الفقه الحنبلي - الحيض - الاستحاضة - الاذان
(فصل) وظاهر المذهب في الكفارة أنها دينار أو نصف دينار على وجه التخيير يروى ذلك عن ابن عباس لظاهر الحديث قال أبو داود هكذا الرواية الصحيحة قال دينار أو نصف دينار ولانه معنى تجب
الكفارة بالوطئ فيه فاستوى الحال فيه بين اقباله وادباره كالاحرام.
وعنه إن كان الدم أحمر فدينار وإن كان أصفر فنصف دينار وهو قول إسحاق لما روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ان كان دما أحمر فدينار وإن كان دما أصفر فنصف دينار " رواه أبو داود والترمذي إلا أن أبا داود قال: هو وقوف من قول ابن عباس والاول أولى لما ذكرنا، فان قيل فكيف يخير بين شئ ونصفه؟ قلنا كما خير المسافر بين القصر والاتمام.
(فصل) فان وطئها بعد الطهر قبل الغسل فلا كفارة عليه وقال قتادة والاوزاعي: عليه نصف
__________
1) قال الحافظ في التلخيص ان رواية عبد الحميد كل رواتها في الصحيح الامقسم (هو التابعي الذي رواه عن ابن عباس) فانقرد به البخاري - ثم قال وقال الخلال عن أبى داود عن أحمد: ما احسن حديث عبد الحميد.
فقيل له تذهيب إليه.
قال نعم قال أبو داود وهى الرواية الصحيحة الخ.
ثم اعتمد الحافظ قول من صححوا الحديث الحديث خلافا للنوى وذكر دون حديث القلتين وحديث بئر بضاعة الذين صححوهما
دينار لانه حكم تعلق بالوطئ في الحيض فلم يزل إلا بالغسل كالتحريم ولنا أن وجوب الكفارة من الشرع ولم يرد بذلك الا في الحائض وقياسهم يبطل بما لو حلف لا يطأ حائضا فانه يحنث بالوطئ في الحيض ولا يحنث بالوطئ قبل الغسل (فصل) وهل تجب الكفارة على الجاهل والناسي؟ على وجهين (أحدهما) تجب لعموم الخبر وقياسا على الوطئ في الاحرام (والثاني) لا تجب لقوله عليه السلام " عفي لامتي عن الخطأ والنسيان "
ولانها وجبت لمحو الاثم فأشبهت كفارة اليمين، فان وطئ طاهرا فحاضت في أثناء وطئه لم تجب عليه الكفارة على الوجه الثاني وتجب على الاول وهو قول ابن حامد، وإن وطئ الصبي لزمته الكفارة عند ابن حامد لعموم الخبر وكالوطئ في الاحرام.
قال شيخنا: ويحتمل أن لا تلزمه لانها من فروع التكليف وهو غير مكلف.
(فصل) وتجب الكفارة على المرأة في المنصوص لانه وطئ يوجب الكفارة فأوجبها على المرأة كالوطئ في الاحرام، وقال القاضي: فيه وجهان (أحدهما) لا تجب لان الوجوب من الشرع ولم يرد فان كانت مكرهة أو غير عالمة فلا كفارة عليها لقوله صلى الله عليه وسلم " عفي لامتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وحكم النفساء حكم الحائض في ذلك لانها في معناها.
ويجزئ نصف دينار من أي ذهب كان إذا كان صافيا ويستوي التبر والمضروب لوقوع الاسم عليه، ويجزئ إخراج القيمة في أحد الوجهين لان المقصود يحصل بها فجاز من أي مال كان كالخراج (والثاني) لا يجوز لانه كفارة فاختص ببعض الانواع كسائر الكفارات.
فعلى هذا الوجه هل يجوز إخراج الدراهم؟ ينبني على جوازه في الزكاة والصحيح جوازه لما ذكرنا واختاره شيخنا.
ومصرفها إلى المسكين كسائر الكفارات والله أعلم (مسألة) (وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين) هذه المسألة تشتمل على أمرين (أحدهما) أن الصغيرة إذا رأت دما لدون تسع سنين فليس بحيض لا نعلم في ذلك خلافا في المذهب لان الصغيرة لا تحيض لقوله سبحانه (واللائي لم يحضن) ولان المرجع فيه إلى الوجود ولم يوجد من النساء من تحيض عادة فيما دون هذه السن ولان الله سبحانه خلق دم الحيض لحكمة تربية الولد وهذه لا تصلح للحمل فلا توجد فيها حكمته فينتفي لانتفاء حكمته (الامر الثاني) انها إذا رأت دما يصلح أن يكون حيضا ولها تسع سنين حكم بكونه حيضا وحكم ببلوغها وثبت في حقها أحكام الحيض كلها لانه روي عن عائشة أنها قالت: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة.
وروي ذلك مرفوعا من رواية ابن عمر والمراد به حكمها حكم المرأة.
وذكر ابن عقيل أن نساء تهامة يحضن لتسع سنين وهذا قول الشافعي وقد حكي عنه أنه قال: رأيت جدة بنت إحدى وعشرين سنة وهذا يدل على أنها حملت لدون عشر سنين وكذلك بنتها.
وحكى الميموني عن أحمد في بنت عشر رأت الدم قال: ليس بحيض
قال القاضي: فيجب على هذا أن يقال: أول زمن يصح فيه وجود الحيض ثنتا عشرة سنة لانه الزمان
الذي يصح فيه بلوغ الغلام والاول أصح (مسألة) قال (وأكثره خمسون سنة وعنه ستون في نساء العرب) اختلفت الرواية في حد السن الذي تيأس فيه المرأة من الحيض فروي عنه أنه خمسون سنة وهذا قول إسحاق ويكون حكمها فيما تراه من الدم بعد الخمسين حكم المستحاضة لان عائشة رضي الله عنها قالت: إذا بلغت خمسين سنة خرجت من حد الحيض وروي عنها أنها قالت: لن ترى المرأة في بطنها ولدا بعد الخمسين.
وروي عنه أنها لا تيأس من الحيض يقينا إلى ستين سنة وما تراه فيما بين الخمسين والستين حيض مشكوك فيه لا تترك الصلاة ولا الصوم لان وجوبهما متيقن فلا يسقط بالشك وتقضي الصوم المفروض احتياطا لانه واجب في ذمتها بيقين فلا يسقط بأمر مشكوك فيه هكذا رواه الخرقي.
وروي عنه أن نساء العجم تيأس في خمسين ونساء قريش وغيرهم من العرب إلى ستين - وهذا قول أهل المدينة - لانهن أقوى جبلة.
وروى الزبير بن بكار في كتاب النسب عن بعضهم أنه قال لا تلد لخمسين سنة إلا عربية ولا تلد لستين إلا قرشية وقال: إن هندا بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ولها ستون قال أحمد في امرأة من العرب رأت الدم بعد الخمسين: ان عاودها مرتين أو ثلاثا فهو حيض وذلك لان المرجع في ذلك إلى الوجود وقد وجد حيض من نساء ثقات أخبرن عن أنفسهن بعد الخمسين فأشبه ما قبل الخمسين لان الكلام فيما إذا وجد من المرأة دم في زمن عادتها بعد الخمسين كما كانت تراه قبلها.
قال شيخنا والصحيح أنه لا فرق بين نساء العرب وغيرهن لانهن سواء في سائر أحكام الحيض كذلك هذا.
وما ذكر عن عائشة لا حجة فيه لان الحيض أمر حقيقي المرجع فيه إلى الوجود وقد وجد بخلاف ما قالت على ما حكاه الزبير بن بكار.
وإن قيل هذا الدم ليس بحيض مع كونه على صفته وفي وقته وعادته بغير نص فهو تحكم فأما بعد الستين فلا خلاف في المذهب أنه ليس بحيض لانه لم يوجد وقد علم أن للمرأة حالا تيأس فيه من الحيض لقول الله تعالى (واللائي يئسن من المحيض) قال أحمد في المرأة الكبيرة ترى الدم هو بمنزلة الجرح وقال عطاء " هي بمنزلة المستحاضة وذلك لان هذا الدم إذا لم يكن حيضا فهو دم فساد حكمه حكم دم الاستحاضة ومن به سلس البول وسنذكره فيما بعد ان شاء الله تعالى
(مسألة) (والحامل لا تحيض فان رأت دما فهو دم فساد) وهذا قول سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وعكرمة والشعبي وحماد والثوري والاوزاعي وأبي حنيفة وابن المنذر وأبي عبيد وروي عن عائشة، والصحيح عنها انها إذا رأت الدم لا تصلي.
وقال مالك والشافعي والليث: ما تراه من الدم حيض إذا أمكن.
وروي ذلك عن الزهري وقتادة واسحاق لانه دم صادف العادة فكان حيضا كغير الحامل ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة " جعل وجود الحيض علما
على براءة الرحم فدل على أنه لا يجتمع معه، ولان ابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر " مره فليراجعها ثم يطلقها طاهرا أو حاملا " فجعل الحمل علما على عدم الحيض كالطهر احتج بذلك أحمد ولانه زمن لا ترى الدم فيه غالبا فلم يكن ما تراه حيضا كالآيسة، قال أحمد انما يعرف النساء الحمل بانقطاع الدم وقول عائشة يحمل على التي قاربت الوضع جمعا بين قوليها (فصل) فان رأته قبل ولادتها قريبا منها فهو نفاس تدع الصلاة والصوم، قال يعقوب بن بختان سألت أحمد عن المرأة إذا ضربها المخاض قبل الولادة بيوم أو يومين تعيد الصلاة؟ قال لا وهذا قول اسحاق، وقال الحسن إذا رأت الدم على الولد أمسكت عن الصلاة، وقال النخعي إذا ضربها المخاض فرأت الدم قال هو حيض، وهذا قول أهل المدينة والشافعي، وقال عطاء تصلي ولا تعده حيضا ولا نفاسا ولنا أنه دم خرج بسبب الولادة فكان نفاسا كالخارج بعده (فصل) وانما يعلم انه بسبب الولادة إذا كان قريبا منها ويعلم ذلك برؤية أمارتها في وقته، فأما ان رأت الدم من غير علامة على قرب الوضع لم تترك له العبادة لان الظاهر أنه دم فساد فان تبين كونه قريبا مع الوضع لوضعها بعده بيوم أو يومين أعادت الصوم المفروض الذي صامته فيه، وان رأته عند العلامة تركت العبادة، فان تبين بعده عنها أعادت ما تركته من العبادات الواجبة لانه تبين انه ليس بحيض ولا نفاس والله أعلم (مسألة) (وأقل الحيض يوم وليلة وعنه يوم وأكثره خمسة عشر يوما وعنه سبعة عشر) المشهور في المذهب أن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما هذا قول عطاء بن أبي رباح
وأبي ثور، وروي عن أحمد أن أقله يوم وأن أكثره سبعة عشر، قال ابن المنذر بلغني ان نساء آل الماجشون كن يحضن سبع عشرة، قال الخلال: مذهب أبي عبد الله لا اختلاف فيه أن أقل الحيض
يوم وأكثره خمسة عشر ومذهب الشافعي نحو هذا في أقله وأكثره.
وقال الثوري والنعمان وصاحباه أقله ثلاثة أيام وأكثره عشرة لما روى واثلة بن الاسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة " وقال أنس قرء المرأة ثلاث أربع خمس ست سبع ثمان تسع عشرة ولا يقول ذلك الا توقيفا وقال مالك ليس لاقله حد ولو كان لاقله حد لكانت المرأة لا تدع الصلاة حتى يمضى ذلك الحد ولنا أن ذكر الحيض ورد في الشرع مطلقا من غير تحديد ولا حد له في اللغة فرجع فيه إلى العرف والعادة كالقبض والاحراز والتفرق وقد وجد حيض معتاد أقل من ثلاثة وأكثر من عشرة.
وقال عطاء رأيت من النساء من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر، وقال شريك: عندنا امرأة تحيض كل شهر خمسة عشر يوما حيضا مستقيما، وقال أبو عبد الله الزبيري: كان في نسائنا من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر يوما، وقال الشافعي رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوما لا تزيد عليه، وأثبت لي عن نساء أنهن لم يزلن يحضن أقل من ثلاثة أيام، وقولهن يجب الرجوع إليه لقوله تعالى (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) فلو لا أنه مقبول ما حرم عليهن الكتمان وجرى ذلك مجرى الشهادة ولم يوجد حيض معتاد أقل من ذلك في عصر من الاعصار فلا يكون حيضا بحال وحديث واثلة بن الاسقع يرويه محمد بن أحمد الشامي وهو ضعيف عن حماد بن المنهال وهو مجهول وحديث أنس رواه الجلد بن أيوب وهو ضعيف قال ابن عيينة: هو محدث لا أصل له وقال يزيد بن زريع ذاك أبو حنيفة لم يحتج إلا بالجلد بن أيوب وحديث الجلد ولو صح فقد روي عن علي رضي الله عنه ما يعارضه فانه قال: ما زاد على خمسة عشر استحاضة وأقل الحيض يوم وليلة (مسألة) (وغالبه ست أو سبع) لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة " تحيضي (1) في علم الله ستة أيام أو سبعة ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوما أو ثلاثة وعشرين يوما كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن " حديث حسن
__________
1) هو بفتح التاء والحاء وتشديد الياء - اي عدي نفسك حائضا
(مسألة) (وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما) لان كلام أحمد لا يختلف أن العدة يصح أن تنقضي في شهر إذا قامت به البينة، قال اسحاق توقيت هؤلاء بالخمسة عشر باطل وقال أبو بكر: أقل الطهر مبني على أكثر الحيض، فان قلنا أكثره خمسة عشر فأقل الطهر خمسة عشر، وإن قلنا أكثره سبعة عشر فأقل الطهر ثلاثة عشر، وهذا بناه على أن شهر المرأة لا يزيد على ثلاثين يوما يجتمع فيه حيض وطهر، وأما إذا زاد شهرها على ذلك فلا يلزم ما قال، وقال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي أقله خمسة عشر،، وعن أحمد عشرة وعن أحمد نحو ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم تمكث " احداكن شطر عمرها لا تصلي " ولنا ما روى الامام أحمد عن علي رضي الله عنه أن امرأة جاءته وقد طلقها زوجها فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض طهرت عند كل قرء وصلت.
فقال علي لشريح قل فيها، فقال شريح إن جاءت ببينة من بطانة أهلها مما يرضى دينه وأمانته فشهدت بذلك والا فهي كاذبة.
فقال علي: (قالون) يعني جيد بالرومية ولا يقول مثل هذا الا توقيفا ولانه قول صحابي انتشر ولم يعلم خلافه ولا يتصور الا على قولنا أقله ثلاثة عشر وأقل الحيض يوم وهذا في الطهر بين الحيضتين، فأما الطهر بين الحيضة فسيأتي حكمه وغالب الطهر أربعة وعشرون أو ثلاثة وعشرون لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة " ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوما أو ثلاثة وعشرين يوما كما يحيض النساء وكما يطهرن " ولا حد لاكثره لان التحديد من الشرع ولم يرد به ولا نعلم له دليلا والله أعلم (مسألة) (والمبتدأة تجلس يوما وليلة ثم تغتسل وتصلي فان انقطع دمها لاكثره فما دون اغتسلت عند انقطاعه وتفعل ذلك ثلاثا فان كان في الثلاث على قدر واحد صار عادة وانتقلت إليه وأعادت ما صامته من الفرض فيه، وعنه يصير عادة بمرتين) وجملة ذلك أن المبتدأة أول ما ترى الحيض ولم
تكن حاضت قبله إذا كان في وقت يمكن حيضها - وهي التي لها تسع سنين فصاعدا - إذا انقطع لاقل
من يوم وليلة فهو دم فساد، وان كان يوما وليلة فما زاد فانها تدع الصوم والصلاة لان دم الحيض جبلة وعادة ودم الاستحاضة لعارض الاصل عدمه.
وظاهر المذهب انها تجلس يوما وليلة ثم تغتسل وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي وتصوم.
فإذا انقطع دمها لاكثر الحيض فما دون اغتسلت غسلا ثانيا عند انقطاعه ثم تفعل ذلك في الشهر الثاني والثالث، فان كان في الاشهر الثلاثة متساويا صار ذلك عادة وعلمنا أنها كانت حيضا فيجب عليها قضاء ما صامته من الفرض فيه لاننا تبينا أنها صامته في زمن الحيض وهذا اختيار الخرقي، قال القاضي المذهب عندي في هذا رواية واحدة وذلك لان العبادة واجبة في ذمتها بيقين فلا تسقط بأمر مشكوك فيه أول مرة كالمعتدة لا نحكم ببراءة ذمتها من العدة بأول حيضة ولا يلزم عليه اليوم والليلة لانها اليقين فلو لم نجلسها ذلك أدى إلى أن لا نجلسها أصلا وقد نقل عن أحمد فيها ثلاث روايات أخر (احداها) انها تجلس ستا أو سبعا نقلها عنه صالح على حديث حمنة لانه أكثر ما يجلسه النساء (والثانية) تجلس عادة نسائها كأمها وأختها وعمتها وخالتها، وهذا قول عطاء والثوري والاوزاعي لان الغالب انها تشبههن في ذلك وهو قول إسحاق غير أنه قال فان لم تعرف الام والخالة أو العمة فانها تجلس ستة أيام أو سبعة كما في حديث حمنة (والثالثة) أنها تجلس ما تراه من الدم ما لم يجاوز أكثر الحيض وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي اختاره شيخنا فان انقطع لاكثره فالجميع حيض لاننا حكمنا بأن ابتداء الدم حيض مع جواز أن يكون استحاضة فكذلك باقيه.
ولان دم الحيض دم جبلة والاستحاضة دم عارض والاصل فيها الصحة والسلامة
(فصل) لا يختلف المذهب أن العادة لا تثبت بمرة، وظاهر مذهب الشافعي أنها تثبت بمرة لان المرأة التي استفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها إلى الشهر الذي يلي شهر الاستحاضة لان ذلك أقرب إليها فوجب ردها إليه ولنا أن العادة مأخوذة من المعاودة ولا تحصل بمرة والحديث حجة لنا لانه قال " لتنظر عدة الليالي والايام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها " و (كان) يخبر بها عن دوام الفعل وتكراره ولا يقال لمن فعل شيئا مرة كان يفعل.
واختلفت الرواية هل تثبت العادة بمرتين أو
ثلاث؟ فعنه أنها تثبت بمرتين لانها مأخوذة من المعاودة وقد عاودتها في المرة الثانية، وعنه لا تثبت إلا بثلاث وهو المشهور في المذهب لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " تدع الصلاة أيام اقرائها " والاقراء جمع وأقله ثلاثة ولان العادة انما تطلق على ما كثر ولان ما اعتبر له التكرار اعتبر ثلاثا كخيار المصراة، فان قلنا بهذه الرواية لم تنتقل عن اليقين في الشهر الثالث وإن قلنا بالرواية الاولى انتقلت إليه في الشهر الثالث وعلى قولنا انها تجلس أقل الحيض أو غالبه أو عادة نسائها إذا انقطع الدم لاكثر الحيض فما دون وكان في الاشهر الثلاثة على قدر واحد أو في شهرين على اختلاف الروايتين انتقلت إليه وعملت عليه وأعادت ما صامته من الفرض فيه لاننا تبينا انها صامته في حيضها (فصل) ومتى أجلسناها يوما وليلة أو ستا أو سبعا أو عادة نسائها فرأت الدم أكثر من ذلك لم يحل لزوجها وطؤها حتى ينقطع أو يجاوز أكثر الحيض لان الظاهر انه حيض وانما أمرناها بالعبادة فيه احتياطا لبراءة ذمتها فيجب ترك وطئها احتياطا أيضا، وإن انقطع الدم واغتسلت حل وطؤها ولم يكره لانها رأت النقاء الخالص وعنه يكره لانا لا نأمن معاودة الدم فكره وطؤها كالنفساء إذا انقطع دمها لاقل من أربعين يوما (مسألة) (فان جاوز أكثر الحيض فهي مستحاضة) لان الدم لا يصلح أن يكون حيضا (مسألة) (فان كان دمها متميزا بعضه أسود ثخين منتن وبعضه رقيق أحمر فحيضها زمن الدم الاسود وما عداه استحاضة) وجملة ذلك ان المبتدأة إذا جاوز دمها أكثر الحيض لم تخل من حالين
(احدهما) ان تكون مميزة وهي أن يكون بعض دمها أسود ثخينا منتنا وبعضه أحمر رقيقا أو أصفر لا رائحة له ويكون الدم الاسود أو الثخين لا يزيد على أكثر الحيض ولا ينقص عن أقله فحكم هذه أن حيضها زمن الدم الاسود والثخين فإذا انقطع فهي مستحاضة تغتسل للحيض وتتوضأ لكل صلاة وتصلي، وبهذا قال مالك والشافعي لما روت عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله اني استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " انما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا اقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي "
متفق عليه وللنسائي وأبي داود " إذا كان دم الحيض فانه أسود يعرف فامسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي فانما هو عرق " وقال ابن عباس: اما ما رأت الدم البحراني فانها تدع الصلاة انها والله لن ترى الدم بعد أيام محيضها الا كغسالة ماء اللحم.
ولانه خارج من الفرج يوجب الغسل فرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمني والمذي (فصل) وظاهر كلام شيخنا رحمه الله ههنا أن المميزة إذا عرفت التمييز جلسته من غير تكرار وهو ظاهر كلام احمد والخرقي واختيار ابن عقيل لان معنى التمييز ان يتميز أحد الدمين عن الآخر في الصفة وهذا يوجد باول مرة، وهذا قول الشافعي وقال القاضي وأبو الحسن الآمدي انما تجلس
المميزة من التمييز ما تكرر مرتين أو ثلاثة بناء على الروايتين فيما تثبت به العادة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي " أمرها بتر لا الصلاة إذا اقبلت الحيضة من غير اعتبار امر آخر ثم مده إلى حين ادباره لان التمييز امارة بمجردة فلم يحتج إلى ضم غيره إليه كالعادة.
وعند القاضي لا تجلس من التمييز الا ما تكرر فعلى هذا إذا رأت في كل شهر خمسة احمر ثم خمسة اسود ثم احمر واتصل وجلست زمان الاسود فكان حيضها والباقي استحاضه، وهل تجلس الاسود في الشهر الثاني أو الثالث أو الرابع؟ يخرج ذلك على الروايات الثلاث وكذلك لو رأت عشرة احمر ثم خمسة اسود ثم احمر فان اتصل الاسود وعبر اكثر الحيض فليس لها تمييز وتحيضها من الاسود لانه أشبه بدم الحيض.
ولو رأت أقل من يوم وليلة اسود فلا تمييز لها لانه لا يصلح حيضا.
وان رأت في الشهر الاول احمر كله وفي الثاني والثالث والرابع خمسة أسود وفي الخامس كله احمر فانها تجلس في الاشهر الثلاثة اليقين على قولنا يعتبر التكرار في المميزة وفي الرابع ايام الدم الاسود في قول شيخنا وفي الخامس تجلس خمسة ايضا، وقال القاضي لا تجلس من الرابع إلا اليقين الا ان نقول تثبت العادة بمرتين، قال شيخنا وفيه نظر فانه أكثر ما يقدر فيها أنها لا عادة لها ولا تمييز ولو كانت كذلك لجلست ستا أو سبعا في اصح الروايات فكذا ههنا (قلت) فينبغي على هذا ان لا تجلس بالتمييز وانما تجلس غالب الحيض لما ذكره ومن لم يعتبر التكرار في التمييز
فهذه مميزة، ومن قال انها تجلس بالتمييز في الشهر الثاني قال انها تجلس الدم الاسود في الشهر الثالث لانها لا تعلم أنها مميزة قبله (الحال الثاني) أن لا يكون دمها متميزا على ما مضى ففيها أربع روايات (احداها) انها تجلس غالب الحيض من كل شهر وذلك ستة أيام أو سبعة وهذا اختيار الخرقي لانه غالب عادات النساء فيجب ردها إليه كردها في الوقت إلى حيضها في كل شهر (والرواية الثانية) انها تجلس أقل الحيض لانه اليقين وللشافعي قولان كهاتين الروايتين (والثالثة) انها تجلس أكثر الحيض وهو قول أبي حنيفة لانه زمان الحيض فإذا رأت الدم فيه جلسته كالمعتاد (والرابعة) انها تجلس عادة نسائها كأمها وأختها وعمتها وخالتها وهو قول عطاء والثوري والاوزاعي لان الظاهر أنها تشبههن في ذلك والاول أصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة " تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوما أو ثلاثة وعشرين كما يحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن " حديث حسن صحيح - ردها النبي
صلى الله عليه وسلم إلى ذلك ولم يردها إلى غيره مما ذكر ولان هذه ترد إلى غالب عادات النساء في وقتها بمعنى انها تجلس في كل شهر مرة فكذلك في عدد ايامها وبهذا يبطل ما ذكر لليقين ولعادة نسائها (فصل) وهل ترد إلى ذلك إذا استمر بها الدم في الشهر الرابع أو الثاني؟ المنصوص انها لا ترد إلى ست أو سبع الا في الشهر الرابع لانا لا نحيضها اكثر من ذلك إذا لم تكن مستحاضة فأولى أن نفعل ذلك إذا كانت مستحاضة.
وقال القاضي يحتمل أن تنتقل إليها في أيام الشهر الثاني بغير تكرار لانا قد علمنا استحاضتها فلا معنى للتكرار في حقها وهو أصح ان شاء الله لظاهر حديث حمنة (مسألة) (وذكر أبو الخطاب في المبتدأة اول ما ترى الدم الروايات الاربع) احداها تجلس
أقل الحيض لانه اليقين (والثانية) تجلس غالب الحيض لانه الغالب (والثالثة) تجلس عادة نسائها لان الظاهر شبهها بهن (والرابعة) تجلس ما تراه من الدم ما لم يجاوز أكثر الحيض قياسا على اليوم والليلة وقد ذكرنا ذلك
(مسألة) (وان استحيضت المعتادة رجعت إلى عادتها وان كانت مميزة، وعنه يقدم التمييز وهو اختيار الخرقي وإن نسيت العادة عملت بالتمييز فان لم يكن لها تمييز جلست غالب الحيض من كل شهر.
وعنه أقله وقيل فيها الروايات الاربع) وجملة ذلك أن المعتادة إذا استحيضت لم تخل من أربعة أقسام (أحدها) أن تكون معتادة ولا تمييز لها لكون دمها على صفة لا يختلف ولا يتميز بعضه من بعض أو بأن يكون الدم الذي يصلح للحيض ينقص عن أقل الحيض أو يزيد على أكثره فهذه تجلس أيام عادتها ثم تغتسل عند انقضائها وتتوضأ بعد ذلك لوقت كل صلاة وتصلي وهذا قول أبي حنيفة والشافعي، وقال مالك لا اعتبار بالعادة انما الاعتبار بالتمييز فان لم تكن مميزة استطهرت بعد زمان عادتها بثلاثة أيام ان لم تجاوز خمسة عشر يوما ثم هي بعد ذلك مستحاضة واحتج بحديث فاطمة الذي ذكرناه ولنا ما روت أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " لتنظر عدد الليالي والايام التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل " رواه أبو داود والنسائي وقد روي في حديث فاطمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها " دعي الصلاة قدر الايام التي كنت تحيضين فيها
ثم اغتسلي وصلي " متفق عليه وروت أم حبيبة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي " رواه مسلم ولا حجة له في الحديث على ترك العادة في حق من لا تمييز لها (فصل) لا يختلف المذهب أن العادة لا تثبت بمرة لانها مأخوذة من المعاودة.
وهل تثبت بمرتين أو بثلاث على روايتين.
وقد ذكرناه وتثبت العادة بالتمييز فإذا رأت دما أسود خمسة أيام في ثلاثة أشهر أو شهرين على إحدى الروايتين ثم صار أحمر واتصل ثم صار في سائر الاشهر دما مبهما كانت على عادتها زمن الدم الاسود (فصل) والعادة على ضربين متفقة ومختلفة فالمتفقة أن تكون أياما متساوية كخمسة في كل شهر فإذا استحيضت جلستها فقط، وأما المختلفة فان كانت على ترتيب مثل أن ترى في شهر ثلاثة وفي
الثاني أربعة وفي الثالث خمسة ثم تعود إلى ثلاثة ثم إلى أربعة ثم إلى خمسة على ما كانت فهذه إذا استحيضت في شهر فعرفت نوبته عملت عليه ثم على الذي بعده والذي بعده على العادة.
وإن نسيت نوبته حيضناها على اليقين وهو ثلاثة أيام ثم تغتسل وتصلي بقية الشهر وان علمت أنه غير الاول وشكت هل هو الثاني أو الثالث جلست أربعة لانها اليقين ثم تجلس من الشهرين الآخرين ثلاثة ثلاثة وتجلس في الرابع أربعة ثم تعود إلى الثلاثة كذلك أبدا.
ويجزئها غسل واحد عند انقضاء المدة التي جلستها كالناسية إذا جلست أقل الحيض لان ما زاد على اليقين مشكوك فيه فلا يجب عليها الغسل بالشك.
قال شيخنا ويحتمل وجوب الغسل عليها أيضا عند مضي أكثر عادتها لان يقين الحيض ثابت وحصول الطهارة بالغسل مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك ولان هذه متيقنة وجوب الغسل عليها في أحد الايام الثلاثة في اليوم الخامس.
وقد اشتبه عليها وصحة صلاتها تقف على الغسل فيجب عليها لتخرج عن العهدة بيقين وهذا الوجه أصح لذلك.
وتفارق هذه الناسية لانها لا تعلم لها حيضا زائدا على ما جلسته وهذه تعلم لها حيضا زائدا تقف صحة صلاتها على غسلها منه فوجب
ذلك، فعلى هذا يلزمها غسل ثان عقيب اليوم الخامس في كل شهر، وإن جلست في رمضان ثلاثة أيام قضت خمسة أيام لان الصوم كان في ذمتها ولا تعلم أن اليومين الذين صامتهما أسقطا الفرض من ذمتها ويحتمل أنه يلزمها في كل شهر ثلاثة أغسال غسل عقيب اليوم الثالث والرابع والخامس لان عليها عقيب الرابع غسلا في بعض الاشهر وكل شهر يحتمل أن يكون هو الشهر الذي يجب الغسل فيه بعد الرابع فيلزمها ذلك كما قلنا في الخامس (فصل) وإن كان الاختلاف على غير ترتيب مثل أن تحيض من شهر ثلاثة، ومن الثاني خمسة ومن الثالث أربعة وأشباه ذلك فان أمكن ضبطه بحيث لا يختلف فهي كالتي قبلها، وإن لم يمكن ضبطه جلست الاقل من كل شهر واغتسلت عقيبه، وذكر ابن عقيل في هذا الفصل أن قياس المذهب أن تجلس أكثر عادتها في كل شهر كالناسية للعدد تجلس أكثر الحيض في احدى الروايات.
قال شيخنا:
هذا لا يصح إذ فيه أمرها بترك الصلاة واسقاطها عنها مع يقين وجوبها عليها فاننا متى أجلسناها خمسا من كل شهر ونحن نعلم وجوب الصلاة عليها يومين منها في شهر ويوما في شهر آخر فقد أمرناها بترك الصلاة الواجبة يقينا والاصل بقاء الحيض فتبقى عليه (فصل) ولا تكون المرأة معتادة حتى تعرف شهرها وتعرف وقت حيضها منه وطهرها - وشهر المرأة عبارة عن المدة التي لها فيها حيض وطهر وأقل ذلك أربعة عشر يوما أو ستة عشر يوما إن قلنا أقل الطهر خمسة عشر ولا حد لاكثره لان أكثر الطهر لاحد له وغالبه الشهر المعروف بين الناس فإذا عرفت ان شهرها ثلاثون يوما وان حيضها منه خمسة ايام وان طهرها خمسة وعشرون وعرفت أوله فهي معتادة وإن عرفت أيام حيضها وأيام طهرها فقد عرفت شهرها.
وإن عرفت أيام حيضها ولم تعرف
أيام طهرها أو بالعكس فليست معتادة لكنها متى جهلت شهرها رددناها إلى الغالب فحيضناها من كل شهر حيضة كما رددنا في عدد أيام الحيض إلى الغالب (فصل) القسم الثاني أن يكون لها عادة وتمييز فان كان الدم الذي يصلح للحيض في زمن العادة فقد اتفقت العادة والتمييز في الدلالة فتعمل بهما وإن كان أكثر من العادة أو أقل ولم ينقص عن أقل الحيض ولا زاد على أكثره ففيه روايتان (احداهما) يقدم التمييز وهو اختيار الخرقي وظاهر مذهب الشافعي لما ذكرناه من الادلة ولان صفة الدم أمارة قائمة به والعادة زمان منقض ولانه خارج يوجب الغسل فرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمني (والثانية) تقدم العادة وهو ظاهر كلام أحمد وقول أكثر الاصحاب لان النبي صلى الله عليه وسلم رد أم حبيبة والمرأة التي استفتت لها أم سلمة إلى العادة ولم يستفصل عن كونها مميزة أو غيرها.
وحديث فاطمة قد روي فيه ردها إلى العادة أيضا فتعارضت روايتان وبقيت أحاديثنا خالية عن معارض، على أن حديث فاطمة قضية في عين يحتمل انها أخبرته أن لا عادة لها أو علم ذلك من غيرها، وحديث عدي بن ثابت عام في كل مستاحضة فيكون أولى ولان العادة أقوى لكونها لا تبطل دلالتها، واللون إذا زاد على أكثر الحيض بطلت دلالته فما لا تبطل دلالته أولى.
(فصل) ومن كان حيضها خمسة أيام من أول كل شهر فاستحيضت وصارت ترى ثلاثة دما أسود
في أول كل شهر فمن قدم العادة قال تجلس في كل شهر خمسة كما كانت قبل الاستحاضة، ومن قدم التمييز جعل حيضها الثلاثة التي فيها الاسود إلا أنها انما تجلس الثلاثة في الشهر الثاني لانا لا نعلم انها
مستحاضة إلا بتجاوز الدم اكثر الحيض ولا نعلم ذلك في الشهر الاول.
فان رأت في كل شهر عشرة دما اسود ثم صار احمر واتصل فمن قال إنها لا تلتفت إلى ما زاد على العادة حتى يتكرر لم يحيضها في الشهرين الاولين أو الثلاثة على اختلاف الروايتين إلا خمسة قدر عادتها، ومن قال انها إذا زادت على العادة جلسته بأول مرة أجلسها في الشهر الاول خمسة عشر يوما ثم تغتسل وتصلي، وفي الثاني تجلس أيام العادة وهي الخمسة الاولى من الشهر عند من يقدم العادة على التمييز، ومن قدم التمييز ولم يعتبر فيه التكرار أجلسها العشرة كلها فإذا تكرر ثلاثة أشهر على هذا الوصف قال القاضي: تجلس العشرة في الشهر الرابع على الروايتين جميعا لان الزيادة على العادة ثبتت بتكرار الاسود، قال شيخنا: ويحتمل أن لا تجلس زيادة على عادتها عند من يقدم العادة لاننا لو جعلنا الزائد على العادة من التمييز حيضا بتكرره لجعلنا الناقص عنها استحاضة بتكرره فكانت لا تجلس فيما إذا رأت ثلاثة اسود ثم صار احمر اكثر من الثلاثة والامر بخلاف ذلك (فصل) فان كان حيضها خمسا من أول كل شهر فاستحيضت فصارت ترى خمسة اسود ثم يصير احمر ويتصل فالاسود حيض بالاتفاق لموافقته زمن العادة والتمييز، وان رأت مكان الاسود أحمر ثم صار أسود وعبر سقط حكم الاسود لعبوره اكثر الحيض وكان حيضها الاحمر لموافقته زمن العادة، وإن رأت مكان العادة احمر ثم رأت خمسة اسود ثم صار احمر واتصل فمن قدم العادة أجلسها ايامها وإذا تكرر الاسود فقال القاضي: يصير حيضا ومن قدم التمييز جعل الاسود وحده حيضا (مسألة) قال (وإن نسيت العادة عملت بالتمييز) وهذا القسم (الثالث) من أقسام المستحاضة وهي التي لها تمييز وقد نسيت العادة، ومعنى التمييز أن يتميز بعض دمها عن بعض فيكون بعضه اسود ثخينا منتنا، وبعضه احمر رقيقا أو أصفر ولا رائحة له ويكون الاسود أو الثخين لا يزيد على اكثر الحيض ولا ينقص عن أقله فحكم هذه أن حيضها زمن الاسود الثخين أو المنتن فإذا انقطع فهى
مستحاضة تغتسل للحيض وتتوضأ لوقت كل صلاة بعد ذلك وتصلي، وذكر أحمد المستحاضة فقال: لها سنن فذكر المعتادة ثم قال وسنة أخرى إذا جاءت فزعمت انها تستحاض فلا تطهر قيل لها أنت الآن ليس لك أيام معلومة فتجلسيها ولكن انظري إلى إقبال الدم وإدباره فإذا أقبلت الحيضة واقبالها أن ترى دما أسود يعرف فإذا تغير دمها وكان إلى الصفرة والرقة فذلك دم استحاضة فاغتسلي وصلي
وهذا مذهب مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا اعتبار بالتمييز إنما الاعتبار بالعادة خاصة لما روت أم سلمة ان امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " لتنظر عدة الايام والليالي التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل " رواه أبو داود وابن ماجه وهذا أحد الاحاديث الثلاثة التي قال الامام أحمد ان الحيض يدور عليها ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش " فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي " متفق عليه ولابي داود والنسائي " إذا كان دم الحيض فانه دم أسود يعرف فامسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي فانما هو عرق " وحديث أم سلمة يدل على اعتبار العادة ولا نزاع فيه وهذه لاعادة لها (فصل) وقد ا ختلفوا: هل يعتبر للتمييز التكرار أم لا.
فظاهر كلام شيخنا ههنا انه لا يعتبر له التكرار بل متى عرفت التمييز جلسته وهذا ظاهر كلام احمد والخرقي واختيار ابن عقيل وهو مذهب الشافعي، وقال القاضي والآمدي يعتبر له التكرار مرتين أو ثلاثا على اختلاف الروايتين فيما تثبت به العادة وقد ذكرنا ذلك في المبتدأة (فصل) فان لم يكن الاسود مختلفا مثل أن ترى في كل شهر ثلاثة أسود ثم يصير أحمر ويعبر أكثر الحيض فالاسود حيض وحده.
وان كان مختلفا مثل أن ترى في الشهر الاول خمسة أسود وفي الثاني أربعة وفي الثالث ثلاثة أو في الاول خمسة وفي الثاني ستة وفي الثالث سبعة أو غير ذلك من الاختلاف فعلى قول شيخنا الاسود حيض في كل حال.
وعلى قول القاضي الاسود حيض فيما تكرر
وهو ثلاث في الاولى وخمس في الثانية وما زاد عليه يكون حيضا إذا تكرر وإلا فلا.
ولا تجلس عند القاضي في الشهر الاول والثاني إلا اليقين الذي تجلسه من لا تمييز لها.
وان كانت مبتدأة لم تجلس إلا يوما وليلة.
وهل تجلس الذي يتكرر في الشهر الثالث أو الرابع؟ ينبني على الروايتين فيما تثبت به العادة ويكون حكمها حكم المبتدأة التي ترى دما لا يعبر أكثر الحيض الاسود كالدم والاحمر كالطهر هناك فان كانت ناسية وكان الاسود في أثناء الشهر وقلنا إن الناسية تجلس من أول الشهر جلست ههنا من أول الشهر ما تجلسه الناسية ولا تنتقل إلى الاسود حتى يتكرر فتنتقل إليه وتعلم أنه حيض فتقضي ما صامته من الفرض فيه كما ذكر في المبتدأة (فصل) فان رأت أسود بين أحمرين أو أحمر بين اسودين وانقطع لدون أكثر الحيض فالجميع حيض إذا تكرر لان الاحمر أشبه بالحيض من الطهر، وان عبر أكثر الحيض وكان الاسود بمفرده يصلح أن بكون حيضا فهو حيض والاحمر كله استحاضة لان الاحمر الاول أشبه بالاحمر الثاني الذي حكمنا
بأنه استحاضة وتلفق الاسود إلى الاسود فيكون حيضا ولا فرق بين كون الاسود قليلا أو كثيرا إذا كان بانضمامه إلى بقية الاسود يبلغ أقل الحيض ولا يزيد على أكثره ولا يكون بين طرفيهما زمن يكون على اكثر الحيض وكذلك لا فرق بين أن يكون الاحمر قليلا أو كثيرا إذا كان زمنه يصلح أن يكون طهرا فاما ان كان زمنه لا يصلح أن يكون طهرا مثل الشئ اليسير أو ما دون اليوم على إحدى الروايتين فانه يلحق بالدمين الذين هو بينهما لانه لو كان الدم منقطعا لم نحكم بكونه طهرا فإذا كان الدم جاريا كان أولى فلو رأت يوما دما أسود ثم رأت الثاني أحمر ثم رأت الثالث أسود ثم صار أحمر وعبر لفقت الاسود إلى الاسود فصار حيضا وباقي الدم استحاضة وان رأت نصف يوم أسود ثم صار احمر ثم رأت الثاني كذلك ثم رأت الثالث كله اسود ثم صار احمر وعبر فان قلنا ان الطهر يكون اقل من يوم لفقت الاسود إلى الاسود فكان حيضها يومين وان قلنا: لا يكون اقل من يوم فحيضها الايام الثلاثة الاول والباقي استحاضة، ولو رأت نصف يوم اسود ثم صار احمر إلى العاشر ثم رأته كله اسود ثم صار احمر وعبر فالاسود كله حيض الثاني والاول، ولو رأت بين الاسود
والاحمر نقاء يوما أو اكثر لم يتغير الحكم الذي ذكرناه لان الاحمر محكوم بأنه استحاضة مع اتصاله بالاسود فمع انفصاله عنه أولى (فصل) إذا رأت في شهر خمسة اسود ثم صار احمر واتصل وفي الثاني كذلك ثم صار الثالث كله احمر ورأت في الرابع كالاول ثم رأت في الخامس خمسة احمر ثم صار اسود واتصل فحيضها الاسود من الاول والثاني والرابع واما الثالث والخامس فلا تمييز لها فيهما لان حكم الاسود في الخامس سقط لعبوره فان قلنا العادة تثبت بمرتين جلست ذلك من الثالث والرابع والخامس وان قلنا لا تثبت الا بثلاث جلسته من الخامس لانها قد رأت ذلك في ثلاثة اشهر وتجلس في الثالث ما تجسله من لا عادة لها ولا تمييز وقبل لا تثبت لها عادة وتجلس ما تجلسه من الخامس من الدم الاسود لانه اشبه بدم الحيض (مسألة) (فان لم يكن لها تمييز جلست غالب الحيض من كل شهر وعنه أقله وقيل فيها الروايات الاربع) وهذا القسم الرابع من اقسام المستحاضة وهي من لاعادة لها ولا تمييز ولها ثلاثة أحوال
(أحدها) ان تكون ناسية لوقتها وعددها وهذه تسمى المتحيرة وحكمها أنها تجلس في كل شهر ستة ايام أو سبعة في ظاهر المذهب وهو اختيار الخرقي فان كانت تعرف شهرها جلست ذلك منه لانه عادتها فترد إليه كما ترد المعتادة إلى عادتها الا انه متى كان شهرها اقل من عشرين يوما لم تجلس منه اكثرها من الفاضل عن ثلاثة عشر يوما أو خمسة عشر لئلا ينقص الطهر عن اقله ولا سبيل إليه، وان لم تعرف شهرها جلست من الشهر المعتاد لما روت حمنة بنت جحش قالت كنت استحاض حيضة كبيرة شديدة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم استفته فوجدته في بيت اختي فقلت يا رسول الله اني استحاض حيضة كبيرة شديدة فما تأمرني فيها؟ قد منعتني الصيام والصلاة فقال " أنعت لك الكرسف فانه يذهب الدم " قلت هو اكثر من ذلك انما اثج ثجا فقال النبي صلى الله عليه وسلم " انما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام ثم اغتسلي فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فان ذلك يجزئك وكذلك فافعلي كما يحيض النساء وكما يطهرن
لميقات حيضهن وطهرهن " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وقال الشافعي في هذه لا حيض لها بيقين وجميع زمنها مشكوك فيه تغتسل لكل صلاة وتصلي وتصوم ولا يأتيها زوجها وله قول انها تجلس اليقين.
وقال بعض اصحابه الاول اصح لان هذه لها ايام معروفة ولا يمكن ردها إلى غيرها فجميع زمانها مشكوك فيه وقد روت عائشة ان ام حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال " انما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلي " فكانت تغتسل عند كل صلاة.
متفق عليه، ولنا ما ذكرنا من حديث حمنة وهو بظاهره يثبت الحكم في حق الناسية لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصلها هل هي مبتدأة أو ناسية ولو افترق الحال لاستفصل واحتمال ان تكون ناسية اكثر فان حمنة امرأة كبيرة، كذلك قال احمد، ولم يسألها النبي صلى الله عليه وسلم عن تمييزها لانه قد جرى من كلامها من تكثير الدم وصفته ما اغنى عن السؤال عنه ولم يسألها هل لها عادة فيردها إليها لاستغنائه عن ذلك بعلمه اياه إذا كان مشتهرا وقد امر به اختها ام حبيبة فلم يبق الا ان تكون ناسية ولانها لا عادة لها ولا تمييز اشبهت المبتدأة، قولهم: لها ايام معروفة، قلنا قد زالت المعرفة فصار وجودها كعدمها وأما ام حبيبة فكانت معتادة ردها الى عادتها لانه قد روى مسلم ان ام حبيبة شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم فقال لها " امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي " فكانت تغتسل عند كل صلاة فيدل على انها انما كانت تغتسل لكل صلاة في غير وقت الحيض وأما وجوب غسل المستحاضة لكل صلاة فسيذكر في المستحاضة ان شاء الله تعالى (فصل) قوله ستا أو سبعا الظاهر انه ردها إلى اجتهادها فيما يغلب على ظنها انه عادتها أو ما
يشبه أن يكون حيضا ذكره القاضي وذكر في موضع آخر انه على وجه التخيير بين الست والسبع كما خير واطئ الحيض في التكفير بدينار أو نصف لان حرف " أو " للتخيير، قال شيخنا: والاول أصح لاننا لو خيرناها أفضى إلى أن نخيرها في اليوم السابع بين كون الصلاة عليها محرمة أو واجبة وليس لها في ذلك خيرة بحال، وأما التكفير ففعل اختياري، فأما أو فقد تكون للاجتهاد كقوله (فاما منا بعد وإما فداء) وإما كأوفي وضعها وليس للامام إلا فعل ما يؤديه إليه اجتهاده انه الاصلح والله أعلم.
(فصل) وهل تجلس أيام حيضها من اول كل شهرر أو بالتحري؟ فيه وجهان أوجههما ما يأتي وعنه انها تجلس أقل الحيض وهو أحد قولي الشافعي لانه اليقين وما زاد عليه مشكوك فيه فلا تدع العبادة لاجله وعنه رواية ثالثة أنها تجلس عادة نسائها لان الظاهر انها تشبههن وعنه تجلس أكثر الحيض لانه يمكن أن يكون حيضا أشبه ما قبله والاول أصح لحديث حمنة والله أعلم.
(مسألة) (وإن علمت عدد أيامها ونسيت موضعها جلستها من اول كل شهر في أحد الوجهين وفي الآخر تجلسها بالتحري) وهذا الحال الثاني من احوال الناسية وهي تتنوع نوعين (النوع الاول) أن لا تعلم لها وقتا أصلا مثل أن تعلم ان حيضها خمسة ايام ففيه وجهان (أحدهما) تجلسه من اول كل شهر إذا كان يحتمل لان النبي صلى الله عليه وسلم قال لحمنة " تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي وصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وايامها وصومي " فقدم حيضها على
الطهر ثم أمرها بالصلاة والصوم في بقية الشهر ولان المبتدأة تجلس من اول الشهر مع انها لا عادة لها فكذلك الناسية ولان دم الحيض دم جبلة والاستحاضة عارضة فإذا رأت الدم وجب تغليب دم الحيض (الثاني) انها تجلس بالتحري والاجتهاد اختاره أبو بكر وابن أبي موسى لان النبي صلى الله عليه وسلم ردها إلى اجتهادها في القدر فكذلك في الوقت ولان للتحري مدخلا في الحيض لان المميزة ترجع إلى صفة الدم فكذلك في زمنه فان لم يغلب على ظنها شئ تعين اجلاسها من اول الشهر لعدم الدليل فيما سواه (مسألة) (وكذلك الحكم في موضع حيض من لا عادة لها ولا تمييز) يعني ان فيه الوجهين اللذين ذكرهما وجههما ما تقدم.
(مسألة) (وإن علمت ايامها في وقت من الشهر كنصفه الاول جلستها فيه إما من أوله أو بالتحري على اختلاف الوجهين) هذا النوع الثاني وهو أن تعلم أنها كانت تحيض اياما معلومة من العشر الاول فانها تجلس عدد ايامها من ذلك الوقت دون غيره إما من أوله أو بالتحري فيه ثم لا يخلو عدد ايامها إما أن يكون زائدا على نصف ذلك الوقت أو لا فان كان زائدا على نصفه مثل أن تعلم ان حيضها ستة ايام من العشر الاول أضعفنا الزائد فجعلناه حيضا بيقين وتجلس بقية ايامها من
أول العشر في أحد الوجهين وفي الآخر بالتحري، ففي هذا المسألة الزائد يوم وهو السادس فنضعفه ويكون الخامس والسادس حيضا بيقين يبقى لها أربعة ايام، فان جلستها من الاول كان حيضها من أول العشر إلى آخر السادس - منها يومان حيض بيقين والاربعة حيض مشكوك فيه والاربعة الباقية طهر مشكوك.
وإن جلستها بالتحري فأداها اجتهادها إلى أنها من أول العشر فهي كالتي قبلها وإن جلست الاربعة من آخر العشر فهي عكس التي قبلها وعلى هذا فقس.
وسائر الشهر طهر غير مشكوك، وحكم الحيض المشكوك فيه حكم المتيقن في ترك العبادات وحكم الطهر المشكوك فيه حكم الطهر المتيقن في وجوب العبادات.
وإن كان حيضها نصف الوقت فما دون فليس لها حيض بيقين لانها متى كانت تحيض خمسة أيام من العشر احتمل ان تكون الخمسة الاولى واحتمل أن تكون الثانية واحتمل ان يكون بعضها من الاولى وبعضها من الثانية فتجلس بالتحري أو من أوله على اختلاف الوجهين ولا يعتبر التكرار في الناسية لانها عرفت استحاضتها في الشهر الاول فلا معنى للتكرار (مسألة) (وإن علمت موضع حيضها ونسيت عدده جلست فيه غالب الحيض أو أقله على اختلاف الروايتين) هذا الحال الثالث من أحوال الناسية وهي ان تعلم ان حيضها في العشر الاول ولا تعلم عددها (فحكمها في قدر ما تجلسه حكم المتحيرة) الصحيح انها تجلس ستا أو سبعا ويخرج فيها الروايات الاربع إلا انها تجلسها من العشر دون غيرها وهل تجلسها من أوله أو بالتحري؟ على الوجهين، وإن قالت أعلم أنني كنت أول الشهر حائضا ولا أعلم آخره أو أنني كنت آخر الشهر حائضا ولا أعلم أوله
أولا أعلم هل كان ذلك أول حيضي أو آخره حيضناها الذي علمته وأتمت بقية حيضها مما بعده في الصورة الاولى، ومما قبله في الثانية وبالتحري في الثالثة أو مما يلي أول الشهر على اختلاف الوجهين (فصل) وإذا ذكرت الناسية عادتها بعد جلوسها في غيرها رجعت إلى عادتها لان تركها لعارض نسيان وإذا زال العارض عادت إلى الاصل، وإن تبين أنها كانت تركت الصلاة في غير عادتها لزمها إعادتها وقضاء ما صامته من الفرض في عادتها، فلو كانت عادتها خمسة من آخر العشر الاول فجلست
سبعا من أوله مدة ثم ذكرت لزمها قضاء ما تركت من الصلاة والصيام المفروض في الخمسة الاولى وقضاء ما صامت من الفرض في الثلاثة الايام الاخيرة لانها صامته في زمن حيضها (مسألة) (وإن تغيرت العادة بزيادة أو تقدم أو تأخر أو انتقال فالمذهب أنها لا تلتفت إلى ما خرج عن العادة حتى يتكرر ثلاثا أو مرتين على الاختلاف) وجملة ذلك أن المرأة إذا كانت لها عادة مستقرة في الحيض فرأت الدم في غير عادتها لم تلتفت إليه حتى يتكرر فتنتقل إليه وتصير عادة لها وتترك العادة الاولى الا أنها إذا رأته زائدا عن عادتها تغتسل غسلا ثانيا عند انقطاعه لجواز أن يكون حيضا كما قلنا في المبتدأة وكذلك ما تقدم عن العادة ويجب عليها قضاء ما صامته من الفرض في المرات التي أمرناها بالصيام فيها لاننا تبينا أنها صامته في حيض ولا تقضي الصلاة لان الحائض لا تقضي الصلاة قال أبو عبد الله لا يعجبني أن يأتيها زوجها في الايام التي تصلي فيها مع رؤية الدم قبل أن تنتقل إليها لاحتمال أن يكون حيضا فيجب ترك وطئها احتياطا كما وجبت الصلاة احتياطا للعبادة، وفي قدر
التكرار روايتان (أشهرهما) انه ثلاث فعلى هذه الرواية لا تنتقل إليه إلا في الشهر الرابع (والثانية) انه اثنتان فتنتقل في الشهر الثالث نقل الفضل بن زياد عنه هاتين الروايتين وقد ذكرنا وجههما في المبتدأة ونقل حنبل عنه في امرأة لها أيام معلومة فتقدمت الحيضة قبل أيامها لم تلتفت إليها تصوم وتصلي فان عاودها مثل ذلك في الثانية فانه دم حيض منتقل فيحتمل انها تنتقل إليه في المرة الثانية وتحسبه من حيضها، والرواية الاولى أشهر، مثال ذلك امرأة لها عادة ثلاثة أيام من أول كل شهر فرأت خمسة في أول الشهر ورأت يومين من آخر الشهر الذي قبله ويوما من شهرها أو طهرت اليوم الاول ورأت الثلاثة بعده أو طهرت الثلاثة الاول ورأت ثلاثة بعدها أو أكثر وما أشبه ذلك فانها لا تجلس في جميع ذلك إلا وقت الدم الذي تراه في الثلاثة الاول حتى يتكرر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك " رواه مسلم ولان لها عادة فردت إليها كالمستحاضة وقال أبو حنيفة إن رأته قبل العادة فليس بحيض حتى يتكرر مرتين.
وإن رأته بعدها فهو حيض، قال شيخنا رحمه الله وعندي أنها تصير إليه من غير تكرار وبه قال الشافعي لان النساء كن يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الصفرة
والكدرة فتقول لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء.
معناه لا تعجلن بالغسل ولو لم تعد الزيادة حيضا لزمها الغسل عند انقضاء العادة وإن لم تر القصة ومعنى القصة أن تدخل القطنة في فرجها فتخرج بيضاء نقية ولان الشارع علق على الحيض أحكاما ولم يحده فعلم انه رد الناس فيه إلى عرفهم.
والعرف بين
النساء أن المرأة متى رأت دما يصلح أن يكون حيضا اعتقدته حيضا.
ولو كان عرفهن اعتبار العادة على الوجه المذكور لنقل ظاهرا ولذلك لما كان بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم معه في الخميلة فجاءها الدم فانسلت من الخميلة فقال لها النببي صلى الله عليه وسلم " مالك أنفست؟ " قالت نعم فأمرها أن تأتزر ولم يسألها هل وافق العادة أو خالفها ولا هي سألت عن ذلك وإنما استدلت على ذلك بخروج الدم فأقرها عليه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك حين حاضت عائشة في عمرتها في حجة الوداع إنما عرفت الحيضة برؤية الدم لا غير والظاهر انه لم يأت في العادة لانها استنكرته وبكت حين رأته وقالت وددت أني لم أكن حججت العام ولو كانت لها عادة تعلم مجيئه فيها لما انكرته ولا شق عليها ولان العادة لو كانت معتبرة على المذكور في المذهب لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لامته ولما وسعه تأخير بيانه لان حاجة النساء داعية إليه في كل وقت ولا يجوز تأخير البيان عن وقته.
والظاهر أنهن جرين على العرف في اعتقاد ما يرينه من الدم حيضا ولم يأت من الشرع تغييره ولذلك أجلسنا المبتدأة من غير تقدم عادة ورجعنا في اكثر احكام الحيض إلى العرف والعرف ان الحيضة تتقدم وتتأخر وتزيد وتنقص ولم ينقل عنهن ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر العادة ولا بيانها إلا في حق المستحاضة، واما امرأة طاهر ترى الدم في وقت يمكن أن يكون حيضا ثم ينقطع عنها فلم يذكر في حقها عادة اصلا.
وفي اعتبار العادة على هذا الوجه اخلاء بعض المنتقلات عن الحيض بالكلية مع رؤيتهن الدم في زمن الحيض وصلاحيته له وهذا لا سبيل إليه كامرأة رأت الدم في غير ايام عادتها وطهرت ايام عادتها
ثلاثة أشهر فانها لا تدع الصلاة فإذا انتقلت في الشهر الرابع إلى أيام أخر لم تحيضها أيضا ثلاثة أشهر وكذلك أبدا فعلى هذا تجعل ما تراه من الدم قبل العادة وبعدها ما لم يجاوز أكثر الحيض فان
جاوز أكثر الحيض علمنا استحاضتها فترج إلى عادتها وتقضي ما تركته من الصلاة والصيام فيما سوى العادة لاننا تبينا أنه استحاضة (فصل) فان كانت عادتها ثلاثة من كل شهر فرأت في شهر خمسة أيام ثم استحيضت في الشهر الآخر فانها لا تجلس مما بعده من الشهور إلا ثلاثة ثلاثة، وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي تجلس خمسا من كل شهر وهذا مبني على أن العادة تثبت بمرة، وان رأت خمسة في شهرين خرج على الروايتين فيما نثبت به العادة، وان رأتها في ثلاثة أشهر ثم استحيضت انتقلت إليها وجلست من كل شهر خمسة بغير خلاف بينهم والله أعلم (مسألة) (وان طهرت في أثناء عادتها اغتسلت وصلت فان عاودها الدم في العادة.
فهل تلتفت إليه؟ على روايتين) هذه المسألة تشتمل على فصلين (أحدهما) في حكم الطهر في زمن العادة (والثاني) في حكم الدم العائد بعده فمتى رأت الطهر فهي طاهر تغتسل وتصلي وتصوم ولم يفرق أصحابنا بين قليل الطهر وكثيره لقول ابن عباس.
أما ما رأت الطهر ساعة فلتغتسل فاما ان كان النقاء أقل من ساعة فالظاهر أنه ليس بطهر لان الدم يجري تارة وينقطع أخرى وقد قالت عائشة لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء، وقد روي عن احمد أن النفساء إذا رأت النقاء دون يوم لا تثبت
لها أحكام الطاهرات فيخرج ههنا مثله قال شيخنا وهو الصحيح ان شاء الله تعالى لان العادة أن الدم يجري مرة وينقطع أخرى وفي ايجاب الغسل على من تطهر ساعة بعد ساعة حرج منفي بقوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) ولاننا لو جعلنا انقطاع الدم ساعة طهرا ولا تلتفت إلى الدم بعد افضى إلى أن لا يستقر لها حيض فعلى هذا لا يكون انقطاع الدم دون يوم طهرا الا أن ترى ما يدل عليه مثل أن يكون انقطاعه في آخر عادتها أو ترى القصة البيضاء وهو شئ يتبع الحيض أبيض يسمى الترية، روي ذلك عن امامنا، وهو قول مالك روي عنه أن القصة البيضاء هي القطنة التي تحشوها المرأة إذا خرجت بيضاء كما دخلت لا تغير عليها حكي ذلك عن الزهري وقال أبو حنيفة ليس النقاء بين الدمين طهرا بل لو صامت فيه فرضا لم يصح، ولا تجب عليها فيه صلاة ولا يأتيها زوجها
وهو احد قولي الشافعي لان الدم يسيل تارة وينقطع اخرى ولانه لو لم يكن من الحيض لم يحتسب من مدته.
ولنا قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو اذى) وصف الحيض بكونه اذى فإذا ذهب الاذى وجب زوال الحيض وقال ابن عباس إذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل وقالت عائشة لا تعجلين حتى ترين القصة البيضاء ولانها صامت وهي طاهر فلم يلزمها القضاء كما لو لم يعد الدم، فأما قولهم ان الدم يجري تارة وينقطع أخرى قلنا لا عبرة بالانقطاع اليسير وانما إذا وجد انقطاع كثير تمكن فيه الصلاة والصيام
وتتأدى العبادة فيه وجبت عليها لعدم المانع من وجوبها (الفصل الثاني) إذا عاودها الدم فان عاودها في العادة ولم يتجاوزها ففيه روايتان (احداهما) أنه من حيضها لانه صادف زمن العادة فأشبه مالو لم ينقطع.
وهذا مذهب الثوري وأصحاب الرأي (والثانية) ليس بحيض وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار ابن أبي موسى لانه عاد بعد طهر صحيح أشبه مالو عاد بعد العادة فعلى هذه الرواية يكون حكمه حكم مالو عاد بعد العادة على ما يأتي.
وقد روي عن احمد رحمه الله أنها تصوم وتصلي وتقضي الصوم المفروض على سبيل الاحتياط كدم النفساء العائد في مدة النفاس (فصل) فان رأته في العادة وتجاوز العادة فان عبر أكثر الحيض فليس بحيض لان بعضه ليس بحيض فيكون كله استحاضة لاتصاله به وانفصاله عن الحيض فكان إلحاقه بالاستحاضة أولى، وإن انقطع لاكثره فما دون فمن قال ان ما لم يعبر العادة ليس بحيض فههنا أولى ومن قال هو حيض ففي هذا على قوله ثلاثة أوجه (أحدها) ان جميعه حيض لما ذكرنا في أن الزائد على العادة حيض ما لم يعبر أكثر الحيض (والثاني) أن ما وافق الحيض لموافقته العادة وما زاد عليها ليس بحيض لخروجه عنها (والثالث) أن الجميع ليس بحيض لاختلاطه بما ليس بحيض فان تكرر فهو حيض على الروايتين جميعا (فصل) فان رأته بعد العادة ولم يمكن أن يكون حيضا لعبوره أكثر الحيض وانه ليس بينه
وبين الدم الاول أقل الطهر فهو استحاضة سواء تكرر أولا لانه لا يمكن جعل جميعه حيضا فكان كله استحاضة لان إلحاق بعضه ببعت أولى من إلحاقه بغيره (فصل) وإن أمكن كونه حيضا وذلك يتصور في حالين (أحدهما) ان يكون بضمه إلى الدم الاول لا يكون بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوما.
فإذا تكرر جعلناهما حيضة واحدة وتلفق أحدهما إلى الآخر ويكون الطهر الذي بينهما طهرا في خلال الحيضة (الحال الثانية) ان يكون بينهما أقل من الطهر ويكون كل واحد من الدمين يصلح أن يكون حيضا بمفرده بأن يكون يوما وليلة فصاعدا فهذا إذا تكرر كان الدمان حيضتين.
وإن نقص أحدهما عن أقل الحيض فهو دم فساد إذا لم يمكن ضمه إلى ما بعده.
ومثال ذلك مالو كانت عادتها عشرة من اول الشهر فرأت خمسة منها دما وطهرت خمسة ثم رأت خمسة دما وتكرر ذلك فالخمسة الاولى والثانية حيضة واحدة تلفق الدم الثاني إلى الاول، وإن رأت الثاني ستا أو أكثر لم يمكن أن يكون الدمان حيضة لان بين طرفيهما اكثر من خمسة عشر يوما ولا حيضتين لانه ليس بينهما أقل الطهر، وإن رأت يوما دما وثلاثة عشر طهرا ثم رأت يوما دما وتكرر ذلك كانا حيضتين وصار شهرها أربعة عشر يوما.
وكذلك ان رأت يومين دما وثلاثة عشر طهرا ثم رأت يومين دما وتكرر ويكون شهرها خمسة عشر وان كان الطهر بينهما احد عشر يوما فما دون وتكرر فهما حيضة واحدة لانه بين طرفيهما اكثر من خمسة ولا بينهما اقل الطهر وان كان بينهما اثنا عشر يوما لم يمكن كونهما جميعا حيضة لزيادتهما بما بينهما من الطهر على خمسة عشر ولا يمكن جعلهما حيضتين لانه ليس بينهما اقل الطهر.
فعلى هذا يكون حيضها منهما ما وافق العادة والآخر استحاضة.
وعلى هذا كل ما يتفرع من المسائل الا انها لا تلتفت إلى ما رأته بعد الطهر فيما خرج عن العادة حتى يتكرر مرتين أو ثلاثا، فان تكرر وامكن جعله حيضا فهو حيض والا فلا
(مسألة) قال (والصفرة والكدرة في أيام الحيض من الحيض) متى رأت في أيام عادتها صفرة أو كدرة فهو حيض وان رأته بعد أيام حيضها لم تعتد به نص عليه أحمد وهو مذهب الثوري ومالك والشافعي: وقال أبو يوسف وأبو ثور لا يكون حيضا إلا أن يتقدمه دم
أسود لان ام عطية قالت كنا لا نعد الصفرة بعد الغسل شيئا رواه أبو داود ولنا قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو اذى) وهذا يتناول الصفرة والكدرة ولان النساء كن يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الصفرة والكدرة فتقول لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيضة.
وحديث أم عطية انما يتناول ما بعد الطهر والاغتسال ونحن نقول به ويدل عليه قول عائشة ما كنا نعد الكدرة والصفرة حيضا مع قولها المتقدم (فصل) وحكمها حكم الدم العبيط في انها في ايام الحيض حيض وتجلس منها المبتدأة كما تجلس من غيرها وان رأتها بعد العادة متصلة بها فهو كما لو رأت غيرها، على مابينا وان طهرت ثم رأت كدرة أو صفرة لم تلتفت إليها لحديث ام عطية وعائشة وقد روى النجاد باسناده عن محمد بن إسحاق عن فاطمة عن
أسماء قالت كنا في حجرها مع بنات بنتها فكانت تطهر ثم تصلي ثم تنكس بالصفرة اليسيرة فنسألها فتقول اعتزلن الصلاة حتى لا ترين الا البياض خالصا.
والاول أولى لما ذكرنا من حديث أو عطية وعائشة وهو أولى من قول أسماء.
وقال القاضي معنى هذا انها لا تلتفت إليه قبل التكرار، وقول اسماء
فيما إذا تكرر فجمع بين الاخبار والله أعلم (مسألة) (ومن كانت ترى يوما دما ويوما طهرا فانها تضم الدم إلى الدم فيكون حيضا والباقي طهرا إلا أن يجاوز اكثر الحيض فتكون مستحاضة) قد ذكرنا أن الطهر في اثناء الحيضة طهر صحيح فإذا رأت يوما دما ويوما طهرا فانها تضم الدم إلى الدم فيكون حيضا وما بينهما من النقاء طهر على ما ذكرنا.
ولا فرق بين كون زمن الدم أكثر من زمن الطهر أو مثله أو أقل منه فان جميع الدم حيض إذا تكرر ولم يجاوز اكثر الحيض، فان كان الدم أقل من يوم مثل أن ترى نصف يوم دما ونصفا طهرا أو ساعة وساعة فقال اصحابنا: هو كالايام تضم الدم إلى الدم فيكون حيضا وما بينهما
طهر إذا بلغ المجتمع منه أقل الحيض فان لم يبلغ ذلك فهوم دم فساد، وفيه وج آخر لا يكون الدم حيضا
إلا أن يتقدمه حيض صحيح متصل وهذا كله مذهب الشافعي وله قول أن النقاء بين الدمين حيض وقد ذكرناه وذكرنا أيضا لنا وجها في أن النقاء إذا نقص عن يوم لم يكن طهرا، فعلى هذا متى نقص عنه كان كالدم وما بعده حيضا كله (فصل) فان جاوز أكثر الحيض مثل أن ترى يوما دما ويوما طهرا إلى ثمانية عشر فهي مستحاضة ترد إلى عادتها ان كانت معتادة.
فان كانت عادتها سبعة ايام من اول الشهر فانها تجلس أول يوم ترى الدم فيه في العادة وتغتسل، وما بعده مبني على الروايتين في الدم الذي تراه بعد الطهر في أثناء الحيضة
فان قلنا ليس بحيض فحيضها اليوم الاول خاصة وما بعده استحاضة.
وإن قلنا انه حيض فحيضها اليوم الاول والثالث والخامس والسابع فيحصل لها من عادتها أربعة أيام والباقي استحاضة وإن لم تر الدم إلا في اليوم الثاني جلسته والرابع والسادس فيحصل لها ثلاثة أيام، وفيه وجه آخر انه تلفق لها السبعة من أيام الدم جميعها فتجلس التاسع والحادي عشر والرابع عشر، والصحيح الاول لان هذه الايام ليس من عادتها فلم تجلسها كغير الملفقة، وان كانت ناسيه فأجلسها سبعه أيام فكذلك.
وان كانت مميزة جلست زمان الدم الاسود والباقي استحاضة، وان كانت مبتدأة جلست اليقين في ثلاثة أشهر وفي شهرين من أول دم تراه ثم تنتقل بعد ذلك إلى غالب الحيض وهل تلفق لها السبعة من
خمسة عشر يوما أو تجلس أربعة من سبعة؟ على الوجهين كالمعتادة، وقال القاضي في المعتادة كما ذكرنا وفي غيرها ما عبر الخمسة عشر استحاضة وأيام الدم من الخمسة عشر كلها حيض إذا تكرر فان كان يوما ويوما فلها ثمانية أيام حيضا وان كانت انصافا فلها سبعة ونصف حيضا ومثابا طهرا لان الطهر في اليوم السادس عشر يفصل بين الحيض وما بعده لانها فيما بعده في حكم الطاهرات تصوم وتصلي (فصل) قال (والمستحاضة تغسل فرجها وتعصبه وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي ما شاءت من الصلوات وكذلك من به سلس البول والمذي والريح والجريح الذي لا يرقأ دمه والرعاف الدائم) المستحاضة التي ترى دما لا يصلح أن يكون حيضا ولا نفاسا حكمها حكم الطاهرات في وجوب العبادات
وفعلها لانها نجاسة غير معتادة أشبه سلس البول، إذا ثبت ذلك فان المستحاضة ومن في معناها ممن ذكرنا وهو من لا يمكنه حفظ طهارته لاستمرار الحدث يجب عليه غسل محل الحدث والتحرز من خروج الحدث بما أمكنه.
فالمستحاضة تحشوه بالقطن وما أشبهه فان لم يرد الدم استثفرت بخرقة مشقوقة الطرفين تشدهما على جنبيها ووسطها على الفرج لان في حديث أم سلمة " لتستثفر بثوب " قال لحمنة حين شكت إليه كثرة الدم " أنعت لك الكرسف " يعني القطن تحشين به المكان قالت انه اكثر من ذلك قال " تلجمي " فإذا فعلت ذلك وتوضأت ثم خرج الدم لرخاوة الشدة فعليها اعادة الشد والوضوء وان كان لغلبة الخارج وقوته لم تبطل الطهارة لعدم امكان التحرز منه قالت عائشة اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من ازواجه فكلت فترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي رواه البخاري وفي لفظ " صلي وان قطر الدم على الحصير " والمبتلى بسلس البول وكثرة المذي يعصب رأس ذكره بخرقة ويحترس حسبما أمكنه وكذلك من به جرح أو ريح أو نحوه من الاحداث فان كان مما لا يمكن عصبه كالجرح الذي لا يمكن شده أو من به باسور أو ناصور لا يمكن عصبه صلى على حسب حاله لان عمر رضي الله عنه صلى وجرحه يثعب دما (فصل) ويجب على كل واحد من هؤلاء الوضوء لوقت كل صلاة الا ان لا يخرج منه شئ وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي، وقال مالك لا يجب الوضوء على المستحاضة وروي ذلك عن عكرمة وربيعة.
واستحب مالك لمن به سلس البول أن يتوضأ لكل صلاة الا أن يؤذيه البرد فان آذاه فأرجو
أن لا يكون عليه ضيق.
واحتجوا بأن في حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش " فاغتسلي وصلي " فلم يأمرها بالوضوء ولانه ليس بمنصوص عليه ولا في معنى النصوص لانه غير معتاد ولنا ما روى عدي بن ثابت عن أبيه عن جده في المستحاضة " تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصوم وتصلي وتتوضأ عند كل صلاة رواه أبو داود والترمذي وعن عائشة قالت جاءت فاطمة بنت
أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر خبرها ثم قال " وتوضئي لكل صلاة حتى يجئ ذلك الوقت " رواه الامام أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وهذه زيادة يجب قبولها
ولانه حدث خارج من السبيل فنقض الوضوء كالمذي - إذا ثبت هذا فان طهارة هؤلاء مقيدة بالوقت لقوله " تتوضأ عند كل صلاة " وقوله " ثم توضئي لكل صلاة " ولانها طهارة عذر وضرورة فقيدت بالوقت كالتيمم.
فعلى هذا إذا توضأ أحد هؤلاء قبل الوقت بطلت طهارته لان دخوله يخرج به الوقت الذي توضأ فيه.
وكذلك ان خرج منه شئ لان الحدث مبطل للطهارة وانما عفي عنه مع الحاجة إلى الطهارة ولا حاجة قبل الوقت وان توضأ بعد الوقت صح وضوؤه ولم يؤثر فيه ما يتجدد من الحدث الذي لا يمكن التحرز منه لما ذكرنا.
فان صلى عقيب الطهارة أو أخرها لما يتعلق بمصلحة الصلاة كلبس الثياب وانتظار الجماعة أو لم يعلم أنه خرج منه شئ جاز وان أخرها لغير ذلك.
ففيه وجهان
(أحدهما) الجواز قياسا على طهارة التيمم (والثاني) لا يجوز لانه انما ابيح له الصلاة بهذا الطهارة مع وجود الحدث للضرورة ولا ضرورة ههنا.
وإن خرج الوقت بعد أن خرج منها شئ أو أحدث حدثا غير هذا الخارج بطلت الطهارة (فصل) ويجوز للمستحاضة ومن في معناها الجمع بين الصلاتين وقضاء الفوائت والتنفل إلى خروج الوقت قال أحمد في رواية ابن القاسم انما آمرها أن تتوضأ لكل صلاة فتصلي بذلك الوضوء النافلة والصلاة الفائتة حتى يدخل وقت الصلاة الاخرى فتتوضأ أيضا وهذا يقتضي إلحاقها بالتيمم، وقال الشافعي في المستحاضة لا تجمع بين فرضين بطهارة واحدة ولا تقضي به فوائت كقوله في
التيمم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " توضئي لكل صلاة " ولنا أنه قد روي في بعض ألفاظ حديث فاطمة " توضئي لوقت كل صلاة " وحديثهم محمول على الوقت كقوله صلى الله عليه وسلم " أينما أدركتك الصلاة فصل " أي وقتها ولان النبي صلى الله عليه وسلم أمر
حمنه بالجمع بين الصلاتين بغسل واحد وأمر به سهلة بنت سهيل ولم يأمرها بوضوء لان الظاهر أنه لو مرها بالوضوء بينهما لنقل ولان هذا مما يخفى ويحتاج إلى بيان فلا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة أو غير المستحاضة من أهل الاعذار مقيس عليها (فصل) إذا توضأت المستحاضة ثم انقطع دمها فان اتصل الانقطاع بطل وضوؤها بانقطاعه
لان الحدث الخارج منها مبطل للطهارة عفي عنه للعذر فإذا زال العذر ظهر حكم الحدث، وإن عاد الدم فظاهر كلام احمد انه لا عبرة بهذا الانقطاع قال احمد بن القاسم سألت أبا عبد الله فقلت إن هؤلاء يتكلمون بكلام كثير ويؤقتون بوقت يقولون إذا توضأت للصلاة وقد انقطع الدم ثم سأل بعد ذلك قبل ان تدخل في الصلاة تعيد الوضوء ويقولون ادا تطهرت والدم سائل ثم انقطع الدم قولا آخر؟ قال لست أنظر في انقطاعه حين وضات سال أم لم يسل انما آمرها أن تتوضأ لكل صلاة فتصلي بذلك الوضوء النافلة والفائتة حتى يدخل وقت الصلاة الاخرى، وقال القاضي وابن عقيل ان تطهرت حال جريان الدم ثم انقطع قبل دخولها في الصلاة ولم يكن لها عادة بانقطاعه لم يكن لها الدخول في
الصلاة حتى تتوضأ لانها طهارة عفي عن الحدث فيها للضرورة فإذا زالت ظهر حكم الحدث كالمتيمم إذا وجد الماء.
فان دخلت في الصلاة فاتصل الانقطاع بحيث يتسع للوضوء والصلاة فالصلاة باطلة لاننا تبينا بطلان الطهارة بانقطاعه وإلا فطهارتها صحيحة لاننا تبينا عدم الانقطاع المبطل أشبه مالو ظن أنه أحدث ثم بان بخلافه.
وفي صحة الصلاة وجهان (أحدهما) تصح بناء على صحة الطهارة لبقاء الاستحاضة (والثاني) لا تصح لانها صلت بطهارة لم يكن لها أن تصلي بها فلم تصح كما لو تيقن الحدث وشك في الطهارة وصلى.
ثم تبين أنه كان متطهرا وان عاودها الدم قبل دخولها في الصلاة لمدة تتسع للطهارة والصلاة بطلت الطهارة، وان كانت لا تتسع لم تبطل لما ذكرنا وإن كان انقطاعه في الصلاة
واتصل انبنى على المتيمم يجد الماء في الصلاة ذكره ابن حامد، وان عاودها الدم فهو كما لو انقطع
خارج الصلاة على ما مضى وان توضأت وهو منقطع ثم عاد قبل الصلاة أو فيها وكانت مدة انقطاعه تتسع للطهارة والصلاة بطلت طهارتها بعوده لانها صارت بهذا الانقطاع في حكم الطاهرات فصار عود الدم كسبق الحدث.
وان لم يتسع لم يؤثر هذا الانقطاع وهذا قول للشافعي، وقد ذكرنا أن ظاهر كلام أحمد رحمه الله أنه لا عبرة بهذا الانقطاع بل متى كانت مستحاضة أو من في معناها فتحرزت وتطهرت فطهارتها صحيحة ما لم تبرأ أو يخرج الوقت أو تحدث حدثا آخر وهو أولى لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة من غير تفصيل فالتفصيل يخالف مقتضى الخبر ولان هذا
لم يرد الشرع به ولا سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة التي استفتته ولم ينقل عنه ولا عن أحد من أصحابه هذا التفصيل وذلك يدل ظاهرا على عدم اعتباره ولان اعتبار هذا يشق.
والعادة في المستحاضة ونحوها أن الخارج يجري وينقطع.
واعتبار مدة الانقطاع بما يمكن فيه فعل العبادة بشق وايجاب الوضوء به حرج منفي بقوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وكذلك فيما إذا كان لها عادة بانقطاعه زمنا لا يتسع للطهارة والصلاة على ما مضى من الخلاف فيه (فصل) فان كان للمستحاضة عادة بانقطاع الدم زمنا لا يتسع للطهارة والصلاة فتوضأت ثم انقطع
لم نحكم ببطلان طهارتها ولا صلاتها ان كانت فيها لان هذا الانقطاع لا يحصل به المقصود وان اتصل الانقطاع و برأت وكان قد جرى منها دم بعد الوضوء بطلت الطهارة والصلاة لانا تبينا انها صارت في حكم الطاهرات بالانقطاع وإن اتصل زمنا يتسع للطهارة والصلاة فالحكم فيه كالتي لم يجر لها عادة بانقطاعه على ما ذكرنا، وان كانت لها عادة بانقطاعه زمنا يتسع للصلاة والطهارة لم تصل حال جريان الدم وتنتظر انقطاعه إلا أن تخشى خروج الوقت فتتوضأ وتصلي فان شرعت في الصلاة في آخر الوقت بهذه الطهارة فأمسك الدم عنها بطلت طهارتها لانها أمكنتها الصلاة بطهارة صحيحة أشبهت غير المستحاضة، وان كان زمن إمساكه يختلف فتارة يتسع وتارة لا يتسع فهي كالتي قبلها إلا أن تعلم أن هذا الانقطاع لا يتسع.
قال شيخنا: ويحتمل أنها إذا شرعت في الصلاة ثم انقطع
الدم لم تبطل صلاتها لانها شرعت فيها بطهارة متيقنة وانقطاع الدم يحتمل أن يكون متسعا فتبطل ويحتمل أن يكون ضيقا فلا تبطل فلا تزول عن اليقين بالشك وان اتصل الانقطاع تبينا أنه كان مبطلا فبطلت الصلاة.
(فصل) (ويستحب للمستحاضة أن تغتسل لكل صلاة) وذهب بعض العلماء إلى وجوبه روي ذلك عن على وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وهو أحد قولي الشافعي في المتحيرة لان أم حبيبة استحيضت سبع سنين فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم فكانت تغتسل عند كل صلاة وروي أبو داود ان امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وان رسول الله صلى الله عليه وسلم امرها ان تغتسل عند كل صلاة، وقال بعضهم تغتسل كل يوم غسلا روي ذلك عن عائشة وابن عمر وانس وقال بعضهم تجمع بين كل صلاتي جمع بغسل وتغتسل للصبح لان النبي صلى الله عليه وسلم
قال لحمنة " فان قويت ان تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين - الظهر والعصر حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعا ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين وتغتسلين للصبح فافعلي وصومي ان قويت على ذلك " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وهو اعجب الامرين الي " وامر به سهلة بنت سهيل وبه قال عطاء والنخعي واكثر اهل العلم على أنها تغتسل عند انقضاء الحيض ثم عليها الوضوء لكل صلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " انما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا اقبلت فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي وتوضئي لكل صلاة " وقد ذكرنا حديث عدي بن ثابت وهذا يدل على أن الغسل المأمور به امر استحباب جمعا بين الاحاديث والغسل لكل صلاة أفضل لانه احوط، وفيه خروج من الخلاف، ويليه في الفضل الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بغسل والغسل للصبح ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " وهو اعجب الامرين الي " ويليه الغسل
كل يوم مرة ثم بعده الغسل عند انقطاع الدم والوضوء لكل صلاة وذلك مجزئ ان شاء الله تعالى (مسألة) (وهل يباح وطئ المستحاضة في الفرج من غير خوف العنت على روايتين) (احداهما)
لا يباح الا أن يخاف على نفسه الوقوع في المحظور وهو مذهب ابن سيرين والشعبي لان عائشة يروى عنها أنها قالت: المستحاضة لا يغشاها زوجها ولان بها أذى فيحرم وطؤها كالحيض لان الاذى علة لتحريم الوطئ لان الشارع ذكره عقيبة بفاء التعقيب فكان علة له كقوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) والاذى موجود في الاستحاضة فمنع وطؤها كالحائض (والثانية) يباح وطؤها مطلقا وهو قول أكثر أهل العلم لما روى أبو داود عن عكرمة عن حمنة بنت جحش أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامها، وقال ان أم حبيبة كانت تستحاض وكان زوجها يغشاها، وقد كانت حمنة تحت طلحة وأم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف وقد سألتا النبي صلى الله عليه وسلم عن أحكام المستحاضة فلو كان حراما لبينه لهما، فأما ان خاف على نفسه العنت أبيج على الروايتين لان حكمه أخف من حكم الحيض ومدته
تطول فان وطئها لغير ذلك وقلنا بالتحريم لم يكن عليه فكفارة لان الشرع لم يرد بها وقد فرقنا بينه وبين الحيض فان انقطع دمها أبيح وطؤها قبل الغسل لانه غير واجب عليها أشبه سلس البول (فصل) قال أحمد لا بأس ان تشرب المرأة دواء يقطع عنها الحيض إذا كان دواء معروفا والله أعلم (فصل) قال (وأكثر النفاس أربعون يوما) هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وعثمان بن أبي العاص وعائذ بن عمر وأنس وأم سلمة رضي الله عنهم وبه قال الثوري واسحاق وأصحاب الرأي، وقال الحسن البصري النفساء لا تكاد تجاوز الاربعين فان جاوزت الخمسين فهي مستحاضة، وقال مالك والشافعي أكثره ستون وحكاه ابن عقيل رواية عن أحمد لانه روي عن الاوزاعي أنه قال عندنا امرأة ترى النفاس شهرين، وروي نحو ذلك عن عطاء، والمرجع في ذلك إلى الوجود قال الشافعي وغالبه أربعون يوما ولنا ما روى أبو داود والترمذي عن مسة الازدية عن أم سلمة رضي الله عنها قالت كانت النفساء
تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اربعين يوما قال الترمذي لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل وهو ثقة.
قال الخطابي أثنى محمد بن اسماعيل على هذا الحديث ولانه قل من
سميناه من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان اجماعا.
قال الترمذي أجمع أهل العلم من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على ان النفساء تدع الصلاة اربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فتغتسل وتصلي.
قال أبو عبيد وعلى هذا جماعة الناس.
وما حكوه عن الاوزاعي يحنمل ان الزيادة كانت حيضا أو استحاضة كما لو زاد دمها على الستين، فعلى هذا ان زاد دم النفساء على اربعين وصادف عادة الحيض فهو حيض وإلا فهو استحاضة نص عليه احمد لانه لا يخلو من أحدهما والله أعلم.
(مسألة) قال (ولا حد لاقله) وبه قال الثوري والشافعي، وقال أبو الخطاب أقله قطرة وقال
محمد بن الحسن وأبو ثور أقله ساعة، وقال أبو عبيد أقله خمسة وعشرون يوما، وقال يعقوب أدناه احد عشر يوما ولنا انه لم يرد في الشرع تحديده فيرجع فيه إلى الوجود وقد وجد قليلا وكثيرا وقد روي أن امرأة ولدت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تر دما فسميت ذات الجفوف ولان اليسير دم وجد عقيب سببه فكان نفاسا كالكثير (مسألة) (أي وقت رأت الطهر فهي طاهر تغتسل وتصلي إذا كان الطهر أقل من ساعة فينبغي أن لا تلتفت إليه لما ذكرنا من قول ابن عباس في الحيض وإن كان أكثر من ذلك فظاهر قوله ههنا أنها تغتسل وتصلي لحديث ابن عباس وهذا قول أكثر أصحابنا لقول علي رضي الله عنه: لا يحل للنفساء
إذا رأت الطهر الا أن تصلي.
وقد روي عن احمد أنها إذا رأت النقاء أقل من يومين لا يثبت لها أحكام الطاهرات رواه يعقوب عنه فعلى هذا لا يثبت لها حكم الطاهرات إلا أن ترى الطهر يوما كاملا لان الدم يجري تارة وينقطع أخرى فلم يمكن اعتبار مجرد الانقطاع فلابد من ضابط للانقطاع المعدود طهرا واليوم يصلح أن يكون ضابطا فتعلق الحكم به والله أعلم (مسألة) (ويستحب أن لا يقربها في الفرج حتى تتم الاربعين).
متى طهرت النفساء في مدة
الاربعين أكثر من يوم لزمها الصوم والصلاة بعد أن تغتسل، وان كان أقل من يوم فقد ذكرنا الخلاف فيه، ويستحب لزوجها أن لا يطأها في الفرج وهي طاهرة حتى تتم الاربعين.
قال احمد ما يعجبني أن يأتيها زوجها على حديث عثمان بن أبي العاص أنها أتته قبل الاربعين فقال لا تقربيني ولانه لا يأمن عود الدم في زمن الوطئ فيكون واطئا في نفاس ولا يحرم وطؤها لانها في حكم الطاهرات
ولذلك تجب عليها العبادات، وذكر القاضي في تحريمه روايتين في المجرد والصحيح أنه لا يحرم لما ذكرنا (مسألة) (فان انقطع دمها في مدة الاربعين ثم عاد فيها فهو نفاس وعنه أنه مشكوك فيه تصوم وتقضي الصوم المفروض) متى انقطع دمها في مدة الاربعين انقطاعا تجب عليها فيه العبادات ثم عاد في مدة الاربعين ففيه روايتان (إحداهما) هو نفاس تدع له الصوم والصلاة نقلها عنه أحمد بن القاسم وهذا قول عطاء والشعبي لانه دم في مدة النفاس أشبه مالو اتصل (والثانية) هو مشكوك فيه وهي أشهر نقلها عنه الاثرم وغيره فعلى هذا تصوم وتصلي لان سبب العبادة متيقن وسقوطها بهذا الدم
مشكوك فيه.
ويجب عليها قضاء الصوم احتياطا لان الصوم واجب عليها بيقين وسقوطه بهذا الفعل مشكوك فيه.
ولا يقربها زوجها احتياطا بخلاف الناسية إذا جلست ستا أو سبعا فانه لا يجب عليها قضاء الصوم الذي صامته مع الشك فيه، والفرق بينهما أن الغالب من عادات النساء ست أو سبع وما زاد عليه نادر بخلاف النفاس ولان الحيض يتكرر فيشق ذلك فيه وكذلك الدم الزائد عن العادة في الحيض، وقال مالك ان رأت الدم بعد يومين أو ثلاثة فهو نفاس وان تباعد فهو حيض، ولاصحاب الشافعي فيما إذا رأت الدم يوما وليلة بعد طهر خمسة عشر هل هو حيض أو نفاس؟ قولان.
وقال القاضي: ان رأت الدم أقل من يوم وليلة بعد طهر خمسة عشر فهو دم فساد تصوم وتصلي ولا تقضي وهو قول أبي ثور، وان كان الدم الثاني
يوما وليلة فهو مشكوك فيه ذكرنا حكمه، ولنا انه دم صادف زمن النفاس فكان نفاسا كما لو استمر أو رأته قبل مضي يومين وينبغي أن لا يفرق بين قليله وكثيره لما ذكرنا، ومن قال هو حيض فهو نزاع في عبارة
لاستواء حكم الحيض والنفاس، فأما ما صامته في زمن الطهر فلا يجب قضاؤه لانه صوم صحيح (فصل) إذا رأت المرأة الدم بعد وضع شئ يتبين فيه شئ من خلق الانسان فهو نفاس نص عليه وإن رأته بعد إلقاء نطفة أو علقة فليس بنفاس، وإن كان جسما لا يتبين فيه شئ من خلق الانسان ففيه وجهان (أحدهما) هو نفاس لانه بدء خلق آدمي أشبه مالو تبين (والثاني) ليس بنفاس لانه لم يتبين أشبه النطفة والعلقة والله أعلم
(مسألة) (وإن ولدت توأمين فأول النفاس من، الاول وآخره منه وعنه أنه من الاخير والاول أصح) ذكر أصحابنا عن أحمد رحمه الله في هذه المسألة روايتين (احداهما) أن أول النفاس وآخره من الاول وهذا قول مالك وأبي حنيفة، فعلى هذا متى انقضت مدة النفاس من حين وضع الاول لم يكن ما بعده نفاسا لان ما بعد الاول دم بعد الولادة أشبه المنفرد، وإذا كان أوله منه كان آخره منه كالمنفرد (والرواية الثانية) اختلف فيها أصحابنا.
فقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب في رءوس المسائل هي ان أوله من الاول وآخره من الثاني.
وذكره القاضي في كتاب الروايتين لان الثاني ولد فلا تنقضي مدة النفاس قبل انتهائها منه كالمنفرد.
فعلى هذا تزيد مدة النفاس على أربعين في حق من ولدت توأمين، وقال القاضي أبو الحسين وأبو الخطاب في الهداية: هي أن أول النفاس وآخره من الثاني حسب.
وهو قول زفر لان مدة النفاس تتعلق بالولادة فكان ابتداؤها وانتهاؤها من الثاني كمدة المدة
فعلى هذا ما تراه من الدم قبل ولادة الثاني لا يكون نفاسا، ولاصحاب الشافعي ثلاثة أوجه كالاقوال الثلاثة وقال القاضي في المجرد النفاس عنهما رواية وانما الروايتان في وقت الابتداء هل هو عقيب انفصال الاول أو الثاني قال شيخنا وهذا ظاهره انكار لرواية من روى أن آخره من الاول والله أعلم (كتاب الصلاة) الصلاة في اللغة عبارة عن الدعاء قال الله تعالى (وصل عليهم) أي أدع لهم، وقال صلى الله عليه وسلم " إذا دعي أحدكم فليجب، فان كان مفطرا فليطعم وان كان صائما فليصل " وفي الشرع عبارة عن
الافعال المعلومة فإذا ورد في الشرع أمر بصلاة أو حكم معلق عليها انصرف إلى الصلاة الشرعية في الظاهر (والاصل) في وجوبها الكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء.
ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم " بني الاسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، واقام الصلاة وإيتاء الزكاء، وصيام رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا " متفق عليه والاخبار في ذلك كثيرة وأجمع المسلمون على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة، وهي واجبة على كل مسلم بالغ عاقل الا الحائض
والنفساء لما ذكرنا ولقول الله تعالى (ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) فاما الحائض والنفساء فلا تجب عليهما الصلاة لما ذكرنا في باب الحيض (مسألة) قال (وتجب على النائم ومن زال عقله بسكر أو اغماء أو شرب دواء) لا نعلم خلافا في وجوب الصلاة على النائم بمعنى أنه يجب عليه قضاؤها إذا استيقظ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " رواه مسلم بمعناه ولو لم تجب عليه في حال نومه لما وجب عليه قضاؤها كالمجنون وكذلك السكران ومن شرب محرما يزيل عقله لانه إذا وجب بالنوم المباح فبالمحرم بطريق الاولى وحكم المغمى عليه حكم النائم في وجوب قضاء العبادات عليه من الصلاة والصوم يروى ذلك عن عمار وعمران بن حصين وسمرة بن جندب.
وروي عن ابن عمر وطاوس والحسن والزهري قالوا: لا يقضي الصلاة، وقال مالك والشافعي لا يلزمه قضاء الصلاة الا أن يفيق في جزء من وقتها لانه يروى أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يغمى عليه فيترك الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس من ذلك قضاء الا ان يغمى عليه فيفيق في وقتها فيصليها " وقال أصحاب الرأي إن أغمي عليه اكثر من خمس صلوات لم يقض شيئا والا قضى الجميع لان ذلك يدخل في التكرار فاسقط القضاء كالمجنون.
ولنا أن الاغماء لا يسقط فرض الصيام ولا يؤثر في ثوبت الولاية ولا تطول مدته غالبا أشبه
النوم وحديثهم يرويه الحكم بن عبد الله بن سعد وقد نهى أحمد عن حديثه، وقال البخاري تركوه وقياسه على المجنون لا يصح لانه تطول مدته غالبا وتثبت عليه الولاية ويسقط عنه الصوم ولا يجوز على الانبياء عليهم السلام بخلاف الاغماء ولان مالا يؤثر في اسقاط الخمس لا يؤثر في إسقاط الزائد عليها كالنوم (فصل) فأما شرب الدواء المباح الذي يزيل العقل فان كان لا يدوم كثيرا فهو كالاغماء وان تطاول فهو كالمجنون، وأما ما فيه السموم من الادوية فان كان الغالب من استعماله الهلاك أو الجنون لم يجز وان كان الغالب منه السلامة ويرجى نفعه أبيح شربه في الظاهر لدفع ما هو أخطر منه كغيره من الادوية ويحتمل أن يحرم لان فيه تعرضا للهلاك أشبه ما لو لم يرد به التداوي، والاول أصح فان قلنا يحرم شربه فهو كالمحرمات من الخمر ونحوه وان قلنا يباح فهو كالمباحات فيما ذكرنا والله أعلم (مسألة) (ولا تجب على كافر ولا مجنون ولا تصح منهما) اختلف أهل العلم في خطاب الكفار بفروع الاسلام وعن احمد رحمه الله فيه روايتان مع اجماعهم على أنها لا تصح منه في حال كفره ولا يجب عليه قضاؤها بعد اسلامه إذا كان أصليا وقد قال تعالى (قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) ولانه قد اسلم خلق كثير في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبعده فلم يأمر أحدا بقضاء ولان في إيجاب القضاء عليه تنفيرا عن الاسلام فعفي عنه، وأما المرتد فذكر أبو إسحاق بن شاقلا في وجوب القضاء عليه روايتين (إحداهما) لا يلزمه وهو ظاهر كلام الخرقي فعلى هذا لا يلزمه قضاء ما ترك
في حال كفره ولا في حال اسلامه قبل ردته وإن كان قد حج لزمه استئنافه لان عمله قد حبط بكفره بدليل قوله تعالى (لئن أشركت ليحبطن عملك) فصار كالكافر الاصلي في جميع أحكامه (والثانية) يلزمه قضاء ما ترك من العبادات في حال كفره واسلامه قبل ردته ولا يجب عليه إعادة الحج لان العمل انما يحبط بالاشراك مع الموت لقوله تعالى (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم) وهذا مذهب الشافعي ولان المرتد أقر بوجوب العبادات عليه واعتقد ذلك وقدر على التسبب إلى آدائها فلزمه كالمحدث، وذكر القاضي رواية ثالثة انه لا قضاء عليه لما ترك في حال ردته وعليه قضاء ما ترك في اسلامه قبل الردة لانه كان واجبا عليه قبل الردة فبقي الوجوب.
قال وهذا
المذهب هو اختيار ابن حامد وعلى هذا لا يلزمه استئناف الحج لان ذمته برئت منه بفعله قبل الردة فلم تشتغل به بعد ذلك كالصلاة ولان الردة لو أبطلت حجه أبطلت سائر عباداته المفعولة قبل ردته وهذا أولى ان شاء الله تعالى.
فأما المجنون فلا تصح منه الصلاة لانه ليس من أهل التكليف أشبه الطفل ولا تجب عليه في حال جنونه ولا يلزمه قضاؤها إلا أن يفيق في وقت الصلاة لا نعلم في ذلك خلافا.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن لصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن
(مسألة) (وإذا صلى الكافر حكم باسلامه) لقوله صلى الله عليه وسلم " من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، فله مالنا وعليه ما علينا " وقال صلى الله عليه وسلم " بيننا وبينهم الصلاة " فجعل الصلاة حدا فمن أتى بها ينبغي أن يدخل في حد الاسلام ولانها أحد مباني الاسلام المختصة به فإذا فعلها حكم باسلامه كالشهادتين (مسألة) (ولا تجب على صبي وعنه انها تجب على من بلغ عشرا) ظاهر المذهب ان الصلاة لا تجب على الصبي حتى يبلغ لما ذكرنا من الحديث، وفيه رواية أخرى انها تجب على من بلغ عشرا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " مروا الصبي بالصلاة لسبع واضربوه عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " رواه أبو داود - أمر بعقوبته ولا تشرع العقوبة إلا لترك الواجب ولان حد الواجب ما عوقب على تركه، والاول أصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ " ولانه صبي فلم تجب عليه كالصغير ولان الصبي ضعيف العقل والبنية ولا بد من ضابط يضبط الحد الذي تتكامل فيه بنيته وعقله فانه يتزايد تزايدا خفي التدريج فلا يعلم بنفسه.
والبلوغ ضابط لذلك ولهذا تجب به الحدود ويتعلق به أكثر أحكام التكليف فكذلك الصلاة، فأما التأديب ههنا فهو كالتأديب على تعلم الخط والقرآن والصناعة ليعتادها ويتمرن عليها.
ولا فرق بين الذكر والانثى فيما ذكرنا، ولا خلاف في أنها تصح من الصبي العاقل ويشترط لصحة صلاته من يشترط لصحة صلاة الكبير إلا في السترة فان قوله صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " يدل على
صحتها بدون الخمار
(مسألة) (ويؤمر بها لسبع ويضرب على تركها لعشر) وهذا قول مكحول والاوزاعي واسحاق وابن المنذر للخبر، وقال ابن عمر وابن سيرين إذا عرف يمينه من يساره لانه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك فقال " إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة " رواه أبو داود وقال مالك والنخعي: يؤمر إذا ثغر، وقال عروة إذا عقل، قال القاضي يجب على ولي الصبي تعليمه الطهارة والصلاة وأمره بها إذا بلغ سبع سنين وتأديبه عليها إذا بلغ عشر سنين لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وظاهر الامر الوجوب وهذا الامر والتأديب في حق الصبي لتمرينه عليها كي يألفها ويعتادها فلا يتركها عند البلوغ (مسألة) (فان بلغ في أثنائها أو بعدها في وقتها لزمه اعادتها) وهذا قول أبي حنيفة، وقال الشافعي لا تلزمه في الموضعين لانه أدى وظيفة الوقت فلم تلزمه اعادتها كالبالغ ولنا أنه صلاها قبل وجوبها وسببه فلم تجزه عما وجد سبب وجوبها كما لو صلى قبل الوقت ولانها نافلة في حقه لم تجزه كما لو نواها نفلا، ولانه بلغ في وقت العبادة بعد فعلها فلزمه اعادتها كالحج (مسألة) (ولا يحل لمن وجبت عليه الصلاة تأخيرها عن وقتها الا لمن ينوي الجمع أو لمشتغل بشرطها) وذلك لما روى أبو قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أما انه ليس في النوم تفريط انما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الاخرى " أخرجه مسلم فسماه تفريطا.
وعن سعد
أنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن (الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال " اضاعة الوقت " توعدهم على ذلك فدل على وجوبه هذا إذا كان ذاكرا لها قادرا على فعلها، فأما من نوى الجمع لعذر جاز له تأخير الاولى إلى وقت الثانية لان النبي صلى الله عليه وسلم فعله وكذلك المشتغل بشرطها لا يأثم لان الصلاة لا تصح بدونه إذا قدر عليه فمتى كان شرطا مقدورا عليه وجب عليه الاشتغال بتحصيله ولم يأثم بالتأخير في مدة تحصيله كالمشتغل بالوضوء والغسل
(مسألة) (فمن جحد وجوبها كفر) متى جحد وجوب الصلاة نظرنا فان كان جاهلا به وهو ممن يجهل مثله ذلك كحديث الاسلام والناشئ ببادية عرف وجوبها لم يحكم بكفره لانه معذور، وإن كان ممن لا يجهل ذلك كالناشئ بين المسلمين في الامصار لم يقبل منه ادعاء الجهل وحكم بكفره لان أدلة الوجوب ظاهرة في الكتاب والسنة والمسلمون يفعلونها على الدوام فلا يخفى وجوبها عليه فلا يجحدها الا تكذيبا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم واجماع الامة فهذا يصير مرتدا حكمه حكم سائر المرتدين عن الاسلام، قال شيخنا ولا أعلم في هذا خلافا، وإن تركها لمرض أو عجز عن أركانها اعلم أن ذلك لا يسقط الصلاة وأنه يجب عليه أن يصلي على حسب طاقته (مسألة) (وإن تركها تهاونا لا جحودا دعي إلى فعلها، فان أبى حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله وعنه لا يجب حتى يترك ثلاثا ويضيق وقت الرابعة) وجملته أن من ترك الصلاة تهاونا وكسلا مع اعتقاد وجوبها دعي إلى فعلها وهدد فقيل له: صل والا قتلناك فان لم يصل حتى تضايق وقت
التي بعدها وجب قتله في إحدى الروايتين واختيار ابن عقيل وهو ظاهر كلام الخرقي لانه إذا ترك الاولى لم نعلم أنه عزم على تركها إلا بخروج الوقت فإذا خرج علمنا أنه تركها ولا يجب قتله بها لانها فائتة فإذا ضاق وقت الثانية وجب قتله، وقال أبو إسحاق بن شاقلا ان كان الترك للصلاة إلى صلاة لا تجمع معها كالفجر إلى الظهر والعصر إلى المغرب وجب قتله، وان كانت تجمع معها كالظهر إلى العصر والمغرب إلى العشاء فلا يقتل لان وقتهما وقت واحد في حال العذر ولان الوقتين كالوقت الواحد عند بعض العلماء، قال شيخنا وهذا قول حسن (والرواية الثانية) لا يقتل حتى يترك ثلاث صلوات ويضيق وقت الرابعة.
قال أحمد رحمه الله لئلا تكون شبهة لانه قد يترك الصلاة والصلاتين والثلاث لشبهة فإذا رأيناه ترك الرابعة علمنا أنه عزم على تركها وانتفت الشبهة فيجب قتله، والصحيح الاول وقد نص أحمد فيمن ترك صلاة الفجر عامدا حتى وجبت عليه أخرى يستتاب فان تاب والا ضربت عنقه لانه قد وجد الترك وليس تقديرها بثلاث أولى من تقديرها بأربع وخمس وهو مذهب مالك والشافعي، وقال الزهري يسجن ويضرب، وقال أبو حنيفة لا يقتل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم امرئ مسلم إلا
باحدى ثلاث كفر بعد إيمان، أو زنا بعد احصان أو قتل نفس بغير حق " ولم يوجد من هذا أحد الثلاثة وقال صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها " متفق عليهما ولانه أحد الفروع فلا يقتل بتركه كالحج ولان الاصل تحريم الدم فلا تثبت الاباحة إلا بنص أو معناه والاصل عدمه
ولنا قوله تعالى (اقتلوا المشركين - إلى قوله - فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) فأباح قتلهم حتى يتوبوا من الكفر ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فمتى ترك الصلاة لم يأت بشرط التخلية فتبقى إباحة القتل وقال صلى الله عليه وسلم " من ترك الصلاة متعمدا برئت منه ذمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم " رواه الامام أحمد وهذا يدل على إباحة قتله وقال صلى الله عليه وسلم " بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة " رواه مسلم وقال " نهيت عن قتل المصلين " ولانها ركن من أركان الاسلام لا تدخله النيابة فوجب أن يقتل تاركه كالشهادة وحديثهم حجة لنا لان الخبر الذي رويناه يدل على أن تركها كفر والحديث الآخر استثنى منه " إلا بحقها " والصلاة من حقها ثم ان أحاديثنا خاصة تخص عموم ما ذكروه وقياسهم على الحج لا يصح لاختلاف الناس في جواز تأخيره (مسألة) (ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثا فان تاب وإلا قتل بالسيف) لا يقتل تارك الصلاة حتى يستتا ثلاثة أيام ويضيق عليه ويدعى في وقت كل صلاة إلى فعلها لانه قتل لترك واجب فتقدمته الاستتابة كقتل المرتد ويقتل بالسيف لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا قتلتم فاحسنوا القتلة " الحديث (مسألة) (وهل يقتل حدا أو لكفره؟ على روايتين) إحداهما يقتل لكفره كالمرتد فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن بين المسلمين اختارها أبو إسحاق بن شاقلا وابن عقيل وابن حامد وبه قال الحسن والنخعي والشعبي والاوزاعي وابن المبارك واسحاق ومحمد بن الحسن لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم " بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة " رواه مسلم.
وعن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الامام أحمد والنسائي والترمذي
وقال حديث حسن صحيح، وقال صلى الله عليه وسلم " أول ما مفقدون من دينكم الامانة وآخر ما تفقدون الصلاة " قال أحمد كل شئ ذهب آخره لم يبق منه شئ.
وقال عمر رضي الله عنه لا حظ في الاسلام لمن ترك الصلاة، وقال علي رضي الله عنه: من لم يصل فهو كافر، قال عبد الله بن شقيق لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئا من الاعمال تركه كفر غير الصلاة.
ولانها عبادة يدخل بفعلها في الاسلام فيخرج بتركها منه كالشهادة (والرواية الثانية) يقتل حدا مع الحكم باسلامه كالزاني المحصن وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة وأنكر قول من قال انه يكفر وذكر أن المذهب على هذا لم يجد خلافا فيه وهو قول أكثر الفقهاء منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي لقول البني صلى الله عليه وسلم " إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله " وعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله الجنة على ما كان من عمل " وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة " متفق عليهن.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكل
نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته واني اختبأت دعوتي شفاعة لامتي يوم القيامة فهي نائلة ان شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا " رواه مسلم.
وعن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة فمن حافظ عليهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة.
ومن لم يأت بهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة " ولو كان كافرا لم يدخله في المشيئة، وروي عن حذيفة أنه قال: يأتي على الناس زمان لا يبقى معهم من الاسلام إلا قول لا إله إلا الله.
فقيل له وما ينفعهم؟ قال ينجيهم من النار لا أبا لك.
وقال صلى الله عليه وسلم " صلوا على من قال لا إله إلا الله " رواه الخلال ولان ذلك اجماع المسلمين فاننا لا نعلم في عصر من الاعصار احدا من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه ولا منع ميراث موروثه ولا فرق بين الزوجين لترك الصلاة من أحدهما مع كثرة تاركي الصلاة ولو كفر لثبتت هذه الاحكام ولا نعلم خلافا بين
المسلمين أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها مع اختلافهم في المرتد، وأما الاحاديث المتقدمة فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة كقوله صلى الله عليه وسلم " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر " وقوله " من قال لاخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما " وقوله " من حلف بغير الله فقد أشرك " وقوله صلى الله عليه وسلم " كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق " وأشباه هذا مما أريد به التشديد في الوعيد، (قال شيخنا) رحمه الله وهذا أصوب القولين والله أعلم (فصل) ومن ترك شرطا مجمعا عليه أو ركنا كالطهارة والركوع والسجود فهو كتاركها حكمه
حكمه لان الصلاة مع ذلك وجودها كعدمها فاما الاركان المختلف فيها كازالة النجاسة وقراءة الفاتحة والاعتدال عن الركوع فان تركه معتقدا جوازه فلا شئ عليه والا لزمته الاعادة ولا يقتل بحال لانه مختلف فيه فلم يتعلق به حد كالمتزوج بغير ولي وسارق مال فيه شبهة وقال ابن عقيل لا بأس بوجوب قتله كما نحده بفعل ما يوجب الحد على مذهبه والله أعلم (باب الاذان والاقامة) أصل الاذان في اللغة الاعلام.
قال الله تعالى (واذان من الله ورسوله) أي إعلام وقال الشاعر * آذنتنا ببينها أسماء * أي أعلمتنا والاذان للصلاة إعلام بوقتها والاذان الشرعي هو اللفظ المعلوم المشروع في أوقات الصلاة (فصل) وفيه فضل عظيم لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الاول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه " متفق عليه، وعن معاوية ابن أبي سفيان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة " رواه مسلم وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أذن سبع سنين محتسبا كتب
الله له براءة من النار رواه ابن ماجه وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة رجل أم قوما وهم به راضون، ورجل يؤذن في كل يوم خمس صلوات وعبد أدى
حق الله وحق مواليه " رواه أحمد والترمذي، وعن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ان الله وملائكته يصلون على الصف الاول المقدم والمؤذن يغفر له بمد صوته ويصدقه من سمعه من رطب ويابس وله مثل أجر من صلى معه " رواه الامام أحمد والنسائي (فصل) قال القاضي الآذان أفضل من الامامة وهذاحدى الروايتين عن أحمد وهو اختيار ابن أبي موسى وجماعة من أصحابنا وهذا مذهب الشافعي لما ذكرنا من الاخبار في فضيلته ولما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الامام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الائمة واغفر للمؤذنين " رواه الامام أحمد وأبو داود والترمذي والامانة أعلى من الضمان والمغفرة أعلى من الارشاد (والرواية الثانية) الامامة أفضل لان النبي صلى الله عليه وسلم تولاها بنفسه وخلفاؤه من بعده ولا يختارون الا الافضل ولان الامامة يختار لها من هو أكمل حالا وأفضل واعتبار فضلته دليل على فضيلة منزلته ومن نصر الرواية الاولى قال انما لم يتوله النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه لضيق وقتهم عنه ولهذا قال عمرو: لو لا الخليفاء لاذنت والله أعلم (مسألة) (وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها للرجال دون النساء) اجمعت الامة على أن الاذان والاقامة مشروع للصلوات الخمس ولا يشرعان لغير الصلوات الخمس لان المقصود منه الاعلام بوقت المفروضة على الاعيان وهذا لا يوجد في غيرها، والاصل في الاذان ما روي عن أنس
ابن مالك رضي الله عنه قال: لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا لوقت الصلاة بشئ يعرفونه فذكروا أن يوروا نارا أو يضربوا ناقوسا فأمر بلال أن يشفع الاذان ويوتر الاقامة، متفق عليه وعن عبد الله ابن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه قال ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به لجمع الناس للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت ندعوا به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت بلى قال فقال تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله الا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم استأخر عني غير بعيد ثم
قال ثم تقول إذا أقمت الصلاة، الله أكبر الله اكبر، أشهد أن لا اله الا الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي عى الصلاة حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا اله الا الله، فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال " انها لرؤيا حق ان شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فانه أندى صوتا منك " فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل الذي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلله الحمد " أخرجه الامام أحمد وأبو داود وهذا لفظه وابن ماجه وأخرج الترمذي بعضه وقال حديث حسن صحيح
(فصل) وليس على النساء أذان ولا إقامة كذلك قال ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين والثوري ومالك وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم.
واختلفوا هل يسن لهن ذلك؟ فروي عن أحمد ان فعلن فلا بأس وإن لم يفعلن فجائز.
وقال القاضي هل تستحب لها الاقامة؟ على روايتين، وعن جابر انها تقيم وبه قال عطاء ومجاهد والاوزاعي، وقال الشافعي إن أذن وأقمن فلا بأس، وعن عائشة انها كانت تؤذن وتقيم وبه قال إسحاق وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لام ورقة أن يؤذن لها ويقام وتؤم نساء اهل دارها إلا أن هذا الحديث يرويه الوليد بن جميع وقد قال ابن حبان لا يحتج بحديثه ووثقه يحيى بن معين، وروي عنه لا يشرع لها ذلك لما روى النجاد باسناده عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ليس على النساء أذان ولا إقامة " ولان الاذان يشرع له رفع الصوت ولا يشرع لها ولا تشرع لها الاقامة لان من لا يشرع له الاذان لا تشرع له الاقامة كغير المصلي وكالمسبوق (مسألة) قال (وهما فرض على الكفاية ان اتفق أهل بلد على تركهما قاتلهم الامام) كذلك ذكره أبو بكر بن عبد العزيز وهو قول أكثر الاصحاب وبعض أصحاب مالك وبه قال عطاء ومجاهد، قال ابن المنذر الاذان والاقامة واجبان على كل جماعة في الحضر والسفر لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر به مالك بن الحويرث وصاحبه والامر يقتضي الوجوب.
وداوم عليه هو وخلفاؤه وأصحابه
ولانه من شعائر الاسلام الظاهرة فكان فرضا كالجهاد فعلى هذا إذا قام به من تحصل به الكفاية سقط عن الباقين كسائر فروض الكفايات وإن اتفقوا على تركه أثموا كلهم، ولان بلالا كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم فيكتفي به، وإن اتفق أهل البلد على تركه قاتلهم الامام عليه لانه من شعائر الاسلام الظاهرة فقوتلوا عليه كصلاة العيدين، وظاهر كلام الخرقي ان الاذان سنة غير واجب لانه قال فان صلى بلا أذان ولا اقامة كرهنا له ذلك فجعله مكروها وهو قول أبي حنيفة والشافعي لانه دعاء إلى الصلاة فأشبه قوله: الصلاة جامعة، وقال ابن أبي موسى الاذان سنة في احدى الروايتين الا أذان الجمعة حين يصعد الامام فانه واجب، وعلى كلا القولين إذا صلى بغير أذان ولا اقامة كره له ذلك لما ذكرنا وصحت صلاته لما روي عن علقمة والاسود أنهما قالا دخلنا على عبد الله فصلى بنا بلا أذان ولا اقامة.
رواه الاثرم قال شيخنا ولا أعلم أحدا خالف في ذلك الا عطاء قال من نسى الاقامة يعيد ونحوه عن الاوزاعي، والصحيح إن شاء الله قول الجمهور لما ذكرنا ولان الاقامة أحد الاذانين فلم يفسد تركها كالآخر (فصل) ومن أوجب الاذان من أصحابنا انما أوجبه على أهل المصر فأما غير أهل المصر من المسافرين فلا يجب عليهم كذلك ذكره القاضي، وقال مالك انما يجب النداء في مساجد الجماعة التي يجتمع فيها للصلاة، وذلك لان الاذان انما شرع في الاصل للاعلام بالوقت ليجتمع الناس إلى الصلاة
ويدركوا الجماعة، ويحتمل أن يجب في السفر للجماعة وهو قول ابن المنذر لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر به بلالا في السفر وقال لمالك بن الحويرث ولابن عم له " إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما " متفق عليه وهذا ظاهر في وجوبه، ويكفي مؤذن في المصر إذا كان يسمعهم ويجتزئ بقيتهم بالاقامة، قال أحمد في الذي يصلي في بيته يجزئه أذان المصر وهو قول أصحاب الرأي، وقال مالك والاوزاعي تكفيه الاقامة، وقال الحسن وابن سيرين ان شاء أقام لان النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي علمه الصلاة " إذا أردت الصلاة فأحسن الوضوء ثم استقبل القبلة وكبر " وفي لفظ رواه النسائي
" فأقم ثم كبر " وقد ذكرنا حديث ابن مسعود (فصل) والافضل لكل مصل أن يؤذن ويقيم إلا أنه ان كان يصلي قضاء أو في غير وقت الاذان لم يجهر به، وإن كان في الوقت في بادية أو نحوها استحب له الجهر بالاذان لقول أبي سعيد: إذا كنت في غنمك أو بادينك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فانه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا انس ولا شئ الا شهد له يوم القيامة، قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري.
وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغير إذا طلع الفجر.
وكان إذا سمع أذانا أمسك والا أغار فسمع رجلا يقول: الله أكبر الله اكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " على الفطرة " فقال أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خرجت من النار " فنظر فإذا صاحب معز: رواه مسلم
(فصل) ويستحب الاذان في السفر وللراعي وأشباهه في قول أكثر أهل العلم وكان ابن عمر يقيم لكل صلاة إقامة إلا الصبح فانه يؤذن لها ويقيم وكان يقول انما الاذان على الامام والامير الذي يجمع الناس (وعنه) انه كان لا يقيم الصلاة في أرض تقام فيها الصلاة.
وعن علي رضي الله عنه ان شاء أذن وأقام وان شاء أقام وبه قال الثوري، وقال الحسن تجزئه الاقامة وقال ابراهيم في المسافرين وإذا كانوا رفاقا أذنوا وأقاموا وان كان وحده أقام الصلاة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤذن له في الحضر والسفر وأمر به مالك بن الحويرث وصاحبه وما نقل عن السلف في هذا فالظاهر أنهم أرادوا وحده كما قال ابراهيم النخعي في كلامه والاذان مع ذلك أفضل لما ذكرنا من حديث أبي سعيد وحديث أنس وروى عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يعجب ربك من راعي غنم في رأس الشظية للجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة " رواه النسائي.
والصلاة في الاذان على أربعة أضرب ما يشرع لها الاذان والاقامة وهي الفرض المؤداة من الصلوات الخمس، وصلاة يقيم لها ولا يؤذن وهي الثانية من صلاتي الجمع وما بعد الاولى من الفوائت، وصلاة لا يؤذن لها ولا يقيم لكن ينادي لها: اللاة جامعة: وهي العيدان والكسوف والاستسقاء،
وصلاة لا يؤذن لها أصلا وهي صلاة الجنازة
(مسألة) (ولا يجوز أخذ الاجرة عليهما في أظهر الروايتين) وهو قول ابن المنذر وكرهه القاسم ابن عبد الرحمن والاوزاعي وأصحاب الرأي لان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن أبي العاص " واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا " رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن ولانه قربة لفاعله لا يصح إلا من مسلم فلم يجز أخذ الاجرة عليه كالامامة وروي عن أحمد أنه يجوز أخذ الاجرة عليه ورخص فيه مالك وقال لا بأس به لانه عمل معلوم يجوز أخذ الرزق عليه أشبه سائر الاعمال (مسألة) (فان لم يوجد متطوع بهما رزق الامام من بيت المال من يقوم بهما) لا نعلم خلافا في جواز أخذ الرزق عليه وهو قول الاوزاعي والشافعي لان بالمسلمين إليه حاجة وقد لا يوجد متطوع به فإذا لم يدفع الرزق فيه تعطل ويرزقه الامام من الفئ لانه المعد للمصالح فهو كارزاق القضاة والغزاة وقال الشافعي لا يرزق المؤذن الا من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم حكاه ابن المنذر فأما إن وجد متطوع به لم يرزق غيره لعدم الحاجة إليه والله أعلم (مسألة) (وينبغي أن يكون المؤذن صيتا أمينا عالما بالاوقات) وجملة ذلك أنه يستحب أن يكون المؤذن صيتا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد " ألقه على بلال فانه أندى صوتا منك " واختار أبا محظورة للاذان لكونه صيتا ولانه أبلغ في الاعلام المقصود بالاذان (قال شيخنا) ويستحب أن يكون حسن الصوت لانه أرق لسامعه وأن يكون عدلا أمينا لانه مؤتمن يرجع إليه
في الصلاة والصيام فلا يؤمن أن يغرهم بأذانه إذا لم يكن كذلك.
وقد روي عن أبي محذورة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمناء الناس على صلاتهم وسحورهم المؤذنون " رواه البيهقي من رواية يحيى بن عبد الحميد وفيه كلام ولانه يؤذن على موضع عال فلا يؤمن منه النظر إلى العورات، وأن يكون عالما بالاوقات ليتحراها فيؤذن في أولها ولانه إذا لم يكن عالما لا يؤمن منه الغلط والخطأ.
ويستحب أن يكون بصيرا لان الاعمى لا يعرف الوقت فربما غلط.
وكره أذان الاعمى ابن مسعود وابن الزبير وعن ابن عباس انه كره اقامته وإن أذن صح أذانه لان ابن أم مكتوم كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عمر وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى قال له أصبحت أصبحت رواه البخاري، ويستحب أن يكون معه بصير كما كان ابن أم مكتوم يؤذن بعد بلال، وإن أذن الجاهل أيضا صح لانه ذا صح أذان الاعمى فالجاهل أولى.
(مسألة) (فان تشاح فيه نفسان قدم أفضلهما في ذلك، ثم أفضلهما في دينه وعقله) متى تشاح نفسان في الاذان قدم أفضلهما في الخصال المذكورة لان النبي صلى الله عليه وسلم قدم بلالا على عبد الله ابن زيد لكونه أندى صوتا منه وقدم أبا محذورة لصوته، وقسنا عليه سائر الخصال فان استويا في هذه الخصال قدم أفضلهما في دينه وعقله لما روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم أقرؤكم " رواه أبو داود وابن ماجه.
فان استويا قدم من يختاره الجيران
لان الاذان لاعلامهم فكان لرضاهم أثر في التقديم ولانهم أعلم بمن يبلغهم صوته ومن هو أعف عن النظر فان تساويا من جميع الجهات أقرع بينهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الاول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا " ولما تشاح الناس في الاذان يوم القادسية أقرع بينهم سعد (مسألة) (والاذان خمسة عشر كلمة لا ترجيع فيه) هذا اختيار أبي عبد الله رحمه الله كما جاء في حديث عبد الله بن زيد الذي رويناه، وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي وإسحاق وابن المنذر وقال مالك والشافعي ومن تبعهما من أهل الحجاز: الاذان المسنون أذان أبي محذورة وهو كما وصفنا في حديث عبد الله بن زيد ويزيد فيه الترجيع وهو أن يذكر الشهادتين مرتين مرتين يخفض بذلك ثم يعيدهما رافعا بهما صوته إلا أن مالكا قال التكبير في أوله مرتان حسب، فيكون الاذان عنده سبعة عشر كلمة وعند الشافعي تسعة عشر كلمة واحتجوا بما روى أبو محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لقنه الاذان وألقاه عليه فقال له " تقول أشهد أن لا إله الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلا
الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله " ثم ذكر سائر الاذان أخرجه مسلم، واحتج مالك قال: كان الاذان الذي يؤذن به أبو محذورة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله.
رواه مسلم
ولنا ما ذكرنا من حديث عبد الله بن زيد وهو أولى لان بلالا كان يؤذن به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حضرا وسفرا وأقره النبي صلى الله عليه وسلم عليه بعد أذان أبي محذورة، قال الاثرم سمعت أبا عبد الله يسئل إلى أي الاذان تذهب؟ قال إلى أذان بلال، قيل له أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زبد لان حديث أبي محذورة بعد فتح مكة؟ فقال أليس قد رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأقر بلالا على اذان عبد الله بن زيد؟ ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم انما أمر أبا محذورة بذكر الشهادتين سرا ليحصل له الاخلاص بهما فانه في الاسرار أبلغ، وخص أبا محذورة بذلك لانه لم يكن مقرا بهما حينئذ فان الخبر انه كان مستهزئا يحكي أذان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته فدعاه فأمره بالاذان قال ولا شئ عندي أبغض من النبي صلى الله عليه وسلم ولا مما يأمرني به، فقصد النبي صلى الله عليه وسلم نطقه بالشهادتين سرا ليسلم بذلك وهذا لا يوجد في غيره، ودليل هذا الاحتمال كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به بلالا ولا غيره ممن هو ثابت الاسلام (مسألة) (والاقامة احدى عشرة كلمة فان رجع في الاذان أوثنى في الاقامة فلا بأس) وجملة ذلك أن الاقامة المختارة عند امامنا رحمه الله اقامة بلال التي ذكرنا في حديث عبد الله بن
زيد وهي الله أكبر، الله أكبر، اشهد أن لا اله الا الله، اشهد ان محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله اكبر الله أكبر لا اله الا الله وبهذا قال الاوزاعي وأهل الشام ويحيى بن يحيى وأبو ثور وإسحاق والشافعي وأصحابه وأهل مكة، وقال الثوري وأصحاب الرأي: الاقامة مثل الاذان وتزيد " قد قامت الصلاة مرتين " لما روي عن عبد الله بن زيد قال كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعا شفعا في الاذان والاقامة رواه الترمذي، وعن أبي محذورة أن النبي
صلى الله عليه وسلم علمه الاذان تسع عشرة كلمة والاقامة سبع عشرة كلمة رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وقال مالك الاقامة عشر كلمات يقول قد قامت الصلاة مرة واحدة لقول انس أمر بلالا أن يشفع الاذان ويوتر الاقامة متفق عليه ولنا ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما انه قال انما كان الاذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والاقامة مرة مرة إلا أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، رواه الامام أحمد وأبو داود والنسائي وفي حديث عبد الله بن زيد انه وصف الاقامة كما ذكرنا والحديث الذي احتجوا به من حديث عبد الله بن زيد رواه عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد قال الترمذي عبد الرحمن لم يسمع من عبد الله بن زيد وقال الصحيح ما روينا.
والذي احتج به مالك حجة لنا لانه ذكره مجملا وقد فسره عبد الله بن عمر في حديثه وبينه فكان الاخذ به أولى، وخبر ابي محذورة متروك بالاجماع لان الشافعي لا يعمل به في الاقامة وأبو حنيفة لا يعمل به في الاذان فكان الاخذ بحديث عبد الله بن زيد أولى ولانا قد بينا ترجيحه في الاذان كذا في الاقامة والاختلاف ههنا
في الافضلية مع جواز كل واحد من الامرين نص عليه الامام أحمد، وبه قال اسحاق لكون كل واحد من الامرين قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (مسألة) (ويقول في آذان الصبح الصلاة خير من النوم مرتين) وهذا مستحب في صلاة الصبح خاصة بعد قوله حي على الفلاح ويسمى هذا التثويب وبه قال ابن عمر والحسن ومالك والثوري واسحاق والشافعي في الصحيح عنه، وقال أبو حنيفة التثويب بين الاذان والاقامة في الفجر أن يقول " حي على الصلاة " مرتين " حي على الفلاح " مرتين ولنا ما روى النسائي وأبو داود عن أبي محذورة: فان كان صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.
وما ذكروه قال اسحاق هذا شئ أحدثه الناس.
وقال الترمذي وهو التثويب الذي كرهه أهل العلم، ويكره التثويب في غير الفجر سواء ثوب في الاذان أو بعده لما روي عن بلال قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أثوب في الفجر
ونهاني أن أثوب في العشاء رواه الامام احمد وابن ماجه، ودخل ابن عمر مسجدا يصلي فيه فسمع رجلا يثوب في أذان الظهر فخرج فقيل له إلى أين؟ فقال أخرجتني البدعة ولان صلاة الفجر وقت ينام فيه عامة الناس فاختص بالتثويب لاختصاصه بالحاجه إليه (فصل) ولا يجوز الخروج من المسجد بعد الاذان الا لعذر، قال الترمذي وعلى هذا العمل
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الاذان الا من عذر، قال أبو الشعثاء كنا قعودا مع أبي هريرة في المسجد فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد بمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد.
فقال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم رواه مسلم وأبو داود والترمذي، وقال حديث حسن صحيح، وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدركه الاذان في المسجد، ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق.
رواه ابن ماجه.
فأما ان خرج لعذر كفعل ابن عمر حين سمع التثويب فجائز وكذلك من نوى الرجعة لحديث عثمان والله أعلم (مسألة) (ويستحب أن يترسل في الاذان ويحدر الاقامة) الترسل التمهل والتأني من قولهم جاء فلان على رسله - والحدر ضد ذلك وهو الاسراع وهو من آداب الاذان ومستحباته وهذا مذهب ابن عمر وبه قال الثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة وصاحباه وابن المنذر ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم لبلال " إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر " رواه الترمذي وقال في اسناده مجهول، وروى أبو عبيد باسناده عن عمر رضي الله عنه أنه قال للمؤذن " إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحذم وأصل الحذم في المشي الاسراع ولانه يحصل به الفرق بين الاذان والاقامة فاستحب كالافراد ولان الاذان اعلام الغائبين فالتثبت فيه أبلغ في الاعلام والاقامة اعلام الحاضرين فلا حاجة إليه فيها، وذكر أبو عبد الله بن بطة أنه في الاذان والاقامة لا يصل الكلام بعضه ببعض معزبا بل
حزما وحكاه ابن الاعرابي عن أهل اللغة، وروي عن ابراهيم النخعي أنه قال: شيئان مجزومان
كانوا لا يعربونهما الاذان والاقامة وهذا إشارة إلى جميعهم (مسألة) (ويؤذن قائما متطهرا على موضع عال مستقبل القبلة) قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من السنة أن يؤذن المؤذن قائما.
وروي في حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال " قم فأذن " وكان مؤذنو رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذنون قياما، فان أذن قاعدا لعذر فلا بأس، قال الحسن العبدي رأيت أبا زيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن قاعدا وكانت رجله أصيبت في سبيل الله.
رواه الاثرم، وإن فعله لغير عذر فقد كرهه أهل العلم ويصح لانه ليس آكد من الخطبة وتصح من القاعد (فصل) ويجوز الاذان على الراحلة.
قال الاثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن الاذان على الراحلة فسهل فيه، قال ابن المنذر ثبت أن ابن عمر كان يؤذن على البعير وينزل فيقيم، ولانه إذا جاز التنفل على الراحلة فالاذان أولى به.
قاله سالم بن عبد الله وربعي بن خراش ومالك والاوزاعي والثوري وأصحاب الرأي الا أن مالكا قال لا يقيم وهو راكب (فصل) ويستحب أن يؤذن متطهرا من الحدثين الاصغر والاكبر لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يؤذن الا متوضئ " رواه الترمذي، وروي موقوفا على أبي هريرة والوقوف أصح فان أذن محدثا جاز لانه لا يزيد على قراءة القرآن والطهارة لا تشترط لها وهو قول الشافعي والثوري وأبي
حنيفة ويكره له ذلك رويت كراهته عن عطاء ومجاهد والاوزاعي والشافعي واسحاق وابن المنذر ورخص فيه النخعي والحسن البصري وقتادة وحماد وقال مالك يؤذن على غير وضوء ولا يقيم الا على وضوء (فصل) فان أذن جنبا ففيه روايتان (احداهما) لا يعتد به اختاره الخرقي وهو قول اسحاق لما ذكرنا من الحديث ولانه ذكر مشروع للصلاة أشبه القراءة والخطبة (والثانية) يعتد به.
قال الآمدي وهو المنصوص عن أحمد وهو قول أكثر أهل العلم لانه أحد الحدثين فلم يمنع صحته كالآخر ويستحب أن يؤذن على موضع عال لانه أبلغ في الاعلام، وروي عن امرأة من بني النجار قالت: كان بيتي من أطول البيوت حول المسجد وكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتي بسحر فيجلس
على البيت ينظر إلى الفجر فإذا رآه تمطى ثم قال: اللهم إني أستعينك وأستعديك على قريش أن يقيموا دينك قالت ثم يؤذن.
رواه أبو داود ويؤذن مستقبل القبلة ولا نعلم خلافا في استحبابه.
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يستقبل القبلة بالاذان وذلك لان مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون مستقبلي القبلة، فان أخل باستقبال القبلة كره له ذلك وصح.
وإن مشى في أذانه لم يبطل لان الخطبة لا تبطل به وهي آكد منه ولانه لا يخل بالاعلام المقصود من الاذان وسئل أحمد عن الرجل يؤذن وهو يمشي قال نعم أمر الاذان عندي سهل وسئل عن المؤذن يمشي وهو يقيم فقال يعجبني أن يفرغ
ثم يمشي، وقال في رواية حرب في المسافر أحب الي أن يؤذن ووجهه إلى القبلة وأرجو أن يجزئ (مسألة) (فإذا أبلغ الحيعلة التفت يمينا وشمالا ولم يستدر) الحيعلة قوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح.
ويستحب للمؤذن أن يلتفت يمينا إذا قال حي الصلاة، ويسارا إذا قال حي على الفلاح، ولا يزيل قدميه.
وهذا ظاهر كلام الخرقي وهو قول النخعي والثوري والاوزاعي وأبي حنيفة وصاحبيه والشافعي.
لما روى أبو جحيفة قال رأيت بلالا يؤذن فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يقول يمينا وشمالا يقول حي على الصلاة، حي على الفلاح، متفق عليه.
وفي لفظ قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم فخرج بلال فأذن فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر، رواه أبو داود.
وذكر أصحابنا عن أحمد فيمن أذن في المنارة روايتين (احداهما) لا يدور للخبر وكما لو كان على وجه الارض (والثانية) يدور لانه لا يحصل بدونه وتحصيل المقصود مع الاخلال بالآداب أولى من العكس وهذا قول اسحاق (فصل) ويستحب رفع الصوت بالاذان لانه أبلغ في الاعلام وأعظم للاجر لما ذكرنا في خبر أبي سعيد ولا يجهد نفسه زيادة على طاقته كيلا يضر بنفسه وينقطع صوته، قال القاضي ويرفع نظره إلى السماء لان فيه حقيقة التوحيد، ومتى أذن لعامة الناس جهر بجميع الاذان، ولا يجهر بالبعض ويخافت بالبعض لانه يخل بمقصود الاذان، وان أذن لنفسه أو لجماعة خاصة حاضرين فله أن يخافت ويجهر
وان يجهر بالبعض ويخافت بالبعض إلا أن يكون في غير وقت الاذان فلا يجهر بشئ منه لئلا يغر الناس (مسألة) (ويجعل أصبعيه في أذنيه) وذلك مستحب وهو المشهور عن أحمد وعليه العمل عند أهل العلم كذلك قال الترمذي لما روى أبو جحيفة ان بلالا وضع أصبعيه في أذنيه رواه الامام أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح، وعن سعد القرظ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه وقال انه أرفع لصوتك، رواه ابن ماجه.
وقال الخرقي يجعل أصبعيه مضمومة على أذنيه رواه أبو طالب عن احمد انه قال أحب إلي أن يجعل بديه على أذنيه على حديث أبي محذورة واحتج لذلك القاضي بما روى أبو حفص باسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما انه كان إذا بعث مؤذنا يقول له: اضمم أصابعك مع كفيك واجعلها مضمومة على أذنيك، وبما روى الامام احمد عن أبي محذورة انه كان يضم اصابعه والاول أصح لصحة الحديث وشهرته وعمل اهل العلم به وأيهما فعل فحسن وإن ترك الكل فلا بأس (مسألة) (ويتولاهما معا) يستحب أن يتولى الاقامة من يتولى الاذان وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك لا فرق بينه وبين غيره لما روى أبو داود في حديث عبد الله بن زيد حين رأى الاذان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " القه على بلال فانه أندى صوتا منك " فألقاه عله فأذن بلال فقال عبد الله أنا رأيته وأنا كنت أريده قال له أقم أنت، ولانه يحصل المقصود منه أشبه مالو تولاهما معا ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زياد بن الحرث الصدائي " أن أخا صداء أذن ومن
أذن فهو يقيم " ولانهما ذكران يتقدمان الصلاة فسن أن يتولاهما واحد كالخطبتين وما ذكروه يدل على الجواز وهذا على الاستحباب (فصل) فان سبق المؤذن بالاذان فأراد المؤذن أن يقيم.
فقال أحمد لو أعاد الاذان كما صنع أبو محذورة فروى عبد العزيز بن رفيع قال رأيت رجلا أذن قبل أبي محذورة.
قال فجاء أبو محذورة فأذن ثم أقام أخرجه الاثرم.
فان أقام بغير اعادة فلا بأس وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي
لما ذكرنا من حديث عبد الله بن زيد (مسألة) (ويستحب للمؤذن أن يقيم في موضع أذانه الا أن يشق عليه) يعني يقيم الصلاة في الموضع الذي يؤذن فيه كذلك روي عن أحمد قال أحب إلي أن يقيم في مكانه ولم يبلغني فيه شئ الا حديث بلال: لا تسبقني بآمين.
يعني لو كان يقيم في المسجد لما خاف أن يسبقه بالتأمين لان النبي صلى الله عليه وسلم انما كان يكبر بعد فراغ بلال من الاقامة.
ولان الاقامة شرعت للاعلام بدليل قول ابن عمر كنا إذا سمعنا الاقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة فينبغي أن تكون في موضع الاذان لكونه أبلغ في الاعلام، فأما ان شق عليه ذلك بحيث يؤذن في المنارة أو في مكان بعيد من المسجد فيقيم في غير موضعه لئلا يفوته بعض الصلاة
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: