الفقه الحنبلي - الامامة - الجمعة -
إحدهما لا تصح إمامته لان النجاسة في ذلك المحل لا يعفى عنها عندنا، والثانية تصح لانه إن أمكنه كشف القلفة وغسل النجاسة غسلها، وان كان مرتقا لا يقدر
على كشفها عفي عن ازالتها لعدم الامكان وكل نجاسة معفو عنها لا تؤثر في بطلان الصلاة والله أعلم * (مسألة) * (وفي امامة اقطع اليدين وجهان).
روي عن أحمد انه قال لم أسمع فيها شيئا، وذكر الآمدي فيه روايتين.
احداهما تكره وتصح
اختارها القاضي لانه عجز لا يخل بركن في الصلاة فلم يمنع صحة الامامة كقطع إحدى الرجلين والانف، والثانية لا تصح اختارها أبو بكر لانه يخل بالسجود على بعض أعضاء السجود أشبه العاجز عن السجود على جبهته، وحكم قطع اليد الواحدة كقطعهما.
فأما أقطع الرجلين فلا تصح امامته لانه عاجز عن القيام أشبه الزمن، فان قطعت
احداهما وأمكنه القيام صحت امامته، ويتخرج أن لا تصح على قول أبي بكر لاخلاله بالسجود على عضو والاول أصح لانه يسجد على الباقي من رجله أو حاملها
* (مسألة) * (لا تصح الصلاة خلف كافر بحال) ولا تصح الصلاة خلف كافر ولا أخرس سواء علم بكفره قبل فراغه من الصلاة أو بعد ذلك، وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي كمحدث وهو لا يعلم
ولنا انه ائتم بمن ليس من أهل الصلاة أشبه ما لو ائتم بمجنون.
والمحدث يشترط أن لا يعلم حدث نفسه والكافر يعلم حال نفسه * (فصل) * إذا صلى خلف من يشك في اسلامه فصلاته صحيحة ما لم يبن كفره، ولان الظاهر من المصلين الاسلام ولا سيما إذا كان إماما، فان كان ممن يسلم تارة ويرتد أخرى لم يصل خلفه حتى يعلم عن أي دين هو، فان صلى خلفه ولم يعلم ما هو عليه نظرنا، فان كان قد علم اسلامه قبل الصلاة ثم.
شك في ردته فهو مسلم، وإن علم ردته وشك في اسلامه لم تصح الصلاة خلفه، وان كان
علم اسلامه فصلى خلفه فقال بعد الصلاة أسلمت أو ارتددت قبل الصلاه لم تبطل الصلاة لانها كانت محكوما بصحتها فلم يقبل قوله في ابطالها لانه ممن لا يقبل قوله * (فصل) * قال أصحابنا يحكم باسلامه سواء كان في دار الحرب أو دار الاسلام وسواء صلى في جماعة أو منفردا، فان رجع عن الاسلام بعد ذلك فهو مرتد، وان مات قبل ظهور ما ينافي الاسلام فهو مسلم يرثه ورثته المسلمون دون الكفار.
وقال أبو حنيفة: إن صلى في المسجد حكم باسلامه وإن
صلى في غير المسجد فرادى لم يحكم باسلامه، وقال بعض الشافعية لا يحكم باسلامه بحال لان الصلاة من فروع الاسلام فلا يصير بفعلها مسلما كالحج والصوم ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " أمرت
أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها " وقال بعضهم إن صلى في دار الاسلام فليس بمسلم لانه يقصد الاستتار بالصلاة واخفاء دينه، وإن صلى في دار الحرب فهو مسلم لعدم التهمة في حقه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " نهيت عن قتل المصلين " وقال " بيننا وبينهم الصلاة " فجعل الصلاة حدا بين الاسلام والكفر، فمن صلى فقد دخل في حد الاسلام.
وقال " المملوك إذا صلى
فهو أخوك " رواه الامام أحمد ولانها عبادة تختص المسلمين، فإذا صلى حكم باسلامه كالشهادتين، فأما الحج فان الكفار كانوا يفعلونه والصيام ترك المفطرات فقد يفعله من ليس بصائم، فأما صلاته في نفسه فأمر بينه وبين الله سبحانه وتعالى فان علم انه كان قد أسلم ثم توضأ وصلى بنية صحيحة فهي صحيحة وإلا فعليه الاعادة، لان الوضوء لا يصح من الكفار.
وإذا لم يسلم قبل الصلاة كان حال شروعه فيها غير مسلم ولا متطهر فتصح منه والله أعلم
* (فصل) * ولا تصح إمامة الاخرس بغير أخرس لانه يترك ركنا وهو القراءة تركا مأيوسا من زواله فلم تصح امامته بقادر عليه كالعاجز عن الركوع والسجود.
فأما امامته بمثله فقياس المذهب صحتها قياسا على الامي والعاجز عن القيام يؤم مثله وهذا في معناهما والله أعلم.
وقال القاضي وابن عقيل لا تصح لان الامي غير مأيوس من نطقة والاول أولى * (فصل) * فأما الاصم فتصح إمامته لانه لا يخل بشئ من أفعال الصلاة ولا شروطها أشبه
الاعمى، فان كان الاصم أعمى صحت إمامته كذلك.
وقال بعض أصحابنا لا تصح امامته لانه إذا سها لا يمكن تنبيهه بتسبيح ولا اشارة.
قال شيخنا والاولى صحتها لانه لا يمنع من صحة الصلاة احتمال عارض لا يتيقن وجوده كالمجنون حال افاقته * (مسألة) * (ولا تصح امامة من به سلس البول ولا عاجز عن الركوع والسجود والقعود)
وجملة ذلك انه لا تصح امامة من به سلس البول ومن في معناه ولا المستحاضة بصحيح لانهم يصلون مع خروج النجاسة التي يحصل بها الحدث من غير طهارة.
فأما من عليه النجاسة فان كانت على بدنه
فتيمم لها لعدم الماء جاز للطاهر الائتمام به كما يجوز للمتوضئ الائتمام بالمتيمم للحدث، هذا اختيار القاضي وعلى قياس قول أبي الخطاب لا يجوز الائتمام به لانه أوجب عليه الاعادة، وان كانت على ثوبه لم يجز الائتمام به لتركه الشرط ولا يجوز إئتمام المتوضئ ولا المتيمم بعادم الماء والتراب ولا اللابس بالعاري ولا القادر على الاستقبال بالعاجز عنه لانه ما ترك لشرط يقدر عليه المأموم أشبه ائتمام المعافى بمن به سلس البول ويصح ائتمام كل واحد من هؤلاء بمثله لان العراة يصلون جماعة وكذلك الامي يجوز أن يؤم مثله كذلك هذا
* (فصل) * ويصح ائتمام المتوضئ بالمتيمم بغير خلاف نعلمه لان عمرو بن العاص صلى بأصحابه متيمما وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره، وأم ابن عباس أصحابه متيمما وفيهم عمار بن ياسر في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكروه ولان طهارته صحيحة أشبه المتوضئ * (فصل) * ولا تصح امامة العاجز عن شئ من أركان الافعال كالعاجز عن الركوع والسجود بالقادر عليه سواء كان امام الحي أو لم يكن، وبه قال أبو حنيفة ومالك وقال الشافعي يجوز لانه
فعل اجازه المرض أشبه القاعد يؤم بالقيام، ولنا انه أخل بركن لا يسقط في النافلة فلم يجز الائتمام به للقادر عليه كالقارئ بالامي.
وأما القيام فهو أخف بدليل سقوطه في النافلة ولان النبي صلى الله عليه وسلم أمر المصلين خلف الجالس بالجلوس، ولا خلاف ان المصلي خلف الضطجع لا يضطجع فأما إن أم مثله فقياس المذهب صحته لان النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في المطر بالايماء والعراة يصلون جماعة بالايماء، وكذلك حال المسايفة ولان الامي تصح امامته بمثله كذلك هذا
* (مسألة) * (ولا تصح خلف عاجز عن القيام إلا امام الحي المرجو زوال علته) ولا تصح امامة العاجز عن القيام بالقادر عليه إذا لم يكن امام الحي رواية واحدة لانه يخل بركن من أركان الصلاة أشبه العاجز عن الركوع، وتجوز إمامته بمثله كما يؤم الامي مثله * (فصل) * فأما امام الحي إذا عجز عن القيام فيجوز أن يؤم القادر عليه بشرط أن يكون ذلك لمرض يرجى زواله، لان اتخاذ الزمن ومن لا ترجى قدرته على القيام إماما راتبا يفضي إلى تركهم القيام على الدوام وإلى مخالفة قوله عليه السلام " فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون " ولا حاجة إليه ولان
الاصل في هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وكان يرجى برؤه، فإذا وجد فيه هذان الشرطان فالمستحب له أن يستخلف لان الناس مختلفون في صحة إمامته ففي استخلافه خروج من الخلاف ولان صلاة القائم أكمل وكمال صلاة الامام مطلوب، فان قيل فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ولم يستخلف قلنا فعل ذلك لتبيين الجواز واستخلف مرة أخرى ولان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا أفضل من صلاة غيره قائما فان صلى بهم قاعدا جاز وصلوا وراءه جلوسا يروى ذلك عن أربعة من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير، وجابر، وقيس بن فهد، وأبو هريرة، وهو قول الاوزاعي وحماد ابن زيد واسحق وابن المنذر، وقال مالك في إحدى الروايتين: لا تصح صلاة القادر على القيام خلف القاعد وهو قول محمد بن الحسن، قال الشعبي روي عن النبي صلى الله عليه انه قال " لا يؤمن أحد بعد جالسا " أخرجه الدارقطني.
ولان القيام ركن لا يصح ائتمام القادر عليه بالعاجز عنه كسائر الاركان، وقال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي يصلون خلفه قياما، لما روي عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ثم وجد في نفسه خفة فخرج بين رجلين فأجلساه إلى جنب أبي بكر
فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد.
متفق عليه وهذا أخير الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولانه
ركن قدر عليه فلم يجز له تركه كسائر الاركان ولنا ما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون " متفق عليه، وعن عائشة قالت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
في بيته وهو شاك فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال " انما جعل الامام ليؤتم به فادا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى جالسا فصلو جلوسا أجمعون " أخرجه البخاري قال ابن عبد البر روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متواترة من حديث أنس وجابر وأبي هريرة وابن عمر وعائشة كلها باسانيد صحيحة فاما حديث الشعبي فمرسل ويرويه جابر الجعفي وهو متروك وقد فعله أربعة من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعده، وأما حديث الآخرين فليس فيه حجة قاله أحمد لان أبا بكر كان ابتدأ الصلاة فلما أتمها قائما فأشار أحمد إلى امكان الجمع بين الحديثين بحمل حديثهم على من ابتدأ الصلاة قائما والثاني على من ابتدأ الصلاة جالسا ومتى أمكن الجمع بين الحديثين كان أولى من النسخ ثم
يحتمل أن أبا بكر كان الامام قاله ابن المنذر في بعض الروايات وقالت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه وقال أنس صلى النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه خلف أبى بكر قاعدا في ثوب متوشحا به، قال الترمذي كلا الحديثين حسن صحيح ولا يعرف للنبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر صلاة إلا في هذا الحديث.
وروى مالك الحديث عن ربيعة وقال كان أبو بكر الامام قال مالك العمل عندنا على حديث ربيعة هذا، فان قيل لو كان أبو بكر الامام لكان عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم.
قلنا يحتمل انه فعل ذلك لان وراءه صفا والله أعلم * (مسألة) * قال (فان صلوا قياما صحت صلاتهم في أحد الوجهين) (احدهما) لا تصح أومأ إليه أحمد لان النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالجلوس ونهاهم عن القيام فقال في
حديث جابر " إذا صلى الامام قاعدا فصلوا قعودا وإذا صلى قائما فصلوا قياما، ولا تقوموا والامام جالس كما يفعل أهل فارس بعظمائها " فقعدنا، ولانه ترك الاقتداء بامامه مع القدرة عليه أشبه تارك القيام في حال
قيام امامه (والثاني) يصح لان النبي صلى الله عليه وسلم صلى وراءه قوم قياما فلم يأمرهم بالاعادة، فعلى هذا يحمل الامر على الاستحباب ولانه تكلف القيام في موضع يجوز له الجلوس أشبه المريض إذا تكلف القيام، ويحتمل أن تصح صلاة الجاهل بوجوب القعود دون العالم كما قالوا في الذي ركع دون الصف * (مسألة) * (فان ابتدأ بهم الصلاة قائما ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياما لان أبا بكر حين ابتدأ بهم الصلاة قائما ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأتم الصلاة بهم جالسا أتموا قياما ولم يجلسوا ولان القيام هو الاصل فمن بدأ به في الصلاة لزمه في جميعها إذا قدر عليه كالذي أحرم في الحضر ثم سافر (فصل) فان استخلف بعض الائمة في وقتنا هذا فزال عذره فحضر فهل يجوز أن يفعل كفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر؟ فيه ثلاث روايات (إحداها) ليس له ذلك قال أحمد في رواية أبي
داود وذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لان هذا أمر يخالف القياس فان انتقال الامام مأموما وانتقال المأمومين من امام إلى آخر لا يجوز الا لعذر يحوج إليه وليس في تقدم الامام الراتب ما يحوج إلى هذا أما النبي صلى الله عليه وسلم فانه من الفضيلة وعظم المنزلة ما ليس لاحد ولذلك قال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم (والثانية) يجوز نص عليه في رواية أبي الحارث فعلى هذا يكبر ويقعد إلى جنب الامام ويبتدئ القراءة من حيث بلغ الامام لان الاصل ان ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم يكون جائزا لامته ما لم يقم على اختصاصه به دليل (والرواية الثالثة) ان ذلك يجوز للخليفة دون بقية الائمة فانه قال في رواية المروزي ليس هذا لاحد الا الخليفة وذلك لان رتبة الخلافة تفضل رتبة سائر الائمة فلا يلحق بها غيرها وكان ذلك للخليفة وخليفة النبي صلى الله عليه وسلم يقوم مقامه
* (مسألة) * ولا تصح أمامة المرأة والخنثى للرجال ولا للخناثى.
لا يصح أن يأتم رجل بامرأة في فرض ولا نافلة في قول عامة الفقهاء وقال أبو ثور لا اعادة على المصلي خلفها وقال بعض أصحابنا يجوز أن تؤم الرجال في التراويح وتكون وراءهم لما روي عن أم ورقة بنت الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل لها مؤذنا يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها رواه أبو داود وهذا عام ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تؤمن امرأة رجلا رواه ابن ماجه ولانها لا تؤذن رجال فلم يجز أن تؤمهم كالمجنون وحديث أم ورقة انما أذن لها أن تؤم بنساء اهل الدار كذلك رواه الدارقطني وهذه زيادة يجب قبولها ولو لم يذكر ذلك لتعين حمل الحديث عليه وذلك لانه أذن لها أن تؤم في الفرائض بدليل أنه جعل لها مؤذنا والاذان إنما يشرع في الفرائض ولا خلاف في المذهب أنها
لا تؤمهم في الفرائض فالتخصيص بالتروايح تحكم بغير دليل، ولو ثبت ذلك لام ورقة لكان خاصا بها بدليل أنه لا يشرع لغيرها من النساء أذان ولا اقامة فتختص بالامامة كما اختص بالاذان والاقامة (فصل) وأما الخنثى فلا يجوز ان يؤم رجلا لاحتمال ان يكون امرأة ولا يؤم خنثى لجواز أن يكون الامام امرأة والمأموم رجلا ولا أن تؤمه امرأة لجواز أن يكون رجلا ويجوز له أنه يؤم المرأة لان أدنى أحواله أن يكون امرأة وقال القاضي رأيت لابي حفص البرمكي أن الخنثى لا تصح صلاته في جماعة لانه ان قام مع الرجال احتمل ان يكون امرأة وان قام مع النساء أو وحده أو ائتم بامرأة احتمل أن يكون رجل وان أم الرجال احتمل ان يكون امرأة وان أم النساء فقام وسطهن احتمل أن يكون رجل وان قام امامهن احتمل أنه امرأة، قال الشيخ ويحتمل أن تصح صلاته في هذه الصورة
وفي صورة أخرى وهو أن يقوم في صف الرجال مأموما فان المرأة إذا قامت في صف الرجال لم تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها * (مسألة) * (ولا امامة الصبي لبالغ إلا في نفل على إحدي الروايتين) ولا يصح ائتمام البالغ بالصبي في الفرض نص عليه أحمد وهو قول ابن مسعود وابن عباس وبه قال عطاء والشعبي ومالك والثوري
والاوزاعي وأبو حنيفة وأجازه الحسن والشافعي واسحق وابن المنذر وذكر أبو الخطاب رواية في صحة امامته في الفرض بناء على امامة المفترض بالمتنفل وقال ابن عقيل يخرج في صحة امامة ابن عشر سنين وجها بناء على القول بوجوب الصلاة عليه ووجه ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله تعالى " فيدخل في عموم ذلك وروي عن عمر بن سلمة الجرمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقومه " يؤمكم اقرؤكم " قال فكنت أؤمهم وانا ابن سبع سنين أو ثمان سنين رواه البخاري وأبو داود وغيرهم ولنا قول ابن مسعود وابن عباس ولان الامامة حال كمال والصبي ليس من أهل الكمال فلا يؤم الرجال كالمرأة ولانه لا يؤمن من الصبي الاخلال بشرط من شرائط الصلاة أو القراءة حال الاسرار فاما حديث عمرو بن سلمة فقال الخطابي كان أحمد يضعف أمر عمرو بن سلمة وقال مرة دعه ليس بشئ قال أبو داود قيل لاحمد حديث عمرو بن سلمة قال لا أدري أي شئ هذا ولعله انما توقف
عنه لانه لم يتحقق بلوغ الامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فانه كان بالبادية في حي من العرب بعيد من المدينة وقوى هذا الاحتمال قوله في الحديث وكنت إذا سجدت خرجت استى وهذا غير سائغ (فصل) فاما امامته في النفل ففيها روايتان (احداهما) لا تصح لذلك (والثانية) تصح لانه متنفل يؤم متنفلين ولان النافلة يدخلها التخفيف ولذلك تنعقد الجماعة به فيها إذا كان مأموما * (مسألة) * ولا تصح امامة محدث ولا نجس يعلم ذلك فان جهل هو والمأموم حتى قضوا الصلاة صحت صلاة المأموم وحده ومتى أخل بشرط الصلاة مع القدرة عليه لم تصح صلاته لاخلاله بالشرط فان صلى محدثا وجهل الحدث هو والمأموم حتى قضوا الصلاة فصلاة المأمومين صحيحة وصلاة الامام باطلة وروي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال الحسن وسعيد بن جبير ومالك والاوزاعي والشافعي وعن علي أنهم يعيدون جميعا وبه قال ابن نصر والشعبي وأبو حنيفة وأصحابه لانه صلى بهم محدثا أشبه ما لو علم ولنا اجماع الصحابة رضي الله عنهم فروي أن عمر صلى بالناس الصبح ثم خرج إلى الجرف فأهراق
الماء فوجد في ثوبه احتلاما فأعاد ولم يعد الناس، وعن عثمان أنه صلى بالناس صلاة الفجر فلما أصبح وارتفع النهار إذا هو بأثر الجنابة فقال كبرت والله كبرت والله.
وأعاد الصلاة ولم يأمرهم أن يعيدوا، وعن ابن عمر نحو ذلك.
رواه كله الاثرم وعن البراء بن عازب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا صلى الجنب بقوم أعاد صلاته وتمت للقوم صلاتهم " رواه أبو سليمان محمد بن الحسين الحراني ولان الحدث مما يخفى ولا سبيل إلى معرفته من الامام للمأموم فكان معذورا في الاقتداء به ويفارق ما إذا علم الامام حدث نفسه لانه يكون مستهزئا بالصلاة فاعلا ما لا يحل وإذا علمه المأموم لم يعذر في الاقتداء به وما نقل عن علي لا يثبت بل قد نقل عنه كما ذكرنا عن غيره من الصحابة والحكم في النجاسة كالحكم في الحدث لانها في معناها في خفائها على الامام والمأموم، على أن في النجاسة رواية أخرى أن الامام أيضا لا تلزمه الاعادة وقد ذكرناه * (فصل) * فان علم حدث نفسه في الصلاة أو علم المأمومون لزمهم استئناف الصلاة.
قال الاثرم سألت أبا عبد الله: رجل صلى بقوم على غير طهارة بعض الصلاة فذكر؟ قال يعجبني أن يبتدئوا الصلاة قلت يقول لهم استأنفوا الصلاة؟ قال لا، ولكن ينصرف ويتكلم ويبتدئون الصلاة.
وذكر ابن عقيل
رواية إذا علم المأمومون انهم يبنون على صلاتهم، وقال الشافعي يبنون على صلاتهم سواء علم بذلك أو علم المأمومون لان ما مضى عى صلاتهم صحيح فكان لهم البناء عليه كما لو أقام إلى خامسة فسبحوا به فلم يرجع.
ولنا انه ائتم بمن صلاته فاسدة مع العلم منهما أو من أحدهما أشبه ما لو ائتم بامرأة، وانما خولف هذا إذا استمر الجهل منهما للاجماع ولان وجوب الاعادة على المأمومين في حالة استمرار الجهل يشق لتفرقهم بخلاف ما إذا علموا في الصلاة، وإن علم بعض المأمومين دون بعض فالمنصوص أن صلاة الجميع تفسد والاولى يختص البطلان بمن علم دون من جهل لانه معنى مبطل اختص به فاختص بالبطلان كحدث نفسه * (فصل) * قال أحمد في رجلين أم أحدهما الآخر فشم كل واحد منهما ريحا أو سمع صوتا يعتقده من صاحبه يتوضان ويعيدان الصلاة لان كل واحد منهما يعتقد فساد صلاة صاحبه، وهذا
إذا قلنا تفسد صلاة كل واحد من الامام والمأموم بفساد صلاة الآخر بكونه صار فذا، وعلى الرواية المنصورة ينوي كل واحد منهما الانفراد ويتم صلاته، ويحتمل انه انما قضى بفساد صلاتهما إذا أئتما الصلاة على ما كانا عليه من غير فسخ النية، فان المأموم يعتقد انه مؤتم بمحدث والامام يعتقد انه يؤم محدثا.
وأما قوله يتوضآن فلعله أراد لتصح صلاتهما جماعة إذ ليس لاحدهما أن يأتم بالآخر مع اعتقاده حدثه واحتياطا: أما إذا صليا منفردين فلا يجب الوضوء على واحد منهما لانه متيقن للطهارة شاك في الحدث * (فصل) * فان اختل غير ذلك من الشروط في حق الامام كالستارة واستقبال القبلة لم يعف عنه في حق المأموم لان ذلك لا يخفى غالبا بخلاف الحدث والنجاسة، وكذا إن فسدت صلاته لترك ركن فسدت صلاتهم نص عليه أحمد فيمن ترك القراءة يعيد ويعيدون وكذلك لو ترك تكبيرة الاحرام * (مسألة) * (ولا تصح امامة الامي وهو من لا يحسن الفاتحة أو يدغم حرفا أو يلحن لحنا يحيل المعنى إلا بمثله) والكلام في هذه المسألة في فصلين (أحدهما) ان الامي لا تصح امامته بمن يحسن قراءة الفاتحة، وهذا قول مالك والشافعي في الجديد وقيل عنه يصح أن يأتم القارئ بالامي في صلاة الاسرار دون الجهر وعنه يصح أن يأتم به في الحالين ولنا انه ائتم بعاجز عن ركن وهو قادر عليه فلا تصح كالعاجز عن الركوع والسجود وقياسهم يبطل بالاخرس والعاجز عن الركوع والسجود وأما القيام فهو ركن أخف من غيره بدليل انه يسقط في النافلة مع القدرة عليه بخلاف القراءة فان صلى بأمي وقارئ صحت صلاة الامي والامام.
وقال أبو حنيفة تفسد صلاة الامام أيضا لانه يتحمل القراءة عن المأموم وهو عاجز عنها ففسدت صلاته ولنا انه أم من لا يصح ائتمامه به فصحت صلاة الامام كما لو أمت امرأة رجلا ونساء، وقولهم ان المأموم يتحمل عنه الامام القراءة قلنا انما يتحملها مع القدرة، فأما من يعجز عن القراءة عن نفسه فعن غيره أولى
* (الفصل الثاني) * انه تصح إمامته بمثله لانه يساويه فصحت امامته به كالعاجز عن القيام * (فصل) * قوله أو يبدل حرفا هو كالالثغ الذي يبدل الراء غينا والذي يلحن لحنا يحيل المعنى
كالذي يكسر كاف إياك أو تاء أنعمت أو يضمها إذا كان لا يقدر على اصلاح ذلك يصح ائتمامه بمثله كاللذين لا يحسنان شيئا وان كان يقدر على اصلاح ذلك لم تصح صلاته ولا صلاة من يأتم به لانه ترك ركنا من أركان الصلاة مع القدرة عليه أشبه تارك الركوع * (فصل) * فان صلى القارئ خلف من لا يعلم حاله في صلاة الاسرار صحت صلاته لان الظاهر انه إنما يتقدم من يحسن القراءة، وان كان يسر في صلاة الجهر ففيه وجهان أحدهما لا تصح صلاة القارئ، ذكره القاضي وابن عقيل لان الظاهر انه لو أحسن القراءة لجهر، والثاني تصح لان الظاهر انه لا يؤم الناس إلا من يحسن القراءة، والاسرار يحتمل أن يكون لجهل أو نسيان، فان قال قد قرأت صحت الصلاة على الوجهين لان الظاهر صدقه، وتستحب الاعادة احتياطا، ولو أسر في صلاة الاسرار ثم قال ما كنت قرأت الفاتحة لزمه ومن وراءه الاعادة، لانه روي عن عمر انه صلى بهم المغرب فلما سلم قال ما سمعتموني قرأت.
قالوا لا قال فما قرأت في نفسي فأعاد بهم الصلاة * (فصل) * وإذا كان رجلان لا يحسنان الفاتحة أو أحدهما يحسن سبع آيات من غيرها والآخر لا يحسن شيئا فلكل واحد منهما الائتمام بالآخر لانهما أميان والمستحب تقديم من يحسن السبع آيات لانه اقرأ، وعلى هذا كل من لا يحسن الفاتحة يجوز أن يؤم من لا يحسنها سواء استويا في الجهل أو تفاوتا فيه * (مسألة) * (وتكره إمامة اللحان والفأفاء الذي يكرر الفاء والتمتام الذي يكرر القاف ومن لا يفصح ببعض الحروف) أما الذي يلحن لحنا يحيل المعنى فقد ذكرناه، وتكره إمامة اللحان الذي لا يحيل المعنى نص عليه وتصح صلاته بمن لا يلحن لانه أتى بفرض القراءة فان أحال المعنى في غير الفاتحة لم يمنع صحة إمامته إلا أن يتعمده فيبطل صلاتهما، ومن لا يفصح ببعض الحروف كالقاف والضاد فقال القاضي تكره امامته وتصح أعجميا كان أو عربيا.
وقيل فمن قرأ ولا الضالين بالظاء لا تصح صلاته لانه يحيل المعنى يقال ظل يفعل كذل إذا فعله نهارا فهو كالالثغ وتكره إمامة الفأفاء والتمتام، وتصلح لانهما يأتيان بالحروف على وجهها ويزيدان زيادة هما مغلوبان عليها فعفي عنها ويكره تقديمهما لهذه الزيادة * (مسألة) * (ويكره أن يؤم نساء أجانب لا رجل معهن)
لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلو الرجل بالمرأة الاجنبية ولا بأس أن يؤم ذوات محارمه، وأن يؤم النساء مع الرجل فقد كن النساء يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد أم انسا واليتيم وأمه * (مسألة) * (ويكره أن يؤم قوما أكثرهم له كارهون)
لما روى أبو أمامة قال.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون " حديث حسن غريب.
وعن عبد الله ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ثلاثة لا يقبل منهم صلاة من تقدم قوما وهم له كارهون، ورجل يأتي الصلاة دبارا - والدبار أن يأتي بعد أن يفوت الوقت - ورجل اعتبد محررا " رواه أبو داود.
وقال علي لرجل أم قوما وهم له كارهون انك لخروط قال أحمد إذا كرهه اثنان أو ثلاثة فلا بأس حتى يكرهه أكثرهم، فان كان ذا دين وسنة فكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته.
قال منصور أما إنا سألنا عن ذلك فقيل لنال انما عنى بهذا الظلمة، فأما من أقام السنة فانما الاثم على من كرهه، قال القاضي والمستحب أن لا يؤمهم صيانة لنفسه وان استوى الفريقان فالاولى أن لا يؤمهم أراد بذلك الاختلاف والله أعلم * (مسألة) * (ولا بأس بامامة ولد الزنا والجندي إذا سلم دينهما) لا بأس بامامة ولد الزنا وهو قول عطاء وسليمان بن موسى والحسن والنخعي والزهري وعمرو ابن دينار واسحاق وقال اصحاب الرأي ولا تجزي الصلاة خلفه، وكره مالك أن يتخذ إماما راتبا وقال الشافعي يكره مطلقا لان الامامة منصب فضيلة فكره تقديمه فيها كالعبد ولنا عموم قوله عليه السلام " يؤم القوم أقرؤهم " وقالت عائشة ليس عليه من وزر أبوية شئ قال الله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وقال سبحانه (وإن أكرمكم عند الله أتقاكم " والعبد لا نكرة إمامته لكن الحر أولى منه ولو سلم ذلك فالعبد ناقص في أحكامه لا يلي النكاح ولا المال بخلاف هذا ولا بأس بامامة الجندي والخصي إذا كانا مرضيين لانه عدل يصلح للامامة أشبه غيره * (فصل) * ولا بأس بامامة الاعرابي إذا كان يصلح نص عليه وهو قول عطاء والثوري والشافعي
واسحق واصحاب الرأي، وقد روي عن أحمد انه قال لا نعجبني إمامة الاعرابي إلا أن يكون قد سمع وفقه لان الغالب عليهم الجهل، وكره ذلك أبو مجاز وقال مالك لا يؤمهم لقول الله تعالى
(الاعراب أشد كفرا) الآية.
ولنا عموم قوله عليه السلام " يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله " ولانه مكلف عدل تصح صلاته لنفسه أشبه المهاجر * (فصل) * والمهاجر أولى منه لا يقدم على المسبوق بالهجرة فمن لا هجرة له أولى.
قال أبو الخطاب والحضري أولى من البدوي لانه مختلف في إمامته ولان الغالب عليهم الجفاء وقلة المعرفة بحدود الله تعالى * (مسألة) * (ويصح ائتمام مؤدي الصلاة بمن يقضيها) مثل أن يكون عليه ظهر أمس فأراد قضاءها فائتم به رجل عليه ظهر اليوم ففيه روايتان.
أصحهما انه يصح نص عليه، وفي رواية ابن منصور وهذا اختيار الخلال وقال المذهب عندي في هذا رواية واحدة وغلط من نقل غيرها لان القضاء يصح بنية الاداء فيما إذا صلى فبان بعد خروج الوقت، وكذلك من يقضي الصلاة يصلي خلف من يؤديها لانه في معناه، والرواية الثانية لا يصح، نقلها صالح لان نيتهما مختلفة هذا ينوي قضاء وهذا أداء * (فصل) * ويصح ائتمام المفترض بالمتنفل ومن يصلي الظهر بمن يصلي العصر في احدى الروايتين وفي الاخرى لا تصح فيهما.
اختلف عنه في صحة ائتمام المفترض بالمتنفل فنقل عنه حنبل وأبو الحارث لا يصح، اختاره أكثر الاصحاب وهو قول الزهري ومالك وأصحاب الرأي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " انما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه " متفق عليه، ولان صلاة المأموم لا تتأدى
بنية الامام أشبه صلاة الجمعة خلف من يصلي الظهر.
والثانية تصح نقلها عنه اسماعيل بن سعيد وأبو داود وهذا قول عطاء والاوزاعي والشافعي وابي ثور وابن المنذر.
قال شيخنا وهي أصح لان معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله وسلم ثم يرجع فيصلي بقومه تلك الصلاة متفق عليه وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بطائفة من أصحابه في صلاة الخوف ركعتين ثم سلم ثم صلى بالطائفة الاخرى ركعتين ثم سلم رواه أبو داود والاثرم وهو في الثانية متنفل مفترضين ولانهما صلاتان اتفقتا في الافعال
فجاز ائتمام المصلي في إحداهما بالمصلي في الاخرى كالمتنفل خلف المفترض.
فأما حديثهم فالمراد به لا تختلفوا عليه في الافعال لانه انما ذكر في الحديث الافعال فقال فإذا سجد فاسجدوا ولهذا صح ائتمام المتنفل بالمفترض وقياسهم ينتقض بالمسبوق في الجمعة إذا أدرك أقل من ركعة فنوى الظهر خلف من يصلي الجمعة * (فصل) * فأما صلاة المتنفل خلف المفترض فلا نعلم في صحتها خلافا وقد دل عليه قوله عليه السلام " ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه " * (فصل) * فأما صلاة الظهر خلف من يصلي العصر ففيه روايتان وكذلك صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح أحدهما يجوز نقلها عنه اسماعيل بن سعيد فانه قال له ما ترى إن صلى في رمضان خلف إمام يصلي بهم التراويح قال يجزيه ذلك من المكتوبة.
والثانية لا يجوز نقلها عنه المروذي لان أحدهما لا يتأدى بنية الاخرى كصلاة الجمعة والكسوف خلف من يصلى غيرهما أو صلاة غيرهما
خلف من يصليهما لم تصح رواية واحدة لانه يفضي إلى المخالفة في الافعال فيدخل في عموم قوله عليه السلام " فلا تختلفوا عليه " * (فصل) * ومن صلى الفجر ثم شك هل طلع الفجر أو لا لزمته الاعادة وله أن يؤم فيها من لم يصل، وقال بعض أصحابنا تخرج على الروايتين في إمامة المتنفل بالمفترض والصحيح الاول لان الاصل بقاء الصلاة في ذمته ووجوب أفعالها فأشبه ما لو شك هل صلى أو لا، ولو فاتت المأموم ركعة فصلى الامام خمسا ساهيا فقال ابن عقيل لا يعتد للمأموم بالخامسة لانها سهو وغلط، وقال القاضي هذه الركعة نافلة للامام وفرض للمأموم فيخرج فيها الروايتان.
وقد سئل أحمد عن هذه المسائل فتوقف فيها.
قال شيخنا والاولى انه يحتسب له بها لانه لو لم يحتسب له بها لزمه أن يصلي خمسا مع علمه بذلك ولان الخامسة واجبة على الامام عند من يوجب عليه البناء على اليقين، ثم إن كانت نفلا فقد ذكرنا ان الصحيح صحة الائتمام فيه، وإن صلى بقوم الظهر يظنها العصر فقال أحمد يعيد ويعيدون وهذا على الرواية التي منع فيها ائتمام المفترض بالمتنفل، فان ذكر الامام وهو في الصلاة فأتمها عصرا كانت له نفلا وان قلب بنية إلى الظهر بطلت صلاته لما ذكرنا متقدما، وقال ابن حامد يتمها والفرض باق في ذمته
* (فصل في الموقف) * السنة أن يقف المأمومون خلف الامام إذا كان المأمومون جماعة، فالسنة أن يقفوا خلف الامام رجالا كانوا أو نساء لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه فيقومون
خلفه ولان جابرا وجبارا لما وقفا عن يمينه وشماله ردهما إلى خلفه وإن كانا اثنين، فكذلك لما روى جابر قال سرت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فقام يصلي فتوضأت ثم جئته حتى قمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه فجاء جبار بن صخر حتى قام عن يساره فأخذنا جميعا بيديه فأقامنا خلفه رواه أبو داود وهذا قول عمر وعلي وجابر بن زيد والحسن ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وكان ابن مسعود يرى أن يقفا من جانبي الامام لانه يروى عنه انه صلى بين علقمة والاسود وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل، رواه أبو داود ولنا الحديث الذي ذكرناه فانه أخرهما إلى خلفه ولا ينقلهما إلا إلى الاكمل وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأنس واليتيم فجعلهما خلفه.
وحديث ابن مسعود يدل على الجواز فان كان أحدهما صبيا فذلك في اصح الروايتين إن كانت الصلاة تطوعا لان النبي صلى الله عليه وسلم جعل أنسا واليتيم وراءه، وإن كان فرضا جعل الرجل عن يمينه والغلام عن يساره كما في حديث ابن مسعود أو جعلهما عن يمينه، وان جعلهما خلفه فقال بعض أصحابنا لا يصح لانه لا يصح أن يؤمه فيه كالمرأة ويحتمل أن يصح لانه بمنزلة المتنفل والمتنفل يصاف المفترض * (مسألة) * (فان وقفوا قدامه لم يصح)
وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وقال مالك واسحاق يصح لان ذلك لا يمنع الاقتداء به فأشبه من خلفه، ولنا قوله عليه السلام " انما جعل الامام ليؤتم به " ولانه يحتاج في الاقتداء إلى الالتفات إلى ورائه ولان ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا هو في معنى المنقول فلم يصح كما لو صلى في بيته بصلاة الامام، ويفارق من خلف الامام فانه لا يحتاج في الاقتداء إلى الالتفات بخلاف هذا، وقد قال بعض أصحابنا يجوز للمرأة أن تؤم الرجال في صلاة التراويح ويكونون بين يديها.
وقد ذكرنا فساد ذلك فيما مضى، وإن وقفوا عن يمينه أو عن جانبيه صح لما ذكرنا من حديث ابن مسعود ولان وسط الصف موقف لامام العراة وللمرأة إذا أمت النساء، ويصح أن يقفوا عن يمينه لانه موقف للواحد على ما نذكره ان شاء الله * (مسألة) * (وان كان واحد وقف عن يمينه رجلا كان أو غلاما) لما روينا من حديث جابر وروى ابن عباس قال قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فقمت ووقفت عن يساره فأخذ بذؤابتي فأدارني عن يمينه متفق عليه * (مسألة) * (وإن وقف خلفه أو عن يساره لم تصح) وجملة ذلك انه من صلى وحده خلف الامام ركعة كاملة لم تصح صلاته وهذا قول النخعي
واسحق وابن المنذر وغيرهم، وأجازه الحسن ومالك والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي لان أبا بكرة ركع دون الصف فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالاعادة ولانه موقف للمرأة فكان موقفا للرجال كما لو كان مع جماعة ولنا ما روى وابصة بن معبد ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد، رواه أبو داود وغيره وقال ابن المنذر ثبت الحديث وفي لفظ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل صلى وراء الصف وحده فقال يعيد رواه تمام في الفوائد، وعن علي بن شيبان أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسلم فانصرف ورجل فرد خلف الصف فوقف نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم " استقبل صلاتك فلا صلاة لفرد خلف الصف " رواه الاثرم وقال قلت لابي عبد الله حديث ملازم ابن عمرو يعني هذا الحديث أيضا حسن؟ قال نعم.
ولانه خالف الموقف فلم تصح صلاته كما لو وقف قدام الامام.
فأما حديث أبي بكرة فان النبي صلى الله عليه وسلم نهاه فقال " لا تعد " والنهي يقتضي الفساد وعذره فيما فعله لجهله وللجهل تأثير في العفو ولا يلزم من كونه موقفا للمرأة أن يكون موقفا للرجل بدليل اختلافهما في كراهة الوقوف واستحبابه * (فصل) * وإن وقف عن يسار الامام وكان عن يمين الامام أحد صحت صلاته لما ذكرنا من حديث
ابن مسعود ولان وسط الصف موقف لامام العراة وان لم يكن عن يمينه أحد فصلاته فاسدة، وكذلك
إن كانوا جماعة وأكثر أهل العلم يرون ان الاولى للواحد أن يقف عن يمين الامام.
روي عن سعيد ابن المسيب انه كان إذا لم يكن معه إلا واحد جعله عن يساره، وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي تصح صلاة من وقف عن يسار الامام لان ابن عباس لما أحرم عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم أداره عن يمينه ولم تبطل تحريمته ولو لم يكن موقفا لزمه استئنافها كقدام الامام ولانه أحد الجانبين أشبه اليمين وكما لو كان عن يمينه أحد ولنا حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم أداره عن يمينه، وكذلك حديث جابر وقولهم لم يأمره بابتداء التحريمة لان ما فعله قبل الركوع لا يؤثر فان الامام يحرم قبل المأمومين وكذلك المأمومون يحرم بعضهم قبل بعض الباقين، ولا يضر انفراده ولا يلزم من العفو عن ذلك العفو عن ركعة كاملة.
قولهم هو موقف إذا كان أحد عن يمينه قلنا لا يلزم من كونه موقفا في صورة أن يكون موقفا في غيرها بدليل ما وراء الامام فانه موقف للاثنين وليس موقفا للواحد، وان منعوه فقد دل عليه الحديث المذكور والقياس انه يصح كما لو كان عن يمينه وكون النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس وجابرا يدل على الفضيلة لا على عدم الصحة بدليل رد جابر وجبار إلى وراءه مع صحة صلاتهما عن جانبه * (فصل) * فان كان خلف الامام صف فهل تصح صلاة من وقف عن يساره؟ فيه احتمالان.
أحدهما يصح لانه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه صلى وأبو بكر عن يمينه، وكان أبو بكر
الامام وكان مع الامام ولان مع الامام من تنعقد صلاته به فصح كما لو كان عن يمينه أحد، والثاني لا تصح لانه ليس بموقف إذا لم يكن صف فلم يكن موقفا مع الصف كامام الامام وفارق إذا كان معه آخر لانه معه في الصف فكان صفا واحدا فهو كما لو وقف معه خلف الصف * (مسألة) * (وإن أم امرأة وقفت خلفه) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أخروهن من حيث أخرهن الله " وروى أنس ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم صلى بأمه أو خالته فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا رواه مسلم، وان أم رجلا وامرأة وقف الرجل عن يمينه ووقفت المرأة خلفهما لما ذكرنا، وإن كانا رجلين وقفا خلفه والمرأة خلفهما كما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فصففت أنا واليتيم وراءه والمرة خلفنا فصلى لنا رسول الله ركعتين متفق عليه، وكان الحسن يقول في ثلاثة أحدهم امرأة يقوم بعضهم وراء بعضهم وهذا قول لا نعلم أحدا وافقه فيه، واتباع السنة أولى * (فصل) * فان وقفت المرأة في صف الرجال كره لها ذلك ولم تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو بكر تبطل صلاة من يليها ومن خلفها دونها وهو قول أبي حنيفة لانه منهي عن الوقوف إلى جانبها أشبه الوقوف أمام الامام.
ولنا انها لو وقفت في غير صلاة لم تبطل صلاته كذلك في الصلاة، وقد ثبت أن عائشة كانت تعترض بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي
قولهم: وهو منهى عنه، قلنا هي منهية عن الوقوف مع الرجال فإذا لم تبطل صلاتها فصلاتهم أولى وقال ابن عقيل الاشبه بالمذهب عندي بطلان صلاتها لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " أخروهن " وهو موقف منهي عنه أشبه موقف الفذ خلف الامام والصف * (مسألة) * (وإن اجتمع رجال وصبيان وخناثى ونساء تقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء) لما روى أبو داود ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى فصف الرجال ثم صف خلفهم الغلمان.
وتقدم الخناثى على النساء لجواز أن يكون رجلا (وكذلك يفعل في تقديمهم إلى الامام إذا اجتمعت جنائزهم) وسنذكر ذلك في موضعه ان شاء الله تعالى * (مسألة) * (ومن لم يقف معه إلا كافر أو امرأة أو محدث يعلم حدثه فهو فذ، وكذلك الصبي إلا في النافلة) أما إذا وقف معه كافر ومحدث يعلم حدثه لم تصح صلاته لان وجوده وعدمه واحد وكذلك إذا وقف معه سائر من لا تصح صلاته لما ذكرنا.
وقد روي عن أحمد انه قال إذا أم رجلين أحدهما غير طاهر أتم الطاهر معه، وهذا يحتمل انه أراد إذا علم المحدث حدث نفسه أتم الآخر إن كان عن يمين الامام وإن لم يكن عن يمينه تقدم فصار عن يمينه.
فأما إن كانا خلفه وأتم الصلاة
مع علم المحدث بحدثه لم تصح وإن لم يعلمه صح لانه لو كان إماما صح الائتمام به فصحة مصافته أولى * (فصل) * فان لم يقم معه إلا امرأة فقال ابن حامد لا تصح صلاته لانها لا تؤمه فلا تكون معه
صفا ولانها من غير أهل الوقوف معه فوجودها كعدمها، وقال ابن عقيل تصح على أصح الوجهين لانه وقف معه مفترض صلاته صحيحة أشبه ما لو وقف معه رجل، وليس من شرط المصافة أن يكون ممن تصح إمامته بدليل القارئ مع الامي والفاسق والمفترض مع المتنفل، وإن وقف معه خنثى مشكل لم يكن معه صفا على قول ابن حامد لانه يحتمل أن يكون امرأة * (فصل) * وإن وقف معه فاسق أو متنفل صار صفا لان صلاتهم صحيحة، وكذلك لو وقف قارئ مع أمي أو من به سلس البول مع صحيح أو قائم مع قاعد كانا صفا لما ذكرنا * (فصل) * إذا وقف مع البالغ وخلفه صبي فان كان في النافلة صح لما ذكرنا من حديث أنس وذكر أبو الخطاب رواية انه لا يصح بناء على إمامته في النفل، وإن كان في الفرض فقد روى الاثرم عن أحمد انه توقف في هذه المسألة وقال ما أدري فذكر له حديث أنس فقال ذلك في التطوع واختلف فيه أصحابنا فقال بعضهم لا يصح لانه لا يصلح إماما للرجال في الفرض كالمتنفل، ولا يشترط لصحة مصالته صلاحيته للامامة بدليل الفاسق والعبد والمسافر في الجمعة والاصل المقيس عليه ممنوع * (فصل) * إذا أم الرجل خنثى مشكلا وحده فالصحيح انه يقف عن يمينه لانه إن كان رجلا فهذا موقفه وان كان امرأة لم تبطل صلاتها بوقوفها مع الامام كما لو وقفت مع الرجال، ولا يقف وحده لجواز أن يكون رجلا فان كان معهما رجل وقف الرجل عن يمين الامام والخنثى عن يساره
أو عن يمين الرجل ولا يقفان خلفه لجواز أن يكون امرأة إلا عند من أجاز للرجل مصافة المرأة، فان كان معهم رجل آخر وقف الثلاثة خلفه صفا لما ذكرنا، وإن كانا خنثيين مع الرجلين فقال أصحابنا يقف الخنثيان صفا خلف الرجلين لاحتمال أن يكونا امرأتين، ويحتمل أن يقفا مع الرجلين لانه يحتمل أن يكون أحدهما رجلا فلا تصح صلاته، وان كان معهم نساء وقفن خلف الخناثى على ما ذكرنا
* (فصل) * وإذا كان المأموم واحدا فكبر عن يسار الامام أداره الامام عن يمينه ولم تبطل تحريمته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بابن عباس، وإن كبر وحده خلف الامام ثم تقدم عن يمينه أو جاء آخر فوقف معه أو تقدم إلى الصف بين يديه أو كانا اثنين فكبر أحدهما وتوسوس الآخر ثم كبر قبل رفع الامام رأسه من الركوع أو كبر واحد عن يمين الامام فأحس بآخر فتأخر معه قبل أن يحرم الثاني ثم أحرم أو أحرم عن يسار الامام فجاء آخر فوقف عن يمينه قبل رفع الامام رأسه من الركوع صحت صلاتهم وقد نص عليه أحمد في رواية الاثرم في الرجلين يقومان خلف الامام ليس خلفه غيرهما خاف أن يدخل في الصلاه خلف الصف فقال ليس هذا من ذاك، ذاك في الصلاة بكمالها أو صلى ركعة كاملة وما أشبه هذا، فأما هذا فأرجو أن لا يكون به بأس، ولو أحرم رجل خلف الصف ثم خرج من الصف رجل فوقف معه صح لما ذكرنا * (فصل) * وإن كبر رجل عن يمين الامام وجاء آخر فكبر عن يساره أخرجهما الامام إلى
ورائه كفعل النبي صلى الله عليه وسلم بجابر وجبار، ولا يتقدم الامام إلا أن يكون وراءه ضيق وإن تقدم جاز وإن كبر الثاني مع الاول عن اليمين وخرجا جاز، وان دخل الثاني وهما في التشهد كبر وجلس عن يسار الامام أو عن يمين الآخر ولا يتأخران في التشهد لان فيه مشقة * (فصل) * وإن أحرم اثنان وراء الامام فخرج أحدهما لعذر أو لغيره دخل الآخر في الصف أو نبه رجلا فخرج معه أو دخل فوقف عن يمين الامام فان لم يمكنه شئ من ذلك نوى الانفراد وأتم منفردا لانه عذر حدث له أشبه ما لو سبق إمامه الحدث.
* (مسألة) * ومن جاء فوجد فرجة وقف فيها فان لم يجد وقف عن يمين الامام ولم يجذب رجلا ليقوم معه فان لم يمكنه ذلك نبه رجلا ليقوم معه (1) فخرج فوقف معه وهذا قول عطاء والنخعي وكره ذلك مالك والاوزاعي واستقبحه أحمد وإسحق، قال ابن عقيل جوز أصحابنا جذب رجل يقوم معه صفا قال وعندي انه لا يفعل لما فيه من التصرف بغير اذنه.
قال شيخنا والصحيح جواز ذلك لان الحاجة داعية إليه فجاز كالسجود على ظهر انسان أو قدمه حال الزحام وليس هذا تصرفا فيه بل هو تنبيه له فجرى مجرى
مسألته أن يصلي معه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " لينوا في أيدي إخوانكم " يريد ذلك فان امتنع من الخروج وحده معه صلى وحده
__________
(1) في المتن المطبوع فان لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم معه اه ويتأمل قوله بعده: فخرج فوقف معه.
على ان هذه المسألة كانت في الاصل مدغمة في الشرح
* (مسألة) * (فان صلى فذا ركعة لم تصح) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا صلاة لفرد " رواه الاثرم * (مسألة) * (وإن ركع فذا ثم دخل في الصف أو وقف معه آخر قبل رفع الامام صحت صلاته وإن رفع ولم يسجد صحت، وقيل إن علم النهي لم تصح وإن فعله لغير عذر لم تصح) من ركع دون الصف ثم دخل في الصف لم يخل من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يصلي ركعة ثم يدخل فلا تصح صلاته لما ذكرنا (الثاني) أن يمشي وهو راكع ثم يدخل في الصف قبل رفع الامام رأسه من الركوع أو يأتي آخر فيقف معه قبل رفع الامام رأسه فتصح صلاته لانه أدرك مع الامام في الصف ما يدرك به الركعة، وممن رخض في ذلك زيد بن ثابت وفعله ابن مسعود وزيد بن وهب وعروة وسعيد بن جبير وجوزه الزهري والاوزاعي ومالك والشافعي إذا كان قريبا من الصف (والحال الثالث) أن لا يدخل في الصف الا بعد رفع الامام رأسه من الركوع أو يقف معه آخر في هذه الحال ففيه ثلاث روايات إحداهن تصح صلاته وهذا مذهب مالك والشافعي لان أبا بكرة فعل ذلك وفعله من ذكرنا من الصحابة ولانه لم يصل ركعة كاملة أشبه ما لو أدرك الركوع، والثانية تبطل صلاته بكل حال لانه لم يدرك في الصف ما يدرك به الركعة
أشبه ما لو صلى ركعة كاملة، والثالثة انه إن كان جاهلا بتحريم ذلك صحت صلاته وإلا لزمته الاعادة اختارها الخرقي لما روي ان أبا بكرة انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبي الله صلى عليه وسلم فقال " زادك الله حرصا ولا تعد " رواه البخاري فلم يأمره باعادة الصلاة ونهاه عن العود، والنهى يقتضي الفساد، ولم يفرق القاضي والخرقي في هذه
المسألة بين من دخل قبل رفع رأسه من الركوع أو بعد الرفع، وذلك منصوص أحمد والدليل يقتضي التفريق فيحصل كلامهم عليه وقد ذكره أبو الخطاب على نحو ما ذكرنا * (فصل) * فان فعل ذلك لغير عذر ولا خشي الفوات لم تصح صلاته في أحد الوجهين لانه فاته ما تفوته الركعة بفواته وانما أبيح للمعذور لحديث أبي بكرة فيبقى فيما عداه على قضية الدليل، والثاني تصح لان الموقف لا يختلف بخيفة الفوات وعدمه كما لو فاتته الركعة كلها * (فصل) * السنة أن يتقدم في الصف الاول أولو الفضل والاسن وأن يلي الامام أكملهم وأفضلهم قال أحمد يلي الامام الشيوخ وأهل القرآن ويؤخر الصبيان لما روى أبو سعيد الانصاري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ليلني منكم أولو الاحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين
يلونهم " (2) وقال أبو سعيد ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرا فقال " تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عزوجل " رواهما أبو داود.
وعن قيس بن عبادة قال أتيت المدينة للقاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت في الصف الاول فجاء رجل فنظر في وجوه القوم فعرفهم غيري فنحاني وقام في مكاني فما عقلت صلاتي، فلما صلى قال يا بني لا يسؤك الله فاني لم آت الذي أتيت بجهالة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا " كونوا في الصف الذي يليني " واني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك.
وكان الرجل أبي بن كعب رواه أحمد والنسائي * (فصل) * والصف الاول أفضل للرجال، وللنساء بالعكس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها " رواه أبو داود وعن أنس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أتموا الصف الاول فما كان من نقص فليكن في الصف الآخر " رواه أبو داود، وعن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الصف الاول على مثل صف الملائكة، ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه " رواه الامام أحمد، وميامن الصفوف أفضل لقول عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله وملائكته يصلون على ميامن
__________
(2) رواه بهذا اللفظ أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن ابن مسعود بزيادة " واياكم وهيشات الاسواق أي جلبتها وخصوماتها " ورواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه من حديث أبي مسعود الانصاري بزيادة في أوله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول " استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم وليلني منكم " الخ فعز والمصنف له إلى ابي سعيد غلط.
وحديث أبي سعيد " هو الخدري " الذي بعده رواه أيضا مسلم والنسائي وابن ماجه فالمؤلف فقيه لا محدث
الصفوف " رواه أبو داود، ويستحب أن يقف الامام في مقابلة وسط الصف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " وسطوا الامام وسدوا الخلل " (1) * (مسألة) * وإذا كان المأموم يرى من وراء الامام صحت صلاته إذا اتصلت الصفوف، وان لم ير من وراءه لم تصح وعنه تصح إذا كان في المسجد) وجملة ذلك انه إذا كان الامام والمأموم في المسجد يعتبر اتصال الصفوف.
قال الآمدي لا خلاف في المذهب انه إذا كان في اقصى المسجد وليس بينه وبين الامام ما يمنع الاستطراق والمشاهدة انه يصح اقتداؤه به وان لم تتصل الصفوف وهذا مذهب الشافعي، وذلك لان المسجد بني للجماعة فكل من حصل فيه فقد حصل في محل الجماعة، فان كان المأموم خارج المسجد أو كانا جميعا في غير المسجد صح أن يأتم به بشرط امكان المشاهدة واتصال الصفوف وسواء كان المأموم في درجة المسجد أو في دار أو على سطح والامام على سطح آخر، أو كان في صحراء أو في سفينتين وهذا مذهب الشافعي إلا أنه يشترط أن لا يكون بينهما ما يمنع الاستطراق في أحد القولين.
ولنا ان هذا لا تأثير له في المنع مع الاقتداء بالامام ولم يرد فيه نهي ولا هو في معنى ذلك فلم يمنع صحة الائتمام به كالفعل اليسير إذا ثبت هذا فان معنى اتصال الصفوف أن لا يكون بينهما بعد لم تجر العادة به بحيث يمنع امكان
__________
" 1 " رواه أبو داود عن أبي هريرة وفيه علتان، وان سكت عنه هو والمنذري
الاقتداء، وحكي عن الشافعي انه حد الاتصال بما دون ثلاثمائة ذراع والتحديدات بابها التوقيف ولا نعلم في هذا نصا ولا اجماعا يعتمد عليه فوجب الرجوع فيه إلى العرف كالتفريق والاحراز * (فصل) * فان كان بين المأموم والامام حائل يمنع رؤية الامام ومن وراءه فقال ابن حامد فيه روايتان إحداهما لا يصح الائتمام به اختاره القاضي لان عائشة قالت لنساء كن يصلين في حجرتها لا تصلين بصلاة الامام فانكن دونه في حجاب ولانه لا يمكنه الاقتداء به في الغالب، والثانية تصح قال أحمد في رجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة وأبواب المسجد مغلقة أرجو أن لا يكون به بأس، وذلك لانه يمكنه الاقتداء بالامام فصح من غير مشاهدة كالاعمى ولان المشاهدة تراد للعلم بحال الامام والعلم استماع التكبير فجرى مجرى الرؤية، وعنه انه يصح إذا كان في المسجد دون غيره لان المسجد محل الجماعة وفي مظنة القرب ولانه لا يشترط فيه اتصال الصفوف، لذلك فجاز أن لا يشترط الرؤية واختار شيخنا التساوي فيهما لاستوائهما في المعنى المجوز أو المانع فوجب استواؤهما في الحكم وانما صح مع عدم المشاهدة لانه يشترط أن يسمع التكبير فان لم يسمعه لم يصح ائتمامه بحال لانه لا يمكنه الاقتداء * (فصل) * وكل موضع اعتبرنا المشاهدة فانه يكفي مشاهدة من وراء الامام من باب إمامه أو عن يمينه أو عن يساره ومشاهدة طرف الصف الذي وراءه لانه يمكنه الاقتداء بذلك، وإن حصلت
المشاهدة في بعض أحوال الصلاة كفاه في الظاهر لما روت عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وجدار الحجرة قصير فرأى الناس شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أناس يصلون بصلاته والحديث رواه البخاري، والظاهر انهم كانوا يرونه في حال قيامه * (فصل) * فان كان بينهما طريق أو نهر تجري فيه السفن أو كانا في سفينتين مفترقتين ففيه وجهان أحدهما لا تصح اختاره أصحابنا وهو قول أبي حنيفة لان الطريق ليست محلا للصلاة أشبه ما يمنع لاتصال والثاني تصح اختاره شيخنا وهو مذهب مالك والشافعي لانه لا نص في منع ذلك ولا إجماع ولا هو في المعنى المنصوص لانه لا يمنع الاقتداء والمؤثر في المنع ما يمنع الرؤية أو سماع الصوت وليس هذا بواحد منهما قولهم إن بينهما ما ليس محلا للصلاة ممنوع وأن سلم في الطريق فلا يصح في النهر بدليل
صحة الصلاة عليه في السفينة وحال جموده ثم كونه ليس محلا للصلاة انما يؤثر في منع الصلاة فيه، أما في صحة الاقتداء بالامام فتحكم محض لا يلزم المصير إليه، فأما إن كانت صلاته جمعة أو عيدا أو جنازة لم يؤثر ذلك فيها لانها تصح في الطريق، وقد صلى أنس في موت حميد بن عبد الرحمن بصلاة الامام وبينهما طريق والله أعلم * (مسألة) * (ولا يكون الامام أعلى من المأموم، فان فعل وكان كثيرا فهل تصح صلاته؟ وجهين):
ويكره أن يكون الامام أعلى من المأموم في ظاهر المذهب سواء أراد تعليمهم أو لم يرد وهذا قول مالك والاوزاعي وأصحاب الرأي، وروي عن أحمد ما يدل على انه لا يكره واختاره الشافعي للامام الذي يعلم من خلفه أن يصلي على الشئ المرتفع ليراه من خلفه ليقتدوا به، لما روى سهل بن سعد قال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليه يعني المنبر فكبر وكبر الناس وراءه ثم ركع وهو على المنبر ثم رفع ونزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ثم أقبل على الناس فقال " أيها الناس انما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي " متفق عليه ولنا ما روى عمار بن ياسر أنه صلى بالمدائن فتقدم فقام على دكان والناس أسفل منه فتقدم حذيفة فأخذ بيده فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ من صلاته قال له حذيفة ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم " قال عمار فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي، رواه أبو داود ولانه يحتاج أن يقتدي بامامه فينظر ركوعه وسجوده، فإذا كان أعلى منه احتاج إلى رفع بصره إليه وذلك منهي عنه في الصلاة.
فأما حديث سهل فالظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على الدرجة السفلى لئلا يحتاج إلى عمل كثير في الصعود والنزول فيكون ارتفاعا يسيرا لا بأس به جمعا بين الاخبار، ويحتمل أن يختص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم لانه فعل شيئا ونهى عنه فيكون فعله لنفسه ونهيه لغيره، وكذلك لا يستحب لغيره عليه السلام ولان النبي
صلى الله عليه وسلم لم يتم الصلاة على المنبر فان سجوده وجلوسه انما كان على الارض بخلاف ما اختلفنا فيه
* (فصل) * ولا بأس بالعلو اليسير كدرجة المنبر ونحوها لما ذكرنا من حديث سهل ولان النهي معلل بما يفضي إليه من رفع البصر في الصلاة وهذا يختص الكثير * (فصل) * فان كان العلو كثيرا أبطل الصلاه في قول ابن حامد وهو قول الاوزاعي لان النهي يقتضي فساد المنهي عنه، وقال القاضي لا تبطل وهو قول أصحاب الرأي لان عمارا أتم صلاته ولو كانت فاسدة لاستأنفها ولان النهي معلل بما يفضي إليه من رفع البصر وهو لا يبطل الصلاة فسببه أولى * (فصل) * فان كان مع الامام من هو مساو له ومن هو أسفل منه اختصت الكراهة بمن هو أسفل منه لوجود المعنى فيهم خاصة، ويحتمل أن يتناول النهي الامام لكونه منهيا عن القيام في مكان أعلى من مقامهم، فعلى هذا الاحتمال تبطل صلاة الجميع عند من أبطل الصلاة بارتكاب النهي * (فصل) * فان كان المأموم أعلى من الامام كالذى على سطح المسجد أو رف أو دكة عالية فلا بأس لانه روي عن أبي هريرة انه صلى بصلاة الامام على سطح المسجد وفعله سالم وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي، وقال مالك يعيد إذا صلى الجمعة فوق سطح المسجد بصلاة الامام.
ولنا ما ذكرنا من فعل أبي هريرة ولانه يمكنه الاقتداء بامامه أشبه المتساويين، ولان علو الامام انما كره لحاجة المأمومين إلى رفع البصر المنهي عنه وهذا بخلافه
* (مسألة) * (ويكره للامام أن يصلي في طاق القبلة) يكره للامام أن يدخل في طاق القبلة، كره ذلك ابن مسعود وعلقمة والاسود لانه يستتر عن بعض المأمومين فكره كما لو كان بينه وبينهم حجاب، وفعله سعيد بن جبير وأبو عبد الرحمن السلمي فأما إن كان لحاجة ككون المسجد ضيقا لم يكره للحاجة إليه * (مسألة) * (ويكره للامام أن يتطوع في موضع المكتوبة) نص عليه أحمد وقال: كذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: فأما المأموم فلا بأس أن يتطوع مكانه فعل ذلك ابن عمر وقال اسحق وروي عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يتطوع الامام في مكانه الذي يصلي فيه بالناس " رواه أبو داود إلا أن أحمد
قال لا أعرف ذلك عن غير علي * (مسألة) * (ويكره للمأمومين الوقوف بين السواري إذا قطعت صفوفهم) وكره ذلك ابن مسعود والنخعي ورخص فيه ابن سيرين ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر ولنا ما روى معاوية بن قرة عن أبيه قال كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد عنها طردا رواه ابن ماجه، فان كان الصف صغيرا لا ينقطع بها لم يكره لعدم ما يوجب الكراهة ولا يكره ذلك للامام
* (مسألة) * (ويكره للامام اطالة القعود بعد الصلاة مستقبل القبلة) لما روت عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لا يقعد إلا مقدار ما يقول: " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام " رواه ابن ماجه (1) ولانه لا يستحب للمأمومين الانصراف قبل الامام، فإذا أطال الجلوس شق عليهم، فان لم يقم استحب أن ينحرف عن قبلته لما روي عن سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه أخرجه البخاري، وعن علي رضي الله عنه انه صلى بقوم العصر ثم أسند ظهره إلى القبلة فاستقبل القوم رواه الاثرم، قال الاثرم رأيت أبا عبد الله إذا سلم يلتفت ويتربع، قال أبو داود رأيته إذا كان إماما فسلم انحرف عن يمينه، وروى جابر بن سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسنا، وفي لفظ كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس رواه مسلم * (مسألة) * (فان كان معه نساء لبث قليلا لنصرف النساء) لما روت أم سلمة قالت إن النساء كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال قال الزهري فنرى ذلك والله أعلم ان ذلك لكي ينفذ من ينصرف من النساء رواه البخاري، ويستحب للنساء أن لا يجلسن بعد الصلاة لذلك ولان
__________
(1) بل رواه احمد ومسلم والترمذي أيضا
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: