الفقه الحنبلي - التيمم - النجاسات
(فصل) لا يختلف المذهب أنه يجزئ التيمم بضربة واحدة وبضربتين وإن تيمم بأكثر من ضربتين جاز لان المقصود ايصال التراب إلى محل الفرض فكيفما حصل جاز كالوضوء،
فان تيمم بضربة فانه يمسح وجهه بباطن أصابعه وظاهر كفيه إلى الكوعين بباطن راحتيه.
ويستحب أن يمسح احدى الراحتين بالاخرى ولا يجب ذلك لان فرض الراحتين قد سقط بامرار كل واحدة على ظهر الكف.
ويفرق أصابعه عند الضرب ليدخل الغبار فيما بينها، وإن كان التراب ناعما فوضع اليدين عليه وضعا أجزأه، وإن مسح بضربتين مسح باحداهما وجهه وبالاخرى يديه.
قال ابن عقيل: رأيت التيمم بضربة واحدة قد أسقط ترتيبا مستحقا في الوضوء وهو انه يعتد بمسح باطن أصابعه مع مسح وجهه وكيفما مسح بعد أن يستوعب محل الفرض أجزأه
(فصل) والمسنون عن أحمد رحمه الله التيمم بضربة كما وصفنا نص عليه، وقال القاضي التيمم
بضربة إلى الكوعين صفة الاجزاء، والمسنون ضربتان يمسح بأولاهما وجهه وبالاخرى يديه إلى المرفقين فيضع بطون أصابع اليسرى على ظهر أصابع اليمنى يمرها إلى مرفقه ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع ويمرها عليه ويمر ابهام اليسرى على ظهر ابهام اليمنى ثم يمسح يده اليسرى بيده اليمنى كذلك ويمسح احدى الراحتين بالاخرى، ويستحب تخليل الاصابع قياسا على الوضوء وانما استحب ذلك لوجهين (احدهما) أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تيمم بضربتين إلى المرفقين وأقل أحوال فعله إذا لم يدل على الايجاب الاستحباب (الثاني) أنه فيه خروجا من الخلاف وانما اختار الامام أحمد الاول لان الاحاديث الصحيحة انما جاء فيها المسح إلى الكوعين (فصل) وإذا وصل التراب إلى وجهه ويديه بغير ضرب نحو أن نسفت الريح عليه غبارا فان لم يكن قصد الريح ولاصمد لها فمسح وجهه بما عليه لم يجزه لان الله تعالى أمر بقصد الصعيد ولم يوجد وان مسح وجهه بغير ما عليه أجزأه لانه قد أخذ التراب لوجهه فلا فرق بين أن يأخذ من ثيابه أو من الارض، وان كان صمد للريح وأحضر النية فقال القاضي والشريف أبو جعفر يجزئه كما لو صمد للمطر حتى جرى على أعضائه، قال شيخنا والصحيح انه لا يجزئه وهو اختيار ابن عقيل لانه لم يمسح وقد أمر الله تعالى بالمسح فعلى هذا ان مسح وجهه بما عليه أجزأه لحصول المسح، ويحتمل أن لا يجزئه
لان الله تعالى أمر بقصد الصعيد والمسخ به والله أعلم (فصل) وإذا علا على يديه تراب كثير لم يكره نفخه لان في حديث عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب بيديه الارض ونفخ فيهما قال أحمد لا يضره فعل أو لم يفعل، وهذا قول ابن المنذر وممن لم يكره نفخ اليدين ونفضهما الشعبي.
وقال مالك نفضا خفيفا.
وقال الشافعي لا بأس به إذا بقي على يديه غبار وهو قول اسحاق، وقال أصحاب الرأي ينفضهما وكان ابن عمر لا ينفض يديه، وذكر القاضي وابن عقيل رواية أنه يكره كما يكره نفض الماء عن اليدين في الوضوء.
فان كان التراب خفيفا فقال أصحابنا يكره نفخه رواية واحدة.
فان ذهب ما عليهما بالنفخ أعاد الضرب لانه مأمور بالمسح بشئ من الصعيد (مسألة) (ومن حبس في المصر صلى بالتيمم ولا اعادة عليه) قد ذكرنا أن من صلى بالتيمم
في الحضر لعدم الماء هل تجب عليه الاعادة؟ فيه روايتان على الاطلاق (إحداهما) لا تجب عليه الاعادة وهو مذهب مالك قياسا على السفر (والثانية) تجب عليه وهو مذهب الشافعي لانه عذر نادر فلا يلحق بالغالب وعنه لا يصلي حتى يجد الماء أو يسافر ذكره في المجرد، وقال أبو الخطاب لا تجب عليه الاعادة في هذه المسألة وهو الصحيح ان شاء الله تعالى.
وذكر في غيرها روايتين ووجه قول أبي الخطاب أن هذا عادم للماء بعذر متطاول معتاد أشبه المسافر (مسألة) (ولا يجوز لواجد الماء التيمم خوفا من فوات المكتوبة ولا الجنازة وعنه يجوز للجنازة) وجملة ذلك أنه إذا كان الماء موجودا إلا أنه ان اشتغل بتحصيله واستعماله فات الوقت لم يبح له التيمم سواء كان حاضرا أو مسافرا في قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي، وعن الاوزاعي والثوري له التيمم.
وروي عن مالك وسعيد بن عبد العزيز نحو القول الاول لقول الله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وحديث أبي ذر وهذا واجد للماء ولانه قادر على الماء فلم يجز له التيمم كما لو لم يخف فوت الوقت ولان الطهارة شرط فلم يبح تركها خيفة فوت وقتها كسائر شرائطها وان خاف فوت العيد فكذلك، وقال الاوزاعي وأصحاب الرأي له التيمم لانه يخاف فوتها بالكلية فاشبه العادم، ووجه الاول ما ذكرنا من الآية والمعنى.
فاما ان خاف فوت الجنازة ففيه روايتان أظهرهما
لا يجوز له التيمم لما ذكرنا وهو قول الشافعي وابن المنذر (والثانية) يجوز يروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وبه قال النخعي والزهري والحسن والثوري والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي لانه لا يمكن استدراكها بالوضوء أشبه العادم، وقال الشعبي يصلي عليها من غير وضوء ولا تيمم لانه لا ركوع فيها ولا سجود أشبهت الدعاء في غير الصلاة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة بغير طهور " ولان الله تعالى قال (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) الآية ثم أباح ترك الغسل مشروطا بعدم الماء بقوله (فلم تجدوا ماء فتيمموا) فيبقى فيما عداه على قضية العموم.
(مسألة) (وان اجتمع جنب وميت ومن عليها غسل حيض فبذل ماء يكفي أحدهم - لاولاهم به فهو
للميت وعنه أنه للحي وأيهما يقدم؟ فيه وجهان) وجملته أنه إذا اجتمع جنب وميت ومن عليها غسل حيض ومعهم ماء لا يكفي الا أحدهم فان كان ملكا لاحدهم فهو أحق به لانه محتاج إليه لنفسه ولا يجوز بذله لغيره وان كان الماء لغيرهم فاراد أن يجود به على أولاهم به ففيه روايتان (أولاهما) أن الميت أحق به لان غسله خاتمة طهارته وصاحباه يرجعان إلى الماء فيغتسلان ولان لاقصد بغسل الميت تنظيفه ولا يحصل بالتيمم والحي يقصد بغسله إباحة الصلاة وذلك يحصل بالتراب (والثانية) الحي أولى لانه متعبد بالغسل مع وجود الماء والميت قد سقط الفرض عنه بالموت ولان الحي يستفيد مالا يستفيد الميت من قراءة القرآن ومس المصحف والوطئ اختارها الخلال.
وهل يقدم الجنب أو الحائض فيه وجهان (احدهما) الحائض لانها تقصي حق الله تعالى وحق زوجها في إباحة وطئها (والثاني) الجنب أحق إذا كان رجلا لانه يصلح إماما لها ولا تصلح لامامته.
وان كان على أحدهم نجاسة فهو أولى لان طهارة الحدث لها بدل مجمع عليه بخلاف النجاسة.
وان وجدوا الماء في مكان فهو للاحياء لانه لا وجدان
للميت وإن كان للميت ففضلت منه فضلة فهو لورثته فان لم يكن له وارث حاضر فللحي أخذه بقيمته لان في تركه اتلافه، وقال بعض أصحابنا ليس له أخذه لان مالكه لم يأذن فيه إلا أن يحتاج إليه للعطش فيأخذه بشرط الضمان (فصل) وإن اجتمع جنب ومحدث وكان الماء لا يكفي الجنب فهو أولى لانه يستفيد به مالا يستفيده المحدث، وإن كان فوق حاجة المحدث فهو أولى به لانه يستفيد به طهارة كاملة، وإن كان لا يكفي واحدا منهما فالجنب أولى به لانه يستفيد به تطهير بعض أعضائه، وإن كان يفضل عن كل واحد منهما فضلة لا تكفي صاحبه ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يقدم الجنب لانه يستفيد بغسله ما لا يستفيده المحدث (والثاني) يقدم المحدث لان فضلته يلزم الجنب استعمالها رواية واحدة (والثالث)
التسوية لانه تقابل الترجيحان فتساويا فيدفع إلى أحدهما أو يقرع بينهما، وإذا تغلب من غيره أولى منه على الماء فاستعمله كان مسيئا وأجزأه لان الآخر لم يملكه وانما رجح لشدة حاجته
(فصل) وهل يكره للعادم جماع زوجته إذا لم يخف العنت؟ فيه روايتان (احداهما) يكره يروى نحوه عن مالك لانه يفوت على نفسه طهارة ممكنا بقاؤها (والثانية) لا يكره روي ذلك عن علي وابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهم وهو قول الزهري وجابر بن زيد والحسن وقتادة والثوري والاوزاعي والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر، وحكي عن عطاء ان كان بينه وبين الماء أربع ليال فأكثر فليصب أهله، وان كان ثلاث ليال فما دونها فلا يصبها وقال الزهري ان كان في سفر فلا
يقربها حتى يأتي وإن كان لاماء معزبا فلا بأس أن يصيبها، والاولى جواز وطئها مطلقا من غير كراهة لان أبا ذر قال للنبي صلى الله عليه وسلم إني أعزب عن الماء ومعي أهل فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " الصعيد الطيب طهور " رواه أبو داود والنسائي.
وأصاب ابن عباس جارية له رومية وهو عادم للماء وصلى بأصحابه وفيهم عمار فلم ينكروه، قال إسحاق بن راهويه هو سنة مسنونة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أبي ذر وعمار وغيرهما فإذا فعلا ووجدا من الماء ما يغسلان به فرجيهما غسلاهما ثم تيمما وان لم يجدا تيمما للجنابة والحدث الاصغر والنجاسة وصليا، ويجوز للمتيمم أن يصلي بالمتوضئين لما ذكرنا من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه والله أعلم باب ازالة النجاسة (لا تجوز إزالتها بغير الماء) في المصهور من المذهب وبه قال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن وزفر (وروي عن أحمد ما يدل على أنها تزال بكل مائع طاهر مزيل للعين والاثر كالخل وماء الورد وماء الشجر ونحوه) وهو قول أبي حنيفة لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا ولغ الكلب في اناء أحدكم فليغسله سبعا متفق عليه أطلق الغسل فتقييده بالماء يحتاج إلى دليل ولانه مائع طاهر مزيل فجازت إزالة النجاسة به كالماء ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لاسماء " إذا أصاب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه
بماء ثم لتصل به " متفق عليه.
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذنوب من ماء فأهريق على بول
الاعرابي وهذا أمر يقتضي الوجوب ولانها إحدى الطهارتين المشترطة للصلاة فأشبهت طهارة الحدث ومطلق حديثهم مقيد بحديثنا والماء مختص باحدى الطهارتين فكذلك الاخرى فاما ما لا يزيل كالمرق واللبن والدهن ونحوه فلا خلاف في أن النجاسة لا تزال به والله أعلم (مسألة) (ويجب غسل نجاسة الكلب والخنزير سبعا إحداهن بالتراب) لا يختلف المذهب في نجاسة الكلب والخنزير وما تولد منهما أنه نجس عينه وسؤره وعرقه وكل ما خرج منه روي ذلك عن عروة وهو قول الشافعي وأبي عبيدة وبه قال أبو حنيفة في السؤر.
وقال مالك والاوزاعي وداود سؤرهما طاهر يتوضأ منه وان ولغ في طعام لم يحرم أكله، وقال الزهري يتوضأ منه إذا لم يجد غيره.
وقال عبدة بن أبي لبابة والثوري وابن الماجشون يتوضأ ويتيمم قال مالك ويغسل الاناء الذي ولغ فيه الكلب تعبدا، واحتج مبعضهم على طهارته بأن الله تعالى قال (فكلوا مما أمسكن عليكم) ولم يأمر بغسل أثر فمه وروى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة بها فقال " لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر طهور " رواه ابن ماجه ولانه حيوان يجوز اقتناؤه ويشق الاحتراز منه فكان طاهرا كالهر ولنا ما روي أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا " متفق عليه ولمسلم " فليرقه ثم لغسله سبع مرارا " ولو كان سؤره طاهرا لم تجز اراقته ولا وجب غسله فانه قالوا انما وجب غسله تعبدا كما تغسل أعصاء الوضوء وتغسل اليد من نوم الليل.
قلنا الاصل وجوب الغسل عن النجاسة كما في سائر الغسل: ثم لو كان تعبدا لما أمر باراقة الماء ولما اختص الغسل
بموضع الولوغ لعموم اللفظ في الاناء كله وأما غسل اليد من نوم الليل فانما أمر به للاحتياط لاحتمال النجاسة والوضوء شرع للوضاءة والنظافة ليكون العبد في حال قيامه بين يدي الله تعالى على أحسن حال وأكملها ثم ان سلمنا ذلك فانما عهدنا التعبد في غسل البدن أما الآنية والثياب فانما يجب غسلها من النجاسات وقد روي في لفظ " طهور اناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبعا " أخرجه أبو داود ولا يكون الطهور الا في محل الطهارة، وقولهم ان الله تعالى أمر بأكل ما أمسكه الكلب قبل غسله
قلنا الله تعالى أمر بأكله ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بغسله فيعمل بأمرهما، وان سلمنا انه لا يجب غسله فلانه يشق فعفي عنه، وحديثهم قضية في عين يحتمل أن الماء المسئول عنه كان كثيرا ولذلك قال في موضع آخر حين سئل عن الماء وما ينويه من السباع فقال " إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث " ولان لنا رواية أن الماء لا ينجس إلا بالتغيير فلذلك لا ينجس الماء شربها منه وقياسهم على الهر في معارضة النص لا يصح.
والفرق بينهما أن الكلب يأكل النجاسات عادة بخلاف الهر والله أعلم.
وإذا ثبتت نجاسة الكلب ثبتت نجاسة الخنزير بطريق التنبيه لانه شر منه وقد نص الشارع على تحريمه فكان تنجيسه أولى، إذا ثبت هذا فانه يجب غسلها إذا كانت على غير الارض سبعا
احداهن بالتراب، وممن قال يغسل سبع مرات أبو هريرة وابن عباس وعروة وطاوس وعمرو بن دينار والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو عبيد وابن المنذر وقال الزهري يغسل ثلاث مرات وقال عطاء كل قد سمعت ثلاثا وخمسا وسبعا، وعن أحمد أنه يجب غسلها ثمانية احداهن بالتراب وهو رواية عن الحسن لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا ولغ الكلب في الاناء فاغسلوه سبعا وعفروه الثامنة بالتراب " رواه مسلم، ووجه الرواية الاولى ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا ولغ الكلب في اناء أحدكم فليغسله سبعا أولاهن بالتراب " رواه مسلم وهذه الرواية أصح ويحمل هذا الحديث على أنه عد التراب ثامنة لكونه جنسا آخر جمعا بين الخبرين.
وقال أبو حنيفة لا يجب العدد في شئ من النجاسات انما يغسل حتى يغلب على الظن نقاؤه من النجاسة لانه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الكلب يلغ في الاناء " يغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعا " فلم يعين عددا، ولانها نجاسة فلم يجب فيها العدد كما لو كانت على الارض ولنا ما ذكرنا من الحديثين وحديثهم يرويه عبد الوهاب بن الضحاك وهو ضعيف فلا يعارض حديثنا وقد روى غيره من الثقاة " فليغسله سبعا " وعلى أنه يحتمل الشك من الراوي فينبغي أن يتوقف فيه والارض سومح في غسلها للمشقة بخلاف غيرها (مسألة) (فان جعل مكانه أشنانا أو نحوه فعلى وجهين) يعني إن جعل مكان التراب في غسل
نجاسة الكلب غيره من الاشنان والصابون والنخالة ففيه وجهان (أحدهما) لا يجزئه طهارة أمر فيها
بالتراب فلم يقم غيره مقامه كالتيمم ولان الامر به تعبد فلا يقاس عليه (والثاني) يجزئه لان هذه الاشياء أبلغ من التراب في الازالة فنصه على الترب تنبيه عليها ولانه جامد أمر به في إزالة النجاسة فألحق به ما يماثله كالحجر في الاستجمار، وقال ابن حامد انما يجوز العدول إلى غير التراب عند عدمه أو فساد المخل المغسول به فأما مع وجوده وعدم الضرر فلا.
فان جعل مكانه غسلة ثامنة فقال بعض أصحابنا فيه وجهان والصحيح انها لا تقوم مقام التراب لانه ان كان القصد به تقوية الماء في الازالة فذلك لا يحصل من الثامنة وإن وجب تعبدا امتنع إبداله والقياس عليه والله أعلم وهذا اختيار شيخنا (فصل) ولا فرق بين غسل النجاسة من ولوغ الكلب أو يده أو رجله أو شعره أو غير ذلك من أجزائه قياسا على السؤر ولان ذلك حكم غيره من الحيوانات فكذلك الكلب وحكم الخنزير في سؤره وسائر أجزائه حكم الكلب على ما فصلنا لانه شر منه وقد نص الشارع على تحريمه وأجمع المسلمون عليه ولا يباح اقتناؤه بحال فثبت الحكم فيه بطريق الاولى (1) (فصل) وإذا ولغ في الاناء كلاب أو أصاب المحل نجاسات متساوية في الحكم فهي كنجاسة واحدة وان كان بعضها أغلظ كالولوغ مع غيره فالحكم لاغلظها ويدخل فيه ما دونه، ولو غسل الاناء دون السبع ثم ولغ فيه مرة أخرى فغسله سبعا أجزأه لانه إذا أجزأ عما يماثل فعما دونه أولى (فصل) والمستحب أن يجعل التراب في الغسلة الاولى لموافقة لفظ الخبر وليأتي الماء بعده
__________
1) الجمهور يمتنعون القياس في هذه المسائل لعدم ثبوت العلة واهل الحديث أولى بالوقوف فيها عند النص
فينظفه ومتى غسل به أجزأه لانه روي في حديث إحداهن وفي حديث أولاهن وفي حديث في الثامنة فيدل على أن محل التراب من الغسلات غير مقصود (فصل) وإذا غسل محل الولوغ فأصاب ماء بعض الغسلات محلا آخر قبل اتمام السبع ففيه وجهان (احدهما) يجب غسله سبعا وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار ابن حامد لانها نجاسة فلا يراعى فيها حكم
المحل الذي انفصلت عنه كنجاسة الارض ومحل الاستنجاء (والثاني) يجب غسله من الاولى ستا ومن الثانية خمسا كذلك إلى آخره لانها نجاسة تطهر في محلها بدون السبع فطهرت به في مثله قياسا عليه وكالنجاسة على الارض.
وتفارق المنفصل عن الارض ومحل الاستنجاء لان العلة في خفتها المحل وقد زالت عنه فزال التخفيف والعلة في تخفيفها ههنا قصور حكمها بما مر عليها من الغسل وهذا لازم لها حيثما كانت.
ثم إن كانت قد انفصلت عن محل الغسل بالتراب غسل محلها بغير تراب وإن كانت الاولى بغير تراب غسلت هذه بالتراب وهذا اختيار القاضي وهو أصح إن شاء الله تعالى (مسألة) (وفي سائر النجاسات ثلاث روايات (احداهن) يجب غسلها سبعا وهل يشترط التراب على وجهين (والثانية) ثلاثا (والثالثة) تكاثر بالماء من غير عدد كالنجاسات كلها إذا كانت على الارض) وجملة ذلك أن في سائر النجاسات غير نجاسة الكلب والخنزير إذا كانت على غير الارض ثلاث روايات (احداهن) يجب غسلها سبعا قياسا على نجاسة الكلب والخنزير لما روي عن ابن عمر أنه قال: أمرنا بغسل الانجاس سبعا فينصرف إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا هل يشترط التراب؟ فيه وجهان (أحدهما) يجب قياسا على الولوغ وهذا اختيار الخرقي (والثاني) لا يشترط لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل للدم وغيره ولم يأمر بالتراب إلا في نجاسة الكلب فوجب أن يقتصر عليه
ولان الامر بالتراب ان كان تعبدا وجب قصره على محله وان كان لمعنى في نجاسة الولوغ من اللزوجة التي لا تنقلع الا بالتراب فلذلك لا يوجد في غيره.
وفي هذا الدليل نظر لانه غير موجود في نجاسه الكلب غير الولوغ وقد قالوا بوجوب التراب فيه (والرواية الثانية) يجب غسلها ثلاثا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا قام أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فانه لا يدري أين باتت يده " رواه مسلم أمر بغسلها ثلاثا ليرتفع وهم النجاسة ولا يرفع وهم النجاسة إلا ما يرفع الحقيقة (والثالثة) تكاثر بالماء من غير عدد حتى تزول عين النجاسة وهذا مذهب الشافعي لما روى ابن عمر قال كان غسل الثوب من البول سبع مرات فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعل غسل الثوب من البول مرة رواه الامام أحمد وأبو داود إلا أن في رواته أيوب بن جابر وهو ضعيف ولان
النبي صلى الله عليه وسلم قال لاسماء في الدم " اغسليه بالماء " ولم يذكر عددا ولانها نجاسة فلم يجب فيها العدد كنجاسة الارض وقد روي أن النجاسة في محل الاستنجاء تطهر بثلاث وفي غيره بسبع لان محل الاستنجاء تتكرر النجاسة فيه فاقتضى ذلك التخفيف ولانه قد اجتزئ فيها بثلاثة أحجار فأولى أن يجتزأ فيها بثلاث غسلات لان الماء أبلغ من الاحجار وفيه (رواية خامسة) (1) أن العدد لا يجب في نجاسة البدن ويجب في غيرها لان الابدان تعم البلوى فيها بملاقاة النجاسة تارة منها وتارة من غيرها فخفف أمرها لاجل المشقة ذكرها ابن عقيل وذكر القاضي رواية أن العدد لا يعتبر في غير محل الاستنجاء من البدن ويجب في محل الاستنجاء لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بعدد الاحجار فيه ويجب في سائر المحال وقال الخلال هذه الرواية وهم ولم يثبتها (فصل) وإذا أصابت النجاسة الاجسام الصقيلة كالمرآة ونحوها وجب غسله ولم يطهر بالمسن
__________
1) ينظر أين الرابعة
لانه محل لا تنكر فيه النجاسة فلم يجز فيه المسح كالاواني (فصل) وغسل النجاسة يختلف باختلاف محلها فان كان جسما لا يتشرب النجاسة كالآنية فغسله بامرار الماء عليه كل مره غسلة سواء كان بفعل الآدمي أولا مثل أن ينزل عليه ماء المطر أو يجري عليه الماء فكل جرية تمر عليه غسلة لان القصد غير معتبر أشبه مالو صبه إدمي بغير قصد وان وقع في ماء راكد قليل نجسه ولم يطهر وان كان كثيرا اعتبر وضعه فيه ومرور الماء على أجزائه غسلة وان حركه في الماء بحيث تمر عليه أجزاء غير التي كانت ملاقية له احتسب بذلك غسلة ثانية كما لو مرت عليه جريات من الماء الجاري.
وان كان المغسول إناء فطرح فيه الماء لم يحتسب به غسلة حتى يفرغه منه لانه العادة في غسله.
فان كان الاناء يسع قلتين فصاعدا فملاه احتمل أن ادارة الماء فيه تجري مجرى الغسلات لان أجزاءه تمر عليها جريات من الماء غير التي كانت ملاقية لها أشبه ما لو مرت عليه جريات من الجاري.
وقال ابن عقيل لا يكون غسلة الا بتفريغه أيضا، وان كان المغسول جسما تدخل فيه أجزاء النجاسة كالثوب لم يحتسب برفعه من الماء غسلة حتى يعصره وعصر كل شئ بحسبه فان كان بساطا
ثقيلا أو نحوه فعصره بتقليبه ودقه حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء والله أعلم (فصل) إذا أصاب ثوب المرأة دم حيضها استحب أن تحته بظفرها لتذهب خشونته ثم تقرصه بريقها ليلين للغسل ثم تغسله بالماء لقول النبي صلى الله عليه وسلم لاسماء في دم الحيض " حثيه ثم اقرصيه
ثم اغسليه بالماء، وإن اقتصرت على الماء جاز وإن لم يزل لونه وكانت إزالته تشق أو تتلف الثوب أو تضره لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ولا يضرك أثره " رواه أبو داود، وإن استعملت في إزالته شيئا يزيله كالملح وغيره فحسن لما روى أبو داود عن امرأة من غفار أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفها على حقيبة فحاضت قالت فنزلت فإذا بها دم مني فقال " مالك لعلك نفست؟ " قالت نعم قال " فاصلحي من نفسك ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحا ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم " قال الخطابي فيه من الفقه جواز استعمال الملح وهو مطعوم في غسل الثوب وتنقيته من الدم فعلى هذا يجوز غسل الثياب بالعسل إذا كان الصابون يفسده وبالخل إذا أصابه الحبر والتدلك بالنخالة وغسل الايدي بها وبالبطيخ ودقيق الباقلاء وغيرها من الاشياء التي لها قوة الجلاء.
(فصل) فان كان في الاناء خمر أو شبهه من النجاسات التي يتشربها الاناء ثم متى جعل فيها مائع سواه ظهر فيه طعما النجاسة أو لونها لم يطهر بالغسل لان الغسل لا يستأصل أجزاء النجاسة من جسم الاناء فلم يطهره كالسمسم الذي ابتل بالنجاسة، قال الشيخ أبو الفرج المقدسي في المبهج آنية الخمر منها المزفت فيطهر بالغسل لان الزفت يمنع وصول النجاسة إلى جسم الاناء ومنها ما ليس بمزفت فيتشرب أجزاء النجاسة فلا يطهر بالتطهير فانه متى ترك فيه مائع ظهر فيه طعمه أو لونه (فصل في تطهير النجاسة على الارض) متى تنجست الارض بنجاسة مائعة أي نجاسة كانت كالبول والخمر ونحوهما فطهورها أن تغمر بالماء بحيث يذهب لون النجاسة وريحها فان لم يذهبا لم تطهر لان بقاءهما دليل بقاء النجاسة، فان كانت مما لا يزول لونها أو رائحتها إلا بمشقة سقط ذلك كما قلنا
في الثوب، والدليل على أن الارض تطهر بذلك ما روى أنس قال: جاء اعرابي فبال في طائفة من المسجد فزجره
الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله أمر بذنوب من ماء فأهرق عليه.
متفق عليه ولا نعلم في ذلك خلافا (فصل) إذا أصاب الارض ماء المطر أو السيول فغمرها وجرى عليها فهو كما لو صب عليها لان تطهير النجاسة لا تعتبر النية فيه فاستوى ما صبه الآدمي وغيره.
قال أحمد في البول يكون في الارض فتمطر عليه السماء إذا أصابه من المطر بقدر ما يكون ذنوبا كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصب على البول فقد طهر، وقال المروذي: سئل أبو عبد الله عن ماء المطر يختلط بالبول فقال: ماء المطر عندي لا يخالط شيئا إلا طهره إلا العذرة فانها تنقطع، وسئل عن ماء المطر يصيب الثوب فلم ير به بأسا الا أن يكون بيل فيه بعد المطر، وقال: كل ما ينزل من السماء إلى الارض فهو نظيف داسته الدواب أو لم تدسه، وقال في الميزاب إذا كان في الموضع النظيف لا بأس بما قطر عليك من المطر إذا لم تعلم قيل له فأسأل عنه؟ قال لا وما دعاك إلى السؤال؟ واحتج في طهارة طين المطر بحديث الاعرابي وبأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين كانوا يخوضون المطر في الطرقات فلا يغسلون أرجلهم روي ذلك عن عمر وعلى رضي الله عنهما، قال ابن مسعود كنا لا نتوضأ من موطئ ونحوه عن ابن عباس وهذا قول عوام أهل العلم لان الاصل الطهارة فلا تزول بالشك (فصل) فان كانت النجاسة ذات أجزاء متفرقة كالرميم والدم إذا جف والروث فاختلطت بأجزاء الارض لم تطهر بالغسل لان عينها لا تنقلب ولا تطهر الا بزالة أجزاء المكان بحيث يتيقن زوال
أجزاء النجاسة ولو بادر البول وهو رطب فقلع التراب الذي عليه أثره فالباقي طاهر لان النجس كان رطبا وقد زال وإن جف فأزال ما وجد عليه الاثر لم يطهر لان الاثر انما يبين على ظاهر الارض لكن ان قلع ما تيقن به زوال ما أصابه البول فالباقي طاهر (مسألة) (ولا تطهر الارض النجسة بشمس ولا ريح) وممن روي عنه ذلك أبو ثور وابن المنذر والشافعي في أحد قوليه، وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن تطهر إذا ذهب أثر النجاسة، وقال أبو قلابة جفاف الارض طهورها لان ابن عمر روى أن الكلاب كانت تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك رواه أبو داود
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " صبوا على بول الاعرابي ذنوبا من ماء " والامر يقتضي الوجوب (2) ولانه محل نجس فلم يطهر بغير الغسل كالثياب، فأما حديث ابن عمر فرواه البخاري وليس فيه ذكر البول ويحتمل أنه أراد انها كانت تبول ثم تقبل وتدبر في المسجد فيكون اقبالها وإدبارها فيه بعد بولها (مسألة) (ولا يطهر شئ من النجاسات بالاستحالة إلا الخمرة إذا انقلبت بنفسها) فلو أحرق السرجين فصار رمادا أو وقع كلب في ملاحة فصار ملحا لم يطهر كالدم إذا استحال قيحا أو صديدا ولان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الجلالة وألبانها لاكلها النجاسة فلو كانت النجاسة تطهر
__________
2) يقول الحنيفة كان هذا عقب بوله والنجاسة ظاهرة.
ونظيره غسلهم المنى رطبا وفركه جافا.
والمطلوب أن لا يكون هنا لك قدر بين ولم يرد نص بغسل كل ما تنجس على سبيل التعبد
بالاستحالة لم يؤثر أكلها النجاسة لانها تستحيل، ويتخرج أن تطهر النجاسات كلها بالاستحالة قياسا على الخمرة إذا انقلبت، وجلود الميتة إذا دبغت والجلالة إذا حبست (فصل) ودخان النجاسة وغبارها نجس فان اجتمع منه شئ أو لاقى جسما صقيلا فصار ماء فهو نجس إلا إذا قلنا إن النجاسة تطهر بالاستحالة وما أصاب الانسان من دخان النجاسة وغبارها فلم يجتمع منه شئ ولا ظهرت له صفة فهو طاهر لعدم إمكان التحرز منه، فأما الخمرة إذا انقلبت بنفسها خلا فانها تطهر لا نعلم في ذلك خلافا لان نجاستها لشدتها المسكرة الحادثة لها وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها فوجب أن تطهر كالماء الذي يتنجس بالتغيير إذا زال تغييره بنفسه ولا يلزم عليه سائر النجاسات لكونها لا تطهر بالاستحالة لان نجاستها لعينها والخمر نجاستها لامر زال بالانقلاب (مسألة) (فان خللت لم تطهر في ظاهر المذهب) روي ذلك عن عمر وهو قول مالك، وقال الشافعي ان ألقي فيها شئ كالملح فتخللت لم تطهر وإن نقلت من شمس إلى ظل أو بالعكس فتخللت ففي إباحتها قولان، ويخرج لنا أيضا فيها احتمالان (أحدهما) تطهر كما لو نقلها لغير قصد التخليل فتخللت فانه لا فرق بينهما سوى النية (والثاني) لا تطهر كما لو وضع فيها شئ فتخللت لما روي أن أبا طلحة
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا فقال " اهرقها " قال أفلا أخللها؟ قال " لا " من المسند رواه الترمذي ولو جاز التخليل لم ينه عنه ولم تبح اراقته.
وقيل تطهر لان علة التحريم زالت أشبه مالو تخللت بنفسها ولان التطهير لا فرق فيه بين ما حصل بفعل الله تعالى وفعل العبد كتطهير
الثوب والارض وهذا قول أبي حنيفة وروي نحوه عن عطاء وعمرو بن دينار والحارث العكلي (مسألة) (ولا تطهر الادهان النجسة بالغسل) في ظاهر المذهب اختاره القاضي وابن عقيل قال ابن عقيل الا الزئبق فانه لقوته وتماسكه يجري مجرى الجامد.
وقال أبو الخطاب يطهر بالغسل منها ما يتأتى غسله كالزيت ونحوه لانه يمكن غسله بالماء فطهر به كالجامد.
وطريق تطهيره أن يجعل في ماء كثير ويحرك حتى يصيب الماء جميع أجزائه ثم يترك حتى يعلو على الماء فيؤخذ وان تركه في جرة وصب عليه ماء وحركه فيه وجعل له بزا لا يخرج منه الماء جاز.
ووجه القول الاول أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن السمن إذا وقعت فيه الفأرة فقال إن كان مائعا فلا تقربوه رواه أبو داود ولو كان يمكن تطهيره لم يأمر باراقته ومن نصر قول أبي الخطاب قال الخبر ورد في السمن ولعله لا يمكن تطهيره لانه يجمد ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الامر بغسله لمشقة ذلك وقلة وقوعه (فصل) وإذا وقعت النجاسة في غير الماء وكان مائعا نجس، وقد ذكرنا الخلاف فيه وان كان جامدا كالسمن الجامد أخذت النجاسة فما حولها فالقيت والباقي طاهر لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال " إن كان جامدا فالقوها وما حولها وان كان مائعا فلا تقربوه " من المسند واسناده على شرط لصحيحين - وحد الجامد الذي لا نسري النجاسة إلى جميعه الذي يكون فيه قوة تمنع انتقال أجزاء النجاسة من الموضع الذي وقعت فيه النجاسة إلى ما سواه وقال ابن عقيل: الجامد الذي إذا فتح وعاؤه لم تسل أجزاؤه والظاهر خلاف هذا لان سمن الحجاز لا يكاد يبلغه ولان المقصود بالجمود أن لا تسري أجزاء النجاسة وهذا حاصل بما ذكرناه فنقتصر عليه
(فصل) فان تنجس العجين ونحوه لم يطهر لانه لا يمكن غسله وكذلك نقع شئ من الحبوب
في الماء النجس حتى انتفخ وابتل نص عليه أحمد أنه لا يطهر وان غسل مرارا إذا ثبت ذلك فقال أحمد في العجين يطعم النواضح وقال الشافعي بطعم البهائم وقال الثوري وأبو عبيد يطعم الدجاج وقال ابن المنذر لا يطعم شيئا لان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن شحوم الميتة تطلى بها السفن ويستصبح بها الناس قال " لا هو حرام " وهذا في معناه ولنا ما روى أحمد عن ابن عمر أن قوما اختبزوا من آبار الذين مسخوا فقال عليه السلام " اعلفوه النواضح " وقال في كسب الحجام " اعلفه ناضحك أو رقيقك " احتج به أحمد وقال ليس هذا بميتة والنهي انما تناول الميتة ولان استعمال شحوم الميتة فيما سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم يفضي إلى تعدي نجاستها وهذا لا يتعدى أكله قال أحمد ولا يطعم لشئ يؤكل في الحال ولا يحلب لبنه لئلا يتنجس به ويصير كالجلالة.
(مسألة) (وإذا خفيت النجاسة لزمه غسل ما يتيقن به إزالتها) متى خفيت النجاسة في بدن أو ثوب وأراد الصلاة فيه لم يجز له حتى يتيقن زوالها وانما يتيقن ذلك بغسل كل محل يحتمل أن النجاسة أصابته فان لم يعلم جهتها من ثوب غسله وان علمها في أحد الكمين غسلهما وان رآها في بدنه أو ثوبه الذي عليه غسل كل ما يدركه بصره منه وبذلك قال النخعي ومالك والشافعي وابن المنذر، وقال
ابن شبرمة يتحرى مكان النجاسة فيغسله، وقال عطاء والحكم وحماد إذا خفيت النجاسة في الثوب نضحه كله وذلك لحديث سهل بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم في المذي قال: قلت يا رسول الله فكيف بما أصاب ثوبي منه؟ قال " يجزئك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه " فأمر بالتحري والنضح ولنا أنه تيقن المانع من الصلاة فلم تبح له الصلاة إلا بيقين زواله كمن تيقن الحدث وشك في الطهارة والنضح لا يزيل النجاسة وحديث سهل مخصوص بالمذي دون غيره لانه يشق التحرز منه فلا يتعدى حكمه إلى غيره لان أحكام النجاسات تختلف.
وقوله حيث ترى أنه أصاب منه محمول على من ظن أنه أصاب ناحية من ثوبه من غير يقين فيجزئه نضح المكان أو غسله (فصل) فان خفيت النجاسة في موضع فضاء واسع صلى حيث شاء ولا يجب غسل جميعه لان
ذلك يشق فلو منع من الصلاة أفضى إلى أن لا يجد موضعا يصلي فيه.
فان كان الموضع صغيرا كالبيت ونحوه غسله كله كالثوب (مسألة) (ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح) معنى النضح أن يغمره بالماء وإن لم ينزل عنه ولا يحتاج إلى مرس وعصر.
فأما بول الجارية فيغسل وإن لم تأكل وهذا قول علي رضي الله عنه وبه قال عطاء والحسن والشافعي واسحاق.
وحكي عن الحسن أن بول الجارية ينضح
ما لم تطعم كالصبي، قال القاضي رأيت لابي اسحاق بن شاقلا كلاما يدل على طهارة بول الغلام لانه لو كان نجسا لوجب غسله كسائر النجاسات، وقال الثوري وأبو حنيفة يغسل بول الغلام كبول الجارية بالقياس عليه ولانه حكم يتعلق بالنجاسة فاستوى فيه الذكر والانثى كسائر أحكامها ولنا ما روت أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله.
متفق عليه، وعن لبابة بنت الحارث قالت: كان الحسين بن علي في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبال عليه فقلت البس ثوبا آخر واعطني إزارك حتى أغسله.
قال " انما يغسل من بول الانثى وينضح من بول الذكر " رواه أبو داود، وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بول الغلام ينضج وبول الجارية يغسل " قال قتادة هذا ما لم يطعما الطعام فإذا طعما غسل بولهما.
رواه الامام أحمد وهذه نصوص صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم فاتباعها أولى من القياس، وقول النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على من خالفه (فصل) قال أحمد الصبي إذا طعم الطعام وأراده واشتهاه غسل بوله.
وليس إذا طعم لانه قد يلعق العسل ساعة يولد والنبي صلى الله عليه وسلم حنك بالتمر فعلى هذا ما يسقاه الصبي أو يلعقه للتداوي لا يعد طعاما يوجب الغسل وما يطعمه لغذائه وهو يريده ويشتهيه يوجب الغسل والله أعلم (مسألة) (وإذا تنجس أسفل الخف أو الحذاء وجب غسله، وعنه يجزئ دلكه بالارض
وعنه يغسل من البول والغائط ويدلك من غيرهما) وجملته أنه إذا تنجس أسفل الخف والحذاء ففيه
ثلاث روايات إحداهن يجب غسله قياسا على الثوب والرجل وغيرها وهو قول الشافعي ومحمد بن الحسن (والثانية) يجزئ دلكه بالارض حتى تزول عين النجاسة وتباح الصلاة فيه وهذا قول الاوزاعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا وطئ أحدكم الاذى بخفيه فطهورهما التراب " وفي لفظ " إذا وطئ بنعله أحدكم الاذى فان التراب له طهور " وعن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فان رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما " روى هذه الاحاديث أبو داود ولان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون في نعالهم والظاهر أن النعل لا تخلو من نجاسة تصيبها فلو لم يجز دلكها لم تصح الصلاة فيها (والثالثة) يغسل من البول والغائط لفحشهما وتغليظ نجاستهما ويدلك من غيرهما لما ذكرنا وهو قول إسحاق، والاولى أنه يجزئ فيه الدلك مطلقا لما ذكرنا من الاحاديث، فان قيل فقول النبي صلى الله عليه وسلم في نعليه إن فيهما قذرا يدل على أنه لا يجزئ دلكهما ولم يزل القذر منهما.
قلنا لا دلالة في هذا لانه لم ينقل أنه دلكهما والظاهر أنه لم يدلكهما لانه لم يعلم بالقذر فيهما حتى أخبره جبريل عليه السلام (فصل) إذا ثبت أنه يجزئ الدلك فهل يحكم بطهارتها أو يحكم بطهارة محل الاستجمار بعد الانقاء واستيفاء العدد؟ فيه وجهان (أحدهما) يحكم بطهارته اختاره ابن حامد لظاهر الاخبار التي ذكرناها وهذا ظاهر كلام أحمد فانه قال في المستجمر يعرق في سراويله لا بأس به لان قول النبي صلى الله عليه وسلم في
الروث والرمة أنهما لا يطهران مفهومه أن غيرهما يطهر ولانه معنى يزيل حكم النجاسة فطهرها كالماء وقال أصحابنا المتأخرون لا يطهر المحل فلو قعد المستجمر في ماء يسير نجسه ولو عرق كان عرقه نجسا لان المسح لا يزيل أجزاء النجاسة كلها فالباقي منها نجس لانه عين النجاسة فأشبه مالو وجد في المحل وحده، وقال القاضي في الخفين انما يجزئ دلكهما بعد جفاف نجاستهما لانه لا يبقى لها أثر ولا يجزئ قبل الجفاف وبه قال أبو حنيفة في الروث والعذرة والدم والمني.
وقال في البول لا يجزئه حتى يغسل وان يبس لان رطوبة النجاسة باقية فلا يعفى عنها.
وظاهر الاخبار لا يفرق بين رطب ولا جاف ولانه محل اجتزئ فيه بالمسح فجاز له مع رطوبة الممسوح كمحل الاستنجاء ولان رطوبة المحل معفو عنها إذا
جفت قبل الدلك فعفي عنها إذا جفت به كالاستجمار (مسألة) قال (ولا يعفى عن يسير شئ من النجاسات الا الدم وما تولد منه من القيح والصديد وأثر الاستنجاء) أراد أثر الاستجمار ولا نعلم خلافا في العفو عنه بعد الانقاء واستيفاء العدد وقد ذكرنا الخلاف في طهارته (فصل) فأما الدم والقيح فأكثر أهل العلم يرون العفو عن يسيره وممن روي عنه ذلك ابن عباس وأبو هريرة وجابر وابن أبي أوفى وسعيد بن المسيب وابن جبير وطاوس ومجاهد وعروة والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي، وروي عن ابن عمر أنه كان ينصرف من قليله وكثيره ونحوه عن الحسن
وسليمان التيمي لانه نجس أشبه البول ولنا ماروي عن عائشة قالت قد يكون لاحدانا الدرع فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بريقها وفي رواية بلته بريقها ثم قصعته بظفرها.
رواه أبو داود، وهذا يدل على العفو عنه لان الريق لا يطهره ويتنجس به ظفرها وهو اخبار عن داوام افعل ومثل هذا لا يخفى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصدر إلا عن أمره، ولانه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف وما روي عن ابن عمر فقد روي عنه خلافه فروى عنه الاثرم باسناده أنه كان يسجد فيخرج يديه فيضعهما بالارض وهما يقطران دما من شقاق كان في يديه.
وعصر بثرة فخرج منها دم فمسحه بيده وصلى ولم يتوضأ.
وانصرافه عنه في بعض الحالات لا ينافي ما رويناه عنه فقد يتورع الانسان عن بعض ما يرى جوازه ولانه يشق التحرز منه فعفي عنه كاثر الاستجمار.
وحد اليسير المعفو عنه هو الذي لا ينقض الطهارة، وقد ذكرنا الخلاف فيه في نواقض الوضوء والله أعلم (فصل) والقيح والصديد مثله إلا أن أحمد قال هو أسهل من الدم لانه روي عن ابن عمر والحسن أنهما لم يرياه كالدم.
قال أبو مجلز في الصديد انما ذكر الله الدم المسفوح.
وقال أمي بن ربيعة رأيت طاوسا كأن إزاره نطع من قروح كانت برجليه ونحوه عن مجاهد، وقال ابراهيم في الذي يكون به الحبور يصلي ولا يغسله فإذا برأ غسله ونحوه قول عروة فعلى هذا يعفى منه عن أكثر مما يعفى عن
مثله من الدم لان هذا لا نص فيه وانما ثبتت نجاسته لاستحالته من الدم (فصل) ولا فرق بين كون الدم مجتمعا أو متفرقا فإذا جمع بلغ هذا القدر ولو كانت النجاسة في شئ صفيق قد نفذت من الجانبين فاتصلت فهي نجاسة واحدة وإن لم تتصل بل كان بينهما شئ لم يصبه الدم فهما نجاستان إذا بلغا لو جمعا قدرا لا يعفى عنه لم يعف عنهما كجاني الثوب (فصل) ودم الحيض في العفو عنه كغيره لحديث عائشة الذي ذكرناه وكذلك سائر دماء
الحيوانات الطاهرات.
فأما دم الكلب والخنزير وما تولدمنهما أو من أحدهما فلا يعفى عن يسيره لان رطوباته الطاهرة من غيره لا يعفى عن يسيرها فدمه أولى.
فأما دم البغل والحمار وسباع البهائم والطير ان قلنا بطهارتها عفى عن يسير دمائها كسائر الحيوانات الطاهرات وان قلنا بنجاستها وقلنا لا يعفى عن يسير شئ من رطوباتها كالريق والعرق فأولى أن لا يعفى عن دمها كدم الكلب والخنزير.
ولان دمها لابد أن يصيب جسمها فلم يعف عنه كالماء، وهكذا حكم كل دم أصاب نجاسة غير معفو عنها لم يعف عن شئ منه لذلك، وان قلنا يعفى عن يسير ريقها وعرقها احتمل أن يعفى عن يسير دمها قياسا عليه والله أعلم (فصل) ودم ما لا نفس له سائلة كالبق والبراغيث والذباب ونحوه طاهر في ظاهر المذهب.
وممن رخص في دم البراغيث عطاء وطاوس والحسن والشعبي والحكم وحماد والشافعي واسحاق لانه لو كان نجسا لنجس الماء ليسير إذا مات فيه فانه إذا مكث في الماء لا يسلم من خروج فضلة منه، ولانه ليس بدم مسفوح.
وانما حرم الله سبحانه الدم المسفوح، وروي عن أحمد أنه قال في دم البراغيث إني لا فزع منه إذا كثر.
وقال النخعي اغسل ما استطعت، وقال مالك في دم البراغيث إذا كثر وانتشر فاني أرى أن يغسل والاول أظهر، وقول أحمد ليس فيه تصريح بنجاسته بل هو دليل التوقف ولان المنسوب إلى دم البراغيث انما هو بولها في الظاهر وبول هذه الحشرات ليس بنجس (فصل) فأما دم السمك فقال أبو الخطاب هو طاهر وهذا قول أبي الحسن لان اباحته لا تقف على سفحه ولو كان نجسا لوقفت الاباحة على اراقته بالذبح كحيوان البر ولانه إذا ترك استحال ماء
وقال أبو ثور هو نجس لانه مسفوح فيدخل في عموم الآية والعلقة نجسة لانها دم خارج من الفرج أشبه دم الحيض، وعنه أنها طاهرة لانه بدء خلق آدمي أشبهت المني، قال شيخنا والصحيح نجاستها
لانها دم أشبهت سائر الدماء ولان الشرع لم يرد فيها بطهارة فتدخل في عموم النص - وما يبقى في اللحم من الدم معفو عنه.
ولو علت حمرة الدم في القدر لم يكن نجسا لانه لا يمكن التحرز منه وإذا أصاب الاجسام الصقيلة كالسيف والمرآة نجاسة يعفى عن يسيرها كالدم عفي عن كثيرها بالمسح (2) لان الباقي بعد المسح يسير وإن كثر محله فعفي عنه كيسير غيره (فصل) (وانما يعفى عن يسير الدم في غير المائعات) فلو وقعت قطرة من دم في مائع يسير تنجس وصار حكمه حكم الدم في العفو عن يسيره لانه فرع عليه (مسألة) (وعنه في المذي والقئ وريق البغل والحمار وسباع البهائم والطير وعرقها وبول الخفاش والنبيذ والمني انه كالدم.
وعنه في المذي انه يجزي فيه النضح) اختلفت الرواية عن احمد رحمه الله في ذلك فروي عنه في المذي انه قال: يغسل ما أصاب الثوب منه إلا أن يكون يسيرا، وروى الخلال باسناده قال: سئل سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن المذي فكلهم قال انه بمنزلة القرحة فما علمت منه فاغسله وما غلبك منه فدعه لانه يخرج من الشاب كثيرا فيشق التحرز منه فعفي عن يسيره كالدم.
وعن أحمد انه كالمني لانه خارج بسبب الشهوة أشبه المني، وعنه أنه يجزئ فيه النضح لان في حديث سهل بن حنيف قال: قلت يا رسول الله فكيف بما أصاب ثوبي منه قال " انما يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه " قال الترمذي حديث صحيح (والرواية الاخرى) يجب غسله لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الذكر منه ولانه نجاسة خارجة من الذكر أشبه البول يروى ذلك عن عمر وابن عباس وهو مذهب الشافعي وإسحاق وكثير من أهل العلم.
وكذلك المني إذا قلنا بنجاسته لما ذكرنا في المذي.
فأما الودي فهو نجس لا يعفى عنه في الصحيح لانه خارج من مخرج البول فهو كالبول وعن احمد أنه كالمذي.
وأما القئ فروي عن أحمد انه قال هو عندي بمنزلة الدم لانه خارج نجس من غير السبيل أشبه الدم.
وروي
عن أحمد في ريق البغل والحمار وعرقهما انه يعفي عنه إذا كان يسيرا وهو الظاهر عن أحمد قال الخلال وعليه مذهب أبي عبد الله لانه يشق التحرز منه، قال أحمد من يسلم من هذا ممن يركب الحمير إلا
__________
2) جملة: يعفى عن يسيرها صفه لقوله نجاسة - وقوله عفي عن كثير ها هو جواب الشرط
اني أرجو أن يكون ما جف منه أسهل، قال القاضي وكذلك ما كان في معناهما من سباع البهائم سوى الكلب والخنزير وكذلك الحكم في أرواثها وكذلك الحكم في سباع الطير لانها في معنى سباع البهائم وبول الخفاش، قال الشعبي والحكم وحماد وحبيب بن أبي ثابت لا بأس ببول الخفافيش.
وكذلك الخفاش والخطاف لانه يشق التحرز منه فانه في المساجد كثير فلو لم يعف عن يسيره لم يقر في المساجد وكذلك النبيذ لوقوع الخلاف في نجاسته وكذلك بول ما يؤكل لحمه إذا قلنا بنجاسته لانه يشق التحرز منه لكثرته، وعن أحمد لا يعفى عن يسير شئ من ذلك لان الاصل أن لا يعفي عن شئ من النجاسة خولف في الدم وما تولد منه فيبقى ما عداه على الاصل (فصل) ولا يعفى عن يسير شئ من النجاسات غير ما ذكرنا وممن قال لا يعفى عن يسير البول مالك والشافعي وأبو ثور، وقال أبو حنيفة يعفى عن يسير جميع النجاسات لانها يكتفى فيها بالمسح في محل الاستنجاء فلو لم يعف عن يسيرها لم يكف فيها المسح ولانه يشق منه التحرز أشبه الدم ولنا عموم قوله تعالى (وثيابك فطهر) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " تنزهوا من البول فان عامة عذاب القبر منه " ولانها نجاسة لا تشق إزالتها فوجبت كالكثير، وأما الدم فانه يشق التحرز منه فان الانسان لا يكاد يخلو من بثرة أو حكة أو دمل ويخرج من أنفه وغيره فيشق التحرز من يسيره أكثر من كثيره ولهذا فرق في الوضوء بين قليله وكثيره (مسألة) (ولا ينجس الآدمي بالموت ولا مالا نفس له سائلة كالذباب وغيره) ظاهر المذهب أن الآدمي طاهر حيا وميتا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمن لا ينجس " متفق عليه.
وعن أحمد أنه سئل عن بئر وقع فيها انسان فمات فقال تنزح حتى تغلبهم وهو مذهب أبي حنيفة قال: ينجس ويطهر بالغسل لانه حيوان له نفس سائلة فنجس بالموت كسائر الحيوانات، وللشافعي قولان كالروايتين، والصحيح الاول للخبر
ولانه آدمي فلم ينجس بالموت كالشهيد ولانه لو نجس بالموت لم يطهر بالغسل كالحيوانات التي تنجس بالموت
(فصل) ولم يفرق أصحابنا بين المسلم والكافر لاستوائهما في حال الحياة، قال شيخنا ويحتمل أن ينجس الكافر بموته لان الخبر إنما ورد في المسلم ولا يقاس الكافر عليه لانه لا يصلى عليه ولا حرمة له كالمسلم (1) (فصل) وحكم أجزاء الآدمي وابعاضه حكم جملته سواء انفصلت في حياته أو بعد موته لانها أجزاء من جملة فكان حكمها كحكمها كسائر الحيوانات الطاهرة والنجسة، وذكر القاضي أنها نجسة رواية واحدة لانها لا حرمة لها بدليل أنها لا يصلى عليها وما ذكروه ممنوع فان لها حرمة فان كسر عظم الميت ككسره وهو حي ولانه يصلى عليها إذا وجدت من الميت ثم يبطل بشهيد المعركة فانه لا يصلى عليه وهو طاهر.
(فصل) وما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت والمراد بالنفس الدم فان العرب تسمي الدم نفسا قال الشاعر: نبئت أن بني سحيم أدخلوا * أبياتهم تامور نفس المنذر أي دمه ومنه قيل للمرأة نفساء لسيلان دمها عند الولادة ويقال نفست المرأة إذا حاضت فكل ما ليس له دم سائل من حيوان البر والبحر من العلق والديدان والسرطان ونحوها لا ينجس بالموت ولا ينجس الماء إذا مات فيه في قول عامة العلماء قال ابن المنذر لا أعلم في ذلك خلافا الا ما كان من أحد قولي الشافعي فان عنده في تنجيس الماء إذا مات فيه قولان.
فأما الحيوان في نفسه فهو عنده نجس قولا واحدا لانه حيوان لا يؤكل لا لحرمته فنجس باملوت كالبغل والحمار ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا وقع الذباب في اناء أحدكم فليمقله فان في أحد جناحيه داء
__________
1) الاحتمال ضعيف لان الكلام في النجاسة الحسية التي تدرك ببعض الحواس ولا فرق فيها بين مؤمن وكافر قطعا
وفي الآخر شفاء " رواه البخاري وفي لفظ " فليغمسه كله ثم ليطرحه " وقال الشافعي مقله ليس يقتله قلنا اللفظ عام في كل شراب بارد أو حار أو دهن مما يموت بغمسه فيه فلو كان ينجس الشراب كان أمرا بافساده قود روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسلمان " يا سلمان أيما طعام أو شراب ماتت فيه دابة ليس
لها نفس سائلة فهو الحلال أكله وشربه ووضوؤه " وهذا صريح أخرجه الدار قطني قال الترمذي يرويه بقية وهو يدلس فإذا روى عن الثقاة جود ولانه لا نفس له سائلة أشبه دود الخل إذا مات فيه فانهم سلموا أن ذلك لا ينجس الا أن يؤخذ ويطرح فيه أو يشق الاحتراز منه أشبه ما ذكرنا.
وإذا ثبت أنه لا ينجس الماء لزم أن لا يكون نجسا والا لنجس الماء كسائر النجاسات (فصل) فاما أن كان متولدا من النجاسات كدود الحش وصراصره فهو نجس حيا وميتا لانه متولد من النجاسة فكان نجسا كالمتولد من الكلب والخنزير قال المروذي قال أحمد صراصر الكنيف والبالوعة إذا وقع في الاناء صب وصراصر البئر ليس هي بقذرة لانها لا تأكل العذرة (فصل) وماله نفس سائلة من الحيوان غير الآدمي ينقسم قسمين (أحدهما) ميتة طاهرة وهو السمك وسائر حيوان البحر الذي لا يعيش إلا في الماء فهو طاهر حيا وميتا لانه لو كان نجسا لم يبح أكله (القسم الثاني) مالا تباح ميتته غير الآدمي كحيوان البر المأكول وغيره وحيوان البحر الذي يعيش في البر كالضفدع والحية والتمساح ونحوه فكل ذلك ينجس بالموت وينجس الماء القليل إذا مات فيه والكثير إذا غيره وهذا قول ابن المبارك والشافعي وأبي يوسف، وقال مالك وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن في الضفدع لا تفسد الماء إذا ماتت فيه لانها تعيش في الماء أشبهت السمك ولنا أنها تنجس غير الماء فنجست الماء كحيوان البر ولانه حيوان له نفس سائلة لا تباح ميتتة أشبه طير الماء وبهذا فارق السمك (فصل) وفي الوزغ وجهان (أحدهما) لا ينجس بالموت لانه لا نفس له سائلة أشبه العقرب (والثاني) أنه نجس لان عليا رضي الله عنه كان يقول: ان ماتت الوزغة أو الفأرة في الحب يصب ما فيه وان ماتت في بئر فانتزحها تغلبك
(فصل) إذا مات في الماء ما لا يعلم هل ينجس بالموت أم لا فالماء طاهر لان الاصل طهارته والنجاسة مشكوك فيها وكذلك ان شرب منه حيوان يشك في نجاسة سؤره وطهارته لما ذكرناه (مسألة) (وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه طاهر وعنه انه نجس)
اختلفت الرواية في بول ما يؤكل لحمه وروثه فروي عن أحمد أنه طاهر وهو ظاهر كلام الخرقي وهو قول عطاء والنخعي والثوري ومالك ورخص في أبوال الغنم الزهري ويحيى الانصاري، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم الا الشافعي فانه اشترط أن تكون سليمة من أبعارها وأبوالها، ورخص في ذرق الطائر الحكم وحماد وأبو حنيفة، وعن أحمد أن ذلك نجس وهو قول الشافعي وأبي ثور ونحوه عن الحسن لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " تنزهوا من البول " ولانه رجيع فأشبه رجيع الآدمي ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال الابل والنجس لا يباح شربه ولو أبيح للضرورة لامرهم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في مرابض الغنم وأمر بالصلاة فيها متفق عليه، وصلى أبو موسى في موضع فيه ابعار الغنم فقيل له: لو تقدم إلى ههنا؟ فقال هذا وذاك واحد ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما يصلون عليه من الاوطئة والمصليات وانما كانوا يصلون على الارض ومرابض الغنم لا تخلو من ابعارها وأبوالها فدل على أنهم كانوا يباشرونها في صلاتهم، ولانه لو كان نجسا لتنجست الحبوب التي تدوسها البقر فانها لا تسلم من أبوالها فيتنجس بعضها فيختلط النجس بالطاهر فيصير حكم الجميع حكم النجس وحكم قيئه ومنيه حكم بوله لانه في معناه (فصل) في الخارج من الحيوان الذي لا يؤكل لحمه وهو أربعة أقسام (أحدها) الآدمي فالخارج منه ثلاثة أنواع (أحدها) ريقه وعرقه ودمعه ومخاطه ونخامته فهو طاهر لانه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الحديبية انه ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه، رواه البخاري وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فاقبل على الناس فقال " ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه أيحب أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟ فإذا تنخع
أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه فان لم يجد فليقل هذا " ووصف القاسم فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه ببعض رواه مسلم.
ولو كانت نجسة لما أمر بمسحها في ثوبه وهو في الصلاة ولا تحت قدمه وسواء في ذلك البلغم الخارج من الرأس والصدر ذكره القاضي وهو مذهب أبي حنيفة.
وقال أبو الخطاب البلغم نجس لانه استحال في المعدة أشبه القئ ولنا عموم الخبرين ولانه أحد نوعي النخامة أشبه الآخر ولانه لو كان نجسا لنجس الفم ونقض
الوضوء ولم ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم فيما علمنا شئ من ذلك مع عموم البلوى به، وقولهم انه طعام استحال في المعدة ممنوع إنما هو منعقد من الابخرة فهو كالمخاط ولانه يشق التحرز منه أشبه المخاط (النوع الثاني) قيؤه ودمه وما تولد منه من القيح والصديد فهو نجس وقد ذكرنا حكمه فيما مضى (النوع الثالث) الخارج من السبيلين من البول والغائط والمذي والودي والدم وغيره فلا نعلم في نجاسته خلافا إلا ما ذكرنا في المذي وسيأتي حكم المني إن شاء الله تعالى (فصل) القسم الثاني البغل والحمار وسباع البهائم والطير فان قلنا بطهارتها فحكمها حكم الآدمي على ما بينا الا في منيها فان حكمه حكم بولها وإن قلنا بنجاستها فجميع أجزائها وفضلاتها نجسة إلا السنور وما دونها في الخلقة وسيأتي بيان حكمها ان شاء الله تعالى (القسم الثالث) الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما فهو نجس بجميع أجزائه وفضلاته وما ينفصل عنه (القسم الرابع) ما لان نفس له سائلة فهو طاهر بجميع أجزائه وفضلاته المتصلة والمنفصلة إلا أن يكون متولدا من النجاسة وقد ذكرناه (مسألة) (والمني طاهر وعنه انه نجس ويجزئ فرك يابسه) اختلفت الرواية في المني عن أحمد رحمه الله فروي عنه أنه طاهر وهو ظاهر المذهب وروي عنه أنه كالدم نجس يعفى عن يسيره وروي عنه انه كالبول ويجزئ فرك يابسه بكل حال لحديث عائشة والرواية الاولى المشهورة في المذهب وهو قول سعد بن أبي وقاص وابن عمر وابن عباس ونحوه قول سعيد بن المسيب وهو مذهب الشافعي وأبي ثور وابن المنذر.
وقال أصحاب الرأي هو نجس ويجزئ فرك يابسه وقال مالك غسل الاحتلام أمر واجب وهو مذهب الثوري والاوزاعي لما روت عائشة أنها كانت تغسل المني من ثوب
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حديث صحيح ولانه خارج معتاد من السبيل أشبه البول ولنا ماروت عائشة قالت كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه متفق عليه وقال ابن عباس امسحه عنك باذخرة أو خرقة ولا تغسله انما هو كالبزاق ورواه الدار قطني مرفوعا ولانه لا يجب غسله إذا جف فأشبه المخاط ولانه بدء خلق آدمي أشبه الطين وبهذا فارق البول (فصل) وان خفي موضع المني فرك الثوب كله ان قلنا بنجاسته وإن قلنا بطهارته استحب فركه
وان صلى من غير فرك أجزأه وهو قول الشافعي ومن قال بالطهارة، وقال ابن عباس وعائشة وعطاء ينضح الثوب كله وقال ابن عمر وأبو هريرة والحسن يغسله كله ولنا أن فركه يجزئ إذا علم مكانه فكذلك إذا خفي وأما النضح فلا يفيد لانه لا يطهره إذا علم مكانه فكذلك إذا خفي قال أحمد انما يفرك مني الرجل خاصة لان الذي للرجل ثخين والذي للمرأة رقيق والمعنى في هذا أن الفرك يراد للتخفيف والرقيق لا يبقى له جسم بعد جفافه فلا يفيد فيه الفرك فعلى هذا ان قلنا بنجاسته فلا بد من غسله رطبا كان أو يابسا كالبول وإن قلنا بطهارته استحب غسله كما يستحب فرك مني الرجل فأما الطهارة والنجاسة فلا يفترقان فيه لانه مني خارج من السبيل بدء خلق آدمي (فصل) ومن أمنى وعلى فرجه نجاسة نجس منيه لاصابته النجاسة.
وذكر القاضي في المني من الجماع أنه نجس لانه لا يسلم من المذي وهذا فاسد فان مني النبي صلى الله عليه وسلم انما كان من جماع لان الانبياء لا يحتلمون وهو الذي وردت الاخبار بفركه والطهارة لغيره فرع عليه والله أعلم
(مسألة) (وفي رطوبة فرج المرأة روايتان) (إحداهما) نجاسته لانه بلل في الفرج لا يخلق منه الولد أشبه المذي (والثانية) طهارته لان المني طاهر لما بينا وإذا كان من جماع فلا بد أن يصيب رطوبة الفرج ولاننا لو حكمنا بنجاسته لحكمنا بنجاسة منيها لانه يتنجس برطوبة فرجها لخروجه منه.
وقال القاضي ما أصاب منه في حال الجماع فهو نجس لانه لا يسلم من المذي هذا ممنوع فان الشهوة إذا اشتدت خرج المني دون المذي كحالة الاحتلام (مسألة) (وسباع البهائم والطير والبغل والحمار الاهلي نجسة وعنه أنها طاهرة) روي عن أحمد رحمه الله في سباع البهائم وجوارح الطير ما خلا الكلب والخنزير والسنور وما دونها في الخلقة روايتان (إحداهما) أن سؤرها وعرقها نجس وهو اختيار الخرقي لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الماء وما ينوبه من السباع فقال " إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس " ولو كانت طاهرة لم يحد بالقلتين ولانه حيوان حرم أكله لا لحرمته يمكن التحرز عنه غالبا أشبه الكلب ولان الغالب عليها أكل الميتات والنجاسات فينبغي أن يقضى بنجاستها كالكلاب (والرواية الثانية) أنها طاهرة رواها عنه اسماعيل
ابن سعيد يروى ذلك عن الحسن وعطاء والزهري ومالك والشافعي وابن المنذر لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة بها فقال " لها ما أخذت في أفواهها ولنا ما غبر طهور " رواه ابن ماجه.
ومر عمر وعمرو بن العاص بحوض فقال عمرو يا صاحب الحوض ترد على حوضك السباع؟ فقال عمر يا صاحب الحوض
لا تخبرنا فانا نرد عليها وترد علينا.
رواه مالك في الموطأ ولانه حيوان يجوز بيعه فكان طاهرا كبهيمة الانعام (فصل) وفي البغل والحمار ثلاث روايات (إحداها) أنها نجسة نروى كراهتها عن ابن عمر وهو قول الحسن وابن سيرين والشعبي والاوزاعي وإسحاق لما ذكرنا في السباع ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " انها رجس " (والثانية) أنه مشكوك فيها لان أحمد قال في البغل والحمار إذا لم يجد غير سؤرهما تيمم منه وهو قول أبي حنيفة والثوري لانه تردد بين أمارة تنجسه وأمارة تطهره، فأمارة تنجيسه أنه محرم أشبه الكلب وأمارة تطهيره أنه ذو حافر يجوز بيعه أشبه الفرس (والثالثة) أنه طاهر وهو قول مالك والشافعي وابن المنذر وهذا اختيار شيخنا لما ذكرنا ولان النبي صلى الله عليه وسلم كان يركبهما وتركب في زمنه.
ولو كان نجسا لبين النبي صلى الله عليه وسلم لهم ذلك ولانهما لا يمكن التحرز منهما لمقتنيهما فأشبها السنور، فأما قوله صلى الله عليه وسلم " انها رجس " أراد به التحريم كقول الله تعالى في الانصاب والازلام (انها رجس) ويحتمل أنه أراد لحمها الذي كان في قدورهم فانه نجس لان ذبح مالا يباح أكله لا يطهره (فصل) وفي الجلالة روايتان (احداهما) نجاستها لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب الجلالة وألبانها، رواه أبو داود ولانها تنجست بالنجاسة والريق لا يطهر (والثانية أنها طاهرة لان الهر والضبع يأكلان النجاسة وهما طاهران وحكم أجزاء الحيوان من شعره وريشه وجلده ودمعه وعرقه
حكم سؤره لانه من أجزائه فأشبه السنور في الطهارة والنجاسة لانه في معناه والله أعلم (مسألة) (وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر) سؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر كابن عرس والفأرة ونحو ذلك من حشرات الارض طاهر لا نعلم فيه خلافا في المذهب أنه يجوز شربه والوضوء به
ولا يكره.
هذا قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلا أبا حنيفة فانه كره الوضوء بسؤر الهر فان فعل أجزأه، ورويت كراهته عن ابن عمر ويحيى الانصاري وابن أبي ليلى، وقال أبو هريرة يغسل مرة أو مرتين وهو قول ابن المسيب ونحوه قول الحسن وابن سيرين لما روى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا ولغت فيه الهر يغسل مرة " وقال طاوس يغسل سبعا كالكلب ولنا ما روي عن كبشة بنت كعب بن مالك أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءا قالت فجاءت هرة فأصغى لها الاناء حتى شربت.
قالت كبشة فرآني أنظر إليه قال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت نعم.
فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " انها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات " أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح دل بلفظه على نفي الكراهة عن سؤر الهر وبتعليله على نفي الكراهة عما دونها مما يطوف علينا.
وعن عائشة أنها قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " انها ليست بنجس انما هي من الطوافين عليكم " وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها رواه أبو داود، وحديثهم ليس فيه تصريح بنجاستها مع صحة حديثنا واشتهاره (فصل) وإذا أكلت الهر نجاسة ثم شربت من مائع بعد الغيبة فهو طاهر لان النبي صلى الله عليه وسلم
وسلم نفى عنها النجاسة وتوضأ بفضلها مع علمه بأكلها النجاسات وإن شربت قبل الغيبة فقال القاضي وابن عقيل ينجس لانه مائع وردت عليه نجاسة متيقنة، وقال أبو الحسن الآمدي ظاهر قول أصحابنا طهارته لان الخبر دل على العفو عنها مطلقا وعلل بعدم امكان التحرز عنها ولاننا حكمنا بطهارتها بعد الغيبة في مكان لا يحتمل ورودها على ماء كثير يطهر فاها ولو احتمل ذلك فهو شك لا يزيل يقين النجاسة فوجب إحالة الطهارة على العفو عنها وهو شامل لما قبل الغيبة (فصل) والخمر نجس لقوله تعالى (انما الخمر والميسر - إلى قوله - رجس) ولانه يحرم تناوله من غير ضرر أشبه الدم وكذلك النبيذ لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل مسكر خمر وكل خمر حرام " رواه مسلم ولانه شراب فيه شدة مطربة أشبه الخمر والله تعالى أعلم (باب الحيض) (مسألة) قال (وهو دم طبيعة وجبلة) الحيض دم يرخيه الرحم إذا بلغت المرأة في أوقات معتادة
وهو دم طبع الله النساء وجبلهن عليه وليس بدم فساد بل خلقه الله تعالى لحكمة تربية الولد فإذا حملت المرأة انصرف ذلك باذن الله تعالى إلى غذائه ولذلك لا تحيض الحامل فإذا وضعت الولد قلبه الله
بحكمته لبنا ولذلك قلما تحيض المرضع.
فإذا خلت المرأة من الحمل والرضاع بقي الدم لا مصرف له فيستقر في مكان ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام أو سبعة وقد يزيد على ذلك وتقل وتطول أشهر المرأة وتقصر على حسب ما ركبه الله تعالى في الطباع - وسمي حيضا من قولهم حاض الوادي إذا سال وتقول العرب حاضت الشجرة إذا سال منها الصمغ الاحمر وهو من السيلان والاصل فيه قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) وقال أحمد رحمه الله الحيض يدور على ثلاثة أحاديث حديث فاطمة وأم حبيبة وحمنة، وفي رواية وحديث أم سلمة مكان حديث أم حبيبة وسنذكر هذه الاحاديث في مواضعها إن شاء الله (فصل) واختلف الناس في الحيض فقال قوم المحيض والحيض واحد مصدران بدليل قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) والاذى انما هو الدم وهو الحيض وكذلك قوله تعالى (واللائي يئسن من المحيض) وانما يئسن من الحيض وقال ابن عقيل المحيض مكان الحيض كالمقيل والمبيت مكان القيلولة والبيتوتة وما جاء في القرآن يحمل على المجاز وفائدة الخلاف انا إذا قلنا المحيض اسم لمكان الحيض اختص التحريم به وإذا قلنا اسم للدم جاز أن ينصرف إلى ما عداه لاجله (مسألة) (ويمنع عشرة أشياء (أحدها) فعل الصلاة (والثاني) وجوبها) قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على اسقاط فرض الصلاة عن الحائض في أيام حيضها وعلى أن قضاء ما تركت من الصلاة في أيام حيضها غير واجب وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث فاطمة بنت أبي حبيش " إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة " متفق عليه، ولما روت معاذة قالت سألت عائشة ما بال الحائض
تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت أحرورية أنت؟ فقلت لست بحرورية ولكني أسأل فقالت كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة
متفق عليه إنما قالت لها عائشة ذلك لان الخوارج يرون على الحائض قضاء الصلاة (الثالث) فعل الصيام ولا يسقط وجوبه لما ذكرنا من الحديث وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أليست إحداكن إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ " قلن بلى رواه البخاري وحكى ابن المنذر أن الحائض عليها قضاء الصوم إجماعا (الرابع) قراة القرآن لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن " رواه أبو داود والترمذي (والخامس) مس المصحف لقوله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزام " لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر " رواه الاثرم (والسادس) اللبث في المسجد لما ذكرنا في باب الغسل (والسابع) الطواف لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة إذ حاضت " فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري " متفق عليه (والثامن) الوطئ في الفرج لقوله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) (التاسع) سنة الطلاق يعني أن طلاق الحائض محرم وهو طلاق بدعة لما نذكره في موضعه (العاشر) الاعتداد بالاشهر لقوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) فأوجب العدة بالقروء وقوله (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) شرط في العدة بالاشهر عدم الحيض ويمنع أيضا صحة الطهارة لان خروج الدم يوجب الحدث فمنع استمراره صحة الطهارة كالبول.
(مسألة) (ويوجب الغسل عند انقطاعه) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " دعي الصلاة قدر الايام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي " متفق عليه ويوجب البلوغ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ولا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " ويوجب الاعتداد به لما ذكرنا وأكثر هذه الاحكام مجمع عليها (مسألة) (والنفاس مثله لا في الاعتداد) يعني أن حكم النفاس حكم الحيض فيما يجب به ويحرم وما يسقط عنها لا نعلم في هذا خلافا والخلاف في وجوب الكفارة بوطئها كالحائض وكذلك إباحة الاستمتاع فيما دون الفرج لانه دم الحيض احتبس لاجل الحمل ثم خرج فثبت حكمه إلا في الاعتداد لان الاعتداد بالقروء والنفاس ليس بقروء ولان العدة تنقضي بالحمل - ويفارقه أيضا في كونه لا يدل على البلوغ لانه لا يتصور لحصوله بالحمل قبله (مسألة) (فإذا انقطع الدم أبيح فعل الصيام والطلاق ولم يبح غيرهما حتى تغتسل) وجملة ذلك
أنه متى انقطع دم الحائض ولما تغتسل زال من الاحكام المتعلقة بالحيض أربعة أحكام (أحدها) سقوط فرض الصلاة لان سقوطه بالحيض وقد زال (الثاني) منع صحة الطهارة لذلك (الثالث) تحريم الصيام لان وجوب الغسل لا يمنع فعله كالجنابة (الرابع) إباحة الطلاق لان تحريمه لتطويل العدة أو لاجل الحيض وقد زال ذلك وسائر المحرمات باقية لانها تحرم على الجنب فههنا أولى (فصل) فأما الوطئ قبل الغسل فهو حرام في قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر هذا كالاجماع وقال أبو حنيفة ان انقطع الدم لاكثر الحيض حل وطؤها وإلا لم يبح حتى تغتسل أو تتيمم أو يمضي عليها وقت صلاة لان وجوب الغسل لا يمنع الوطئ كالجنابة ولنا قوله تعالى (ولا تقربوهن حتى يتطهرن فإذا تطهرن فائتوهن) قال مجاهد حتى يغتسلن وقال ابن عباس فإذا اغتسلن ولانه قال (فإذا تطهرن) والتطهر تفعل والتفعل إذا أضيف إلى من يصح منه الفعل اقتضى إيجاد الفعل منه كما في النظائر وانقطاع الدم غير منسوب إليها ولان الله سبحانه وتعالى شرط لحل الوطئ شرطين - انقطاع الدم والغسل فلا يباح بدونهما ولانها ممنوعة من الصلاة لحديث الحيض فمنع وطئها كما لو انقطع لاقل الحيض وبهذا ينتقض قياسهم وحدث الحيض آكد من حدث الجنابة فلا يصح الالحاق.
(فصل) وانقطاع الدم الذي تتعلق به هذه الاحكام الانقطاع الكثير الذي يوجب عليها الغسل والصلاة فأما الانقطاع اليسير في أثناء الحيض فلا حكم له لان العادة أن الدم ينقطع تارة ويجري أخرى وسنذكر ذلك إن شاء الله (مسألة) (ويجوز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج) الاستمتاع من الحائض بما فوق السرة وتحت الركبة جائز بالاجماع والنص والوطئ في الفرج محرم بهما والاختلاف في الاستمتاع بما بينهما مذهب امامنا رحمه الله جوازه وهو قول عكرمة وعطاء والشعبي والثوري واسحاق، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي لا يباح لان عائشة رضي اله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض رواه البخاري ومسلم بمعناه.
وعن عبد الله بن سعد الانصاري أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال " ما فوق الازار " رواه البيهقي ولنا قول الله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض) وهو اسم لمكان الحيض كالمقيل والمبيت فتخصيصه موضع الدم بالمنع يدل على إباحته فيما عداه، فان قيل بل المحيض الحيض بدليل قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) والاذى هو الحيض وقوله تعالى (واللائي يئسن من المحيض) وانما يئسن من الحيض قلنا يمكن حمله على ما ذكرنا وهو أولى لوجهين (أحدهما) أنه لو أراد الحيض لكان أمرا باعتزال النساء في مدة الحيض بالكلية ولا قائل به (الثاني) أن سببب نزول الآية أن اليهود
كانت إذا حاضت المرأة اعتزلوها فلم يواكلوها ولم يشاربوها ولم يجتمعوا معها في البيت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اصنعوا كل شئ غير النكاح " رواه مسلم.
وهذا تفسير لمراد الله تعالى لانه لا تتحقق مخالفة اليهود بارادة الحيض لانه يكون موافقا لهم ومن السنة هذا الحديث.
وعن عكرمة عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها خرقة، رواه أبو داود ولانه وطئ منع للاذى فاختص بمحله كالدبر وحديث عائشة ليس فيه دليل على تحريم ما تحت الازار فان النبي صلى الله عليه وسلم قد يترك بعض المباح تقذرا كتركه أكمل الضب والحديث الآخر يدل بالمفهوم والمطوق راجح عليه (مسألة) (فان وطئها في الفرج فعليه نصف دينار كفارة وعنه ليس عليه الا التوبة) اختلفت الرواية في وجوب الكفارة بوطئ الحائض في الفرج فروي عنه أن عليه الكفارة وهو المشهور في المذهب لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال " يتصدق بدينار أو نصف دينار " رواه الامام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي (والثانية) لا كفارة عليه وهو قول مالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم.
وللشافعي قولان كالمذهبين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " رواه ابن ماجه ولم يذكر كفارة إلا أن البخاري ضعف هذا الحديث حكاه الترمذي ولانه وطئ نهي عنه لاجل الاذى أشبه الوطئ في الدبر وحديث الكفارة مداره على عبد الحميد بن زيد بن الخطاب وقد قيل
لاحمد في نفسك منه شئ؟ قال: نعم، قال لو صح ذلك الحديث كنا نرى عليه الكفارة (1) وقد روي عن أحمد أنه قال: إن كانت له مقدرة تصدق بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وكلامه هذا يدل على أن المعسر لا شئ عليه.
قال أبو عبد الله بن حامد: كفارة وطئ الحائض تسقط بالعجز عنها أو عن بعضها ككفارة الوطئ في رمضان.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: