الفقه الحنبلي - التراوبح -الوتر - التطوع
(فصل) واختلف اصحابنا في قيام ليلة الثلاثين من شعبان في الغيم، فحكي عن القاضي قال: جرت هذه المسألة في وقت شيخنا أبي عبد الله بن حامد فصلى وصلاها القاضي أبو يعلى لان النبي صلى الله عليه
وسلم قال " ان الله فرض عليكم صيامه، وسننت لكم قيامه " فجعل القيام مع الصيام، وذهب أبو حفص العكبري إلى ترك القيام وقال: المعول في الصيام على حديث ابن عمر وفعل الصحابة والتابعين ولم ينقل عنهم قيام تلك الليلة، واختاره الميموني لان الاصل بقاء شعبان وانما صرنا إلى الصوم
احتياطا للواجب والصلاة غير واجبة فتبقى على الاصل (فصل) وسئل أبو عبد الله إذا قرأ (قل أعوذ برب الناس) يقرأ من البقرة شيئا؟ قال: لا ولم يستحب أن يصل ختمته بقراءة شئ، ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح.
وسئل عن الامام في شهر رمضان يدع الآيات من السورة ترى لمن خلفه أن يقرأها؟ قال نعم قد كان بمكة يوكلون رجلا يكتب ما ترك الامام من الحروف وغيرها، فإذا كان ليلة الختمة أعاده، وانما استحب ذلك لتكمل الختمة ويعظم الثواب.
(مسألة) (ويكره التطوع بين التراويح، وفي التعقيب روايتان وهو أن يتطوع بعد التراويح والوتر في جماعة) يكره التطوع بين التراويح نص عليه أحمد وقال: فيه عن ثلاثة من أصحاب، رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة وأبو الدرداء وعقبة بن عامر، وذكر لابي عبد الله رخصة فيه عن بعض
الصحابة فقال: هذا باطل انما فيه عن الحسن وسعيد بن جبير، وقال أحمد يتطوع بعد المكتوبة ولا يتطوع بين التراويح، وروى الاثرم عن أبي الدرداء أنه أبصر قوما يصلون بين التراويح فقال: ما هذه الصلاة؟ أتصلي وامامك بين يديك ليس منا من رغب عنا، وقال من قلة فقه الرجل أنه يرى أنه في المسجد وليس في صلاة (فصل) فأما التعقيب أو صلاة التراويح في جماعة أخرى فعنه الكراهة نقلها عنه محمد بن الحكم إلا انه قول قديم، قال أبو بكر وإذا أخر الصلاة إلى نصف الليل أو آخره لم يكره رواية واحدة وانما
الخلاف فيما إذا رجعوا قبل الامام، وعنه لا بأس به، نقلها عنه الجماعة وهو الصحيح لقول أنس رضي الله عنه ما يرجعون إلا بخير يرجونه، أو لشر يحذرونه، وكان لا يرى به بأسا، ولانه خير وطاعة فلم يكره كما لو أخره إلى آخر الليل
(فصل) ويستحب أن يجمع أهله عند ختم القرآن وغيرهم لحضور الدعاء، وكان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله وولده، وروي ذلك عن ابن مسعود وغيره، ورواه ابن شاهين مرفوعا، واستحسن أبو عبد الله التكبير عند آخر كل سورة من سورة الضحى إلى آخر القرآن، لانه يروى عن أبي بن كعب أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بذلك، رواه القاضي باسناده في الجامع.
ولا بأس بقراءة القرآن في الطريق ولا وهو مضطجع، قال اسحاق بن ابراهيم خرجت مع أبي عبد الله إلى الجامع فسمعته يقرأ سورة الكهف، وعن ابراهيم التيمي قال كنت أقرأ على أبي موسى وهو يمشي في الطريق فإذا قرأت السجدة قلت له أسجد في الطريق؟ قال نعم، وعن عائشة أنها قالت: اني لاقرأ القرآن وأنا مضطجعة على سريري، رواه الفيرباني في فضائل القرآن (فصل) ويستحب ختم القرآن في كل سبعة أيام، قال عبد الله بن أحمد كان أبي يختم القرآن
في النهار في كل سبع يقرأ كل يوم سبعا لا يكاد يتركه نظرا وذلك لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو " اقرأ القرآن في كل سبع ولا تزيدن على ذلك " رواه أبو داود وعن أوس بن حذيفة قال: قلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أبطأت عنا الليلة قال " إنه طرأ علي حزبي من القرآن فكرهت أن أجئ حتى اختمه " قال أوس: سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاثة وخمسة وسبعة وتسعة واحد عشر وثلاثة عشر وحزب المفصل وحده، رواه أبو داود، ورواه الامام أحمد وفيه حزب المفصل من ق حتى يختم، رواه الطبراني فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزب القرآن؟ فقالوا: كان يحزبه ثلاثا وخسما وذكره وان قرأه في ثلاث فحسن لانه روي عن عبد الله بن عمرو قال: قلت لرسول صلى الله عليه وسلم ان لي قوة قال " اقرأه في ثلاث "
رواه أبو داود فان قرأه في أقل من ثلاث فعنه يكره ذلك لما روى عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث " رواه أبو داود وعنه أن ذلك غير مقدر بل هو على حسب ما يجد من النشاط والقوة لان عثمان كان يختمه في ليلة، وروي ذلك عن جماعة من السلف.
والافضل الترتيل لقول الله تعالى (ورتل القرآن ترتيلا) وعن عائشة أنها قالت: لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة رواه مسلم وعنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختم القرآن في أقل من ثلاث، رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وقال ابن مسعود فيمن قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهذ كهذ الشعر ونثر كنثر الدقل.
ويكره أن يؤخر ختمه اكثر من أربعين يوما لان عبد الله بن عمرو سأل النبي صلى الله عليه وسلم في كم يختم القرآن؟ قال " في أربعين يوما - ثم قال - في شهر - ثم قال - في عشرين - ثم قال - في خمس عشرة - ثم قال - في عشر - ثم قال - في سبع " لم ينزل من سبع أخرجه أبو داود وقال أحمد أكثر ما سمعت أن يختم القرآن في أربعين ولان تأخيره أكثر من هذا يفضي إلى نسيانه والتهاون به وهذا إذا لم يكن عذر فأما مع العذر فذلك واسع
(فصل) قال أبو داود: قلت لاحمد قال ابن المبارك: إذا كان الشتاء فاختم القرآن في أول الليل، وإذا كان الصيف فاختمه في أول النهار فكأنه أعجبه لما روى طلحة بن مصرف قال: أدركت أهل الخير من صدر هذه الامة يستحبون الختم في أول الليل وأول النهار يقولون: إذا ختم في أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي، وإذا ختم في أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح.
وقال بعض العلماء: يستحب أن يجعل ختمة النهار في ركعتي الفجر أو بعدهما، وختمة الليل في ركعتي المغرب أو بعدهما (فصل) وكره احمد قراءة القرآن بالالحان وقال: هي بدعة لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في اشراط الساعة " أن يتخذ القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم الا ليغنيهم غناء " ولان معجزة القرآن في لفظه ونظمه والالحان تغيره.
قال شيخنا: وكلام احمد في هذا محمول
على الافراط في ذلك بحيث يجعل الحركات حروفا، ويمد في غير موضعه.
أما تحسين القرآن والترجيع فلا يكره فان عبد الله بن المغفل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يقرأ سورة الفتح قال: فقرأ ابن مغفل ورجع في قراءته.
وفي لفظ قال: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسير له سورة الفتح على راحلته فرجع في قراءته قال معاوية بن قرة: لولا اني أخاف أن يجتمع علي الناس لحكيت لكم قراءته.
رواهما مسلم، وفي لفظ أأأ، وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أذن الله لشي ء كاذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به " رواه مسلم، وقال " زينوا القرآن بأصواتكم " وقال " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " رواه البخاري، قال أبو عبيد وجماعة: يتغنى بالقرآن يستغني به، وقالت طائفة معناه يحسن قراءته ويترنم به ويرفع صوته به كما قال ابو موسى للنبي صلى الله عليه وسلم لو علمت أنك تستمع قراءتي لحبرته لك تحبيرا، وقال
الشافعي يرفع صوته به.
وقال أبو عبيد: يقرأ بحزن مثل صوت أبي موسى: وعلى كل حال فتحسين الصوت بالقرآن وتطريبه مستحب ما لم يخرج بذلك إلى تغيير لفظه أو زيادة حروف فيه لما ذكرنا من الاحاديث.
وروي عن عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: كنت أسمع قراءة رجل في المسجد لم نسمع قراءة أحسن من قراءته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فاستمع ثم قال " هذا سالم مولى أبي حذيفة الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا " (مسألة) (وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار) قد ذكرنا النوافل المعينة - فأما النوافل المطلقة فتستحب في جميع الاوقات الا في أوقات النهي لما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى: وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار.
قال أحمد: ليس بعد المكتوبة عندي أفضل من قيام الليل وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك بقوله تعالى (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) وكان
قيام الليل مفروضا بقوله تعالى (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا) ثم نسخ بآخر السورة.
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل " رواه مسلم والترمذي وقال
هذا حديث حسن.
وأفضلها وسط الليل (فصل) والنصف الاخير أفضل من الاول لما روى عمرو بن عنبسة قال قلت يا رسول الله أي الليل أسمع؟ قال " جوف الليل الآخر فصل ما شئت " رواه أبو داود.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه " وفي حديث ابن عباس في صفة تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نام حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ - فوصف تهجده قال - ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن.
وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويحيي آخره: ثم ان كان له حاجة إلى أهله قضى
حاجته ثم ينام، فإذا كان عند النداء الاول وثب فأفاض عليه الماء، وإن لم يكن له حاجة توضأ.
وقالت ما ألفى رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر الاعلى في بيتي إلا نائما، متفق عليهن.
ولان آخر الليل ينزل فيه الرب عزوجل إلى السماء الدينا، فروى أبو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟ " قال أبو عبد الله: إذا أغفى يعني بعد التهجد فانه لا يبين عليه السهر، فإذا لم يغف بين عليه (فصل) ويستحب أن يقول عند انتباهه ما روى عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال اللهم
غفر لي، أو دعا أستجيب له، فان توضأ وصلى قبلت صلاته " رواه البخاري.
وعن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يتهجد من الليل قال " اللهم لك الحمد أنت نور السموات والارض ومن فيهن ولك الحمد، أنت قيام السموات والارض ومن فيهن ولك الحمد، أنت ملك السموات والارض ومن فيهن ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، اللهم لك
أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، واليك أنبت، وبك خاصمت، واليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله " متفق عليه.
وفي مسلم " أنت رب السموات والارض ومن فيهن - وفيه - أنت إلهي لا إله إلا أنت " وعن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته قال " اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة،
أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق باذنك، انك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " رواه مسلم (فصل) ويستحب أن يتسوك لما روى حذيفة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك، متفق عليه.
وعن عائشة قالت: كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه فيتسوك ويتوضأ ويصلي، أخرجه مسلم.
ويستحب أن يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين " وعن زيد بن خالد أنه قال: لارمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما،
ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة، قال ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة.
أخرجهما مسلم، وقد اختلف في عدد الركعات في تهجد النبي صلى الله عليه وسلم ففي هذين الحديثين أنه ثلاث عشرة ركعة، وقالت عائشة ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا.
وفي لفظ قالت: كانت صلاته في رمضان وغيره بالليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر، وفي لفظ كان يصلي ما بين صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين
كل ركعتين ويوتر بواحدة متفق عليه.
فلعلها لم تعد الركعتين الخفيفتين اللتين ذكرهما غيرها، ويحتمل أنه صلى في ليلة ثلاث عشرة وفي ليلة احدى عشرة (فصل) ويستحب أن يقرأ حزبه من القرآن في تهجده فان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله
وهو مخير بين الجهر في القراءة والاسرار، فان كان الجهر انشط له في القراءة أو بحضرته من يستمع قراءته أو ينتفع بها فالجهر افضل، وان كان قريبا منه من يتهجد أو من يستضر برفع صوته فالاسرار اولى لما روى ابو سعيد قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر فقال " الا ان كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة - أو قال - في الصلاة " رواه أبو داود، والا فليفعل ما شاء.
قال عبد الله بن ابي قيس: سألت عائشة كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت ربما اسر وربما جهر.
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
وقال ابن عباس كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت، رواه أبو داود، وعن ابي قتادة ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج فإذا هو بابي بكر يصلى يخفض من صوته، ومر بعمر وهو يصلي رافعا صوته قال: فلما اجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا ابا بكر مررت بك وانت تصلي تخفض صوتك " قال: اني اسمعت من
ناجيت يا رسول الله قال " ارفع قليلا " وقال لعمر " مررت وأنت تصلي رافعا صوتك " قال فقال يا رسول الله أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان قال " اخفض من صوتك شيئا " رواه أبو داود (فصل) ومن كان له تهجد ففاته استحب له قضاؤه بين صلاة الفجر والظهر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نام عن حزبه أو عن شئ منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل " وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا أثبته وكان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار ثلثي عشرة ركعة قالت: وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح، وما صام شهرا متتابعا إلا رمضان، أخرجهما مسلم
(مسألة) (وصلاة الليل مثنى مثنى فان تطوع في النهار بأربع فلا بأس والافضل مثنى) قوله مثنى يعني يسلم من كل ركعتين - والتطوع قسمان: تطوع الليل، وتطوع النهار، فلا يجوز تطوع الليل إلا مثنى مثنى، وهذا قول كثير من أهل العلم منهم ابو يوسف ومحمد.
وقال القاضي: لو صلى ستا في ليل أو نهار كره وصح، وقال أبو حنيفة: ان شئت ركعتين، وإن شئت أربعا، وإن شئت ستا وان شئت ثمانيا
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل مثنى مثنى " متفق عليه (فصل) فأما صلاة النهار فتجوز أربعا فعل ذلك ابن عمر.
وقال اسحاق صلاة النهار أختار أربعا وإن صلى ركعتين جاز لما روي عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أربع قبل الظهر لا يسلم فيهن تفتح لهن أبواب السماء " رواه أبو داود.
والافضل مثنى، وقال إسحاق الافضل أربعا ويشبهه قول الاوزاعي وأصحاب الرأي وحديث أبي أيوب، ولنا ما روى علي بن عبد الله البارقي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى " رواه أبو داود، ولانه أبعد للسهو وأشبه بصلاة الليل تطوعات النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح ركعتان.
وذهب الحسن وسعيد بن جبير ومالك إلى أن تطوع النهار مثنى مثنى لحديث علي بن عبد الله البارقي وقد ذكرنا حديث أبي أيوب، وحديث البارقي تفرد بذكر النهار من بين سائر الرواة ونحمله على الفضيلة جمعا بين الحديثين
(فصل) قال بعض اصحابنا لا تجوز الزيادة في النهار على أربع وهذا ظاهر كلام الخرقي، وقال القاضي يجوز ويكره، ولنا ان الاحكام انما تتلقى من الشارع ولم يرد شئ من ذلك والله اعلم (فصل) ويستحب التنفل بين المغرب والعشاء لما روي عن انس بن مالك في هذه الآية (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) الآية قال: كانوا يتنفلون بين المغرب والعشاء يصلون، رواه أبو داود، وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بنى الله له بيتا في الجنة " قال الترمذي هذا حديث غريب (فصل) وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تخفيفه أو تطويله فالافضل اتباعه فيه فانه عليه
السلام لا يفعل الا الافضل، وقد ذكرنا بعض ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخففه ويطوله.
وما عدا ذلك ففيه ثلاث روايات (احداها) الافضل كثرة الركوع والسجود لقول ابن مسعود: انى لاعلم النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن سورتين في كل ركعة عشرون سورة من
المفصل.
رواه مسلم، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما من عبد سجد سجدة الا كتب الله له بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة " (والثانية) التطويل أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل الصلاه القنوت " رواه مسلم ولان النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر صلاته التهجد وكان يطيله على ما قد ذكرنا (والثالثة) هما سواء لتعارض الاخبار في ذلك والله أعلم (فصل) والتطوع في البيت أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " عليكم بالصلاة في بيوتكم فان خير صلاة المرء في بيته الا المكتوبة.
وقال عليه السلام " إذا قضي أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته، فان الله جاعل في بيته من صلاته خيرا " رواهما مسلم.
وعن زيد ابن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا الا المكتوبة " رواه أبو داود، ولان الصلاه في البيت أقرب إلى الاخلاص وأبعد من الرياء، وهو من عمل السر، والسر أفضل من العلانية
(فصل) ويستحب أن يكون للانسان تطوعات يداوم عليها وإذا فاتت يقضيها لقول عائشة سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الاعمال أفضل؟ قال " أدومه وان قل " متفق عليه، وقالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا عمل عملا أثبته.
رواه مسلم، وقال ابن عمر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك القيام فنام الليل " متفق عليه، ولانه إذا قضى ما ترك من تطوعه كان أبعد له من الترك (فصل) ويجوز التطوع في جماعة وفرادى لان النبي صلى الله عليه وسلم فعل الامرين كليهما وكان أكثر تطوعه منفردا، وصلى بحذيفة مرة، وبابن عباس مرة، وبانس وأمه واليتيم مرة، وأم
الصحابة في ليالي رمضان ثلاثا.
وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مضى وسنذكر الباقي ان شاء الله تعالى وهي كلها أحاديث صحاح (مسألة) (وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ويكون في حال القيام متربعا) يجوز
التطوع جالسا مع القدرة على القيام بغير خلاف علمناه، والصلاة قائما أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم " متفق عليه.
وفي لفظ مسلم " صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة " وقالت عائشة: ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كان يصلي كثيرا من صلاته وهو جالس، رواه مسلم.
ولان كثيرا من الناس يشق عليه طول القيام فلو وجب التطوع لترك أكثره فسامح الشارع في ترك القيام فيه ترغيبا في تكثيره كما سامح في فعله على الراحلة في السفر وسامح في نية صوم التطوع من النهار (فصل) ويستحب للمتطوع جالسا أن يكون في حال القيام متربعا، روي ذلك عن ابن عمر وأنس وابن سيرين ومالك والثوري والشافعي واسحاق، وعن أبي حنيفة كقولنا، وعنه يجلس كيف شاء لان القيام سقط فسقطت هيئته، وروي عن ابن المسيب وعروة وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز أنهم كانوا يحتبون في التطوع، واختلف فيه عن عطاء والنخعي
ولنا ما روي عن أنس أنه صلى متربعا، ولان ذلك أبعد من السهو والاشتباه، ولان القيام يخالف القعود فينبغي أن يخالف هيئته في بدله هيئة غيره كمخالفة القيام غيره ولا يلزم من سقوط القيام لمشقته سقوط مالا مشقة فيه كمن سقط عنه الركوع والسجود ولا يلزم سقوط، الايماء بهما وهذا الذي ذكرنا من صفة الجلوس مستحب غير واجب إذ لم يرد بايجابه دليل (فصل) ويثني رجليه في الركوع والسجود، كذلك ذكره الخرقي لان ذلك يروى عن أنس وهو قول الثوري، وحكي عن أحمد واسحاق أنه لا يثني رجليه إلا في السجود خاصة ويكون في الركوع على هيئة القيام، وحكاه أبو الخطاب، وهو قول أبي يوسف ومحمد وهو أقيس لان هيئة الراكع في
رجليه هيئة القائم فينبغي أن يكون على هيئته، قال شيخنا: وهذا أصح في النظر إلا أن أحمد ذهب إلى فعل أنس وأخذ به - وهو مخير في الركوع والسجود إن شاء من قيام، وإن شاء من قعود، لان النبي صلى الله عليه وسلم فعل الامرين، قالت عائشة: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل قاعدا قط حتى أسن فكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين أية أو
أربعين أية ثم ركع متفق عليه.
وعنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ليلا طويلا قائما وليلا طويلا قاعدا، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد، رواه مسلم (مسألة) (وأدنى صلاة الضحى ركعتان وأكثرها ثمان، ووقتها إذا علت الشمس) صلاة الضحى مستحبة.
قال أبو هريرة: أوصاني خليلي بثلاث، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى وان أوتر قبل أن أنام، وعن أبي الدرداء نحوه، متفق عليه.
وروى ابو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى " رواه مسلم، وأقل صلاة الضحى ركعتان لهذا الحديث، قال أصحابنا: وأكثرها ثماني ركعات لما روت أم هانئ.
ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة وصلى ثماني ركعات فلم أر صلاة قط أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود، متفق عليه، ويحتمل أن يكون أكثرها اثنتي عشرة
ركعة لما روى أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا في الجنة من ذهب " رواه ابن ماجه والترمذي وقال غريب، وأفضل وقتها إذا علت الشمس واشتد حرها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلاة الاوابين حين ترمض الفصال " رواه مسلم، ويمتد وقتها إلى زوال الشمس، وأوله حين تبيض الشمس (فصل) قال بعض أصحابنا: لا تستحب المداومة عليها لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم عليها قالت عائشة: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى قط، متفق عليه، وعن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة
أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا إلا أن يجئ من مغيبه، رواه مسلم، وقال عبد الرحمن ابن أبي ليلى: ما حدثني أحد قط أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحي إلا ام هانئ.
فانها حدثت أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فصلى ثماني ركعات ما رأيته قط صلى صلاة أخف منها غير أنه كان يتم الركوع والسجود متفق عليه، ولان في المداومة عليها تشبيها بالفرائض، وقال أبو الخطاب: تستحب المداومة عليها لان
النبي صلى الله عليه وسلم وصى بها أصحابه وقال " من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوبه وإن كان مثل زبد البحر " رواه الترمذي وابن ماجه.
وروت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله.
رواه مسلم، ولان أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه على ما ذكرنا (مسألة) (وسجود التلاوة صلاة) يعني يشترط له ما يشترط لصلاة النافلة من ستر العورة واستقبال القبلة والنية والطهارة من الحدث والنجس في قول عامة أهل العلم.
وروي عن عثمان رضي الله عنه في الحائض تستمع السجدة تومئ برأسها، وهو قول سعيد بن المسيب قال: وتقول اللهم لك سجدت وقال الشعبي فيمن سمع السجدة على غير وضوء يسجد حيث كان وجهه ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة بغير طهور " فيدخل في عمومة السجود، ولانه سجود فأشبه سجود السهو، فعلى هذا ان سمع السجود وهو محدث لم يلزمه الوضوء ولا التيمم.
وقال النخعي: يتيمم ويسجد، وعنه يتوضأ ويسجد، وبه قال الثوري واسحاق وأصحاب الرأي
ولنا أنها تتعلق بسبب فإذا فات لم يسجد كما لو قرأ سجدة في الصلاة فلم يسجد لم يسجد بعدها فعلى هذا ان توضأ لم يسجد لفوات سببها، ولا يتيمم لها مع وجود الماء لان الله تعالى شرط لجواز التيمم المرض أو عدم الماء ولم يوجد واحد منهما، فان كان عادما للماء فتيمم فله السجود ان لم يطل لانه لم يبعد سببها ولم يفت بخلاف الوضوء (مسألة) (وهو سنة للقارئ والمستمع دون السامع) سجود التلاوة سنة مؤكدة ليس بواجب روي ذلك عن عمر وابنه وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة وأصحابه بوجوبه لقوله تعالى
(فما لهم لا يؤمنون، وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) وهذا ذم ولا يذم الا على ترك الواجب ولانه سجود يفعل في الصلاة أشبه سجود صلبها ولنا ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النمل حتى إذا جاء السجدة
نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاءت السجدة قال: يا أيها الناس انما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا اثم عليه، ولم يسجد عمر.
وفي لفظ ان الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء، وراه البخاري.
وهذا كان يوم الجمعة بمحضر من الصحابة وغيرهم فلم ينكر فيكون إجماعا، وروى زيد بن ثابت قال قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم فلم يسجد منا أحد متفق عليه.
فأما الآية فانما ذم فيها تارك السجود غير معتقد فضله ولا مشروعيته وقياسهم ينتقض بسجود السهو فانه في الصلاة وهو غير واجب عندهم (فصل) ويسن للتالي والمستمع وهو الذي يقصد الاستماع بغير خلاف علمناه سواء كان التالي في صلاة أو لم يكن، فان كان المستمع في صلاة فهل يسجد بسجود التالي؟ على روايتين وذلك لما روى ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه رواه أبو داود وروي أيضا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة
في غير الصلاة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته، متفق عليه، فأما السامع الذي لا يقصد الاستماع فلا يسن له روي ذلك عن عثمان وابن عباس وعمران بن حصين رضي الله عنهم وبه قال مالك.
وقال أصحاب الرأي: عليه السجود وروي نحوه عن ابن عمر والنخعي واسحاق لانه سامع للسجدة أشبه المستمع، وقال الشافعي: لا أؤكد عليه السجود وان سجد فحسن ولنا ما روي عن عثمان أنه مر بقاص فقرأ القاص سجدة ليسجد عثمان معه فلم يسجد وقال: أنما السجدة على من استمع.
وقال ابن عباس وعمران: ما جلسنا لها، ولم يعلم لهم مخالف في عصرهم.
فأما ابن عمر فانما روي عنه أنه قال: انما السجدة على من سمعها، فيحتمل أنه أراد من سمعها قاصدا وينبغي
أن يحمل على ذلك جمعا بين أقوالهم، ولان السامع لا يشارك التالي في الاجر فلم يشاركه في السجود كغيره أما المستمع فقد قال عليه السلام " التالي والمستمع شريكان في الاجر " فلا يقاس غيره عليه (مسألة) (ويعتبر أن يكون القارئ يصلح اماما له) يشترط لسجود التلاوة كون التالي يصلح
اماما له، فان كان امرأة أو خنثى مشكلا لم يسجد الرجل باستماعه رواية واحدة، وبهذا قال مالك والشافعي واسحاق وروي ذلك عن قتادة، والاصل في ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى إلى نفر من أصحابه فقرأ رجل منهم سجدة ثم نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انك كنت امامنا ولو سجدت سجدنا " رواه الشافعي في مسنده والجوزجاني في المترجم عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فان كان التالي أميا سجد القارئ المستمع بسجوده لان القراءة ليست بركن في السجود، وان كان صبيا ففي سجود الرجل بسجوده وجهان بناء على صحة امامته في النفل (مسألة) (فان لم يسجد القارئ لم يسجد) يعني إذا لم يسجد التالي لم يسجد المستمع، وقال الشافعي يسجد لوجود الاستماع وهو سبب السجود، وقال القاضي إذا كان التالي في غير صلاة وهناك مستمع للقراءة فلم يسجد التالي لم يسجد المستمع في ظاهر كلامه فدل على أنه قد روي عنه السجود
ولنا ما روينا من الحديث ولانه تابع له فلم يسجد بدون سجوده كما لو كانا في الصلاة، وان كان التالي في صلاة دون المستمع سجد معه، وان كان المستمع في صلاة أخرى لم يسجد ولا ينبغي له الاستماع لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن في الصلاة لشغلا " متفق عليه، فعلى هذا لا يسجد إذا فرغ من الصلاة وقال أبو حنيفة يسجد لان سبب السجود وجد وامتنع المعارض فإذا زال المعارض سجد ولنا أنه لو ترك السجود لتلاوته في الصلاة لم يسجد بعدها فلان لا يسجد ثم بحكم تلاوة غيره أولى وعن أحمد في المستمع أنه يسجد إذا كان في تطوع سواء كان التالي في صلاة أخرى أو لم يكن، قال شيخنا والاول أصح لانه ليس بامام له فلا يسجد بتلاوته كما لو كان في فرض (فصل) والركوع لا يقوم مقام السجود، وحكى صاحب المستوعب رواية عن أحمد أن ركوع
الصلاة يقوم مقام السجود، وقال أبو حنيفة يقوم مقامه لقوله تعالى (وخر راكعا وأناب) ولنا أنه سجود مشروع فلم يقم الركوع مقامه كسجود الصلاة، والآية أريد بها السجود وعبر
عنه بالركوع بدليل أنه قال وخر ولا يقال للراكع خر وإنما روي عن داود عليه السلام السجود ولو قدر أن داود ركع حقيقة لم يكن فيه حجة لانه انما فعل ذلك توبة لا لسجود التلاوة.
وإذا قرأ السجدة في الصلاة في آخر السورة فان شاء ركع وان شاء سجد ثم قام فقرأ شيئا من القرآن ثم ركع، وان شاء سجد ثم قام فركع من غير قراءة نص عليه أحمد، وهذا قول ابن مسعود والربيع ابن خيثم واسحاق وأصحاب الرأي.
وروي عن عمر أنه قرأ بالنجم فسجد فيها ثم قام فقرأ سورة أخرى (فصل) وإذا قرأ السجدة على الراحلة في السفر أومأ بالسجود حيث كان وجهه.
وقال القاضي: إن أمكنه أن يستفتح بها القبلة فعله، وان كان لا تطيق دابته احتمل أن لا يستفتح بها واحتمل أنه لا بد من الاستفتاح؟ وقد روي الايماء به على الراحلة عن علي وسعيد بن زيد وابن عمر وابن الزبير وهو قول مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم منهم الراكب والساجد بالارض حتى ان الراكب ليسجد على يده رواه أبو داود، ولانه صلاة تطوع اشبه سائر التطوع، وان كان ماشيا سجد بالارض وبه قال ابو العالية وأبو ثور وأصحاب الرأي لما ذكرنا، وقال الاسود بن يزيد وعلقمة وعطاء ومجاهد يومئ وقد قال أبو الحسن الآمدي في صلاة الماشي يومئ وهذا مثله (مسألة) قال (وهو اربع عشرة سجدة) اختلفوا في سجود القرآن فالمشهور من المذهب ان عزائم السجود اربع عشرة سجدة (منها) ثلاث في المفصل وليس منها سجدة ص، ومنها اثنتان في الحج وهذا أحد قولي ابي حنيفة والشافعي الا ان ابا حنيفة جعل سجدة ص بدل من السجدة الثانية من الحج، وروي عن احمد انها خمس عشرة منها سجدة ص، وروي ذلك عن عقبة بن عامر وهو قول اسحاق لما روي عن عمرو بن العاص ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأه خمس عشرة سجدة منها
ثلاث في المفصل وفي الحج اثنتان، رواه أبو داود وابن ماجه.
وقال مالك في رواية والشافعي في قول: عزائم السجود إحدى عشرة سجدة ويروي هذا القول عن ابن عمر وابن عباس منها سجدة
ص وأول الحج دون آخرها وليس فيها سجدات المفصل.
وروي عن ابن عباس انه عدها عشرا وأسقط منا سجدة ص لما روى ابو الدرداء قال: سجدت مع النبي صلى الله عليه وسلم احدى عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شئ، رواه ابن ماجه.
وقال ابن عباس: ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شئ من المفصل منذ تحول إلى المدينة.
رواه أبو داود ولنا ما روى ابو رافع قال: صليت خلف أبي هريرة العتمة فقرأ (إذا السماء انشقت) فسجد فقلت ما هذه السجدة؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه، متفق عليه.
وعن ابي هريرة قال سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في (إذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك) أخرجه مسلم، وعن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد فيها وما بقي من القوم أحد إلا سجد، متفق عليه، وهذا مقدم على قول ابن عباس لانه اثبات والاثبات مقدم على النفي وابو هريرة انما أسلم بعد الهجرة في السنة السابعة ويمكن الجمع بين الاحاديث بحمل السجود على الاستحباب، وتركه السجود يدل على عدم الوجوب فلا تعارض إذا - وأما رواية كون السجود
خمس عشرة فمبناه على ان منها سجدة ص وقد روي عن عمر وابنه وعثمان انهم سجدوا فيها وهو قول الحسن ومالك والثوري وأصحاب الرأي لما روى ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها وظاهر المذهب أنها ليست من عزائم السجود روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وعلقمة وهو قول الشافعي لما روى ابو سعيد قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ص فنزل فسجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود " فنزل فسجد وسجدوا.
رواه أبو داود، وعن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص وقال " سجدها داود توبة، ونحن نسجدها شكرا " أخرجه
النسائي، وقال ابن عباس ليست ص من عزائم السجود والحديث الذي ذكرناه للرواية الاولى من أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها يدل على انه انما سجد فيها شكرا كما بين في حديث ابن عباس، فإذا قلنا ليست من عزائم السجود فسجدها في الصلاة احتمل أن لا تبطل صلاته لان سببها القراءة في الصلاة اشبهت عزائم السجود
واحتمل أن تبطل صلاته إذا فعل ذلك عمدا كسائر سجود الشكر والله أعلم (مسألة) قال (في الحج منها اثنتان) وهذا قول الشافعي وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر وممن كان يسجد فيها سجدتين عمر وعلي وعبد الله بن عمر وأبو الدرداء وأبو موسى، وقال ابن عباس فضلت الحج بسجدتين.
وقال الحسن وسعيد بن جبير والنخعي ومالك وأصحاب الرأي: ليست الثانية بسجدة لانه جمع فيها بين الركوع والسجود فلم تكن سجدة كقوله (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) ولنا حديث عمرو بن العاص الذي ذكرناه، وعن عقبة بن عامر قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة الحج سجدتان؟ قال " نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما " رواه أبو داود.
وقال أبو إسحاق أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين، وقال ابن عمر لو كنت تاركا لاحداهما لتركت الاولى، وذلك لان الاولى إخبار والثانية امر واتباع الامر أولى
(فصل) وموضع السجدات آخر الاعراف والرعد (بالغدو والآصال) وفي النحل (ويفعلون ما يؤمرون) وفي بني اسرائيل (ويزيدهم خشوعا) وفي مريم (خروا سجدا وبكيا) وفي الحج (يفعل ما يشاء) وفي الثانية (لعلكم تفلحون) وفي الفرقان (وزادهم نفورا) وفي النمل (رب العرش العظيم) وفي (الم تنزيل - وهم لا يستكبرون) وفي حم السجدة (وهم لا يسأمون) وآخر النجم وفي سورة الانشقاق (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) وآخر اقرأ باسم ربك (واقترب) وروي عن ابن عمر أن السجود في حم عند قوله (اياه تعبدون) وحكاه ابن أبي موسى وبه قال الحسن وابن سيرين وأصحاب عبد الله والليث ومالك لان الامر بالسجود فيها.
ولنا تمام الكلام في الثانية فكان السجود بعدها كما في
سجدة النحل عند قوله (ويفعلون ما يؤمرون) وذكر السجدة في التي قبلها (مسألة) قال (ويكبر إذا سجد وإذا رفع) متى سجد للتلاوة فعليه التكبير للسجود والرفع منه في الصلاة وغيرها وبه قال الحسن وابن سيرين والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي وبه قال مالك إذا سجد في الصلاة واختلف عنه في غير الصلاة، وقال ابن أبي موسى: في التكبير إذا رفع رأسه من سجود التلاوة اختلاف في الصلاة وغيرها
ولنا ما روى ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجود كبر وسجد وسجدنا معه.
قال عبد الرزاق: كان الثوري يعجبه هذا الحديث.
قال أبو داود يعجبه لانه كبر رواه أبو داود ولانه سجود منفرد فيشرع التكبير في ابتدائه والرفع منه كسجود السهو بعد السلام.
(فصل) ولا يشرع في ابتداء السجود أكثر من تكبيرة، وقال الشافعي: إذا سجد خارج الصلاة كبر تكبيرتين الافتتاح والسجود كما لو صلى ركعتين ولنا حديث ابن عمر وظاهره أنه كبر واحدة ولان معرفة ذلك من الشرع ولم يرد به ولانه سجود منفرد فلم يشرع فيه تكبيران كسجود السهو وقياسهم يبطل بسجود السهو وقياس هذا على سجود السهو أولى من قياسه على الركعتين لشبهه به، ولان الاحرام بالركعتين يتخلل بينه وبين السجود أفعال كثيرة فلذلك لم يكتف بتكبيرة الاحرام عن تكبير السجود بخلاف هذا (مسألة) (ويجلس ويسلم ولا يتشهد) المشهور عن أحمد أن التسليم واجب في سجود التلاوة وبه قال أبو قلابة وأبو عبد الرحمن لقول النبي صلى الله عليه وسلم " تحريمها التكبير وتحليلها التسليم " ولانها صلاة ذات
احرام فوجب السلام فيها كسائر الصلوات، وفيه رواية أخرى لا تسليم، وبه قال النخعي والحسن وسعيد بن جبير، وروي ذلك عن أبي حنيفة، واختلف قول الشافعي فيه.
قال أحمد: أما التسليم فلا أدري ما هو لانه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى قولنا بوجوب السلام يجزئه تسليمة نص عليه أحمد، وبه قال اسحاق قال: يقول السلام عليكم.
وذكر القاضي في المجرد عن أبي بكر
رواية لا يجزئه الا اثنتان، والصحيح الاول لانها صلاة ذات إحرام لا ركوع فيها أشبهت صلاة الجنازة ولا تفتقر إلى تشهد، نص عليه أحمد لانه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولاعن أحد من أصحابه واختار أبو الخطاب أنه يفتقر إلى التشهد قياسا على الصلاة ولنا أنها صلاة لا ركوع فيها فلم تفتقر إلى تشهد كصلاة الجنازة ولا يسجد فيه للسهو كصلاة الجنازة (فصل) ويقول في سجوده ما يقول في سجود صلب الصلاة، نص عليه أحمد.
وان قال ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فحسن.
قالت عائشة: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن بالليل " سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وعن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول
الله إني رأيتني الليلة أصلي خلف شجرة فقرأت السجدة فسجدت، فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها وهي تقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا، وضع عني بها وزرا، واجعلها لي عندك ذخرا فتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود.
فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سجدة ثم سجد، فقال ابن عباس فسمعته يقول مثلما أخبره الرجل عن قول الشجرة، رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال غريب: ومهما قال من نحو ذلك فحسن (مسألة) قال (وإذا سجد في الصلاة رفع يديه نص عليه، وقال القاضي لا يرفعهما) متى سجد للتلاوة خارج الصلاة رفع يديه في تكبيرة الابتداء لانها تكبيرة الاحرام، وإن كان في الصلاة فكذلك نص عليه أحمد لما روى وائل بن حجر قال: قلت لانظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يكبر إذا خفض ورفع ويرفع يديه في التكبير، قال أحمد هذا يدخل في هذا كله، وفي رواية أخرى لا يرفع يديه في الصلاة اختاره القاضي وهو قياس المذهب لقول ابن عمر وكان لا يفعل ذلك في السجود متفق عليه، ويتعين تقديمه على حديث وائل بن حجر لانه أخص منه، ولذلك قدم عليه في سجود الصلاة كذلك ههنا (فصل) ويكره اختصار السجود وهو أن ينزع الآيات التي فيها السجود فيقرؤها ويسجد فيها
وبه قال الشعبي والنخعي والحسن واسحاق ورخص فيه أبو حنيفة ومحمد وأبو ثور، وقيل اختصار السجود أن يحذف في القراءة آيات السجود وكلاهما مكروه لانه لم يرو عن السلف رحمهم الله، بل المنقول عنهم كراهته (مسألة) (ولا يستحب للامام السجود في صلاة لا يجهر فيها) قال بعض أصحابنا يكره للامام قراءة السجدة في صلاة السر فان قرأ لم يسجد، وبه قال أبو حنيفة لان فيها ابهاما على المأموم.
وقال الشافعي لا يكره لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في الظهر ثم قام فركع فرأى أصحابه أنه قرأ سورة السجدة، رواه أبو داود.
قال شيخنا واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم أولى (مسألة) (فان سجد فالمأموم مخير بين اتباعه وتركه) كذلك قال بعض أصحابنا لانه ليس بمسنون للامام ولم يوجد الاستماع المقتضي للسجود.
قال شيخنا: والاولى السجود لقول النبي صلى الله عليه وسلم " انما جعل الامام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا " وما ذكروه يبطل بما إذا كان المأموم بعيدا أو أطروشا في صلاة الجهر فانه يسجد بسجود امامه وإن لم يسمع (مسألة) (ويستحب سجود الشكر عند تجدد النعم، واندفاع النقم) وبهذا قال الشافعي واسحاق
وأبو ثور وابن المنذر.
وقال النخعي ومالك وأبو حنيفة يكره لان النبي صلى الله عليه وسلم كان في أيامه الفتوح واستسقى فسقي ولم ينقل أنه سجد ولو كان مستحبا لم يخل به ولنا ما روى أبو بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسر به خر ساجدا رواه ابن المنذر، وسجد الصديق حين بشر بفتح اليمامة، وعلي حين وجد ذا الثدية، وروي عن غيرهما من الصحابة فثبت ظهوره وانتشاره، وتركه تارة لا يدل على عدم استحبابه فان المستحب يفعل تارة ويترك أخرى وصفة سجود الشكر كصفة سجود التلاوة في أفعاله وأحكامه وشروطه على ما بينا (مسألة) (ولا يسجد له في الصلاة) لا يجوز أن يسجد للشكر في الصلاة لان سببه ليس منها فان فعل بطلت صلاته إن كان عمدا كما لو زاد فيها سجودا غيره.
وإن كان ناسيا أو جاهلا بتحريم ذلك لم تبطل صلاته كما لو زاد في الصلاة سجودا ساهيا والله أعلم وقال ابن الزاغوني يجوز في الصلاة والاول أولى
(فصل في أوقات النهى) وهي خمسة، بعد طلوع الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر،
وعند طلوعها حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، وإذا تضيفت للغروب حتى تغرب) كذلك عدها أصحابنا خمسة أوقات كما ذكرنا.
وقال بعضهم: الوقت الخامس من حين شروع الشمس في الغروب إلى تكامله لما روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فاخروا الصلاة حتى تغيب " ووجه القول الاول حديث عقبة بن عامر الذي نذكره إن شاء الله تعالى، قال شيخنا: والمنهي عنه من الاوقات عند أحمد: بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب وعند قيامها حتى تزول وهو في معنى قول الاصحاب، وهذه الاوقات منهي عن الصلاة فيها وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي والاصل فيها ما روى ابن عباس قال: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس " متفق عليهما.
وعن عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة
حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب، وعن عمرو بن عنبسة قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن الصلاة؟ قال " صل صلاة الصبح ثم اقصر عن الصلاة حين تطلع الشمس حتى ترتفع، فانها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فان الصلاة محصورة مشهودة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم اقصر عن الصلاة فانه حينئذ تسجر جنهم، فإذا أقبل الفئ فصل فان الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلى العصر، ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فانها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار " رواهما مسلم، وقال ابن المنذر انما المنهي عنه الاوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بدليل تخصيصها بالنهي في حديثه وقوله " لا تصلوا
بعد العصر الا أن تصلوا والشمس مرتفعة " رواه أبو داود، وقالت عائشة وهم عمر انما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس أو غروبها ولنا ما ذكرنا من الاحاديث فانها صريحة صحيحة والتخصيص في بعض الاحاديث لا يعارض العموم الموافق له، بل يدل على تأكد الحكم فيما خصه، وقول عائشة في رد خبر عمر غير مقبول فانه مثبت لروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي تقول برأيها، ثم هي قد روت ذلك أيضا، فروت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها، رواه أبو داود.
فكيف يقبل ردها لما قد
أقرت بصحته؟ وقد رواه ابو سعيد وأبو هريرة وعمرو بن عنبسة وغيرهم كنحو رواية عمر فكيف يترك هذا بمجرد رأي مختلف؟ (فصل) والنهي بعد العصر عن الصلاة متعلق بفعلها فمن لم يصل العصر أبيح له التنفل وان صلى غيره، ومن صلى فليس له التنفل وان صلى وحده، لا نعلم في ذلك خلافا عند من منع الصلاة بعد العصر.
فأما النهي بعد الفجر ففيه روايتان (احداهما) يتعلق بفعل الصلاة أيضا يروى ذلك عن الحسن والشافعي لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس " وروى أبو داود حديث عمر بهذا اللفظ.
وفي حديث عمرو بن عنبسة " صل صلاة الصبح ثم اقصر عن الصلاة " رواه مسلم.
وفي رواية أبي داود قال: قلت يا رسول الله أي الليل أسمع؟ قال " جوف الليل الآخر فصل فيما شئت فان الصلاة مقبولة مشهودة حتى تصلي الصبح ثم اقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قيد رمح أو رمحين " ولان النهي بعد العصر متعلق بفعل الصلاة فكذلك بعد الفجر.
(والرواية الثانية) ان النهي متعلق بطلوع الفجر.
وبه قال ابن المسيب وحميد بن عبد الرحمن وأصحاب الرأي.
وقد رويت كراهته عن
ابن عمر وابن عمرو وهو المشهور في المذهب لما روى يسار مولى ابن عمر قال: رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد طلوع الفجر فقال: يا يسار ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه
الصلاة فقال " ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر الا سجدتين " (1) رواه أبو داود.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا طلع الفجر فلا صلاة الا ركعتا الفجر " وهذا يبين مراد النبي صلى الله عليه وسلم من اللفظ المجمل ولا يعارضه تخصيص ما بعد الصلاة من النهي فان دليل ذلك خطاب فالمنطوق أولى منه، وحديث عمرو بن عنبسة قد اختلفت ألفاظ الرواة فيه وهو في سنن ابن ماجه " حتى يطلع الفجر " (مسألة) قال (ويجوز قضاء الفرائض فيها) يجوز قضاء الفرائض الفائتة في جميع أوقات النهي وغيرها روي نحو ذلك عن علي رضي الله عنه وغير واحد من الصحابة، وبه قال أبو العالية والنخعي والشعبي والحكم وحماد ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وابن المنذر، وقال أصحاب الرأي لا تقضى الفوائت في الاوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر إلا عصر يومه يصليها قبل غروب الشمس لعموم النهي، ولان النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس أخرها حتى
__________
1) يعني ركعتين وهما سنة الفجر
ابيضت الشمس، متفق عليه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها " متفق عليه وفي حديث أبي قتادة " انما التفريط في اليقطة على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الاخرى فان فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها " متفق عليه (1) وخبر النهي مخصوص بالقضاء في الوقتين الآخرين فنقيس محل النزاع على المخصوص، وقياسهم منقوض بذلك أيضا، وحديثهم يدل على جواز التأخير لا على تحريم الفعل (فصل) ولو طلعت الشمس وهو في صلاة الصبح أتمها.
وقال أصحاب الرأي: تفسد لانها صارت في وقت النهي ولنا ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذ أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغيب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته "
متفق عليه، وهذا نص خاص على عموم ما ذكروه (فصل) ويجوز فعل الصلاة المنذورة في وقت النهي سواء كان النذر مطلقا أو مؤقتا ويتخرج
__________
1) الحديث غير متفق عليه بل رواه مسلم حديث طويل وأولل لبمرفوع في المسألة (انه ليس في النوم تفريط...) ورواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه
انه لا يجوز بناء على صوم الواجب في أيام التشريق وهو قول أبي حنيفة لعموم النهي.
ولنا أنها صلاة واجبة فأشبهت الفوائت من الفرائض وصلاة الجنازة فانه قد وافقنا فيما بعد صلاة العصر والصبح (مسألة) (وتجوز صلاة الجنازة وركعتا الطواف وإعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجد بعد الفجر والعصر، وهل يجوز في الثلاثة الباقية؟ على روايتين) تجوز صلاة الجنازة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تميل الشمس للغروب بغير خلاف قال ابن المنذر: إجماع المسلمين في الصلاة على الجنازة بعد العصر والصبح، فأما الصلاة عليها في الاوقات الثلاثة التي في حديث عقبة فلا تجوز، ذكره القاضي وغيره، وحكاه الاثرم عن أحمد، وقد روي عن جابر وابن عمر نحو هذا القول، قال الخطابي: هذا قول أكثر أهل العلم، وفيه رواية أخرى أنه يجوز حكاها أبو الخطاب وهو مذهب الشافعي لانها صلاة تباح بعد الصبح والعصر فأبيحت في سائر الاوقات كالفرائض، ولنا قول عقبة بن عامر: ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا عن الصلاة فيهن وأن نقبر فيهن موتانا، وذكره للصلاة مقرونا بالدفن يدل على إرادة صلاة الجنازة ولانها صلاة من غير الصلوات الخمس أشبهت النوافل، وانما أبيحت بعد العصر والصبح لطول مدتهما فالانتظار يخاف منه عليها بخلاف هذه الاوقات، وقياسهم على
الفرائض لا يصح لتأكدها ولا يصح قياس الاوقات الثلاثة على الوقتين الطويلين لما ذكرنا
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: