الفقه الحنبلي - التشهد - السجود - القنوت -
(فصل) وإذا أدرك بعض الصلاة مع الامام فجلس الامام في آخر صلاته لم يزد المأموم على التشهد الاول بل يكرره، نص عليه أحمد فيمن أدرك مع الامام ركعتين قال يكرر التشهد ولا يصلي على
النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدعو بشئ مما دعا به في التشهد الاخير لان ذلك انما يكون في التشهد الذي يسلم عقيبه وليس هذا كذلك
(مسألة) (ثم يقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل ابراهيم انك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل ابراهيم إنك حميد مجيد، وان شاء قال: كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم وكما باركت على ابراهيم وآل ابراهيم) يعني إذا جلس في آخر صلاته تشهد بالتشهد الذي ذكرناه ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا، وفي وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم روايتان (أصحهما) وجوبها وهو قول الشافعي واسحاق (والثانية) أنها سنة قال المروذى: قلت لابي عبد الله: ابن راهوية يقول لو أن رجلا ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد بطلت صلاته فقال: ما أجترئ أن أقول هذا وقال في موضع هذا شذوذ وهو قول مالك والثوري وأصحاب الرأي، قال ابن المنذر وهو قول جل أهل العلم إلا الشافعي وبه قال ابن المنذر قال: لاني لا أجد دليلا يوجوب الاعادة على من تركها، واحتجوا بحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه التشهد ثم قال " إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد تمت صلاتك " وفي لفظ " فقد قضيت صلاتك فان شئت أن تقوم فقم " رواه أبو داود.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا
تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع " رواه مسلم، أمر بالاستعاذة عقيب التشهد من غير فصل ولان
الوجود من الشرع ولم يرد به.
ولنا ما روى كعب بن عجزة قال إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال " قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل ابراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى أل محمد كما باركت على آل ابراهيم إنك حميد مجيد " متفق عليه، وعن فضالة بن عبيد قال سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عجل هذا " ثم دعاه فقال له " إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء " رواه الامام احمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح، وعن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد " رواه البيهقي فأما حديث
ابن مسعود فقال الدار قطني: الزيادة فيه من كلام ابن مسعود (فصل) وصفة الصلاة كم ذكرنا لحديث كعب بن عجرة وقد رواه النسائي كذلك وفيه " كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد " قال الترمذي: هو حديث حسن صحيح.
وفي حديث أبي حميد " اللهم صلى على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل ابراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل ابراهيم إنك حميد مجيد " متفق عليه واللفظ لمسلم.
والاولى الاتيان بالصلاة كما في حديث كعب بن عجرة المتفق عليه فانه أصح شئ روي فيها وعلى أي صفة أتى بالصلاة عليه مما روي في الاخبار جاز كقولنا في التشهد، وظاهره انه إذا أخل بلفظ ساقط في بعض الاخبار جاز لانه لو كان واجبا لما أغفله النبي صلى الله عليه وسلم، قال القاضي: ظاهر كلام أحمد ان الصلاة واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم حسب لان أبا زرعة الدمشقي حكى عن أحمد
أنه قال كنت أتهيب ذلك يعني القول بوجوب الصلاة ثم تبينت فإذا الصلاة واجبة فذكر الصلاة حسب وهذا مذهب الشافعي، ولهم في وجوب الصلاة على آله وجهان، وقال بعض أصحابنا تجب الصلاة على ما في خبر كعب لانه أمر به والامر يقتضي الوجوب، وقد ذكرنا ما يدل على خلاف قولهم والنبي صلى الله عليه وسلم انما أمرهم بهذا حين سألوه ولم يبتدئهم به
(فصل) آل النبي صلى الله عليه وسلم أتباعه على دينه كما قال تعالى (آل فرعون) يعني أتباعه من أهل دينه، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل من آل محمد؟ قال " كل تقي " أخرجه تمام في فوائده، وقيل آله أهله الهاء منقلبة عن الهمزة كما يقال أرقت الماء وهرقته، فلو قال على أهل محمد مكان آل أجزأه عند القاضي وقال: معناهما واحد، ولذلك لو صغر قيل أهيل قال: ومعناهما جميعا اهل دينه، وقال ابن حامد أبو حفص: لا يجزئ لما فيه من مخالفة الاثر وتغيير المعنى فان الاهل يعبر به عن القرابة، والآل عن الاتباع في الدين والله اعلم (فصل) في تفسير التحيات، التحية العظمة، قاله ابن عباس، والصلوات الصلوات الخمس، والطيبات الاعمال الصالحة، وقال أبو عمرو: التحيات الملك وأنشد ولكل ما نال الفتى + + + قد نلته إلا التحية وقيل التحيات البقاء، وقال ابن الانباري: التحيات السلام، والصلوات الرحمة، والطيبات من الكلام (فصل) والسنة اخفاء التشهد لا نعلم في هذا خلافا، قال عبد الله بن مسعود من السنة إخفاء التشهد، رواه أبو داود، ولانه ذكر غير القراءة لا ينتقل به من ركن إلى ركن فاستحب إخفاؤه كالتسبيح.
ومن قدر على التشهد بالعربية والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز بغيرها كالتكبير
فان عجز عن العربية تشهد بلسانه كقولنا في التكبير ويجئ على قول القاضي انه لا يتشهد وحكمه حكم الاخرس، فان قدر على تعلم التشهد والصلاة لزمه ذلك كالقراءة فان صلى قبل تعلمه مع إمكانه لم يصح فان خاف فوات الوقت أو عجز عن تعلمه أتى بما يمكنه وأجزأه للضرورة، وإن لم يحسن شيئا منه سقط
(فصل) السنة ترتيب التشهد وتقديمه على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فان نكسه من غير تغيير شئ من معانيه ولا إخلال بشئ من الواجب فيه فعلى وجهين (أحدهما) يجزئه ذكره القاضي وهو قول الشافعي لان المقصود المعنى وقد حصل أشبه ما لو رتبه (والثاني) لا يصح لانه أخل بالترتيب في ذكر ورد الشرع به فلم يصح كالاذان (مسألة) (ويستحب أن يتعوذ فيقول أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) لما روى أبو هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو " اللهم اني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال " متفق عليه، ولمسلم " إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع " وذكره (مسألة) (وان دعا بما ورد في الاخبار فلا بأس) قال الاثرم: قلت لابي عبد الله ان هؤلاء يقولون لا يدعو في المكتوبة الا بما في القرآن، فنفض
يده كالمغضب وقال من يقف على هذا وقد تواترت الاحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف ما قالوا؟ قلت لابي عبد الله: إذا جلس في الرابعة يدعو بعد التشهد بما شاء؟ قال بما شاء لا أدري ولكن يدعو بما يعرف وبما جاء قلت على حديث عمرو بن سعد؟ قال سمعت عبد الله يقول إذا جلس أحدكم في صلاته ذكر التشهد ثم ليقل اللهم أني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم اني أسألك من خير ما سألك عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك الصالحون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد.
رواه الاثرم واختاره أحمد ذكره القاضي وقال لا يستحب للامام الزيادة على هذا لئلا يطيل على المأمومين، فان كان منفردا فلا بأس بكثرة الدعاء ما لم يخرجه إلى السهو فقد روى أبو داود عن عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من
القرآن قال وعلمنا أن نقول اللهم اصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، واصرف عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا انك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها وأتمها علينا.
وعن أبى بكر الصديق أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال " قل اللهم اني ظلمت نفسي ظلما كثير ولا يغفر الذنوب الا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك
وارحمني انك أنت الغفور الرحيم " متفق عليه، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل " ما تقول في الصلاة؟ " قال أتشهد ثم اسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، أما والله ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال " حولها ندندن " رواه أبو داود، وقوله بما ورد في الاخبار يعني أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف رحمهم الله فقد ذهب أحمد إلى حديث ابن مسعود في الدعاء وهو موقوف عليه قال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول في سجوده.
اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصن وجهي عن المسألة لغيرك، وقال كان عبد الرحمن يقوله في سجوده وقال سمعت الثوري يقوله في سجوده (فصل) فأما ما يقصد به ملاذ الدنيا وشهواتها كقوله اللهم ارزقني جارية حسناء، وطعاما طيبا ودارا قوراء، وبستانا أنيقا، ونحوه فلا يجوز الدعاء به في الصلاة.
وقال الشافعي: يدعو بما أحب لقوله عليه السلام في حديث ابن مسعود " ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه " متفق عليه.
ولمسلم " ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء " ولنا قوله عليه السلام (ان صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس انما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " رواه مسلم، وهذا من كلام الآدميين ولانه كلام آدمي يتخاطب بمثله أشبه رد السلام وتشميت العاطس والخبر محمول على أنه يتخير من الدعاء المأثور (فصل) فأما الدعاء بما يتقرب به إلى الله مما ليس بمأثور ولا يقصد به ملاذ الدنيا فقال جماعة
من أصحابنا لا يجوز ويحتمله كلام أحمد لقوله يدعو بما جاء وبما يعرف، وحكى عنه ابن المنذر أنه قال
لا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه من حوائج دنياه وآخرته وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى اختاره شيخنا لظواهر الاخبار فان في حديث أبي هريرة " ثم يدعو لنفسه بما بدا له " وعن أنس قال: جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله علمني شيئا أدعو به في صلاتي فقال " احمدي الله عشرا، وسبحي الله عشرا، ثم سلي الله ما شئت " يقول نعم نعم نعم رواه الاثرم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء " ولم يعين لهم ما يدعون به فيدل على أنه أباح لهم جميع الدعاء الا ما خرج منه بالدليل في الفصل الذي قبله ولانه دعاء يتقرب به إلى الله عزوجل أشبه الدعاء المأثور (فصل) فأما الدعاء لانسان بعينه في صلاته ففي جوازه روايتان (احداهما) يجوز قال الميموني سمعت أبا عبد الله يقول لابن الشافعي أنا أدعو لقوم منذ سنين في صلاتي أبوك أحدهم.
وروي ذلك
عن علي وأبي الدرداء لقول النبي صلى الله عليه وسلم في قنوته اللهم انج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش ابن أبي ربيعة " ولانه دعاء لبعض المؤمنين أشبه مالو قال: رب اغفر لي ولوالدي (والاخرى) لا يجوز كرهه عطاء والنخعي لشبهه بكلام الآدميين ولانه دعاء لمعين أشبه تشميت العاطس.
وقد دل على المنع منه حديث معاوية بن الحكم السلمي، ويحتمل التفريق بين الدعاء وتشميت العاطس لانه مخاطبة لانسان لدخول كاف المخاطب فيه والله أعلم (فصل) ويستحب للامام ترتيل القراءة والتسبيح والتشهد بقدر ما يرى أن من خلفه ممن يثقل على لسانه قد أتى عليه والتمكن في الركوع والسجود حتى يرى أن الكبير والصغير والثقبل قد أتى عليه فان خالف فأتى بقدر ما عليه كره وأجزأه، ويكره له التطويل كثيرا لئلا يشق على من خلفه، وأما المنفرد فله التطويل في ذلك كله ما لم يخرجه إلى حال يخاف السهو، وقد روي عن عمار أنه صلى صلاة أوجز فيها
فقيل له في ذلك فقال: أني أبادر الوسواس، ويستحب للامام إذا عرض في الصلاة عارض لبعض المأمومين يقتضي خروجه أن يخفف لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إني لاقوم في الصلاة وأنا أريد
أن اطول فيه فأسمع بكاء الصبى فاتجوز فيها مخافة أن أشق على أمه " رواه أبو داود (مسألة) (ثم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك) التسليم واجب في الصلاة لا يقوم غيره مقامه وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يتعين السلام للخروج من الصلاة بل إذا خرج بما ينافي الصلاة من عمل أو حدث أو غير ذلك جاز فالسلام عندهم مسنون غير واجب لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسئ في صلاته ولو وجب لامر به لانه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولان إحدى التسليمتين غير واجبة كذلك الاخرى ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم " رواه أبو داود ولانه أحد طرفي الصلاة فكان فيه نطق واجب كالاول ولان النبي صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عليه فقال " صلوا كما رأيتموني أصلي " وحديث الاعرابي أجبنا عنه، والتسليمه الثانية عندنا واجبة على إحدى الروايتين (فصل) والمشروع أن يسلم تسليمتين عن يمينه وعن يساره روي ذلك عن أبي بكر الصديق وعلي وعمار وابن مسعود رضي الله عنهم وهو مذهب الثوري والشافعي واسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي، وقال عمر وأنس وسلمة بن الاكوع وعائشة والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز ومالك
والاوزاعي يسلم تسليمة واحدة وقال عمار بن أبي عمار: كان مسجد الانصار يسلمون فيه تسليمتين وكان مسجد المهاجرين يسلمون فيه تسليمة واحدة ولما روت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه، وعن سلمة بن الاكوع قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فسلم تسلمية واحدة.
رواهما ابن ماجه، ولان التسليمة الاولى قد خرج بها من الصلاة فلم يشرع ما بعدها كالثالثة ولنا ما روى ابن مسعود قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم حتى يرى بياض خده عن يمينه ويساره، وعن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " انما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله " رواهما مسلم، وفي لفظ لحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه " السلام عليكم ورحمة الله " وعن يساره " السلام عليكم ورحمة
الله " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وحديث عائشة يرويه زهير بن محمد يروي مناكير (1) وقال أبو حاتم الرازي هذا حديث منكر، ويمكن حمل حديث عائشة على أنه كان يسمعهم تسليمة واحدة جمعا بين الاحاديث على أن أحاديثنا تتضمن الزيادة والزيادة من الثقة مقبولة، ويجوز أن يكون عليه السلام فعل الامرين ليبين الجائز والمسنون ولان الصلاة عبادة ذات احرام فيشرع لها تحللان كالحج (فصل) والتسليمة الاولى هي واجبة وهي ركن من أركان الصلاة، والثانية سنة في الصحيح
__________
1) عزا المغني هذا القول إلى البخاري فهل تركه الشارح اختصارا أو تركه الناسخ سهوا؟
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن صلاة من اقتصر على تسلمية واحدة جائزة (وفيه رواية أخرى) أنها واجبة ذكرها القاضي وأبو الخطاب قال القاضي وهي أصح لحديث جابر بن سمرة ولانها عبادة لها تحللان فكانا واجبين كتحللي الحج ولانها احدى التسليمتين أشبهت الاولى وعدها أبو الخطاب من أركان الصلاة لما ذكرنا، والصحيح الاول اختاره شيخنا فانه لا يصح عن أحمد تصريح بوجوب التسليمتين انما قال التسليمتان أصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجوز أن يكون ذهب إليه في المشروعية لا الايجاب كغيره.
وقد دل عليه قوله في رواية مهنا أعجب إلي التسليمتان لان عائشة وسلمة بن الاكوع وسهل بن سعد قد رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسلمية واحدة، وكان المهاجرون يسلمون تسليمة واحدة ففيما ذكرناه جمع بين الاخبار وأقوال الصحابة في كون المشروع تسليمتين والواجب واحدة.
وقد دل على صحة ذلك الاجماع الذي حكاه ابن المنذر.
وحديث جابر بن سمرة يعني في إصابة السنة بدليل أن فيه " يضع يده على فخذه " وليس هو واجبا بالاتفاق ولانها صلاة فتجزئ فيها تسليمة واحدة كصلاة الجنازة والنافلة فان الخلاف انما هو في المفروضة، أما صلاة النافلة والجنازة وسجود التلاوة فلا خلاف أنه يخرج منها بتسليمة واحدة قاله القاضي ونص أحمد عليه في صلاة الجنازة وسجود التلاوة
(فصل) (فان لم يقل ورحمة الله لم يجزه، وقال القاضي يجزئه ونص عليه أحمد في صلاة الجنازة)
وجملة ذلك ان الافضل أن يقول السلام عليكم ورحمة الله لما ذكرنا من حديث ابن مسعود، وقد روى وائل بن حجر قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يسلم عن يمينه " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - وعن شماله - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " رواه أبو داود، فان قال كذلك فحسن، والاول أحسن لكثرة رواته وصحة طرقه، فان قال السلام عليكم حسب فقال القاضي: يجزئه في ظاهر كلام أحمد ونص عليه في صلاة الجنازة وهو مذهب الشافعي لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " وتحليلها التسليم " وهذا التسليم.
وعن علي رضي الله عنه أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره، السلام عليكم السلام عليكم، رواه سعيد ولان ذكر الرحمة تكرير للثناء فلم يجب كقوله وبركاته، وقال ابن عقيل الاصح انه لا يجزئه لان الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول " السلام عليكم ورحمة الله " ولانه سلام في الصلاة ورد مقرونا بالرحمة فلم يجز بدونها كالتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد (فصل) فان نكس السلام ففال عليكم السلام لم يجزه، وقال القاضي: يجزئه في وجه وهو مذهب الشافعي لحصول المعنى منه وليس هو قرآنا فيعتبر له النظم ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم قاله مرتبا وأمر به كذلك ولانه ذكر يؤتى به في أحد طرفي الصلاة فلم يجز منكسا كالتكبير
(فصل فان قال سلام عليكم منكرا منونا ففيه وجهان (أحدهما) يجزئه وهو قول الشافعي لان السلام الذي ورد في القرآن أكثره بغير ألف ولام كقوله (سلام عليكم بما صبرتم) ولانا أجزنا التشهد بتشهد ابن عباس وأبي موسى وفيهما سلام عليك والتسليمان واحد (والآخر) لا يجزئه لانه بغير صيغة السلام الوارد ويخل بحرف يقتضي الاستغراق فلم يجز كما لو أثبت اللام في التكبير، وقال الآمدي: لا فرق بين أن ينون التسليم أو لا ينونه لا حذف التنوين لا يخل بالمعنى بدليل مالو وقف عليه (فصل) ويسن أن يلتفت عن يمينه في التسلمية الاولى وعن يساره في الثانية كما وردت السنة في حديث ابن مسعود وجابر وغيرهما، قال الامام أحمد: ثبت عندنا من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خديه، ويكون التفاته في الثانية أكثر لما روي عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الايمن وإذا سلم عن يساره يرى بياض خده الايمن والايسر، رواه يحيى بن محمد بن صاعد باسناده، وقال ابن
عقيل: يبتدئ بقوله السلام عليكم إلى القبلة ثم يلتفت عن يمينه ويساره في قوله ورحمة الله لقول
عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلم تلقاء وجهه معناه ابتداؤه بالتسليم جمعا بين الاحاديث (فصل) روي عن أبي عبد الله ان التسلمية الاولى أرفع من الثانية اختار هذا أبو بكر الخلال وأبو حفص العكبري وحمل أحمد حديث عائشة أنه كان يسلم تسليمة واحدة على أنه كان يجهر بواحدة فيسمع منه ذلك لان الجهر في غير القراءة انما كان للاعلام بالانتقال من ركن إلى غيره وقد حصل الجهر بالاولى، واختار ابن حامد الجهر بالثانية وإخفاء الاولى لئلا يسابقه المأموم في السلام ويستحب حذف السلام لقول أبي هريرة حذف السلام سنة، وروي مرفوعا رواه الترمذي وقال حديث صحيح.
قال أبو عبد الله هو أن لا يطول به صوته: وقال ابن المبارك معناه لا يمد مدا، قال ابراهيم النخعي: التكبير جزم والسلام جزم (مسألة) (وينوي بسلامه الخروج من الصلاة فان لم ينو جاز، وقال ابن حامد تبطل صلاته) الاولى أن ينوي بسلامه الخروج من الصلاة وان نوى مع ذلك الرد على الملكين وعلى من خلفه ان كان إماما أو الرد على من معه ان كان مأموما فلا بأس نص عليه أحمد فقال ينوي بسلامه الرد على الامام.
وقال أيضا ينوي بسلامه الخروج من الصلاة، فان نوى الملكين ومن خلفه فلا بأس والخروج من الصلاة تختار.
وقال ابن حامد ان نوى في السلام الرد على الملائكة أو غيرهم من الناس مع نية الخروج فهل تبطل صلاته؟ على وجهين (أحدهما) تبطل لانه نوى السلام على آدمي أشبه مالو سلم على من لم
يصل معه.
وقال أبو حفص بن مسلمة ينوي بالتسليمة الاولى الخروج وبالثانية السلام على الحفظة والمأمومين ان كان اماما، والرد على الامام والحفظة ان كان مأموما ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن سمرة " انما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله " رواه مسلم، وفي لفظ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرد على الامام وأن يسلم بعضنا على بعض.
رواه أبو داود.
وهذا يدل على انه يسن التسليم على
من معه وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي.
فان لم ينو الخروج ولا شيئا غيره صح، وقال ابن حامد لا يصح وهو ظاهر مذهب الشافعي لانه ذكر في أحد طرفي الصلاة فافتقر إلى النية كالتكبير ولنا أنه جزء من أجزاء الصلاة فلم يحتج إلى نية تخصه كسائر أجزائها ولان الصلاة عبادة فلم تحتج إلى نية الخروج منها كالصوم وذلك لان النية إذا وجدت في أول العبادة انسحبت على أجزائها واستغنى عن ذكرها وقياس الجزء الآخر على الاول لا يصح لذلك (فصل) ويستحب ذكر الله تعالى والدعاء عقيب الصلاة والاستغفار كما ورد في الاخبار فروي المغيرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة مكتوبة " لا اله الا الله وحده
لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " متفق عليه، وقال ثوبان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام " قال الاوزاعي يقول " استغفر الله استغفر الله " رواه مسلم، وقال أبو هريرة جاء فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ذهب أهل الدثور من الاموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون فقال " ألا أحدثكم بحديث ان أخذتم به أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم الا من عمل مثله؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين " قال سمي (1) فاختلفنا بيننا فقال بعضنا نسبح ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر أربعا وثلاثين " فرجعت إليه يعني إلى أبي صالح فقال يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاث وثلاثون.
متفق عليه واللفظ للبخاري.
قال أحمد في رواية أبي داود يقول هكذا ولا يقطعه سبحان الله والحمد لله والله اكبر.
وكان ابن الزبير يقول في دبر كل صلاة لا إله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، ولا حول ولا قوة الا بالله، لا إله الا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل والثناء الحسن الجميل، لا إله الا الله مخلصين له الدين ولو كره
الكافرون.
وقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة رواه مسلم، وعن معاذ ابن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده فقال " يا معاذ والله اني لاحبك، أوصيك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " رواه الامام أحمد
__________
1) قوله تعالى سمي ليس من لفظ البخاري بل جاءت في مسلم مع زيادة فلم يكن لذكره حاجة وسمى هذا من رواة هذا الحديث
وأبو داود والنسائي عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجله قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير - عشر مرات - كتبت له عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه وحرس من الشيطان، ولم ينبغ للذنب أن يدركه ذلك اليوم الا الشرك بالله " رواه النسائي والترمذي وقال حسن غريب صحيح.
وقال أبو معبد مولى ابن عباس ان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس كنت أعلم إذا انصرف الناس بذلك إذا سمعته متفق عليه (فصل) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقعد بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس حسناء، رواه مسلم فيستحب للانسان أن يفعل ذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم (مسألة) وان كانت الصلاة مغربا أو رباعية نهض مكبرا إذا فرغ من التشهد الاول فصلى الثالثة والرابعة مثل الثانية الا أنه لا يجهر ولا يقرأ شيئا بعد الفاتحة) متى فرغ من التشهد الاول نهض مكبرا كنهوضه من السجود قائما على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه ولا يعتمد بالارض الا أن يشق عليه كما ذكرنا في النهوض من السجود ولا يقدم إحدى رجليه عند النهوض قاله ابن عباس وكرهه اسحاق وروي عن ابن عباس أنه يقطع الصلاة ورخص فيه مجاهد والاولى تركه لانه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد كرهه ابن عباس ولا تبطل به الصلاة لانه عمل يسير ولم يوجد فيه ما يقتضي البطلان (فصل) ويصلي الثالثة والرابعة كالثانية لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسئ في صلاته وقد
وصف له الركعة الاولى " ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " ولا يجهر فيهما لا نعلم في ذلك خلافا وأكثر
أهل العلم يرون انه لا تسن الزيادة على فاتحة الكتاب في غير الاوليين من كل صلاة.
قال ابن سيرين لا أعلمهم يختلفون في أنه يقرأ في الركعتين الاوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الاخريين بفاتحة الكتاب روي ذلك عن ابن مسعود وأبي الدرداء وجابر وابي هريرة وعائشة وهو قول مالك وأصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي، وقال في الآخر يسن أن يقرأ سورة مع الفاتحة في الاخريين لما روى الصنابحي قال: صليت خلف أبي بكر الصديق رضي الله عنه فدنوت منه حتى إن ثيابي تكاد أن تمس ثيابه فقرأ في الركعة الاخيرة بأم الكتاب وهذه الآية (ربنا لا تزغ قلوبنا) رواه مالك في الموطأ ولنا حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث إلى قوله - في الركعتين الاخريين " بأم الكتاب " وكتب عمر إلى شريح أن اقرأ في الركعتين الاوليين بأم الكتاب وسورة، وفي الاخريين بأم الكتاب، وما فعل أبو بكر قصد به الدعاء لا القراءة ولو قصد القراءة لكان الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم أولى مع أن عمر وغيره من الصحابة قد خالفوه.
فأما ان دعا الانسان في الركعة الاخيرة بآية كما روي عن الصديق فلا بأس لانه دعاء في الصلاة أشبه دعاء التشهد (مسألة) (ثم يجلس في التشهد الثاني متوركا يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما عن يمينه ويجعل أليتيه على الارض) التورك في التشهد الثاني سنة وبه قال مالك والشافعي.
وقال الثوري وأصحاب الرأي: يجلس فيه مفترشا كالتشهد الاول لما ذكرنا من حديث وائل وأبي حميد في صفة جلوس النبي صلى الله عليه وسلم ولنا أن في حديث أبي حميد: حتى إذا كانت الركعة التي يقضي فيها صلاته أخر رجله اليسرى وجلس متوركا على شقه الايسر، وهذا بيان الفرق بين التشهدين وزيادة يجب الاخذ بها والمصير إليها والذي احتجوا به في التشهد الاول ونحن نقول به.
فأما صفة التورك فهو كما ذكر.
قال الاثرم رأيت أبا عبد الله يتورك في الرابعة في التشهد فيدخل رجله اليسرى ويخرجها من تحت ساقه الايمن ولا يقعد على شئ منها وينصب اليمنى يفتح أصابعه وينحي عجزه كله ويستقبل بأصابعه اليمنى القبلة
وركبته اليمنى على الارض ملزقه وهذا قول أبي الخطاب وأصحاب الشافعي فان أبا حميد قال: فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الارض وأخرج قدميه من ناحية واحدة، رواه أبو داود.
وقال الخرقي والقاضي: ينصب رجله اليمنى ويجعل باطن رجله اليسرى تحت فخذه اليمنى، ويجعل أليتيه على الارض لقول عبد الله بن الزبير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى، رواه مسلم.
وفي بعض ألفاظ حديث أبي حميد نحو هذا قال: جعل بطن قدمه عند مأبض اليمنى ونصب قدمه اليمنى، وأيهما فعل فحسن (فصل) وهذا التشهد والجلوس له من أركان الصلاة وممن قال بوجوبه عمر وابنه وأبو مسعود البدري والحسن والشافعي، ولم يوجبه مالك وأبو حنيفة، وأوجب أبو حنيفة الجلوس قدر التشهد لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه الاعرابي فدل على أنه غير واجب ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به فقال " قولوا التحيات لله " وفعله وداوم عليه.
وروي عن ابن مسعود أنه قال: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله قبل عباده، السلام على جبرائيل، السلام على ميكائيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تقولوا السلام على الله ولكن قولوا التحيات لله " إلى آخره.
وهذا يدل على أنه فرض بعد أن لم يكن مفروضا، وحديث الاعرابي يحتمل أنه كان قبل فرض التشهد، ويحتمل أنه ترك تعليمه لانه لم يتركه (فصل) ولا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان في الاخير منهما.
وقال الشافعي: يسن التورك في كل تشهد يسلم فيه وان لم يكن ثانيا كتشهد الصبح والجمعة لانه تشهد يسن تطويله فسن التورك فيه كالثاني ولنا حديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جلس للتشهد افترش رجله اليسرى ونصب رجله اليمنى ولم يفرق بين ما يسلم فيه ولا ما لا يسلم، وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في كل ركعتين التحية وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى، رواه مسلم وهذان
يقضيان على كل تشهد بالافتراش إلا ما خرج منه بحديث أبي حميد في التشهد الثاني فيبقى فيما عداه
على قضية الاصل ولان هذا ليس بتشهد ثان فلا يتورك فيه كالاول وهذا لان التشهد الثاني انما يتورك فيه للفرق بين التشهدين وما ليس فيه تشهد ثان لا يحتاج إلى الفرق، وما ذكروه من المعنى إن صح فيضم إليه هذا المعنى الذي ذكرناه ويعلل بهما والحكم إذا علل بمعنيين لم يتعد بدونهما (فصل) قيل لابي عبد الله ما تقول في تشهد سجود السهو؟ قال يتورك فيه أيضا هو من بقية الصلاة يعني إذا كان من السهو في صلاة رباعية لان تشهدها يتورك فيه وهذا تابع له، وقال القاضي: يتورك في كل تشهد لسجود السهو بعد السلام في الرباعية وغيرها لانه تشهد ثان في الصلاة يحتاج إلى الفرق، وقال الاثرم قلت لابي عبد الله الرجل يدرك مع الامام ركعة فيجلس الامام في الرابعة أيتورك معه الرجل المسبوق في هذه الجلسة؟ فقال إن شاء تورك، قلت فإذا قام يقضي يجلس في الرابعة فينبغي له أن يتورك؟ فقال نعم ينبغي أن يتورك لانها الرابعة يتورك ويطيل الجلوس في التشهد الاخير قال القاضي: قوله إن شاء تورك على سبيل الجواز لا انه مسنون، وقد صرح بذلك في رواية مهنا فيمن أدرك من صلاة الظهر ركعتين لا يتورك إلا في الاخيرتين ويحتمل أن تكون هاتين روايتين.
(مسألة) (والمرأة كالرجل في ذلك كله إلا أنها تجمع نفسها في الركوع والسجود وتجلس متربعة أو تسدل رجليها فتجعلهما في جانب يمينها، وهل يسن لها رفع اليدين؟ على روايتين) الاصل ان
نثبت في حق المرأة من الاحكام ما نثبت في حق الرجل لشمول الخطاب لهما غير أنها لا يسن لها التجافي لانها عورة فاستحب لها جمع نفسها ليكون أستر لها فانه لا يؤمن أن يبدو منها شئ حال التجافي وكذلك في الافتراش، قال علي رضي الله عنه: إذا صلت المرأة فلتحتفز ولتضم فخذيها، وعن ابن عمر انه كان يأمر النساء أن يتربعن في الصلاة، قال أحمد السدل أعجب إلي واختاره الخلال ولا يسن لها رفع اليدين في إحدى الروايتين لانه في معنى التجافي، والرواية الاخرى يشرع لها قياسا على الرجل ولان أم سلمة كانت ترفع يديها (فصل) ويستحب للمصلي أن يفرج بين قدميه ويراوح بينهما إذا طال قيامه، قال الاثرم رأيت أبا عبد الله يفرج بين قدميه ورأيته يراوح بينهما.
روي هذا عن عمرو بن ميمون والحسن، وروي
الاثرم باسناده عن أبي عبيدة قال: رأى عبد الله رجلا يصلي صافا بين قدميه فقال لو راوح هذا بين قدميه كان أفضل، ورواه النسائي وفيه قال أخطأ السنة لو راوح بينهما كان أعجب إلي، ولا يستحب الاكثار منه لما روي عن عطاء قال: اني لاحب أن يقل التحريك وأن يعتدل قائما على قدميه إلا أن يكون إنسانا كبيرا لا يستطيع ذلك.
فأما التطوع فانه يطول على الانسان فلا بد من التوكي على هذه مرة وعلى هذه مرة، وقد روى النجاد باسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام أحدكم في صلاته فليسكن أطرافه ولا يميل ميل اليهود "
(فصل) ويكره الالتفات في الصلاة لغير حاجة لما روي عن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال " هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد " رواه البخاري وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يزال الله عزوجل مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه انصرف عنه " رواه الامام أحمد وأبو داود.
وعن أنس قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياك والالتفات في الصلاة فان الالتفات فيها هلكة فان كان لابد في التطوع لا في الفريضة " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
فان كان لحاجة لم يكره لما روى سهل بن الحنظلية قال: ثوب بالصلاة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، رواه أبو داود قال: وكان أرسل فارسا إلى الشعب يحرس، وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه، رواه النسائي.
ولا تبطل الصلاة بالالتفات إلا أن يستدير عن القبلة بجملته أو يستدبرها قال ابن عبد البر جمهور الفقهاء على أن الالتفات لا يفسد الصلاة إذا كان يسيرا (مسألة) ويكره رفع بصره إلى السماء لما روى أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم " فاشتد قوله في ذلك حتى قال " لينتهين عن ذلك أو لتخطف أبصارهم " رواه البخاري.
ويكره الاستناد إلى الجدار ونحوه في الصلاة لانه يزيل مشقة القيام والتعبد به
(مسألة) قال (وافتراش الذراعين في السجود) قال الترمذي أهل العلم يختارون الاعتدال في
السجود، وروي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وفي لفظ عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " اعتدلوا في السجود ولا يسجد أحدكم وهو باسط ذارعيه كالكلب " وهذا هو المنهي عنه كرهه أهل العلم وفي حديث أبي حميد فإذا سجد سجد غير مفترش ولا قابضهما (مسألة) (ويكره الاقعاء في الجلوس وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه وعنه أنه سنة) كذلك وصف أحمد الاقعاء، وقال أبو عبيد هذا قول أهل الحديث، فأما عند العرب فهو جلوس الرجل على أليتيه ناصبا فخذيه مثل اقعاء الكلب.
قال شيخنا ولا أعلم أحدا قال باستحباب الاقعاء على هذه الصفة.
فأما الاول فكرهه علي وأبو هريرة وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وعليه العمل عند أكثر أهل العلم لما روى الحارث عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقع بين السجدتين " وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب " رواهما ابن ماجه، وفيه رواية أخرى أنه سنة، وروى مهنا عن احمد أنه قال لا أفعله ولا أعيب على من يفعله العبادلة كانوا يفعلونه.
قال طاوس رأيت العبادلة يفعلونه ابن عمر وابن الزبير
وابن عباس وقال طاوس قلنا لابن عباس في الاقعاء على القدمين في الجلوس فقال هي السنة.
قال قلنا انا لنراه جفاء بالرجل فقال هي سنة نبيك رواه مسلم وأبو داود، والاول أولى لما ذكرنا وقد قال ابن عمر حين فعله لا تقتدوا بي فاني قد كبرت وفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى وينهى عن قعية الشيطان (مسألة) (ويكره أن يصلي وهو حاقن) سواء خاف فوات الجماعة أو لا لا نعلم فيه خلافا وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي لما روت عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الاخبثان " رواه مسلم، ولان ذلك يشغله عن خشوع الصلاة وحضور قلبه فيها فان خالف وفعل صحت صلاته وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وقال ابن أبي موسى ان كان به من مدافعة الاخبثين ما يزعجه ويشغله عن الصلاة أعاد في الظاهر من قوله، وقال مالك أحب
الي أن يعيد إذا شغله ذلك لظاهر الخبر ولنا أنه ان صلى يحضرة الطعام أو قلبه مشغول بشئ من الدنيا صحت صلاته كذا ههنا وخبر عائشة أريد به الكراهة بدليل ما لو صلى بحضرة الطعام قال ابن عبد البر أجمعوا على أنه لو صلى بحضرة الطعام فاكمل صلاته ان صلاته تجزئه وكذلك إذا صلى حاقنا (مسألة) (أو بحضرة طعام تتوق إليه نفسه) وبهذا قال عمر وابنه وتعشي ابن عمر وهو يسمع
قراءة الامام قال ابن عباس: لا نقوم إلى الصلاة وفي أنفسنا شئ، وبهذا قال الشافعي واسحاق وابن المنذر وقال مالك: يبدأ بالصلاة إلا أن يكون طعاما خفيفا.
ولنا حديث عائشة الذي ذكرناه.
وروى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قرب عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء ولا تعجلوا حتى يفرغ منه " رواه مسلم وغيره.
ولانه إذا قدم الصلاة على الطعام اشتغل قلبه عن خشوعها.
إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يخشى فوات الجماعة أو لم يخش لعموم الحديثين.
هذا إذا كانت نفسه تتوق إليه أو يخشى فواته أو فوات بعضه ان تشاغل بالصلاة أو تكون حاجته إلى البداية به لوجه من الوجوه، فان لم يفعل وبدأ بالصلاة صحت في قولهم جميعا حكاه ابن عبد البر لان البداية بالطعام رخصة فان لم يفعلها صحت صلاته كسائر الرخص (مسألة) (ويكره العبث في الصلاة) لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يعبث في الصلاة فقال " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه " ويكره التخصر وهو أن يضع يده على خاصرته لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل متخصرا متفق عليه (مسألة) قال (والتروح وفرقعة الاصابع وتشبيكها) يكره التروح الا من غم شديد لانه من العبث وبذلك قال اسحاق وعطاء وأبو عبد الرحمن ومالك، ورخص فيه ابن سيرين ومجاهد والحسن ويكره فرقعة الاصابع وتشبيكها في الصلاة لما روي عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تفقع
أصابعك وأنت في الصلاة " رواه ابن ماجه، وعن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد شبك
أصابعه في الصلاة ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه، رواه الترمذي وابن ماجه (فصل) وإذا تثاءب في الصلاة استحب أن يكظم ما استطاع فان لم يقدر وضع يده على فيه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع فان الشيطان يدخل " رواه مسلم، وللترمذي " فليضع يده على فيه " (فصل) ومما يكره في الصلاة أن ينظر إلى ما يلهيه أو ينظر في كتاب لما روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فقال " شغلتي أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم بن حذيفة وائتوني بانبجانيته " متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة " أميطي عنا قرامك هذا فانه لا يزال تصاويره تعرض لي في صلاتي " رواه البخاري.
ويكره أن يصلي وهو معقوص أو مكتوف لما روي عن ابن عباس أنه رأى عبد الله ابن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه فقام إليه فحله فلما انصرف أقبل على ابن عباس فقال: مالك ورأسي فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف " رواه مسلم، ويكره أن يكف شعره أو ثيابه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا " متفق عليه.
ولا نعلم بين أهل العلم في كراهية هذا خلافا، ونقلت كراهة بعضه
عن ابن عباس وعائشة ويكره أن يكثر الرجل مسح جبهته في الصلاة لما روي عن ابن مسعود أنه قال من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل الفراغ من صلاته رواه ابن ماجه.
ويكره النفخ وتحريك الحصى لما روت أم سلمة قالت: رأى النبي صلى الله عليه وسلم غلاما لنا يقال له أفلح إذا سجد نفخ فقال " يا أفلح ترب وجهك " رواه الترمذي، إلا أن فيه مقالا.
قال ابن عباس: لا تمسح جبهتك ولا تنفخ ولا تحرك الحصى.
ورخص فيه مالك وأصحاب الرأي، ويكره مسح الحصى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى فان الرحمة تواجهه " رواه أبو داود والترمذي، ويكره أن يعتمد على يده في الجلوس في الصلاة لما روى ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده، رواه الامام احمد وأبو داود، ويكره أن يغمض عينيه في الصلاة، نص عليه وقال: هو من فعل اليهود، وهو قول سفيان، وروي عن مجاهد والاوزاعي ورويت الرخصة فيه
من غير كراهة عن الحسن، وروى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه " رواه الطبراني إلا أن فيه عبد الرحمن بن أبي حاتم وقال هذا منكر الحديث، ويكره الرمز بالعين والاشارة لغير حاجة لانه يذهب بخشوع الصلاة ويكره إخراج لسانه وفتح فمه لانه خروج عن هيئة الخشوع (مسألة) (وله رد المار بين يديه) ليس لاحد أن يمر بين يدي المصلي إذا لم يكن بين يديه
سترة وان كان له سترة فليس له المرور بينه وبينها لما روى أبو جهم الانصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو يعلم المار بين يدى المصلي ماذا عليه من الاثم لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه " ولمسلم " لان يقف أحدكم مائة عام خير له من أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي " وروي عن يزيد قال رأيت رجلا بتبوك مقعدا فقال مررت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على حمار وهو يصلي فقال " اللهم اقطع أثره " فما مشيت عليها بعد، رواه أبو داود، وفي لفظ قال " قطع صلاتنا قطع الله أثره " وان أراد أحد المرور بين يديه فله منعه يروي ذلك ابن مسعود وابن عمر وابنه سالم وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لما روى أبو سعيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا كان أحدكم يصلي إلى سترة من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فان أبى فليقاتله فانما هو شيطان " ومعناه والله أعلم فليدفعه
فان ألح فليقاتله أي يعنف في دفعه، وقوله فانما هو شيطان أي فعله فعل شيطان أو الشيطان يحمله على ذلك، وقيل معناه ان معه شيطانا، وأكثر الروايات عن أبي عبد الله " أن المار بين يدي المصلي إذا ألح في المرور وأبى الرجوع فللمصلي أن يجتهد في رده ما لم يخرجه ذلك إلى افساد صلاته بكثرة العمل فيها " وروي عنه انه قال: يرد ما استطاع وأكره القتال فيها وذلك لما يفضي إليه من الفتنة وفساد الصلاة، والنبي صلى الله عليه وسلم انما أمر برده حفظا للصلاة عما ينقضها فيعلم انه لم يرد ما يفسدها بالكلية فيحمل لفظ المقاتلة على دفع أبلغ من الدفع الاول والله أعلم.
ويؤيد ذلك ما روت أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في حجرة أم سلمة فمر بين يديه عبد الله أو عمرو بن ابي سلمة فقال بيده
فرجع فمرت زينب بنت أم سلمة فقال بيده هكذا فمضت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " هن أغلب " رواه ابن ماجه وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يجتهد في الدفع (فصل) ويستحب له أن يرد ما مر بين يديه من كبير وصغير وبهيمة لما روينا من حديث أم سلمة وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى جدار فاتخذه قبلة ونحن خلفه فجاءت بهيمة تمر بين يديه فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار فمرت من ورائه (فصل) فان مر بين يديه انسان فعبر لم يستحب رده من حيث جاء، وهذا قول الشعبي والثوري واسحاق وابن المنذر، وروي عن ابن مسعود انه يرده من حيث جاء وفعله سالم بن عبد الله لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر برده فيتناول العابر ولنا ان هذا مرور ثان فينبغي أن لا يتسبب إليه كالاول ولان المار لو أراد أن يعود من حيث جاء لكان مأمورا بدفعه ولم يحل للعابر العود والحديث انما يتناول من أراد المرور لقوله " فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه " وبعد العبور فليس هو مريدا للاجتياز (فصل) ولا يقطع المرور الصلاة بل ينقصها نص عليه وروي عن ابن مسعود: ان ممر الرجل ليضع
نصف الصلاة.
قال القاضي: ينبغي أن يحمل نقص الصلاة على من أمكنه الرد فلم يفعله، اما إذا لم تمكنه الرد فصلاته تامة لانه لم يوجد منه ما ينقص الصلاة فلا يؤثر فيها ذنب غيره والله أعلم (مسألة) (وله عد الآي والتسبيح) لا بأس بعد الآي في الصلاة، فأما التسبيح فتوقف فيه أحمد، وقال أبو بكر: هو في معنى عد الآي، وقال ابن أبي موسى: لا يكره في أصح الوجهين وهذا قول الحسن والنخعي وسعيد بن جبير وطاوس وابن سيرين والشعبي وإسحاق، وكرهه أبو حنيفة والشافعي لانه يشغل عن خشوع الصلاة ولنا إجماع التابعين فانه حكي عمن سمينا من غير خلاف في عصرهم فكان اجماعا وانما كره أحمد عد التسبيح دون الآي، لان المنقول عن السلف انما هو عد الآي، وكره الحسن أن يحسب شيئا سواه ولان التسبيح يتوالى لقصرة فيتوالى حسابه فيصير فعلا كثيرا
(فصل) ولا بأس بالاشارة في الصلاة باليد والعين لما روى ابن عمر وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة، روى الدار قطني حديث أنس باسناد صحيح، ورواه أبو داود.
وروى الترمذي حديث ابن عمر وقال حسن صحيح (مسألة) (وله قتل الحية والعقرب والقملة ولبس الثوب والعمامة ما لم يطل) وهو قول الحسن والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي.
وكرهه النخعي لانه يشغل عن الصلاة، والاول أولى لان النبي
صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الاسودين في الصلاة، الحيه والعقرب.
رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ولا بأس بقتل القمل لان أنسا وعمر كانوا يفعلونه.
وقال القاضي: التغافل عنها أولى، وقال الاوزاعي: تركه أحب إلي لان ذلك يشغل عن الصلاة لامر غير مهم يمكن استدراكه بعد الصلاة وربما كثر فأبطلها (فصل) ولا بأس بالعمل اليسير للحاجة لما روت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي والباب عليه مغلق فاستفتحت فمشى ففتح لي ثم رجع إلى مصلاه، رواه أبو داود، ورواه أحمد عن عائشة وفيه ووصفت له الباب في القبلة، وروى أبو قتادة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاتقه فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود ردها، رواه مسلم.
وصلى أبوبرزة ولجام دابته في يده فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها وجعل رجل من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا الشيخ فلما انصرف قال: اني سمعت قولكم واني غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست غزوات أو سبع غزوات أو ثمان وشهدت من تيسيره اني ان كنت أرجع مع دابتي أحب إلي من أن ترجع إلى مألفها فيشق علي، رواه البخاري.
قال لا بأس أن يحمل الرجل ولده في الصلاة الفريضة لحديث أبي قتادة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه التحف بازاره وهو في الصلاة، فلا بأس إن سقط رداء الرجل أن يرفعه لذلك، وإن انحل
إزاره أن يشده، وإن عتقت الامة في الصلاة اختمرت وبنت على صلاتها، وقال من فعل كفعل أبي
برزة حين مشى إلى الدابة حين أفلتت منه فصلاته جائزة وهذا لان النبي صلى الله عليه وسلم هو المشرع فما فعله وأمر به فلا بأس به، وقد روى سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على منبره فإذا أراد أن يسجد نزل عن المنبر فسجد بالارض ثم رجع إلى المنبر كذلك حتى قضى صلاته، وفي حديث جابر في صلاة الكسوف قال: ثم تأخر وتأخرت الصفوف حتى إنتهينا إلى النساء ثم تقدم وتقدم الناس معه حتى قام في مقامه متفق عليه.
فكل هذا وأشباهه لا بأس به في الصلاة ولا يبطلها، وإن فعله لغير حاجة كره ولم يبطلها أيضا لما روى عمرو بن حريث قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما يضع اليمنى على اليسرى في الصلاة وربما مسح لحيته وهو يصلي، رواه البيهقي (فصل) ولا يتقدر الجائز من هذا بثلاث ولا بغيرها من العدد لان فعل النبي صلى الله عليه وسلم الظاهر منه زيادته على ثلاث كتأخره حتى تأخر الرجال فانتهوا إلى النساء، وكذلك مشي أبي برزة مع دابته ولان التقدير بابه التوقيف وهذا لا توقيف فيه لكن يرجع في الكثير واليسير إلى العرف فيما يعد كثيرا ويسيرا وما شابه فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو يسير (مسألة) (وإن طال الفعل في الصلاة أبطلها عمده وسهوه إلا أن يفعله متفرقا) متى طال الفعل في الصلاة وكثر أبطل الصلاة اجماعا عمدا كان أو سهوا إذا كان من غير جنس الصلاة الا أن
يكون لضرورة فيكون حكمه حكم الخائف فلا تتبطل الصلاة به، وإن فعله متفرقا لم تبطل الصلاة أيضا إذا كان كل عمل منها يسيرا بدليل حمل النبي صلى الله عليه وسلم امامة ووضعها في كل ركعة فان ذلك لو جمع كان كثيرا ولم تبطل به لتفرقه، فان احتاج إلى الفعل الكثير لغير ضرورة قطع الصلاة فعله.
قال أحمد إذا رأى صبيين يتخوف أن يلقي أحدهما صاحبه في البئر فانه يذهب اليهما فيخلصهما ويعود في صلاته وقال: إذا لزم رجل رجلا فدخلا المسجد وقد أقيمت الصلاة فإذا سجد الامام خرج الملزوم فان الذي كان يلزمه يخرج في طلبه يعني ويبتدئ الصلاة وهكذا لو رأى حريقا يريد اطفاءه أو غريقا يريد انقاذه خرج إليه وابتدأ الصلاة.
فان خاف على نفسه من الحريق ونحوه في الصلاة ففر منه بنى على صلاته فأتمها صلاة خائف على ما ذكرنا من قبل والله أعلم
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: