الفقه الحنبلي - الغسل - التيمم
باب الغسل (وموجباته سبعة) - غسل الجنابة بفتح الغين ذكره ابن بري والغسل بالضم الماء الذي يغتسل به قاله ابن السكيت والغسل ما غسل به الرأس (أحدها) خروج المني الدافق بلذة وهو موجب للغسل من الرجل والمرأة في اليقظة والنوم، وهذا قول عامة الفقهاء حكاه الترمذي ولا نعلم فيه خلافا وذلك لما روي أن أم سليم قالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم إذا رأت الماء " متفق عليه، وماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر لان في حديث أم سليم في بعض رواياته فقالت وهل يكون هذا؟ فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم " نعم فمن أين يكون الشبه؟ إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه " رواه مسلم (مسألة) (فان خرج لغير ذلك لم يوجب) يعني إذا خرج شبيه المني لمرض أو برد من غير شهوة وهذا قول أبي حنيفة ومالك، وقال الشافعي يجب ويحتمله كلام الخرقي، وذلك لقوله عليه السلام " نعم إذا رأت الماء " وقوله " الماء من الماء " ولانه مني خارج فأوجب الغسل كما لو خرج حال الاغماء.
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف المني الموجب بانه غليظ أبيض وقال لعلى " إذا فضخت المني
فاغتسل " رواه أبو داود - والفضخ خروجه على وجه الشدة، وقال ابراهيم الحربى بالعجلة وقوله عليه
السلام " إذا رأت الماء " يعني في الاحتلام وانما يخرج في الاحتلام لشهوة والحديث الآخر منسوخ ويمكن منع كون هذا منيا لان النبي صلى الله عليه وسلم وصف المني بصفة غير موجودة في هذا (فصل) (فان رأى أنه قد احتلم ولم ير بللا فلا غسل عليه) قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم لان قول النبي صلى الله عليه وسلم " نعم إذا رأت الماء " يدل على أنه لم يجب إذا لم تره، وروت عائشة قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما قال " يغتسل " وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولم يجد البلل قال " لا غسل عليه " قالت أم سليم المرأة ترى ذلك أعليها غسل؟ " نعم إنما النساء شقائق الرجال " رواه الامام أحمد وأبو داود وذكر ابن أبي موسى فيمن احتلم ووجد لذة الانزال ولم ير بللا رواية في وجوب الغسل عليه والاول أصح لما ذكرنا من النص والاجماع، لكن إن مشى فخرج منه المنى أو خرج بعد استيقاظه فعليه الغسل نص عليه أحمد لان الظاهر أنه كان انتقل وتخلف خروجه إلى ما بعد الاستيقاظ وان انتبه فرأى منيا ولم يذكر احتلاما فعليه الغسل.
قال شيخنا: لا نعلم فيه خلافا، وروي ذلك عن عمر وعثمان وبه قال ابن عباس وسعيد بن جبير والشعبي والحسن ومالك والشافعي واسحاق لان الظاهر أن خروجه كان لاحتلام نسيه وذلك لما ذكرنا من حديث عائشة.
(فصل) فان انتبه من النوم فوجد بللا لا يعلم هل هو مني أو غيره فقال أحمد إذا وجد بلة غتسل إلا أن يكون به أبردة أو لاعب اهله فانه ربما خرج منه المذي فارجو أو لا يكون به بأس وكذلك إن كان انتشر من أول الليل بتذكر أو رؤية وهو قول الحسن لان الظاهر أنه مذي لوجود سببه فلا يجب الغسل بالاحتمال.
وإن لم يكن وجد ذلك فعليه الغسل لحديث عائشة.
وقد توقف أحمد في هذه المسألة، وقال مجاهد وقتادة لا غسل عليه حتى يوقن بالماء الدافق وهذا هو القياس والاولى الاغتسال لموافقة الخبر وعملا بالاحتياط.
(فصل) فان رأى في ثوبه منيا وكان لا ينام فيه غيره وهو ممن يمكن أن يحتلم كابن اثنتي عشرة سنة فعليه الغسل وإلا فلا لان عمر وعثمان اغتسلا حين رأياه في ثوبهما ولان الظاهر أنه منه ويلزمه إعادة
الصلاة من أحدث نومة نامها فيه إلا أن يرى أمارة تدل على أنه قبلها فيعيد من أدنى نومة يحتمل أنه منها فاما إن كان ينام فيه هو وغيره ممن يحتلم فلا غسل على واحد منهما لان كل واحد منهما مفرد شاك فيما يوجب الغسل والاصل عدم وجوبه، وليس لاحدهما الائتمام بالآخر لان أحدهما جنب يقينا (فصل) فان وطئ امرأته دون الفرج فدب ماؤه إلى فرجها ثم خرج أو وطئها في الفرج فاغتسلت ثم خرج ماؤه من فرجها فلا غسل عليها وبه قال قتادة والاوزاعي واسحاق، وقال الحسن تغتسل لانه مني خارج فأشبه ماءها والاول أولى لانه ليس منيها أشبه غير المني ولانه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص (مسألة) فان أحس بانتقاله فأمسك ذكره فلم يخرج فعلى روايتين (إحداهما) يجب عليه الغسل
وهو المشهور عن أحمد، وأنكر أن يكون الماء يرجع اختاره ابن عقيل والقاضي ولم يذكر فيه خلافا قال لان الجنابة تباعد الماء عن محله وقد وجد فتكون الجنابة موجودة فيجب بها الغسل.
ولان الغسل تراعى فيه الشهوة وقد حصلت بانتقاله أشبه مالو ظهر.
والرواية (الثانية) لا غسل عليه وهو ظاهر قول الخرقي وقول أكثر الفقهاء وهو الصحيح ان شاء الله تعالى لان النبي صلى الله عليه وسلم علق الاغتسال على رؤية الماء بقوله " إذا رأت الماء " وقوله " إذا فضخت الماء فاغتسل " فلا يثبت الحكم بدونه وما ذكروه من الاشتقاق ممنوع لانه يجوز أن يسمى جنبا لمجانبته الماء ولا يحصل إلا بخروجه أو لمجانبته الصلاة أو المسجد وإذا سمي بذلك مع الخروج لم يلزم وجود التسمية من غير خروج فان الاشتقاق لا يلزم منه الاطراد ومراعاة الشهوة في الحكم لا يلزم منه استقلالها به فان أحد وصفي العلة وشرط الحكم مراعى له ولا يستقل بالحكم ثم يبطل ذلك بما لو وجدت الشهوة من غير انتقال فانها لا تستقل بالحكم وكلام احمد انما يدل على أن الماء إذا انتقل لزم منه الخروج وانما يتأخر.
وكذلك يتأخر الغسل إلى حين خروجه (مسألة) فان خرج بعد الغسل وقلنا لا يجب الغسل بالانتقال لزمه الغسل لانه مني خرج بسبب الشهوة أوجب الغسل لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا فضخت الماء فاغتسل " ولحديث أم سليم وكما لو خرج حال انتقاله وقد قال احمد في الرجل يجامع ولم ينزل فيغتسل ثم يخرج منه المني عليه الغسل
ولانه لو لم يجب الغسل على هذه الرواية أفضى إلى نفي الوجوب عنه بالكلية مع انتقال المني بشهوة وخروجه.
وان قلنا يجب الغسل بالانتقال لم يجب بالخروج لانه تعلق بانتقاله وقد اغتسل له فلم يجب له غسل ثان كبقية المني إذا خرجت بعد الغسل.
وهكذا الحكم في بقية المني إذا خرج بعد الغسل هذا هو المشهور عن احمد.
قال الخلال تواترت الروايات عن أبي عبد الله أنه ليس عليه الا الوضوء بال أو لم يبل روي ذلك عن علي وابن عباس وعطاء والزهري ومالك والليث والثوري ولانه مني خرج على غير وجه الدفق واللذة أشبه الخارج في المرض ولانه جنابة واحدة فلم يجب به غسلان كما لو خرج دفعة واحدة، وفيه رواية (ثانية) انه يجب بكل حال وهو مذهب الشافعي لان الاعتبار بخروجه كسائر الاحداث.
قال شيخنا وهذا هو الصحيح لان الخروج يصلح موجبا للغسل - قولهم إنه جنابة واحدة فلم يجب به غسلان يبطل بما إذا جامع فلم ينزل فاغتسل ثم أنزل فان احمد قد نص على وجوب الغسل عليه بالانزال مع وجوبه بالتقاء الختانين.
واختار القاضي الرواية الاولى وحمل كلام احمد في هذه المسألة على أن تكون قارنته شهوة حال خروجه قال فان لم تقارنه شهوة فهو كبقية المني إذا خرجت، وفيه رواية ثالثة انه ان خرج قبل البول اغتسل وان خرج بعده لم يغتسل وهذا قول الاوزاعي وأبي حنيفة ونقل عن الحسن لانه قبل البول بقية ما خرج بالدفق والشهوة فأوجب الغسل كالاول وبعد
البول لا يعلم انه بقية الاول لانه لو كان بقية الاول لما تخلف بعد البول وقد خرج بغير دفق وشهوة وذكر القاضي في هاتين المسئلتين انه إن خرج بعد البول لم يجب الغسل رواية واحدة وان خرج قبله فعلى روايتين (مسألة) (الثاني: التقاء الختانين وهو تغييب الحشفة في الفرج قبلا كان أو دبرا من آدمي أو بهيمة حي أو ميت) معنى التقاء الختانين تغييب الحشفة في الفرج كما ذكر سواء كانا مختتنين أو لا.
وسواء مس ختانه ختانها أو لا فهو موجب للغسل، ولو مس الختان الختان من غير ايلاج لم يجب الغسل اجماعا، واتفق العلماء على وجوب الغسل في هذه المسألة وقال داود لا يجب لقوله صلى الله عليه وسلم " الماء من الماء " روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة وروي في ذلك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وكانت رخصة
أرخص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر بالغسل فروي عن أبي بن كعب قال ان الفتيا التي كانوا يقولون ان الماء من الماء رخصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيها في أول الاسلام.
ثم أمر بالاغتسال بعدها رواه الامام أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا جلس بين شعبها الاربع ثم جهدها فقد وجب الغسل متفق عليه زاد مسلم " وان لم ينزل " وحديثهم منسوخ بحديث أبي بن كعب (فصل) ويجب الغسل على كل واطئ وموطوء إذا كان من أهل الغسل سواء كان في الفرج قبلا أو دبرا من آدمي أو بهيمة حي أو ميت طائعا أو مكرها نائما أو يقظان، وقال أبو حنيفة لا يجب الغسل بوطئ الميتة ولا البهيمة لانه ليس بمقصود ولانه ليس بمنصوص ولا في معناه
ولنا انه ايلاج في فرج فوجب به الغسل كوطئ الآدمية في حياتها ووطئ الآدمية داخل في عموم الاحاديث وما ذكروه يبطل بالعجوز والشوهاء (فصل) فان أولج بعض الحشفة أو وطئ دون الفرج ولم ينزل فلا غسل عليه لانه لم يوجد التقاء الختانين ولا ما في معناه.
وان انقطعت الحشفة فأولج الباقي من ذكره وكان بقدر الحشفة وجب الغسل وتعلقت به أحكام الوطئ من المهر وغيره وإن كان أقل من ذلك لم يجب شئ (فصل) فان أولج في قبل خنثى مشكل أو أولج الخنثى ذكره في فرج امرأة أو وطئ أحدهما أو كل واحد منهما الآخر لم يجب الغسل على واحد منهما لاحتمال أن يكون خلقة زائدة.
فان أنزل الواطئ أو أنزل الموطوء من قبله فعلى من أنزل الغسل.
ويثبت لمن أنزل من ذكره حكم الرجال ولمن انزل من فرجه حكم النساء لان الله تعالى أجرى العادة بذلك في حق الرجال والنساء، وذكر القاضي في موضع انه لا يحكم له بالذكورية بالانزال من ذكره ولا بالانوثية بالحيض من فرجه ولا بالبلوغ بهذا ولنا انه أمر خص الله تعالى به أحد الصنفين فكان دليلا عليه كالبول من ذكره أو من قبلة ولانه انزل الماء الدافق لشهوة فوجب الغسل لقوله عليه السلام " الماء من الماء " (فصل) فان كان الواطئ أو الموطوءة صغيرا فقال أحمد يجب عليهما الغسل.
وقال إذا أتى على
الصبية تسع سنين ومثلها يوطأ وجب عليها الغسل.
وسئل عن الغلام يجامع مثله ولم يبلغ فجامع المرأة يكون عليهما الغسل؟ قال نعم.
قيل له أنزل أو لم ينزل؟ قال نعم.
وقال ترى عائشة حيث كان يطؤها النبي
صلى الله عليه وسلم لم تكن تغتسل ويروى عنها " إذا التقى الختانان وجب الغسل " وحمل القاضي كلام أحمد على الاستحباب وهو قول أصحاب الرأي وأبي ثور لان الصغيرة لا يتعلق بها المأثم ولا هو من أهل التكليف ولا تجب عليها الصلاة التي تجب لها الطهارة فأشبهت الحائض (قال شيخنا) ولا يصح حمل كلام أحمد على الاستحباب لتصريحه بالوجوب وذمه قول أصحاب الرأي بقوله هو قول سوء واحتج بفعل عائشة وروايتها للحديث العام في حق الصغير والكبير ولانها أجابت بفعلها وفعل النبي صلى الله عليه وسلم بقولها فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا.
فكيف تكون خارجة منه وليس معنى وجوب الغسل في حق الصغير التأثيم بتركه بل معناه انه شرط لصحة الصلاة والطواف وإباحة قراءة القرآن وانما يأثم البالغ بتأخيره في موضع يتأخر الواجب بتركه ولذلك لو أخره في غير وقت الصلاة لم يأثم والصبي لا صلاة عليه فلم يأثم بالتأخير وبقي في حقه شرطا كما في حق الكبير فإذا بلغ كان حكم الحدث في حقه باقيا كالحدث الاصغر ينقض الطهارة في حق الصغير والكبير (مسألة) (الثالث: إسلام الكافر أصليا كان أو مرتدا وقال أبو بكر لا غسل عليه) وجملته أن الكافر إذا أسلم وجب عليه الغسل أصليا كان أو مرتدا سواء اغتسل قبل اسلامه أو لا وجد منه في زمن الكفر ما يوجب الغسل أو لم يوجد وهو قول مالك وأبى ثور وابن المنذر، وقال أبو بكر يستحب ولا يجب إلا أن يكون قد وجدت منه جنابة زمن كفره فعليه الغسل إذا اسلم وإن اغتسل قبل الاسلام وهو مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يجب عليه الغسل بحال لان العدد الكثير والجم الغفير أسلموا
فلو أمر كل من أسلم بالغسل لنقل نقلا متواترا أو ظاهرا.
ولان النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذا إلى اليمن لم يذكر له الغسل ولو كان واجبا لامرهم به لانه أول واجبات الاسلام ولنا ما روى قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر.
رواه الامام احمد
وأبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن، والامر للوجوب وما ذكروه من قلة النقل فلا يصح ممن أوجب الغسل على من أسلم بعد الجنابة في كفره لان الظاهر أن البالغ لا يسلم منها على أن الخبر إذا صح كان حجة من غير اعتبار شرط آخر، وقد روي أن أسيد بن حضير وسعد بن معاذ حين أرادا الاسلام سألا مصعب بن عمير كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الامر؟ قال نغتسل ونشهد شهادة الحق.
وهذا يدل على انه كان مستفيضا ولان الكافر لا يسلم غالبا من جنابة تلحقه ونجاسة تصيبه وهو لا يصح غسله فأقيمت المظنة مقام حقيقة الحدث كما أقيم النوم مقام الحدث (فصل) فان أجنب الكافر ثم أسلم لم يلزمه غسل الجنابة سواء اغتسل في كفره أو لم يغتسل وهذا قول من أوجب غسل الاسلام وقول أبي حنيفة، وقال الشافعي عليه الغسل وهو قول أبي بكر لان عدم التكليف لا يمنع وجوب الغسل كالصبي والمجنون واغتساله في كفره لا يرفع حدثه قياسا على الحدث الاصغر، وحكي عن أبي حنيفة وأحد الوجهين لاصحاب الشافعي انه يرتفع حدثه لانه أصح
نية من الصبي ولا يصح لان الطهارة عبادة محضة فلم تصح من الكافر كالصلاة، ووجه الاول انه لم ينقل ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحدا ممن أسلم بغسل الجنابة مع كثرة من أسلم من الرجال والنساء البالغين المتزوجين ولان المظنة أقيمت مقام حقيقة الحدث فسقط حكم الحدث كالسفر مع المشقة.
ويستحب أن يغتسل بماء وسدر كما في حديث قيس.
ويستحب إزالة شعره لان النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أسلم " ألق عنك شعر الكفر واختتن " رواه أبو داود (مسألة) (الرابع) الموت (الخامس) الحيض (السادس) النفاس.
وسيذكر ذلك في مواضعه ان شاء الله تعالى.
(مسألة) قال (وفي الولادة وجهان) يعني إذا عريت عن الدم (أحدهما) يجب الغسل لانها مظنة النفاس الموجب فأقيمت مقامه كالتقاء الختانين ولانه يحصل بها براءة الرحم أشبهت الحيض ولاصحاب الشافعي فيها وجهان، و (الثاني) لا يجب وهو ظاهر قول الخرقي لان الوجوب من الشرع ولم يرد بالغسل ولا هو في منصوص.
قولهم ان ذلك مظنة (قلنا) انما يعلم جعلها مظنة بنص أو اجماع
ولم يوجد واحد منهما والقياس الآخر مجرد طرد لا معنى تحته ثم قد اختلفا في كثير من الاحكام فليس تشبيهه في هذا الحكم أولى من مخالفته في غيره وهذا الوجه أولى (فصل) فان كان على الحائض جنابة فليس عليها أن تغتسل حتى ينقطع حيضها في المنصوص وهو قول إسحاق لان الغسل لا يفيد شيئا من الاحكام وعنه عليها الغسل قبل الطهر ذكرها ابن أبي
موسى والصحيح الاول لما ذكرناه فان اغتسلت للجنابة في زمن حيضها صح غسلها وزال حكم الجنابة وبقي حكم الحيض لا يزول حتى ينقطع الدم نص عليه أحمد قال ولا أعلم أحدا قال لا تغتسل الاعطاء ثم رجع عنه وهذا لان بقاء أحد الحدثين لا يمنع ارتفاع الآخر كما لو اغتسل المحدث الحدث الاصغر (مسألة) قال (ومن لزمه الغسل حرم عليه قراءة آية فصاعدا وفي بعض آية روايتان) رويت الكراهة لذلك عن عمر وعلي والحسن والنخعي والزهري والشافعي وأصحاب الرأي وقال الاوزاعي لا يقرأ إلا آية الركوب والنزول (سبحان الذي سخر لنا هذا * وقل رب أنزلني منزلا مباركا) وقال ابن عباس يقرأ ورده وقال سعيد بن المسيب يقرأ القرآن أليس هو في جوفه؟ وحكي عن مالك جواز القراءة للحائض دون الجنب لان أيامها تطول فلو منعناها من القرآن نسيت ولنا ما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحجبه أوقال يحجزه عن قراءة القرآن شئ ليس الجنابة.
رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي بمعناه وقال حسن صحيح.
وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يقرأ الحيض ولا النفاس شيئا من القرآن " رواه الدار قطني (فصل) ويحرم عليه قراءة آية فصاعدا لما ذكرنا، فاما بعض الآية فان كان مما لا يتميز به القرآن عن غيره كالتسمية والحمد لله وسائر الذكر فان لم يقصد به القرآن فهو جائز فانه لا خلاف في أن لهم ذكر الله تعالى ولانهم يحتاجون إلى التسمية عند اغتسالهم وقد روت عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه رواه مسلم.
وان قصدوا به القراءة أو كان ما قرأه يتميز به القرآن عن غيره روايتان أظهرهما أنه لا يجوز لعموم النهي ولما روي أن عليا رضي الله عنه سئل
عن الجنب يقرأ القرآن؟ فقال لا ولا حرفا وهذا مذهب الشافعي ولانه قرآن فمنع منه كالآية و (والثانية) لا يمنع وهو قول أبي حنيفة لانه لا يحصل به الاعجاز ولا يجزئ في الخطبة أشبه الذكر ولانه يجوز إذا لم يقصد به القرآن فكذلك إذا قصد (مسألة) (ويجوز له العبور في المسجد ويحرم عليه اللبث فيه الا أن يتوضأ) يحرم عليه اللبث في المسجد لقول الله تعالى (ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " روه أبو داود فان خاف على نفسه أو ماله أو لم يمكنه الخروج أو الغسل والوضوء تيمم وأقام في المسجد لانه روي عن علي وابن عباس في قوله تعالى (ولا جنبا الا عابري سبيل) يعني مسافرين لا يجدون ماء فيتيممون، وقال بعض أصحابنا يلبث بغير تيمم لانه لا يرفع الحدث وهو غير صحيح لمخالفته قول الصحابة ولانه أمر تشترط له الطهارة فوجب له التيمم عند العجز عنه كسائر ما تشترط له الطهارة ويباح له العبور في المسجد للآية وانما يباح العبور للحاجة من أخذ شئ أو تركه في المسجد أو كون الطريق فيه فاما لغير ذلك فلا، وممن رويت عنه الرخصة في العبور ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن ومالك والشافعي، وقال الثوري واسحاق لا يمر في المسجد إلا أن لا يجد بدا فيتيمم وهو قول أصحاب الرأي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " رواه أبو داود ولنا قول الله تعالى (الا عابري سبيل) والاستثناء من النهي اباحة.
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ناوليني الخمرة من المسجد - قالت اني حائض قال - ان حيضتك ليست في يدك " رواه مسلم
وعن زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشون في المسجد وهم جنب.
رواه ابن المنذر وهذا اشارة إلى جميعهم فيكون اجماعا، فان توضأ الجنب فله اللبث في المسجد عند أصحابنا وهو قول اسحاق، وقال الاكثرون لا يجوز للآية والخبر، ووجه الاول ما روى زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون في المسجد على غير وضوء وكان الرجل يكون جنبا فيتوضأ ثم يدخل فيتحدث وهذا اشارة إلى جميعهم فنخص عموم الحديث، وعن عطاء بن يسار
قال: رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضوء وضوء الصلاة.
رواه سعيد بن منصور والاثرم، وحكم الحائض إذا انقطع حيضها حكم الجنب، فأما في حال حيضها فلا يباح لها اللبث لان وضوءها لا يصح (فصل) فأما المستحاضة ومن به سلس البول فلهم العبور في المسجد واللبث فيه إذا أمنوا تلويثه لما روت عائشة أن امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفت معه وهي متسحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة وربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي.
رواه البخاري، فأما إن خاف تلويث المسجد أو خشيت الحائض ذلك بالعبور فيه حرم عليهما لان المسجد يصان عن هذا كما يصان عن البول فيه (فصل) والاغسال المستحبة ثلاثة عشر غسلا (احدها) غسل الجمعه وهو مستحب بغير خلاف وفيه آثار كثيرة صحيحة منها ماروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أتى منكم الجمعة فليغتسل "
متفق عليه وروى سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ويصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الامام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الاخرى " رواه البخاري وليس ذلك بواجب في قول أكثر أهل العلم وقد قيل إنه اجماع حكاه ابن عبد البر وسيذكر ذلك في موضعه بأبسط من هذا إن شاء الله تعالى (الثاني) غسل العيدين مستحب لما روى ابن عباس والفاكه بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر والاضحى رواه ابن ماجه (الثالث) الاستسقاء لانها عبادة يجتمع لها الناس فاستحب لها الغسل كالجمعة (الرابع) الكسوف لانه كالاستسقاء (الخامس) الغسل من غسل الميت وهو مستحب لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ " قال الترمذي هذا حديث حسن وليس بواجب، يروى ذلك عن ابن عباس وابن عمر وعائشة والحسن والنخعي والشافعي واسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي، وروي عن علي وأبي هريرة أنهما قالا من غسل ميتا فليغتسل، وبه قال سعيد
ابن المسيب وابن سيرين والزهري لما ذكرنا من الحديث وذكر أصحابنا في وجوب الغسل من غسل الميت الكافر روايتين (احداهما) لا يجب كالمسلم (والثانية) يجب لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم
أمر عليا أن يغتسل حين غسل أباه ولنا قول صفوان بن عسال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن الا من جنابة حديث حسن ولانه غسل آدمي فلم يوجب الغسل كغسل الحي وحديثهم موقوف على أبي هريرة قاله أحمد، وقال ابن المنذر: ليس في هذا حديث يثبت ولذلك لم يعمل به في وجوب الوضوء على حامله لا نعلم به قائلا، وأما حديث علي فقال أبو إسحاق الجوزجاني ليس فيه أنه غسل أبا طالب إنما قال له النبي صلى الله عليه وسلم " اذهب فواره ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني " قال فأتيته فأخبرته فأمرني فاغتسلت، وذكر بعض أصحابنا رواية في وجوب الغسل من غسل الحي الكافر قياسا على الميت، والصحيح أنه لا يجب لان الوجوب من الشرع ولم يرد به وقياسه على الميت لا يصح لان المسلم الميت يجب من غسله الوضوء بخلاف الحي وهذا يدل على افتراق حال الميت والحي ولا نعلم أحدا قال به من العلماء (السادس) الغسل من الاغماء والجنون إذا أفاقا من غير احتلام مستحب لانه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل للاغماء متفق عليه ولانه لا يؤمن أن يكون قد احتلم ولم يشعر والجنون في معناه بل أولى لان مدته تطول فيكون وجود الاحتلام فيه أكثر ولا يجب الغسل لذلك حكاه ابن المنذر إجماعا وذكر أبو الخطاب فيه روايتين (إحداهما) يجب لان النبي صلى الله عليه وسلم فعله (والثانية) لا يجب وهي أصح لان زوال العقل بنفسه ليس موجبا للغسل والانزال مشكوك فيه فلا يزول عن
اليقين بالشك فان تيقن منهما الانزال فعليهما الغسل لانه من جملة الواجبات (السابع) غسل المستحاضة لكل صلاة مستحب.
لما روى أبو داود أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة وقد ذهب بعض أهل
العلم إلى وجوبه لما ذكرنا من الحديث وسنذكره في موضعه إن شاء الله، وذكر ابن أبي موسى أن انقطاع دم الاستحاضة يوجب الغسل.
(الثامن) الغسل للاحرام وهو مستحب لما روى زيد بن ثابت أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لاهلاله واغتسل، رواه الترمذي، وقال حديث حسن (التاسع) دخول مكة (العاشر) الوقوف بعرفة (الحادي عشر) المبيت بمزدلفة (الثاني عشر) رمى الجمار (الثالث عشر) الطواف وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى، وقد روى البخاري عن ابن عمر أنه كان يغتسل ثم يدخل مكة نهارا ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله وروي الغسل للوقوف بعرفة عن علي وعبد الله بن مسعود واستحبه الشافعي، وروي عن ابن عمر أنه كان يغتسل لاحرامه قبل أن يحرم ولدخوله مكة ولوقوفه عشية عرفة رواه مالك في الموطأ ولانها انساك تجتمع لها الناس فاستحب لها الغسل كالاحرام ودخول مكة والله أعلم.
(فصل) ولا يستحب الغسل من الحجامة وذكر ابن عقيل في استحبابه روايتين (إحداهما) يستحب
لانه يروى عن علي وابن عباس ومجاهد انهم كانوا يفعلون ذلك (والثانية) لا يستحب لانه دم خارج أشبه الرعاف والله أعلم (فصل في صفة الغسل) وهو ضربان: كامل ومجزئ فالكامل يأتي فيه بعشرة أشياء: النية والتسمية وغسل يديه ثلاثا وغسل ما به من أذى وقد ذكرنا الدليل على ذلك والوضوء ويحثي على رأسه ثلاثا يروي بها أصول الشعر ويفيض الماء على سائر جسده ثلاثا ويبدأ بشقه الايمن ويدلك بدنه بيديه وينتقل من موضع غسله فيغسل قدميه.
ويستحب أن يخلل أصول شعر رأسه ولحيته بماء قبل افاضته عليه، ووجه ذلك ما روت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غتسل من الجنابة غسل يديه ثلاثا وتوضأ وضوءه للصلاة ثم يخلل شعره بيده حتى إذا ظن انه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده، متفق عليه.
وقالت ميمونة: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة فأفرغ على يديه
فغسلهما مرتين أو ثلاثا ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره ثم ضرب بيده الارض أو الحائط مرتين أو ثلاثا ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض على رأسه ثم غسل جسده فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض الماء بيديه متفق عليه، وفي رواية للبخاري: ثم تنحى فغسل قدميه، ففي هذين الحديثين كثير من الخصال المسماة.
والبداية بشقه الايمن لانه قد روي في حديث عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشئ نحو الحلاب فأخذ بكفيه بدأ بشق رأسه الايمن ثم الايسر ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه، متفق عليه، وقد اختلف عن أحمد في غسل الرجلين فقال في رواية بعد الوضوء على حديث ميمونة وقال في رواية العمل على حديث
عائشة وفيه انه توضأ للصلاة قبل اغتساله وقال في موضع غسل رجليه في موضعه، وبعده وقبله سواء ولعله ذهب إلى أن اختلاف الاحاديث فيه يدل على أن موضع الغسل ليس بمقصود وانما المقصود أصل الغسل (مسألة) قال (مجزئ) وهو أن يغسل ما به من أذى وينوي ويعم بدنه بالغسل مثل أن ينغمس في ماء راكد أو جار غامر أو يقف تحت صوب المطر أو ميزاب حتى يعم الماء جميع جسده فيجزئه لقوله تعالى (وإن كنتم جنبا فاطهروا) وقوله (حتى تغتسلوا) وقد حصل الغسل فتباح له الصلاة لان الله تعالى جعل الغسل غاية للمنع من الصلاة فتقتضي أن لا يمنع منها بعد الاغتسال (فصل) ويستحب امرار يده على جسده في الغسل والوضوء ولا يجب إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء إلى جميع جسده وهذا قول الحسن والنخعي والشعبي والثوري والشافعي واسحاق
وأصحاب الرأي.
وقال مالك امرار يده على بدنه إلى حيث تنال واجب.
ونحوه قال أبو العالية قالوا لان الله تعالى قال (حتى تغتسلوا) ولا يقال اغتسل الا لمن دلك نفسه ولانها طهارة عن حدث فوجب فيها امرار اليد كالتيمم ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لام سلمة في غسل الجنابة " إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث
حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين " رواه مسلم ولانه غسل واجب فلم يجب فيه امرار اليد
كغسل النجاسة وما ذكروه ممنوع فانه يقال غسل الاناء وان لم يدلكه والتيمم أمرنا فيه بالمسح لانها طهارة بالتراب ويتعذر في الغالب إمرارا التراب إلا باليد (فصل) ولا يجب الترتيب في غسل الجنابة لان الله تعالى قال (وإن كنتم جنبا فاطهروا) وقال (حتى تغتسلوا) فكيفما اغتسل فقد حصل التطهير ولا نعلم في هذا خلافا ولا تجب فيه موالاة نص عليه احمد.
قال حنبل سألت أحمد عمن اغتسل وعليه خاتم ضيق؟ قال يغسل موضع الخاتم قلت فان جف غسله؟ قال يغسله ليس هو بمنزلة الوضوء.
قلت فان صلى ثم ذكر؟ قال يغسل موضعه ثم يعيد الصلاة وهذا قول أكثر أهل العلم.
وقال ربيعة من تعمد ذلك أعاد الغسل وهو قول الليث واختلف فيه عن مالك، وفيه وجه لاصحاب الشافعي قياسا على الوضوء، وذكر الشيخ أبو الفرج في الايضاح انه شرط، والاولى قول الجمهور لانها طهارة لا ترتيب فيها فلم تجب فيها موالاة كغسل النجاسة فعلى هذا نكون
واجبات الغسل شيئين.
النية وتعميم البدن بالغسل وقد ذكرنا الاختلاف في التسمية فيما مضى (فصل) وان اجتمع شيئان يوجبان الغسل كالحيض والجنابة والتقاء الختانين والانزال فنواهما بغسله أجزأه عنهما وهو قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وروي عن الحسن والنخعي في الحائض والجنب تغتسل غسلين ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يغتسل من الجماع إلا واحدا وهو يتضمن التقاء الختانين والانزال غالبا ولانهما سببان يوجبان الغسل فاجزأ الغسل الواحد عنهما كالحدث والنجاسة، وهكذا الحكم ان اجتمعت احداث توجب الطهارة الصغرى كالنوم واللمس وخروج النجاسة فنواها بطهارته وان نوى أحدها ففيه وجهان مضى ذكرهما (فصل) إذا بقيت لمعة من جسده لم يصبها الماء فمسحها بيده أو بشعره أو عصر شعره عليها فقد اختلفت الرواية فيه عن أحمد.
فروي أنه سئل عن حديث العلاء بن زياد أن النبي صلى الله عليه وسلم
اغتسل فرأى لمعة لم يصبها الماء فدلكها بشعره قال نعم آخذ به، وروى علي قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني اغتسلت من الجنابة وصليت الفجر ثم أصبحت فرأيت قدر موضع الظفر لم يصبه ماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو كنت مسحت عليه بيدك أجزأك " رواه ابن ماجه وروي عن أحمد أنه قال يأخذ لها ماءا جديدا فيه حديث لا يثبت يعصر شعره.
وذكر له حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم عصر لمته على لمعة كانت في جسده فضعفه ولم يصححه.
قال
شيخنا والصحيح أن ذلك يجزئه إذا كان من بلل الغسلة الثانية أو الثالثة وجرى ماؤها على اللمعة لانه كغسلها بماء جديد على ما فيه من الاحاديث، فان لم يجر الماء فالاولى غسلها بماء جديد.
ويمكن حمل المسح على الغسل الخفيف في الحديث فان الغسل الخفيف يسمى مسحا وإن عصر شعره في الغسلة الاولى انبنى على المستعمل في رفع الحدث على ما مضى (فصل) ولا يجب على المرأة نقض شعرها لغسلها من الجنابة رواية واحدة إذا روت أصوله ولا نعلم في هذا خلافا إلا أنه روي عن ابن عمرو أنه كان يأمر النساء بذلك وهو قول النخعي ولا نعلم أحدا وافقهما على ذلك.
ووجه الاول ما روت أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله اني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال " لا انما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين " رواه مسلم، وعن عبيد بن عمير قال: بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤسهن فقالت يا عجبي لابن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤسهن أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤسهن لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من اناء واحد وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث افراغات.
رواه مسلم إلا أن يكون في رأس المرأة حشو أو سدر يمنع وصول الماء إلى ما تحته فتجب إزالته، وإن كان خفيفا لا يمنع لم تجب (فصل) فأما غسل الحيض فنص أحمد على أنها تنقض شعرها فيه، قال مهنا سألت أحمد عن
المرأة تنقض شعرها من الحيض قال نعم فقلت له كيف تنقضه من الحيض ولا تنقضه من الجنابة؟ فقال
حديث أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تنقضه " واختلف فيه أصحابنا فمنهم من أوجبه وهو قول الحسن وطاوس لما روي عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إذ كانت حائضا " خذي ماءك وسدرك وامتشطي " ولا يكون المشط إلا في شعر غير مضفور.
وللبخاري " انقضي رأسك وامتشطي " ولان الاصل وجوب نقض الشعر ليتيقن وصول الماء إلى ما تحته فعفي عنه في غسل الجنابة لانه يكثر فيشق ذلك بخلاف الحيض.
وقال بعض أصحابنا هو مستحب غير واجب.
روي ذلك عن عائشة وأم سلمة وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر العلماء وهو الصحيح لان في بعض ألفاظ حديث أم سلمة أفأنقضه للحيضة والجنابة قال لا؟ رواه مسلم.
وهذه زيادة يجب قبولها وهذا صريح في نفي الوجوب فأما حديث عائشة الذي رواه البخاري فليس فيه أمر بالغسل.
ولو كان فيه أمر لم يكن فيه حجة لان ذلك ليس هو غسل الحيض انما أمرت بالغسل في حال الحيض للاحرام بالحج ولو ثبت الامر بالغسل حمل على الاستحباب جمعا بين الحديثين ولان ما فيه يدل على الاستحباب وهو المشط والسدر وليس بواجب فما هو من ضرورته أولى (فصل) ويجب غسل بشرة الرأس كثيفا كان الشعر أو خفيفا وكذلك كل ما تحت الشعر كجلد اللحية لما روت أسماء قالت سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل الجنابة فقال " تأخذ ماء فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ الطهور.
ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى يبلغ شؤون رأسها ثم تفيض
عليه الماء رواه مسلم.
وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء فعل به من النار كذا وكذا " قال علي فمن ثم عاديت شعري قال وكان يجز شعره رواه أبو داود (فصل) فاما غسل ما استرسل من الشعر وبل ما على الجسد منه ففيه وجهان (أحدهما) يجب وهو ظاهر قول أصحابنا ومذهب الشافعي لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة " رواه أبو داود ولانه شعر نابت في محل الفرض فوجب غسله كشعر الحاجبين (والثاني) لا يجب وهو قول أبي حنيفة لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات " مع اخبارها إياه بشد ضفر رأسها ومثل هذا لا يبل الشعر المشدود ضفره في العادة
ولو وجب غسله لوجب نقضه ليعلم أن الماء قد وصل إليه ولان الشعر ليس من الحيوان بدليل أنه لا ينقض مسه من المرأة.
ولا تطلق بايقاع الطلاق عليه فلم يجب غسله كثوبها.
وأما حديث " بلوا الشعر " فيرويه الحارث بن وجيه وحده وهو ضعيف الحديث عن مالك بن دينار: والحاجبان انما وجب غسلهما من ضرورة غسل بشرتهما وكذلك كل شعر لا يمكن غسل بشرته الا بغسله لانه من قبيل ما لا يتم الواجب إلا به.
فان قلنا بوجوب غسله فترك غسل شئ منه لم يتم غسله فان قطع المتروك ثم غسله أجزأه لانه لم يبق في بدنه شئ غير مغسول ولو غسله ثم تقطع لم يجب غسل موضع القطع كما لو قص أظفاره بعد الوضوء
(فصل) وغسل الحيض كغسل الجنابة إلا أنه يستحب أن يغتسل بماء وسدر وتأخذ فرصة ممسكة فتتبع بها مجرى الدم والموضع الذي يصل إليه الماء من فرجها ليزول عنها زفورة الدم فان لم تجد مسكا فغيره من الطيب فان لم تجد فالماء كاف لان في حديث أسماء " تأخذ إحداكن سدرتها وماءها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها ثم تصب عليه الماء ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها " قالت أسماء وكيف تطهر بها؟ فقال " سبحان الله تطهرين بها " فقالت عائشة تتبعين بها أثر الدم، رواه مسلم - الفرصة هي القطعة من كل شئ والمسك الاذفر الخالص (مسألة) قال (ويتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع فان سبغ بدونهما أجزأه) المد رطل وثلث بالعراقي والصاع أربعة أمداد وهو خمسة أرطال وثلث وهو برطل الدمشقي الذي هو ستمائة درهم رطل وسبع والمد ربعه وهو ثلاث أواق وثلاثة أسباع أوقية، ورطل العراقي مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وذلك تسعون مثقالا والمثقال درهم وثلاثة أسباع ولا خلاف في حصول الاجزاء بالمد في الوضوء والصاع في الغسل فيما علمنا وذلك لما روى أنس قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، متفق عليه، وعن سفينة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسله الصاع من الماء من الجنابة ويوضئه المد، رواه مسلم، وفي حديث جابر أنه سئل عن غسل الجنابة فقال يكفيك صاع فقال رجل ما يكفيني فقال جابر كان يكفي من هو أوفى منك شعرا
وخيرا منك - يعني النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه، والصاع والمد ما ذكرنا وهذا قول مالك والشافعي وإسحاق وأبي عبيد وأبي يوسف، وقال أبو حنيفة الصاع ثمانية أرطال والمد رطلان لان أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد وهو رطلان ويغتسل بالصاع ولنا ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة " اطعم ستة مساكين فرقا من طعام " متفق عليه، قال أبو عبيد: لا اختلاف بين الناس أعلمه في أن الفرق ثلاثة آصع والفرق ستة عشر رطلا، فثبت أن الصاع خمسة أرطال وثلث، وروي أن أبا يوسف دخل المدينة فسألهم عن الصاع فقالوا خمسة أرطال وثلث فطالبهم بالحجة فقالوا غدافجاء من الغد سبعون شيخا كل منهم أخذ صاعا تحت ردائه فقال صاعي ورثته من أبي عن جدي حتى انتهوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرجع أبو يوسف عن قوله، وهذا تواتر يحصل به القطع، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المكيال مكيال أهل المدينة " وحديثهم تفرد به موسى بن نصر وهو ضعيف الحديث قاله الدار قطني (فصل) فان أسبغ بدونهما أجزأه - معنى الاسباغ أن يعم جميع الاعضاء بالماء بحيث يجري عليها
لان هذا هو الغسل وقد أمرنا بالغسل نص عليه أحمد.
وهذا مذهب الشافعي وأكثر أهل العلم وقد قيل لا يجزئ في الغسل دون الصاع ولا في الوضوء دون المد، وحكي ذلك عن أبي حنيفة لان جابرا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يجزئ من الوضوء مد ومن الجنابة صاع " والتقدير بهذا يدل على أنه لا يحصل الاجزاء بدونه ولنا أن الله تعالى أمر بالغسل وقد أتى به، وقد روي عن عائشة أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك رواه مسلم.
وعن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بثلثي مد وحديثهم انما يدل بمفهومه وهم لا يقولون به وإن ذكروه على وجه الالزام فما ذكرناه منطوق وهو راجح عليه، وقد روي عن سعيد بن المسيب قال إن لى ركوة أو قدحا ما يسع إلا نصف المد أو نحوه ثم أبول ثم أتوضأ وأفضل منه فضلا.
قال عبد الرحمن فذكرت هذا الحديث لسليمان بن يسار فقال سليمان وأنا يكفيني مثل ذلك فذكرت ذلك لابي عبيدة بن عمار بن ياسر فقال أبو عبيدة وهكذا سمعنا
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابراهيم النخعي انى لاتوضأ من كوز الحب مرتين (فصل) فإذا زاد على المد في الوضوء على الصاع في الغسل جاز فان عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من اناء واحد من قدح يقال له الفرق - والفرق ثلاثة آصع وقال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد متفق عليه.
وعن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالماء يسع رطلين رواه أبو داود.
ويكره الاسراف في الماء والزيادة الكثيرة فيه لما روينا من الآثار، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال " ما هذا السرف؟ " فقال أفي الوضوء اسراف؟ قال " نعم وإن كنت على نهر جار " رواه ابن ماجه.
وعن أبي كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن للوضوء شيطانا يقال له ولهان فاتقوا وسواس الماء " رواه أحمد وابن ماجه (مسألة) (وإذا اغتسل ينوي الطهارتين أجزأ عنهما وعنه لا يجزئه حتى يتوضأ) ظاهر المذهب أنه يجزئه الغسل عن الطهارتين إذا نواهما نص عليه أحمد وعنه لا يجزئه حتى يتوضأ قبل الغسل أو بعده وهو أحد قولي الشافعي لان النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ولان الجنابة والحدث وجد منه فوجب لهما الطهارتان كما لو كانا منفردين
ووجه الاولى قوله تعالى (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى - إلى قوله - ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا) جعل الغسل غاية للمنع من الصلاة فإذا اغتسل يجب أن لا يمنع منها ولانهما عبادتان من جنس فدخلت الصغرى في الكبرى في الافعال دون النية كالحج والعمرة قال ابن عبد البر المغتسل من الجنابة إذا لم يتوضأ وعم جميع بدنه فقد أدى ما عليه لان الله تعالى انما افترض على الجنب الغسل من الجنابة دون الوضوء بقوله (وان كنتم جنبا فاطهروا) وهو إجماع لا خلاف فيه بين العلماء إلا أنهم أجمعوا على استحباب الوضوء قبل الغسل تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة رواه الامام أحمد والترمذي
(فصل) وان لم ينو الوضوء لم يجزه الا عن الغسل لقوله عليه السلام " وانما لامرئ ما نوى " فان نواهما أحدث في أثناء غسله أتم غسله ثم يتوضأ، وقال الحسن يستأنف الغسل ولا يصح لان الحدث الاصغر لا ينافي الغسل فل يؤثر وجوده فيه كغير الحدث
(فصل) ويسقط الترتيب والموالاة في أعضاء الوضوء إذا قلنا الغسل يجزئ عنهما لانهما عبادتان دخلت احداهما في الاخرى فسقط حكم الصغرى كالعمرة مع الحج نص عليه أحمد: فلو اغتسل إلا أعضاء الوضوء لم يجب الترتيب فيها لان حكم الجنابة باق وقال ابن عقيل والآمدي فيمن غسل جميع بدنه الا رجليه ثم أحدث يجب الترتيب في الاعضاء الثلاثة لانفرادها في الحدث الاصغر دون الرجلين لاجتماع الحدثين فيهما، ويعايابها فيقال طهارة يجب الترتيب في بعضها ولا يجب في البعض (مسألة) (ويستحب للجنب إذا أراد النوم أو الاكل أو الوطئ ثانيا أن يغسل فرجه ويتوضأ) وروي ذلك عن علي وعبد الله بن عمر وكان ابن عمر يتوضأ الا غسل قدميه وقال ابن المسيب إذا أراد أن يأكل يغسل كفيه ويتمضمض.
وحكي نحوه عن امامنا واسحاق وأصحاب الرأي.
وقال مجاهد يغسل كفيه لما روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
وقال مالك يغسل يديه ان كان أصابهما أذى.
وقال ابن المسيب وأصحاب الرأي ينام ولا يمس ماء لما روت عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام
وهو جنب ولا يمس ماء رواه أبو داود وابن ماجه ولنا أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال " نعم إذا توضأ فليرقد " متفق عليه، وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ " رواه مسلم.
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ يعني وهو جنب رواه أبو داود.
فأما أحاديثهم فأحاديثنا أصح ويمكن الجمع بينها يحملها على الجواز وحمل أحاديثنا على الاستحباب (فصل) وإذا غمست الحائض أو الجنب أو الكافر أيديهم في الماء فهو طاهر ما لم يكن على
أيديهم نجاسة لان أبدانهم طاهرة وهذه الاحداث لا تقتضي تنجيس الماء قال ابن المنذر أجمع عوام أهل العلم على أن عرق الجنب طاهر يروي ذلك عن عائشة وابن عباس وابن عمر وهو قول مالك والشافعي ولا نعلم عن غيرهم خلافا، وقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة قال فانخنست منه فذهبت فاغتسلت ثم جئت فقال " أين كنت يا أبا هريرة " قال يا رسول الله كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة فقال " سبحان الله ان المؤمن لا ينجس " متفق عليه وروي ان النبي صلى الله عليه وسلم قدمت إليه امرأة من نسائه قصعة ليتوضأ منها فقالت امرأة إني غمست يدي فيها وأنا جنب فقال " الماء لا يجنب " وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب من سؤر عائشة
وهي حائض وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم من مزادة مشركة متفق عليه، وأجاب النبي صلى الله عليه وسلم يهوديا أضافه يخبز واهالة سنخة.
قال شيخنا ويتخرج التفريق بين الكتابي الذي لا يأكل الميتة والخنزير وبين غيره ممن يأكل ذلك ومن لا تحل ذبيحتهم كقولنا في آنيتهم وقد ذكرناه (فصل) فأما طهورية الماء فان الحائض والكافر لا يؤثر غمسهما أيديهما في الماء لان حدثهما لا يرتفع وأما الجنب فان لم ينو بغمس يده في الماء رفع الحدث عنها فكذلك بدليل حديث المرأة التي قالت غمست يدي في الماء وأنا جنب فقال النبي صلى الله عليه وسلم " الماء لا يجنب " ولان الحدث لا يرتفع من غير نية أشبه غمس الحائض، وإن نوت رفع حدثها فحكم الماء حكم مالو اغتسل الجنب فيه للجنابة كذا ذكره شيخنا وفي هذا نظر.
فانهم قد قالوا ان الماء المستعمل إذا اختلط بالماء الطهور انما يؤثر فيه إذا كان بحيث لو كان مائعا آخر غيره.
والمنفصل عن اليد ههنا يسير فينبغي إذا كان الماء كثيرا بحيث لا يؤثر فيه المنفصل عن غسل اليد لو غسلت منفردة بماء ثم صب فيه أن لا يؤثر ههنا لانه في معناه، وإن كان الماء يسيرا بحيث يغلب على الظن ان قدر المنفصل عن اليد يؤثر فيه لو غسلت منفردة ثم صب فيه أثر ههنا وقد روي عن أحمد ما يدل على هذا فانه سئل عن جنب وضع له ماء فأدخل يده ينظر حره من برده؟ قال إن كان أصبعا فأرجو أن لا يكون به بأس وإن كانت اليد أجمع فكأنه كرهه
(فصل) قال بعض أصحابنا إذا نوى رفع الحدث ثم غمس يده في الماء ليغرف بها صار الماء مستعملا.
قال شيخنا والصحيح إن شاء الله أن ذلك لا يؤثر لان قصد الاغتراف منع قصد غسلها على ما بيناه في المتوضئ إذا اغترف من الاناء لغسل يديه بعد وجهه، وإن انقطع حيض المرأة فهي قبل الغسل كالجنب فيما ذكرنا من التفصيل.
وقد اختلف عن أحمد في هذا فقال في موضع في الجنب والحائض يغمس يديه في الاناء إذا كانا نظيفين فلا بأس به، وقال في موضع كنت لا أرى به بأسا ثم حدثت عن شعبة عن محارب بن دثار عن ابن عمر وكأني تهيبته، وسئل عن جنب وضع له ماء فوضع يده فيه ينظر حرمه من برده فقال إن كان أصبعا فأرجو أن لا يكون به بأس وإن كانت اليد أجمع فكأنه كرهه وسئل عن الرجل يدخل الحمام وليس معه ما يصب به الماء على يده ترى له أن يأخذ بفيه؟ فقال لا يده وفمه واحد وقياس المذهب ما ذكرنا وكلام أحمد محمول على الكراهة لما فيه من الخلاف، وقال أبو يوسف إن أدخل الجنب يده في الماء لم يفسد وإن أدخل رجله فسد لان الجنب نجس فعفى عن يده لموضع الحاجة وكره النخعي الوضوء بسؤر الحائض، وأكثر أهل العلم لا يرون به بأسا منهم الحسن ومجاهد والزهري ومالك والاوزاعي والثوري والشافعي.
وقد دللنا على طهارة الجنب والحائض، والتفريق بين اليد والرجل لا يصح لاستوائهما فيما إذا أصابتهما نجاسة كذلك في الجنابة قال شيخنا ويحتمل أن نقول به لان اليد يراد بها الاغتراف وقصده هو المانع من جعل الماء مستعملا وهذا لا يوجد في الرجل فيؤثر غمسها في الماء والله أعلم
(فصول في الحمام) بناء الحمام وكراؤه وبيعه وشراؤه مكروه عند أبي عبد الله فانه قال في الذي يبني حماما للنساء ليس بعدل وانما كرهه لما فيه من كشف العورة والنظر إليها ودخول النساء إليه (فصل) فأما دخول الحمام فان دخل رجل وكان يسلم من النظر إلى عورات الناس ونظرهم إلى عورته فلا بأس به فانه يروى أن ابن عباس دخل حماما بالجحفة، ويروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الحسن وابن سيرين يدخلان الحمام رواه الخلال.
وان خشي أن لا يسلم من ذلك كره له لانه
لا يأمن وقوعه في المحظور وهو النظر إلى عورات الناس ونظرهم إلى عورته وهو محرم بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة " وقوله عليه السلام " لا تمشوا عراة " رواهما مسلم.
قال أحمد: ان علمت أن كل من في الحمام عليه ازار فادخله والا فلا تدخل
(فصل) فأما النساء فليس لهن دخوله مع ما ذكرنا من الستر الا لعذر من حيض أو نفاس أو مرض أو حاجة إلى الغسل ولا يمكنها أن تغتسل في بيتها لتعذر ذلك عليها أو خوفها من مرض أو ضرر فيباح لها إذا سترت عورتها وغضت بصرها ولا يجوز من غير عذر لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ستفتح أرض العجم وستجدون فيها حمامات فامنعوا نسائكم الا حائضا أو نفساء " وروي أن عائشة دخل عليها نساء من أهل حمص فقالت لعلكن من النساء اللاتي يدخلن الحمامات سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان المرأة إذا خلعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت سترها بينها وبين الله تعالى " رواهما ابن ماجه (فصل) ومن اغتسل عريانا بين الناس لم يجز لما ذكرنا وان كان وحده جاز لان موسى عليه السلام اغتسل عريانا وأيوب اغتسل عريانا رواهما البخاري، وان ستره الانسان بثوب فلا بأس فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستر بثوب ويغتسل متفق عليه، ويستحب التستر وان كان خاليا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فالله أحق أن يستحيي منه من الناس " وقد قال أحمد لا يعجبني أن يدخل الماء إلا مستترا ان للماء سكانا لانه يروى عن الحسن والحسين أنهما دخلا الماء وعليهما بردان
فقيل لهما في ذلك فقالا: ان للماء سكانا ولان الماء لا يستر فتبدو عورة من دخله عريانا والله أعلم (فصل) ويجزئه الوضوء والغسل من ماء الحمام قال أحمد لا بأس بالوضوء من ماء الحمام وذلك لان الاصل الطهارة وروي عن أحمد أنه قال لا بأس أن يأخذ من الانبوبة وهذا على سبيل الاحتياط ولو لم يفعله جاز لان الاصل الطهارة، وقد قال أحمد ماء لاحمام عندي طاهر وهو بمنزلة الماء الجاري، وهل يكره استعماله؟ فيه وجهان (احدهما) يكره لانه يباشره من يتحرى ومن لا يتحرى وحكاه ابن عقيل رواية
عن أحمد وقد روى الاثرم عن أحمد.
قال منهم من يشدد فيه ومنهم من يقول هو بمنزلة الماء الجاري (والثاني) لا يكره لكون الاصل طهارته فهو كالماء الذي شككنا في نجاسته والله أعلم (قال شيخنا) وقوله هو بمنزلة الماء الجاري فيه دليل على أن الماء الجاري لا ينجس الا بالتغيير لانه لو تنجس بمجرد لملاقاة لم يكن لكونه جاريا أثر وانما جعله بمنزلة الماء الجاري إذا كان الماء يفيض من الحوض ويخرج فان الذي يأتي أخيرا يدفع ما في الحوض ويثبت مكانه بدليل أنه لو كان ما في الحوض كدرا وتتابعت عليه دفع من الماء صافيا لزالت كدورته (فصل) ولا بأس بذكر الله في الحمام فان ذكره سبحانه حسن في كل مكان ما لم يرد المنع منه وقد روي أن أبا هريرة دخل الحمام فقال: لا إله إلا الله وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه رواه مسلم.
فأما قراءة القرآن فيه فكرهها أبو وائل والشعبي والحسن ومكحول وحكاه ابن عقيل عن علي وابن عمر لانه كحل للتكشف ويفعل فيه ما لا يحسن في غيره فاستحب صيانة القرآن عنه ولم يكرهه النخعي ومالك لانا لا نعلم حجة توجب الكراهة، فاما رد السلام فقال أحمد ما سمعت فيه شيئا.
وقال ابن عقيل يكره.
والاولى جوازه من غير كراهة لعموم قوله عليه السلام " أفشوا السلام بينكم " ولانه لم يرد فيه نص والاشياء على الاباحة والله أعلم
باب التيمم التيمم في اللغة القصد قال الله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وقال امرؤ القيس تيممت العين التي عند ضارج * يفئ عليها الظل عرمضها طامي وقول الله تعالى (فتيمموا صعيدا طيبا) أي اقصدوه ثم نقل في عرف الفقهاء إلى مسح الوجه واليدين بشئ من الصعيد، والاصل فيه الكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وأما السنة فحديث عمار وغيره، وأجمعت الامة على جواز التيمم في الجملة وله شروط وفرائض وسنن ومبطلات تأتي في أثناء الباب ان شاء الله تعالى (مسألة) قال (وهو بدل لا يجوز الا بشرطين (أحدهما) دخول الوقت فلا يجوز لفرض
قبل وقته ولا لنفل في وقت النهي عنه) وجملة ذلك أن التيمم بدل عن الماء انما يجوز عند تعذر الطهارة بالماء لعدمه أو مرض أو خوف أو نحوه لقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " التراب كافيك ما لم تجد الماء "
ولحديث ضاحب الشجة وحديث عمرو بن العاص وغير ذلك، ويشترط له ثلاثة شروط (أحدها) دخول الوقت فلا يجوز لصلاة مفروضة قبل دخول وقتها ولا لنافلة في وقت النهي عنها لانه ليس بوقت لها ولانه مستغن عن التيمم فيه فأشبه مالو تيمم عند وجود الماء، وان كانت فائتة جاز التيمم لها في كل وقت لجواز فعلها فيه.
وهذا قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يصح التيمم قبل وقت الصلاة لانها طهارة مشترطة للصلاة فأبيح تقديمها على الوقت كسائر الطهارات.
وروي عن أحمد انه قال القياس أن التيمم بمنزلة الطهارة حتى يجد الماء أو يحدث، فعلى هذا يجوز قبل دخول الوقت.
والصحيح الاول لانها طهارة ضرورة فلم تجز قبل الوقت كطهارة المستحاضة.
وقياسهم ينتقض بطهارة المستحاضة ويفارق التيمم سائر الطهارات لكونها ليست لضرورة (الشرط الثاني) العجز عن استعمال الماء لعدمه لما ذكرنا وعدم الماء انما يشترط لمن تيمم لعذر عدم الماء دون من تيمم لغيره من الاعذار (الشرط الثالث) طلب الماء وفيه خلاف نذكره إن شاء الله (فصل) وعدم الماء يبيح التيمم في السفر الطويل والقصير، والطويل ما يبيح القصر، والقصير ما دونه مثل أن يكون بين قريتين متباعدتين أو متقاربتين.
قال القاضي: لو خرج إلى ضيعة له تفارق البنيان والمنازل ولو بخمسين خطوة جاز له التيمم والصلاة على الراحلة وأكل الميتة للضرورة.
وهذا قول مالك والشافعي.
وقال قوم لا يباح إلا في الطويل قياسا على سائر رخص السفر ولنا قوله تعالى (وإن كنتم مرضى أو على سفر - إلى قوله - فتيمموا) فانه يدل بمطلقه على إباحة التيمم
في كل سفر ولان السفر القصير يكثر فيكثر عدم الماء فيه فيحتاج إلى التيمم فيه فينبغي أن يسقط به الفرض كالطويل.
والقياس على رخص السفر لا يصح لان التيمم يباح في الحضر على ما يأتي ولان التيمم
عزيمة لا يجوز تركه بخلاف سائر الرخص.
ولا فرق بين سفر الطاعة والمعصية لان التيمم عزيمة لا يجوز تركه بخلاف بقية الرخص فان تيمم وصلى فهل يعيد؟ ذكر القاضي فيه احتمالين أولاهما لا يعيد لانه عزيمة (فصل) فان عدم الماء في الحضر بأن انقطع عنهم الما أو حبس وعدم الماء تيمم وصلى وهذا قول مالك والثوري والاوزاعي والشافعي وقال أبو حنيفة في رواية عنه لا يصلي لان الله تعالى شرط السفر لجواز التيمم فلا يجوز في غيره وقد روي عن أحمد أنه سئل عن رجل حبس في دار أو أغلق عليه الباب بمنزل المضيف أيتيمم؟ قال لا ولنا ما روى أبو ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ان الصعيد الطيب طهور المسلم وان لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فان ذلك خير " قال الترمذي حديث حسن صحيح وهذا عام في السفر وغيره ولانه عادم للماء أشبه المسافر فأما الآية فلعل ذكر السفر فيها خرج مخرج الغالب لكون الغالب أن الماء انما يعدم فيه - كما ذكر السفر وعدم وجود الكاتب في الرهن وليسا شرطين فيه.
ثم ان الآية انما تدل على ذلك بدليل الخطاب وأبو حنيفة لا يقول به ولو كان حجة
فالمنطوق راجح عليه فعلى هذا إذا تيمم في الحضر لعدم الماء وصلى فهل يعيد إذا قدر على الماء؟ على روايتين (إحداهما) يعيد وهو مذهب الشافعي لانه عذر نادر فلا يسقط به القضاء كالحيض في الصوم (والثانية) لا يعيد وهو مذهب مالك لانه أتى بما أمر به فخرج عن العهدة ولانه صلى بالتيمم المشروع على الوجه المشروع فأشبه المريض والمسافر مع أن عموم الخبر يدل عليه، وقال أبو الخطاب ان حبس في المصر صلى ولم يذكر اعادة وذكر الروايتين في غيره.
قال شيخنا: ويحتمل أنه ان كان عدم الماء لعذر نادر أو يزول قريبا كرجل أغلق عليه الباب مثل الضيف وما أشبه هذا فعليه الاعادة لان هذا بمنزلة المتشاغل بطلب الماء وتحصيله، وان كان عذرا ممتدا ويوجد كثيرا كالمحبوس ومن انقطع الماء من قريته واحتاج إلى استقاء الماء من مسافة بعيدة فله التيمم ولا اعادة عليه لان هذا عادم للماء بعذر متطاول معتاد فهو كالمسافر ولان عدم هذا الماء أكثر من عدم المسافر له فالنص على التيمم للمسافر تنبيه على التيمم ههنا.
وما قاله صحيح والله تعالى أعلم
(فصل) ومن خرج من المصر إلى أرض من أعماله كالحراث والحصاد والحطاب وأشباههم ممن لا يمكنه حمل الماء معه لوضوئه فحضرت الصلاة ولا ماء معه ولا يمكنه الرجوع ليتوضأ الا بتفويت حاجته فله أن يصلي بالتيمم ولا اعادة عليه لانه مسافر أشبه الخارج إلى قرية أخرى ويحتمل أن تلزمه الاعادة لكونه في أرض من عمل المصر أشبه المقيم فيه فان كانت الارض التي خرج إليها من غير
أرض قريبة فلا إعادة عليه وجها واحدا لانه مسافر (فصل) فان لم يجد إلا ماء ولغ فيه بغل أو حمار فروي عن احمد انه قال إذا لم يجد غير سؤرهما تيمم معه فيقدم الوضوء ثم يتيمم نص عليه احمد ليكون عادما للماء بيقين.
قال ابن عقيل: ويحتمل في المذهب أن يصلي بكل واحد منهما ليحصل له تأدية فرضه بيقين، فعلى هذا يقدم التيمم ويصلي ثم يتوضأ لجواز أن يكون الماء نجسا ولا يضر ههنا تقديم التيمم مع كونه مسقطا للفرض كما إذا اشتبهت الثياب فان أراد أن يصلي صلاة أخرى في وقت واحد لم يحتج إلى اعادة الوضوء إذا لم يحدث لان الماء إن كان طاهرا فالوضوء بحاله وإن كان نجسا فلا حاجة إلى تكرار الوضوء بماء نجس ولا يحتاج في الصلاة الثانية إلى أن يفعلها مرتين لانه لا يحصل له تأدية فرضه بيقين لان أعضاءه قد تنجست بالماء على تقدير نجاسته هذا إذا كان مستديما للطهارة الاولى ذكره ابن عقيل قال ويمكن تأديته بيقين بأن يتيمم للحدث والنجاسة ويصلي لانه إن كان الماء طاهرا فقد صحت صلاته وإن كان نجسا فقد تيمم للنجاسة والحدث فتصح صلاته (مسألة) قال (أو لضرر في استعماله من جرح أو برد شديد أو مرض يخشى زيادته أو تطاوله) هذه تشتمل على مسائل أحدها التيمم لخوف البرد متى أمكنه تسخين الماء أو استعماله على وجه يأمن الضرر مثل أن يغسل عضوا عضوا كلما غسل شيئا ستره لزمه ذلك وإن لم يقدر تيمم وصلى في قول أكثر أهل العلم، وقال عطاء والحسن يغتسل وان مات.
ومقتضى قول ابن مسعود نحو ذلك.
ووجه الاول قوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) ولما روى عمرو بن العاص قال احتلمت في ليلة باردة في عزوة ذات
السلاسل فأشفقت ان اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت اني سمعت الله عزوجل يقول (ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما) فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا.
رواه الخلال وأبو داود وسكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز لانه لا يقر على الخطأ ولانه خائف على نفسه أشبه المريض، وهل تلزمه الاعادة إذا قدر على استعمال الماء؟ فيه روايتان (احداهما) لا تلزمه وهو قول الثوري ومالك وأبي حنيفة وابن المنذر لحديث عمرو فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره باعادة ولو وجبت لامره بها فانه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجه ولانه خائف على نفسه أشبه المريض (والثانية) تلزمه الاعادة في الحضر دون السفر وهو قول أبي يوسف ومحمد لانه عذر نادر غير متصل فلم يمنع الاعادة كنسيان الطهارة، قال الشيخ والاول أصح ويفارق نسيان الطهارة فانه لم يأت بما أمر به وانما ظن انه أتى به بخلاف مسئلتنا، وقال الشافعي يعيد الحاضر لما ذكرنا وفي المسافر قولان (فصل) الثاني الجريح والمريض إذا خاف على نفسه من استعمال الماء فله التيمم هذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن عباس ومجاهد وعكرمة وطاوس والنخعي وقتادة ومالك والشافعي، وقال عطاء والحسن لا يجوز التيمم إلا عند عدم الماء
ولنا قول الله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) وحديث عمرو بن العاص حين تيمم من خوف البرد وحديث صاحب الشجة ولانه يباح له التيمم إذا خاف العطش أو خاف من سبع فكذلك ههنا لان الخوف لا يختلف وانما اختلفت جهاته، واختلفوا في الخوف المبيح للتيمم فروي عن أحمد لا يبيحه الا خوف التلف وهذا أحد قولي الشافعي، والصحيح من المذهب أنه يباح له التيمم إذا خاف زيادة المرض أو تباطؤ البرء أو خاف شيئا فاحشا أو ألما غير محتمل وهذا مذهب أبي حنيفة والقول الثاني للشافعي لعموم قوله تعالى (وان كنتم مرضى) ولانه يجوز له التيمم إذا خاف ذهاب شئ من ماله أو ضررا في نفسه من لص أو سبع أو لم يجد الماء الا بزيادة كثيرة على ثمن مثله فلان يجوز ههنا أولى.
ولان ترك القيام في
الصلاة وتأخير الصوم في المرض لا ينحصر في خوف التلف فكذا ههنا.
فأما المريض والجريح الذي لا يخاف الضرر باستعمال الماء مثل من به الصداع والحمى الحارة وأمكنه استعمال الماء الجاري ولا ضرر عليه فيه لزمه ذلك لان اباحة التيمم لنفي الضرر ولا ضرر عليه، وحكي عن مالك وداود اباحة التيمم للمريض مطلقا لظاهر الآية.
ولنا أنه قادر على استعمال الماء من غير ضرر فأشبه الصحيح والآية اشترط فيها عدم الماء فلم يتناول محل النزاع على أنه لابد من اضمار الضرورة والضرورة انما تكون عند الضرر (مسألة) (أو عطش يخافه على نفسه أو رفيقه أو بهيمته) متى خاف العطش على نفسه جاز له التيمم ولا اعادة عليه اجماعا قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المسافر إذا كان
معه ماء وخشي العطش أنه يبقي الماء للشرب ويتيمم منهم علي وابن عباس والحسن وعطاء ومجاهد والثوري ومالك والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم، وان خاف على رفيقه أو رقيقه أو بهائمه فهو كما لو خاف على نفسه لان حرمة رفيقه كحرمة نفسه والخائف على بهائمه خائف من ضياع ماله وعليه ضرر فيه فجاز له التيمم كالمريض، وان وجد عطشان يخاف تلفه لزمه سقيه ويتيمم.
قيل لاحمد رجل معه إداوة من ماء للوضوء فيرى قوما عطاشا أحب اليك أن يسقيهم أو يتوضأ؟ قال لا بل يسقيهم ثم ذكر عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيممون ويحبسون الماء لشفاههم وقال أبو بكر والقاضي لا يلزمه بذله لانه محتاج إليه ولنا أن حرمة الآدمي تقدم على الصلاة بدليل مالو رأى حريقا أو غريقا عند ضيق وقت الصلاة لزمه ترك الصلاة والخروج لانقاذه فلان يقدمها على الطهارة بالماء أولى وقد روي في حديث البغي أن الله غفر لها بسقي الكلب عند العطش فإذا كان في سقي الكلب فالآدمي أولى (فصل) وإذا وجد الخائف من العطش ماء طاهراوماء نجسا يكفيه أحدهما لشربه فانه يحبس الطاهر لشربه ويريق النجس ان استغنى عنه، وقال القاضي: يتوضأ بالطاهر ويحبس النجس لشربه لانه وجد ماء طاهرا يستغني عن شربه أشبه ما لو كان الكل طاهرا
ولنا أنه لا يقدر على ما يجوز شربه والوضوء به إلا الطاهر فجاز له حبسه لشربه كما لو انفرد، وإن وجدهما وهو عطشان شرب الطاهر وأراق النجس إذا استغنى عنه سواء كان في الوقت أو قبله، وقال بعض الشافعية إن كان في الوقت شرب النجس لان الطاهر مستحق للطهارة فهو كالعدم، ولا يصح لان شرب النجس حرام وانما يصير الطاهر مستحقا للطهارة إذا استغنى عن شربه، وهذا غير مستغن عن شربه فوجود النجس كعدمه (مسألة) قال (أو خشية على ماله في طلبه) متى خاف على نفسه أو ماله في طلب الماء كمن بينه وبين الماء سبع أو عدو أو حريق أو لص فهو كالعادم لانه خائف للضرر باستعماله أو التلف فهو كالمريض ولو كان الماء بمجمع الفساق تخاف المرأة على نفسها منهم فهي كالعادمة وقد توقف أحمد عن هذه المسألة وقال ابن أبي موسى تتيمم ولا اعادة عليها في أصح الوجهين، قال شيخنا والصحيح جواز التيمم لها وجها واحدا ولا اعادة عليها بل لا يحل لها الخروج إلى الماء لما فيه من التعرض للزنا وهتك نفسها وعرضها وتنكيس رؤس أهلها وربما أفضى إلى قتلها.
وقد أبيح لها التيمم حفظا للقليل من مالها المباح لها بذله وحفظ نفسها من زيادة مرض أو تباطؤ برء فههنا أولى وكذلك إن كان يخاف إذا ذهب إلى الماء شرود دابته أو سرقتها أو يخاف على أهله لصا أو سبعا فهو كالعادم لما دكرنا، فان كان خوفه جبنا لا عن سبب يخاف من مثله كالذي يخاف بالليل وليس شئ يخاف منه لم يجز له التيمم نص عليه أحمد قال شيخنا ويحتمل أن يباح له التيمم ويعيد إذا اشتد خوفه لانه بمنزلة الخائف لسبب، ومن كان خوفه لسبب ظنه مثل من رأى سوادا ظنه عدوا فتبين أنه ليس بعدو أو رأى كلبا فظنه نمرا فتيمم
وصلى فبان خلافه فهل تلزمه الاعادة؟ على وجهين (أحدهما) لا تلزمه الاعادة لانه أتى بما أمر به فخرج عن عهدته (والثاني) تلزمه لانه تيمم من غير سبب يبيح التيمم أشبه من نسي الماء بموضع يمكنه استعماله (فصل) ومن كان مريضا لا يقدر على الحركة ولا يجد من يناوله الماء فهو كالعادم قاله ابن أبي موسى وهو قول الحسن لانه لا سبيل له إلى الماء أشبه من وجده في بئر ليس له ما يستقي به منها، وإن
وجد من يناوله قبل خروج الوقت فهو كالواجد في الحال لانه بمنزلة من يجد ما يستقي به في الوقت، وإن خاف خروج الوقت قبل مجيئه فقال ابن أبي موسى والحسن له التيمم ولا اعادة عليه لانه عادم في الوقت أشبه العادم مطلقا ويحتمل أن ينتظر مجئ من يناوله لانه حاضر ينتظر حصول الماء أشبه المشتغل باستقاء الماء وتحصيله (فصل) وإذا وجد بئرا وقدر على النزول إلى مائها من غير ضرر أو الاغتراف بشئ أو ثوب يبله ثم يعصره لزمه ذلك وإن خاف فوت الوقت لان الاشتغال به كالاشتغال بالوضوء وحكم من في السفينة في الماء كحكم واجد البئر إن لم يمكنه الوصول إلى الماء إلا بمشقة أو تغرير بالنفس فهو كالعادم وهذا قول الثوري والشافعي، وإذا كان الماء موجودا إلا أنه إن اشتغل بتحصيله واستعماله فات الوقت لم يبح له التيمم سواء كان حاضرا أو مسافرا في قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وعن الاوزاعي والثوري أنه يتيمم رواه عنهما الوليد بن مسلم وروي عن مالك
وابن أبي ذئب كقول الجمهور لقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهذا واجد ولقوله عليه السلام " التراب كافيك ما لم تجد الماء " ولانه قادر على الماء فلم يجز له التيمم كما لو لم يخف فوت الوقت (مسألة) قال (أو تعذره الا بزيادة كثيرة على ثمن مثله أو ثمن يعجز عن آدائه) وجملته أنه متى وجد ماء بثمن مثله في موضعه لزمه شراؤه إذا قدر على الثمن مع استغنائه عنه لقوته ومؤنة سفره لانه قادر على استعماله من غير ضرر وكذلك ان كانت الزيادة يسيرة لا تجحف بماله ذكره أبو الخطاب لما ذكرنا، وقال الشافعي لا يلزمه شراؤه مع الزيادة قليلة كانت أو كثيرة لان عليه ضررا في الزيادة أشبه مالو خاف لصا يأخذ من ماله ذلك المقدار ولنا قوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهذا واجد فان القدرة على ثمن العين كالقدرة على العين في المنع من الانتقال إلى البدل كما لو بيعت بثمن مثلها لان ضرر المال دون ضرر النفس وقد قالوا في المريض يلزمه الغسل ما لم يخف التلف فتحمل الضرر اليسير في المال أحرى وما ذكروه من الدليل يبطل بما إذا كان بثمن المثل فان كان عاجزا عن الثمن فهو كالعادم لانه عاجز عن استعمال الماء.
وان
بذل له ثمنه لم يلزمه قبوله لان فيه منة.
فأما ان وهب له ماء لزمه قبوله لانه قادر على استعمال الماء ولا منة في ذلك في العادة.
فأما ان كانت الزيادة كثيرة تجحف بماله لم يلزمه شراؤه لان عليه ضررا كثيرا وان كانت كثيرة لا تجحف بماله ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه شراؤه لانه واجد للماء قادر عليه من غير اجحاف بماله فلزمه استعماله للآية وكما لو كانت الزيادة بسيرة (والثاني) لا يلزمه لان فيه ضررا ولما ذكرنا في الزيادة اليسيرة
(فصل) فان بذل له بثمن في الذمة يقدر على أدائه في بلده فقال القاضي يلزمه شراؤه لانه قادر على أخذه بما لا مضرة فيه.
وقال الآمدي لا يلزمه لان عليه ضررا في بقاء الدين في ذمته وربما تلف ماله قبل أدائه وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، وإن لم يكن له في بلده ما يؤدي ثمنه لم يلزمه شراؤه لان عليه ضررا، وإن لم يبذله له وكان فاضلا عن حاجته لم يجز له أخذه منه قهرا (1) لان الضرورة لا تدعو إليه ولان هذا له بدل وهو التيمم بخلاف الطعام في المجاعة (مسألة) (فان كان بعض بدنه جريحا تيمم له وغسل الباقي) وجملة ذلك أن الجريح والمريض إذا أمكنه غسل بعض بدنه دون بعض لزمه غسل ما أمكنه غسله وتيمم للباقي وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك إن كان أكثر بدنه صحيحا غسله ولا يتيمم وإن كان أكثره جريحا تيمم ولا غسل عليه لان الجمع بين البدل والمبدل لا يجب كالصيام والاطعام ولنا ما روى جابر قال خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا شجة في وجهه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فاقل " قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فانما شفاء العي السؤال انما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليه ثم يغسل سائر جسده " رواه أبو داود ولانها شرط من شرائط الصلاة فالعجز عن بعضها لا يسقط جميعها كالستارة وما ذكروه ينتقض بالمسح على الخفين مع غسل بقية الاعضاء، فأما الذي قاسوا عليه فانه جمع بين البدل والمبدل في محل واحد بخلاف مسئلتنا فان التيمم بدل عما لم يصبه، وكل مالا يمكن غسله من الصحيح إلا بانتشار الماء إلى الجريح حكمه حكم الجريح فان لم يمكنه ضبطه وقدر أن يستنيب من يضبطه لزمه ذلك فان عجز تيمم وصلى واجزأه
لانه عجز عن غسله فأجزأه التيمم عنه كالجريح
__________
1) عبارة المغني لم يجز له مكارته الخ فهل سقط من كل مكان ما ثبت نظيره في الاخر؟ يتأمل
(فصل) ولا يلزمه أن يمسح على الجرح بالماء إذا أمكنه ذلك سواء كان معصوبا أو لا هذا اختيار الخرقي، وقال ابن عقيل نص أحمد في رواية صالح في المجروح إذا خاف مسح موضع الجرح وغسل ما حوله لقوله عليه السلام " إذا أمرتكم بامر فائتوا منه ما استطعتم " لانه عجز عن غسله وقدر على مسحه وهو بعض الغسل فوجب الاتيان بما قدر عليه كمن عجز عن الركوع والسجود وقدر على الايماء ووجه القول الاول أنه محل واحد فلا يجمع فيه بين المسح والتيمم كالجبيرة فإذا قلنا يجب المسح على موضع الجرح فهل يتيمم معه؟ على روايتين (إحداهما) لا يتيمم كالجرح المعصوب عليه والجبيرة على الكسر (والثانية) عليه التيمم لان المسح بعض الغسل فيجب أن يتيمم للباقى، ويفارق هذا الجبيرة لان الفرض فيها انتقل إلى الحائل فهي كالخفين (فصل) فان كانت جميع أعضاء الوضوء قريحة تيمم لها فان لم يمكنه التيمم صلى على حسب حاله وفي الاعادة روايتان كمن عدم الماء والتراب وسنذكر ذلك ان شاء الله
(فصل) إذا كان الجريح جنبا فهو مخير إن شاء قدم التيمم على الغسل وإن شاء أخره بخلاف ما إذا كان التيمم لعدم ما يكفيه لطهارته فانه يلزمه استعمال الماء أولا لان التيمم للعدم ولا يتحقق مع وجود الماء وههنا التيمم للعجز وهو متحقق على كل حال ولان الجريح يعلم أن التيمم بدل عن غسل الجرح والعادم لا يعلم القدر الذي يتيمم له إلا بعد استعمال الماء فلزمه تقديم استعماله وإن كان الجريح يتطهر للحدث الاصغر فذكر القاضي انه يلزمه الترتيب فيجعل التيمم في مكان الغسل الذي يتيمم بدلا عنه، فان كان الجرح في الوجه بحيث لا يمكنه غسل شئ منه تيمم أولا ثم أتم الوضوء، وإن كان في بعض وجهه خير بين غسل الصحيح منه ثم يتيمم وبين التيمم ثم يغسل صحيح وجهه
ويتم الوضوء، وإن كان الجرح في عضو آخر لزمه غسل ما قبله ثم كان فيه على ما ذكرنا في الوجه.
وإن كان في وجهه ويديه ورجليه احتاج في كل عضو إلى تيمم في محل غسله ليحصل الترتيب ولو غسل صحيح وجهه ثم تيمم له وليديه تيمما واحدا لم يجزه لانه يؤدي إلى سقوط الفرض عن جزء من الوجه واليدين في حال واحدة، فان قيل هذا يبطل بالتيمم عن جملة الطهارة حيث يسقط الفرض عن جميع الاعضاء جملة واحدة قلنا.
إذا كان عن جملة الطهارة فالحكم له دونها وإن كان عن بعضها ناب عن ذلك البعض فاعتبر فيه ما يعتبر فيما ينوب عنه من الترتيب (قال شيخنا) ويحتمل أن لا يجب هذا الترتيب لان التيمم طهارة مفردة فلا يجب الترتيب بينها وبين الطهارة الاخرى كما لو كان الجريح جنبا
ولانه تيمم عن الحدث الاصغر فلا يجب أن يتيمم عن كل عضو في موضع غسله كما لو تيمم عن جملة الوضوء ولان فيه حرجا فيندفع بقوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وحكى الماوردي عن مذهب الشافعي مثل هذه وحكى ابن الصباغ عنه مثل القول الاول والله تعالى أعلم (فصل) وان تيمم الجريح لجرح في بعض أعضائه ثم خرج الوقت بطل تيممه ولم تبطل طهارته بالماء ان كان غسلا للجنابة أو نحوها لان الترتيب والموالاة غير واجبين فيها، وان كانت وضوءا وكان الجرح في وجهه.
فان قلنا يجب الترتيب بين التيمم والوضوء بطل الوضوء ههنا لان طهارة العضو الذي ناب التيمم عنه بطلت فلو لم يبطل ما بعده لتقدمت طهارة ما بعده عليه فيفوت الترتيب.
فان قلنا لا يجب الترتيب لم يبطل الوضوء وجوز له التيمم لاغير، وان كان الجرح في رجليه فعلى قولنا لا يجب الترتيب لا تجب الموالاة بينهما أيضا وعليه التيمم وحده.
وان قلنا يجب الترتيب فينبغي أن يخرج وجوب الموالاة ههنا على وجوبها في الوضوء وفيها روايتان.
فان قلنا تجب في الوضوء بطل الوضوء ههنا لفواتها.
وان قلنا لا تجب كفاه التيمم وحده (قال شيخنا) ويحتمل أن لا تجب الموالاة بين الوضوء والتيمم وجها واحدا لانهما طهارتان فلم تجب الموالاة بينهما كسائر الطهارات ولان في إيجابها حرجا فينتفي بقوله تعالى (ما جل عليكم في الدين من حرج) (مسألة) قال (وان وجد ماء يكفي بعض بدنه لزمه استعماله وتيمم للباقي ان كان جنبا.
وان كان
محدثا فهل يلزمه استعماله على وجهين) وجملة ذلك أنه إذا وجد الجنب ماء يكفي بعض بدنه لزمه استعماله وتيمم للباقي نص عليه أحمد فيمن وجد ماء يكفيه لوضوئه وهو جنب قال يتوضأ ويتيمم وهذا قول عطاء وهو أحد قولي الشافعي، وقال الحسن والزهري ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر والقول الثاني للشافعي يتيمم ويتركه لان هذا الماء لا يطهره فلم يلزمه استعماله كالمستعمل ولنا قوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وخبر أبي ذر شرط في التيمم عدم الماء.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا امرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم " رواه البخاري.
ولانه وجد ما يمكنه استعماله في بعض جسده أشبه مالو كان أكثر جسده صحيحا وباقيه جريحا.
ولانه قدر على بعض الشرط فلزمه كالسترة وإزالة النجاسة والحكم الذي ذكروه في المستعمل ممنوع وان سلم فلانه لا يطهر شيئا منه بخلاف هذا ويجب عليه استعمال الماء قبل التيمم ليتحقق العدم وقد ذكرناه (فصل) فان وجده المحدث الحدث الاصغر فهل يلزمه استعماله؟ على وجهين (أحدهما) يلزمه استعماله اختاره القاضي لما ذكرنا في الجنب وكما لو كان بعض بدنه صحيحا وبعضه جريحا (والثاني) لا يلزمه لان الموالاة شرط فيه فإذا غسل بعض الاعضاء دون بعض لم يفد بخلاف الجنابة وكذلك لو وجد الماء في الجنابة أجزأه غسل ما لم يغسله فقط.
وفي الحدث الاصغر يلزمه استئناف الطهارة وفارق ما إذا كان بعض أعضائه صحيحا وبعضه جريحا لان العجز ببعض البدن يخالف العجز ببعض الواجب لان من بعضه حر إذا ملك يجزئه الحر رقبة لزمه اعتاقها في كفارته.
ولو ملك الحر بعض رقبة لم يلزمه
اعتاقه وللشافعي قولان كهذين.
والصحيح انه يلزمه استعماله لما ذكرنا بمن الادلة فيما إذا كان جنبا قياسا عليه وكما لو كان بعض أعضائه صحيحا وما ذكروه من أن العجز ببعض الواجب يخالف العجز ببعض البدن يبطل بالجنب وقولهم انه إذا وجد الماء في الحدث الاصغر يلزمه استئناف الطهارة - قلنا هذا لا يمنع وجوب استعمال الماء كالجريح.
وان منعوا ذلك ثم فهذا في معناه والله أعلم، وإن قلنا لا تجب الموالاة في الوضوء فهو كالجنب سواء
(مسألة) قال (ومن عدم الماء لزمه طلبه في رحله وما قرب منه.
وان دل عليه قريبا لزمه قصده وعنه لا يجب الطلب) المشهور عن احمد رحمه الله اشتراط طلب الماء لصحة التيمم وهذا مذهب الشافعي وروي عنه لا يشترط الطلب وهو مذهب أبي حنيفة لقوله عليه السلام " التراب كافيك ما لم تجد الماء " ولانه غير واجد للماء قبل الطلب أشبه من طلب فلم يجد - ووجه الاولى قوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) ولا يقال لم يجد إلا لمن طلب لجواز أن يكون بقربه ماء لا يعلمه ولانه بدل فلم يجز العدول إليه قبل طلب المبدل كالصيام في الظهار ولانه سبب في الصلاة مختص بها فلزمه الاجتهاد في طلبه عند الاعواز كالقبلة.
إذا ثبت هذا فصفة الطلب أن يطلب في رحله وما قرب منه وإن رأى خضرة أو شيئا يدل على الماء قصده فاستبراه وإن كان بقربه ربوة أو شئ قائم أتاه فطلب عنده وينظر وراءه وأمامه وعن يمينه وشماله.
وإن كانت له رفقة يدل عليهم طلب منهم وإن وجد من له خبرة بالمكان سأله فان لم يجد تيمم.
فان دل على ماء قريب لزمه قصده ما لم يخف على نفسه أو ماله أو يخشى فوات
رفقته ولم يفت الوقت وهذا مذهب الشافعي (فصل) وانما يكون الطلب بعد الوقت فان طلب قبله لزمه اعادة الطلب بعده ذكره ابن عقيل لانه طلب قبل المخاطبة بالتيمم فلم يسقط فرضه كالشفيع إذا طلب الشفعة قبل البيع.
وإن طلب بعد الوقت ولم يتيمم عقيبه جاز التيمم بعد ذلك من غير تجديد طلب (فصل) إذا كان معه ماء فأراقه قبل الوقت أو مر بماء قبل الوقت فتاجوزه وعدم الماء في الوقت صلى بالتيمم من غير اعادة وهو قول الشافعي.
وقال الاوزاعي ان ظن انه يدرك الماء في الوقت وإلا صلى بالتيمم من غير اعادة كقولنا والا صلى بالتيمم وعليه الاعادة لانه مفرط ولنا انه لم يجب عليه استعماله أشبه ما لو ظن انه يدرك الماء في الوقت.
فأما ان أراق الماء في الوقت أو مر به في الوقت فلم يستعمله ثم عدم الماء تيمم وصلى، وفي الاعادة وجهان (أحدهما) لا يعيد لانه صلى بتيمم صحيح فهو كما لو أراقه قبل الوقت (والثاني) يعيد لانه وجبت عليه الصلاة بوضوء وهو فوت القدرة على نفسه فبقي في عهدة الواجب وان وهبه بعد دخول الوقت لم تصح الهبة ذكره
القاضي لانه تعلق به حق الله تعالى فلم تصح هبته كالاضحية.
وقال ابن عقيل يحتمل أن تصح والاول أولى، فان تيمم مع بقاء الماء لم يصح تيممه لانه واجد للماء وان تصرف فيه الموهوب له فهو كما لو أراقه الا أن يهبه لمحتاج إلى شربه من العطش وقد ذكرناه (مسألة) (وان نسي الماء بموضع يمكنه استعماله وتيمم لم يجزه) نص عليه أحمد وقطع انه لا يجزئه وقال هذا واجد للماء وروي عنه التوقف في هذه المسألة والمذهب الاول وهو آخر قولي الشافعي
وقال أبو حنيفة وابن المنذر يجزئه وعن مالك كالمذهبين وعنه أنه يعيد ما دام في الوقت لانه مع النسيان غير قادر على استعمال الماء أشبه العادم ولنا أنها طهارة تجب مع الذكر فلم تسقط بالنسيان كما لو صلى ناسيا لحدثه ثم ذكر أو صلى الماسح ثم بان له انقضاء مدة المسح قبل الصلاة ويفارق ما قاسوا عليه فانه غير مفرط وههنا مفرط بترك الطلب (فصل) وان ضل عن رحله الذي فيه الماء أو كان يعرف بئرا فضاعت عنه ثم وجدها فقال ابن عقيل يحتمل أن يكون كالناسي، والصيح أنه لا اعادة عليه وهو قول الشافعي لانه ليس بواجد للماء فيدخل في عموم قوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) ولانه غير مفرط بخلاف الناسي، وان كان الماء مع عبده فنسيه العبد حتى صلى سيده احتمل أن يكون كالناسي واحتمل أن لا يعيد لان التفريط من غيره فان صلى ثم بان أنه كان بقربه بئر أوماء فان كانت أعلامه ظاهرة فعليه الاعادة لانه مفرط وان كانت خفية وطلب فلم يجدها فلا اعادة عليه لعدم التفريط والله أعلم (مسألة) (ويجوز التيمم لجميع الاحداث وللنجاسة على جرح يضره إزالتها) يجوز التيمم للحدث الاصغر بغير خلاف علمناه إذا وجدت الشرائط لما ذكرنا من الادلة ويجوز للجنابة في قول أكثر أهل العلم منهم على وابن عباس وعمرو بن العاص وأبو موسى الاشعري وعمارا وهو قول الثوري ومالك والشافعي
واسحاق وأصحاب الرأي وكان ابن مسعود لا يرى التيمم للجنب وروي نحوه عن عمر رضي الله عنهما والدليل على اباحته ما روى عمران بن حصين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا لم
يصل مع القوم فقال " يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم؟ " فقال أصابتني جنابة ولا ماء فقال " عليك بالصعيد فانه يكفيك " متفق عليه وحديث أبي ذر وعمرو بن العاص وحديث صاحب الشجة ولانه حدث أشبه الحدث الاصغر وحكم الحائض إذا انقطع دمها حكم الجنب (فصل) ويجوز التيمم للنجاسة على بدنه إذا عجز عن غسلها لخوف الضرر أو عدم الماء قال احمد هو بمنزلة الجنب يتيمم روي نحو ذلك عن الحسن، وقال الاوزاعي والثوري وأبو ثور يمسحها بالتراب ويصلي لان طهارة النجاسة إنما تكون في محل النجاسة دون غيره.
وقال أكثر الفقهاء لا يتيمم للنجاسة لان الشرع انما ورد بالتيمم للحدث وغسل النجاسة ليس في معناه لان الغسل انما يكون في محل النجاسة دون غيره ولان مقصود الغسل إزالة النجاسة ولا يحصل ذلك بالتيمم.
(ووجه الاول) قوله عليه السلام " الصعيد الطيب طهور المسلم " وقوله " جعلت لي الارض مسجدا وطهورا " ولانها طهارة في البدن تراد للصلاة فجاز لها التيمم قياسا على الحدث ويفارق الغسل التيمم فانه في طهارة الحدث يؤتى به في غير محله فيما إذا تيمم لجرح في رجله بخلاف الغسل - قولهم لم يرد به الشرع قلنا هو داخل في عموم الاخبار، إذا ثبت هذا فتيمم وصلى فهل تلزمه الاعادة؟ فيه
روايتان (احداهما) لا تجب عليه الاعادة لانه أتى بما أمر (والثانية) تجب عليه لانه صلى مع النجاسة أشبه إذا لم يتمم.
واختار أبو الخطاب وجوب الاعادة فيما إذا تيمم لعدم الماء بخلاف ما إذا كانت النجاسة على جرح لانه خائف للضرر باستعمال الماء أشبه المريض.
وقال أصحابنا لا تلزمه الاعادة فيهما لقوله عليه السلام " التراب كافيك ما لم تجد الماء " وقياسا على طهارة الحدث وكما لو تيمم للنجاسة على الجرح عند أبي الخطاب فأما إن كانت النجاسة على ثوب لم يتيمم لها لان التيمم طهارة في البدن فلا تنوب عن غير البدن كالغسل (فصل) إذا ثبت أنه تيمم للنجاسة فقال القاضي يحتمل أن لا يحتاج إلى نية لان غسلها لا يفتقر إلى نية كذلك التيمم لها وقياسا على الاستجمار، قال ابن عقيل ويحتمل أن يشترط لقوله عليه السلام " وانما لكل امرئ ما نوى " ولان التيمم طهارة حكمية، وغسل النجاسة بالماء طهارة عينية فجاز أن تشترط النية في الحكمية دون العينية لما بينهما من الاختلاف
(فصل) وإن اجتمع عليه نجاسة وحدث ومعه ماء يكفي أحدهما حسب قدم غسل النجاسة نص عليه أحمد وروي عن سفيان ولا نعلم فيه خلافا لان التيمم للحدث ثابت بالاجماع والتيمم للنجاسة مختلف فيه، وإن كانت النجاسة على ثوبه قدم غسلها وتيمم للحدث، وحكي عن أحمد أنه يدع الثوب ويتوضأ لانه واجد للماء والوضوء أشد من الثوب وحكاه أبو حنيفة عن حماد في الدم والاول أولى لما ذكرنا، ولانه إذا قدمت نجاسة البدن مع أن للتيمم فيها مدخلا فتقديم طهارة الثوب وليس له فيها مدخل أولى.
وإ ن اجتمع نجاسة على الثوب ونجاسة على البدن غسل الثوب وتيمم لنجاسة البدن لان للتيمم فيها مدخلا (مسألة) وإن تيمم في الحضر خوفا من البرد وصلى ففي وجوب الاعادة روايتان (احداهما) تجب عليه الاعادة لان الحضر مظنة اسخان الماء ودخول الحمامات فهو عذر نادر بخلاف السفر (والثانية) لا إعادة عليه لانه خائف أشبه المريض والمسافر (مسألة) فان عدم الماء والتراب صلى على حسب حاله في الصحيح من المذهب وهو قول الشافعي وروي عن أحمد أنه لا يصلى حتى يقدر على أحدهما وهو قول الثوري والاوزاعي وأبي حنيفة لانها
عبادة لا تسقط القضاء فلم تجب كصيام الحائض.
وقال مالك لا يصلي ولا يقضي لانه عجز عن الطهارة فلم تجب عليه الصلاة كالحائض قال ابن عبد البر هذه رواية منكرة عن مالك وذكر عن أصحابه قولين (أحدهما) كقول أبي حنيفة (والثاني) يصلي ويعيد ولنا ما روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أناسا لطلب قلادة أضلتها عائشة فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء فأتوا للنبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فنزلت آية التيمم ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولا أمرهم باعادة فدل على أنها غير واجبة ولان الطهار شرط فلم تؤخر الصلاة عند عدمه كالسترة، إذا ثبت هذا فصلى ثم وجد الماء والتراب لم تجب عليه الاعادة في أصح الروايتن لما ذكرنا من الخبر ولانه أتى بما أمر فوجب أن يخرج عن العهدة ولانه أحد شروط الصلاة فسقط عند العجز كسائر شروطها (والثانية) تجب عليه الاعادة وهو مذهب الشافعي لانه فقد شرط الصلاة أشبه مالو
صلى بالنجاسة والاولى أولى لما ذكرنا وما قاسوا عليه ممنوع.
فأما قياس أبي حنيفة على الحائض في تأخير الصيام فلا يصح لان الصوم يدخله التأخير بخلاف الصلاة لان المسافر يؤخر الصوم دون الصلاة ولان عدم الماء لو قام مقام الحيض لاسقط الصلاة بالكلية لان قياس الصلاة على جنسها أولى من قياسها على الصوم وقياس مالك لا يصح لمخالفته لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم " ولان قياس الطهارة على شرائط الصلاة أولى من قياسه على الحائض والحيض عذر معتاد يتكرر والعجز ههنا عذر نادر فلا يصح إلحاقه بالحيض لان النادر لا يشق إيجاب القضاء فيه بخلاف المعتاد ولانه عذر نادر فلم يسقط الفرض كنسيان الصلاة وفقد سائر الشروط والله أعلم (مسألة) (ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد) لان الله تعالى قال (فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) قال ابن عباس الصعيد تراب الحرث والطيب الطاهر وقال سبحانه (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وما لا غبار له لا يمسح بشئ منه.
وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو يوسف وداود وقال مالك وأبو حنيفة يجوز بكل ما كان من جنس الارض كالنورة والزرنيخ والحجارة وقال الاوزاعي الرمل من الصعيد.
وقال حماد بن أبي سليمان لا بأس أن يتيمم بالرخام لقول النبي صلى الله عليه وسلم " جعلت لي الارض مسجدا وطهورا " رواه البخاري ولانه من جنس
الارض فجاز التيمم به كالتراب.
ولنا أن الله تعالى أمر بالصعيد وهو التراب وقال (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) ولا يحصل المسح بشئ منه الا أن يكون ذا غبار يعلق باليد، وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطيت ما لم يعط نبي من انبياء الله جعل لي التراب طهورا " وذكر الحديث رواه الشافعي في مسنده ولو كان غير التراب طهورا ذكره فيما من الله به عليه، ولان الطهارة اختصت بأعم المائعات وجودا وهو الماء فتختص بأعم الجامدات وجودا وهو التراب وحديثهم تخصه بحديثنا (فصل) فأما السبخة فعن أحمد أنه يجوز التيمم بها رواها عنه أبو الحارث انه قال أرض الحرث أحب الي، وان تيمم من أرض السبخة أجزأه وهذا مذهب الشافعي والاوزاعي وابن المنذر
لقوله عليه السلام " وجعل تربتها طهورا " وعن أحمد في الرمل والنورة والجص نحو ذلك، وحمل القاضي قول أحمد في جواز التيمم بذلك إذا كان له غبار والموضع الذي منع إذا لم يكن لها غبار، وعنه قول ثالث انه يجوز ذلك مع الاضطرار خاصة رواه عنه سندي.
وقال الخلال إنما سهل أحمد فيها مع الاضطرار إذا كانت غبرة كالتراب، فمأ إذا كانت قحلة كالملح فلا يتيمم بها أصلا، وقال ابن أبي موسى يتيمم عند عدم التراب بكل طاهر تصاعد على وجه الارض مثل الرمل والسبخة والنورة والكحل وما في معنى ذلك ويصلي وهل يعيد؟ على روايتين (فصل) وإن دق الخزف أو الطين المحرق لم يجز التيمم به لان الطبخ أخرجه عن أن يقع عليه اسم التراب وكذا ان نحت المرمر والكذان حتى صار غبارا لم يجز التيمم به لانه غير تراب وان دق الطين الصلب كالارمني جاز تيممه به لانه تراب.
وقال ابن عقيل يخرج عندي فيه وجهان لشبهه بالمعادن فهو كالنورة، وان ضرب بيده على لبد أو ثوب أو في شعير أو نحوه فعلق بيديه غبار فتيمم به جاز نص عليه أحمد وكذلك لو ضرب بيده على صخرة أو حائط أو حيوان أو أي شئ كان فصار على يده
غبار بدليل ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه.
رواه أبو داود، ولان المقصود التراب الذي يمسح به وجهه ويديه، وقد روي عن مالك وأبي حنيفة التيمم بصخرة لا غبار عليها وتراب ندي لا يعلق باليد منه غبار، وأجاز مالك التيمم بالثلج والحشيش وكل ما تصاعد على وجه الارض ومنع من التيمم بغبار اللبد والثوب قال لان النبي صلى الله عليه وسلم لما ضرب بيديه نفخهما ولنا قوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) ومن للتبعيض فيحتاج أن يمسح بجزء منه والنفخ لا يزيل الغبار الملاصق وذلك يكفي.
وروى الاثرم عن عمر أنه قال: لا يتيمم بالثلج فان لم يجد فصفحة فرسه (1) أو معرفة دابته (فصل) فأما التراب النجس فلا يجوز التيمم به لا نعلم فيه خلافا إلا أن الاوزاعي قال إن تيمم بتراب المقبرة وصلى مضت صلاته.
ولنا قوله تعالى (فتيمموا صعيدا طيبا) والنجس ليس بطيب ولان
التيمم طهارة لم تجز بغير طاهر كالوضوء، فأما المقبرة فان كانت لم تنبش فترابها طاهر وإن تكرر نبشها والدفن فيها لم يجز التيمم بترابها لاختلاطه بصديد الموتى ولحومهم ذكر ذلك شيخنا.
وقال ابن عقيل في التربة المنبوشة لا يجوز التيمم منها سوا تكرر النبش أم لا، وإن شك في ذلك أو في نجاسة التراب الذي يتيمم به جاز التيمم به لان الاصل الطهارة فهو كما لو شك في نجاسة الماء، وذكر ابن عقيل فيما إذا لم يعلم حال المقبرة وجهين (أحدهما) يجوز لما ذكرنا (والثاني) لا يجوز لان الظاهر من الدفن فيها حصول النجاسة في بعضها فيشتبه بغيره والمشتبه لا تجوز الطهارة به كالاواني.
قال ابن عقيل ويكره الوضوء من البئر الذي في المقبرة وأكل البقل وثمر الشجر الذي فيها كالزروع التي تسمد بالنجاسة وكالجلالة
__________
1) عبارة المغني فضفة سرجه
(فصل) ويجوز أن يتيمم جماعة من موضع واحد بغير خلاف كما يجوز أن يتوضؤا من حوض واحد، فأما التراب الذي يتناثر من الوجه واليدين بعد مسحهما به ففيه وجهان (أحدهما) يجوز التيمم به لانه لم يرفع الحدث وهو قول أبي حنيفة (والثاني) لا يجوز لانه مستعمل في طهارة اباحت الصلاة أشبه الماء المستعمل في الطهارة وللشافعي وجهان كهذين وكذلك التراب الذي بقي على وجه المتيمم ويديه إذا مسح غيره به أعضاء تيممه كالماء المستعمل (مسألة) (فان خالطه ذو غبار لا يجوز التيمم به كالجص ونحوه فهو كالماء إذا خالطته الطاهرات) إن كانت الغلبة للتراب جاز وإن كانت للمخالط لم يجز، ذكره القاضي وأبو الخطاب قياسا على الماء وقال ابن عقيل يمنع التيمم به وان كان قليلا، وهو مذهب الشافعي لانه ربما حصل في العضو فمنع وصول التراب إليه بخلاف الماء فان المائع يستهلك فيه فلا يجري على العضو إلا ومعه جزء من الماء، فأما ان كان المخالط لا يعلق باليد لم يمنع لان أحمد قد نص على جواز التيمم من الشعير وذلك لانه لا يحصل على اليد منه بما يحول بين الغبار وبينها (فصل) فان خالطه نجاسة فقال ابن عقيل: لا يجوز التيمم به وان كثر التراب لان التراب لا يدفع النجاسة عن نفسه فهو كالمائعات تتنجس بالنجاسة وان كثرت
(فصل) وان كان في طين لا يجد ترابا فحكي عن ابن عباس انه يأخذ الطين فيطلي به جسده فإذا جف تيمم به وان خاف فوات الوقت قبل جفافه فهو كالعادة، ويحتمل انه ان كان يجف قريبا انتظر جفافه وان فات الوقت كالمشتغل بتحصيل الماء من بئر ونحوه، وان لطخ وجهه بطين لم يجزه لانه لا يقع عليه اسم الصعيد ولانه لا غبار فيه أشبه التراب الندي (فصل) (فرائض التيمم أربعة: مسح جميع وجهه ويديه إلى كوعيه والترتيب والموالاة على احدى
الروايتين) لا خلاف في وجوب مسح الوجه والكفين في التيمم لقوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) ويجب استيعاب الوجه والكفين بالمسح فيمسح ما يأتي عليه الماء إلا المضمضة والاستنشاق وما تحت الشعور الخفيفة وهذا قول الشافعي، وقال سليمان بن داود يجزئه إذا لم يصب إلا بعض وجهه وبعض كفيه ولنا قوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) والباء للالصاق فصار كأنه قال فامسحوا وجوهكم وأيديكم، فيجب تعميمهما كما وجب تعميمهما بالغسل بقوله تعالى (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) فان بقى من محل الفرض شئ لم يصله التراب أمر يده عليه ما لم يفصل راحته فان فصل راحته وكان قد بقي عليها غبار جاز أن يمسح بها وإن لم يبق عليها غبار احتاج إلى ضربة أخرى، وان كان المتروك من الوجه مسحه وأعاد مسح يديه ليحصل الترتيب، وان تطاول الفصل بينهما وقلنا بوجوب الموالاة استأنف التيمم ويرجع في طول الفصل وقصره إلى القدر الذي ذكرناه في الطهارة لان التيمم فرع عليها وقد ذكرنا الخلاف في وجوب الترتيب والموالاة في الوضوء وذكرنا الدليل بما يغني عن اعادته والتيمم مبني عليه لانه بدل عنه ومقيس عليه، وظاهر المذهب وجوبهما في الوضوء كذلك ههنا، والحكم في التسمية ههنا كالحكم في التسمية في الوضوء على ما ذكرنا من الخلاف فيه (فصل) ويجب مسح اليدين إلى الموضع الذي يقطع منه السارق أومأ إليه أحمد وقال: قال الله
تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) من أين تقع يد السارق أليس من ههنا.
وأشار إلى الرسغ
وقد روينا عن ابن عباس نحو هذا، وقال الشافعي يجب المسح إلى المرفقين كالوضوء وسنذكر ذلك ان شاء الله تعالى فان كان أقطع من فوق الرسغ سقط مسح اليدين وان كان من دونه مسح ما بقي وان كان من المفصل فقال ابن عقيل يمسح موضع القطع ونص عليه أحمد لان الرسغين في التيمم كالمرفقين في الوضوء فكما أنه إذا قطع من المرفقين في الوضوء غسل ما بقى كذلك ههنا يمسح العظم الباقي وقال القاضي يسقط الفرض لان محله الكف الذي يؤخذ في السرقة وقد ذهب لكن يستحب إمرار التراب عليه، ومسح العظم الباقي مع بقاء اليد انما كان ضرورة استيعاب الواجب لان الواجب لا يتم إلا به فإذا زال الاصل اسقط ما هو من ضرورته كمن سقط عنه غسل الوجه لا يجب عليه غسل جزء من الرأس (فصل) وان أوصل التراب إلى محل الفرض بخرقة أو خشبة فقال القاضي يجزئه لان الله تعالى أمر بالمسح ولم يعين آلته وقال ابن عقيل فيه وجهان بناء على مسح الرأس بخرقة رطبة وان مسح محل الفرض بيد واحدة أو ببعض يده أجزأه وان يممه غيره جاز كما لو وضأه وتعتبر النية في المتيمم دون الميمم لانه الذي يتعلق به الاجزاء والمنع (مسألة) (ويجب تعيين النية لما يتيمم له من حدث أو غيره) وجملته أن النية شرط للتيمم وهو قول أكثر أهل العلم منهم الليث وربيعة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر ولا نعلم عن غيرهم خلافهم الا ما حكي عن الاوزاعي والحسن بن صالح أنه يصح بغير نية وقد ذكرنا قول القاضي في التيمم للنجاسة، وسائر أهل العلم على خلافهم لقوله عليه السلام " وانما لامرئ ما نوى " وينوي به
استباحة الصلاة فان نوى رفع الحدث لم يصح تيممه لانه لا يرفع الحدث قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن طهارة التيمم لا ترفع الحدث إذا وجد الماء بل إذا وجده أعاد الطهارة جنبا كان أو محدثا وهذا مذهب مالك والشافعي وغيرهما، وحكي عن أبي حنيفة أنه يرفع الحدث وعن أحمد ما يدل على ذلك لانها طهارة عن حدث تبيح الصلاة فرفعت الحدث كطهارة الماء ولنا أنه لو وجد الماء لزمه استعماله لرفع الحدث الذي كان قبل التيمم وان كان جنبا أو محدثا أو امرأة حائضا ولو رفع الحدث لاستوى الجميع لاستوائهم في الوجدان ولانها طهارة ضرورة فلم ترفع
الحدث كطهارة المستحاضة وبهذا فارق الماء (فصل) ويجب تعيين النية لما يتيمم له من الحدث الاصغر والجنابة والحيض والنجاسة وان كان التيمم عن جرح في عضو من أعضائه نوى التيمم عن غسل ذلك العضو لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الاعمال بالنيات وانما لا مرئ ما نوى " (مسألة) (فان نوى جميعها جاز) لقوله عليه السلام " وانما لامرئ ما نوى " ولان فعله واحد أشبه ما لو كانت عليه أحداث توجب الوضوء أو الغسل فنواها وقال ابن عقيل إذا كان عليه حدث ونجاسة هل يكتفي بتيمم واحد؟ يبنى على تداخل الطهارتين في الغسل فان قلنا لا يتداخلان ثم فاولى أن لا يتداخلا ههنا لكونهما من جنسين وان قلنا يتداخلان فقال القاضي ههنا كذلك قياسا عليه فعلى هذا يتيمم لها تيمما واحدا قال والاشبه عندي لا يتداخلان كالكفارات والحدود وإذا كانت من جنسين والاول أصح.
(مسألة) قال (وان نوى أحدهما لم يجزه عن الآخر) وبهذا قال مالك وأبو ثور وقال أبو
حنيفة والشافعي يجزئه لان طهارتهما واحدة فسقطت إحداهما بفعل الاخرى كالبول والغائط، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " وإنما لا مرئ ما نوى " فيدل على انه لا يحصل له ما لم ينوه، ولانها أسباب مختلفة فلم تجزي نية بعضها عن الآخر كالحج والعمرة وهذا يفارق ما قاسوا عليه فان حكمهما واحد وهو الحدث الاصغر ولهذا تجزئ نية أحدهما عن نية الآخر في طهارة الماء (فصل) إذا تيمم للجنابة دون الحدث الاصغر أبيح له ما يباح للمحدث من قراءة القرآن واللبث في المسجد ولم تبح له الصلاة والطواف ومس المصحف فان أحدث لم يؤثر ذلك في تيممه كمالا يؤثر في الغسل.
وان تيمم للجنابة والحدث ثم أحدث بطل تيممه للحدث وبقي تيمم الجنابة بحاله، ولو تيممت المرأة بعد طهرها من حيضها للحيض ثم أجنبت لم يحرم وطؤها لان حكم تيمم الحيض باق ولا يبطل بالوطئ لانه انما يوجب حدث الجنابة، وقال ابن عقيل إن قلنا كل صلاة تحتاج إلى تيمم احتاج كل وطئ إلى تيمم يخصه والاول أصح
(مسألة) (وإن نوى نفلا أو أطلق النية للصلاة لم يصل الا نفلا) وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة له أن يصلي بها ما شاء ويتخرج لنا مثل ذلك إذا قلنا ان التيمم لا يبطل بخروج الوقت فيكون حكمه حكم طهارة الماء لانها طهارة يصح بها النفل فأشبهت طهارة الماء
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " انما الاعمال بالنيات وانما لامرئ ما نوى " وهذا ما نوى الفرض فلا يحصل له وفارق طهارة الماء لانها ترفع الحدث المانع من فعل الصلاة فيباح له جميع ما يمنعه الحدث ولا يلزمه استباحة النفل بنية الفرض لان الفرض أعلى ما في الباب فنيته تضمنت نية ما دونه فإذا استباحه استباح ما دونه تبعا (مسألة) قال (وان نوى فرضا فله فعله والجمع بنى الصلاتين وقضاء الفوائت والتنفل إلى آخر الوقت) وجملة ذلك أنه متى نوى بتيممه فريضة سواء كانت معينة أو مطلقة فله أن يصلي ما شاء من الصلوات فيصلي الحاضرة ويجمع بين الصلاتين ويقضي فوائت ان كان عليه ويتطوع قبل الصلاة وبعدها إلى آخر الوقت هذا قول أبي ثور.
وقال مالك والشافعي لا يصلي به فرضين وقد روي عن أحمد أنه قال لا يصلي بالتيمم الا صلاة واحدة ثم يتيمم للاخرى.
وهذا يحتمل أن يكون مثل قولهما لما
روى ابن عباس أنه قال من السنة أن لا يصلي بالتيمم الا صلاة واحدة ثم يتيمم للاخرى وهذا مقتضى سنة محمد صلى الله عليه وسلم ولانها طهارة ضرورة فلا يجمع فيها بين فريضتين كما لو كانا في وقتين ولنا أنها طهارة صحيحة أباحت فرضا فأباحت فرضين كطهارة الماء ولانه بعد الفرض الاول تيمم صحيح مبيح للتطوع نوى به المكتوبة فكان له أن يصلي به فرضا كحالة ابتدائه.
ولان الطهارة في الاصول انما تتقيد بالوقت دون الفعل كطهارة الماسح على الخف وهذه في النوافل وطهارة المستحاضة ولان كل تيمم أباح صلاة أباح ما هو من نوعها بدليل النوافل، وأما حديث ابن عباس فيرويه الحسن ابن عمارة وهو ضعيف ثم يحتمل أنه أراد أن لا يصلي به صلاتين في وقتين بدليل أنه يجوز أن يصلي به صلاة من التطوع وانما امتنع أن يصلي به فرضين في وقتين لبطلان التيمم بخروج الوقت ولذلك لا تصح به نافلة بخلاف هذا
(فصل) وإذا تيممت الحائض عند انقطاع دمها وقلنا ان التيمم لا يبطل الا بالحدث جاز له وطؤها ما لم تحض وان قلنا يبطل بخروج الوقت فمتى خرج احتاجت إلى تيمم للوطئ وان قلنا يتيمم لكل فريضة احتاج كل وطئ إلى تيمم ذكره ابن عقيل
(فصل) إذا نوى الفرض استباح كل ما يباح بالتيمم من النفل قبل الفرض وبعده وقراءة القرآن ومس المصحف واللبث في المسجد وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي، وقال مالك لا يتطوع قبل الفريضة بصلاة غير راتبة وروي ذلك عن أحمد لان النفل تبع للفرض فلا يتقدم المتبوع ولنا أنه تطوع فأبيح له فعله إذا نوى الفرض كالسنن الراتبة وكما بعد الفرض، وقوله انه تبع قلنا انما هو تبع في الاستباحة لا في الفعل كالسنن الراتبة وقراءة القرآن وغيرهما، وإن نوى نافلة أبيح له قراءة القرآن ومس المصحف والطواف لان النافلة آكد من ذلك كله لكون الطهارة مشترطة لها بالاجماع وفيما سواها خلاف فدخل في نيتها كدخول النافلة في الفريضة ولان النافلة تشتمل على قراءة القرآن، وإن نوى شيئا من ذلك لم تبح له النافلة لانها أعلى منه لما بينا، وإن نوى الطواف أبيح له قراءة القرآن واللبث في المسجد لانه أعلى منهما فانه صلاة وله نفل وفرض ويدخل في ضمنه اللبث في المسجد لانه انما يكون في المسجد وإن نوى أحدهما لم يستبح الطواف لانه أعلى منهما وإن نوى فرض الطواف استباح نفله ولا يستبيح الفرض منه بنية النفل كالصلاة، وإن نوى قراءة القرآن لكونه جنبا أو مس المصحف أو اللبث في المسجد لم يستبح غير ما نواه لقوله عليه السلام " وانما لامرئ ما نوى " (فصل) وإن تيمم الصبي لاحدى الصلوات الخمس ثم بلغ لم يستبح بتيممه فرضا لان ما نواه كان
نفلا، ويباح له أن يتنفل به كما نوى به البالغ النفل، فأما ان توضأ قبل البلوغ ثم بلغ فله أن يصلي به فرضا ونفلا لان الوضوء للنفل يبيح فعل الفرض (فصل) وإذا قلنا يجوز أن يصلي بالتيمم فرائض إلى آخر الوقت جاز أن يطوف طوافي فرض وطوافي فرض ونذر، وأن يصلي على جنائز إذا تعينت عليه وإن فاتته صلاة لا يعلم عينها كفاه تيمم
واحد يصلي به خمس صلوات، وإن قلنا لا يصلي به إلا فرضا واحدا فينبغي أن يحتاج كل واحد مما ذكرنا إلى تيمم قياسا عليه
(مسألة) (ويبطل التيمم بخروج الوقت ووجود الماء ومبطلات الوضوء) مبطلات التيمم ثلاثة كما ذكر وزاد بعض أصحابنا ظن وجود الماء على ما يأتي ذكره وخروج الوقت مبطل للتيمم في ظاهر المذهب فلا يجوز أن يصلي بالتيمم صلاتين في وقتين روي ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وهو قول الشعبي والنخعي وقتادة ومالك والشافعي واسحاق، وروى الميموني عن أحمد أنه قال في المتيمم انه ليعجبني أن يتيمم لكل صلاة ولكن القياس أنه بمنزلة الطهارة حتى
يجد الماء أو يحدث لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في الجنب يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم " يا أبا ذر الصعيد الطيب طهور المسلم وان لم يجد الماء عشر سنين وإذا وجدت الماء فامسه بشرتك " وهذا مذهب سعيد بن المسيب والحسن والزهري والثوري وأصحاب الرأي، وروي عن ابن عباس كما ذكرنا ولانها طهارة تبيح الصلاة فلم تتقدر بالوقت كطهارة الماء
ولنا أنه روي عن علي وابن عمر أنه قال يتيمم لكل صلاة ولانها طهارة ضرورة فتقيدت بالوقت كطهارة المستحاضة وطهارة الماء ليست للضرورة بخلاف مسئلتنا والحديث أراد به أنه يشبه الوضوء في اباحة الصلاة ولا يلزم التساوي في سائر الاحكام (الثاني) وجود الماء المقدور على استعماله من غير ضرر على ما مر في موضعه وهو مبطل للتيمم خارج الصلاة إجماعا لا نعلم فيه خلافا لما ذكرنا
من الاحاديث، وان وجده في الصلاة ففيه اختلاف نذكره في موضعه ان شاء الله تعالى (الثالث) مبطلات الوضوء وهو مبطل للتيمم عن الحدث الاصغر لانه بدل عنه فإذا أبطل الاصل أبطل البدل بطريق الاولى فأما التيمم عن الجنابة فلا يبطل الا بخروج الوقت ووجود الماء وموجبات
الغسل وكذلك التيمم لحدث الحيض والنفاس لا يزول حكمه الا بحدثهما أو بأحد الامرين (مسألة) (فان تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه ثم خلعه لم يبطل تيممه وقال أصحابنا يبطل)
إذا تيمم وعليه خف أو عمامة يجوز المسح عليها ثم خلعها أو خلع الخف لم يبطل تيممه في اختيار شيخنا، وقال أصحابنا يبطل قال بعضهم نص عليه أحمد لانه مبطل للوضوء فأبطل التيمم كسائر مبطلاته وهذا يختص التيمم عن الحدث الاصغر على ما ذكرنا، والصحيح ما اختاره شيخنا رحمه الله وهو قول سائر الفقهاء لان التيمم طهارة لم يمسح فيها عليه فلا يبطل بنزعه كطهارة الماء وكما لو كان الملبوس مما لا يجوز المسح عليه.
ولا يصح قولهم انه مبطل للوضوء لان مبطل الوضوء نزع ما هو ممسوح عليه فيه ولم يوجد ههنا.
ولان إباحة المسح لا يصير بها ماسحا ولا بمنزلة الماسح كما لو لبس عمامة يجوز المسح عليها
ومسح على رأسه من تحتها فان الطهارة لا تبطل بنزعها كذلك هذا (فصل) ويجوز التيمم لكل ما يتطهر له من نافلة أو مس مصحف أو قراءة قرآن أو سجود تلاوة أو شكر أو لبث في مسجد، قال أحمد يتيمم ويقرأ جزأه يعني الجنب وبذلك قال عطاء ومكحول والزهري ومالك والشافعي والثوري وأصحاب الرأي، وقال أبو مجلز لا يتيمم الا لمكتوبة، وكره الاوزاعي أن يمس المتيمم المصحف ولنا حديث أبي ذر وقوله عليه السلام " جعلت لي الارض مسجدا وطهورا " ولانه يستباح بطهارة الماء فيستباح بالتيمم كالمكتوبة
(فصل) فان تيمم ثم رأى ركبا يظن أن معه ماء أو خضرة أوما يدل على الماء وقلنا بوجوب الطلب بطل تيممه وكذلك ان رأى سرابا ظنه ماء وهو قول الشافعي لانه لما وجب الطلب بطل التيمم وسواء تبين له خلاف ظنه أو لا (قال شيخنا) ويحتمل أن لا يبطل تيممه لان الطهارة المتيقنة لا تبطل بالشك كطهارة الماء ووجوب الطلب لا يبطل التيمم لان كونه مبطلا انما ثبت بدليل شرعي وليس
ههنا نص ولا معنى نص فينتفي الدليل (مسألة) (وان وجد الماء بعد الصلاة لم تجب اعادتها) وجملته أن العادم للماء في السفر إذا وجد الماء بعد خروج الوقت وكان قد صلى بالتيمم لم تجب عليه اعادة الصلاة اجماعا حكاه ابن المنذر وان وجد في الوقت لم يلزمه أيضا اعادة سواء يئس من وجود الماء في الوقت أو ظن وجوده فيه وهذا قول أبي سلمة والشعبي والنخعي والثوري ومالك والشافعي واسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي وقال عطاء وطاوس والقاسم بن محمد وابن سيرين والزهري يعيد الصلاة ولنا ما روى أبو داود عن أبي سعيد أن رجلين خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيما صعيدا فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك فقال للذي لم يعد " أصبت وأجزأتك صلاتك " وقال للذي أعاد " لك الاجر مرتين " واحتج أحمد بأن ابن عمر تيمم وهو يرى بيوت المدينة فصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد، ولانه أدى فرضه كما أمر فلم تلزمه الاعادة كما لو وجده بعد الوقت ولان عدم الماء عذر معتاد فإذا تيمم معه يجب أن يسقط فرض الصلاة كالمرض وكما لو وجده بعد الوقت
(مسألة) (وان وجده فيها بطلت وعنه لا تبطل) ظاهر المذهب أن المتيمم إذا قدر على استعمال الماء وهو في الصلاة بطل تيممه وبطلت صلاته لبطلان طهارته فيتوضأ ان كان محدثا ويغتسل ان كان جنبا واستقبل الصلاة ويتخرج أن يبني على ما مضى من صلاته كمن سبقه الحدث.
وفيه روايتان أصحهما أن يستقبل الصلاة وههنا أولى لان ما مضى من صلاته انبنى على طهارة ضعيفة فلم يكن له البناء عليه كطهارة المستحاضة بخلاف من سبقه الحدث.
والقول ببطلان الصلاة قول الثوري وأبي حنيفة وقال مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر لا تبطل الصلاة وروي عن أحمد نحو ذلك وروي عنه أنه قال كنت أقول يمضي ثم تدبرت فإذا أكثر الاحاديث على أنه يخرج وهذا يدل على رجوعه عن هذه الرواية، واحتجوا بأنه وجد المبدل بعد تلبسه بمقصود البدل فلم يلزمه الخروج كما لو وجد الرقبة بعد التلبس بالصيام ولانه غير قادر على استعمال الماء لان قدرته تتوقف على إبطال الصلاة وهو منهي
عن ابطالها بقوله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) ولنا قوله عليه السلام " الصعيد الطيب وضوء المسلم وان لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك " أخرجه أبو داود والنسائي.
دل بمفهومه على أنه لا يكون طهورا عند وجود الماء وبمنطوقه
على وجوب استعماله عند وجوده ولانه قدر على استعمال الماء فبطل تيممه كالخارج من الصلاة ولان التيمم طهارة ضرورة فبطلت بزوال الضرورة كطهارة المستحاضة إذا انقطع دمها.
وقياسهم لا يصح فان الصوم هو البدل نفسه فنظيره إذا قدر على الماء بعد تيممه ولا خلاف في بطلانه، ثم الفرق بينهما أن مدة الصيام تطول فيشق الخروج منه لما فيه من الجمع بين فرضين شاقين بخلاف مسئلتنا.
وقوله هو غير قادر غير صحيح فان الماء قريب وآلته صحيحة والموانع منتفية.
قولهم انه منهي عن ابطال الصلاة قلنا لم يبطلها وانما هي بطلت بزوال الطهارة كما في نظائرها (فصل) فان وجد الماء قد ولغ فيه بغل أو حمار أو شئ من سباع البهائم وقلنا انه مشكوك فيه لم يلزمه الخروج لانه دخل في الصلاة بطهارة متيقنة فلم يخرج بأمر مشكوك فيه ذكره ابن عقيل، قال ويحتمل أن يخرج كما لو وجد ماء طاهرا والاول أولى.
وكذلك ان رأى ركبا أو خضرة أو ما يدل على الماء في الصلاة لم تبطل صلاته ولا تيممه لانه دخل فيها بطهارة متيقنة فلا تزول بالشك (فصل) والمصلي على حسب حاله بغير وضوء ولا تيمم إذا وجد ماء في الصلاة أو ترابا خرج منها بكل حال لانها صلاة بغير طهارة، ويحتمل أن لا يخرج منها إذا قلنا لا تلزمه الاعادة كما في المتيمم إذا وجد الماء في الصلاة ولان الطهارة شرط سقط اعتباره فأشبهت السترة إذا عجز عنها فصلى عريانا ثم وجد السترة في أثناء الصلاة قريبا منه، وكل صلاة تلزمه اعادتها فانه يلزمه الخروج منها إذا زال العذر فيها ويلزمه استقبالها (فصل) ولو يمم الميت ثم قدر على الماء في أثناء الصلاة عليه لزمه الخروج لان غسل الميت ممكن غير متوقف على ابطال المصلي صلاته بخلاف مسئلتنا، ويحتمل أن يكون كمسئلتنا لان الماء وجد بعد الدخول في الصلاة
(فصل) وإذا قلنا لا يلزم المصلي الخروج لرؤية الماء فهل يجوز له الخروج؟ فيه وجهان (أحدهما)
له ذلك لانه شرع في مقصود البدل فجاز له الرجوع إلى المبدل كمن شرع في صوم الكفارة يجوز له الانتقال إلى العتق (والثاني) لا يجوز له الخروج وهو أولى لان ما لا يوجب الخروج من الصلاة لا يبيحه كسائر الاشياء ولان فيه إبطالا للغسل فلم يجز لقوله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين (فصل) إذا رأى ماء في الصلاة ثم انقلب قبل استعماله بطل تيممه وصلاته إن قلنا يلزمه الخروج منها ويلزمه استئناف التيمم والصلاة.
وإن قلنا لا يبطل واندفق وهو في الصلاة فقال ابن عقيل ليس له أن يصلي بذلك التيمم صلاة أخرى وهو مذهب الشافعي لان رؤية الماء حرمت عليه افتتاح صلاة أخرى.
ولو تلبس بنافلة ثم رأى ماء فان كان نوى عددا أتى به وإن لم يكن نوى عددا لم يكن له أن يزيد على ركعتين لانه أقل الصلاة على ظاهر المذهب قال شيخنا، ويقوى عندي أننا إذا قلنا لا تبطل الصلاة برؤية الماء فله افتتاح صلاة أخرى لان رؤية الماء لم تبطل التيمم في الصلاة ولا وجد بعدها ما يبطله فأشبه ما لو رآه وبينه وبينه سبع ثم اندفق قبل زوال المانع فعلى هذا له أن يصلي ما يشاء كما لو رأى الماء والله أعلم (فصل) وإن خرج الوقت وهو في الصلاة بطل تيممه وصلاته لان طهارته انتهت بانتهاء وقتها فبطلت كما لو انقضت مدة المسح وهو في الصلاة (مسألة) (ويستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت لمن يرجو وجود الماء) ذكره أبو الخطاب وان يئس من وجوده استحب تقديمه وهذا مذهب مالك، وقال الشافعي في أحد قوليه التقديم أفضل الا أن يكون واثقا بوجود الماء في الوقت لان أول الوقت فضيلة متيقنة فلا تترك لامر مظنون، وظاهر كلام الخرقي استحباب تأخير التيمم بكل حال وهو قول القاضي نص عليه أحمد روي ذلك
عن علي وعطاء والحسن وابن سيرين والزهري والثوري وأصحاب الرأي لقول علي رضي الله عنه
في الجنب يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت فان وجد الماء والا تيمم، ولانه يستحب تأخير الصلاة إلى بعد العشاء وقضاء الحاجة كيلا يذهب خشوعها وحضور القلب فيها، ويستحب تأخيرها لادراك الجماعة فتأخيرها لادراك الطهارة المشترطة أولى (مسألة) (فان تيمم في أول الوقت وصلى أجزأه) ولا تجب عليه الاعادة سواء وجد الماء في الوقت أو لم يجد وقد ذكرنا ذلك ولانه أتى بما أمر في حال العذر فلم تجب عليه الاعادة بزوال العذر كمن صلى عريانا ثم قدر على السترة وكمن صلى جالسا لمرض ثم برأ في الوقت (مسألة) (والسنة في التيمم أن ينوي ويسمي ويضرب بيديه مفرجتي الاصابع على التراب ضربة واحدة فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه) المسنون عن أحمد رحمه الله التيمم بضربة واحدة، قال الاثرم قلت لابي عبد الله التيمم ضربة واحدة؟ فقال نعم للوجه والكفين.
ومن قال ضربتين فانما هو شئ زاده، قال الترمذي وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم منهم علي وعمار وابن عباس وعطاء والشعبي والاوزاعي ومالك واسحاق، قال الشافعي: لا يجزئ التيمم الا بضربتين للوجه واليدين إلى المرفقين، وروي ذلك عن ابن عمر وابنه سالم والحسن والثوري وأصحاب الرأي لما روى ابن الصمة أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه، وروى ابن عمر وجابر وأبو امامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين " ولانه بدل يؤتى به في محل مبدله فكان حده فيهما واحدا كالوجه، ولنا ما روي عمار قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال " إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا " ثم ضرب بيديه الارض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه متفق عليه، ولانه حكم علق على مطلق اليدين فلم يدخل فيه الذراع كقطع السارق ومس الفرج، وقد احتج ابن عباس بهذا وأما أحاديثهم فضعيفة قال الخلال الاحاديث في ذلك ضعاف جدا ولم يرو أصحاب السنن منها إلا حديث ابن عمر، وقال أحمد ليس بصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندهم
حديث منكر قال الخطابي يرويه محمد بن ثابت وهو ضعيف وحديث ابن الصمة صحيح لكن انما جاء
في المتفق عليه فمسح وجهه ويديه فيكون حجة لنا لان ما علق على مطلق اليدين لا يتناول الذراعين.
ثم أحاديثهم لا تعارض حديثنا لانها تدل على جواز التيمم بضربتين ولا ينفي ذلك جواز التيمم بضربة كما أن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا لا ينفي الاجزاء بمرة فان قيل: فقد روي في حديث عمار إلى المرفقين فيحتمل أنه أراد بالكفين اليدين إلى المرفقين.
قلنا حيث إلى المرفقين لا يعول عليه انما رواه سلمة وشك فيه ذكر ذلك النسائي فلا يثبت مع الشك مع انه قد أنكر عليه وخالف به سائر الرواة الثقاة فكيف يلتفت إلى مثل هذا؟ وأما التأويل فباطل لامور: أحدها ان عمارا الراوي له الحاكي فعل النبي صلى الله عليه وسلم أفتى بعد النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم للوجه والكفين عملا بالحديث وقد شاهد فعل النبي صلى الله عليه وسلم والفعل لا احتمال فيه (الثاني) انه قال ضربة واحدة وهم يقولون ضربتان (الثالث) انا لا نعرف في اللغة التعبير بالكفين عن الذراعين (الرابع) أن الجمع بين الخبرين بما ذكرناه من أن كل واحد من الفعلين جائز أقرب من تأويلهم وأسهل وقياسهم ينتقض بالتيمم عن الغسل الواجب فانه ينقص عن المبدل وكذلك في الوضوء فانه في عضوين وكذا في الوجه فانه لا يجب مسح ما تحت الشعور الخفيفة والله أعلم.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: