الفقه الحنبلي - الامامة - المريض - القصر
الاخلال به من أحد الفريقين يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء، ويستحب للمأمومين أن لا يقوموا قبل الامام لئلا يذكر سهوا فيسجد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " عليكم إني امامكم فلا
تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف " رواه مسلم إلا أن يخالف الامام السنة في اطالة الجلوس أو ينحرف فلا بأس بذلك * (فصل) * وينصرف الامام حيث شاء عن يمين وشمال لقول ابن مسعود: لا يجعل أحدكم للشيطان حظا من صلاته، يرى أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن شماله رواه مسلم (1) وعن لهب (2) انه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان ينصرف عن شقيه رواه أبو داود * (مسألة) * (فان أمت امرأة بنساء قامت وسطهن في الصف) اختلفت الرواية هل يستحب للمرأة أن تصلي بالنساء جماعة فعنه انه مستحب يروى ذلك عن عائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والاوزاعي والشافعي وأبي ثور، وعن احمد أنه غير مستحب وكرهه أصحاب الرأي.
وقال الشعبي والنخعي وقتادة: لهن ذلك في التطوع خاصة.
وقال الحسن واسحاق وسليمان بن يسار: لا تؤم مطلقا ونحوه قول مالك: لانه يكره لها الاذان وهو دعاء إلى الجماعة فكره ما يراد له الاذان ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لام ورقة أن تؤم أهل دارها.
رواه أبو داود، ولانهن
__________
(1) بل رواه الجماعة كلهم إلا الترمذي (2) الصواب: قبيصة بن هلب ورواه الترمذي وابن ماجه أيضا باختلاف في اللفظ
من أهل الفرائض أشبهن الرجال، وانما كره لهن الاذان لما فيه من رفع الصوت ولسن من أهله.
إذا ثبت ذلك فانها تقوم وسطهن في الصف لا نعلم في ذلك خلافا بين من رأى أن تؤمهن لان ذلك يروى عن عائشة وأم سلمة رواه سعيد بن منصور عن أم سلمة، ولان المرأة يستحب لها التستر ولذلك
لا يستحب لها التجافي وكونها في وسط الصف أستر لها فاستحب لها كالعريان، فان صلت بين أيديهن احتمل أن يصح لكونه موقفا في الجملة للرجل، واحتمل أن لا يصح لانها خالفت موقفها أشبه ما لو خالف الرجل موقفه، فان أمت امرأة واحدة قامت عن يمينها كالمأموم من الرجال وإن وقفت خلفها جاز لان المرأة يجوز وقوفها وحدها بدليل حديث أنس (فصل) وتجهر في صلاة الجهر قياسا على الرجل، فان كان ثم رجل لم تجهر إلا أن يكونوا من محارمها فلا بأس به والله اعلم (فصل) ويعذر في الجمعة والجماعة المريض.
قال ابن المنذر: لا أعلم خلافا بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض، وقد روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر - قالوا: وما العذر يا رسول الله؟ قال: خوف المرض - لم تقبل منه الصلاة التي صلى " رواه أبو داود وقد كان بلال يؤذن بالصلاة ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مريض فيقول " مروا أبا بكر فليصل بالناس " * (مسألة) * (ومن يدافع أحد الاخبثين أو بحضرة طعام وهو محتاج إليه)
لما روت عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الاخبثين " رواه مسلم.
وسواء خاف فوات الجماعة أو لم يخف لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعشاء " رواه مسلم * (مسألة) * (والخائف من ضياع ماله، أو فواته، أو ضرر فيه على نفسه من ضرر أو سلطان أو ملازمة غريم ولا شئ معه) الخوف يتنوع ثلاثة أنواع (أحدهما) الخوف على نفسه بأن يخاف سلطانا يأخذه أو لصا أو سبعا أو سيلا أو نحو ذلك مما يؤذيه في نفسه، أو يخاف غريما يحبسه ولا شئ معه يعطيه، فان حبس المعسر ظلم، وكذلك إن كان عليه دين مؤجل خشي أن يطالب به قبل محله، وإن كان الدين حالا وهو قادر على أدائه فلا عذر له في التخلف لان مطل الغني ظلم، وإن توجه عليه حد لله تعالى أو حد قذف فخاف أن يؤخذ به لم يكن ذلك عذرا لانه يجب عليه وفاؤه، وكذلك أن توجه عليه
فصاص.
وقال القاضي: إن رجا الصلح عنه بمال فهو عذر حتى يصالح بخلاف الحدود لانها لا تدخلها المصالحة، وحد القذف إن رجا العفو عنه فليس بعذر لانه يرجو اسقاطه بغير بدل (الثاني) الخوف على ماله من لص، أو سلطان، أو نحوه، أو يخاف على بهيمة من سبع: أو شر ودإن ذهب وتركها، أو على منزله، أو متاعه، أو زرعه، أو يخاف إباق عبده، أو يكون له خبز في التنور، أو
طبيخ على نار يخاف تلفها بذهابه، أو يكون له مال ضائع، أو عبد آبق يرجو وجدانه في تلك الحال أو يخاف ضياعه ان اشتغل عنه، أو يكون له غريم ان ترك ملازمته ذهب، أو يكون ناطور بستان أو نحوه يخاف إن ذهب سرق، أو مستأجرا لا يمكنه ترك ما استؤجر على حفظه، فهذا واشباهه عذر في التخلف عن الجمعة والجماعة لعموم قوله عليه السلام أو خوف، ولان في أمره عليه السلام بالصلاة في الرحال لاجل الطين والمطر مع أن ضررهما أيسر من ذلك تنبيها على جوازه (الثالث) الخوف على ولده وأهله أن يضيعوا، أو يخاف موت قريبه ولا يشهده، فهذا كله عذر في ترك الجمعة والجماعة وبهذا قال عطاء والحسن والشافعي: ولا نعلم فيه خلافا، وقد استصرخ ابن عمر على سعيد بن زيد بعد ارتفاع الضحى وهو يتجمر للجمعة فأتاه بالعقبق وترك الجمعة والله أعلم * (مسألة) * (أو فوات رفقة، أو غلبة النعاس، أو خشية التأذي بالمطر، والوحل، والريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة) ويعذر في تركها من يريد سفرا يخاف فوات رفقته لان عليه في ذلك ضررا، ومن يخاف غلبة النعاس حتى يفوتاه الجواز له أن يصلي وحده وينصرف لان الرجل الذي صلى مع معاذ انفرد عند تطويل معاذ، وخوف النعاس والمشقة فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبره بذلك.
ويعذر في ترك الجماعة من يخاف تطويل الامام كثيرا لذلك، فانه إذا جاز ترك الجماعة بعد دخوله فيها لاجل التطويل فترك الخروج إليها أولى، ويعذر في المطر الذي يبل الثياب، والوحل الذي يتأذى
به في بدنه أو ثيابه لما روى عبد الله بن الحارث قال: قال عبد الله بن العباس لمؤذنه في يوم مطير: إذا
قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة وقل: صلوا في بيوتكم، قال: فكأن الناس استنكروا ذلك.
فقال ابن عباس: اتعجبون من ذلك وقد فعل ذلك من هو خير مني، إن الجمعة عزيمة واني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض.
متفق عليه، وقد روى أبو المليح أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الفتح وأصابهم مطر لم تبتل أسفل نعالهم فأمرهم أن يصلوا في رحالم.
رواه أبو داود، ويعذر في ترك الجماعة بالريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة لما روى ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر " صلوا في رحالكم " متفق عليه، ورواه ابن ماجه باسناد صحيح ولم يقل في السفر * (باب صلاة أهل الاعذار) * * (مسألة) * (ويصلي المريض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين " صل قائما، فان لم تستطع فقاعدا، فان لم تستطع فعلى جنب " رواه البخاري أجمع أهل العلم على أن من لا يطبق القيام له أن يصلي جالسا لهذا الحديث، ولما روى أنس قال:
سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فجحش أو خدش شقه الايمن فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلى قاعدا وصلينا قعودا.
متفق عليه (فصل) فان أمكنه القيام الا أنه يخشى تباطؤ برئه أو زيادة مرضه، أو يشق عليه مشقة شديدة فله أن يصلي قاعدا ونحوه قال مالك واسحاق، وقال ميمون بن مهران: إذا لم يستطع أن يقوم لدنياه فليصل جالسا وحكي بجواز ذلك عن احمد ولنا قول الله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وهذا حرج، ولان النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالسا لما جحش شقه، والظاهر أن من جحش شقه لا يعجز عن القيام بالكلية ومتى صلى قاعدا فانه يكون على صفة صلاة المتطوع جالسا على ما ذكرنا (فصل) فان قدر على القيام بأن يتكئ على عصى، أو يستند على حائط،، أو يعتمد على أحد جانبيه لزمه لانه قادر على القيام من غير ضرر فلزمه كما لو قدر بغير هذه الاشياء، وإن قدر على
القيام الا أنه يكون على هيئة الراكع كالاحدب والكبير لزمه ذلك لانه قيام مثله، وان كان لقصر سقف لا يمكنه الخروج، أو سفينة، أو خائف لا يعلم به الا إذا رفع رأسه ففيه احتمالان: أحدهما يلزمه القيام كالاحدب، والثاني لا يلزمه.
فان احمد قال: الذي في السفينة لا يقدر أن يستتم قائما لقصر سماء السفينة يصلي قاعدا الا أن يكون شيئا يسيرا فيقاس عليه ما في معناه لحديث عمران المذكور (فصل) فان قدر المريض على الصلاة وحده قائما ولا يقدر مع الامام لتطويله احتمل أن يلزمه القياس ويصلي وحده لان القيام ركن لا تتم صلاته الا به، والجماعة تصح الصلاة بدونها واحتمل أنه مخير بين الامرين لانا أبحنا له ترك القيام المقدور عليه مع امام الحي العاجز عنه مراعاة للجماعة فهاهنا أولى، ولان الاجر يتضاعف بالجماعة أكثر من تضاعفه بالقيام لان صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، فصلاة الجماعة تفضل على صلاته وحده سبعا وعشرين درجة وهذا أحسن، وهو مذهب الشافعي * (فصل) * فان عجز عن القعود صلى على جنب لما ذكرنا من الحديث، ويستقبل القبلة بوجهه وهذا قول مالك والشافعي وابن المنذر، وقال سعيد بن المسيب وأبو ثور وأصحاب الرأي يصلي مستلقيا ورجلاه إلى القبلة ليكون إيماؤه إليها فانه إذا صلى على جنبه كان وجهه في الايماء إلى غير القبلة ولنا قوله عليه السلام فان لم يستطع فعلى جنب ولانه يستقبل القبلة إذا كان على جنبه.
وإذا كان على ظهره انما يستقبل السماء ولذلك يوضع الميت على جنبه ليكون مستقبلا للقبلة، قولهم إن وجهه في الايماء إلى القبلة قلنا استقبال القبلة انما يكون في غير حال الركوع والسجود فان
وجهه فيهما انما يكون إلى الارض، فكذلك المريض ينبغي أن لا يعتبر استقباله فيهما، والمستحب أن يصلي على جنبه الايمن لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن في شأنه كله، وإن صلى على الايسر جاز لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعين في الحديث جنبا ولان المقصود استقبال القبلة، وهو حاصل على كلا الجنبين * (مسألة) * (فان صلى على ظهره ورجلاه إلى القبلة صحت صلاته)
في أحد الوجهين متى صلى على ظهره مستلقيا مع القدره على الصلاة على جنبه ففيه وجهان: أحدهما يصح وهو ظاهر كلام أحمد لانه نوع استقبال، ولهذا يوجه الميت كذلك عند الموت، والثاني لا يصح وهو أظهر لانه مخالف للحديث المذكور فانه قال عليه السلام " فان لم يستطع فعلى جنب " ولان في حديث عمران؟ ن رواية إلا وسعها، وهذا صريح فان نقله إلى الاستلقاء عند العجز عن الصلاة على جنب فدل على انه لا يجوز مع القدرة عليه، فان عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقيا وجها واحدا للحديث المذكور * (مسألة) * (ويومئ بالركوع والسجود ويجعل سجوده أخفض من ركوعه) متى عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه اعتبارا بالاصل كما قلنا في حالة الخوف، فان عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود، وان لم يمكنه أن يحني ظهره فصار كالراكع زاد في الانحناء قليلا إذا ركع ويقرب وجهه إلى الارض في السجود حسب الامكان، فان قدر على السجود على صدغه لم يفعل لانه ليس من اعضاء السجود، وان وضع بين يديه وسادة أو شيئا عاليا أو سجد على ربوة أو حجر جاز إذا لم يكن يمكنه تنكيس وجهه أكثر من ذلك.
وحكي عن أحمد انه قال اختار السجود على المرفقة وقال هو أحب الي من الايماء واختاره إسحق وجوزه الشافعي واصحاب الرأي ورخص فيه ابن عباس وسجدت أم سلمة على مرفقة، وكره ابن مسعود السجود على عود وقال الايماء أحب الي، ووجه الجواز انه أتى بما يمكنه من الانحطاط أشبه الايماء.
فاما إن رفع إلى وجهه شيئا فسجد عليه فقال بعض أصحابنا لا يجزيه، وروي نحو ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وجابر وأنس وهو قول مالك والثوري لانه سجد على ما هو حامل له أشبه ما لو سجد على يديه، وروى الاثرم عن أحمد انه قال أي ذلك فعل فلا بأس يومئ أو يرفع المرفقة فيسجد عليها، قيل له فالمروحة؟ قال أما المروحة فلا.
وروي عنه انه قال الايماء أحب الي وان رفع إلى وجهه شيئا اجزأه، ولا بد أن يكون بحيث لا يمكنه الانحطاط أكثر منه ووجه ذلك انه أتى بما يمكنه من الانحطاط أشبه ما لو أومأ
* (مسألة) * (فان عجز عنه أومأ بطرفه ولا تسقط الصلاة) متى عجز عن الايماء برأسه أومأ بطرفه ونوى بقلبه ولا تسقط عنه الصلاة متى دام عقله ثابتا.
وحكي عن أبي حنيفة ان الصلاة تسقط عنه، وذكر القاضى انه ظاهر كلام أحمد رواه محمد بن يزيد لما روي عن أبي سعيد انه قيل له في مرضه الصلاة قال قد كفاني انما العمل في الصحة ولانه عجز عن أفعال الصلاة بالكلية فسقطت عنه.
ولنا انه مسلم بالغ عاقل فلزمته الصلاة كالقادر على الايماء برأسه * (مسألة) * (فان قدر على القيام أو القعود في أثنائها انتقل إليه وأتمها) ومتى قدر المريض في اثناء الصلاة على ما كان عاجزا عنه من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود أو ايماء انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته، وهكذا لو ابتدأها قادرا ثم عجز في أثناء الصلاة لحديث عمران ولان ما مضي من صلاته كان صحيحا فبنى عليه كما لو لم تتغير حاله * (مسألة) * (وان قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود أومأ بالركوع قائما وبالسجود قاعدا) وهذا قول الشافعي، وقال أبو حنيفة يسقط القيام لانها صلاة لا ركوع فيها ولا سجود فسقط فيها القيام كالنافلة على الراحلة ولنا قوله تعالى (وقوموا لله قانتين) وحديث عمران الذي ذكرناه ولان القيام ركن قدر عليه فلم يسقط بالعجز عن غيره كالقراءة وقياسهم فاسد لوجوه: أحدها ان الصلاة على الراحلة لا يسقط فيها الركوع (الثاني) ان النافلة لا يجب القيام فيها فما سقط فيها تبعا لسقوط الركوع والسجود (الثالث) منقوض بصلاة الجنازة * (مسألة) * (وإذا قال ثقات من العلماء بالطب للمريض إن صليت مستلقيا أمكن مداواتك فله ذلك) وهذا قول جابر بن زيد والثوري وأبي حنيفة، قال القاضي وهو قياس المذهب، وكرهه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبو وائل.
وقال مالك والاوزاعي لا يجوز لما روي عن ابن عباس انه لما كف بصره أتاه رجل فقال لو صبرت على سبعة أيام لم تصل إلا مستلقيا داويت عينك ورجوت أن تبرأ فأرسل في ذلك إلى عائشة وأبي هريرة وغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلهم قال له إن مت في هذه الايام ما الذي تصنع بالصلاة فنرك معالجة عينه
ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالسا لما جحش شقه، والظاهر انه لم يكن يعجز عن القيام لكن كان عليه فيه مشقة أو خوف ضرر وأيهما قدر فهو حجة على الجواز ها هنا ولانا أبحنا له ترك الوضوء إذا لم يجد الماء إلا بزيادة على ثمن المثل صونا لجز من ماله، وترك الصوم لاجل المرض والرمد ودلت الاخبار على جواز ترك القيام في صلاة الفرض على الراحلة خوفا من ضرر الطين في ثيابه وبدنه
وجاز ترك القيام اتباعا لامام الحي والصلاة على جنبه ومستلقيا في حالة الخوف من العدو، ولا ينقص الضرر بفوات البصر عن الضرر في هذه الاحوال.
وحديث ابن عباس إن صح فيحتمل ان المخبر لم يخبر عن يقين وانما قال أرجو أو لانه لم يقبل خبره لكونه واحدا أو مجهول الحال بخلاف مسئلتنا * (مسألة) * (ولا تصح الصلاة في السفينة قاعدا لقادر على القيام) اختلف قوله في الصلاة في السفينة مع القدرة عل الخروج، على روايتين.
احداهما لا يجوز لانها ليست حال استقرار أشبه الصلاة على الراحلة، والثانية يصح لانه يتمكن من القيام والقعود والركوع والسجود أشبه الصلاة على الارض وسواء في ذلك الجارية والواقفة والمسافر والحاضر وهي أصح، ومتى قدر فيها على القيام لم يجز له تركه لحديث عمران بن حصين فان عجز عنه صحت للحديث * (فصل) * وتجوز صلاة الفرض على الراحلة خشية التأذي بالوحل إذا كان يسيرا متى تضرر بالسجود على الارض لاجل الوحل وخاف من تلويث بدنه وثيابه بالطين والبلل جاز له الايماء بالسجود ان كان راجلا والصلاة على دابته، وقد روي عن أنس انه صلى على دابته في ماء وطين وفعله جابر بن زيد.
قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم وبه يقول إسحق وقال أصحاب الشافعي لا يجوز أن يصلي الفرض عل الراحلة لاجل المطر.
وحكى ابن أبي موسى رواية مثل ذلك لما روى أبو سعيد قال فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين متفق عليه ولان السجود والقيام من أركان الصلاة فلم تسقط بالمطر كبقية أركانها.
ولنا ما روى يعلى بن أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم انه انتهى إلى مضيق ومعه أصحابه والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم، فصل النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وأصحابه على ظهور دوابهم
يومؤن إيما يجعلون السجود أخفض من الركوع رواه الاثرم والترمذي وفعله أنس ذكره الامام أحمد ولم ينقل عن غيره خلافه ولان المطر عذر يبيح الجمع فاثر في أفعال الصلاة كالسفر والمرض.
وحديث أبي سعيد بالمدينة والنبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، والظاهر ان الطين كان يسيرا لم يؤثر في غير الجبهة والانف وانما يبيح ما كان كثيرا يلوث الثياب والبدن ويلحق المضرة بالسجود فيه * (فصل) * ومتى أمكن النزول والصلاة قائما من غير مضرة لزمه ولم يصل على دابته لانه قدر على القيام من غير ضرر فلزمه كغير حالة المطر ولا يسقط عنه الركوع لقدرته عليه، ويومئ بالسجود لما فيه من الضرر، وان تضرر بالنزول عن دابته وتلوث صلى عليها للخبر المذكور.
ولا يجوز له ترك الاستقبال في المطر لانه قادر عليه * (مسألة) * (وهل يجوز ذلك لاجل المرض على روايتين)
وجملة ذلك ان الصلاة على الراحلة لاجل المرض لا تخلو من ثلاثة أحوال: أحدها أن يخاف الانقطاع عن الرفقة أو العجز عن الركوب أو زيادة المرض ونحوه فيجوز له ذلك كما ذكرنا في صلاة الخوف، الثاني أن لا يتضرر بالنزول ولا يشق عليه فيلزمه النزول كالصحيح، الثالث أن يشق عليه النزول مشقة يمكن تحملها من غير خوف ولا زيادة مرض ففيه الروايتان احداهما لا تجوز له الصلاة على الراحلة لان ابن عمر كان ينزل مرضاه احتج به أحمد ولانه قادر على أفعال الصلاة من غير ضرر كثير فلزمه كغير الراكب، والثانية يجوز اختارها أبو بكر لان المشقة في النزول أكثر من المشقة عليه في المطر فكان إباحتها ها هنا أولى، ومن نظر الرواية الاولى قال إن نزول المريض يؤثر في حصوله على الارض وهو أسكن له وأمكن للصلاة، والممطور يتلوث بنزوله ويتضرر بحصوله على الارض فالمريض يتضرر بنفس النزول لا في الحصول على الارض والممطور يتضرر بحصوله على الارض دون نفس النزول فقد اختلفت جهة الضرر فلا يصح الالحاق * (فصل) * في قصر الصلاة، قصر الصلاة في السفر جائز والاصل فيه الكتاب والسنة والاجماع أما الكتاب فقوله سبحانه وتعالى (وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناج أن تقصروا من الصلاة
إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) وقال يعلي بن أمية الضمري قلت لعمر بن الخطاب (ليس عليكم جناج أن تقصروا من الصلاة ان خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) وقد أمن الناس.
فقال عجبت مما عجبت منه.
فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " أخرجه مسلم.
وتواترت الاخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في أسفاره حاجا ومعتمرا وغازيا، قال أنس خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فصلى ركعتين حتى رجع وأقمنا بمكة عشرا نقصر الصلاة، وقال ابن عمر صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض - يعني في السفر - فكان لا يزيد على ركعتين، وأبا بكر حتى قبض فكان لا يزيد على ركعتين،، وعمر وعثمان كذلك متفق عليه.
وأجمعت الامة على أن من سافر سفرا تقصر في مثله الصلاة في حج أو عمرة أو جهاد ان له قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين * (مسألة) * (ومن سافر سفرا مباحا يبلغ ستة عشر فرسخا فله قصر الصلاة الرباعية خاصة إلى ركعتين)
يشترط لجواز القصر للمسافر شروط أحدها أن يكون سفره مباحا لا حرج عليه فيه كسفر التجارة وهذا حكم سائر الرخص المختصة بالسفر كالجمع والمسح ثلثا والفطر والنافلة على الراحلة وهذا قول أكثر أهل العلم.
روي نحوه عن علي وابن عباس وابن عمر وبه قال الاوزاعي والشافعي واسحق وأهل المدينة واصحاب الرأي، وعن ابن مسعود لا تقصر إلا في حج أو جهاد لان الواجب لا يترك الا لواجب، وعن عطاء لا تقصر الا في سبيل من سبل الخير لان النبي صلى الله عليه وسلم انما قصر في سفر واجب أو مندوب ولنا قوله تعالى (فليس عليكم جناج أن تقصروا من الصلاة) وقالت عائشة ان الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر متفق عليه.
وعن ابن عباس قال فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة رواه مسلم.
وفي حديث صفوان بن عسال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين سفرا أن لا ننزع خفا قبل ثلاثة ايام ولياليهن رواه الترمذي، وهذه نصوص تدل على اباحة الترخص في كل سفر، وقد
كان النبي صلى الله عليه وسلم يترخص في العود من السفر وهو مباح * (فصل) * فأما سفر المعصية فلا تباح فيه هذه الرخص كالاباق وقطع الطريق والتجارة في الخمر ونحوه نص عليه أحمد وهذا قول الشافعي، وقال الثوري والاوزاعي له ذلك لما ذكرنا من النصوص ولانه مسافر أشبه المطيع ولنا قوله تعالى (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه) خص إباحة الاكل بغير الباغي والعادي فدل على أنه لا يباح للباغي والعادي وهذا في معناه ولان الترخص شرع للاعانة على المقصود المباح توصلا إلى المصلحة فلو شرع ها هنا لشرع اعانته على المحرم تحصيلا للمفسدة والشرع منزه عن هذا والنصوص وردت في حق الصحابة وكانت أسفارهم مباحة فلا يثبت الحكم فيما خالفهما ويتعين حمله على ذلك جمعا بين النصوص وقياس سفر المعصية على الطاعة لا يصح
* (فصل) * إذا غرب في الحد إلى مسافة القصر جاز له القصر وسائر الرخص، وكذلك إذا نفي قاطع الطريق لانه سفر لزمه بالشرع أشبه سفر الغزو، وقال ابن عقيل ويحتمل أن لا يقصر لانه سفر سببه المعصية أشبه سفر المعصية ولانه ليس بأحسن حالا من سفر النزهة وفيه روايتان فيخرج ها هنا مثله والاولى أولى ويمكن التفريق بين هذا وبين سفر المعصية لان ذلك تصح التوبة منه بخلاف هذا، وان هرب المدين من غرمائه وهو معسر قصر وان لم يكن معسرا والدين حال أو مؤجل يحل قبل مدة السفر احتمل وجهان ذكر هذا ابن عقيل أحدهما لا يقصر لانه سفر يمنع حقا واجبا عليه والثاني يقصر لانه نوع حبس فلا يتوجه عليه قبل المطالبة * (فصل) * فان عدم الماء في سفر المعصية لزمه التيمم لانه عزيمة وهل تلزمه الاعادة على وجهين (أحدهما) لا تلزمه لان التيمم عزيمة بدليل وجوبه والرخصة لا تجب (والثاني) عليه الاعادة لانه حكم يتعلق بالسفر أشبه بقية الرخص والاولى أولى لانه أتى بما أمر به فلم تلزمه الاعادة وفارق بقية الرخص لانه ممنوع منهما وهذا مأمور به فلا يمكنه تعدية حكمها إلى التيمم وقولهم إن ذلك مختص بالسفر ممنوع ويباح له المسح يوما وليلة لان ذلك يختص بالسفر أشبه الاستجمار وقيل لا يجوز لانه رخصة
فلم يبح كرخص السفر والاول أولى لما بينا * (فصل) * وإذا كان السفر مباحا فغير نيته إلى المعصية انقطع الترخص لزوال سببه ولو كان لمعصية فغير نيته إلى المباح في السفر، وتعتبر مسافة القصر من حين غير النية لان وجود ما مضى من سفره لا يؤثر في الاباحة فهو كعدمه فأما ان كان السفر مباحا لكنه يعصي فيه أبيح له الترخص لان السبب السفر وهو مباح وقد وجد فيثبت حكمه ولم تمنعه المعصية كما ان لمعصية في الحضر لا تمنع الترخص فيه * (فصل) * وفي سفر التنزه والتفرج روايتان (احداهما) يبيح الترخص وهو ظاهر كلام الخرقي لانه مباح فيدخل في عموم النصوص وقياس على سفر التجارة (والثانية) لا يترخص فيه لانه انما شرع إعانته على تحصيل المصلحة ولا مصلحة في هذا والاولى أولى
* (فصل) * فان سافر لزيارة القبور والمشاهد فقال ابن عقيل لا يباح له الترخص لانه منهي عن السفر إليها لقوله عليه السلام " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " متفق عليه قال شيحنا والصحيح اباحته وجوز الترخص فيه لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء راكبا وماشيا، وكان يزور القبور وقال " زورها تذكركم الآخرة " والحديث المذكور محمول على نفي الفضيلة لا على التحريم، وليست الفضيلة شرطا في إباحة القصر فلا يضر انتفاؤها * (فصل) * الشرط الثاني: أن تكون مسافة سفره ستة عشر فرسخا فما زاد، قال الاثرم قيل لابي عبد الله في حكم القصر للصلاة؟ قال في أربعة برد.
قيل له مسيرة يوم تام؟ قال لا أربعة برد ستة عشر فرسخا مسيرة يومين والفرسخ ثلاثة أميال، قال القاضي والميل اثنا عشر الف قدم وذلك مسيرة يومين قاصدين، وقد قدره ابن عباس من عسفان إلى مكة ومن الطائف إلى مكة ومن جده إلى مكة وذكر صاحب المسالك ان من دمشق إلى القطيفة أربعة وعشرين ميلا ومن دمشق إلى الكسوة اثنا عشر ميلا ومن الكسوة إلى جاسم أربعة وعشرون ميلا فعلى هذا تكون مسافة القصر يومين قاصدين، وهذا قول ابن عباس وابن عمر وهو مذهب مالك والليث والشافعي وإسحق.
وروي عن ابن عمر انه يقصر في مسيرة عشرة فراسخ حكاه ابن المنذر، وروي نحوه عن ابن عباس انه
قال يقصر في يوم ولا يقصر فيما دونه واليه ذهب الاوزاعي، قال ابن المنذر عامة العلماء يقولون مسيرة يوم تام وبه نأخذ.
وروي عن ابن مسعود انه يقصر في مسيرة ثلاثة أيام وبه قال الثوري وأبو حنيفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن " وهذا يقتضي أن كل مسافر له ذلك ولان الثلاثة متفق عليها وليس في ما دونها توقيف ولا اتفاق.
وروي عن جماعة من السلف ما يدل على جواز القصر في أقل من يوم.
فقال الاوزاعي كان أنس يقصر فيما بينه وبين خمسة فراسخ وكان قبيصة بن ذؤيب وهانئ بن كلثوم وابن محيريز يقصرون فيما بين الرملة وبيت المقدس، وروي عن علي رضي الله عنه انه خرج من قصره بالكوفة حتى أتى النخيلة فصلى بها الظهر والعصر ركعتين ثم رجع من يومه فقال أردت أن أعلمكم سننكم.
وروي أن دحية الكلبي خرج
من قرية من دمشق مرة إلى قدر ثلاثة أميال في رمضان ثم انه أفطر وأفطر معه أناس كثير، وكره آخرون أن يفطروا فلما رجع إلى قريته قال والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن اني أراه، إن قوما رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك للذين صاموا، رواه أبو داود.
وعن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخا قصر الصلاة رواه سعيد واحتج اصحابنا بقول ابن عباس وابن عمر يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد ما بين عسفان إلى مكة قال الخطابي وهو أصح الروايتين عن ابن عمر ولانها مسافة تجمع مشقة السفر من الحل والعقد فجاز القصر فيها كالثلاث ولم يجز فيما دونها لانه لم يثبت دليل بوجوب القصر فيه، وحديث أبي سعيد يحمل على انه عليه السلام كان إذا سافر سفرا طويلا قصر وإذا بلغ فرسخا قال شيخنا ولا أدري لما صار إليه الائمة حجة لان أقوال الصحابة مختلفة متعارضة ولا حجة فيها مع الاختلاف، ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه لوجهين: أحدهما انه مخالف للسنة التي رويناها ولظاهر القرآن، فان ظاهر القرآن إباحة القصر لمن ضرب في الارض.
فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم " يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن " فانما جاء لبيان أكثر مدة المسح فلا يصح الاحتجاج به
ها هنا، على انه يمكنه قطع المسافة القصيرة في ثلاثة أيام وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم سفرا فقال " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم " والثاني أن التقدير بابه التوقيف فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد لاسيما وليس له أصل يرد إليه ولا نظير يقاس عليه والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الاجماع على خلافه * (فصل) * وحكم سفر البر حكم سفر البحر إن بلغت مسافة القصر، وان شك في كون السفر مبيحا أو لا لم يبح لان الاصل عدمه ووجوب الاتمام، فان قصر لم تصح صلاته وان تبين له بعدها انه طويل لانه صلى مع الشك فلم تصح صلاته كما لو صلى شاكا في دخول الوقت * (فصل) * والاعتبار بالنية لا بالفعل فيعتبر أن ينوي مسافة القصر فلو خرج يقصد سفرا بعيدا فقصر الصلاة ثم بدا له فرجع كان ما صلاه صحيحا ولا يقصر في رجوعه إلا أن تكون مسافة الرجوع مبيحة بنفسها نص عليه أحمد، على هذا ولو خرج طالبا عبدا آبقا لا يعلم أين هو أو منتجعا غيثا أو كلا متى وجده أقام أو سائحا في الارض لا يقصد مكانا لم يبح له القصر وان سار أياما، وقال ابن عقيل يباح له القصر إذا بلغ مسافة القصر لانه سافر سفرا طويلا
ولنا انه لم يقصد مسافة القصر فلم يبح له كابتداء سفره ولانه سفر لم يبح القصر في ابتدائه فلم يبح في أثنائه إذا لم يغير نيته كالسفر القصير وسفر المعصية ومتى رجع هذا يقصد بلاد أو نوى مسافة القصر فله القصر لوجود النية المبيحة، ولو قصد بلدا بعيدا وفي عزمه انه متى وجد طلبته دونه رجع أو أقام لم يبح له القصر لانه لم يجزم بسفر طويل، وان كان لا يرجع ولا يقيم بوجوده فله القصر * (فصل) * ومن خرج إلى سفر مكرها كالاسير فله القصر إذا كان سفره بعيدا نص عليه أحمد وقال الشافعي لا يقصر لانه غيرنا وللسفر ولا جازم به، فان نيته متى أقلت رجع ولنا انه مسافر سفرا بعيدا غير محرم فأبيح له القصر كالمرأة مع زوجها والعبد مع سيده إذا كان عزمهما انه لو مات أو زال ملكهما رجعا، قياسهم منتقض بهذا إذا ثبت هذا فانه يتم إذا صار
في حصونهم نص عليه أيضا لانه قد انتقضى سفره، ويحتمل أن لا يلزمه الاتمام لان في عزمه انه متى أفلت رجع فهو كالمحبوس ظلما (الشرط الثالث) ان القصر يختص ابرباعية، فأما المغرب والصبح فلا قصر فيهما.
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن لا يقصر في صلاة المغرب والصبح وان القصر انما هو في الرباعية ولان الصبح ركعتان فلو قصرت صارت ركعة وليس في الصلاة ركعة إلا الوتر والمغرب وتر النهار فان قصر منها ركعة لم يبق وترا، وإن قصر ركعتان كان اجحافا بها واسقاطا لاكثرها * (مسألة) * (إذا جاوز بيوت قريته أو خيام قومه) وجملة ذلك انه ليس لمن نوى السفر القصر حتى يشرع في السفر بخروجه من بيوت قريته وهذا
قول الشافعي والاوزاعي واسحق.
وحكي ذلك عن جماعة من التابعين، وحكي عن عطاء وسليمان بن موسى انهما أباحا القصر في البلد لمن نوى السفر، وعن الحرث بن أبي ربيعة انه أراد سفرا فصلى بهم في منزله ركعتين وفيهم الاسود بن يزيد وغيره من أصحاب عبد الله، وروى عبيد بن جبير قال ركبت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط في شهر رمضان فدفع ثم قرب غداه فلم تجاوز البيوت حتى دعاه بالسفرة ثم قال اقترب، قلت ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل، رواه أبو داود ولنا قوله تعالى (وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) ولا يكون ضاربا حتى يخرج.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه انما كان يبتدئ القصر إذا خرج من المدينة، فروى أنس قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين متفق عليه.
فأما أبو بصرة فانه لم يأكل حتى دفع بدليل قول عبيد له ألست ترى البيوت وقوله لم يجاوز البيوت معناه لم يتعد منها إذا ثبت هذا فانه يجوز القصر، وإن كان قريبا قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للذي يريد السفر أن يقصر الصلاة إذا خرج من بيوت القرية التي يخرج منها.
وروي عن مجاهد انه قال إذا خرجت مسافرا فلا تقصر الصلاة يومك
ذلك الي الليل وإذا رجعت فلا تقصر ليلتك حتى تصبح، والآية تدل على خلاف قوله.
وروي ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من المدينة لا يزيد على ركعتين حتى يرجع إليها وقد ذكرنا حديث أبي بصرة، وقال البخاري خرج علي فقصر الصلاة وهو يرى البيوت فلما رجع قيل له هذه الكوفة.
قال لا حتى ندخلها * (فصل) * فإذا خرج من البلد وصار بين حيطان بساتينه فله القصر لانه قد ترك البيوت وراء ظهره، وان كان حول البلد خراب قد تهدم وصار فضاء أبيح القصر فيه كذلك وان كان حيطانه قائمة فكذلك قاله الآمدي، وقال القاضي لا يباح وهو مذهب الشافعي لان السكنى فيه ممكنة أشبه العامر ولنا انها غير معدة للسكنى أشبهت حيطان البساتين، وان كان في وسط البلد نهر فاجتازه فليس له القصر لانه لم يخرج من البلد ولم يفارق البنيان فأشبه الرحبة والميدان في وسط البلد، وإن كان للبلد محال كل محلة منفردة عن الاخرى كبغداد فمتى خرج من محلة أبيح له القصر إذا فارق محلته، وان كان بعضها متصلا ببعض لم يقصر حتى يفارق جميعا، ولو كانت قريتان متدانيتين واتصل بناء إحداهما بالاخرى فهما كالواحدة، وان لم يتصل فلكل قرية حكم نفسها * (فصل) * وحكم السفر من الخيام والحلل حكم السفر من القرى فيما ذكرنا متى فارق حلته قصر وان كانت حللا فلكل حلة حكم نفسها كالقرى، وإن كان بيته منفردا فحتى يفارق منزله ورحله
ويجعله وراء ظهره كالحضري.
وقال القاضي ان كان نازلا في واد وسافر في طوله فكذلك، وان سافر في عرضه فكذلك إن كن واسعا، وان كان ضيقا لم يقصر حتى يقطع عرض الوادي ويفارقه وقال ابن عقيل متى كانت حلته في واد لم يقصر حتى يفارقه، والاولى جواز القصر إذا فارق البنيان مطلقا لما ذكرنا من الادلة كما لو كان نازلا في الصحراء ولان المعنى المجوز للترخص وجود المشقة وذلك موجود في الوادي كوجوده في غيره * (مسألة) * (وهو أفضل من الاتمام وإن أتم جاز)
القصر أفضل من الاتمام في قول جمهور العلماء ولا نعلم أحدا خالف فيه إلا الشافعي في أحد قوليه قال الاتمام أفضل لانه أكثر عملا وعددا وهو الاصل فكان أفضل كغسل الرجلين.
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداوم على القصر، قال ابن عمر صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله متفق عليه.
ولما بلغ ابن مسعود أن عثمان صلى أربعا استرجع وقال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين ثم تفرقت بكم الطرق ولوددت أن حظي من أربع ركعتان متقبلتان.
وقد كره طائفة من الصحابة الاتمام فقال ابن عباس للذي قال له كنت أنم الصلاة وصاحبي يقصر: أنت الذي كنت تقصر وصاحبك يتم.
وروي أن رجلا سأل ابن عمر عن صلاة السفر فقال ركعتان فمن خالف السنة كفر ولانه إذا قصر أدى الفرض بالاجماع بخلاف الاتمام، وأما الغسل فلا نسلم انه أفضل من المسح * (فصل) * والاتمام جائز في المشهور عن أحمد وقد روي عنه انه توقف وقال أنا أحب العافية من هذا المسألة وقال مرة أخرى ما يعجبني، وممن روي عنه الاتمام في السفر عمر وابن مسعود وابن عمر وعائشة وبه قال الاوزاعي والشافعي وهو المشهور عن مالك، وقال حماد بن أبي سليمان ليس له
الاتمام في السفر وهو قول الثوري وأبي حنيفة، وأوجب حماد على من أتم الاعادة، وقال أصحاب الرأي إن كان جلس بعد الركعتين قدر التشهد فصلاته صحيحة وإلا فلا، وقال عمر بن عبد العزيز الصلاة في السفر ركعتان حتى لا يصلح غيرهما، واحتجوا بأن صلاة السفر ركعتان بدليل قول عائشة إن الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر متفق عليه.
وقال عمر رضي الله عنه صلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان وصلاة العيد ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وقد خاب من افترى رواه ابن ماجه، وسئل ابن عمر عن الصلاة في السفر فقال ركعتان فمن خالف السنة كفر ولان الركعتين الآخرتين يجوز تركهما إلى غير بدل فلم يجز زيادتهما على الركعتين المفروضتين كالزيادة على صلاة الفجر
ولنا قوله تعالى (فليس عليكم جناج أن تقصروا من الصلاة) وهذا يدل على أن القصر رخصة يتخير بين فعله وتركه كسائر الرخص وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث يعلى بن أمية " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " يدل على انه رخصة وليس بعزيمة، وقالت عائشة خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة في رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أفطرت وصمت وقصرت وأتمت قال " أحبسنت " رواه أبو داود الطيالسي ولانه لو ائتم بمقيم صلى أربعا والصلاة لا تزيد بالائتمام، وعن أنس قال - كنا أصحاب رسول الله - نسافر فيتم بعضنا ويقصر بعضنا ويصوم بعضنا ويفطر بعضنا فلا يعيب أحد على أحد وهذا إجماع منهم على جواز الامرين، فأما قول عائشة فرضت الصلاة ركعتين فانما أرادت أن ابتداء فرضها كان ركعتين ثم أتمت بعد الهجرة فصارت أربعا وكذلك كانت تتم الصلاة ولو اعتقدت ما أراده هؤلاء لم تتم.
وقول عمر تمام غير قصر أراد تمام فضلها ولم يرد انها غير مقصورة الركعتان لانه خلاف ما دلت عليه الآية والاجماع إذ الخلاف انما هو في القصر والاتمام، وقد ثبت برواية عن النبي صلى الله عليه
وسلم في حديث يعلى بن أمية انها مقصورة، ثم لو ثبت أن أصل الفرض ركعتان لم تمتنع الزيادة عليها كما لو ائتم بمقيم ويخالف زيادة ركعتين على صلاة الفجر فانه لا تجوز زيادتهما بحال * (مسألة) * (وإن أحرم في الحضر ثم سافر أو في السفر ثم أقام أو ذكر صلاة حضر في سفر أو صلاة سفر في حضر أو ائتم بمقيم أو بمن يشك فيه أو أحرم بصلاة يلزمه اتمامها ففسدت وأعادها أو لم القصر لزمه أن يتم، وقال أبو بكر لا يحتاج الجمع والقصر إلى نية) إذا أحرم بالصلاة في سفينة في الحضر فخرجت به في أثناء الصلاة أو أحرم في السفر فدخلت في أثناء الصلاة البلد لم يقصر لانها عبادة تختلف بالسفر والحضر فإذا أوجد أحد طرفها في الحضر غلب حكمه كالمسح * (فصل) * فأما إن سافر بعد دخول الوقت فقال أصحابنا يتم، وذكر ابن عقيل فيه روايتين احداهما يتم لانها وجبت في الحضر فلزمه اتمامها كما لو سافر بعد خروج وقتها، والثانية له قصرها وهو قول
مالك والشافعي وأصحاب الرأي وحكاه ابن المنذر اجماعا لانه سافر قبل خروج وقتها أشبها ما لو سافر قبل وجوبها وكلابس الخف إذا أحدث ثم سافر قبل المسح * (فصل) * وإن نسي صلاة حضر فذكرها في السفر وجبت عليه أربعا بالاجماع حكاه الامام أحمد وابن المنذر قال لانه قد اختلف فيه عن الحسن فروي عنه انه قال يصليها ركعتين وروي عنه كقول الجماعة لان الصلاة يتعين فعلها فلم يجز له النقصان من عددها كما لو لم يسافر، وأما إذا نسي صلاة سفر فذكرها في الحضر فقال أحمد في رواية الاثرم عليه الاتمام احتياطا وبه قال الاوزاعي وداود والشافعي في أحد قوليه وقال مالك والثوري وأصحاب الرأي يصليها صلاة سفر لانه انما يقضي ما فاته وهو ركعتان.
ولنا أن القصر رخصة من رخص السفر فبطلت بزواله كالمسح ثلاثا ولانها وجبت عليه في الحضر بدليل قوله عليه السلام " فليصلها إذا ذكرها " ولانها عبادة تختلف بالحضر والسفر
فإذا وجد أحد طرفيها في الحضر غلب حكمه كالسفينة إذا دخلت به البلد في أثناء الصلاة، وقياسهم ينتقض بالجمعة إذا فاتت وبالمتيمم إذا فاتته الصلاة فقضاها عند وجود الماء * (فصل) * وإذا ائتم المسافر بمقيم لزمه الائتمام سواء أدرك جميع الصلاة أو بعضها، وقال ابن أبي موسى فيه رواية انه إذا أحرم في آخر صلاته لا يلزمه أن يتم، قال الاثرم سألت أبا عبد الله عن المسافر يدخل في تشهد المقيمين قال يصلي أربعا، روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وجماعة من التابعين وبه قال الثوري والاوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقال إسحق للمسافر القصر لانها صلاة يجوز فعلها ركعتين فلم تزد بالائتمام كالفجر، وقال طاوس والشعبي في المسافر يدرك من صلاة المقيمين ركعتين تجزيان، وقال الحسن والنخعي والزهري وقتادة ومالك إن أدرك أتم وإن أدرك دونها قصر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة " ولان من أدرك من الجمعة ركعة أتمها جمعة ومن أدرك أقل من ذلك لا يلزمه فرضها ولنا ما روي انه قيل لابن عباس ما بال المسافر يصلي ركعتين في حال الانفراد وأربعا إذا ائتم بمقيم؟ فقال تلك السنة رواه الامام أحمد وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولانه فعل
من سمينا من الصحابة ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان اجماعا ولانها صلاة مردودة من أربع إلى ركعتين فلا يصليها خلف من يصلي الاربع كالجمعة وما ذكروه لا يصح عندنا فانه لا تصح له صلاة الفجر خلف من يصلي رباعية، وإدراك الجمعة يخالف ما نحن فيه فانه لو أدرك ركعة من الجمعة رجع إلى الركعتين وهذا بخلافه ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " انما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه " ومفارقة إمامه مع امكان متابعته اختلاف عليه * (فصل) * وإذا أحرم المسافرون خلف مسافر وأحدث واستخلف مسافرا فلهم القصر وإن استخلف مقيما لزمهم الاتمام لانهم ائتموا بمقيم، وللامام المحدث القصر لانه لم يأتم بمقيم ولو صلى
المسافرون خلف مقيم فأحدث واستخلف مسافرا أو مقيما لزمهم الاتمام لانهم ائتموا بمقيم فان استخلف مسافرا لم يكن معهم في الصلاة فله أن يصلي صلاة السفر لانه لم يأتم بمقيم * (فصل) * وإذا أحرم المسافر خلف من يشك فيه أو من يغلب على ظنه انه مقيم لزمه الاتمام وإن قصر امامه لان الاصل وجوب الائتمام فليس له نية قصرها مع الشك في وجوب اتمامها فلزمه الاتمام اعتبارا بالنية وهذا مذهب الشافعي، وان غلب على ظنه ان الامام مسافر بامارة آثار السفر فله أن ينوي القصر فان قصر امامه قصر معه وان أتم تابعه فيه وان نوى الاتمام لزمه الاتمام سواء قصر امامه أو أتم اعتبارا بالنية، وان نوى القصر فأحدث امامه قبل علمه بحاله فله القصر لان الظاهر ان امامه مسافر لوجود دليله وقد أتيحت له نية القصر بناء على هذا الظاهر ويحتمل أن يلزمه الاتمام احتياطا (فصل) وإذا صلى المسافر صلاة الخوف بمسافرين ففرقهم فرقتين فاحدث قبل مفارقة الطائفة الاولى واستخلف مقيما لزم الطائفتين الاتمام لانهم ائتموا بمقيم وإن كان ذلك بعد مفارقة الاولى اتمت الثانية وحدها لانها اختصت بموجبه، وإن كان الامام مقيما فاستخلف مسافرا ممن كان معه في الصلاة فعلى الجميع الاتمام لان المستخلف قد لزمه الاتمام باقتدائه بالمقيم فصار كالمقيم، وإن لم يكن دخل معه في الصلاة وكان استخلافه قبل مفارقة الاولى فعليها الاتمام لائتمامها بمقيم وكقصر الامام والطائفة الثانية وإن استخلف بعد دخول الثانية فعلى الجميع الاتمام وللمستخلف
القصر وحده لانه لم يأتم بمقيم (فصل) وإذا صلى مقيم ومسافر خلف مسافر اتم المقيم إذا سلم امامه وذلك اجماع، وقد روى عمران بن حصين قال: شهدت الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام ثماني عشرة ليلة لا يصلي
الا ركعتين ثم يقول لاهل البلد " صلوا أربعا فانا سفر " رواه أبو داود، ولان الصلاة واجبة عليه أربعا فلم يسقط شئ منها كما لو لم يأتم بالمسافر ويستحب أن يقول الامام للمقيمين اتموا فانا سفر كما في الحديث، ولئلا يلتبس على الجاهل عدد ركعات الصلاة، وقد روى الاثرم عن الزهري أن عثمان انما أتم لان الاعراب حجوا فأراد ان يعرفهم أن الصلاة أربع (فصل) وإذا أم المسافر المقيمين فأتم بهم الصلاة فصلاتهم تامة، وبهذا قال الشافعي واسحاق وقال الثوري وأبو حنيفة: تفسد صلاة المقيمين وتصح صلاة الامام والمسافرين معه، وعن احمد نحوه قال القاضي: لان الركعتين الآخرتين نفل من الامام ولا يؤم بها مفترضين ولنا أن المسافر يلزمه الاتمام بنيته فيكون الجميع واجبا، ثم لو كانت نفلا فائتمام المفترض بالمتنفل صحيح على ما مضى (فصل) وإن أم مسافر مسافرين فنسي فصلاها تامة صحت صلاة الجميع ولا يلزمه سجود سهو لانها زيادة لا يبطل عمدها الصلاة فلا يجب السجود لسهوها كزيادات الاقوال، وهل يشرع السجود يخرج على روايتين فيما إذا قرأ في الركوع والسجود، وقال ابن عقيل لا يحتاج إلى سجود لانه أتى بالاصل ولنا أن هذا زيادة نقضت الفضيلة وأخلت بالكمال أشبهت القراءة في غير محلها كقراءة السورة في الاخيرتين، فإذا ذكر الامام بعد قيامه إلى الثالثة لم يلزمه الاتمام وله أن يجلس، فان الموجب للاتمام نيته أو الائتمام بمقيم ولم يوجد واحد منهما، وإن علم المأموم أن قيامه لسهو لم يلزمه متابعته
ويسبحون له لانه سهو فلا يجب اتباعه فيه ولهم مفارقته إن لم يرجع كما لو قام إلى ثالثة في الفجر وإن
تابعوه لم تبطل صلاتهم لانها زيادة لا تبطل صلاة الامام فلا تبطل صلاة المأموم بمتابعته فيها كزيادات الاقوال.
وقال القاضي: تفسد صلاتهم لانهم زادوا ركعتين عمدا، وإن لم يعلموا هل قاموا سهوا أو عمدا لزمهم متابعته لان وجوب المتابعة ثابتة فلا تزول بالشك (فصل) وإذا أحرم بصلاة يلزمه اتمامها مثل ان نوى الاتمام أو ائتم بمقيم فسدت الصلاة وأراد اعادتها لزمه الاتمام لانها وجبت عليه تامة بتلبسه بها خلف المقيم ونية الاتمام وهذا قول الشافعي، وقال الثوري وأبو حنيفة إذا فسدت صلاة الامام عاد المسافر إلى القصر ولنا أنها وجبت بالشروع فيها تامة فلم يجز له قصرها كما لو لم تفسد (فصل) ومن لم ينو القصر لزمه الاتمام لان نية القصر شرط في جوازه ويعتبر وجودها عند أول الصلاة كنيتها كذلك ذكره الخرقي والقاضي، وقال أبو بكر لا يحتاج الجمع والقصر إلى نية لان من خير في العبادة قبل الدخول فيها خير بعد الدخول فيها كالصوم، ولان القصر هو الاصل بدليل خبر عائشة وعمر وابن عباس فلا يحتاج إلى نية كالاتمام في الحضر، ووجه الاول أن الاتمام هو الاصل على ما ذكرنا، وقد أجبنا عن الاخبار المذكورة واطلاق النية ينصرف إلى الاصل ولا ينصرف
عنه إلا بتعيين ما يصرف إليه كما لو نوى الصلاة مطلقا ولم ينو اماما ولا مأموما فانه ينصرف إلى الانفراد إذ هو الاصل والتفريع على هذا القول، فلو شك في أثناء صلاته هل نوى القصر في ابتدائها أو لا ألزمه الاتمام؟ احتياطا لان الاصل عدم النية، فان ذكر بعد ذلك أنه قد نوى القصر لم يجز له القصر لانه قد لزمه الاتمام فلم يزل (فصل) ومن نوى القصر ثم نوى الاتمام أو نوى ما يلزمه به الاتمام من الاقامة وسفر المعصية أو نوى الرجوع ومسافة رجوعه لا يباح فيها القصر ونحو هذا لزمه الاتمام ولزم من خلفه متابعته وبهذا قال الشافعي وقال مالك: لا يجوز له الاتمام لانه نوى عددا وإذا زاد عليه حصلت الزيادة بغير نية ولنا أن نية صلاة الوقت قد وجدت وهي أربع، وانما أبيح ترك ركعتين رخصة، فإذا أسقط نية الترخص صحت الصلاة بنيتها ولزمه الاتمام ولان الاتمام الاصل، وانما أبيح تركه يشرط
فإذا زال الشرط عاد الاصل إلى حاله (فصل) وإذا قصر المسافر معتقدا تحريم القصر لم تصح صلاته لانه فعل ما يعتقد تحريمه فلم يقع مجزئا كمن صلى ويعتقد انه محدث ولان نية التقرب بالصلاة شرط وهذا يعتقد أنه عاص فلم تصح نية التقرب * (مسألة) * (ومن له طريقان بعيد وقريب فسلك البعيد أو ذكر صلاة سفر في آخر فله القصر) إذا كان لسفره طريقان يباح القصر في أحدهما لبعده دون الآخر فسلك البعيد ليقصر الصلاة
فيه أو لغير ذلك أبيح له القصر لانه مسافر سفرا بعيدا مباحا فأبيح له القصر كما لو لم يجد سواه وكما لو كان الآخر مخوفا أو شاقا.
وقال ابن عقيل إن سلك الابعد لرفع أذية واختلاف نفع قصر قولا واحدا وإن كان لا لغرض صحيح خرج على الروايتين في سفر التنزه وقد ذكرنا توجيههما (فصل) وإن نسي الصلاة في سفر وذكرها فيه قضاها مقصورة لانها وجبت في السفر وفعلت فيه أشبه ما لو صلاها في وقتها، وإن ذكرها في سفر آخر فكذلك لما ذكرنا وسواء ذكرها في الحضر أو لم يذكرها ويحتمل أنه إذا ذكرها في الحضر لزمته تامة لانه وجب عليه فعلها تامة بذكره إياها فبقيت في ذمته ويحتمل أن يلزمه اتمامها إذا ذكرها في سفر آخر سواء ذكرها في الحضر أو لا لان الوجوب كان ثابتا في ذمته في الحضر، والاولى أولى لان وجوبها وفعلها في السفر فكانت صلاة سفر كما لو لم يذكرها في الحضر.
وذكر بعض أصحابنا أن من شرط القصر كون الصلاة مؤداة لانها صلاة مقصورة فاشترط لها الوقت كالجمعة وهذا فاسد لانه اشترط بالرأي والتحكم ولم يرد الشرع به والقياس على الجمعة لا يصح فان الجمعة لا تقضي ويشترط لها الخطبتان والعدد والاستيطان فجاز أن يشرط لها الوقت بخلاف هذه * (مسألة) * (وإذا نوى الاقامة ببلد أكثر من احدى وعشرين صلاة اتم وإلا قصر) المشهور عن احمد رحمه الله أن المدة التي يلزم المسافر الاتمام إذا نوى الاقامة فيها ما كان أكثر
من احدى وعشرين صلاة رواه الاثرم وغيره وهو الذي ذكره الخرقي، وعنه إن نوي الاقامة أكثر
من أربعة أيام اتم حكى هذه الرواية أبو الخطاب وابن عقيل.
وعنه إذا نوى اقامة أربعة أيام اتم وإلا قصر، وهذا قولل مالك والشافعي وأبي ثور وروي عن عثمان رضي الله عنه وعن سعيد ابن المسيب أنه قال: إذا أقمت أربعا فصل أربعا لان الثلاث حد القلة لقوله عليه السلام " يقيم المسافر بعد قضاء نسكه ثلاثا " فدل أن الثلاث في حكم السفر وما زاد في حكم الاقامة.
وقال الثوري وأصحاب الرأي ان أقام خمسة عشر يوما مع اليوم الذي يخرج فيه اتم، فان نوى دونه قصر، ويروى ذلك عن ابن عمر وسعيد بن جبير والليث بن سعد لما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا: إذا قدمت وفي نفسك أن تقيم بها خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة ولا يعرف لهما مخالف، وروي عن علي رضي الله عنه قال يتم الصلاة الذي يقيم عشرا ويقصر الذي يقول أخرج اليوم أخرج غدا شهرا، وعن ابن عباس انه قال يقصر إذا أقام تسعة عشر يوما ويتم إذا زاد لان النبي صلى الله عليه وسلم أقام في بعض أسفاره تسعة عشر يصلى ركعتين، قال ابن عباس فنحن إذا أقمنا تسعة عشر نصلي ركعتين وإن زدنا على ذلك أتممنا رواه البخاري، وقال الحسن صل ركعتين ركعتين إلا أن تقدم مصرا فأتم الصلاة وصم، وقالت عائشة إذا وضعت الزاد والمزاد فأتم الصلاة وكان طاوس إذا قدم مكة صلى أربعا ولنا ما روى أنس قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فصلى ركعتين حتى
رجع وأقام بمكة عشرا يقصر الصلاة متفق عليه.
وذكر أحمد حديث جابر وابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة لصبح رابعة فأقام النبي صلى الله عليه وسلم اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الفجر بالابطح يوم الثامن فكان يقصر الصلاة في هذه الايام وقد أجمع على اقامتها قال فإذا أجمع أن يقيم كما أقام النبي صلى الله عليه وسلم قصر وإذا أجمع على أكثر من ذلك أتم، قال الاثرم وسمعت أبا عبد الله يذكر حديث أنس في الاجماع على الاقامة للمسافر فقال هو كلام ليس يفقهه كل أحد، فقوله أقام النبي صلى الله عليه وسلم عشرا يقصر الصلاة وقال قدم النبي صلى الله عليه وسلم لصبح رابعة وخامسة وسابعة ثم قال ثامنة يوم التروية وتاسعة وعاشرة فانما وجه حديث أنس انه حسب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ومنى وإلا فلا وجه له عندي غير هذا، فهذه
أربعة أيام وصلاة الصبح بها يوم التروية تمام إحدى وعشرين صلاة يقصر وهي تزيد على أربعة أيام وهو صريح في خلاف قول من حده بأربعة أيام، وقول أصحاب الرأي: لا يعرف لهما مخالف في الصحابة لا يصح، لانا قد ذكرنا الخلاف فيه عنهم، وحديث ابن عباس في إقامة النبي صلى الله عليه وسلم تسعة عشر، وجهه أن النبي صلى الله عليه لم يجمع الاقامة.
قال أحمد قام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح ثماني عشرة لانه أراد حنينا ولم يكن تم اجماع المقام، وهذه إقامته التي رواها ابن عباس وهو دليل على خلاف قول عائشة والحسن والله أعلم
* (فصل) * ومن قصد بلدا بعينه فوصله غير عازم على إقامة به مدة تقطع حكم سفره فله القصر فيه لان النبي صلى الله عليه وسلم كان في أسفاره يقصر حتى يرجع وحين قدم مكة كان يقصر فيها، ولا فرق بين أن يقصد الرجوع إلى بلده كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على ما في حديث أنس وبين أن يريد بلدا آخر كما فعل عليه السلام في غزوة الفتح كما في حديث ابن عباس * (فصل) * وإذا مر في طريقه على بلدا له فيه أهل أو مال فقال أحمد في موضع يتم وقال في موضع لا يتم إلا أن يكون مارا وهذا قول ابن عباس، وقال مالك يتم إذا أراد أن يقيم بها يوما وليلة، وقال الشافعي وابن المنذر يقصر ما لم يجمع على اقامة اربع لانه مسافر ولنا ما روي عن عثمان انه صلى بمنى أربع ركعات فأنكر الناس عليه، فقال يا أيها الناس إني تأهلت بمكة منذ قدمت وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول من تأهل ببلد فليصل صلاة المقيم " رواه أحمد في المسند، وقال ابن عباس إذا قدمت على أهل لك أو مال فصل صلاة المقيم، ولانه مقيم ببلد له فيه أهل ومال أشبه البلد الذي سافر منه * (فصل) * قال أحمد من كان مقيما بمكة ثم خرج إلى الحج وهو يريد أن يرجع إلى مكة فلا يقيم بها فهذا يصلي ركعتين بعرفة لانه حين خرج من مكة أنشأ السفر إلى بلده ليس على أن عرفة سفره فهو في سفر من حين خرج من مكة، ولو ان رجلا كان مقيما ببغداد فأراد الخروج إلى الكوفة
فعرضت له حاجة بالنهروان ثم رجع فمر ببغداد ذاهبا إلى الكوفة صلى ركعتين إذا كان يمر ببغداد مجتازا لا يريد الاقامة بها، وإن كان الذي خرج إلى عرفة في نيته الاقامة بمكة إذا رجع لم يقصر بعرفة وكذلك أهل مكة لا يقصرون، وإن صلى خلف رجل مكي يقصر الصلاة بعرفة ثم قام بعد صلاة الامام فأضاف إليها ركعتين آخرتين صحت صلاته لانه المكي يقصر بتأويل فصحت صلاة من يأتم به * (فصل) * وإذا خرج المسافر فذكر حاجة فرجع إليها فله القصر في رجوعه إلا أن يكون نوى أن يقيم إذا رجع مدة يقطع القصر ويكون في البلد أهله وماله لما ذكرنا وقول أحمد في الرواية الاخرى أتم إلا أن يكون مارا يقتضي انه إذا قصد أخذ حاجته والرجوع من غير اقامة انه يقصر، وقال الشافعي يقصر ما لم ينو الاقامة أربعا، وقال الثوري ومالك يتم حتى يخرج فاصلا الثانية.
ولنا انه ثبت له حكم السفر بخروجه ولم يوجد اقامة نقطع حكمه فأشبه ما لو أنى قرية غير التي خرج منها * (مسألة) * (وإن أقام لقضاء حاجة أو حبس ولم ينو لاقامة قصر أبدا) وجملة ذلك أن من لم يجمع على اقامة تقطع حكم السفر على ما ذكرنا من الخلاف فله القصر ولو أقام سنين كمن يقيم لقضاء الحاجة يرجو انجاحها أو جهاد عدو أو حبسه سلطان أو مرض وسواء غلب على ظنه انقضاء حاجته في مدة يسيرة أو كثيرة وبعد أن يحتمل انقضاؤها في مدة لا ينقطع حكم
السفر بها.
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم ان للمسافر أن يقصر ما لم يجمع على اقامة ولو أتى عليه سنون والاصل فيه ما روى ابن عباس قال أقام النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره تسعة عشر يصلي ركعتين رواه البخاري، وقال جابر أقام النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عشرين يوما يقصر الصلاة رواه الامام أحمد في المسند، وروى سعيد باسناده عن المسور بن مخرمة قال أقمنا سعد ببعض قرى الشام اربعين ليلة يقصرها سعد ونتمها، وقال نافع أقام ابن عمر باذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين حبسه الثلج.
وقال أنس أقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم برامهز سبعة أشهر يقصرون الصلاة، وعن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال أقمت معه بكابل سنتين نقصر الصلاة ولا نجمغ *
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: