الفقه الحنبلي - الاذان - المساجد
(فصل) ولا يقيم إلا باذن الامام فان بلالا كان يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث زياد بن الحارث الصدائي أنه قال فجعلت أقول للنبي صلى الله عليه وسلم أقيم أقيم؟ وروى أبو حفص
باسناده عن علي قال: المؤذن أملك بالاذان والامام أملك بالاقامة ورواه البيهقي.
قال وقد روي عن أبي هريرة مرفوعا وليس بمحفوظ (1) (مسألة) (ولا يصح الاذان إلا مرتبا متواليا فان نكسه أو فرق بينه بسكوت طويل أو كلام كثير أو محرم لم يعتد به) وجملة ذلك أن من شرط صحة الاذان أن يكون مرتبا متواليا لانه لا يعلم أنه أذان بدونهما ولانه شرع في الاصل كذلك وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة مرتبا فان نكسه لم يصح لما ذكرنا (فصل) ولا يستحب أن يتكلم في أثناء الاذان وكرهه طائفة من أهل العلم منهم النخعي وابن سيرين.
قال الاوزاعي لم نعلم أحدا يقتدى به فعل ذلك.
ورخص فيه الحسن وعطاء وعروة وسليمان ابن صرد.
فان لم يطل الكلام جاز وان طال الكلام بطل الاذان لاخلاله بالموالاة المشترطة فيه، وكذلك لو سكت سكوتا طويلا أو نام نوما طويلا أو أغمى عليه طويلا أو أصابه جنون يقطع الموالاة بطل أذانه لما ذكرنا وإن كان يسيرا محرما ففيه وجهان (أحدهما) لا يبطل لانه لا يخل بالمقصود أشبه
المباح (والثاني) يبطل الاذان لانه فعل محرما أشبه الردة.
فان ارتد في أثناء الاذان بطل لقوله تعالى (لئن أشركت ليحبطن عملك) وان ارتد بعده.
فقال القاضي يبطل قياسا على الطهارة (قال شيخنا)
__________
1) حديث ابي هريرة رواه ابن عدي في ترجمة شريك القاضي وضعفه به ولكن وثقه ابن معين واحمد والصواب ما حققه الحافظ ابن حجر من انه صدوق يخطئ كثيرا وقد تغير حفظه منذ ولي القضاء
والصحيح أنه لا يبطل لانها وجدت بعد فراغه وانقضاء حكمه فأشبه سائر العبادات.
فاما الطهارة فحكمها باق بدليل أنها تبطل بمبطلاتها فاما الاقامة فلا ينبغي أن يتكلم فيها لانه يستحب حدرها، قال أبو داود قلت لاحمد الرجل يتكلم في أذانه؟ قال نعم فقيل له يتكلم في الاقامة قال لا، وقد روي عن الزهري أنه إذا تكلم في الاقامة أعادها، وأكثر أهل العلم على أنه يجزئه قياسا على الاذان وليس للرجل أن يبني على أذان غيره لانها عبادة بدنية فلا تصح من شخصين كالصلاة.
فاما الكلام بين الاذان والاقامة فجائز وكذلك بعد الاقامة قبل الدخول في الصلاة لانه روي عن عمر أنه كان يكلم الرجل بعد ما تقام الصلاة والله أعلم (مسألة) (ولا يصح الا بعد دخول الوقت الا الفجر فانه يؤذن لها بعد نصف الليل) أما الاذان لغير الفجر قبل الوقت فلا يجزئ بغير خلاف نعلمه.
قال ابن المندر: أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يؤذن للصلاة بعد دخول وقتها إلا الفجر ولان الاذان شرع للاعلام بالوقت فلا يشرع قبل الوقت لعدم حصول المقصود (فصل) وأما الفجر فيشرع لها الاذان قبل الوقت، وهو قول مالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد لا يجوز لما روى ابن عمر أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي ألا ان العبد نام فرجع فنادى: ألا إن العبد نام، وعن بلال أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له " لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا " ومد يديه عرضا رواهما أبو داود
وقال طائفة من أهل الحديث إذا كان له مؤذنان يؤذن أحدهما قبل طلوع الفجر والآخر بعده فلا بأس وإلا فلا لان الاذان قبل الفجر يفوت المقصود من الاعلام بالوقت فلم يجز كبقية الصلوات فأما إذا كان له مؤذنان يحصل إعلام الوقت باحدهما كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم جاز ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " متفق عليه وهذا يدل على دوام ذلك منه وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم عليه ولم ينهه فدل على جوازه وروى زياد بن الحارث الصدائي قال.
لما كان أذان الصبح أمرني النبي صلى الله عليه وسلم فاذنت فجعلت أقول: أقيم أقيم يا رسول الله؟ فجعل ينظر إلى ناحية المشرق فيقول " لا " حتى إذا طلع الفجر نزل فبرز ثم انصرف الي وقد تلاحق أصحابه فتوضأ فاراد بلال أن يقيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن أخا صداء قد أذن ومن أذن فهو يقيم " قال فاقمت رواه أبو داود والترمذي (1) وهذا قد أمره النبي صلى الله عليه وسلم لاذان قبل طلوع الفجر وهو حجة على من قال انما يجوز ذلك إذا كان معه مؤذنان فان زيادا أذن وحده في حديث ابن عمر الذي احتجوا به ولم يروه كذلك الا حماد ابن زيد رواه أحمد بن زيد ولدراوردي فقالا كان مؤذن لعمر يقال له مسعود وقال هذا أصح.
وقال الترمذي في هذا الحديث إنه غير محفوظ وكذلك قال عمر بن المديني والحديث الآخر قال ابن عبد البر لا تقوم بمثله حجة لضعفه وانقطاعه وإنما اختصت الفجر بذلك دون سائر الصلوات لانه وقت النوم ليتأهب الناس للخروج إلى الصلاة وينتبهوا ولا يوجد ذلك في غيرها، وقد روي في بعض
__________
1) ضعفه الترمذي بعبد الرحمن بن زياد ابن انعم الافريقي ولكنه قال والعمل على هذا عند اكثر اهل العلم ان من اذن فهو يقيم
الاحاديث " ان بلالا يؤذن بليل لينتبه نائمكم ويرجع قائمكم " رواه أبو داود ولا ينبغي أن يتقدم على الوقت كثيرا إذا كان المعنى فيه ما ذكرنا وقد روي أن بلالا كان بين أذانه وأذان ابن أم مكتوم أن ينزل هذا ويصعد هذا.
وقال بعض أصحابنا ويجوز أن يؤذن لها بعد نصف الليل وهو مذهب الشافعي لان بذلك يخرج وقت العشاء المختار ويدخل وقت الدفع من مزدلفة ورمي جمرة العقبة وطواف الزيارة وروى الاثرم قال كان مؤذن دمشق يؤذن لصلاة الصبح في السحر بقدر ما يسير
الراكب ستة أميال فلا ينكر ذلك مكحول ولا يقول شيئا (فصل) ويستحب أن لا يؤذن قبل الفجر الا أن يكون معه مؤذن آخر يؤذن إذا أصبح كبلال وابن أم مكتوم ولانه إذا لم يكن كذلك لم يحصل الاعلام بالوقت المقصود بالاذان، وينبغي لمن يؤذن قبل الوقت أن يجعل أذانه في وقت واحد في الليالي كلها ليعرف الناس ذلك من عادته فلا يغتروا بأذانه ولا يؤذن في الوقت تارة وقبله أخرى فيلتبس على الناس ويغترون به فربما صلى بعض من سمعه الصبح قبل وقتها ويمتنع من سحوره والمتنفل من تنفله إذا لم يعلم حاله ومن علم حاله لا يستفيد بأذانه لتردده بين الاحتمالين (فصل) ونص أحمد على انه يكره الاذان للفجر في رمضان قبل وقتها لئلا يغتر الناس به فيتركوا سحورهم.
والصحيح أنه لا يكره في حق من عرفت عادته في الاذان بالليل لما ذكرنا من حديث بلال
ولقوله صلى الله عليه وسلم " لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال فانه يؤذن بليل لينتبه نائمكم ويرجع قائمكم " رواه أبو داود، ويستحب أن يؤذن في أول الوقت ليتأهب الناس للصلاة وقد روى جابر بن سمرة قال: كان بلال لا يخرم الاذان عن الوقت وربما أخر الاقامة شيئا رواه ابن ماجه وفي رواية كان بلال يؤذن إذا مالت الشمس لا يخرم (مسألة) (ويستحب أن يجلس بعد أذان المغرب جلسة خفيفة ثم يقيم) لما روى تمام في فوائده باسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " جلوس المؤذن بين الاذان والاقامة في المغرب سنة " وحكي عن أبي حنيفة والشافعي انه لا يسن ولنا ما ذكرنا من الحديث وقد روى عبد الله بن أحمد باسناده عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا بلال اجعل بين أذانك واقامتك نفسا يفرغ الآكل من طعامه في مهل ويقضي المتوضئ (1) حاجته في مهل " لان الاذان شرع للاعلام فليسن تأخير الاقامة ليدرك الناس الصلاة في المغرب كسائر الصلوات (فصل) ويستحب أن يفصل بنى الاذان والاقامة بقدر الوضوء وصلاة ركعتين لما ذكرنا من الحديث ولما روي جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال " اجعل بين أذانك واقامتك قدر ما يفرغ الا كل من أكله، والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته " رواه أبو داود والترمذي (2)
(فصل) قال اسحاق بن منصور رأيت أحمد خرج عند المغرب فحين انتهى إلى موضع الصف
__________
1) رواه من حديث ابي الجوزاء وهو لم يسمع من ابي ابن كعب 2) في اسناده ضعيفان عبد المنعم بن نعيم ويحيى بن مسلم البكاء وله شاهدا ضعف منه
أخذ المؤذن في الاقامة فجلس قال احمد يقعد الرجل مقدار الركعتين إذا أذن المغرب.
قيل من أين؟ قال من حديث أنس وغيره كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن ابتدروا السواري وصلوا ركعتين، وروى الخلال عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء وبلال في الاقامة فقعد (مسألة) (ومن جمع بين صلاتين أو قضى فوائت أذن وأقام للاولى ثم أقام لكل صلاة بعدها) متى جمع بين صلاتين أذن واقام للاول ثم اقام للثانية سواء كان الجمع في وقت الاولى أو الثانية لما روى جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان وإقامتين رواه مسلم.
وعن ابن عمر قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء يجمع كل واحدة منهما باقامة رواه البخاري.
إلا انه إذا جمع في وقت الاولى كان الاذان لها آكد لانها مفعولة في وقتها أشبه مالو لم يجمع، وإن كان في وقت الثانية فلم يؤذن أو جمع بينهما باقامة واحدة فلا بأس لما روى ابن عمر قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين باقامة واحدة، رواه مسلم ولان الاولى مفعولة في غير وقتها فهي كالفائتة.
والثانية مسبوقة بصلاة فلم يشرع لها الاذان كالثانية من الفوائت، وقال مالك يؤذن للاولى
والثانية ويقيم لان الثانية منهما صلاة يشرع لها الاذان لو لم تجمع فكذلك إذا جمعت وهو مخالف لما ذكرنا من الاحاديث الصحيحة (فصل) فأما قضاء الفوائت فان كانت الفائتة واحدة أذن لها وأقام لما روى عمرو بن أمية الضمري قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تنحوا عن هذا المكان، قال ثم أمر بلالا فأذن
ثم توضؤا وصلوا ركعتي الفجر ثم أمر بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم صلاة الصبح رواه أبو داود، وإن كثرت الفوائت أذن وأقام للاولى ثم اقام لكل صلاة بعدها لما روى ابو عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالا فأذن ثم اقام فصلى الظهر ثم اقام فصلى العصر ثم اقام فصلى المغرب ثم اقام فصلى العشاء رواه الامام أحمد والنسائي والترمذي وقال حديث عبد الله ليس باسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله، وإن لم يؤذن فلا بأس وهذا في الجماعة، فان كان وحده كان استحباب ذلك أدنى في حقه لان الاذان والاقامة للاعلام ولا حاجة إلى الاعلام ههنا.
وقد روي عن أحمد فيمن فاتته صلوات فقضاها فأذن وأقام مرة واحدة فسهل في ذلك ورآه حسنا وروي ذلك عن الشافعي وله قولان آخران (أحدهما) انه يقيم ولا يؤذن وهو قول مالك لما روى أبو سعيد قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاها ثم أمره فأقام العصر فصلاها، ولان الاذان للاعلام بالوقت وقد فات
والقول الثاني للشافعي: إن رجي اجتماع الناس أذن والا فلا لانه لا حاجة إليه، وقال أبو حنيفة يؤذن لكل صلاة ويقيم لان ما سن للصلاة في ادائها سن في قضائها كسائر المسنونات، والاول أولى لحديث ابن مسعود وهو متضمن للزيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، وما قال أبو حنيفة مخالف لحديث ابن ابن مسعود وأبي سعيد، ولان الثانية من الفوائت صلاة قد أذن لما قبلها أشبهت الثانية من المجموعتين وقياسهم ينتقض بهذا والله أعلم (فصل) ومن دخل مسجدا قد صلي فيه فان شاء أذن وأقام نص عليه لانه روي عن أنس أنه دخل مسجدا قد صلوا فيه فأمر رجلا فأذن وأقام فصلى بهم في جماعة رواه الاثرم، وإن شاء صلى من غير أذان ولا إقامة قال عروة إذا انتهيت إلى مسجد وقد صلى فيه ناس أذنوا وأقاموا فان أذانهم وإقامتهم تجزئ عمن جاء بعدهم.
وهذا قول الحسن والشعبي والنخعي إلا أن الحسن قال: كان أحب إليهم أن يقيم، وإن أذن أخفى ذلك لئلا يغر الناس
(فصل) وإن أذن المؤذن وأقام لم يستحب لسائر الناس أن يؤذن كل انسان في نفسه ويقيم بعد فراغ المؤذن لكن يقول كما يقول المؤذن لان السنة انما وردت بهذا (مسألة) (وهل يجزئ أذان المميز للبالغين؟ على روايتين) وجملة ذلك أن الاذان لا يصح الا من مسلم عاقل ذكر.
فأما الكافر والمجنون والطفل فلا يصح أذانهم لانهم ليسوا من أهل العبادات، ولا يعتد بأذان المرأة لانه لا يشرع لها الاذان أشبهت المجنون ولان رفع صوتها منهي عنه، وإذا كان كذلك خرج عن كونه قربة فلا يصح كالحكاية، ولا أذان الخنثى المشكل لانه لا يعلم كونه رجلا وهذا كله مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافا، ويصح أذان العبد لان امامته تصح فأذانه أولى، وهل يصح أذان الصبي؟ فيه روايتان (أولاهما) صحة أذانه وهذا قول عطاء والشعبي والشافعي وابن المنذر، وذكر القاضي أن المراهق يصح أذانه رواية واحدة، وقد روى ابن المنذر باسناده عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس قال كان عمومتي يأمرونني أن أؤذن لهم وأنا غلام لم أحتلم وأنس بن مالك شاهد لم ينكر ذلك وهذا
مما يظهر ولا يخفى ولم ينكر فكان إجماعا ولانه ذكر تصح صلاته فصح أذانه كالبالغ (والثانية) لا يصح لان الاذان شرع للاعلام ولا يحصل الاعلام بقوله لانه لا يقبل خبره ولا روايته (مسألة) (وهل يصح أذان الفاسق، والاذان الملحن؟ على وجهين) ذكر أصحابنا في صحة أذان الفاسق وجهين (أحدهما) لا يصح لما ذكرنا في الصبي ولان النبي صلى الله عليه وسلم وصفهم بالامانة والفاسق غير أمين (والثاني) يصح لانه ذكر تصح صلاته فصح أذانه كالعدل.
وهذا قول الشافعي وهذا الخلاف فيمن هو ظاهر الفسق.
فأما مستور الحال فيصح أذانه بغير خلاف علمناه، وفي الاذان الملحن وجهان (أحدهما) لا يصح لما روى ابن عباس قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ان الاذان سمح سهل فان كان أذانك سمحا سهلا والا فلا تؤذن " رواه الدار قطني (والثاني) يصح وهو أصح لان المقصود يحصل به فهو كغير الملحن والحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (فصل) ويكره اللحن في الاذان فانه ربما غير المعنى فان من نصب لام رسول أخرجه عن كونه
خبرا، ولا يمد لفظة (أكبر) لانه يجعل فيها الفا فيصير جمع (كبر) وهو الطبل ولا يسقط الهاء من اسم الله واسم الصلاة، والحاء من الفلاح لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يؤذن لكم من يدغم الهاء - قلنا وكيف يقول؟ قال - يقول أشهد أن لا اله الا اللا أشهد أن محمدا رسول اللا " أخرجه
الدار قطني في الافراد.
فأما ان كان ألثغ لثغة فاحشة كره أذانه وان كانت لا تتفاحش فلا بأس فقد روي أن بلالا كان يجعل الشين سينا.
والفصيح أحسن واكمل والله أعلم (مسألة) (ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول الا في الحيعلة فانه يقول لا حول ولا قوة الا بالله) وهذا مستحب لا نعلم في استحبابه خلافا لما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا قال المؤذن: الله اكبر الله اكبر، فقال احدكم الله اكبر الله اكبر، ثم قال أشهد أن لا إله الا الله قال اشهد ان لا اله الا الله.
ثم قال اشهد ان محمدا رسول الله قال اشهد ان محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة الا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة الا بالله ثم قال: الله اكبر الله اكبر.
قال الله اكبر الله اكبر ثم قال لا اله الا الله قال لا اله الا الله - من قلبه دخل الجنة " رواه مسلم قال الاثرم هذا من الاحاديث الجياد.
وعن ابي رافع ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع النداء قال مثل ما يقول المؤذن فإذا بلغ حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة الا بالله رواه الاثرم، ويستحب لمن سمع الاقامة ان يقول مثل ما يقول ويقول عند كلمة الاقامة
أقامها الله وأدامها لما روى أبو داود باسناده عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ان بلالا أخذ في الاقامة فلما ان قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم " اقامها الله وادامها " قال في سائر الاقامة كنحو حديث عمر في الاذان (فصل) روى سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من قال حين يسمغ النداء وانا أشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له، وان محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا، وبالاسلام دينا (1) وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا - غفر له ذنبه " رواه مسلم، وعن أم سلمة قالت علمني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقول
عند اذان المغرب " اللهم ان هذا اقبال ليلك، وادبار نهارك، واصوات دعائك فاغفر لي " رواه أبو داود (مسألة) (ثم يقول عند فراغه اللهم رب هذا الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته انك لا تخلف الميعاد) لما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته - حلت له شفاعتي " رواه البخاري (فصل) ويستحب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لما روى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من قال حين ينادي المنادي: اللهم رب هذه الدعوة القائمة والصلاة النافعة صل على محمد وارض عنه رضا لاسخط بعده، استجاب الله له دعوته " رواه الامام احمد، وروى أنس قال: قال
__________
1) لفظ مسلم بمحمد رسولا وبالاسلام دينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم " الدعاء لا يرد بين الاذان والاقامة " رواه الامام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن، وعن عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فانه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فانها منزلة في الجنة لا تنبغي الا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة " رواه مسلم (فصل) فان سمع الاذان وهو يقرأ قطع القراءة ليقول مثله لانه يفوت والقراءة لا تفوت، فان سمعه وهو يصلي لم يقل كقوله لئلا يشتغل عن الصلاة بما ليس منها، وإن قالها ما عدا الحيعلة لم تبطل الصلاة لانه ذكر، وإن قال الدعاء فيها بطلت لانه خطاب لآدمي (فصل) وروي عن أحمد أنه كان إذا أذن فقال كلمة من الاذان قال مثلها سرا فظاهره أنه رأى ذلك مستحبا ليكون ما يظهره أذانا وما يسره ذكرا لله تعالى فيكون بمنزلة من سمع الاذان وقد رواه القاضي عن أحمد أنه قال استحب للمؤذن أيضا ان يقول مثل ما يقول في خفيه (فصل) قال الاثرم سمعت ابا عبد الله يسأل عن الرجل يقوم حين يسمع المؤذن مبادرا يركع (1)
فقال يستحب أن يكون ركوعه بعد ما يفرغ المؤذن أو يقرب من الفراغ لانه يقال إن الشيطان ينفر
__________
1) أي يصلي متنفلا
حين يسمع الاذان فلا ينبغي أن يبادر للقيام، وان دخل المسجد فسمع المؤذن استحب له انتظاره ليفرغ ويقول مثل ما يقول ليجمع بين الفضيلتين، وإن لم يقل كقوله وافتتح الصلاة فلا بأس نص عليه أحمد.
(فصل) ولا تستحب الزيادة على مؤذنين كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له بلال وابن أم مكتوم إلا أن تدعو الحاجة فيجوز فانه قد روي عن عثمان رضي الله عنه أنه اتخذ أربعة مؤذنين وإذا كانوا أكثر من واحد وكان الواحد يسمع الناس فالمستحب أن يؤذن واحد بعد واحد كما روي عن مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم فان كان الاعلام لا يحصل بواحد أذنوا على حسب الحاجة إما أن يؤذن كل واحد في ناحية أو دفعة واحدة في موضع واحد (فصل) ولا يؤذن قبل المؤذن الراتب إلا أن يتأخر أو يخاف فوات وقت التأذين فيؤذن غيره كما روي أن زياد بن الحارث أذن للنبي صلى الله عليه وسلم حين غاب بلالا فأما مع حضوره فلا.
فان مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن غيرهم يسبقهم بالاذان (فصل) وإذا أذن في الوقت كره له أن يخرج من المسجد إلا لحاجة ثم يعود لانه ربما احتيج إلى الاقامة فلا يوجد وإن أذن قبل الوقت للفجر فلا بأس بذهابه لانه لا يحتاج إلى حضوره قبل الوقت قال أحمد في الرجل يؤذن في الليل على غير وضوء فيدخل المنزل ويدع المسجد أرجو أن يكون موسعا عليه ولكن إذا أذن وهو متوضئ في وقت الصلاة فلا أرى له أن يخرج من المسجد حتى يصلي إلا ان يكون لحاجة.
(فصل) إذا أذن في بيته وكان قريبا من المسجد فلا بأس وان كان بعيدا كره له ذلك لان القريب من المسجد يسمع أذانه عند المسجد فيأتون إلى المسجد والبعيد قد يسمعه من لا يعرف المسجد فيغتر
به ويقصده فيضيع عن المسجد فانه قد روي عن أحمد في الذي يؤذن في بيته وبينه وبين المسجد طريق يسمع الناس أرجو أن لا يكون به بأس وقال في رواية ابراهيم الحربي فيمن يؤذن في بيته على سطح معاذ الله ما سمعنا أن أحدا يفعل هذا فحمل الاول على القريب والثاني على البعيد وقد روي أن بلالا كان يؤذن على سطح امرأة من الانصار والله أعلم فصول في المساجد (فصل في فضل المساجد وبنائها وغير ذلك) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من بني مسجدا - قال بكير حسبت أنه قال - يبتغي به وجه الله بني الله له بيتا في الجنة " متفق عليه وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من بنى مسجدا كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة " رواه ابن ماجه وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها " رواه مسلم ويستحب اتخاذ المساجد في الدور وتنظيفها وتطبيبها لما روت عائشة قالت أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب رواه الامام أحمد.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد " رواه أبو داود، وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتا في الجنة " (فصل) يستحب تخليق المسجد وأن يسرج فيه لما روي عن أنس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فغضب حتى احمر وجهه فجاءته امرأة من الانصار فحكمتها وجعلت مكانها خلوقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أحسن هذا " رواه النسائي وابن ماجه.
وعن ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس؟ فقال " ائتوه فصلوا فيه " وكانت البلاد إذ ذاك حربا قال " فان لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله " رواه الامام احمد وأبو داود وابن ماجه.
وفي رواية الامام أحمد " ائتوه فصلوا
فيه فان صلاة فيه كألف صلاة - قالت أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه قال - فليهد إليه زيتا يسرج فيه فان من أهدى له كان كمن صلى فيه "
(فصل فيما يباح في المسجد) يباح النوم فيه لما روى عبد الله بن عمر انه كان ينام وهو شاب عزب لا أهل له في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، متفق عليه.
وكان أهل الصفة ينامون في المسجد ويباح للمريض أن يكون في المسجد وأن تكون فيه خيمة، قالت عائشة أصيب سعد يوم الخندق في الاكحل فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد يعوده من قريب، متفق عليه ويباح دخول البعير المسجد لان النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن متفق عليه.
ولا بأس بالاجتماع في المسجد والاكل فيه والاستلقاء فيه لما روى أبو واقد الليثى قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ اقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد فأما أحدهما فرأى فرجه فجلس وأما الآخر فجلس خلفهم فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا أخبركم عن الثلاثة أما أحدهم فآوى إلى الله فأواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه " متفق عليه.
عن عبد الله بن الحارث قال كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الخبز واللحم رواه ابن ماجه وعن عباد بن
تميم عن عمه عبد الله بن زيد انه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد واضعا إحدى رجليه على الاخرى متفق عليه.
ويجوز السؤال في المسجد لما روى عبد الرحمن بن ابي بكر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا " وذكر الحديث رواه أبو داود ويجوز انشاد الشعر واللعان في المسجد لما روي عن ابي هريرة ان عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال؟ قد كنت أنشد فيه وفيه خير منك.
ثم التفت إلى ابي هريرة فقال أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أجب عني، اللهم أيده بروح القدس؟ قال نعم متفق عليه، وعن جابر بن سمرة قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة في المسجد وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من امر الجاهلية فربما تبسم معهم رواه
الامام أحمد، وفي حديث سهل بن سعد ذكر حديث اللعان قال فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد متفق عليه
فصل فيما يكره في المسجد يكره إنشاد الضالة المسجد لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليه إن المساجد لم تبن لهذا " راوه مسلم.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع والابتياع وعن تناشد الاشعار في المساجد.
رواه الامام احمد وابو داود والنسائي والترمذي.
وقال حديث حسن، ويكره تجصيص المساجد وزخرفتها لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما ساء عمل قوم قط الا زخرفوا مساجدهم " رواه ابن ماجه، وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أمرت بتشييد المساجد " قال ابن عباس ليزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى رواه أبو داود، وعن واثلة بن الاسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اجنبوا مساجدنا صبيانكم ومجانينكم وشراكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم واقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجمع " رواه ابن ماجه من رواية الحارث بن نبهان
قال فيه يحيى بن معين لا يكتب حديثه ليس بشئ.
ويكره أن يكتب على حيطان المسجد قرآنا أو غيره لانه يلهي المصلي ويشغله وهو يشبه الزخرفة وقد نهي عنها، والبصاق في المسجد خطيئة ويستحب تخليقها لما ذكرنا من الحديث، وهل يكره الوضوء في المسجد؟ على روايتين ذكرهما ابن عقيل الا أن ابن عقيل قال ان قلنا بنجاسة الماء المستعمل في رفع الحدث حرم ذلك في المسجد والله أعلم (باب شروط الصلاة) (مسألة) قال (وهي ما يجب لها قبلها وهي ست أولها دخول الوقت والثاني الطهارة من الحدث) أما الطهارة من الحدث فقد مضى ذكرها وهي شرط لصحه الصلاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ " متفق عليه، وعن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يقبل الله صلاة احدكم بغير طهور ولا صدقة من غلول " رواه مسلم (مسألة) قال (والصلوات المفروضات خمس) اجمع المسلمون على ان الصلوات الخمس في اليوم والليلة مفروضات لا خلاف بين المسلمين في ذلك وان غيرها لا يجب الا لعارض من نذر أو نحوه الا انهم اختلفوا في وجوب الوتر وسنذكره في موضعه ان شاء الله تعالى والاصل في ذلك ما روى عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة فمن حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة ومن لم يحافظ عليهن لم
يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له " وروي أن اعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ماذا فرض علي من الصلاة؟ قال " خمس صلوات " قال فهل علي غيرها؟ قال " لا الا أن تطوع شيئا " فقال الرجل والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها ولا أنقص منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفلح الرجل إن صدق " متفق عليه، وأجمعوا على أن الصلوات الخمس مؤقتات بمواقيت معلومة محدودة وقد ورد ذلك في أحاديث صحاح يأتي أكثرها إن شاء الله تعالى (مسألة) قال (الظهر وهي الاولى ووقتها من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شئ مثله بعد الذي زالت عليه الشمس) أجمع أهل العلم على أن أول وقت الظهر إذا زالت الشمس
حكاه ابن المنذر وابن عبد البر.
وتسمى الهجير والاولى والظهر لان في حديث ابي برزة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير التي تدعونها الاولى حين تدحض الشمس.
متفق عليه، وانما بدأ بذكرها لان جبرائيل بدأ بها حين أم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس وجابر وبدأ بها النبي صلى الله عليه وسلم حين علم أصحابه مواقيت الصلاة في حديث بريدة وغيره، فروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أمني جبرائيل عليه السلام عند البيت مرتين فصلى بي الظهر في الاولى منهما حين كان الفئ مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شئ مثله
ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس، وأفطر الصائم.
ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم.
وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شئ مثله لوقت العصر بالامس ثم صلى العصر حين كان ظل كل شئ مثله ثم صلى المغرب لوقته الاول ثم صلى العشاء الاخيرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الارض، ثم التفت جبريل فقال يا محمد هذا وقت الانبياء قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين " رواه الامام احمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن وروى جابر نحوه ولم يذكر فيه " لوقت العصر بالامس " قال البخاري: أصح حديث في المواقيت حديث جابر، وروى بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا سأله عن وقت الصلاة فقال: " صل معنا هذين اليومين " فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية لم يخالطها صفرة، ثم أمره فاقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فاقام العشاء حين غاب الشفق ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر فأنعم أن يبرد بها وصلى العصر والشمس بيضاء مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب حين غاب الشفق وصلى العشاء حين ذهب ثلث الليل وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال " أين السائل عن وقت الصلاة؟ " فقال الرجل أنا يا رسول الله فقال " وقت صلاتكم بين ما رأيتم " رواه مسلم، ومعنى زوال الشمس ميلها عن وسط السماء وانما يعرف ذلك بطول الظل بعد تناهي قصره لان الشمس حين تطلع يكون الظل طويلا وكلما ارتفعت قصر فإذا مالت عن كبد السماء شرع في الطول فذلك زوال الشمس فمن أراد معرفة ذلك فليقدر ظل شئ ثم يصبر قليلا ثم يقدره ثانيا فان نقص لم يتحقق الزوال وإن زاد فقد زالت، وكذلك إن لم ينقص لان الظل لا يقف فيكون قد نقص ثم زاد، وأما معرفة قدر ما تزول عليه الشمس بالاقدام فيختلف باختلاف الشهور والبلدان كلما طال النهار قصر الظل وإذا قصر طال
الظل.
وقد ذكر أبو العباس الشيحي رحمه الله ذلك تقريبا قال: ان الشمس تزول في نصف حزيران على قدم وثلث وهو أقل ما تزول عليه الشمس، وفي نصف تموز وايار على قدم ونصف وثلث، وفي نصف آب
ونيسان على ثلاثة أقدام، وفي نصف آذار وايلول على أربعة أقدام ونصف، وفي نصف شباط وتشرين الاول على ستة أقدام، وفي نصف كانون الثاني وتشرين الثاني على تسعة أقدام، وفي نصف كانون الاول على عشرة أقدام وسدس وهو أكثر ما تزول عليه، وفي اقليم الشام والعراق وما سامتهما فإذا أردت معرفة ذلك فقف على مستو من الارض وعلم الموضع الذي انتهى إليه ظلك ثم ضع قدمك اليمنى بين يدي قدمك اليسرى والصق عقبك بابهامك فإذا بلغت مساحته هذا القدر بعد انتهاء النقض فهو وقت زوال الشمس وتجب به الظهر والله أعلم (فصل) وتجب الصلاة بدخول أول وقتها في حق من هو من أهل الوجوب وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة تجب بآخر وقتها إذا بقي منه ما لا يتسع لاكثر منها لانه في أول الوقت يتخير بين فعلها وتركها فلم تكن واجبة كالنافلة ولنا انه مأمور بها في أول وقتها بقوله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس) والامر للوجوب على الفور ولان دخول الوقت سبب للوجود فترتب عليه حكمه عند وجوده ولانها تشترط لها نية الفرض ولو كانت نفلا لاجزأت بنية النفل كالنافلة.
وتفارق النافلة من حيث إن النافلة يجوز تركها لا إلى بدل وهذه انما يجوز تركها مع العزم على فعلها كما تؤخر صلاة المغرب ليلة المزدلفة عن وقتها وكما تؤخر سائر الصلوات عن وقتها لمن هو مشتغل بشرطها (فصل) وآخر وقتها إذا زاد على القدر الذي زالت عليه الشمس قدر طول الشخص، قال الاثرم قيل لابي عبد الله وأي شئ آخر وقت الظهر؟ قال: أن يصير الظل مثله.
قيل له فمتى يكون الظل مثله؟ قال إذا زالت الشمس فكان الظل بعد الزوال مثله ومعرفة ذلك أن يضبط مازالت عليه الشمس ثم
ينظر الزيادة عليه فان بلغت قدر الشخص فقد انتهى وقت الظهر وقدر شخص الانسان ستة أقدام ونصف وسسدس بقدمه تقريبا.
فإذا أردت اعتبار الزيادة بقدمك مسحتها على ما ذكرناه في الزوال ثم أسقطت منه القدر الذي زالت عليه الشمس فإذا بلغ الباقي ستة أقدام وثلثين فهو آخر وقت الظهر وأول وقت العصر.
فيكون ظل الانسان في نصف حزيران على ما ذكرنا في آخر وقت الظهر، وأول وقت
العصر ثمانية أقدام بقدمه وفي بقية الشهور كما بينا وهذا مذهب مالك والثوري والشافعي والاوزاعي ونحوه قول أبي يوسف ومحمد وغيرهم، وقال عطاء لا تفريط للظهر حتى تدخل الشمس صفرة، وقال طاوس وقت الظهر والعصر إلى الليل، وحكي عن مالك وقت الاختيار إلى أن يضير ظل كل شئ مثليه ووقت الاداء إلى أن يبقى من غروب الشمس قدر ما يؤدي فيه العصر لان النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في الحضر، وقال أبو حنيفة آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شئ مثليه لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " انما مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر اجراء فقال من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل لي من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين؟ فانتم هم فغضبت اليهود والنصارى وقالوا ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء؟ قال هل نقصتم من حقكم؟ قالوا لا فقال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء " أخرجه البخاري وهذا يدل على أن ما بين الظهر والعصر أكثر من العصر إلى المغرب ولنا حديث بريدة وابن عباس وفيه قول جبريل فيه " الوقت ما بين هذين، وحديث مالك محمول على العذر بمطر أو مرض وما احتج به أبو حنيفة فليس فيه حجة لانه قال إلى صلاة العصر وفعلها يكون بعد دخول الوقت وتكامل الشروط، على أن الاخذ باحاديثنا أولى لانه قصد بها بيان الوقت وخبرهم قصد به ضرب المثل فكانت أحاديثنا أولى قال ابن عبد البر خالف أبو حنيفة في هذه الآثار والناس وخالفه أصحابه
(مسألة) (وتعجيلها أفضل إلا في شدة الحر والغيم لمن يصلي الجماعة) وجملة ذلك أن تعجيل الظهر في غير الحر والغيم مستحب بغير خلاف علمناه قال الترمذي وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم لما روى أبوبرزة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير التي تدعونها الاولى حين تدحض الشمس وقال جابر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة متفق عليهما.
وروى الاموي في المغازي باسناده عن معاذ بن جبل قال لما بعثني
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال " أظهر كبير الاسلام وصغيره وليكن من الكبرها الصلاة فانها رأس الاسلام بعد الاقرار بالدين فإذا كان الشتاء فصل الفجر في أول الفجر ثم أطل القراءة على قدر ما تطيق ولا تملهم وتكره إليهم أمر الله ثم عجل الصلاة الاولى بعد أن تميل الشمس.
وصل العصر والمغرب في الشتاء والصيف على ميقات واحد، العصر والشمس بيضاء مرتفعة والمغرب حين تغيب الشمس وتوارى بالحجاب وصل العشاء فأعتم بها فان الليل طويل فإذا كان في الصيف فاسفر بالصبح فان الليل قصير وان الناس ينامون فأمهلهم حتى يدركوها وصل الظهر بعد أن ينقص الظل وتحرك الريح فان الناس يقيلون فامهلهم حتى يدركوها وصل العتمة فلا تعتم بها ولا تصلها حتى يغيب الشفق " وقالت عائشة ما رأيت أحدا أشد تعجيلا للظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من أبي بكر ولا من عمر حديث حسن.
فأما في شدة الحر فيستحب تأخيرها مطلقا في ظاهر كلام أحمد والخرقي حكاه عنه الاثرم، وهو قول إسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا اشتد الحر فابردوا بالظهر فان شدة؟؟ لحر من فيح جهنم " متفق عليه، وظاهر كلام شيخنا ههنا أنه انما يستحب تأخيرها لمن يصلي جماعة
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: