الفقه الحنبلي - الصلاة
قال القاضي في المجرد انما يستحب الابراد بها بثلاثة شرائط - شدة الحر، وأن يكون في البلدان الحارة ومساجد الجماعات، فأما من صلاها في بيته أو في مسجد بفناء بيته
فالافضل تعجيلها وهذا مذهب الشافعي لان التأخير انما استحب لينكسر الحر ويتسع فئ الحيطان فيكثر السعي إلى الجماعات ومن لا يصلي في جماعة لا حاجة به إلى التأخير.
وقال في الجامع لا فرق بين البلدان الحارة وغيرها ولا بين كون المسجد ينتابه أو لا لان أحمد كان يؤخرها بمسجده ولم يكن بهذه الصفة ويؤخرها حتى يتسع فئ الحيطان فان في حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمؤذن " أبرد " حتى رأينا فئ التلول.
ولا يؤخرها إلى آخر وقتها بل يصليها في وقت يكون إذا فرغ بينه وبين آخر الوقت فصل.
فأما الجمعة فيسن تعجيلها في كل وقت بعد الزوال لان سلمة بن الاكوع قال: كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس متفق عليه.
ولم ينقل انه أخرها بل كان يعجلها حتى قال سهل بن سعد ما كنا نقيل
ولا نتغدى إلى بعد الجمعة أخرجه البخاري ولان التبكير إليها سنة فيتأذى الناس بتأخيرها، ويستحب تأخيرها في الغيم أيضا لمن يصلي جماعة ذكره القاضي فقال يستحب تأخير الظهر والمغرب في الغيم وتعجيل العصر والعشاء قال ونص عليه أحمد في رواية المروذي وجماعة.
وعلل القاضي ذلك بانه وقت يخاف منه العوارض من المطر والريح والبرد فيشق الخروج لكل صلاة فيؤخر الاولى من صلاتي الجمع ويعجل الثانية ويخرج اليهما خروجا واحدا فيحصل له الرفق بذلك كما يحصل بالجمع وبه قال أبو حنيفة والاوزاعي وروي عن عمر رضي الله عنه مثل ذلك في الظهر والعصر، وعن ابن مسعود يعجل الظهر والعصر ويؤخر المغرب.
وقال الحسن يؤخر الظهر وظاهر كلام الخرقي انه يسن تعجيل الظهر في غير الحر إذا غلب على ظنه دخول الوقت وهو مذهب الشافعي لما ذكرناه من الاحاديث وما
روي عن أحمد فيحمل على أنه أراد بالتأخير ليتيقن دخول الوقت ولا يصلي مع الشك فقد نقل أبو طالب عنه ما يدل على هذا أنه قال يوم الغيم يؤخر الظهر حتى لا يشك أنها قد حانت ويعجل العصر، والمغرب يؤخرها حتى يعلم انه سواد الليل ويعجل العشاء (مسألة) قال (ثم العصر وهي الوسطى ووقتها من خروج وقت الظهر إلى اصفرار الشمس وعنه إلى ان يصير ظل كل شئ مثليه ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس) الصلاة الوسطى صلاة العصر في قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم منهم علي وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو أيوب وزيد بن ثابت وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وهو قول عبيدة السلماني والحسن والضحاك وأبو حنيفة وأصحابه وابن المنذر.
وروي عن ابن عمر وزيد وعائشة وعبد الله بن شداد أنها صلاة الظهر لما روي عن زيد بن ثابت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فنزلت (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) رواه أبو داود، وروت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر) رواه أبو داود والترمذي وقال صحيح، وقال طاوس وعطاء وعكرمة ومجاهد والشافعي هي الصبح وروي أيضا عن ابن عمر وابن عباس لقوله تعالى (والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) والقنوت طول
القيام وهو مختص بالصبح ولانها من أثقل الصلاة على المنافقين فلذلك اختصت بالوصية بالمحافظة عليها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لو يعلمون ما في العتمة والصبح لاتوهما ولو حبوا " متفق عليه، وقال قوم هي المغرب لان الاولى الظهر فتكون المغرب الوسطى لانها الثالثة من الخمس ولانها الوسطى في عدد الركعات وخصت من بين الصلوات بأنها وتر والله وتر يحب الوتر ولانها تصلى في أول وقتها في جميع الامصار والاعصار
ويكره تأخيرها عنه ولذلك صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليومين لوقت واحد، وقد قال صلى الله عليه وسلم " لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم " وهذا كله يدل على تأكدها وفضيلتها، وقيل هي العشاء لما ذكرنا في الصبح ولما روى ابن عمر قال مكثنا ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة فخرج الينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده فقال انكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا ان أشق على أمتي لصليت بهم هذه الساعة " متفق عليه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاحزاب " شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر " متفق عليه، وعن ابن مسعود وسمرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلاة الوسطى صلاة العصر " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وهذا نص لا يجوز خلافه وما روته عائشة فيجوز أن تكون الواو فيه زائدة كقوله (وليكون من المؤمنين) وقوله (وخاتم النبيين) وقوله (وقوموا لله قانتين) فقد قيل قانتين أي مطيعين وقيل القنوت السكوت، ولذلك قال زيد بن أرقم كنا نتكلم حتى نزل قوله تعالى (وقوموا لله قانتين) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام (فصل) وأول وقت العصر من خروج وقت الظهر وهو إذا صار ظل كل شئ مثله بعد القدر الذي زالت عليه الشمس فبخروج وقت الظهر يدخل وقت العصر ليس بينهما فصل وهو قول الشافعي.
وقال أبو حنيفة أول وقتها إذا زاد على المثلين لما تقدم من الحديث الذي ذكرناه لابي حنيفة في بيان آخر وقت الظهر ولقول الله تعالى (أقم الصلاة طرفي النهار) وعلى قولكم تكون وسط النهار، وحكي عن ربيعة أن وقت الظهر والعصر إذا زالت الشمس، وقال اسحاق آخر وقت الظهر أول وقت
العصر يشتركان في قدر الصلاة فلو ان رجلين صليا معا أحدهما يصلي الظهر والآخر يصلي العصر حين صار ظل كل شئ مثله لكانا مصليين الصلاتين في وقتهما، وحكي عن ابن المبارك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس وصلى في المرة الثانية الظهر لوقت العصر بالامس ولنا ما تقدم من حديث جبريل فأما قوله تعالى (أقم الصلاة طرفي النهار) فان الطرف ما تراخى عن الوسط فلا ينفي ما قلنا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لوقت العصر بالامس " أراد مقاربة الوقت يعني ان ابتداء صلاة العصر متصل بآخر صلاة الظهر في اليوم الثاني وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمر " ووقت الظهر ما لم تحضر العصر " رواه مسلم، وفي حديث ابي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ان للصلاة أولا وآخرا وان أول وقت الظهر حين تزول الشمس وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر " رواه الترمذي، وآخر وقتها اخلفت الرواية فيه فروي عن أحمد أن آخر وقت الاختيار إذا صار ظل كل شئ مثليه وهو قول مالك والثوري والشافعي لقوله في حديث ابن عباس " الوقت ما بين هذين " وروي عنه ان آخره ما لم تصفر الشمس وهي أصح حكاها عنه جماعة منهم الاثرم وهذا قول ابي يوسف ومحمد، ونحوه عن الاوزاعي لما روى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " وقت العصر ما لم تصفر الشمس " رواه مسلم، وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " وان آخر وقتها حين تصفر الشمس " قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن من صلى العصر والشمس بيضاء نقية فقد صلاها في وقتها وفي هذا دليل على أن مراعاة المثلين عندهم استحباب ولعلهما متقاربان بوجد أحدهما قريبا من الآخر (فصل) والاوقات ثلاثة أضرب: وقت فضيلة ووقت اختيار ووقت ضرورة، وقد ذكرنا وقت الفضيلة، ومعنى وقت الاختيار هو الذي يجوز تأخير الصلاة إلى آخره من غير عذر ووقت الضرورة انما يباح تأخير الصلاة إليه مع العذر، فان أخرها لغير عذر أثم، ومتى فعلها فيه فهو مدرك لها أداء
في وقتها سواء كان لعذر أو غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " متفق عليه ولا نعلم فيه خلافا وكذلك حكم سائر الصلوات إذا أدرك من
وقتها ركعة، وان أدرك اقل من ذلك فسيأتي بيانه ان شاء الله، ومتى أخر العصر عن وقت الاختيار على ما فيه من الخلاف أثم إذا كان لغير عذر لما تقدم من الاخبار ولما روى أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق: يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس فكانت بين قرني شيطان أو على قرني شيطان قام فنقر اربعا لا يذكر الله فيها الا قليلا " رواه مسلم ولو أبيح تأخيرها لما ذمه عليها وجعله علامة النفاق (مسألة) (وتعجيلها افضل بكل حال) وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وعائشة وأنس وابن المبارك واهل المدينة والاوزاعي والشافعي وإسحاق.
وروي عن ابي هريرة وابن مسعود انهما كانا يؤخران العصر.
وروي عن ابي قلابة وابن شبرمة انهما قالا انما سميت العصر لتعصر.
وقال اصحاب الرأي الافضل فعلها في آخر وقتها المختار لما روى رافع بن خديج ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتأخير العصر.
وعن علي بن شيبان قال قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤخر العصر ما دامت بيضاء نقية ولانها آخر صلاتي جمع فاستحب تأخيرها كالعشاء ولناما روى ابو برزة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصي المدينة والشمس حية.
متفق عليه.
وقال رافع بن خديج كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، ثم ننحر الجزور فيقسم عشرة أجزاء ثم نطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل غروب الشمس متفق عليه.
وعن ابي امامة بن سهل قال صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلنا يا أبا حمزة ما هذه الصلاة التي صليت؟
قال العصر وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كنا نصليها معه.
متفق عليه وروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " الوقت الاول من الصلاة رضوان الله والوقت الآخر عفو الله " وحديث رافع لا يصح قاله الترمذي وقال الدار قطني يرويه عن عبد الواحد بن نافع وليس بالقوي ولا يصح عن رافع ولا عن غيره من الصحابة، والصحيح عنهم تعجيل صلاة العصر والتبكير بها قال ابن المنذر الاخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على ان أفضل الامرين تعجيل العصر في أول وقتها
(مسألة) (ثم المغرب وهي الوتر ووقتها من مغيب الشمس إلى مغيب الشفق الاحمر) لا خلاف بين أهل العلم في دخول وقت المغرب بغروب الشمس والاحاديث تدل عليه.
وآخره إذا غاب الشفق وهو قول الثوري وإسحاق وابي ثور وأصحاب الرأي، وقال مالك والاوزاعي والشافعي في أحد قوليه ليس لها إلا وقت واحد لان جبريل صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليومين لوقت واحد في بيان مواقيت الصلاة وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم " وعن طاوس لا تفوت المغرب والعشاء حتى الفجر وعن عطاء لا تفوت المغرب والعشاء حتى النهار ولنا حديث بريدة وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب في اليوم الثاني حين غاب الشفق وروى ابو موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر المغرب في اليوم الثاني حتى كان عند سقوط الشفق رواهما مسلم وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وقت المغرب ما لم يغب الشفق " رواه مسلم وهذه نصوص صحيحة لا يجوز مخالفتها بشئ محتمل ولان ما قبل مغيب الشفق وقت لاستدامتها فكان وقتا لا بتدائها كأول وقتها وأحاديثهم محمولة على الاستحباب والاختيار وتأكيد فعلها في أول وقتها جمعا بينها وبين أحاديثنا ولو تعارضت وجب حمل أحاديثهم على أنها منسوخة لانها في أول فرض الصلاة بمكة وأحاديثنا بعدها بالمدينة فتكون ناسخة لما قبلها مما يخالفها والله أعلم
(فصل) والشفق الحمرة هذا قول ابن عمر وابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير والزهري ومالك والثوري والشافعي وإسحاق ويعقوب ومحمد، وعن أنس وأبي هريرة ما يدل على ان الشفق البياض.
وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والاوزاعي وأبي حنيفة وهو اختيار ابن المنذر، وروي عن ابن عباس أيضا لان بخروج وقتها يدخل وقت عشاء الآخرة وأول وقت العشاء إذا غاب البياض لان النعمان بن بشير قال أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة.
رواه الامام أحمد وأبو داود، وروي عن أبي مسعود قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها حين يسود الافق
ولنا ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق " رواه أبو داود.
وروي ثور الشفق - وفور الشفق فورانه وسطوعه وثوره ثوران حمرته، وروى ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت العشاء " رواه الدار قطني، وما رووه ليس فيه بيان أنه أول الوقت فان النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخر الصلاة عن اول الوقت قليلا ولهذا روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لبلال " اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والمتوضئ من وضوئه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته " (مسألة) (وتعجيلها أفضل إلا ليلة جمع لمن قصدها) لا نعلم خلافا في استحباب تعجيل المغرب في غير حال العذر إلا ما ذكرنا من اختلافهم في الغيم وهو قول اهل العلم من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم قاله الترمذي.
وذلك لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا وجبت.
وعن رافع بن خديج قال: كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وانه ليبصر مواقع نبله متفق عليهما، وعن سلمة بن الاكوع قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس إذا غاب حاجبها رواه أبو داود واللفظ له ورواه الترمذي وقال حسن صحيح، وفعل جبريل عليه السلام لها في اليومين في وقت واحد دليل على تأكد استحبابها ولان فيه خروجا من الخلاف فكان أولى.
فأما ليلة جمع وهي ليلة المزدلفة فيستحب
تأخيرها ليصليها مع العشاء الآخرة لان النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك والاجماع منعقد على ذلك والله أعلم.
(مسألة) (ثم العشاء ووقتها مغيب الشفق الاحمر إلى ثلث الليل الاول وعنه إلى نصفه) لا خلاف بين الناس في دخول وقت العشاء الآخرة بغيبوبة الشفق وانما اختلفوا في الشفق وقد ذكرناه فمتى غاب الشفق الاحمر دخل وقت العشاء إن كان في مكان يظهر له الافق.
وان كان في مكان يستتر عنه الافق بالجبال أو نحوها استظهر حتى يغيب البياض فيستدل به على غيبوبة الحمرة لا لنفسه (فصل) واختلفت الرواية في آخر وقت الاختيار فروي عنه أنه ثلث الليل نص عليه في رواية
الجماعة اختارها الخرقي وهو قول عمر وأبي هريرة وعمر بن عبد العزيز والشافعي في أحد قوليه لان في حديث جبريل أنه صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في المرة الثانية ثلث الليل وقال " الوقت ما بين هذين " وفي حديث بريدة انه صلاها في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل رواه مسلم، وقال النخعي آخر وقتها إلى ربع الليل، وروي عن ابن عباس انه قال آخر وقتها إلى طلوع الفجر، وروي عن أحمد أن آخر وقتها إلى نصف الليل وهو قول ابن المبارك وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي لما روى أنس قال أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال: " صلى الناس وناموا أما انكم في صلاة ما انتظرتموها " متفق عليه، وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ووقت العشاء إلى نصف الليل " رواه مسلم وأبو داود.
والاولى أن لا تؤخر عن ثلث لليل لان ثلث الليل يجمع الروايات.
والزيادات تعارضت فيها الاخبار وإن أخرها جاز لما ذكرنا (مسألة) (ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني وهو البياض
المعترض في المشرق ولا ظلمة بعده وتأخيرها أفضل ما لم يشق.
متى ذهب نصف الليل أو ثلثه على الخلاف فيه خرج وقت الاختيار وما بعده وقت ضرورة إلى طلوع الفجر الثاني والحكم فيه حكم الضرورة في وقت العصر على ما بينا، وتأخيرها أفضل إلى آخر وقتها إذا لم يشق وهو اختيار أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين كذلك قال الترمذي، وحكي عن الشافعي أن الافضل تقديمها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الوقت الاول رضوان الله، والوقت الآخر عفو الله " رواه الترمذي عن القاسم بن غنام عن أمهاته عن أم فروة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله رجل عن أفضل الاعمال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الصلاة لاول وقتها " رواه أبو داود ولان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يؤخرها وانما أخرها ليلة واحدة ولنا قول أبي برزة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر من العشاء التى تدعونها العتمة وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لولا أن أشق على أمتي لامرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه " رواه الترمذي وقال حديث صحيح، وعن جابر بن سمرة قال كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يؤخر عشاء الآخرة رواه مسلم وأحاديثهم ضعيفة، أما خبر " أول الوقت رضوان الله " فيرويه عبيدالله العمري وهو ضعيف وحديث أم فروة رواته مجاهيل، وقال فيه الترمذي أيضا لا يروى إلا من حديث العمري وليس بالقوي في الحديث.
قال أحمد لا أعرف ثبت في أوقات الصلاة أولها كذا وأوسطها كذا وآخرها كذا ولو ثبت كان الاخذ باحاديثنا أولى لانها خاصة وأخبارهم عامة وانما يستحب تأخيرها للمنفرد ولجماعة راضين بالتأخير.
فأما مع المشقة بالمأمومين أو بعضهم فلا يستحب نص عليه أحمد في رواية الاثرم قال قلت لابي عبد الله كم قدر تأخير العشاء؟ قال يؤخرها بعد أن لا يشق على المأمومين وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الامر بتأخيرها كراهية المشقة، وروي عنه " من شق على امتي شق الله عليه " وروى جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العشاء
أحيانا واحيانا إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطؤا أخر.
وهذا يدل على مراعاة حال المأمومين وقد روى النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها لسقوط القمر لثالثة.
وعن أبي مسعود قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي هذه الصلاة حين يسود الافق فيستحب الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في إحدى هاتين الحالتين ولا يشق على المأمومين فان النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالتخفيف رفقا بالمأمومين والله أعلم.
(فصل) ولا يستحب تسمية هذه الصلاة العتمة وكان ابن عمر إذا سمع رجلا يقول العتمة صاح وغضب وقال انما هي العشاء، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم الا إنها العشاء وهم يعتمون بالابل " رواه مسلم وان سماها جاز لقول معاذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة رواه أبو داود، وفي المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لو يعلمون ما في العتمة والصبح لاتوهما ولو حبوا " (مسألة) (ثم الفجر ووقتها من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس) وجملة ذلك أن وقت الفجر يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعا وقد دلت عليه الاخبار التي ذكرناها وهو البياض المعترض في المشرق المستطير في الافق.
ويسمى الفجر الصادق لانه صدقك عن الصبح.
والصبح ما جمع بياضا
وحمرة ولا ظلمة بعده، فأما الفجر الاول فهو البياض المستدق المستطيل صعدا من غير اعتراض فلا يتعلق به حكم، وآخر وقتها طلوع الشمس لما روى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وقت الفجر ما لم تطلع الشمس " رواه مسلم (مسألة) (وتعجيلها أفضل وعنه ان أسفر المأمومون فالافضل الاسفار) التغليس بالفجر أفضل يروى عن أبي بكر وعمر وابن مسعود وأبي موسى وابي الزبير وعمر بن عبد العزيز ما يدل على ذلك
وبه قال مالك والشافعي واسحاق وابن المنذر، قال ابن عبد البر صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يغلسون ومحال أن يتركوا الافضل وهم النهاية في اتيان الفضائل.
وروي عن أحمد أن الاعتبار بحال المأمومين فان أسفروا فالافضل الاسفار لان جابرا روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك في العشاء فينبغي أن يكون كذلك في الفجر، وقال الثوري وأصحاب الرأي الافضل الاسفار لما روى رافع بن خديج قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " أسفروا بالفجر فانه أعظم للاجر " رواه الترمذي وقال حسن صحيح ولنا ما روى جابر قال: والصبح كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس متفق عليه، وفي حديث ابي برزة وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه.
وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه يصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس متفق عليهما، وعن أبي مسعود الانصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم غلس بالصبح ثم أسفر مرة ثم لم يعد إلى الاسفار حتى قبضه الله.
رواه أبو داود، فأما الاسفار في حديثهم فالمراد به أن يتبين ضوء الصبح ويكثر من قولهم أسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته (فصل) ولا يأثم بتعجيل الصلاة المستحب تأخيرها ولا بتأخير ما يستحب تعجيله إذا أخره عازما على فعله ما لم يضق الوقت عن فعل جميع العبادة لان جبرائيل صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في آخر الوقت وأوله، وصلاها النبي صلى الله عليه وسلم كذلك أيضا وقال " الوقت ما بين هذين " ولان الوجوب موسع فهو كالتكفير موسع في الاعيان، فان أخرها غير عازم على الفعل أو أخرها بحيث
يضيق الوقت عن فعل جيمعها فيه أثم لان الركعة الاخيرة من الصلاة فلم يجز تأخيرها عن الوقت
كالاولى ومتى أخر الصلاة عن اول وقتها عازما على الفعل فمات قبل فعلها لم يمت عاصيا لانه فعل ما يجوز له وليس الموت من فعله فلم يأثم به والله أعلم (مسألة) (ومن أدرك تكبيرة الاحرام من صلاة في وقتها فقد أدركها) وجملة ذلك ان من ادرك ركعة من الصلاة قبل خروج وقتها فقد ادرك الصلاة سواء أخرها لعذر كحائض تطهر أو مجنون يفيق أو لغير عذر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " متفق عليه، وفي رواية " من ادرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد ادرك العصر " وجميع الصلوات في ذلك سواء.
وقال أصحاب الرأي فيمن طلعت الشمس وقد صلى ركعة تفسد صلاته لانه قد صار في وقت نهي عن الصلاة فيه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من ادرك ركعة من الصبح قبل ان تطلع الشمس فقد ادرك الصبح " وفي رواية " من ادرك سجدة من صلاة الصبح قبل ان تطلع الشمس فليتم صلاته " متفق عليه.
ولانه ادرك ركعة من الصلاة في وقتها فكان مدركا لها كبقية الصلوات وانما نهي عن النافلة، فأما الفرائض فتصلى في كل وقت بدليل ما قبل طلوع الشمس فانه وقت نهي ولا يمنع من فعل الفرض فيه والله أعلم (فصل) وهل يدرك الصلاة بادراك ما دون الركعة فيه روايتان (احداهما) لا يدركها وهو ظاهر كلام الخرقي ومذهب مالك لظاهر الخبر الذي رويناه فان تخصيصه بركعة يدل على ان الادراك لا يحصل
بدونها ولانه إدراك للصلاة فلا يحصل بأقل من ركعة كادراك الجمعة (والثانية) يدركها بادراك جزء منها أي جزء كان قال القاضي وهو ظاهر كلام احمد واختيار ابي الخطاب فيمن ادرك تكبيرة الاحرام وهذا قول أبي حنيفة، وللشافعي قولان كالمذهبين لان أبا هريرة روى ان النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته " متفق عليه " وإذا أدرك سجدة من
صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته " متفق عليه وللنسائي " فقد أدركها " ولان الادراك إذا تعلق به حكم في الصلاة استوى فيه الركعة وما دونها كادراك الجماعة وادراك المسافر صلاة المقيم، والقياس يبطل بادراك الركعة دون تشهدها والله أعلم (مسألة) (ومن شك في الوقت لم يصل حتى يغلب على ظنه دخوله) متى شك في دخول وقت الصلاة لم يصل حتى يتيقن دخوله أو يغلب على ظنه ذلك مثل من له صنعة جرت عادته بعمل شئ مقدر إلى وقت الصلاة، أو قارئ جرت عادته بقراءة شئ فقرأه وأشباه هذا فمتى فعل ذلك وغلب على ظنه دخول الوقت أبيح له الصلاة، والاولى تأخيرها قليلا احتياطا إلا أن يخشى خروج الوقت أو تكون صلاة العصر في وقت الغيم فانها يستحب التبكير بها.
لما روى بريدة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فقال " بكروا بصلاة العصر في اليوم الغيم فانه من فاتته صلاة العصر حبط عمله " رواه البخاري.
قال شيخنا ومعناه والله أعلم التبكير بها إذا حل فعلها بيقين أو غلبة ظن وذلك لان فعلها في وقتها المختار في زمن الشتاء ضيق فيخشى خروجه (مسألة) (فان أخبره بذلك مخبر عن يقين قبل قوله وان كان عن ظن لم يقبله) متى أخبره بدخول الوقت ثقة عن علم لزمه قبول خبره لانه خبر دينى فقبل فيه قول الواحد كالرواية، فأما إن
أخبره عن ظن لم يقلده واجتهد لنفسه لانه يقدر على الصلاة باجتهاد نفسه فلم يجز له تقليد غيره كحالة اشتباه القبلة.
والبصير والاعمى والمطمور القادر على التوصل إلى الاستدلال سواء لاستوائهم في إمكان التقدير بمرور الزمان كما بينا (فصل) وإذا سمع الاذان من ثقة عالم بالوقت فله تقليده لان الظاهر أنه لا يؤذن الا بعد دخول الوقت فجرى مجرى خبره.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " المؤذن مؤتمن " ولولا أنه يقلد ويرجع إليه ما كان مؤتمنا وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين صلاتهم وصيامهم " رواه ابن ماجه.
ولان الاذان شرع للاعلام بالوقت فلو لم يجز تقليد المؤذن لم تحصل الحكمة التي شرع الاذان لها ولم يزل الناس يجتمعون للصلاة في مساجدهم فإذا سمعوا الاذان قاموا إلى الصلاة وبنوا على قول
المؤذن من غير مشاهدة للوقت، ولا اجتهاد فيه من غير نكير فكان إجماعا (فصل) ومن صلى قبل الوقت لم تجزه صلاته في قول أكثر أهل العلم سواء فعل ذلك خطأ أو عمدا كل الصلاة أو بعضها وبه قال الزهري والاوزاعي وأصحاب الرأي والشافعي.
وروي عن ابن عمر وابي موسى انهما أعادا الفجر لانهما صليا قبل الوقت.
وروي عن ابن عباس في مسافر صلى الظهر قبل الزوال يجزئه ونحوه قول الحسن والشعبي وعن مالك كقولنا.
وعنه فيمن صلى العشاء قبل مغيب الشفق جاهلا أو ناسيا يعيد ما كان في الوقت فإذا ذهب الوقت قبل علمه أو ذكره فلا شئ عليه ولنا أن الخطاب بالصلاة يتوجه إلى المكلف عند دخول وقتها وما وجد بعد ذلك ما يزيله ويبرئ الذمة منه فيبقى بحاله (مسألة) (ومتى اجتهد وصلى فبان انه وافق الوقت أو ما بعده أجزأه) لانه أدى ما خوطب بادائه وفرض عليه (وان وافق قبله لم يجزه) لان المخاطبة بالصلاة وسبب الوجوب وجدا بعد فعله فلم يسقط حكمه بما وجد قبله (فصل) وان صلى من غير دليل مع الشك لم تجزه صلاته سواء أصاب أو أخطأ لانه صلى مع الشك في شرط الصلاة من غير دليل فلا تصح كمن اشتبهت عليه القبلة فصلى من غير اجتهاد
(مسألة) (ومن أدرك من الوقت قدر تكبيرة ثم جن أو حاضت المرأة لزمهم القضاء) لان الصلاة تحب بأول الوقت وقد ذكرناه ويستقر وجوبها بذلك فمتى أدرك جزءا من أول الوقت ثم جن أو حاضت المرأة لزمهم القضاء كما ذكر إذا أمكنهما.
وقال الشافعي وإسحاق لا يستقر إلا بمضي زمن يمكن فعلها فيه فلا يجب القضاء بما دونه، واختاره أبو عبد الله بن بطة لانه لم يدرك من الوقت ما يمكنه الصلاة فيه أشبه مالو لم يدرك شيئا ولنا انها صلاة وجبت عليه فوجب قضاؤها إذا فاتته كالتي أمكن أداؤها، فأما التي لم يدرك شيئا من وقتها فانها لم تجب وقياس الواجب على ما لم يجب لا يصح والله أعلم (مسألة) وإن بلغ صبي أو أسلم كافر أو أفاق مجنون أو طهرت حائض قبل طلوع الشمس بقدر
تكبيرة لزمهم الصبح، وان كان قبل غروب الشمس لزمهم الظهر والعصر، وان كان قبل طلوع الفجر لزمهم المغرب والعشاء) وجملة ذلك أنه متى أدرك أحد هؤلاء جزءا من آخر وقت الصلاة لزمه قضاؤها لانها وجبت عليه فلزمه القضاء كما لو أدرك وقتا يتسع لها، وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافا.
قال شيخنا: وأقل ذلك تكبيرة الاحرام لانها أقل ما يتلبس بالصلاة بها وقد أطلق أصحابنا القول فيه وقال القاضي إن أدرك ركعة كان مدركا لها وإن أدرك أقل من ركعة كان مدركا لها في ظاهر كلامه فان أدرك جزءا من آخر وقت العصر قبل غروب الشمس أو جزءا من آخر الليل قبل طلوع الفجر لزمته الظهر والعصر في الاولى والمغرب والعشاء في الآخرة.
روي هذا في الحائض عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وطاوس ومجاهد والزهري ومالك والشافعي وإسحاق، قال الامام أحمد عامة التابعين إلا الحسن وحده قال: لا تجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها وهو قول الثوري وأصحاب الرأي لان وقت الاولى خرج في حال العذر أشبه مالو لم يدرك شيئا من وقت الثانية
وحكي عن مالك أنه إن أدرك قدر خمس ركعات من وقت الثانية وجبت الاولى لان قدر الركعة الاولى من الخمس وقت للصلاة الاولى في حال العذر فوجبت بادراكه كما لو أدرك ذلك من وقتها المختار بخلاف مالو أدرك دون ذلك ولنا ما روى الاثرم وابن المنذر وغيرهما بالاسناد عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: تصلي المغرب والعشاء فإذا طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر جميعا.
ولان وقت الثانية وقت للاولى حال العذر فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها كما يلزمه فرض الثانية والقدر الذي يتعلق به الوجوب قدر تكبيرة الاحرام في ظاهر كلام أحمد، وقال الشافعي قدر ركعة لانه الذي روي عن عبد الرحمن وابن عباس في الحائض ولانه إدراك تعلق به إدراك الصلاة فلم يحصل بأقل من ركعة كادراك الجمعة وقد ذكرنا قول مالك ولنا ان ما دون الركعة تجب به الثانية فوجبت به الاولى كالركعة والخمس عند مالك ولانه إدراك فاستوى فيه القليل والكثير كادراك المسافر صلاة المقيم.
فأما الجمعة فانما اعتبرت الركعة فيها بكمالها
لان الجماعة شرط لصحتها فاعتبر ادراك ركعة لئلا يفوته الشرط في معظمها بخلاف مسئلتنا (فصل) فان أدرك من وقت الاولى من صلاتي الجمع قدرا تجب به ثم طرأ عليه العذر ثم زال العذر بعد خروج وقتهما وجبت الاولى، وهل يجب قضاء الثانية على روايتين (احداهما) يجب ويلزم قضاؤها لانها إحدى صلاتي الجمع فوجبت بادراك جزء من وقت الاخرى كالاولى (والثانية) لا يجب اختارها ابن حامد لانه لم يدرك جزءا من وقتها ولا من وقت تبعها فلم يجب كما لو لم يدرك من وقت الاولى شيئا وفارق مدرك وقت الثانية، فانه أدرك وقت تبع الاولى لان الاولى تفعل في وقت الثانية
متبوعة مقصودة ولان من لا يجوز الجمع في وقت الاولى ليس وقت الاولى عنده وقتا للثانية بحال ومن جوز الجمع في وقت الاولى فانه يجوز تقديم الثانية رخصة ويحتاج إلى نية التقديم، وترك التفريق بخلاف الاولى إذا أخرها إلى الثانية فلا يصح قياس الثانية على الاولى.
والاصل ان لا تجب صلاة الا بادراك وقتها، فاما ان أدرك وقت الفجر لم تجب عليه العشاء ولا تجب العصر بادراك وقت المغرب لانه لم يدرك وقتها ولا تجمع معها في حال ولا نعلم في ذلك خلافا (مسألة) (ومن فاتته صلاة لزمه قضاؤها على الفور مرتبا قلت أو كثرت) وجملة ذلك أن من فاتته صلاة لزمه قضاؤها على الفور لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " متفق عليه، وان فاتته صلوات لزمه قضاؤهن مرتبات نص عليه أحمد في مواضع.
وروي عن ابن عمر ما يدل على وجوب الترتيب ونحوه عن الزهري والنخعي ومالك وأبي حنيفة واسحاق، وقال الشافعي لا يجب لانه قضاء لفريضة فاتته فلا يجب فيه الترتيب كالقيام ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم فاتته أربع صلوات فقضاهن مرتبات، رواه الامام أحمد والترمذي والنسائي وقال " صلوا كما رأيتموني اصلي " وعن ابي جمعة حبيب بن سباع وله صحبة قال ان النبي صلى الله عليه وسلم عام الاحزاب صلى المغرب فلما فرغ قال " هل علم أحد منكم اني صليت العصر؟ " قالوا لا يا رسول الله ما صليتها فأمر المؤذن فاقام الصلاة فصلى العصر ثم اعاد المغرب، رواه الامام احمد، ولانهما صلاتان مؤقتتان فوجب الترتيب بينهما كالمجموعتين، إذا ثبت هذا فانه يجب الترتيب فيها وان
كثرت، وقال مالك وابو حنيفة لا يجب الترتيب في اكثر من صلاة يوم وليلة لان اعتباره فيما زاد يشق ويفضي إلى الدخول في التكرار فسقط كالترتيب في قضاء رمضان
ولنا انها صلوات واجبات تفعل في وقت يتسع لها فوجب فيها التريب كالخمس وافضاؤه إلى التكرار لا يمنع وجوبه كترتيب الركوع على السجود (فصل) وهذا الترتيب شرط لصحة الصلاة فلو أخل به لم تصح صلاته لما ذكرنا من الحديثين والمعنى ولانه ترتيب في الصلاة فكان شرطا كالركوع والسجود (فصل) فان ذكر أن عليه صلاة وهو في أخرى والوقت متسع أتمها وقضى الفائتة ثم أعاد الصلاة التي كان فيها اماما كان أو مأموما أو منفردا وهذا ظاهر كلام الخرقي وأبي بكر، وهو قول ابن عمر ومالك والليث واسحاق في المأموم وهو الذي نقله الجماعة عن أحمد في المأموم.
ونقل عنه في الامام انه يقطع الصلاة ونقل عنه في المنفرد روايتان (احداهما) يقطع الصلاة ويقضي الفائتة وهو قول النخعي والزهري ويحى الانصاري (والثانية) انه يتم الصلاة.
وان كان اماما فقال القاضي يقطع الصلاة إذا كان الوقت واسعا ويستأنف المأمومون، نقلها عنه حرب ولم يذكر القاضي غير هذه الرواية فصار في الجميع روايتان (احداهما) يقطعها ويقضي الفائتة ويعيد التي كان فيها.
والدليل على وجوب الاعادة ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من نسي الصلاة فلم يذكرها الا وهو مع الامام فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الامام " رواه أبو يعلى الموصلي باسناد حسن.
ولحديث أبي جمعة الذي ذكرناه.
قال شيخنا والاولى انه لا يقطع الصلاة لقول الله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) ولحديث ابن عمر قال أبو بكر لا يختلف كلام
أحمد في المأموم أنه يمضي واختلف قوله في المنفرد والذي أقول أنه يمضي (فصل) فان مضى الامام في صلاته بعد ذكره فهل تصح صلاة المأمومين؟ ينبني على ائتمام المفترض بالمتنفل، وإن انصرف المنصوص أنهم يستأنفون الصلاة.
قال شيخنا ويتخرج أن يبنوا كما لو سبقه الحدث
وكل موضع قلنا يمضي في صلاته فانه مستحب غير واجب لانها صلاة لا يعتد بها فلم يلزمه إمامها كالتطوع.
(مسألة) (فان خشي فوات الحاضرة أو نسي الترتيب سقط وجوبه) متى خشي فوات الحاضرة سقط وجوب الترتيب مثل أن يشرع في صلاة حاضرة فيذكر فائتة والوقت ضيق أو لم يكن في صلاة لكن لم يبق من وقت الحاضرة ما يتسع لهما جميعا فانه يقدم الحاضرة ويسقط الترتيب في الصحيح من المذهب وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن والثوري واسحاق وأصحاب الرأي، وعن أحمد أن الترتيب واجب بكل حال، اختارها الخلال، وهي مذهب عطاء والزهري والليث ومالك، ولا فرق بين كون الحاضرة جمعة أو غيرها لقوله صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " ولانه ترتيب فلم يسقط بضيق الوقت كترتيب الركوع والسجود ولانه قد روي " لا صلاة لمن عليه صلاة " والرواية الاولى هي المشهورة.
قال القاضي: عندي أن المسألة رواية واحدة أن الترتيب يسقط.
قال أبو حفص عن الرواية الثانية: هذه الرواية تخالف ما نقله الجماعة فاما ان تكون غلطا أو قولا قديما لابي عبد الله ووجهها أن الحاضرة صلاة ضاق وقتها عن آكد منها فلم يجز تأخيرها كما لو لم يكن عليه فائتة ولان الصلاة ركن من أركان الاسلام فلم يجز تقديم فائتة على حاضرة عند خوف فوتها كالصيام، يحققه أنه لو أخر الحاضر صار فائتا وربما كثرت الفوائت فيفضي إلى أن
لا يصلي صلاة في وقتها ولا تلزمه عقوبة بتركها ولا يصلي جماعة اصلا وهذا لا يرد الشرع به.
وتعلقهم بالامر بالقضاء معارض بالامر بفعل الحاضرة والحاضرة آكد بدليل أنه يقتل بتركها ويحرم عليه تأخيرها بخلاف الفائتة فان النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الفجر أخرها شيئا وأمرهم فاقتادوا رواحلهم حتى خرجوا من الوادي.
والحديث الذي ذكروه قال أحمد: ليس هذا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فعلى هذه الرواية يبدأ فيقضي الفوائت على الترتيب حتى إذا خاف فوات الحاضرة صلاها ثم عاد إلى الفوائت نص عليه أحمد: فان حضرت جماعة في صلاة الحاضرة فقال أحمد: في رواية أبي داود فيمن عليه صلاة فائتة فأدركته الظهر ولم يفرغ من الصلاة يصلي مع الامام الظهر ويحسبهما من الفوائت ويصلي الظهر في آخر الوقت.
وفيه رواية ثالثة إذا كثرت الفوائت بحيث لا
يتسع لها وقت الحاضرة أن يصلي الحاضرة في أول وقتها نقلها عنه ابن منصور وهذا اختيار أبي حفص لان الوقت لا يتسع لقضاء ما في الذمة وفعل الحاضرة فسقط الترتيب كما لو فاتته صلاة وقد بقي من وقت الاخرى قدر خمس ركعات ولانه إذا لم يكن بد من الاخلال بالترتيب ففعلها في أول الوقت ليحصل فضيلة الوقت والجماعة أولى ولان فيه مشقة فانه يتعذر معرفة آخر الوقت في حق اكثر الناس وذكر ابن عقيل فيمن عليه فائته وخشي فوات الجماعة روايتين (إحداهما) يسقط الترتيب لانه اجتمع واجبان لابد من
تفويت أحدهما فكان مخيرا فيهما (والثانية) لا يسقط لما ذكرنا.
قال شيخنا وهذه الرواية أحسن وأصح إن شاء الله تعالى والله أعلم (فصل) إذا ترك ظهرا وعصرا من يومين لا يدري أيتهما الاولى ففيه روايتان (احداهما) انه يتحرى أيتهما نسي أو لا فيقضيها ثم يقضي الاخرى نقلها عنه الاثرم وهذا قول أبي يوسف ومحمد لان الترتيب مما تبيح الضرورة تركه فيما إذا ضاق وقت الحاضرة أو نسي الترتيب فيدخله التحري كالقبلة (والثانية) أنه يصلي الظهر ثم العصر من غير تحر نقلها مهنا لان التحري فيما فيه أمارة وهذا لا أمارة فيه يرجع إليها فرجع إلى ترتيب الشرع.
قال شيخنا والقياس انه يلزمه ثلاث صلوات - ظهر ثم عصر ثم ظهر أو بالعكس لانه أمكنه أداء فرضه بيقين أشبه ما إذا نسي صلاة لا يعلم عينها، وقد نقل أبو داود عن أحمد ما يدل على هذا، وهذا مذهب أبي حنيفة (فصل) ولا يعذر في ترك الترتيب بالجهل بوجوبه، وقال زفر يعذر كالناسي.
ولنا انه ترتيب واجب في الصلاة فلم يسقط بالجهل كالمجموعتين، ولان الجهل بأحكام الشرع مع التمكن من العلم لا يسقطها كالجهل بتحريم الاكل في الصوم (فصل) ويجب عليه قضاء الفوائت على الفور وإن كثرت ما لم يلحقه مشقة في بدنه بضعف أو خوف مرض أو نصب أو اعياء - أو ماله بفوات شئ منه أو ضرر فيه أو قطع عن معيشته، نص أحمد على نحو هذا، فان جهل الفوائت فلم يعلم قدرها قضى حتى يتيقن براءة ذمته، ويقتصر على الفرائض ولا يتنفل بينها ولا يصلي سنتها لان النبي صلى الله عليه وسلم لما قضى الصلوات الفائتة يوم الخندق لم ينقل انه صلى
بينها سنة.
ولان الفرض أهم فالاشتغال به أولى، فان كانت صلاة أو نحوها فلا بأس بقضاء سنتها لان
النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته الفجر صلى سنتها قبلها وهذا قول الشافعي، وقال مالك يبدأ بالمكتوبة والاول أولى لما ذكرنا من الحديث وهو اختيار ابن المنذر (فصل) ومن فاتته صلاة من يوم لا يعلم عينها أعاد صلاة اليوم جميعه ينوي بكل واحدة أنها الفائتة نص عليه وهو قول أكثر أهل العلم لان التعيين شرط في صحة الصلاة المكتوبة ولا يتوصل إليه الا بذلك فلزمه.
وقال الثوري يصلي الفجر ثم المغرب ثم يصلي أربعا ينوي إن كان الظهر أو العصر أو العشاء، وقال الاوزاعي يصلي أربعا باقامة (فصل) إذا نام في منزل في السفر فاستيقظ بعد خروج وقت الصلاة استحب له أن ينتقل عن ذلك المنزل فيصلى في غيره، نص عليه لما روى أبو هريرة قال: عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته فان هذا منزل حضر فيه الشيطان " قال ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة.
متفق عليه، ويستحب أن يصلي الفائتة جماعة إذا أمكن لهذا الخبر، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قضى الصلوات الفائتة يوم الخندق في جماعة ولا يلزم القضاء أكثر من مرة لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقض أكثر من مرة، وقد روى عمران بن حصين حين ناموا عن صلاة الفجر قال فقلنا يا رسول الله ألا نصلي هذه الصلاة لوقتها؟ قال " لا ينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم " رواه الاثرم واحتج به أحمد (فصل) إذا أخر الصلاة لنوم أو غيره حتى خشي خروج الوقت إن تشاغل بالسنة بدأ بالفرض نص عليه لان الحاضرة إذا قدمت على الفائتة الواجبة مراعاة للوقت فعلى السنة أولى وهكذا
إذا استيقظ وشك في طلوع الشمس بدأ بالفريضة نص عليه لان الاصل بقاء الوقت (فصل) ومن أسلم في دار الحرب فترك صلوات أو صياما لا يعلم وجوبه لزمه قضاؤه وبهذا قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يلزمه ولنا أنها عبادة تلزمه مع العلم فلزمته مع الجهل كما لو كان في دار الاسلام (مسألة) (وإن نسي الترتيب سقط وجوبه) حتى لو صلي الحاضرة ناسيا للفائتة ولم يذكرها حتى فرغ فليس عليه إعادة نص عليه أحمد في رواية الجماعة، وقال مالك يجب الترتيب مع النسيان كالمجموعتين والركوع والسجود ولحديث أبي جمعة ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " عفي لامتي عن الخطأ والنسيان " ولان المنسية ليس عليها أمارة فجاز أن يؤثر فيها النسيان كالصيام، فأما حديث أبي جمعة فمن رواية ابن لهيعة وهو ضعيف ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها وهو في الصلاة جمعا بينه وبين ما ذكرنا من الدليل وانما لم يعذر في المجموعتين بالنسيان لانه لا يتحقق إذ لابد فيهما من نية الجمع بينهما ولا يمكن ذلك مع نسيان احداهما ولان اجتماع الجماعة يمنع النسيان إذ لا يكادون كلهم ينسون الاولى ولا فرق بين أن يكون سبق منه ذكر الفائتة ثم نسيها أو لم يسبق نص عليه لما ذكرنا والله أعلم.
* (باب ستر العورة) * (وهو الشرط الثالث) ستر العورة شرط لصحة الصلاة في قول أكثر أهل العلم، قال ابن عبد البر: أجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلى عريانا وهو قول الشافعي
وأصحاب الرأي، وقال إسحاق وبعض أصحاب مالك: هو شرط مع الذكر وقال بعضهم هو واجب وليس بشرط لان وجوبه غير مختص بالصلاة فلم يكن شرطا فيها كقضاء الدين ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " وعن سلمة بن الاكوع قال: قلت يا رسول الله اني أكون في الصيد فأصلي في القميص الواحد؟ قال " نعم وازرره ولو بشركة " رواهما ابن ماجه والترمذي وقال فيهما حسن (مسألة) (وسترها عن النظر بما لا يصف البشرة واجب) لان الستر انما يحصل بذلك فان كان خفيفا يصف لون البشرة فيبين من ورائه بياض الجلد وحمرته لم تجز الصلاة فيه، وان كان يستر
اللون ويصف الخلقة جازت الصلاة فيه لان البشرة مستورة وهذا لا يمكن التحرز منه وان كان الساتر صفيقا (مسألة) (وعورة الرجل والامة ما بين السرة والركبة وعنه أنها الفرجان) عورة الرجل ما بين السرة والركبة في ظاهر المذهب نص عليه في رواية الجماعة وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر العلماء وروي عنه أنها الفرجان نقله عنه مهنا وهو قول ابن أبي ذئب لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حسر الازار عن فخذه رواه البخاري ومسلم.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا ينظر إلى شئ من عورته فان ما تحت السرة إلى ركبته عورة " يريد الامة رواه الامام أحمد وأبو داود.
وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته كاشفا عن فخذيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على ذلك ثم استأذن عمر فأذن له وهو على ذلك رواه الامام أحمد.
ولانه ليس بمخرج فلم يكن عورة كالساق، ووجه الاولى ما روى جرهد الاسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له " غط فخذك فان الفخذ من العورة " رواه
الامام احمد وابو داود والترمذي وقال حديث حسن وعن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت " رواه أبو داود، وعن ابن عباس قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وفخذه خارجة فقال: " غط فخذك فان فخذ الرجل من عورته " رواه الامام احمد: قال البخاري حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط (فصل) والسرة والركبتان ليست من العورة، وهو قول مالك والشافعي وقال أبو حنيفة الركبة من العورة لانه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الركبة من العورة " ولنا ما روى ابو أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة " رواه ابو بكر، وحديث عمرو بن شعيب، ولان الركبة حد العورة فلم تكن منها كالسرة والعبد والحر في ذلك سواء لعموم الاخبار فيهما وحديثهم يرويه ابو الجنوب ولا يثبته أهل النقل (فصل) وأما الامة، قال ابن حامد عورتها كعورة الرجل ما بين السرة والركبة، حكاه القاضي في المجرد وابن عقيل قال القاضي وقد لوح إليه احمد وهو ظاهر مذهب الشافعي لحديث عمرو بن
شعيب والمراد به الامة فان الاجير والعبد لا تختلف حاله بالتزويج وعدمه، وقال القاضي في الجامع عورة الامة ما عدا الرأس واليدين إلى المرفقين والرجلين إلى الركبتين، وهو قول بعض الشافعية لان هذا يظهر عادة عند التقليب والخدمة فهو كالرأس وما سواه لا يظهر غالبا ولا تدعو الحاجة إلى كشفه أشبه ما بين السرة والركبة والاول أولى لما ذكرنا ولان من لم يكن رأسه عورة لم يكن صدره عورة كالرجل وقال الحسن في الامة إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه يجب عليها الخمار ولنا أن عمر كان ينهى الاماء عن التقنع وقال انما القناع للحرائر واشتهر ذلك ولم ينكر فكان
اجماعا ولانها أمة أشبهت التي لم تتزوج، وفيه رواية ثالثة ان عورتها الفرجان كالرجل ذكرها ابو الخطاب وشيخنا في الكتاب المشروح والصحيح خلافها إن شاء الله تعالى.
والمكاتبة والمدبرة والمعلق عتقها بصفة كالامة القن فيما ذكرنا لانهن إماء يجوز بيعهن وعتقهن أشبهن القن.
وقال ابن البنا هن كام الولد (مسألة) (والحرة كلها عورة إلا الوجه وفي الكفين روايتان) أما وجه الحرة فانه يجوز للمرأة كشفه في الصلاة بغير خلاف نعلمه واختلفت الرواية في الكفين فروي عنه جواز كشفهما وهو قول مالك والشافعي لانه روي عن ابن عباس وعائشة في قوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال الوجه والكفين، ولانه يحرم على المحرمة سترهما بالقفازين كما يحرم ستر الوجه بالنقاب ويظهران غالبا وتدعو الحاجة إلى كشفهما للبيع والشراء فأشبها الوجه.
وروي عنه أنهما من العورة وهذا اختيار الخرقي.
قال القاضي وهو ظاهر كلام احمد، لانه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " المرأة عورة " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح: وهذا عام في جميعها ترك في الوجه للحاجة فيبقى فيما عداه.
وقول ابن عباس وعائشة قد خالفهما ابن مسعود فقال الثياب ولان الحاجة لا تدعو إلى كشفهما وظهورهما كالحاجة إلى كشف الوجه فلا يصح القياس ثم يبطل قياسهم بالقدمين فانهما يظهران عادة وسترهما واجب وهما بالرجلين أشبه من الوجه فقياسهما عليهما أولى (فصل) وما سوى الوجه والكفين فيجب ستره في الصلاة رواية واحدة وهو قول مالك والشافعي والاوزاعي.
وقال أبو حنيفة القدمان ليسا من العورة لانهما يظهران عادة ويغسلان في
الوضوء أشبها الوجه والكفين ولنا قوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) وما روت أم سلمة أنها سألت النبي صلى
الله عليه وسلم أتصلي المرأة في درع وخمار؟ قال " نعم إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها " رواه أبو داود، والخبر الذي رويناه في أن المرأة عورة خرج منه الوجه فيبقى فيما عداه على قضية الدليل وأما ما عدا الوجه والكفين والقدمين فهو عورة بالاجماع لا نعلم فيه خلافا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة حائض الا بخمار " حديث صحيح (مسألة) (وأم الولد والمعتق بعضها كالامة وعنه كالحرة) نقل عن أحمد رحمه الله في المعتق بعضها روايتان (احداهما) أنها كالحرة لان فيها حرية تقتضي الستر فوجب كما يجب على الخنثى المشكل ستر فرجيه معا لوجوب ستر أحدهما (والثانية) هي كالامة القن لان المقتضى للستر بالاجماع الحرية الكاملة ولم توجد فتبقى على الاصل وهذا قول ابن المنذر (فصل) وحكم أم الولد حكم الامة في صلاتها وسترتها وهو قول النخعي والشافعي وأبي ثور وابن المنذر وعن أحمد انها كالحرة تغطي شعرها وقدميها نقلها عنه الاثرم لانها لا تباع ولا ينقل الملك فيها أشبهت الحرة وهو قول الحسن وابن سيرين في تغطية الرأس حكاه ابن المنذر.
ووجه الاولى انها أمة حكمها حكم الاماء وكونها لا ينتقل الملك فيها لا يخرجها عن حكم الامة كالموقوفة، وانعقاد سبب الحرية فيها لا يؤثر أيضا بدليل المكاتبة والمدبرة، لكن يستحب لها ستر رأسها لتخرج من الخلاف وتأخذ بالاحتياط (فصل) وعورة الخنثى المشكل كعورة الرجل لانه اليقين والانوثة مشكوك فيها فلا نوجب عليه ستر محل مشكوك في وجوبه كما لو نوجب نقض الوضوء بمس أحد فرجيه ولا الغسل بايلاجه لكن يجب عليه ستر فرجيه إذا قلنا العورة الفرجان لان أحدهما فرج حقيقي ولا يتحقق ستره الا بسترهما فوجب عليه كستر ما قرب من العورة لاجل سترها، وعنه حكمه حكم المرأة ذكره في المستوعب لانه يحتمل أن يكون امرأة فوجب ذلك احتياطا (فصل) فان عتقت الامة في أثناء صلاتها وهي مكشوفة الرأس ووجدت سترة فهي كالعريان يجد
السترة في أثناء صلاته وسيأتي ان شاء الله، وان لم تعلم بالعتق حتى أتمت صلاتها أو علمت به ولم تعلم
بوجوب الستر فصلاتها باطلة لان شروط الصلاة لا يعذر فيها بالجهل فأما ان عتقت ولم تقدر على سترة أتمت صلاتها ولا إعادة عليها لانها عاجزة عن السترة فهي كالحرة الاصلية إذا عجزت (مسألة) (ويستحب للرجل أن يصلي في ثوبين) لما روى ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال قال عمر " إذا كان لاحدكم ثوبان فليصل فيهما فان لم يكن له الا ثوب واحد فليتزر به " رواه أبو داود، وعن عمر انه قال إذا أوسع الله فأوسعوا - جمع رجل عليه ثيابه - صلى رجل في ازار ورداء - في ازار وقميص - في ازار وقباء - في سراويل ورداء - في سراويل وقميص - في سراويل وقباء، في تبان وقميص، قال القاضى وذلك في الامام آكد لانه بين يدي المأمومين وتتعلق صلاتهم بصلاته فان لم يكن إلا ثوب واحد فالقميص أولى لانه أبلغ في الستر ثم الرداء ثم المئزر أو السراويل (مسألة) (فان اقتصر على ستر العورة أجزأه إذا كان على عاتقه شئ من اللباس) وجملة ذلك ان الرجل متى ستر عورته في الصلاة صحت صلاته إذا كان على عاتقه شئ من اللباس سواء كان من الثوب الذي ستر عورته أو من غيره إذا كان قادرا على ذلك لما روى عمر بن أبي سلمة أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة قد ألقى طرفيه على عاتقه.
وعن أبي هريرة أن سائلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثوب الواحد قال " أو لكلكم ثوبان؟ " متفق عليهما.
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان الثوب واسعا فالتحف به وإذا كان ضيقا فاشدده على حقوك - وفي لفظ - فاتزر به " رواه البخاري (فصل) ولا يجزئ من ذلك إلا ما ستر العورة عن غيره ونفسه فلو كان القميص واسع الجيب يرى عورته إذا ركع أو سجد أو كانت بحيث يراها لم تصح صلاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسلمة بن الاكوع " وازرره ولو بشوكة " فان كان ذا لحية كبيرة تغطي الجيب فتستر عورته صحت صلاته نص عليه لان عورته مستورة وهذا مذهب الشافعي (فصل) ويجب عليه أن يضع على عاتقه شيئا من اللباس مع القدرة، اختاره ابن المنذر وأكثر العلماء على خلافه لانهما ليسا من العورة أشبها بقية البدن
ولنا ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ " رواه مسلم، وعن بريدة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي في لحاف ولا يتوشح به وأن يصلي في سراويل ليس عليه رداء.
رواه أبو داود وهو شرط لصحة الصلاة في ظاهر المذهب واختاره ابن المنذر لان النهي يقتضي فساد المنهي عنه ولان ستره واجب في الصلاة فالاخلال به يفسدها كالعورة، وذكر القاضي وابن عقيل أنه نقل عن أحمد ما يدل على أنه ليس بشرط فانه قال في رواية مثنى بن جامع فيمن صلى وثوبه على إحدى عاتقيه والاخرى مكشوفة يكره قيل له يؤمر أن يعيد؟ فلم ير عليه إعادة.
قال شيخنا وليس هذا رواية أخرى إنما يدل على أنه لا يجب ستر المنكبين جميعا لان الخبر لا يقتضي سترهما فعلى هذا لا يجب سترهما جميعا بل يجزئه وضع ثوب على أحد عاتقيه وإن كان يصف البشرة لان وجوب ذلك بالخبر ولفظه " لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ " وهذا يقع على ما يعم المنكبين ومالا يعم، وقال القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل يجب ستر المنكبين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا صلى أحدكم في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه على عاتقيه " صحيح (فصل) فان طرح على كتفيه ما يستر البشرة ومالا يستر - حبلا أو نحوه - لم يجزه في اختيار الخرقي والقاضي، وقال بعض أصحابنا يجزئه قالوا لان هذا شئ فيتناوله الخبر.
قال بعضهم وقد روي عن جابر أنه صلى في ثوب واحد متوشحا به كاني أنظر إليه كأن على عاتقه ذنب فأرة، وعن ابراهيم قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يجد أحدهم ثوبا ألقى على عاتقه عقالا وصلى وقال شيخنا والصحيح أنه لا يجزئ لان ذلك لا يسمى سترة ولا لباسا ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا صلى أحدكم في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه على عاتقيه " صحيح رواه أبو داود والامر بوضعه على العاتقين للستر ولا يحصل ذلك بوضع خيط ولاحبل، وما روي عن جابر لا يصح، وما روي
الصحابة إن صح فلعدم ما سواه لقوله " إذا لم يجد " وفي هذا دليل على انه لا يجزي مع وجود الثوب والله أعلم
(فصل) (وقال القاضي يجزئه ستر العورة في النفل دون الفرض) يعني إذا اقتصر على ستر العورة دون المنكبين أجزأه في النفل دون الفرض، نص عليه أحمد في رواية حنبل قال: يجزئه أن يأتزر بالثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ في التطوع لان مبناه على التخفيف ولذلك يسامح فيه بترك القيام والاستقبال في حال سيره مع القدرة فسومح فيه بهذا القدر واستدل أبو بكر بقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا كان الثوب ضيقا فاشدده على حقوك " قال هذا في التطوع.
وحديث أبي هريرة في الفرض وظاهر كلام الخرقي التسوية بينهما لان ما اشترط للفرض اشترط للنفل كالطهارة ولان الخبر عام فيهما وهذا ظاهر كلام شيخنا رحمه الله والله أعلم.
(مسألة) (ويستحب للمرأة أن تصلي في درع وخمار وملحفة فان اقتصرت على ستر العورة أجزأها) روي نحو ذلك عن عمر وابنه وعائشة وهو قول الشافعي وذلك أنه أستر وأحسن فانه إذا كان عليها جلباب تجافى عنها راكعة وساجدة فلا يصفها ولا تبين عجيزتها ومواضع العورة المغلظة.
وروي عن ابن عمر وابن سيرين ونافع قالوا تصلي المرأة في أربعة أثواب لذلك وهذا على وجه الاستحباب فان اقتصرت على ستر عورتها أجزأها، قال أحمد: قد اتفق عامتهم على الدرع والخمار وما زاد فهو خير وأستر.
وقد دل عليه حديث أم سلمة حين قالت: يا رسول الله أتصلي المرأة في درع وخمار؟ قال: " نعم إذا كان سابقا يغطي ظهور قدميها " وروي عن عاشة وميمونة وأم سلمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم انهن كن يرين الصلاة في درع وخمار، حكاه ابن المنذر ولانها سترت ما يجب عليها ستره أشبهت الرجل (فصل) ويكره للمرأة النقاب وهي تصلي، قال ابن عبد البر: أجمعوا على ان على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والاحرام ولان ذلك يخل بمباشرة المصلي بالجبهة والانف ويغطى الفم.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل عنه
(مسألة) (وإذا انكشف من العورة يسير لم يفحش في النظر لم تبطل صلاته) نص عليه أحمد وهو قول أبي حنيفة.
وقال الشافعي تبطل لانه حكم يتعلق بالعورة فاستوى قليله وكثيره كالنظر ولنا ما روي عن عمرو بن سلمة الجرمي قال: انطلق أبي وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من
قومه فعلمهم الصلاة وقال " يؤمكم أقرؤكم " فكنت أقرأهم فقدموني فكنت أؤمهم وعلي بردة صفراء صغيرة فكنت إذا سجدت انكشفت عني فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم.
فاشتروا لي قميصا عمانيا فما فرحت بعد الاسلام فرحي به.
وفي لفظ فكنت أؤمهم في بردة موصلة فيها فتق فكنت إذا سجدت فيها خرجت استى.
رواه أبو داود والنسائي وهذا ينتشر ولم ينكر ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكره ولا أحد من أصحابه ولان ما صحت الصلاة مع كثيره حال العذر فرق بين قليله وكثيره في غير حال العذر كالمشي، ولان اليسير يشق الاحتراز منه فعفي عنه كيسير الدم وحد اليسير مالا يفحش في النظر عادة ولا فرق في ذلك بين الفرجين وغيرهما الا أن العورة المغلظة يفحش منها ما لا يفحش من غيرها فيعتبر ذلك وسواء في ذلك الرجل والمرأة.
وقال أبو حنيفة إن انكشف من المغلظة قدر الدرهم أو من غيرها أقل من ربعها لم تبطل الصلاة وإن كان أكثر بطلت ولنا ان هذا تقدير لم يرد الشرع به فلا يجوز المصير إليه وما لم يرد الشرع فيه بالتقدير يرد إلى العرف كالكثير من العمل في الصلاة والتفرق والاحتراز فان انكشفت عورته من غير عمد فسترها في الحال لم تبطل لانه يسير في الزمن أشبه اليسير في القدر.
وقال التميمي إن بدت عورته وقتا واستترت وقتا لم يعد لحديث عمرو بن سلمة فلم يشترط اليسير.
قال شيخنا ولابد من اشتراطه لانه يفحش ويمكن التحرز منه أشبه الكثير في القدر (مسألة) (وان فحش بطلت) يعني ما فحش في النظر عادة وعرفا لما ذكرنا لان التحرز منه ممكن من غير مشقة أشبه سائر العورة.
قال ابن المنذر أجمعوا على أن المرأة الحرة إذا صلت وجميع رأسها مكشوف ان عليها الاعادة ولان الاصل وجوب ستر جميع العورة عفي عنه في اليسير لمشقة التحرز
منه يبقى فيما عداه على قضية الدليل (مسألة) (ومن صلى في ثوب حرير أو مغصوب لم تصح صلاته وعنه تصح مع التحريم) لبس المغصوب والصلاة فيه حرام على الرجال والنساء وجها واحدا فان صلى فيه فهل تصح صلاته على روايتين أظهرهما لا تصح إذا كان هو الساتر للعورة لانه استعمل المحرم في شرط الصلاة فلم تصح كما لو كان نجسا
ولان الصلاة قربة وطاعة وقيام هذا وقعوده في هذا الثوب منهي عنه فكيف يكون متقربا بما هو عاص به مأمورا بما هو منهي عنه.
وقال ابن عمر من اشترى ثوبا بعشرة دراهم وفيه درهم حرام لم تقبل له صلاة مادام عليه.
ثم أدخل أصبعيه في أذنيه وقال: صمتا إن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سمعته يقوله.
رواه الامام أحمد وفي اسناده رجل غير معروف (والثانية) تصح وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي.
لان النهي لا يعود إلى الصلاة ولا يختص التحريم بها فهو كما لو صلى في عمامة مغصوبة أو غسل ثوبه من النجاسة بماء مغصوب.
فان ترك الثوب المغصوب في كمه أو صلى في عمامة مغصوبة أو في يده خاتم مغصوب صحت صلاته لان النهي لا يعود إلى شرط الصلاة فلم يؤثر فيها كما لو كان في جيبه درهم مغصوب.
والفرض والنفل في ذلك سواء لان ما كان شرطا للفرض فهو شرط للنفل (فصل) فان صلى وعليه سترتان احداهما مغصوبة ففيه الروايتان سواء كان الفوقاني أو التحتاني لان الستر لا يتعين باحداهما والمغصوب من جنس ما يستتر به بمثابة ما زاد على المشروط من اللفائف في حق الميت فانه يجري مجراه في وجوب القطع فان صلى في قميص بعضه حلال وبعضه حرام لم تصح صلاته على الرواية الاولى سواء كان المغصوب هو الذي ستر العورة أو بالعكس لان القميص يتبع بعضه بعضا فلا يتميز بدليل دخوله في مطلق البيع، ذكر هذا الفصل ابن عقيل (فصل) وإن صلى الرجل في ثوب حرير لم يجز له والحكم في صحة الصلاة فيه كالحكم في الثوب
المغصوب على ما بينا لانه في معناه وتصح صلاة المرأة فيه لانه مباح لها وكذلك صلاة الرجل فيه في حال العذر إذا قلنا باباحتة له (مسألة) (ومن لم يجد الا ثوبا نجسا صلى فيه) وذلك لان ستر العورة آكد من إزالة النجاسة لتعلق حق الآدمي به في ستر عورته ووجوبه في الصلاة وغيرها فكان تقديمه أولى وهذا قول مالك، وقال الشافعي يصلي عريانا ولا يعيد، وقال أبو حنيفة في النجاسة كلها يخير في الفعلين لانه لابد من ترك واجب في كلا الفعلين، وقد ذكرنا أو الستر آكد فوجب تقديمه ولانه قدر على ستر عورته فلزمه كما لو وجد ثوبا طاهرا
(مسألة) (وتلزمه الاعادة على المنصوص) لانه أخل بشرط الصلاة مع القدرة عليه أشبه ما لوصلى محدثا.
ويتخرج أن لا يعيد بناء على من صلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه فانه قال: لا إعادة عليه.
وهذا اختيار شيخنا لان الشرع منعه نزعه أشبه ما إذا لم يمكنه وهو مذهب مالك والاوزاعي ولان التحرز من النجاسة شرط عجز عنه فسقط كالعجز عن السترة، فان لم يجد الا ثوب حرير صلى فيه ولا اعادة عليه لان تحريم لبسه يزول بالحاجة إليه، وذكر ابن عقيل انه يخرج على الروايتين في السترة النجسة فان لم يجد الا ثوبا مغصوبا صلى عريانا لان تحريمه لحق آدمي أشبه من لم يجد الا ماء مغصوبا وذكر ابن عقيل في وجوب الاعادة على من صلى في الثوب النجس روايتين (إحداهما) يعيد لما ذكرنا (والثانية) لا يعد لانه أتى بما أمر به أشبه مالو لم تكن عليه نجاسة (مسألة) (فان لم يجد الا ما يستر عورته سترها) إذا لم يجد الا ما يستر عورته حسب - بدأ بها وترك منكبيه لان ستر العورة متفق على وجوبه وستر المنكبين مختلف فيه ولان ستر العورة واجب في غير الصلاة ففيها أولى وقد روى حنبل عن أحمد فيمن معه ثوب واحد لطيف ان ستر عورته انكشف منكباه فقال يصلي جالسا ويرسله من ورائه على منكبيه وعجيزته واحتج لذلك بان ستر
المنكبين الحديث فيه أصح من ستر الفخذين والقيام يسقط في حق العريان وله بدل فإذا صلى جالسا حصل ستر العجيزة والمنكبين بالثوب وستر العورة بالجلوس.
والصحيح الاول اختاره شيخنا لما ذكرنا ولما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا كان الثوب واسعا فخالف بين طرفيه وإذا كان ضيقا فاشدده على حقوك " رواه أبو داود وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من كان له ثوبان فليأتزر وليرتد ومن لم يكن له ثوبان فليأتزر ثم ليصل " رواه الامام احمد ولان القيام متفق على وجوبه فلا يترك لامر مختلف فيه والله أعلم (مسألة) (فان لم يكف جميعها ستر الفرجين) لانهما أفحش وهما عورة بغير خلاف (مسألة) (فان لم يكفهما جميعا ستر أيهما شاء) لاستوائهما والاولى ستر الدبر على ظاهر كلامه لانه أفحش وينفرج في الركوع والسجود وقيل القبل أولى لان به يستقبل القبلة والدبر مستور بالاليتين
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: