا إذا أكله سكر واخذ * (مسألة) * [ وان أرسل صيدا وقال أعتقتك لم يزل ملكه عنه ويحتمل ان يزول وهو لمن أخذه ] ظاهر المذهب انه لا يزول ملكه عنه بالارسال والاعتاق قاله أصحابنا كما لو أرسل البعير والبقرة ويحتمل ان يزول الملك لان الاصل الاباحة والارسال يرده إلى أصله ويفارق بهيمة الانعام من وجهين [ أحدهما ] ان الاصل ههنا الاباحة وبهيمة الانعام بخلافه (الثاني) ان الارسال ههنا يفيد وهو
رد الصيد إلى الخلاص من أيدي الآدميين وحبسهم ولهذا روي عن أبي الدرداء انه اشترى عصفورا من صبي فأرسله ولانه يجب ارسال الصيد عل المحرم إذا أحرم بخلاف بهيمة الانعام فان ارساله تضييع له وربما هلك إذا لم يكن له من يقوم به * (فصل) * قال رضي الله عنه (الرابع التسمية عند ارسال السهم أو الجارحة فقان تركها لم يبح سواء تركها عمدا أو سهوا في ظاهر المذهب وعنه ان نسيها على السهم أبيح وان نسيها على الجارحة لم يبح)
ظاهر المذهب ان التسمية شرط لاباحة الصيد وانها لا تسقط بالسهو وهو قول الشعبي وأبي ثور وداود وروى حنبل عن أحمد أن التسمية تسقط بالنسيان قال الخلال سها أحمد في نقله، وممن اباح متروك التسمية في النسيان دون العمد أبو حنيفة ومالك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لامتي عن الخطأ والنسيان " ولان ارسال الجارحة جرى مجرى التذكية فعفي عن النسيان فيه كالذكاة، وعن أحمد ان التسمية تشترط على ارسال الكلب والعمد والنسيان بخلاف السهم فان السهم آلة خفيفة وليس له اختيار فهو بمنزلة السكين بخلاف الحيوان فانه يفعل باختياره وقال الشافعي يباح متروك التسمية عمدا وسهوا لان البراء روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " المسلم يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم " وعن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قيل له أرأيت الرجل منا يذبح وينسى ان يسمي الله؟ فقال " اسم الله في قلب كل مسلم " وقد روي عن أحمد مثل ذلك ولنا قوله تعالى (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) وقال (فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه) وقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا ارسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل " قلت أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر؟ قال " لا تأكل فانك انما سميت على كلبك ولم تسم على الآخر " متفق عليه وفي لفظ " إذا خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن وقتلن فلا تأكل " وفي حديث أبي ثعلبة " وما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل " وهذه نصوص صحيحة فلا يعرج على ما خالفها وقوله " عفي لامتي عن
الخطأ والنسيان يقتضي نفي الاثم لا جعل الشرط المعدوم كالموجود بدليل ما لو نسي شرط الصلاة والفرق
بين الصيد والذبيحة ان الذبح وقع في محله فجاز ان يتسامح فيه بخلاف الصيد وأحاديث أصحاب الشافعي لم يذكرها أصحاب السنن المشهورة وان صحت فهي في الذبيحة ولا يصح قياس الصيد على الذبيحة لما ذكرنا مع ما في الصيد من النصوص الخاصة والله أعلم [ فصل ] إذا سمى الصائد على صيد فاصاب غيره حل وإن سمى على سهم ثم القاه وأخذ غيره فرمى به لم يبح ما صاد به لانه لما لم يمكن اعتبار التسمية على صيد بعينه اعتبرت على الآلة التي يصيد بها بخلاف الذبيحة ويحتمل ان يباح قياسا على ما لو سمى على سكين ثم ألقاها وأخذ غيرها وسقوط اعتبار تعيين الصيد لمشقته لا يقتضي اعتبار تعيين الآلة فلا يعتبر.
باب الذكاة * (مسألة) * (ولا يباح من الحيوان المقدور عليه بغير ذكاة الا الجراد وشبهه وسائر مالا يعيش الا في الماء فلا ذكاة له، وعنه في السرطان وسائر البحري أنه يباح بلا ذكاة) أما الحيوان المقدور عليه من الصيد والانعام فلا يباح الا بالذكاة بغير خلاف بين أهل العلم لقول الله تعالى (حرمت عليكم الميتة - إلى قوله - الا ما ذكيتم) فاما السمك وشبهه مما لا يعيش الا في
الماء فانه يباح بغير ذكاة لا نعلم في هذا خلافا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " وقد صح ان أبا عبيدة وأصحابه وجدوا على ساحل البحر دابة يقال لها العنبر فأكلوا منها شهرا حتى سمنوا وادهنوا فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبروه فقال " هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شئ تطعمونا؟ " متفق عليه (فصل) ولا فرق في ذلك بين ما مات بسبب أو بغير سبب لما ذكرنا من الحديثين وقد أجمع أهل العلم على اباحة ما مات بسبب مثل ان صاده انسان أو نبذه البحر أو جزر عنه وكذلك ما حبس في الماء بحظيرة حتى يموت فانه يحل، قال أحمد في الطافي يؤكل وما جزر عنه الماء أجود والسمك الذي نبذه البحر لم يختلف فيه، وانما اختلفوا في الطافي وليس به بأس وممن اباح الطافي من السمك أبو بكر الصديق وأبو أيوب رضي الله عنهما وبه قال مالك والشافعي وروي ذلك عن عطاء ومكحول والثوري
والنخعي وكره الطافي جابر وطاوس وابن سيرين وجابر بن زيد وأصحاب الرأي لما روي ان جابرا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه " رواه أبو داود ولنا قول الله تعالى (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة) وقال ابن عباس طعامه ما مات فيه وأيضا ما ذكر من الحديثين، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه الطافي حلال
ولانه لو مات في البر أبيح كالجراد واما حديث جابر فانما هو موقوف عليه وكذلك قال أبو داود رواه الثقات فأوقفوه على جابر وقد اسنه من وجه ضعيف فان صح فنحمله على نهي الكراهة لانه إذا مات رسب في أسفله فإذا انتن طفا فكرهه لنتنه لا لتحريمه.
* (مسألة) * (وعنه في السرطان وسائر البحري انه يحل بلا ذكاة) قال أحمد السرطان لا بأس به قيل له يذبح؟ قال لا وذلك ان مقصود الذبح انما هو اخراج الدم منه وتطيب اللحم بازالته عنه فما لا دم فيه لا حاجة إلى ذبحه، فان قلنا يذكى فذكاته ان يفعل به ما يموت فاما ما كان مأواه البحر وهو يعيش في البر من دواب البحر كطير الماء والسلحفاة وكلب الماء فلا يحل الا ان يذبح هذا الصحيح من المذهب، قال أحمد كلب الماء نذبحه ولا أرى بأسا بالسلحفاة إذا ذبح، والرق نذبحه وفيه رواية أخرى أنه يحل بغير ذكاة وذهب إليه قوم من أهل العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم في البحر " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ولانه من حيوان الماء فابيح بغير ذكاة كالسمك والسرطان وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه كل ما في البحر قد ذكاه الله لكم وروى الامام احمد باسناده عن شريح رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل شئ في البحر مذبوح " وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " ان الله سبحانه ذبح كل شئ في البحر لابن آدم " والاولى أصح فيما سوى السرطان لانه حيوان يعيش في البر له نفس سائلة فلم يبح بغير ذكاة كالطير، قال شيخنا ولا
خلاف فيما علمناه في الطير والاخبار محمولة على مالا يعيش الا في البحر كالسمك وشبهه لانه لا يتمكن من تذكيته لانه لا يذبح الا بعد اخراجه من الماء ومتى خرج مات
* (مسألة) * (وعنه في الجراد لا يؤكل الا ان يموت بسبب ككبه وتغريقه) لا خلاف في اباحة الجراد وقد روى عبد الله بن أبي أوفى قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد متفق عليه، ولا فرق بين أن يموت بسبب أو بغير سبب في قول عامة أهل العلم منهم الشافعي وأصحاب الحديث وأصحاب الرأي وابن المنذر، وعن أحمد إذا قتله البرد لم يؤكل وعنه لا يؤكل إذا مات بغير سبب وهو قول مالك ويروى عن سعيد بن المسيب ولنا عموم قوله عليه الصلاة والسلام " احلت لنا ميتتان ودمان فالميتتان السمك والجراد " رواه ابن ماجه ولم يفصل ولانه تباح ميتته فلم يعتبر له سبب كالسمك ولانه لو افتقر إلى سبب لافتقر إلى ذبح وآلة كبهيمة الانعام (فصل) يجوز أكل الجراد بما فيه وكذلك السمك يجوز ان يقلى من غير ان يشق جوفه وقال أصحاب الشافعي في السمك لا يجور لان رجيعه نجس ولنا عموم النص في اباحته وما ذكروه غير مسلم وان بلع انسان منه شيئا وهو حي كره لان فيه تعذيب الحيوان (فصل) وسئل احمد عن السمك يلقى في النار فقال ما يعجبني والجراد فقال ما يعجبني والجراد
اسهل فان هذا له دم، ولم يكره أكل السمك إذا ألقي في النار انما كره تعذيبه بالنار وأما الجراد فسهل في إلقائه لانه لا دم ولان السمك لا حاجة إلى القائه في النار لامكان تركه حتى يموت بسرعة، والجراد لا يموت في الحال بل يبقي مدة طويلة، وفي مسند الشافعي ان كعبا كان محرما فمرت به رجل من جراد فنسي وأخذ جرادتين فألقاهما في النار فشواهما وذكر ذلك لعمر فلم ينكر عمر تركهما في النار، وذكر له حديث ابن عمر كان الجراد يقلى له فقال انما يؤخذ الجراد فتقطع اجنحته فيلقى في الزيت وهو حي * (مسألة) * (ويشترط للذكاة شروط أربعة (أحدها) أهلية الذابح وهو أن يكون عاقلا مسلما أو كتابيا فتباح ذبيحته ذكرا كان أو أنثى وعنه لا تباح ذبيحة نصارى بني تغلب ولا من أحد أبويه غير كتابي) أجمع أهل العلم على إباحة ذبائح أهل الكتاب لقول الله تعالى (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) يعني ذبائحهم، قال البخاري قال ابن عبسا طعامهم ذبائحهم وكذلك قال مجاهد وقتادة
وروي معناه عن ابن مسعود وهذا قول مالك والشافعي واصحاب الرأي، ولا فرق بين العدم والفاسق من المسلمين واهل الكتاب وعن أحمد لا تباح ذبيحة الاقلف وروي عن ابن عباس، والصحيح اباحته فانه مسلم أشبه سائر المسلمين، وإذا أبيحت ذبيحة القاذف والزاني وشارب الخمر مع تحقق فسقه وذبيحة النصراني وهو كافر أقلف فالمسلم أولى (فصل) ولا فرق بين الحربي والذمي في إباحة ذبيحة الكتابي منهم وتحريم ذبيحة من سواه وسئل أحمد عن ذبائح نصارى أهل الحرب فقال لا بأس بها حديث عبد الله بن مغفل قال إسحاق أجاد قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من اهل العلم منهم مجاهد والثوري والشافعي واحمد واسحاق واصحاب الرأي ولا فرق بين الكتابي العربي وغيره إلا ان في نصارى العرب اختلافا ذكرناه في باب الجزية وسئل مكحول عن ذبائح نصارى العرب فقال اما بهرا وتنوخ فلا بأس
وأما بنو تغلب فلا خير في ذبائحهم لانه يروى عن علي رضي الله عنه وهو مذهب الشافعي ولا ذبائح العرب من اهل الكتاب كلهم، والصحيح اباحته لعموم الآية فيهم، فاما من أحد ابويه غير كتابي ممن لا تحل ذبيحته فقال اصحابنا لا تحل ذبيحته وبه قال الشافعي وإذا كان الاب كتابيا ففيه قولان (أحدهما) تباح وهو قول مالك وابي ثور (والثاني) لا تباح لانه وجد ما يقتضي الاباحة والتحريم فغلب ما يقتضي التحريم كما لو جرحه مسلم ومجوسي، وبيان وجود ما يقتضي التحريم ان كونه ابن مجوسي أو وثني يقتضي تحريم ذبيحته وعنه تباح ذبيحته مطلقا وهو قول ابي حنيفة لعموم النص ولانه كتابي يقر على دينه فتحل ذبيحته كما لو كان ابن كتابيين، فان كان ابن وثنيين أو مجوسيين فمقتضى قول اصحابنا والشافعي ومالك تحريمه، ومقتضى قول أبي حنيفة حله لان الاعتبار بدين الذابح لا بدين أبيه بدليل ان الاعتبار في قبول الجزية بذلك ولعموم النص والقياس * (مسألة) * (ولا تباح ذكاة مجنون ولا سكران ولا طفل غير مميز ولا مجوسي ولا وثني ولا مرتد) أما المجنون والطفل والسكران فلا تحل ذبيحتهم لانه لا يصح مع القصد أشبه ما لو ضرب انسانا بالسيف فقطع عنق شاة ولانه أمر يعتبر له الدين فاعتبر له العقل كالغسل وبهذا قال مالك وقال
الشافعي لا يعتبر العقل والاولى أولى لان الذكاة يعتبر لها العقل كالعبادة ومن لا عقل له لا يصح منه القصد فيصير ذبحه كما لو وقعت الحديدة بنفسها على حلق شاة فذبحتها (فصل) فأما ذكاة المجوسي فلا تحل في قول أهل العلم وشذ أبو ثور فأباح صيده وذبيحته لقول النبي صلى الله عليه وسلم " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " ولانهم يقرون بالجزية فتباح ذبيحتهم وصيدهم كاليهود والنصارى وهذا قول يخالف الاجماع فلا عبرة به قال ابراهيم الحربي خرق أبو ثور الاجماع، قال
احمد ههنا قوم لا يرون بذبائح المجوس بأسا ما أعجب هذا؟ يفرض بأبي ثور، وممن كره ذبائحهم ابن مسعود وابن عباس وعلي وجابر وابو بردة وسعيد بن المسيب وعكرمة والحسن بن محمد وعطاء ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير ومالك والثوري والشافعي واصحاب الرأي قال أحمد ولا اعلم أحدا يقول بخلافه إلا أن يكون صاحب بدعة ولان الله تعالى قال (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) فمفهومه تحريم طعام غيرهم من الكفار لانهم لا كتاب لهم فلم تحل ذبائحهم كأهل الاوثان، وقد روى الامام احمد باسناده عن قيس بن سكن الاسدي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انكم قد تركتم بفارس من النبط فإذا اشتريتم لحما فان كان من يهودي أو نصراني فكلوا وإن كان من ذبيحة مجوسي فلا تأكلوا " ولان كفرهم مع كونهم غير اهل كتاب يقتضي تحريم ذبائحهم ونسائهم بدليل سائر الكفار من غير اهل الكتاب وإنما أخذت منهم الجزية لان شبهة الكتاب تقتضي التحريم لدمائهم فلما غلبت في التحريم لدمائهم فوجب أن يغلب عدم الكتاب في تحريم الذبائح والنساء احتياطا للتحريم في الموضعين، ولانه اجماع فانه قول من سمينا ولا مخالف لهم في عصرهم ولا فيمن بعدهم إلا رواية عن سعيد بن المسيب روي عنه خلافها (فصل) وسائر الكفار من عبدة الاوثان والزنادقة وغيرهم حكمهم حكم المجوس في تحريم ذبائحهم قياسا عليهم بل هم شر من المجوس لان المجوس لهم شبهة كتاب بخلاف هؤلاء، قال احمد وطعام المجوس ليس به بأس أن يؤكل، وإذا أهدي إليه أن يقبل انما كره ذبائحهم أو شيئا فيه دسم.
يعني من اللحم ولم ير بالسمن والجبن بأسا، وسئل عما تصنع المجوس لامواتهم ويزمزمون عليهم
أياما عشرا ثم يقسمون ذلك في الجيران قال لا بأس بذلك وعن الشعبي قال كل مع المجوسي وإن
زمزم، وروى احمد ان سعيد بن جبير كان يأكل من كواميخ المجوس فأعجبه ذلك، وروى هشام عن الحسن انه كان لا يرى بأسا بطعام المجوس في المصر ولا بشواريزهم ولا بكواميخهم (فصل) ولا تباح ذبيحة المرتد وإن كانت ردته إلى دين اهل الكتاب وهذا قول مالك والشافعي واصحاب الرأي، وقال إسحاق إن تدين بدين اهل الكتاب حلت ذبيحته ويحكى ذلك عن الاوزاعي لان عليا رضي الله عنه قال: من تولى قوما فهو منهم ولنا انه كافر لا يقر على دينه فلم تحل ذبيحته كالوثني ولانه لا تثبت له احكام اهل الكتاب إذا تدين بدينهم فانه لا يقر بالجزية ولا يسترق ولا يحل له نكاح المرتدة، وأما قول علي فهو منهم لم يرد انه منهم في جميع الاحكام بدليل ما ذكرنا ولانه لم يكن يرى حل ذبائح نصارى بني تغلب ولا نكاح نسائهم مع توليهم للنصاري ودخولهم في دينهم ومع اقرارهم على ما صولحوا عليه فلا يعتقد ذلك في المرتدين.
إذا ثبت هذا فانه إذا ذبح حيوانا لغيره بغير اذنه ضمنه بقيمته حيا لانه أتلفه وحرمه ولا يضمنه إذا كان باذنه لانه أذن في اتلافه * (مسألة) * قال رحمه الله (الثاني الآلة وهو أن يذبح بمحدد سواء كان من حديد أو حجر أو قصب أو غيره إلا السن والظفر) الآلة لها شرطان (أحدها) أن تكون محددة تقطع أو تخرق بحدها لا بثقلها (والثاني) أن لا تكون سنا ولا ظفرا فإذا اجتمع هذان الشرطان في شئ حل الذبح به حديدا كان أو حجرا أو خشبا أو قصبا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر "
متفق عليه.
وعن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله ان أحدنا صاد صيدا وليس معه سكين أيذبح بالمروة وشقة العصا؟ فقال " امرر الدم بما شئت واذكر اسم الله عليه " والمروة الصوان، وعن رجل من بني حارثة انه كان يرعى لقحة فأخذها الموت فلم يجد شيئا ينحرها به فوجد وتدا فوجأها به في
لبتها حتى أهريق دمها ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلها رواهما أبو داود وبهذا قال الشافعي وإسحاق وأبو ثور ونحوه قول مالك وعمرو بن دينار وهو قول أبي حنيفة إلا في السن والظفر فانه قال إذا كانا متصلين لم يجز الذبح بهما وإن كان منفصلين جاز ولنا عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا إلا السن والظفر " ولان ما لم تجز الذكاة به متصلا لم تجز منفصلا كغير المحدد (فصل) فأما العظم غير السن فمقتضى اطلاق قول أحمد والشافعي وأبي ثور إباحة الذبح به وهو قول مالك وعمرو بن دينار وأصحاب الرأي وقال ابن جريج يذكي بعظم الحمار ولا يذكى بعظم القرد لانك تصلي على الحمار وتسقيه في جفنتك وعن أحمد لا يذكى بعظم ولا ظفر، وقال النخعي لا يذكى بالعظم والقرن.
ووجهه قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما انهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر وسأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة " فعلله بكونه عظما فكل عظم فقد وجدت فيه العلة والاول أصح ان شاء الله تعالى قاله شيخنا، لان العظم دخل في عموم اللفظ المبيح ثم استثنى السن والظفر خاصة فتبقى سائر العظام داخلة فيما يباح الذبح به والمنطوق مقدم على التعليل ولهذا علل الظفر بكونه من مدى الحبشة ولا يحرم الذبح بالسكين وان كانت مدية لهم ولان العظام يتناولها سائر الاحاديث العامة ويحصل بها المقصود فأشبهث سائر الآلات.
* (مسألة) * (فان ذبح بآلة مغصوبة حل في أصح الوجهين).
لان الذكاة وجدت ممن له أهلية الذبح أشبه ما لو ذبح شاة مغصوبة (والثاني) لا يحل له لانه منهي عنه لان الآلة محرمة فلم يحصل مقصودها كما لو استجمر بالروث والرمة.
* (فصل) * (الثالث أن يقطع الحلقوم والمرئ وعنه يشترط مع ذلك قطع الودجين) وجملة ذلك أن محل الذبح الحلق واللبة وهي الوهدة التي بين أصل العنق الصدر ولا يجوز الذبح في غير هذا المحل بالاجماع وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الذكاة في الحلق واللبة " وقال أحمد الذكاة في الحلق واللبة واحتج بحديث عمر وهو ما روى سعيد والاثرم باسنادهما عن الفرافصة
قال كنا عند عمر فنادى إن النحر في اللبة والحلق لمن قدر وانما نرى أن الذكاة اختصت بهذا المحل لانه مجمع العروق فينسفح الدم بالذبح فيه ويسرع زهوق النفس فيكون اطيب للحم وأخف على الحيوان قال أحمد لو كان حديث أبي العشراء حديثا يعني ما روى أبو العشراء عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أما تكون الزكاة إلا في الحلق واللبة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو طعنت في فخذها اجزأ عنك " قال أحمد أبو العشراء هذا ليس بمعروف.
إذا ثبت ذلك فيشترط قطع الحلقوم والمرئ، وبهذا قال الشافعي وعن أحمد رواية أخرى يشترط مع ذلك قطع الودجين، وبه قال مالك وأبو يوسف لما روى أبو هريرة قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان وهي التي تذبح فتقطع الجلد ولا تفري الاوداج ثم تترك حتى تموت رواه أبو داود، وقال أبو حنيفة يعتبر قطع الحلقوم والمرئ وأحد الودجين ولا خلاف في أن الاكمل قطع الاربعة الحلقوم والمرئ والودجين فالحلقوم مجرى النفس والمرئ مجرى الطعام والشراب والودجان هما عرقان محيطان بالحلقوم لانه اسرع لخروج روح الحيوان فيخف عليه ويخرج من الخلاف فيكون أولى والاول يجزئ لانه قطع في محل الذبح ما لا تبقى الحياة مع قطعه فأشبه ما لو قطع الاربعة والحديث محمول على من لم يقطع المرئ.
* (مسألة) * (وان نحره أجزأ وهو أن يطعنه بمحدد في لبته، ويستحب أن ينحر البعير ويذبح ما سواه) ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب نحر الابل وذبح ما سواها قال الله تعالى (فصل لربك وانحر) وقال تعالى (ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة) قال مجاهد أمرنا بالنحر وأمر بنو اسرائيل بالذبح فان النبي صلى الله عليه وسلم بعث في قوم ماشيتهم الابل فسن النحر وبنو إسرائيل ماشيتهم البقر فأمروا بالذبح وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بدنة وضحى بكبشين اقرنين ذبحهما بيده متفق عليه، والنحر أن يطعنها بحربة أو نحوها في الوهدة التي بين عنقها وصدرها.
(فصل) فان ذبح الابل ونحر ما سواها أجزأه وهذا قول اكثر اهل العلم منهم عطاء والزهري وقتادة ومالك والليث وابو حنيفة والشافعي واسحاق وابو ثور، وحكي عن داود أن الابل لا تباح إلا بالنحر ولا يباح غيرها إلا بالذبح لان الله تعالى قال (ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) والامر يقتضي
الوجوب وقال تعالى (فصل لربك وانحر) ولان النبي صلى الله عليه وسلم نحر البدن وذبح الغنم وإنما نأخذ الاحكام من جهته، وحكي عن مالك أنه لا يجزئ في الابل إلا النحر لان أعناقها طويلة فإذا ذبح تعذب بخروج روحه وحكى ابن أبي موسى عن احمد انه توقف عن أكل البعير إذا ذبح ولم ينحر قال ابن المنذر انما كرهه ولم يحرمه.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " امرر الدم بما شئت " وقالت اسماء نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكلناه ونحن بالمدينة متفق عليه، عن عائشة قالت نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بقرة واحدة ولانه ذكاة في محل الذكاة فجاز اكله كالحيوان الآخر.
(فصل) وتصح ذبيحة المرأة حرة كانت أو امة إذا أطاقت الذبح ووجدت الشروط وكذلك ذبح الصبي العاقل إذا أطاق حرا كان أو عبدا لا نعلم في هذا خلافا قال ابن المنذر اجمع كل من
نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة المرأة والصبي وقد روي أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع فأصيبت شاة منها فادركتها فذكتها بحجر فسئل النبي صلى الله عليه وسلم فقال " خذوها " متفق عليه وفي هذا الحديث فوائد سبع (أحدها) إباحة ذبيحة المرأة (والثانية) إباحة ذبيحة الامة (والثالثة) إباحة ذبيحة الحائض لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل (الرابعة) إباحة الذبح بالحجر (الخامسة) اباحة ذبح ما خيف عليه الموت (السادسة) حل ما يذبحه غير مالكه بغير اذنه (السابعة) اباحة ذبحه لغير مالكه * (مسألة) * (فان عجز عن ذلك اي عن قطع الحلقوم والمرئ مثل ان يند البعير أو يتردى في بئر فلا يقدر على ذبحه صار كالصيد إذا جرحه في أي موضع امكنه فقتله حل أكله إلا أن يموت بغيره مثل ان يكون رأسه في الماء فلا يباح) هذا قول أكثر الفقهاء وروي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وبه قال مسروق والحسن والاسود وعطاء وطاوس واسحاق والشعبي والحكم وحماد والثوري وابو حنيفة والشافعي وابو ثور وقال مالك لا يجوز اكله إلا أن يذكى وهو قول ربيعة والليث قال أحمد لعل مالكا لم يسمع حديث رافع بن خديج، واحتج مالك بان الحيوان الا نسي إذا توحش لم
يثبت له حكم الوحشي بدليل انه لا يجب على المحرم الجزاء بقتله ولا يصير الحمار الاهلي مباحا إذا توحش.
ولنا ما روى رافع بن خديج قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فند بعير وكان في القوم خيل يسيرة فطلبوه فاعياهم فاهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ان لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا " متفق عليه وحرب ثور في بعض دور الانصار فضربه رجل بالسيف وذكر اسم الله عليه فسئل عنه علي فقال ذكاة وحية فامر باكله، وتردى بعير في بئر فذكي من قبل شاكلته فبيع بعشرين درهما فأخذ ابن عمر عشره بدرهمين، ولان الاعتبار في الذكاة بحال
الحيوان وقت ذبحه لا باصله بدليل الوحشي إذا قدر عليه وجبت تذكيته في الحلق واللبة فكذلك الاهلي إذا توحش اعتبر بحاله وبهذا فارق ما ذكره، فإذا تردى فلم يقدر على تذكيته فهو معجوز عن تذكيته فأشبه الوحشي، فاما ان كان رأس المتردي في الماء لم يبح لان الماء يعين على قتله فيحصل قتله بمبيح وحاظر فيحرم كما لو جرحه مسلم ومجوسي.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: