الفقه الحنبلي - السنن - سجدة التلاوة - المسبوق - الامامة
(فصل) وتجوز ركعتا الطواف بعده في هذين الوقتين، وممن طاف بعد الصبح والعصر وصلى ركعتين ابن عمر وابن الزبير وابن عباس والحسن والحسين ومجاهد والقاسم بن محمد، وفعله عروة
بعد الصبح وهو قول الشافعي وأبي ثور، وقال أبو حنيفة ومالك لا يجوز لعموم أحاديث النهي، ولنا ما روى جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار " ورواه الاثرم والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ولان ركعتي الطواف تابعة له فإذا أبيح المتبوع ابيح التبع وحديثهم مخصوص بالفوائت وحديثنا لا تخصيص فيه فيكون اولى، وهل يجوز في الثلاثة الباقية؟ فيه روايتان (احداهما) يجوز لما ذكرنا وهو مذهب الشافعي وأبي ثور (والثانية) لا يجوز لحديث عقبة بن عامر ولتأكد النهي في هذه الاوقات الثلاثة وقصرها وكونها لا يشق تأخير الركوع للطواف فيها بخلاف غيرها (فصل) ويجوز اعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجد أو دخل وهم يصلون بعد الفجر والعصر
وهذا قول الحسن والشافعي، واشترط القاضي لجواز الاعادة ههنا أن يكون مع إمام الحي، ولم يفرق هنا بين إمام الحي وغيره ولا بين المصلي جماعة أو فرادى، وهو ظاهر قول الخرقي، وكلام احمد يدل على هذا أيضا.
قال الاثرم: سألت أبا عبد الله عمن صلى في جماعة ثم دخل المسجد وهم يصلون أيصلي معهم؟ قال: نعم، وقال أبو حنيفة: لا تعاد الفجر ولا العصر في وقت النهي لعموم النهي ولنا ما روى جابر بن يزيد بن الاسود عن أبيه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة فصليت معه صلاة الفجر في مسجد الخيف وأنا غلام شاب، فلما قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه فقال " علي بهما " فأتي بهما ترتعد فرائصهما فقال " ما منعكما أن تصليا معنا؟ " فقالا: يا رسول الله قد صلينا في رحالنا قال " لا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فانها لكما نافلة " رواه أبو داود والاثرم والترمذي، وهذا صريح في إعادة الفجر والعصر مثلها.
والحديث باطلاقه يدل على الاعادة سواء كان مع إمام الحي أو غيره، وسواء صلى وحده أو في جماعة، وهل يجوز في الاوقات الباقية؟ على روايتين (احداهما) يجوز لما روى أبو ذر قال: ان خليلي يعني النبي صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أصلي الصلاة لوقتها وقال " فإذا أدركتها معهم فصل
معهم فانها لك نافلة " رواه مسلم، وقياسا على الوقتين الآخرين (والثانية) لا يجوز لحديث عقبة بن عامر ولما بينها وبين هذين الوقتين من الفرق (مسألة) (ولا يجوز التطوع بغيرها في شئ من الاوقات الخمسة الا ماله سبب كتحية المسجد وسجود التلاوة، وصلاة الكسوف، وقضاء السنن الراتبة فانها على روايتين) أراد بغير ما ذكر من الصلوات وهي صلاة الجنازة، وركعتا الطواف، وإعادة الجماعة، وليس في المذهب خلاف نعلمه في أنه لا يجوز أن يبتدئ في هذه الاوقات تطوعا لا سبب له وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي، وقال ابن المنذر: رخصت طائفة في الصلاة بعد العصر يروى ذلك عن علي والزبير وابنه وتميم الداري والنعمان ابن بشير وأبي أيوب الانصاري وعائشة رضي الله عنهم وجماعة من أهل العلم سواهم.
وروي عن أحمد أنه قال: لا نفعله ولا نعيب فاعله لقول عائشة ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط، وقولها وهم عمر انما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس أو غروبها.
رواه مسلم، وقول علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا صلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة "
ولنا الاحاديث المذكورة وهي صحيحة صريحة، وروى أبو بصرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر بالمخمص فقال " إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد " رواه مسلم، وهذا خاص في محل النزاع.
وأما حديث عائشة فقد روى عنها ذكوان مولاها أنها حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها.
رواه أبو داود، وعن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما ثم رأيته يصليهما وقال " يا بنت ابن أبي أمية إنه أتاني ناس من عبد القيس بالاسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان " رواهما مسلم، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم انما فعله لسبب وهو قضاء ما فات من السنة، وأنه نهى عن الصلاة بعد العصر كما رواه غيرهما، وحديث عائشة يدل على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ونهيه غيره وهو حجة على من خالف ذلك، فان النزاع في غير النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت ذلك من غير معارض
له وقولها وهم عمر قد أجبنا عنه (فصل) فاما ماله سبب فالمنصوص عن أحمد رضي الله عنه في الوتر أنه يفعل بعد طلوع الفجر
قبل الصلاة، روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وحذيفة وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم، وبه قال مالك والثوري والاوزاعي والشافعي.
وروي عن علي رضى الله عنه أنه خرج بعد طلوع الفجر فقال: نعم هذه ساعة الوتر.
وقد روي عن أبي موسى أنه سئل عن رجل لم يوتر حتى أذن المؤذن فقال: لا وتر له وأنكر ذلك عطاء والنخعي وسعيد بن جبير وهو قول أبي موسى لعموم النهي ولنا ما روى أبو بصرة الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح الوتر " رواه الاثرم، واحتج به أحمد وأحاديث النهي ليست صريحة في النهي قبل صلاة الفجر كما حكينا متقدما وقد روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نام عن الوتر فليصله إذا أصبح " رواه ابن ماجه.
إذا ثبت هذا فانه لا ينبغي أن يتعمد ترك الوتر حتى يصبح لهذا الخبر ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " فإذا خشي أحدكم الصبح فليصل ركعة توتر له ما قد صلى " متفق عليه، وقال مالك ما فاتته صلاة الليل فله أن يصلي بعد الصبح قبل ان يصلي الصبح وحكاه ابن ابي موسى في الارشاد مذهبا لاحمد قياسا على الوتر ولان هذا الوقت لم يثبت النهي فيه صريحا فكان حكمه خفيفا (فصل) فاما سجود التلاوة وصلاة الكسوف وتحية المسجد فالمشهور في المذهب انه لا يجوز فعلها في شئ من اوقات النهي وكذلك قضاء السنن الراتبة في الاوقات الثلاثة المذكورة في حديث
عقبة بن عامر ذكره الخرقي في سجود التلاوة وصلاة الكسوف، وقال القاضي في ذلك روايتان أصحهما أنه لا يجوز وهو قول أصحاب الرأي (والثانية) يجوز وهو قول الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين " متفق عليه، وقال في الكسوف " فإذا رأيتموها فصلوا "
وهذا خاص في هذه الصلاة فيقدم على النهي العام ولانها صلوات ذوات سبب أشبهت ما ثبت جوازه ولنا أن كل واحد خاص من وجه إلا أن النهي للتحريم والامر للندب وترك المحرم أولى من فعل المندوب (فصل) فأما قضاء السنن الراتبة في الوقتين الآخرين فالصحيح أن ركعتي الفجر تقضى بعدها لان أحمد قال: أنا أختار أن يقضيهما مع الضحى وإن صلاهما بعد الفجر أجزأه لما روى قيس بن فهد قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي ركعتي الفجر بعد صلاة الفجر فقال: " ما هاتان الركعتان يا قيس؟ " قلت يا رسول الله لم أكن صليت ركعتي الفجر فهما هاتان، رواه الامام أحمد وأبو داود والترمذي وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز، وفيه رواية أخرى لا يجوز ذلك وهو قول أصحاب الرأي لعموم أحاديث النهي.
ولما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس " رواه الترمذي وحديث قيس مرسل قاله أحمد والترمذي وإذا
كان الامر هكذا كان تأخيرهما إلى وقت الضحى أحسن ليخرج من الخلاف ولا يخالف عموم الحديث وإن فعلهما جاز لان هذا الخبر لا يقصر عن الدلالة على الجواز، والصحيح أن السنن الراتبة تقضى بعد العصر لان النبي صلى الله عليه وسلم فعله فانه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر في حديث أم سلمة الذي ذكرناه والاقتداء بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم متعين، ولان النهي بعد العصر خفيف لما روي في خلافه من الرخصة.
وقول عائشة إنه كان ينهى عنها معناه والله أعلم أنه ينهى عنها لغير هذا السبب أو كان يفعلها على الدوام وهذا مذهب الشافعي، وفيه رواية أخرى لا يجوز وهو قول أصحاب الرأي لعموم النهي والاخذ بالحديث الخاص أولى (فصل) ولا فرق بين مكة وغيرها في المنع من التطوع في أوقات النهي، وقال الشافعي لا يمنع لما ذكرنا من حديث جبير بن مطعم ولما روى أبو ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يصلين أحد بعد الصبح إلى طلوع الشمس ولا بعد العصر إلى أن تغيب الشمس إلا بمكة قال ذلك ثلاثا " رواه الدار قطني، ولنا عموم النهي ولانه معنى يمنع الصلاة فاستوت فيه مكة وغيرها
لما ذكرنا من حديث جبير بن مطعم ولما روى أبو ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يصلين أحد بعد الصبح إلى طلوع الشمس ولا بعد العصر إلى أن تغيب الشمس إلا بمكة قال ذلك ثلاثا " رواه الدار قطني، ولنا عموم النهي ولانه معنى يمنع الصلاة فاستوت فيه مكة وغيرها كالحيض وحديث جبير أراد به ركعتي الطواف وحديث أبي ذر يرويه عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف قال (3) يحيى بن معين (فصل) ولا فرق في وقت الزوال بين يوم الجمعة وغيره ولا بين الشتاء والصيف كان عمر بن الخطاب ينهى عنه، وقال ابن مسعود كنا ننهى عن ذلك يعني يوم الجمعة ورخص فيه الحسن وطاوس
__________
3) لعل الاصل:
والاوزاعي والشافعي واسحاق في يوم الجمعة لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة.
رواه أبو داود، ولان الناس ينتظرون الجمعة في هذا الوقت وليس عليهم قطع النوافل وأباحه عطاء في الشتاء دون الصيف لان ذلك الوقت حين تسجر جهنم ولنا عموم أحاديث النهي وهي عامة في يوم الجمعة وغيره وفي الصيف والشتاء، ولانه وقت نهي فاستوى فيه يوم الجمعة وغيره كسائر الاوقات وحديثهم في اسناده ليث وهو ضعيف وهو مرسل أيضا وقولهم انهم ينتظرون الجمعة قلنا إذا علم وقت النهي فليس له أن يصلي وإن شك فله أن يصلي حتى يعلم لان الاصل الاباحة فلا تزول بالشك ونحو هذا قال مالك والله أعلم (تم طبع الجزء الاول..) ع 9
الشرح الكبير - عبدالرحمن بن قدامه ج 2
الشرح الكبير
عبدالرحمن بن قدامه ج 2
الشرح الكبير على متن المقنع، تأليف الشيخ الامام (شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد ابن قدامة المقدسي) المتوفى سنة 682 ه كلاهما على مذهب امام الائمة (ابي عبد الله احمد بن محمد بن حنبل الشيباني) مع بيان خلاف سائر الائمة وأدلتهم رضي الله عنهم (الجزء الثاني) (تنبيه) وضعنا كتاب المغني في اعلى الصحائف والشرح الكبير في ادناها مفصولا بينهما بخط عرضي دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين * (باب صلاة الجماعة) * * (مسألة) * (وهي واجبة للصلوات الخمس على الرجال لا شرطا) الجماعة واجبة على الرجال المكلفين لكل صلاة مكتوبة، روي نحو ذلك عن ابن مسعود وأبي موسى وبه قال عطاء والاوزاعي وأبو ثور، وقال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي لا تجب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة " متفق عليه ولان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على اللذين قالا قد صلينا في رحالنا ولو كانت واجبة لانكر عليهما، ولانها لو كانت واجبة لكانت شرطا لها كالجمعة ولنا قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) الآية ولو لم تكن واجبة لرخص فيها حالة الخوف ولم يجز الاخلال بواجبات الصلاة من أجلها وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب ليحطب (1) ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم " متفق عليه، وفيه ما يدل على انه أراد الجماعة لانه لو أراد الجمعة لما هم بالتخلف عنها، وعن أبي هريرة قال أتى النبي صلى الله
__________
(1) بدون تاء وفي المغني بالتاء وهما روايتان من عدة روايات للبخاري
عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأله أن يرخص له أن يصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال " أتسمع النداء بالصلاة؟ " قال نعم قال " فأجب " رواه مسلم.
وإذا لم يرخص للاعمى الذي لا قائد له فغيره أولى قال ابن المنذر وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن أم مكتوم " لا أجد لك رخصة " يعني في التخلف عن الجماعة.
وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من ثلاثة في قرية أو بلد لا تقام فيه الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فان الذئب يأكل القاصية " وفي حديث مالك ابن الحويرث " إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما " ولمسلم " إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم " أمر وظاهر الامر الوجوب * (فصل) * وليست شرطا لصحة الصلاة نص عليه أحمد وقال ابن عقيل تشترط في أحد الوجهين قال وهو الصحيح عندي لما ذكرنا من الادله.
قال شيخنا وهذا ليس بصحيح للحديثين اللذين ذكرناهما في حجة الخصم ولا نعلم أحدا قال بوجوب الاعادة على من صلى وحده إلا أنه قد روي عن جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود انهم قالوا: من سمع الندا من غير عذر فلا صلاة له * (فصل) * وتنعقد باثنين فصاعدا بغير خلاف علمناه لما روى أبو موسى ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال " الاثنان فما فوقهما جماعة " رواه ابن ماجه ولحديث مالك بن الحويرث، وقد أم النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس مرة وحذيفة مرة ولو أم الرجل عبده أو زوجته أدرك فضيلة الجماعة وإن أم صبيا جاز في التطوع لان النبي صلى الله عليه وسلم أم ابن عباس وهو صبي وإن أمه في الفرض فقال أحمد لا تنعقد به الجماعة لانه لا يصلح أن يكون إماما فيها وعنه يصح ذكرها الآمدي كما لو أم بالغا متنفلا * (مسألة) * (وله فعلها في بيته في أصح الروايتين).
ويجوز فعل الجماعة في البيت والصحراء في الصحيح من المذهب وعنه أن حضور المسجد واجب على القريب منه لانه روي عن النبي صلى الله
عليه وسلم انه قال " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " جعلت لي الارض مسجدا وطهورا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل " متفق عليه والحديث الذي ذكروه لا نعرفه إلا من قول علي نفسه كذلك رواه سعيد والظاهر انه انما أراد الجماعة فعبر بالمسجد عنها لانه محلها ويجوز أن يكون أراد الكمال والفضيلة فان الاخبار الصحيحة دالة على صحة الصلاة في غير المسجد والله أعلم * (فصل) * ويستجب لاهل الثغر الاجتماع في مسجد واحد لانه أعلى للكلمة وأوقع للهيبة فإذا جاءهم خبر عن عدوهم سمع جميعهم، وكذلك إذا أرادوا التشاور في أمر، وإن جإ عين للكفار أخبر بكثرتهم.
قال الاوزاعي لو كان الامر الي لسمرت أبواب المساجد التي للثغور ليجتمع الناس في مسجد واحد.
* (مسألة) * (والافضل لغيرهم الصلاة في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره) لانه يعمره
باقامة الجماعة فيه ويحصلها لمن يصلي فيه فيحصل له ثواب عمارة المسجد ويحضلها لمن لا يصلي فيه وذلك معدوم في غيره، وكذلك إن كانت تقام فيه مع غيبته إلا ان في قصد غيره كسر قلب إمامه وجماعته فجبر قلوبهم أولى * (مسألة) * (ثم ما كان أكثر جماعة ثم في المسجد العتيق) فان عدم ما ذكرنا في المسألة التي قبلها ففعلها فيما كان أكثر جماعة أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى " رواه الامام أحمد في المسند فان تساويا في الجماعة فالمسجد العتيق أفضل لان الطاعة فيه أسبق والعبادة فيه أكثر.
وذكر أبو الخطاب أن فعلها في المسجد العتيق أفضل وان قل الجمع فيه لذلك والاول أولى لما ذكرنا من الحديث * (مسألة) * (وهل الاولى قصد الابعد أو الاقرب) على روايتين.
إحداهما قصد الابعد أفضل لتكثر خطاه في طلب الثواب فتكثر حسناته ولما روى أبو موسى قال قال النبي صلى الله عليه
وسلم " أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى " رواه البخاري والثانية قصد الاقرب لان له جوارا فكان أحق بصلاته كما أن الجار أحق بهدية جاره ومعروفه لقوله عليه السلام " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " * (مسألة) * (ولا يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا باذنه) لان الامام الراتب بمنزلة صاحب البيت وهو أحق لقوله عليه السلام " لا يؤمن الرجل الرجل في بيته إلا باذنه " وقد روي عن ابن عمر انه أتى أرضا وعندها مسجد يصلي فيه مولى لابن عمر فصلى معهم فسألوه أن يصلي بهم فأبى وقال صاحب المسجد أحق، إلا أن يتأخر لعذر فيصلي غيره لان أبا بكر صلى حين غاب النبي صلى الله عليه وسلم وفعل ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أحسنتم " * (مسألة) * (فان لم يعلم عذره انتظر وروسل) إلا أن يخشى خروج الوقت فيقدم غيره لئلا يفوت الوقت
* (مسألة) * (فان صلى ثم أقيمت الصلاة وهو في المسجد استحب له اعادتها إلا المغرب فانه يعيدها ويشفعها برابعة) من صلى فريضة ثم أدرك تلك الصلاة في جماعة استحب له اعادتها أي صلاة كانت إذا كان في المسجد أو دخل المسجد وهم يصلون وهذا قول الحسن والشافعي سواء كان صلاها منفردا أو في جماعة، وسواء كان مع امام الحي أو لا.
هذا ظاهر كلام أحمد فيما حكاه عنه الاثرم والخرقي قال القاضي وإن كان مع امام الحي استحب له وإن كان مع غير إمام الحي استحب له اعادة ما سوى الفجر والعصر.
وقال أبو الخطاب يستحب له الاعادة مع امام الحي.
وقال مالك إن كان صلى وحده أعاد المغرب وإلا فلا لان الحديث الدال على الاعادة قال فيه صلينا في رحالنا.
وقال أبو حنيفة لا تعاد الفجر ولا العصر ولا المغرب لعموم أحاديث النهي ولان التطوع لا يكون بوتر.
وعن ابن عمر والنخعي تعاد الصلوات كلها إلا الصبح والمغرب.
وقال أبو موسى والثوري والاوزاعي تعاد كلها إلا المغرب لما ذكرنا وقال الحكم إلا الصبح وحدها.
ولنا حديث يزيد بن الاسود الذي ذكرناه وحديث أبي ذر وهي تدل على محل النزاع وحديث يزيد بن الاسود صريح في صلاة
الفجر والعصر في معناها ويدل أيضا على الاعادة سواء كان مع امام الحي أو غيره وعلى جميع الصلوات وقد روى أنس قال صلى بنا أبو موسى الغداة في المربد فانتهينا إلى المسجد الجامع فأقيمت الصلاة فصلينا مع المغيرة بن شعبة.
وعن حذيفة انه أعاد الظهر والعصر والمغرب وكان قد صلاهن في جماعة رواهما الاثرم * (فصل) * فأما المغرب ففي استحباب اعادتها روايتان.
احداهما يستحب قياسا على سائر الصلوات لما ذكرنا من عموم الاحاديث.
والثانية لا يستحب حكاها أبو الخطاب لان التطوع لا يكون بوتر فان قلنا تستحب اعادتها شفعها برابعة نص عليه أحمد وبه قال الاسود بن يزيد والزهري والشافعي واسحق لما ذكرنا، وروى صلة (1) عن حذيفة انه قال لما أعاد المغرب قال ذهبت أقوم في الثانية فأجلسني وهذا يحتمل أن يكون أمره بالاقتصار على ركعتين ويحتمل ان أمره بالصلاة مثل صلاة الامام ووجه الاول ان النافلة لا تشرع بوتر والزيادة أولى من النقصان
__________
(1) هو بكسر ففتح ابن زفر تابعي ثقة
* (فصل) * فان أقيمت الصلاة وهو خارج المسجد فان كان في وقت نهي لم يستحب له الدخول لما روى مجاهد قال خرجت مع ابن عمر من دار عبد الله بن خالد بن اسيد حتى إذا نظر إلى باب المسجد إذا الناس في الصلاة فلم يزل واقفا حتى صلى الناس وقال اني قد صليت في البيت فان دخل وصلى فلا بأس لما ذكرنا من خبر أبي موسى وان كان في غير وقت النهى استحب له الدخول والصلاة معهم لعموم الاحاديث الدالة على اعادة الجماعة * (فصل) * فإذا أعاد الصلاة فالاولى فرضه روي ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول الثوري وأبي حنيفة واسحق والشافعي في الجديد وعن سعيد بن المسيب وعطاء والشعبي التي صلى معهم المكتوبة لانه روي في حديث يزيد بن الاسود " إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة " ولنا أن في الحديث الصحيح " تكن لكما نافلة " وقوله في حديث أبي ذر " فانها لك نافلة "
ولانها قد وقعت فريضة وأسقطت الفرض بدليل انها لا تجب ثانيا وإذا برئت الذمة بالاولى استحال كون الثانية فريضة.
قال ابراهيم إذا نوى الرجل صلاة وكتبتها الملائكة فمن يستطيع أن يحولها فما صلى بعده فهو تطوع، وحديثهم لا تصريح فيه فينبغي أن يحمل معناه على ما في الاحاديث الباقية، فعلى هذا لا ينوي الثانية فرضا بل ينويها ظهرا معادة وان نواها نفلا صح * (فصل) * ولا تجب الاعادة رواية واحدة قاله القاضي قال وقد ذكر بعض أصحابنا فيه رواية انها تجب مع إمام الحي لظاهر الامر، ولنا انها نافلة.
والثانية لا تجب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تصلى صلاة في يوم مرتين " رواه أبو داود ومعناه والله أعلم واجبتان.
ويحمل الامر على الاستحباب فعلى هذا إذا قصد الاعادة فلم يدرك إلا ركعتين فقال الآمدي يجوز أن يسلم معهم وأن يتمها أربعا لانها نافلة والمنصوص انه يتمها أربعا لقوله عليه السلام " وما فاتكم فأتموا " * (مسألة) * (ولا تكره اعادة الجماعة في غير المساجد الثلاثة) معنى اعادة الجماعة انه إذا صلى امام الحي وحضر جماعة أخرى استحب لهم أن يصلوا جماعة وهذا قول ابن مسعود وعطاء والحسن والنخعي واسحق.
وقال مالك والثوري والليث وابو حنيفة والشافعي لا تعاد الجماعة في مسجد له
امام راتب في غير ممر الناس ومن فاتته الجماعة صلى منفردا لئلا يفضي إلى اختلاف القلوب والعداوة والتهاون في الصلاة مع الامام، ولانه مسجد له امام راتب فكره فيه اعادة الجماعة كالمسجد الحرام ولنا عموم عليه السلام " صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة " وروى أبو سعيد قال جاء رجل - وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال " أيكم يتجر على هذا؟ " فقام رجل فصلى معه قال الترمذي هذا حديث حسن ورواه الاثرم وفيه فقال " ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟ " وروى باسناده عن أبي امامة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد فلما صليا قال " وهذان جماعة " ولانه قادر على الجماعة فاستحب له كالمسجد الذي في ممر الناس وما قاسوا عليه ممنوع * (فصل) * فأما اعادتها في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الاقصى فقد روي عن أحمد كراهته وذكره أصحابنا لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مع الامام الراتب فيها
إذا أمكنتهم الصلاة مع الجماعة مع غيره، وظاهر خبر أبي سعيد وأبي امامة انه لا يكره لان الظاهر أن ذلك كان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولان المعنى يقتضيه لان حصول فضيلة الجماعة فيها كحصولها في غيرها والله أعلم * (مسألة) * (وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) متى أقيمت الصلاة المكتوبة لم يشتغل عنها بغيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " منفق عليه.
وروي ذلك عن أبي هريرة وكان عمر يضرب على صلاة بعد الاقامة وكرهه سعيد بن جبير وابن سيرين وعروة والشافعي واسحق وأباح قوم ركعتي الفجر والامام يصلي، روي ذلك عن ابن مسعود وروي عن ابن عمر انه دخل المسجد والناس في الصلاة فدخل بيت حفصة فصلي ركعتين ثم خرج إلى
المسجد فصلى وهذا قول مسروق والحسن، وقال مالك إن لم يخف أن تفوته الركعة فليركع.
وقال الاوزاعي اركعهما ما تيقنت انك تدرك الركعة الاخيرة ونحوه قول أبي حنيفة والاول أولى لما ذكرنا * (مسألة) * (وإن أقيمت وهو في نافلة أتمها خفيفة) لقول الله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) إلا أن يخاف فوات الجماعة فيقطعها لان الفريضة أهم من النافلة وعنه يتمها للآية التي ذكرها * (فصل) * ومن كبر قبل سلام الامام فقد أدرك الجماعة.
يعني انه يبني عليها ولا يجدد احراما لانه أدرك جزءا من صلاة الامام أشبه ما لو أدرك ركعة ولانه إذا أدرك جزءا من صلاة الامام فأحرم معه لزمه أن ينوي الصفة التي هو عليها وهو كونه مأموما فينبغي أن يدرك فضل الجماعة * (مسألة) * قال (ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة) لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة " رواه أبو داود (1) ولانه لم يفته من الاركان إلا القيام وهو يأتي به مع تكبيرة الاحرام ثم يدرك مع الامام بقية الركعة وانما تحصل له الركعة إذا اجتمع مع الامام في الركوع بحيث ينتهي إلى قدر الاجزاء من الركوع قبل أن يزول الامام عن قدر الاجزاء منه فان أدرك الركوع ولم يدرك الظمأنينة فعلى وجهين ذكرهما ابن عقيل وعليه أن يأتي بالتكبير في حال قيامه فأما إن أتى به أو ببعضه بعد أن انتهى في الانحناء إلى قدر الركوع لم يجزئه لانه أتى بها في غير محلها
ولانه يفوته القيام وهو من أركان الصلاة إلا في النافلة لانه لا يشترط لها القيام * (مسألة) * (وأجزأته تكبيرة واحدة والافضل اثنتان) وجملة ذلك ان من أدرك الامام في الركوع أجزائه تكبيرة واحدة وهي تكبيرة الاحرام التي ذكرناها وهي ركن لا تسقط بحال وتسقط تكبيرة الركوع ها هنا نص عليه احمد في رواية أبي داود وصالح، روي ذلك (عن) زيد بن ثابت وسعيد بن المسيب وعطاء والحسن والثوري والشافعي ومالك وأصحاب الرأي، وعن عمر بن عبد العزيز عليه تكبيرتان وهو قول حماد بن أبي سليمان قال شيخنا، والظاهر انهما أرادا الاولى له تكبيرتان فيكون موافقا لقول الجماعة فان عمر ابن عبد العزيز قد نقل عنه انه كان ممن لا يتم التكبير ووجه القول الاول ان هذا قد روي عن زيد ابن ثابت وابن عمر ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة فيكون إجماعا ولانه اجتمع واجبان من جنس واحد في محل واحد أحدهما ركن فسقط به الآخر كما لو طاف (في) الحج طواف الزيارة عند خروجه من مكة فانه يجزيه عن طواف الوداع وقال القاضي إن نوى بها تكبيرة الاحرام وحدها أجزاه وإن نواهما لم يجزه في الظاهر من قول أحمد لانه شرك بين الواجب وغيره في النية أشبه ما لو عطس عند رفع رأسه من الركوع فقال ربنا ولك الحمد ينويهما فان أحمد قد نص في هذا انه لا يجزيه وهذا القول يخالف منصوص احمد فانه قد قال في رواية ابنه صالح فيمن جاء والامام راكع كبر تكبيرة
__________
(1) في هامش الاصل ينظر في هذا الحديث فما أظن أبا داود رواه أقول بل روي من حديث لابي هريرة " ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة " وقد فسروا الركعة بالركوع وهو ضعيف في اسناده يحيي المديني قال البخاري منكر الحديث...وفي الصحيحين عن أبي هريرة " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " وفي رواية لمسلم زيادة " مع الامام "
واحدة قيل له ينوي بها الافتتاح قال نوى أو لم ينو أليس قد جاء وهو يريد الصلاة ولان نية الركوع لا تنافي نية الافتتاح ولهذا حكمنا بدخوله في الصلاة بهذه النية ولم تؤثر نية الركوع في فسادها، ولا
يجوز ترك نص الامام لقياس نصه في موضع آخر كما لا يترك نص الله تعالى وسنة رسوله بالقياس وهذا لا يشبه ما قاس عليه القاضي فان التكبيرتين من جملة العبادة بخلاف حمد الله في العطاس فانه ليس من جملة الصلاة فقياسه على الطوافين أولى لكونهما من أجزاء العبادة والافضل تكبيرتان نص عليه.
قال أبو داود قلت لاحمد يكبر مرتين أحب اليك قال ان كبر تكبيرتين ليس فيه اختلاف وإن نوى تكبيرة الركوع خاصة لم يجزه لان تكبيرة الاحرام ركن ولم يأت بها * (فصل) * فان أدرك الامام في ركن غير الركوع لم يكبر إلا تكبيرة الافتتاح وينحط بغير تكبير لانه لا يعتد له به وقد فاته محل التكبير وإن أدركه في السجود أو في التشهد الاول كبر في حال قيامه مع الامام إلى الثالثة لانه مأموم له فيتابعه في التكبير من أدرك الركعة معه من أولها.
وان سلم الامام قام المأموم إلى القضاء بتكبير وبه قال مالك والثوري واسحق وقال الشافعي يقوم بغير تكبير لانه قد كبر في ابتداء الركعة ولا امام له يتابعه.
ولنا انه قام في الصلاة إلى ركن معتد به فيكبر كالقائم من التشهد الاول وكما لو قام مع الامام ولا نسلم انه كبر في ابتداء الركعة فان ما كبر فيه لم يكن من الركعة إذ ليس في أول الركعة سجود ولا تشهد وانما ابتداء الركعة قيامه فينبغي أن يكبر فيه * (فصل) * ويستحب لمن أدرك الامام في حال متابعته فيه وإن لم يعتد له به لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة " رواه أبو داود وروى الترمذي عن معاذ قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا جاء أحدكم والامام على حال فليصنع كما يصنع الامام " (1) قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم قالوا إذا جاء الرجل والامام ساجد فليسجد ولا تجزيه تلك الركعة قال بعضهم لعله أن لا يرفع رأسه من السجدة حتى يغفر له * (مسألة) * (وما أدرك مع الامام فهو آخر صلاته وما يقضيه فهو أولها يستفتح له ويتعوذ ويقرأ السورة) هذا هو المشهور من المذهب، ويروى ذلك عن ابن عمر ومجاهد وابن سيرين ومالك والثوري وحكي عن الشافعي وأبي حنيفة وأبي يوسف لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وما فاتكم فاقضوا " متفق
عليه والمقضي هو الفائت فينبغي أن يكون على صفته.
فعلى هذا يستفتح له ويستعيذ ويقرأ السورة وعنه أن الذي يدرك أول صلاته والمقضي آخرها وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز واسحق وهو قول الشافعي ورواية عن مالك واختاره ابن المنذر لقوله عليه السلام " وما فاتكم فأتموا "
__________
(1) قال الحافظ في التلخيص فيه ضعف وانقطاع
فعلى هذه الرواية لا يستفتح.
وأما الاستعاذة فان قلنا تسن في كل ركعة استعاذ وإلا فلا.
وأما السورة بعد الفاتحة فيقرأها على كل حال قال شيحنا لا أعلم خلافا بين الائمة الاربعة في قراءة الفاتحة وسورة وهذا مما يقوي الرواية الاولى فان لم يدرك إلا ركعة من المغرب أو الرباعية ففي موضع تشهده روايتان إحداهما يستفتح ويأتي بركعتين متواليتين ثم يتشهد فعل ذلك جندب لان المقضي أول صلاته وهذه صفة أولها ولانهما ركعتان يقرأ فيهما السورة فكانا متواليتين كغير المسبوق.
والثانية يأتي بركعة يقرأ فيها بالحمد وسورة ثم يجلس ثم يقوم فيأتي بأخرى يقرأ فيها بالحمد وحدها نقلها صالح وأبو داود والاثرم فعل ذلك مسروق وبه قال عبد الله بن مسعود وهو قول سعيد بن المسيب وأيما فعل من ذلك جاز ان شاء الله لانه يروى أن مسروقا وجندبا ذكرا عند عبد الله بن مسعود فصوب فعل مسروق ولم ينكر فعل جندب ولا أمره باعادة الصلاة والله أعلم * (مسألة) * (ولا تجب القراءة على المأموم) هذا قول أكثر أهل العلم وممن كان لا يرى القراءة خلف الامام علي وابن عباس وابن مسعود وأبو سعيد وزيد بن ثابت وعقبة بن عامر وجابر وابن عمر وحذيفة بن اليمان وبه يقول الثوري وابن عيينة وأصحاب الرأي ومالك والزهري والاسود وابراهيم وسعيد بن جبير.
قال ابن سيرين لا أعلم من السنة القراءة خلف الامام وقال الشافعي وداود تجب القراءة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " متفق عليه وعن عبادة قال كنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال " لعلكم تقرأون خلف امامكم؟ " قلنا نعم يا رسول الله قال " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فانه لا صلاة لمن لم يقرأ بها "
رواه أبو داود، وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهى خداج غير تمام " قال الراوي فقلت يا أبا هريرة اني أكون أحيانا وراء الامام قال فغمزني في ذراعي وقال اقرأ بها في نفسك يا فارسي رواه مسلم، ولانها ركن من أركان الصلاة فلم تسقط عن المأموم كسائر الاركان، ولان من لزمه القيام لزمته القراءة إذا قدر عليها كالمنفرد.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من كان له إمام فقراءة الامام له قراءة " رواه الحسن ابن صالح عن ليث بن سليم فان قيل: ليث بن سليم ضعيف قلنا قد رواه الامام أحمد: ثنا اسود بن عامر ثنا الحسن بن صالح عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا اسناد صحيح متصل رجاله كلهم ثقات، الاسود بن عامر روى له البخاري والحسن بن صالح أدرك أبا الزبير ولد قبل وفاته بنيف وعشرين سنة وروى من طرق خمسة سوى هذا.
وروي أيضا عن ابن عباس وعمران ابن حصين وأبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجهن الدارقطني ورواه عبد الله بن شداد
عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الامام أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما، وروي عن علي عليه السلام انه قال ليس على الفطرة من قرأ خلف الامام، وقال ابن مسعود وددت ان من قرأ خلف الامام ملئ فوه ترابا ولان القراءة لو وجبت على المأموم لما سقطت عن المسبوق كسائر الاركان.
وأما أحاديثهم فالحديث الاول الصحيح محمول على غير المأموم وكذلك حديث أبي هريرة وقد جاء مصرحا به فروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج إلا وراء الامام " رواه الخلال، وقول أبي هريرة اقرأ بها في نفسك من كلامه ورأيه قد خالفه غيره من الصحابة وحديث عبادة لم يروه غير ابن اسحق ونافع بن محمود بن الربيع وهو أدنى حالا من ابن اسحق وقياسهم على المنفرد لا يصح لان المنفرد ليس له من يتحمل عنه القراءة بخلاف المأموم * (مسألة) * (ويستحب أن يقرأ في سكتات الامام وما لا يجهر فيه أو لا يسمعه لبعده فان لم يسمعه لطرش فعلى وجهين) وهو قول جماعة من أهل العلم روي نحوه عن عبد الله بن عمر وهو قول مجاهد والحسن والشعبي وسعيد بن المسيب وعروة وغيرهم قال أبو سلمة بن عبد الرحمن للامام سكتتان
فاغتنم فيهما القراءة بفاتحة الكتاب إذا دخل في الصلاة وإذا قال ولا الضالين، وقال عروة أما أنا فأغتنم من الامام اثنتين إذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فأقرأ عندها وحين يختم السورة فأقرءوا قبل أن يركع، وهذا قول الشافعي، وقالت طائفة لا يقرأ خلف الامام في سر ولا جهر يروى ذلك عن تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرناهم في المسألة قبلها رواه سعيد في سننه.
وقال ابراهيم النخعي انما أحدث الناس القراءة وراء الامام زمان المختار لانه كان يصلى بهم صلاة النهار دون الليل فاتهموه فقرأوا خلفه، وكره ابراهيم القراءة خلف الامام وقال يكفيك قراءة الامام وهذا قول ابن عيينة والثوري وأصحاب الرأي لما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان له إمام فقراءة الامام له قراءة " ولانه مأموم فلم يقرأ كحالة الجهر ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أسررت بقراءتي فاقرأوا " رواه الدارقطني ولقول الراوي في الحديث الصحيح فانتهى الناس أن يقرأوا فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم كذلك رواه الامام احمد وسعيد بن منصور والقياس في حالة الجهر لا يصح لانه أمر فيها بالانصات لاستماع قراءة الامام بخلاف هذا.
إذا ثبت هذا فانه يقرأ في حالة الجهر في سكتات الامام بالفاتحة وفي حال الاسرار يقرأ بالفاتحة وسورة كالامام والمنفرد * (فصل) * فان لم يسمع الامام في حال الجهر لبعده قرأ نص عليه قيل له أليس قد قال الله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال هذا إلى أي شئ يستمع قيل له فالاطروش قال لا أدري قال شيخنا وهذا ينظر فيه فان كان بعيدا قرأ أيضا وإن كان قريبا قرأ في نفسه بحيث لا يشتغل من
إلى جانبه عن الاستماع لانه في معنى البعيد ولا يقرأ (إذا) كان يخلط على من يقرب إليه ويشغله عن الاستماع وفيه وجه آخر لا يقرأ إذا كان قريبا لئلا يخلط على الامام ولانه لو كان في موضعه من يسمع لم يقرأ أشبه السميع، وإن سمع همهمة الامام ولم يفهم فقال في رواية الجماعة لا يقرأ وقال في رواية عبد الله يقرأ إذا سمع الحرف بعد الحرف * (فصل) * ولا يستحب للمأموم القراءة وهو يسمع قراءة الامام بالحمد ولا بغيرها وبه قال سعيد
ابن المسيب وعروة وأبو سلمة بن عبد الرحمن والزهري وكثير من السلف والثوري وابن عيينة وابن المبارك وأصحاب الرأي وهو أحد قولي الشافعي والقول الآخر قال يقرأ ونحوه عن الليث وابن عون ومكحول لما ذكرنا من الاحاديث.
والمعنى على وجوب القراءة على المأموم.
ولنا قوله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) قال سعيد بن المسيب ومحمد بن كعب والزهري وابراهيم والحسن انها نزلت في شأن الصلاة، قال أحمد في رواية أبي داود أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " انما جعل الامام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فانصتوا " رواه سعيد بن منصور، وروى أبو موسى قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال " إذا صليتم فأقيموا صفوفكم وليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا " رواه مسلم، وروى أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مالي أنازع القرآن " فانتهى الناس أن يقرأوا فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه مالك بمعناه وقال الترمذي حديث حسن ولانه إجماع، قال أحمد ما سمعت أحدا من أهل الاسلام يقول إن الامام إذا جهر بالقراءة لا تجزي صلاة من خلفه إذا لم يقرأ، وقال: هذا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون وهذا مالك في أهل الحجاز وهذا الثوري في أهل العراق وهذا الاوزاعي في أهل الشام، وأما الاحاديث فقد أجبنا عنها فيما مضى ولانها قراءة لا تجب على المسبوق فلا تجب على غيره كقراءة السورة * (فصل) * قال أبو داود قيل لاحمد إذا قرأ المأموم بفاتحة الكتاب ثم سمع قراءة الامام قال يقطع إذا سمع قراءة الامام وينصت للقراءة وذلك لما ذكرنا من الاية والاخبار * (مسألة) * (وهل يستفتح ويستعيذ فيما يجهر فيه الامام؟ على روايتين) أما في حال قراءة إمامه فلا يستفتح ولا يستعيذ لانه إذا سقطت القراءة عنه كيلا يشتغل عن استماع قراءة الامام فالاستفتاح أولى ولان قوله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) يتناول كل ما يشتغل عن الانصات من الاستفتاح وغيره ولان الاستعاذة انما شرعت من أجل القراءة فإذا سقطت القراءة سقط التبع، وإن سكت الامام قدرا يتسع لذلك ففيه روايتان إحداهما يستفتح ولا يستعيذ
اختاره القاضي لانه أمكن للاستفتاح من غير اشتغال عن الانصات وفيه رواية انه يستفتح ويستعيذ
لما ذكرنا.
والثانية لا يستفتح لانه يشغله عن القراءة وهي أهم منه، وأما المأموم في صلاة الاسرار فانه يستفتح ويستعيذ نص عليه أحمد فقال إذا كان ممن يقرأ خلف الامام تعوذ قال الله تعالى (فإذا قرأت فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) * (مسألة) * (ومن ركع أو سجد قبل إمامه فعليه أن يرفع ليأتي به بعده فان لم يفعل عمدا بطلت صلاته عند أصحابنا إلا القاضي) وجملة ذلك انه لا يجوز أن يسبق امامه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام " رواه مسلم، وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الامام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار " متفق عليه.
فان فعل ذلك عامدا أثم وتبطل صلاته في ظاهر كلام أحمد فانه قال ليس لمن سبق الامام صلاة لو كان له صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب.
وذلك لما ذكرنا من الحديثين، وروي عن ابن مسعود انه نظر إلى من سبق الامام فقال: لا وحدك صليت ولا بامامك اقتديت.
ولانه لم يأتم بامامه في الركن أشبه ما إذا سبقه بتكبيرة الاحرام، وإن كان جاهلا أو ناسيا لم تبطل صلاته لانه سبق يسير، ولقوله عليه السلام " عفي لامتي عن الخطأ والنسيان " وقال ابن حامد في ذلك وجهان وقال عندي انه يصح لانه اجتمع معه في الركن أشبه ما لو ركع معه ابتداء صح وهذا اختيار ابن عقيل وعليه أن يرفع ليأتي به بعده ليكون مؤتما بامامه فان لم يفعل عمدا بطلت صلاته عند أصحابنا لانه ترك الواجب عمدا.
وقال القاضي لا تبطل لانه سبق يسير * (مسألة) * (فان ركع ورفع قبل ركوع امامه عالما عمدا فهل تبطل صلاته؟ على وجهين) وكذلك ذكره أبو الخطاب أحدهما تبطل للنهى.
والثاني لا تبطل لانه سبقه بركن واحد فهي كالتي قبلها.
قال ابن عقيل اختلف أصحابنا فقال بعضهم تبطل الصلاة بالسبق بأي ركن من الاركان ركوعا كان أو سجودا أو قياما أو قعودا، وقال بعضهم السبق المبطل مختص بالركوع لانه الذي يحصل به
ادراك الركعة وتفوت بفواته فجاز أن يختص بطلان الصلاة بالسبق به، وإن كان جاهلا أو ناسيا لم تبطل صلاته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " عفي لامتي عن الخطأ والنسيان " وهل تبطل الركعة، فيه روايتان: إحداهما تبطل لانه لا يقتدي بامامه في الركوع أشبه ما لو لم يدركه والاخرى لا تبطل للخبر.
فأما إن ركع قبل ركوع امامه فلما ركع الامام سجد قبل رفعه بطلت صلاته إن كان عمدا لانه لم يقتد بامامه في أكثر الركعة وإن فعله جاهلا أو ناسيا لم تبطل للحديث ولم يعتد بتلك الركعة لعدم اقتدائه بامامه فيها * (فصل) * فان سبق الامام المأموم بركن كامل مثل أن يركع ويرفع قبل ركوع المأموم لعذر من نعاس أو غفله أو زحام أو عجلة الامام فانه يفعل ما سبق به ويدرك إمامه ولا شئ عليه نص عليه
احمد في رواية المروذي.
قال شيخنا وهذا لا اعلم فيه خلافا.
وحكى في المستوعب رواية انه لا يعتد بتلك الركعة وان سبقه بركعة كاملة أو اكثر فانه يتبع إمامه ويقضي ما سبقه به كالمسبوق.
قال احمد في رجل نعس خلف الامام حتى صلى ركعتين قال كأنه ادرك ركعتين، فإذا سلم الامام صلى ركعتين وعنه يعيد الصلاة، وإن سبقه بأكثر من ركن وأقل من ركعة ثم زال عذره فالمنصوص عن احمد انه يتبع امامه ولا يعتد بتلك الركعة.
وظاهر هذا انه إن سبقه بركنين بطلت تلك الركعة وإن سبق بأقل من ذلك فعله وأدرك امامه، وقد قال بعض أصحابنا فيمن زحم عن السجود يوم الجمعة ينتظر زوال الزحام ثم يسجد ويتبع الامام ما لم يخف فوات الركوع في الثانية مع الامام.
فعلى هذا يفعل ما فاته وإن كان اكثر من ركن وهو قول الشافعي لان النبي صلى الله عليه وسلم فعله بأصحابه حين صلى بهم بعسفان صلاة الخوف فأقامهم خلفه صفين فسجد معه الصف الاول والصف الثاني قيام حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الثانية فسجد معه الصف الثاني ثم تبعه وجاز ذلك للعذر فهذا مثله.
وقال مالك إن أدركهم المسبوق في أول سجودهم سجد معهم واعتد بها، وإن علم انه لا يقدر على الركوع وأدركهم في السجود حتى يستووا قياما اتبعهم فيما بقى من صلاتهم ثم يقضي ركعة ثم يسجد للسهو.
وهذا قول الاوزاعي إلا انه لم يجعل عليه سجود سهو.
قال شيخنا والاولى في هذا والله أعلم
انه ما كان على قياس فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف فان غير المنصوص عليه يرد إلى الاقرب من المنصوص عليه وإن فعل ذلك لغير عذر بطلت صلاته لانه ترك الائتمام بامامه عمدا والله أعلم (فصل) فان سبق المأموم الامام بالقراءة لم تبطل صلاته رواية واحدة * (مسألة) * (ويستحب للامام تخفيف الصلاة مع اتمامها) لقول عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة في تمام، وروي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم صلى بالناس فليجوز فان فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة " متفق عليه وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ " أفتان أنت؟ ثلاث مرار فلولا صليت بسبح اسم ربك الاعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى.
فانه يصلي وراءك الضعيف والكبير وذو الحاجة " رواه البخاري وهذا لفظه، ورواه مسلم * (مسألة) * (ويستحب تطويل الركعة الاولى أطول من الثانية).
يستحب تطويل الركعة الاولى من كل صلاة ليلحقه القاصد للصلاة.
وقال الشافعي تكون الاوليان سواء.
وقال أبو حنيفة يطول الاولى من صلاة الصبح خاصة ووافق قول الشافعي في غيرها وذلك لحديث أبي سعيد حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين الاوليين من الظهر قدر ثلثين آية، ولان الآخرتين متساويتان فكذلك الاوليان ولنا ما روي أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الاوليين من صلاة
الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الاولى ويقصر في الثانية ويسمع الآية أحيانا وكان يقرأ في العصر في الركعتين الاوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويطول في الاولى ويقصر في الثانية وكان يطول في الاولى من صلاة الصبح متفق عليه وروى عبد الله بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الاولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم.
فاما حديث أبي سعيد فرواه ابن ماجه وفيه وفي الركعة الاخرى قدر النصف من ذلك وهو أولى لموافقته للاحاديث الصحيحة ثم لو قدر التعارض وجب تقديم حديث ابي
قتادة لصحته ولتضمنه الزيادة وهو التفريق بين الركعتين.
وروى أبو سعيد أن الصلاة كانت تقام ثم يخرج أحدنا يقضي حاجته ويتوضأ ثم يدرك الركعة الاولى مع النبي صلى الله عليه وسلم قال أحمد في الامام يطول في الثانية يعني اكثر من الاولى يقال له في هذا يعلم * (مسألة) * (ولا يستحب انتظار داخل وهو في الركوع في إحدى الروايتين).
متى أحس بداخل في حال القيام أو الركوع يريد الصلاة معه وكانت الجماعة كثيرة في انتظاره لانه يبعد أن لا يكون فيهم من يشق عليهم وكذلك ان كانت الجماعة يسيرة والانتظار يشق عليهم لان الذين معه أعظم حرمة من الداخل فلا يشق عليهم لنفعه وإن لم يكن كذلك استحب انتظاره وهذا مذهب أبي مخلد والشعبي والنخعي واسحاق.
وقال الاوزاعي وأبو حنيفة والشافعي لا ينتظره وهو رواية أخرى لان انتظاره تشريك في العبادة فلا يشرع كالرياء ولنا أنه انتظار ينفع ولا يشق فشرع كتطويل الركعة الاولى وتخفيف الصلاة.
وقد قال عليه السلام " من أم الناس فليخفف فان فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة " وقد شرع الانتظار في صلاة الخوف لتدرك الطائفة الثانية وكان صلى الله عليه وسلم ينتظر الجماعة فقال جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء أحيانا وأحيانا، إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم بطؤا أخر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل الركعة الاولى حتى لا يسمع وقع قدم وأطال السجود حين ركب الحسن على ظهره وقال " إن ابني هذا ارتحلني فكرهت أن اعجله " وبهذا كله يبطل ما ذكروه وقال القاضي الانتظار جائز غير مستحب فانما ينتظر من كان ذا حرمة كاهل العلم ونظرائهم من أهل الفضل * (مسألة) * (وإذا استأذنت المرأة إلى المسجد كره منعها وبيتها خير لها) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا ماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات " يعني غير متطيبات.
رواه أبو داود ويخرجن غير متطيبات لهذا الحديث ويباح لهن حضور الجماعة مع الرجال لقول عائشة كان النساء يصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينصرفن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس متفق عليه وصلاتهن في بيوتهن أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلاة المرأة في بيتها افضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها افضل من صلاتها في بيتها " رواه أبو داود
(فصل في الامامة) (السنة ان يؤم القيامة اقرؤهم) يعني ان القارئ مقدم على الفقيه وغيره ولا خلاف في التقديم بالقراءة والفقه واختلف في ايهما يقدم فذهب احمد رحمه الله إلى تقديم القارئ وهو قول ابن سيرين والثوري وابن المنذر واسحق واصحاب الراي.
وقال عطاء ومالك والاوزاعي والشافعي يقدم الافقه إذا كان يقرا ما يكفي في الصلاة لانه قد ينوبه في الصلاه مالا يدري ما يفعل فيه إلا بالفقه فيكون اولى كالامامة الكبرى والحكم ولنا ما روى أبو مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى فان كانوا في القراءة سواء فاعلمهم بالسنة فان كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فان كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا - أو قال - سلما " وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا اجتمع ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالامامة أقرؤهم " رواهما مسلم ولما قدم المهاجرون الاولون كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وفيهم عمر بن الخطاب وفي حديث عمرو بن سلمة قال " ليؤمكم أكثركم قرآنا " فان قيل انما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقديم القارئ لان الصحابة كان أقرأهم أفقههم وانهم كانوا إذا قرأوا القران تعلموا معه أحكامه قال ابن مسعود كنا لا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها قلنا اللفظ عام فيجب الاخذ بعمومه على أن في الحديث ما يبطل هذا التأويل وهو قوله
وان استووا فأعلمهم بالسنة ففاضل بينهم في العلم بالسنة مع تساويهم في القراءة ولو كان كما قالوا للزم من التساوي في القراءة التساوي في الفقه وقد نقلهم مع التساوي في القراءة إلى الاعلم بالسنة وقال صلى الله عليه وسلم " اقرؤكم أبي وأقضاكم علي وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل " ففضل بالفقه من هو مفضول بالقراءة قيل لابي عبد الله حديث النبي صلى الله عليه وسلم مروا أبا بكر يصلي بالناس أهو خلاف أبي مسعود؟ قال لا إنما قوله لابي بكر عندي يصلي بالناس للخلافة يعني أن الخليفة أحق بالامامة (فصل) ويرجح أحد القارئين على الآخر بكثرة القرآن لحديث عمر بن سلمة، وان تساويا في قدر ما يحفظ كل واحد منهما وكان أحدهما أجود قراءة واعرابا فهو أولى لانه اقرأ وان كان
أحدهما اكثر حفظا والآخر اقل لحنا واجود قراءة قدم لانه اعظم أجرا في قراءته لقوله عليه السلام " من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ومن قرأ ولحن فيه فله بكل حرف حسنة " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما اعراب القرآن أحب الي من حفظ بعض حروفه.
وان اجتمع قارئ لا يعرف أحكام الصلاة فكذلك للخبر وقال ابن عقيل يقدم الافقه لانه يمتاز بما لا يستغنى عنه في الصلاة
* (مسألة) * ثم أفقههم ثم أسنهم ثم أقدمهم هجرة ثم أشرفهم ثم أتقاهم ثم من تقع له القرعة متى استووا في القراءة وكان أحدهما أفقه قدم لما ذكرنا من الحديث ولان الفقه يحتاج إليه في الصلاة للاتيان بواجباتها وأركانها وشرطوها وسننها وجبرها ان احتاج إليه فان اجتمع فقيهان قارئان أحدهما اقرأ والآخر أفقه قدم الاقرأ للحديث نص عليه وقال ابن عقيل يقدم الافقه لتميزه بما لا يستغنى عنه في الصلاة وهذا يخالف الحديث المذكور فلا يعول عليه فان اجتمع فقيهان احدهما اعلم باحكام الصلاة والآخر اعلم بما سواها قدم الاعلم باحكام الصلاة لان علمه يؤثر في تكميل الصلاة بخلاف الآخر (فصل) فان استووا في القراءة والفقه فقال شيخنا ها هنا يقدم أسنهم يعني أكبرهم سنا وهو اختيار الخرقي لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث " إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما " متفق عليه ولان الاسن أحق بالتوقير والتقديم وظاهر كلام أحمد أنه يقدم أقدمهما هجرة ثم أسنهما لحديث أبي مسعود فانه مرتب هكذا قال الخطابي وعلى هذا الترتيب أكثر أقاويل العلماء ومعنى تقديم الهجرة ان يكون أحدهما أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الاسلام وانما يقدم بها لانها قربة وطاعة فان عدم ذلك اما لاستوائهما فيها أو عدمها قدم أسنهما لما ذكرنا وقال ابن حامد أحقهم بعد القراءة والفقه أشرفهم ثم أقدمهم هجرة ثم أسنهم والصحيح ما دل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم من تقديم السابق بالهجرة ثم الاسن ويرجح بتقديم الاسلام كتقديم الهجرة
لان في بعض الفاظ حديث أبي مسعود " فان كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما " ولان الاسلام أقدم
من الهجرة فإذا قدم بالهجرة فأولى أن يتقدم بالاسلام فإذا استووا في جميع ذلك قدم أشرفهم والشرف يكون بعلو النسب وبكونه أفضل في نفسه وأعلاهم قدرا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " قدموا قريشا ولا تقدموها " فان استووا في هذه الخصال قدم اتقاهم لانه أشرف في الدين وأفضل وأقرب إلى الاجابة وقد جاء " إذا أم الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال " ذكره الامام أحمد في رسالته ويحتمل تقديم الاتقى على الاشرف لان شرف الدين خير من شرف الدنيا وقد قال الله تعالى (إن اكرمكم عند الله أتقاكم) فان استووا في هذا كله اقرع بينهم نص عليه لان سعدا أقرع بين الناس في الآذان يوم القادسية فالامامة أولى ولانهم تساووا في الاستحقاق وتعذر الجمع فأقرع بينهم كسائر الحقوق وان كان أحدهما يقوم بعمارة المسجد وتعاهده فهو أحق به وكذلك ان رضي الجيران أحدهما دون الآخر قدم به ولا يقدم بحسن الوجه لانه لا مدخل له في الامامة ولا أثر له فيها وهذا كله تقديم استحباب لا تقديم اشتراط ولا ايجاب بغير خلاف علمناه
* (مسألة) * وصاحب البيت وامام المسجد أحق بالامامة الا أن يكون بعضهم ذا سلطان) متى أقيمت الجماعة في بيت فصاحبه أولى بالامامة من غيره إذا كان ممن تصح امامته لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته الا باذنه " رواه مسلم وعن مالك بن الحويرث عن النبي صلى الله عليه وسلم " من زار قوما فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم " رواه أبو داود وهذا قول عطاء والشافعي ولا نعلم فيه خلافا فان كان في البيت ذو سلطان قدم على صاحب البيت لان ولايته على البيت وصاحبه وقدم النبي صلى الله عليه وسلم عتبان بن مالك وأنسا في بيوتهما اختاره الخرقي وقال ابن حامد صاحب البيت أحق بالامامة لعموم الحديث والاول أصح وكذلك امام المسجد الراتب أولى من غيره لانه في معنى صاحب البيت الا أن يكون بعضهم ذا سلطان ففيه وجهان وقد روي عن ابن عمر انه أتى أرضا له وعندها مسجد يصلي فيه مولى له فصلى ابن عمر معهم فسألوه ان يؤمهم فأبى وقال صاحب المسجد أحق (فصل) وإذا قدم المستحق من هؤلاء لرجل في الامامة جاز وصار بمنزلة من أذن له في
استحقاق التقدم لقول النبي صلى الله عليه وسلم الا باذنه ولانه حق له فجاز نقله إلى من شاء قال أحمد قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته في بيته الا باذنه " أرجو أن يكون الاذن في الكل (فصل) وإذا دخل السلطان بلدا له فيه خليفة فهو أحق من خليفته لان ولايته على خليفته وغيره وكذلك لو اجتمع العبد وسيده في بيت العبد فالسيد أولى لانه يملك البيت والعبد على الحقيقة وولايته
على العبد فان لم يكن سيده معهم فالعبد أولى لما ذكرنا من الحديث وقد روي أنه اجتمع ابن مسعود وحذيفة وبو ذر في بيت أبي سعيد مولى أبي أسيد وهو عبد فتقدم أبو ذر ليصلي بهم فقالوا له وراءك فالتفت إلى أصحابه فقال أكذلك فقالوا نعم فتأخر وقدموا أبا سعيد فصلى رواه صالح بن أحمد باسناده وان اجتمع المؤجر والمستأجر فالمستأجر أولى ولانه أحق بالسكنى والمنفعة * (مسألة) * والحر أولى من العبد والحاضر أولى من المسافر والبصير اولى من الاعمى في أحد الوجهين) امامة العبد صحيحة لما روي عن عائشة ان غلاما لها كان يؤمها وصلى ابن مسعود وحذيفة وأبو ذر وراء أبي سعيد مولى أبي أسيد وهو عبد وهذا قول اكثر أهل العلم منهم الحسن والنخعي والشعبي والحكم والثوري والشافعي واسحق وأصحاب الرأي وكره ذلك أبو مجلز وقال مالك لا يؤمهم الا أن يكون قارئا وهم أميون ولنا عموم قوله عليه السلام " يؤم القوم اقرأهم لكتاب الله تعالى " ولانه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف فكان اجماعا ولانه من أهل الاذان للرجال يأتي بالصلاة على الكمال فجاز له امامتهم كالحر إذا ثبت ذلك فالحر أولى منه لانه أكمل منه وأشرف ويصلي الجمعة والعيد اماما بخلاف العبد ولان في تقديم الحر خروجا من الخلاف والمقيم أولى من المسافر لانه إذا كان اماما حصلت له الصلاة كلها جماعة فان أمه المسافر أتم الصلاة منفردا وقال القاضي ان كان فيهم اماما فهو أحق بالامامة وان كان مسافرا لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بهم عام الفتح ويقول لاهل البلد " صلوا اربعا فانا سفر " رواه أبو داود وان تقدم المسافر جاز ويتم المقيم الصلاة بعد سلام إمامه
كالمسبوق وان أنم المسافر الصلاة جازت صلاتهم وحكي عنه رواية في صلاة المقيم انها لا تجوز لان الزيادة نفل أم بها مفترضين والصحيح الاول لان المسافر إذا نوى الاتمام لزمه فيصير الجميع فرضا (فصل) وامامة الاعمى جائزة لا نعلم فيها خلافا الا ما حكى عن أنس أنه قال ما حاجتهم إليه وعن ابن عباس أنه قال كيف أؤمهم وهم يعدلونني إلى القبلة والصحيح عن ابن عباس أنه كان يؤمهم وهو أعمى وعتبان بن مالك وقتادة وجابر وقال أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم أم الناس وهو أعمى (1) رواه أبو داود ولان الاعمى فقد حاسة لا تخل بشئ من أفعال الصلاة ولا شروطها أشبه فقد الشم والبصير أولى منه اختاره أبو الخطاب ولانه يستقبل القبلة بعلمه ويتوقى النجاسات ببصره ولان في امامته اختلافا وقال القاضي هما سواء لان الاعمى أخشع لا يشتغل في الصلاة بالنظر إلى ما يلهيه فيكون ذلك مقابلا لما ذكرتم فتساويا قال الشيخ والاول أولى لان البصير لو أغمض عينيه كره ذلك ولو كان فضيلة لكان مستحبا لانه يحصل بتغميضه ما يحصله الاعمى ولان البصير إذا أغمض بصره مع امكان النظر كان له الاجر فيه لانه يترك المكروه مع امكانه اختيارا والاعمى يتركه اضطرار افكان أدنى حالا وأقل فضلا * (مسألة) * (وهل تصح امامة الفاسق والاقلف؟ على روايتين) والفاسق ينقسم على قسمين فاسق من جهة الاعتقاد وفاسق من جهة الافعال فاما الفاسق من جهة الاعتقاد
__________
" 1 " لفظه في المنتفى ان النبي " ص " استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين يصلي بهم وهو أعمى.
رواه أحمد وأبو داود
فمتى كان يعلن بدعته ويتكلم بها ويدعو إليها ويناظر لم تصح امامته وعلى من صلى وراءه الاعادة قال أحمد لا يصلى خلف أحد من أهل الاهواء إذا كان داعية إلى هواه وقال لا تصلى خلف المرجئ إذا كان داعية وقال القاضي وكذلك ان كان مجتهدا يعتقدها بالدليل كالمعتزلة والقدرية وغيرة الرافضة لانهم يكفرون ببدعتهم، وان لم يكن يظهر بدعته ففي وجوب الاعادة خلفه روايتان احداهما تجب الاعادة كالمعلن
بدعته ولان الكافر لا تصح الصلاة خلفه سواء أظهر كفره أو أخفاه كذلك المبتدع قال أحمد في رواية ابى الحارث لا تصلي خلف مرجي ولا رافضي ولا فاسق الا أن يخافهم فيصلي ثم يعيد وقال أبو داود متى صليت خلف من يقول لقرآن مخلوق فأعد وعن مالك لا نصلي خلف أهل البدع والثانية تصح الصلاة خلفه قال الاثرم قلت لابي عبد الله الرافضة الذين يتكلمون بما تعرف؟ قال نعم آمره ان يعيد قيل له وهكذا أهل البدع قال لا لان منهم من يسكت ومنهم من يتكلم وقال لا نصلي خلف المرجئ إذا كان داعية فدل على أنه لا يعيد إذا لم يكن كذلك وقال الحسن والشافعي الصلاة خلف أهل البدع جائزة بكل حال لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلوا خلف من قال لا اله الا الله " ولانه رجل صلاته صحيحة فصح الائتمام به كغيره وقال نافع كان ابن عمر يصلي خلف الحسنية (1) والخوارج زمن ابن الزبير وهم يقتتلون فقيل له أتصلي مع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضا؟ فقال من قال حي على الصلاة أجبته ومن قال حي على الفلاح أجبته ومن قال حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت لا رواه سعيد.
ووجه القول الاول ما روى جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول " لا تؤمن امرأة رجلا ولا فاجر مؤمنا الا أن يقهره بسلطانه أو يخاف سوطه أو سيفه " رواه ابن ماجه وهذا أخص من حديثهم فيتعين تقديمه وحديثهم نقول به في الجمع والاعياد ونعيد وقياسهم منقوض بالامي ويروى عن حبيب بن عمر الانصاري عن أبيه قال سألت واثلة بن الاسقع قلت أصلي خلف القدري؟ قال لا تصل خلفه ثم قال أما أنا لو صليت خلفه لاعدت صلاتي رواه الاثرم
__________
(1) كذا وفي المغني: الخشبية
(فصل) وأما الفاسق من جهة الاعمال كالزاني والذي يشرب ما يسكره فروي عنه أنه لا يصلى خلفه فانه قال لا تصل خلف فاجر ولا فاسق وقال أبو داود سمعت أحمد يسئل عن امام قال أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهما، قال اسأل الله العافية، من يصلي خلف هذا؟ وروي لا يصلى خلف من لا يؤدي الزكاة ولا يصلى خلف من يشارط ولا بأس أن يدفع إليه من غير شرط وهذا اختيار ابن عقيل وعنه أن الصلاة خلفه جائزة وهو مذهب الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم صلوا خلف
من قال لا إله الا الله وكان ابن عمر يصلي مع الحجاج، والحسن والحسين وغيرهما من الصحابة كانوا يصلون مع مروان والذين كانوا في ولاية زياد وابنه كانوا يصلون معهما وصلوا وراء الوليد بن عقبة وقد شرب الخمر فصار هذا اجماعا وعن أبي ذر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " كيف أنت إذا كان عليك امراء يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ قال قلت فما تأمرني قال " صل الصلاة لوقتها فان أدركتها معهم فصل فانها لك نافلة " رواه مسلم وهذا فعل يقتضي فسقهم ولانه رجل تصح صلاته لنفسه فصح الائتمام به كالعدل ووجه الاولى ما ذكرنا من الحديث ولان الامامة تتضمن حمل القراءة ولا يؤمن تركه لها ولا يؤمن ترك بعض شرائطها كالطهارة وليس ثم امارة ولا عليه ظن يؤمننا ذلك والحديث أجبنا عنه وفعل الصحابة محمول على أنهم خافوا الضرر بترك الصلاة معهم وروينا عن قسامة بن زهير أنه قال لما كان من شأن فلان ما كان قال له أبو بكر تنح عن مصلانا فانا لا نصلى خلفك وحديث أبى ذر يدل على صحتها نافلة والنزاع إنما هو في الفرض (فصل) وأما الجمع والاعياد فتصلي خلف كل بر وفاجر وقد كان أحمد يشهدها مع المعتزلة وكذلك
من كان من العلماء في عصره وقد روي ان رجلا جاء محمد بن النضر فقال له ان لي جيرانا من أهل الاهواء لا يشهدون الجمعة قال حسبك، ما تقول فيمن رد على أبي بكر وعمر؟ قال ذلك رجل سوء قال فان رد على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال يكفر.
قال فان رد على العلي الاعلى؟ ثم غشي عليه ثم أفاق فقال ردوا عليه والذي لا إله إلا هو فانه قال (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) وهو يعلم ان بني العباس سيلونها ولان هذه الصلاة من شعائر الاسلام الظاهرة ويليها الائمة دون غيرهم فتركها خلفهم يفضي إلى تركها بالكلية.
إذا ثبت ذلك فانها تعاد خلف من يعاد خلفه غيرها قياسا عليها هذا ظاهر المذهب وعنه أنه قال من أعادها فهو مبتدع وهذا بدل على أنها لا تعاد خلف فاسق ولا مبتدع لانها صلاة مأمور بها فلم تجب اعادتها كسائر الصلوات (فصل) فان كان المباشر عدلا والذي ولاه غير مرضي الحال لبدعته أو لفسقه لم يعدها في المنصوص عنه لان صلاته انما ترتبط بصلاة امامه ولا يضر وجود معنى في غيره كالحدث وذكر القاضي
في وجوب الاعادة روايتين والصحيح الاول * (فصل) * فان لم يعلم فسق امامه بدعته فقال ابن عقيل لا اعادة عليه لان ذلك مما يخفى فأشبه الحدث والنجس.
قال شيخنا والصحيح أن هذا ينظر فيه، فان كان ممن يخفى بدعته وفسوقه
صحت صلاته لان من يصلي خلفه معذور، وان كان ممن يظهر ذلك وجبت الاعادة على الرواية التي تقول بوجوب اعادتها خلف المبتدع لانه معنى يمنع الائتمام فاستوى فيه العلم وعدمه كما لو كان أميا، والحدث والنجاسة يشترط خفاؤهما على الامام والمأموم معا والفاسق لا يخفى عليه فسق نفسه فأما إن لم يعلم حاله ولم يظهر منه ما يمنع الائتمام به فصلاته صحيحة نص عليه لان الاصل في المسلمين السلامة * (فصل) * فأما المخالفون في الفروع كالمذاهب الاربع فالصلاة خلفهم جائزة صحيحة غير مكروهة نص عليه لان الصحابة والتابعين ومن بعدهم لم يزل بعضهم يصلي خلف بعض مع اختلافهم في الفروع فكان ذلك إجماعا، وإن علم انه يترك ركنا يعتقده المأموم دون الامام فظاهر كلام أحمد صحة الائتمام به.
قال الاثرم سمعت أحمد يسأل عن رجل صلى بقوم وعليه جلود الثعالب.
فقال إن كان يلبسه وهو يتأول قوله عليه السلام " أيما إهاب دبغ فقد طهر " فصل خلفه فقيل له أتراه أنت جائزا؟ قال لا.
ولكنه إذا كان يتأول فلا بأس أن يصلي خلفه، ثم قال أبو عبد الله لو أن رجلا لم ير الوضوء من الدم لم يصل خلفه فلا نصلي خلف سعيد بن المسيب ومالك إي بلى ولان كل مجتهد مصيب أو كالمصيب في حط المآثم عنه وحصول الثواب له ولان صلاته تصح
لنفسه فجازت الصلاة خلفه، كما لو لم يترك شيئا.
وقال ابن عقيل في الفصول لا تصح الصلاة خلفه وذكر القاضي فيه روايتين احداهما لا تصح لانه يفعل ما يعتقده المأموم مفسدا للصلاة فلم يصح ائتمامه به كما لو خالفه في القبلة حالة الاجتهاد ولان أكثر ما فيه انه ترك ركنا لا يأثم بتركه فبطلت الصلاة خلفه كما لو تركه ناسيا، والثانية تصح لما ذكرنا * (فصل) * فان فعل شيئا من المختلف فيه يعتقد تحريمه، فان كان يترك ما يعتقد شرطا للصلاة
أو واجبا فيها فصلاته وصلاة من يأتم به فاسدة.
وإن كان المأموم يخالف في اعتقاد ذلك لانه ترك واجبا في الصلاة فبطلت صلاته وصلاة من خلفه كالمجمع عليه وإن كان لا يتعلق ذلك بالصلاة كشرب يسير النبيذ والنكاح بغير ولي ممن يعتقد تحريمه، فهذا إن دام على ذلك فهو فاسق، حكمه حكم سائر الفساق.
وإن لم يدم عليه لم يؤثر لانه من الصغائر، فان كان الفاعل لذلك عاميا قلد من يعتقد جوازه فلا شئ عليه فيه لان فرض العامي سؤال العالم وتقليده قال الله تعالى (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وإن اعتقد حله وفعله صحت الصلاة خلفه في الصحيح من المذهب.
وذكر ابن أبي موسى في صحة الصلاة خلفه روايتين
* (فصل) * وإذا أقيمت الصلاة والانسان في المسجد والامام لا يصلح للامامة فان شاء صلى خلفه وأعاد وإن نوى الانفراد ووافقه في أفعال الصلاة صحت صلاته لانه أتى بالصلاة على الكمال أشبه ما لو لم يقصد موافقة الامام.
وروي عن أحمد انه يعيد، رواها عنه الاثرم.
والصحيح الاول لما ذكرنا، وكذلك لو كان الذين لا يرضون الصلاة خلفه جماعة فأمهم أحدهم ووافقوا الامام في الافعال كان ذلك جائزا
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: