الفقه الحنبلي - صلاة القصر - المسافر
بواحدة منها مدة تبطل حكم السفر قصر لان النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة
ومنى وعرفة عشرا فكان يقصر الايام كلها.
وروى الاثرم باسناده عن مورق قال سألت ابن عمر قلت إني رجل آتي الاهواز فأنتقل في قراها قرية قرية فأقيم الشهر أو أكثر.
قال تنوي الاقامة؟ قلت لا.
قال ما أراك إلا مسافرا صلى صلاة المسافرين، ولانه لم ينوي الاقامة في مكان بعينه أشبه المتنقل في سفره من منزل إلى منزل، وإذا دخل بلدا فنال إن لقيت فلانا أقمت وإلا لم أقم لم يبطل حكم سفره لانه لم يجزم بالاقامة، ولان المبطل للسفر هو العزم على الاقامة ولم يوجد، وانما علقه على شرط لم يوجد وذلك ليس بجزم * (فصل) * ولا بأس بالتطوع في السفر نازلا وسائرا على الراحلة لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه، وروى نحو ذلك جابر
وأنس متفق عليه.
وعن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتطوع في السفر رواه سعيد.
وفي حديث أم هانئ ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر على بعيره ولما فاتت النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح صلى ركعتي الفجر قبلها متفق عليه.
فأما سائر التطوعات والسنن قبل الفرائض وبعدها فقال أحمد أرجو أن لا يكون بالتطوع بالسفر بأس روي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وجابر وابن عباس وأبي ذر وجماعة من التابعين وهو قول مالك والشافعي وإسحق وابن المنذر، وكان ابن عمر لا يتطوع مع الفريضة قبلها ولا بعدها إلا من جوف الليل.
وروي ذلك عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعلي بن الحسين لما روي ان ابن عمر رأى قوما يسبحون بعد الصلاة فقال لو كنت مسبحا لاتممت فرضي يا ابن أخي، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر وعثمان وقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة متفق عليه ولنا ما روي عن ابن عباس قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الحضر فكنا نصلي قبلها وبعدها وكنا نصلي في السفر قبلها وبعدها رواه ابن ماجه، وقال الحسن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافرون فيتطوعون قبل المكتوبة وبعدها، وعن البراء بن عازب قال صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفرا فما رأيته ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر
رواه أبو داود فهذا يدل على انه لا بأس بفعلها، وحديث ابن عمر يدل على انه لا بأس بتركه فيجمع بين الاحاديث والله أعلم * (مسألة) * (والملاح الذي معه أهله وليس له نية الاقامة ببلد ليس له الترخص)
قال الاثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن الملاح أيقصر أو يفطر في السفينة، قال أما إذا كانت السفينة ببته فانه يتم ويصوم، قيل له وكيف تكون بيته.
قال لا يكون له بيت غيرها معه فيها أهله وهو فيها مقيم وهذا قول عطاء.
وقال الشافعي يقصر ويفطر لعموم النصوص ولان كون أهله معه لا يمنع الترخص كالجمال.
ولنا انه غير ظاعن عن منزله فلم يبح له الترخص كالمقيم في المدن، فأما في عام النصوص فالمراد بها الظاعن عن منزله وليس هذا كذلك.
وأما الجمال والمكاري فلهم الترخص وإن سافروا بأهلهم قال أبو داود سمعت أحمد يقول في المكاري الذي هو دهره في السفر لابد أن يقيم إذا قدم اليومين والثلاثة قال هذا يقصر، وذكر القاضي وأبو الخطاب انه بمنزلة الملاح وليس بصحيح لانه مسافر مشقوش عليه فكان له القصر كغيره، ولا يصح قياسهم على الملاح فان الملاح في منزله سفرا وحضرا معه مصالحه وتنوره وأهله لا يتكلف لحمله وهذا لا يوجد في غيره، وان سافر هذا بأهله كان أشق عليه وأبلغ في استحقاق الترخص فأبيح له لعموم النصوص وليس هو في معنى المخصوص فوجب القول بثبوت حكم النص فيه * (فصل في الجمع) * * (مسألة) * يجوز الجمع بين الظهر والعصر والعشائين في وقت احداهما لثلاثة أمور: السفر الطويل الجمع بين الصلاتين في السفر في وقت احداهما جائز في قول أكثر اهل العلم روي ذلك عن سعد وسعيد بن زيد واسامة ومعاذ بن جبل وأبي موسى وابن عباس وابن عمر وبه قال عكرمة والثوري
ومالك والشافعي وإسحق وابن المنذر وجماعة غيرهم، وقال الحسن وابن سيرين وأصحاب الرأي
لا يجوز الجمع إلا في يوم عرفة وليلة مزدلفة بها وهو رواية عن ابن القاسم عن مالك واختياره واحتجوا بأن المواقيت ثبتت بالتواتر فلا يجوز تركها بخبر الواحد ولنا ما روي عن ابن عمر انه كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء ويقول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير جمع بينهما، وعن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، وان زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب متفق عليهما.
ولمسلم كان إذا عجل عليه السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق، وروى الجمع معاذ وابن عباس وقولهم لا تترك الاخبار المتواترة لاخبار الآحاد.
قلنا لا يتركها وانما يخصها وتخصيص المتواتر بالخبر الصحيح جائز بالاجماع وهذا ظاهر جدا، فان قيل معنى الجمع في الاخبار أن يصلي الاولى في آخر وقتها والاخرى في أول وقتها.
قلنا هذا فاسد لوجهين أحدهما النه قد جاء الخبر صريحا في انه كان يجمعها في وقت الثانية على ما ذكرنا في خبر أنس، الثاني إن الجمع رخصة فلو كان على ما ذكروه لكان أشد ضيقا وأعظم حرجا من الاتيان بكل صلاة في وقتها لان ذلك أوسع من مراعاة طرفي الوقتين بحيث لا يبقى من وقت الاولى إلا قدر فعلها، ومن تدبر هذا وجده كما وصفنا ولو جاز الجمع هذا لجاز الجمع من العصر والمغرب والعشاء والصبح وهو محرم بالاجماع، فإذا
حمل خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الامر السابق إلى الفهم منه كان أولى من هذا التكلف الذي يصان عنه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم (فصل) وانما يجوز الجمع في السفر الذي يبيح القصر.
وقال مالك والشافعي في أحد قوليه يجوز في السفر القصير لان أهل مكة يجمعون بعرفه ومزدلفة وهو سفر قصير ولنا أنه رخصة ثبتت لدفع المشقة في السفر فاختصت بالطويل كالقصر والمسح ثلاثا ولان دليل الجمع فعل النبي صلى الله عليه وسلم والفعل لا صيغة له وانما هو قضية في عين فلا يثبت حكمها الا في مثلها ولم ينقل أنه جمع إلا في سفر طويل
* (مسألة) * (والمرض الذي يلحقه بترك الجمع فيه مشقة وضعف) نص احمد على جواز الجمع للمريض وروي عنه التوقف فيه وقال: أهاب ذلك والصحيح الاول وهذا قول عطاء ومالك.
وقال أصحاب الرأي والشافعي: لا يجوز لان اخبار التوقيف ثابتة فلا يترك بأمر محتمل ولنا ما روى ابن عباس قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، وفي رواية من غير خوف ولا سفر رواهما مسلم.
وقد أجمعنا على أن الجمع لا يجوز لغير عذر ثبت أنه كان لمرض، وقد روي عن ابي عبد الله أنه قال في هذا الحديث هذا عندي رخصة للمريض والمرضع، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل وحمنة بنت جحش لما كانتا مستحاضتين بتأخير الظهر وتعجيل العصر والجمع بينهما فأباح الجمع لاجل الاستحاضة واخبار المواقيت مخصوصة بالصور المجمع على جواز الجمع فيها فتخص محل النزاع بما ذكرنا (فصل) والمرض المبيح للجمع هو ما يلحقه بتركه مشقة وضعف.
قال الاثرم: قيل لابي عبد الله المريض يجمع بين الصلاتين، قال اني لا ارجو ذلك إذا ضعف وكذلك الجمع للمستحاضة ولمن به سلس البول ومن في معناها لما ذكرنا من الحديث
* (مسألة) * (والمطر الذي يبل الثياب) إلا أن جمع المطر يختص بالعشائين في أصح الوجهين لجواز الجمع في المطر بين العشائين يروى عن ابن عمر وفعله أبان بن عثمان في أهل المدينة وهو قول الفقهاء السبعة ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق، ويروى عن مروان وعمر بن العزيز ولم يجوزه أصحاب الرأي والدليل على جوازه أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: ان من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء رواه الاثرم وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال نافع: إن عبد الله بن عمر كان يجمع إذا جمع الامراء بين المغرب والعشاء وفعله أبان بن عثمان في أهل المدينة وفيهم عروة بن الزبير وأبو سلمة وابو بكر بن عبد الرحمن ولا يعرف لهم مخالف فكان اجماعا رواه الاثرم
(فصل) فأما الجمع لاجل المطر بين الظهر والعصر فالصحيح أنه لا يجوز.
قال الاثرم: قيل لابي عبد الله الجمع بين الظهر والعصر في المطر قال: لا ما سمعته وهذا اختيار أبي بكر وابن حامد وقول مالك.
وقال أبو الحسن التميمي فيه قولان: أحدهما يجوز اختاره القاضي وأبو الخطاب وهو مذهب الشافعي لما روى يحيي بن واضح عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر في المطر ولانه معنى أباح الجمع فأباحه بين الظهر والعصر كالسفر ولنا أن مستند الجمع ما ذكرنا من قول أبي سلمة والاجماع ولم يرد إلا في المغرب والعشاء وحديثهم لا يصح فانه غير مذكور في الصحاح والسنن وقول احمد ما سمعت يدل على أنه ليس بشئ ولا يصح القياس على المغرب والعشاء لما بينهما من المشقة لاجل الظلمة، ولا القياس على السفر لان مشقته لاجل
السير وفوات الرفقة وهو غير موجود ها هنا كذا (فصل) والمطر المبيح للجمع هو ما يبل الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه فأما الطل والمطر الخفيف فلا يبيح لعدم المشقة والثلج والبرد في ذلك كالمطر لانه في معناه * (مسألة) * (وهل يجوز ذلك لاجل الوحل والريح الشديدة الباردة أو لمن يصلي في بيته أو في مسجد طريقه تحت ساباط على وجهين) اختلف أصحابنا في الوحل بمجرده، فقال القاضي: قال أصحابنا هو عذر يبيح الجمع لان المشقة تلحق بذلك في الثياب والنعال كما تلحق بالمطر وهو قول مالك، وذكر أبو الخطاب فيه وجها ثانيا أنه لا يبيح وهو قول الشافعي لان المشقة دون مشقة المطر فلا يصح قياسه عليه.
قال شيخنا: الاولى أصح لان الوحل يلوث الثياب والنعال ويعرض الانسان للزلق فيتأذى نفسه وثيابه وذلك أعظم ضررا من البلل، وقد ساوى المطر في العذر في ترك الجمعة والجماعة فدل على تساويهما في المشقة المرعية في الحكم (فصل) فأما الريح الشديدة في الليلة الباردة ففيها وجهان: أحدهما يبيح الجمع قال الآمدي: وهو أصح يروى عن عمر بن عبد العزيز لان ذلك عذر في ترك الجمعة والجماعة بدليل ما روى محمد بن الصباح
حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه
في الليلة المطيرة والليلة الباردة ذات الريح صلوا في رحالكم رواه ابن ماجه.
والثاني لا يبيحه لان مشقته دون مشقة المطر فلا يصح القياس ولان مشقتها من غير جنس مشقة المطر ولا ضابط لذلك يجتمعان فيه فلم يصح الالحاق (فصل) وهل بجوز الجمع لمنفرد أو لمن طريقه تحت ساباط يمنع وصول المطر إليه، أو من كان مقامه في المسجد، أو لمن يصلي في بيته على وجهين: أحدهما الجواز.
قال القاضي: وهو ظاهر كلام احمد لان الرخصة العامة يستوي فيها حال وجود المشقة وعدمها كالسفر وكاباحة السلم في حق من ليس له إليه حاجة كاقتناء الكلب للصيد والماشية لمن لا يحتاج إليها، وقد روي أنه عليه السلام جمع في مطر وليس بين حجرته ومسجده شئ، والثاني المنع.
اختاره ابن عقيل لان الجمع لاجل المشقة فاختص بمن تلحقه المشقة كالرخصة في التخلف عن الجمعة، والجماعة تختص بمن تلحقه المشقة دون من لا تلحقه كمن في الجامع والقريب منه * (مسألة) * (ويفعل الارفق به من تأخير الاولى إلى وقت الثانية أو تقديم الثانية إليها) هذا هو الصحيح من المذهب وعليه أكثر الاصحاب وهو أن المسافر مخير في الجمع بين التقديم والتأخير وظاهر كلام الخرقي أنه لا يجوز الجمع إلا إذا كان سائرا في وقت الاولى فيؤخرها إلى وقت الثانية وهي رواية عن احمد، ويروى ذلك عن سعد وابن عمر وعكرمة آخذا بحديث ابن عمر وأنس الصحيحين.
وقال القاضي.
هذه الرواية هي الفضيلة والاستحباب وإن جمع بينهما في وقت الاولى جاز نازلا كان أو سائرا أو مقيما في بلد اقامة لا يمنع القصر وهذا قول عطاء وأكثر علماء المدينة والشافعي واسحاق وابن المنذر لما روى معاذ قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
غزوة تبوك فكان إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار، وإذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب
حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب، واه أبو داود والترمذي وقال هذا حديث حسن.
وروى مالك في الموطأ عن أبي الزبير عن أبي الطفيل أن معاذا أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء قال: فأخر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جمعا ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جمعا.
قال ابن عبد البر: هذا حديث صحيح ثابت الاسناد، وفى هذا الدليل أوضح الدليل في الرد على من قال: لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا جدبه السير لانه كان يجمع وهو نازل غير سائر ماكث في خبائه يخرج فيصلي الصلاتين جمعا فتعين الاخذ بهذا الحديث لثبوته وكونه صريحا في الحكم من غير معارض له، ولان الجمع رخصة من رخص السفر فلم يختص بحالة السير كالقصر والمسح ثلاثا لكن الافضل التأخير لانه أحوط وفيه خروج من الخلاف عند القائلين بالجمع وعملا بالاحاديث كلها * (فصل) * والمريض مخير في التقديم والتأخير كالمسافر فان استوى عنده الامران فالتأخير أفضل لما ذكرنا في المسافر، فأما الجمع للمطر فانما يفعل في وقت الاولى لان السلف انما كانوا يجمعون في وقت الاولى ولان تأخير الاولى إلى وقت الثانية يفضي إلى المشقة بالانتظار والخروج في الظلمة
ولان العادة اجتماع الناس للمغرب، فإذا حبسهم في المسجد ليجمع بين الصلاتين في وقت الثانية كان أشق من أن يصلي كل صلاة في وقتها، وان اختار تأخير الجمع جاز والمستحب أن يؤخر الاولى عن أول وقتها شيئا، قال أحمد يجمع بينهما إذا اختلط الظلام قبل أن يغيب الشفق الذي فعل ابن عمر قيل لابي عبد الله فكان سنة الجمع بين الصلاتين في المطر عندك أن تجمع قبل أن يغيب الشفق، وفى الشفق تؤخر حتى يغيب الشفق قال نعم * (فصل) * ولا يجوز الجمع لغير من ذكرنا، وقال ابن شبرمة يجوز إذا كانت حاجة أو شئ ما لم يتخذه عادة لحديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس لم فعل ذلك؟ قال أراد أن لا يحرج أمته
ولنا عموم أخبار المواقيت، وحديث ابن عباس محمول على حالة المرض ويجوز أن يكون صلى
الاولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها فان عمرو بن دينار روى هذا الحديث عن جابر بن زيد عن ابن عباس، قال عمرو قلت يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء، قال وأنا أظن ذلك * (مسألة) * (وللجمع في وقت الاولى ثلاثة شروط: نية الجمع عند إحرامها ويحتمل أن تجزئه النية قبل سلامها، وأن لا يفرق بينهما إلا بقدر الاقامة والوضوء فان صلى السنة بينهما بطل الجمع في إحدى الروايتين، وأن يكون العذر موجودا عند افتتاح الصلاتين وسلام الاولى) نية الجمع شرط لجوازه في المشهور من المذهب، وقال أبو بكر لا يشترط نية الجمع كقوله في القصر وقد ذكرناه.
والتفريع على الاول وموضع النية إذا جمع في وقت الاولى عند الاحرام بها لانها نية تفتقر إليها الصلاة فاعتبرت عند الاحرام كنية القصر، وفيه وجه ثان أن موضعها أول الصلاة من الاولى إلى سلامها فمتى نوى قبل سلام الاولى أجزاه لان موضع الجمع عند الفراغ من الاولى إلى الشروع في الثانية، فإذا لم تتأخر النية عنه أجزاه ذلك ويعتبر أن لا يفرق بينهما إلا تفريقا يسيرا، والمرجع في اليسير إلى العرف والعادة وقدره بعض أصحابنا بقدر الوضوء والاقامة، والصحيح انه لا حد له لان التقدير بابه التوقيف فما لم يرد فيه توقيف فيرجع فيه إلى العادة كالقبض والاحراز،
فان فرق بينهما تفريقا كثيرا بطل الجمع سواء فعله عمدا أو لنوم أو شغل أو سهو أو غير ذلك لان الشرط لا يثبت المشروط بدونه والمرجع في الكثير إلى العرف والعادة كما قلنا في اليسير، ومتى احتاج إلى الوضوء والتيمم فعله إذا لم يطل وان تكلم بكلام يسير لم يبطل الجمع وإن صلى بينهما السنة بطل الجمع في الظاهر لانه فرق بينهما بصلاة فبطل الجمع كما لو صلى بينهما غيرها وعنه لا تبطل لانه تفريق يسير أشبه الوضوء * (فصل) * ويعتبر للجمع في وقت الاولى وجود العذر حال افتتاح الصلاتين والفراغ من الاولى
لان افتتاح الاولى موضع النية وبافتتاح الثانية يحصل الجمع فاعتبر العذر في هذين الوقتين فمتى زال العذر في أحد هذه الثلاثة لم يبح الجمع، وإن زال المطر في أثنا الاولى ثم عاد قبل تمامها أو انقطع بعد الاحرام بالثانية جاز الجمع ولم يؤثر انقطاعه لان العذر وجد في وقت اشتراطه فلم يضر عدمه في غيره.
فأما المسافر إذا نوى الاقامة في أثناء الصلاة الاولى انقطع الجمع والقصر ولزمه الاتمام، فلو عاد فنوى السفر لم يبح له الترخص حتى يفارق البلد الذي هو فيه، وإن نوى الاقامة بعد الاحرام بالثانية أو دخلت به السفينة البلد في أثنائها احتمل أن يتمها ويصح قياسا على انقطاع المطر، قال بعض أصحاب الشافعي هذا الذي يقتضيه مذهب الشافعي واحتمل أن تنقلب نفلا، ويبطل الجمع
لانه أحد رخص السفر فبطل بذلك كالقصر والمسح ولانه زال شرطها في أثنائها أشبه سائر شروطها ويفارق انقطاع المطر من وجهين أحدهما انه لا يتحقق انقطاعه لاحتمال عوده في أثناء الصلاة، والثاني انه يخلفه عذر مبيح وهو الوحل بخلاف مسالتنا وهكذا الحكم في المريض يزول عذره في أثناء الصلاة الثانية.
فأما إن لم يزل العذر إلا بعد الفراغ من الثانية قبل دخول وقتها صح الجمع ولم يلزمه اعادة الثانية في وقتها لان الصلاة وقعت صحيحة مجزئة مبرئة للذمة فلم تشتغل الذمة بها بعد ذلك كالمتيمم إذا وجد الماء في الوقت بعد فراغه من الصلاة * (فصل) * وإذا جمع في وقت الاولى فله أن يصلي سنة الثانية منهما ويوتر قبل دخول الثانية لان سنتها تابعة لها فتتبعها في فعلها ووقتها ولان الوتر وقته ما بين صلاة العشاء والصبح وقد صلى العشاء فدخل وقته * (مسألة) * (وإن جمع في وقت الثانية كفاه نية الجمع في وقت الاولى ما لم يضق عن فعلها واستمرار العذر إلى دخول وقت الثانية منهما) ولا يشترط غير ذلك متى جمع في وقت الثانية فلا بد من نية الجمع في وقت الاولى، فموضع النية في وقت الاولى من أوله إلى أن يبقى منه قدر ما يصليها هكذا ذكره أصحابنا لانه متى أخرها عن ذلك بغير نية صارت قضاء لا جمعا ولان تأخيرها عن القدر الذي يضيق عن فعلها حرام.
قال شيخنا ويحتمل أن يكون وقت النية أن يبقى منه قدر ما يدركها به وهو ركعة أو تكبيرة على
ما ذكرنا متقدما، ويعتبر بقاء العذر إلى حين دخول وقت الثانية فان زال في وقت الاولى كالمريض يبرأ والمسافر يقدم والمطر ينقطع لم يبح الجمع لزوال سببه، وان استمر إلى وقت الثانية جمع وإن زال العذر لانهما صارتا واجبتين في ذمته فلا بد له من فعلها * (فصل) * ولا يشترط المواصلة بينهما إذا جمع في وقت الثانية لانه متى صلى الاولى فالثانية في وقتها لا يخرج بتأخيرها عن كونها مؤداة.
وفيه وجه إن المواصلة مشترطة لان حقيقة الجمع ضم الشئ إلى الشئ ولا يحصل مع التفريق، والصحيح الاول لان الاولى بعد وقوعها صحيحة لا تبطل بشئ يوجد بعدها، والثانية لا تقع إلا في وقتها
* (فصل) * إذا صلى إحدى صلاتي الجمع مع الامام والثانية مع امام آخر أو صلى معه مأموم في احدى الصلاتين وصلى معه في الثانية مأموم آخر صح، وقال ابن عقيل لا يصح لان كل واحد من الامام والمأموم أحد من يتم به الجمع فاشترط وجود دوامه كالعذر ولنا أن لكل صلاة حكم نفسها وهي منفردة بنيتها فلم يشترط اتحاد الامام والمأموم كغير المجموعتين وقوله ان الامام والمأموم أحد من يتم به الجمع لا يصح في المسافر والمريض لجواز الجمع لكل واحد منهما منفردا.
وفي المطر في أحد الوجهين، وان قلنا ان الجمع في المطر لا يجوز للمنفرد فالذي يتم به الجمع الجماعة لا عين الامام والمأموم ولم تختل الجماعة، وعلى ما قلنا لو ائتم المأموم بالامام لا ينوي الجمع ونواه الامام فلما سلم الامام صلى المأموم الثانية جاز لانا أبحنا له مفارقة الامام في الصلاة الواحدة للعذر ففي الصلاتين أولى وانما نوى أن يفعل في غيرها فلم يؤثر كما لو نوى المسافر في الاولى اتمام الثانية فلم تختلف نيتهما في الصلاة الاولى، وهكذا لو صلى المسافر بمقيمين ونوى الجمع فلما صلى بهم الاولى قام فصلى الثانية جاز، وهكذا لو صلى احدى صلاتي الجمع منفردا ثم حضرت جماعة يصلون الثانية فأمهم فيها أو فصلى معهم مأموما جاز، وقول ابن عقيل يقتضي أن لا يجوز شئ من ذلك والله أعلم * (قال المصنف رحمه الله) * * (فصل في صلاة الخوف) * وهي جائزة بالكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى (وإذا كنت
فيهم فأقمت لهم الصلاة) الآية.
وأما السنة فثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة الخوف وحكمها باق في قول جمهور أهل العلم، وقال أبو يوسف انما كانت مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم بدليل قوله سبحانه (وإذا كنت فيهم) وما قاله غير صحيح لان ما ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حقنا ما لم يقم على اختصاصه به دليل لان الله تعالى أمرنا باتباعه، ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم؟ أجاب بأني أفعل ذلك.
فقال السائل لست مثلنا، فغضب وقال اني لارجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما اتقى، ولو اختص بفعله لما حصل جواب السائل بالاخبار بفعله ولا غضب من قول السائل مثلنا لان قوله إذا كان صوابا، وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحتجون بأفعاله ويرونها معارضة لقوله وناسخة له، وذلك لما أخبرت عائشة وأم سلمة بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من غير احتلام ثم يغتسل ويصوم ذلك اليوم تركوا به خبر أبي هريرة من أصبح جنبا فلا صوم له لما ذكروا ذلك لابي هريرة قال هن أعلم، انما حدثني به الفضل ابن عباس ورجع عن قوله.
وأيضا فان الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على صلاة الخوف فصلاها على ليلة الهرير بصفين وصلاها أبو موسى الاشعري بأصحابه، وروي ان سعد بن العاص كان أميرا على الحيش بطبرستان فقال أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة أنا.
فقدمه فصل بهم، فأما نخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بالخطاب فلا يوجب تخصيصه بالحكم لما ذكرنا ولان الصحابة أنكروا على مانع الزكاة وقولهم ان الله تعالى خص نبيه بأخذ الزكاة بقوله
(خذ من أموالهم صدقة (فان قيل فالنبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة يوم الخندق ولم يصل.
قلنا الاعتراض باطل في نفسه إذ لا خلاف في إن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أن يصلي صلاة الخوف وقد أمره الله بها في كتابه فلا يجوز الاحتجاج بما يخالف الكتاب والاجماع وانما كان ذلك قبل نزول صلاة الخوف، وانما يؤخذ بالآخر فالآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل ان النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة نسيانا فانه روي ان النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن صلاتهم.
قالوا
ما صلينا.
وروي ان عمر قال ما صليت العصر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " والله ما صليتها " أو كما جاء، ومما يدل على ذلك انه لم يكن ثم قتال يمنعه من الصلاة إذا ثبت ذلك فانما تجوز صلاة الخوف إذا كان العدو مباح القتال، ويشترط أن لا يؤمن هجومه على المسلمين وتجوز على كل صفة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم * (مسألة) * (قال الامام أبو عبد الله: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف من خمسة أوجه أو ستة، وقال ستة أو سبعة كل ذلك جائز لمن فعله) قال الاثرم: قلت لابي عبد الله تقول بالاحاديث كلها أو تختار واحدا منها، قال: انا أقول من ذهب إليها كلها فحسن، وأما حديث سهل فأنا اختاره فنذكر الوجوه التي بلغتنا فأولها إذا كان العدو في جهة القبلة بحيث لا يخفى بعضهم على المسلمين ولم يخافوا كمينا فيصلي بهم كما روى جابر قال:
شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصففنا خلفه صفين والعدو بيننا وبين القبلة فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعا، ثم ركع وركعنا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه وانحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعا، ورفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحذر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الاولى وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا أخرجه مسلم.
وروى أبو عياش الزرقي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعسفان نحو هذه الصلاة وصلاها يوم بني سليم رواه أبو داود قلت وأخرجه مسلم عن جابر.
قال البيهقي وهو صحيح وإن حرس الصف الاول في الاولى والثاني في الثانية أو لم يتقدم الثاني إلى مقام الاول، أو حرس بعض الصف وسجد الباقون جاز لان المقصود يحصل لكن الاولى أن تفعل مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم
* (والوجه الثاني) * إذا كان العدو في غير جهة القبلة فيصلي بهم كما روى صالح بن خوات عن من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه
العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وائتموا لانفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الاخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لانفسهم ثم سلم بهم رواه مسلم.
وروى سهل بن أبي حثمة نحو ذلك، واشترط القاضي لهذه الصلاة كون العدو في غير جهة القبلة، ونص احمد على خلاف ذلك في رواية الاثرم فانه قال: قلت له حديث سهل تستعمله مستقبلين القبلة كانوا ومستدبرين؟ قال نعم هو أنكى ولان العدو قد يكون في جهة القبلة على وجه لا يمكن أن يصلي بهم صلاة عسفان لانتشارهم أو لخوف من كمين، فالمنع من هذه الصلاة يفضي إلى تفويتها قال أبو الخطاب: ومن شرطها أن يكون المصلون يمكن تفريقهم طائفتين كل طائفة ثلاثة فأكثر.
وقال القاضي: إن كانت كل فرقة أقل من ثلاثة كرهناه، ووجه قولهما أن الله سبحانه ذكر الطائفة بلفظ الجمع بقوله (فإذا سجدوا) وأقل الجمع ثلاثة، ولان احمد ذهب إلى ظاهر فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
قال شيخنا: والاولى أن لا يشترط هذا لان ما دون الثلاثة تصح به الجماعة فجاز أن يكونوا طائفة كالثلاثة، فأما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فانه لا يشترط في صلاة الخوف أن يكون المصلون مثل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في العدد وجها واحدا ويستحب أن يخفف بهم الصلاة لان موضوع صلاة الخوف على التخفيف وكذلك الطائفة التي تفارقه تخفف الصلاة ولا تفارقه حتى يستقل قائما لان النهوض يشتركون فيه جميعا فلا حاجة إلى
مفارقتهم اياه قبله لان المفارقة انما جازت للعذر ويقرأ في حال الانتظار ويطيل التشهد حتى يدركوه وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يقرأ في الانتظار، بل يؤخر القراءة ليقرأ بالطائفة الثانية فتحصل التسوية بين الطائفتين ولنا أن الصلاة ليس فيها حال سكوت والقيام محل للقراءة فينبغي أن يأتي بها فيه كما في التشهد
إذا انتظرهم فانه لا يسكت والتسوية بينهم تحصل بانتظاره اياهم في موضعين والاولى في موضع واحد إذا ثبت هذا فقال القاضي: ان قرأ في انتظارهم فقرأ بعد مجيئهم بقدر فاتحة الكتاب وسورة خفيفة وإن لم يقرأ في انتظارهم قرأ إذا جاءوا بفاتحة الكتاب وسورة وهذا على سبيل الاستحباب، فلو قرأ قبل مجيئهم ثم ركع عند مجيئهم أو قبله فأدركوه راكعا ركعوا معه وصحت لهم الركعة مع تركه للسنة، وإذا جلس للتشهد قاموا فصلوا ركعة أخرى وأطال التشهد والدعاء حتى يدركوه ويتشهدوا ثم يسلم بهم.
وقال مالك: يتشهدون معه فإذا سلم الامام قاموا فقضوا ما فاتهم كالمسبوق والاولى ما ذكرناه لموافقته الحديث ولان قوله تعالى (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) يدل على أن صلاتهم كلها معه ولان الاولى أدركت معه فضيلة الاحرام فينبغي أن يسلم بالثانية ليسوي بينهم، بهذا قال مالك والشافعي على ما ذكرنا من الاختلاف، واختار أبو حنيفة أن يصلي على ما في حديث ابن عمر وسوف نذكره إن شاء الله تعالى في الوجه الثالث، والاولى والمختار عند احمد رحمه الله هذا الوجه
الثاني لانه أشبه بكتاب الله تعالى وأحوط للصلاة والحرب، أما موافقة الكتاب فان قوله تعالى (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) يقتضي أن جميع صلاتها معه، وعلى ما اختاره أبو حنيفة لا تصلي معه إلا ركعة على ما يأتي وعلى ما اخترنا تصلي جميع صلاتها معه في احدى الركعتين موافقة في أفعاله، والثانية تأتي بها قبل سلامه ثم تسلم معه.
وأما الاحتياط للصلاة فان كل طائفة تأتي بصلاتها متوالية بغضها موافق للامام فيها فعلا وبعضها يفارقه وتأتي به وحدها كالمسبوق، وعلى ما اختاره ينصرف إلى جهة العدو وهي في الصلاة ماشية أو راكبة ويستدبر القبلة وهذا ينافي الصلاة وأما الاحتياط للحرب فانه يتمكن من الضرب والطعن والتحريض وإعلام غيره بما يراه مما خفي عليه وتحذيره وإعلام الذين مع الامام بما يحدث ولا يمكن هذا على اختياره (فصل) ولا تجب التسوية بين الطائفتين لانه لم يرد بذلك نص ولا قياس، ويجب أن تكون الطائفة التي بازاء العدو ممن يحصل الثقة بكفايتها وحراستها ومتى خشي اختلال حالهم واحتيج إلى معونتهم بالطائفة الاخرى فللامام أن ينهد إليهم من معه ويبينوا على ما مضى من صلاتهم
(فصل) وإن صلوا الجمعة صلاة الخوف جاز إذا كانت كل طائفة أربعين، فان قيل فالعدد شرط في الجمعة كلها ومتى ذهبت الطائفة الاولى بقي الامام منفردا فبطلت الجمعة كما لو نقص العدد فالجواب أن هذا جاز لاجل العذر ولانه يترقب مجئ الطائفة الاخرى بخلاف الانفضاض
ولنا أيضا في الاصل منع ولا يجوز أن يخطب باحدى الطائفتين ويصلي بالاخرى حتى يصلي معه من حضر الخطبة وبهذا قال الشافعي (فصل) والطائفة الاولى في حكم الائتمام قبل مفارقة الامام فان سها لحقهم حكم سهوه فيما قبل مفارقته، وان سهوا لم يلزمهم حكم سهوهم لانهم مأمومون، وأما بعد مفارقته فلا يلحقهم حكم سهوه ويلحقهم حكم سهوهم لانهم منفردون، وأما الطائفة الثانية فيلحقها حكم سهو امامها في جميع صلاته ما أدركت منها وما فاتها كالمسبوق يلحقه حكم سهو امامه فيما لم يدركه ولا يلحقها حكم سهوها في شئ من صلاتها لانها ان فارقتها فعلا لقضاء ما فاتها فهي في حكم المؤتم لانهم يسلمون بسلامه، فإذا فرغت من قضاء ما فاتها سجد وسجدت معه، فان سجد قبل اتمامها تابعته لانها مؤتمة به ولا يقيد السجود بعد فراغها من التشهد لانها لم تنفرد عن الامام بخلاف المسبوق.
وقال القاضي ينبني هذا على الروايتين في المسبوق إذا سجد مع امامه هل يسجد بعد القضاء أم لا وقد ذكر الفرق بينهما * (مسألة) * (وان كانت الصلاة مغربا صلى بالطائفة الاولى ركعتين وبالثانية ركعة) وبهذا قال مالك والاوزاعي وسفيان والشافعي في أحد قوليه، وقال في الآخر يصلى بالاولى ركعة وبالثانية ركعتين لانه روي عن علي رضي الله عنه أنه صلى ذلك ليلة الهرير، ولان الاولى أدركت معه فضيلة الاحرام والتقدم فينبغي أن يزيد الثانية في الركعات ليجبر نقصهم به
ولنا أنه إذا لم يكن بد من التفضيل فالاولى أحق به وما فات الثانية يتخير بادراكها السلام مع الامام ولانها تصلي جميع صلاتها في حكم الائتمام، والاولى تفضل بعض صلاتها في حكم الانفراد وأيا ما فعل فهو جائز، وإذا صلى بالثانية الركعة الثانية وجلس للتشهد فان الطائفة تقوم ولا تتشهد
معه ذكره القاضي لانه ليس بموضع لتشهدها بخلاف الرباعية ويحتمل أن تتشهد معه إذا قلنا إنها تقضي ركعتين متواليين لئلا يفضي إلى أن يصلي ثلاث ركعات بتشهد واحد ولا نظير لهذا في الصلوات هذا حكم صلاة المغرب على حديث سهل * (مسألة) * (وان كانت رباعية غير مقصورة صلى بكل طائفة ركعتين وأتمت الاولى بالحمد لله في كل ركعة والاخرى تتم بالحمد لله وسورة) تجوز صلاة الخوف في الحضر عند الحاجة إليها وبه قال الاوزاعي والشافعي، وحكي عن مالك لا يجوز في الحضر لان الآية انما دلت على صلاة ركعتين وصلاة الحضر أربع، ولان النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها في الحضر ولنا قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) وهذا عام وترك النبي صلى الله عليه وسلم لها في الحضر انما كان لغناه عنها فيه، وقولهم انما دلت الآية على ركعتين ممنوع، وان سلم فقد تكون صلاة الحضر ركعتين الصبح والجمعة والمغرب ثلاث ويجوز فعلها في الخوف في السفر فعلى هذا إذا
صلى بهم الرباعية فرقهم فرقتين وصلى بكل طائفة ركعتين وتقرأ الاولى بعد مفارقة امامها بالحمد لله وحدها في كل ركعة لانها آخر صلاتها، وأما الطائفة الثانية فإذا جلس الامام للتشهد الاخير تشهدت معه التشهد الاول كالمسبوق ثم قامت وهو جالس فأتمت صلاتها وتقرأ في كل ركعة الحمد لله وسورة في ظاهر المذهب لانه أول صلاتها على ما ذكرنا في المسبوق وتستفتح إذا قامت للقضاء كالمسبوق ولانها لم تحصل لها مع الامام قراءة السورة ويطول الامام التشهد والدعاء حتى تصلي الركعتين، ثم يتشهد ويسلم بهم، وإذا قلنا أن الذي يقضيه المسبوق آخر صلانه فيقتضي أن لا يستفتح ولا يقرأ السورة ها هنا قياسا عليه * (مسألة) * (وهل تفارقة الاولى في التشهد الاول وفي الثالثة؟ على وجهين) أحدهما حين قيامه إلى الثالثة وهو قول مالك والاوزاعي لانه يحتاج إلى التطويل من أجل الانتظار والتشهد يستحب تخفيفه، ولهذا روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس للتشهد
كأنه على الرضف حتى يقوم لان ثواب القائم أكثر ولانه إذا انتطرهم جالسا وجاءت الطائفة فانه يقوم قبل احرامهم فلا يحصل اتباعهم اياه في القيام، والثاني في التشهد ليدرك الطائفة الثانية جميع الركعة الثالثة ولان الجلوس أخف على الامام ولانه متى انتظرهم فانما احتاج إلى قراءة السورة في الركعة الثالة وهو خلاف السنة وكلا الامرين جائز
* (مسألة) * (وإن فرقهم أربعا فصلى بكل طائفة ركعة صحت صلاة الاوليين وبطلت صلاة الامام والاخريين ان علمنا بطلان صلاته) وجملة ذلك أنه متى فرقهم الامام في صلاة الخوف أكثر من فرقتين مثل أن فرقهم أربع فرق فصلى بكل طائفة ركعة أو ثلاث فرق فصلى بالاولى ركعتين وبالباقيتين ركعة صحت صلاة الاوليين لانهما انما ائتما بمن صلاته صحيحة ولم يوجد منهما ما يبطل صلاتهما وتبطل صلاة الامام بانتظار الثالث لانه لم يرد الشرع به فأبطل الصلاة كما لو فعله من غير خوف، وسواء فعل ذلك لحاجة أو غيرها لان الترخص انما يصار إليه فيما ورد به الشرع وتبطل صلاة الثالثة والرابعة لائتمامها بمن صلاته باطلة فأشبه ما لو كانت باطلة في أولها، فان لم يعلما بطلان صلاة الامام فقال ابن حامد: لا تبطل صلاتهما لان ذلك مما يخفى فلم تبطل صلاة المأموم كما لو ائتم بمحدث لا يعلم حدثه وينبغي على هذا أن يخفى على الامام والمأموم كما اعتبرنا ذلك في المحدث.
قال شيخنا: ويحتمل أن لا تصح صلاتهما لان الامام والمأموم يعلمان وجود المبطل، وانما خفي عليهم حكمه فلم يمنع ذلك البطلان كما لو علم حدث الامام ولم يعلم كونه مبطلا، وقال بعض الشافعية كقول ابن حامد.
وقال بعضهم: تصح صلاة الجميع لان الحاجة تدعو إليه أشبه الفرقتين ولنا أن الرخص انما تتلقى من الشرع وهذا لم يرد به الشرع فلم يجزئه كغير الخوف والله أعلم (الوجه الثالث) يصلي كما روى ابن عمر قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف باحدى الطائفتين ركعة وسجدتين والطائفة الاخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو وجاء أولئك ثم صلى لهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ثم سلم، ثم قضى
هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة متفق عليه
(الوجه الرابع) أن يصلي بكل طائفة صلاة ويسلم بها كما روى أبو بكرة قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بازاء العدو فصلى ركعتين ثم سلم فانطلق الذين صلوا فوقفوا موقف أصحابهم ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين ثم سلم فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ولاصحابه ركعتان رواه أبو داود والاثرم.
وهذه صفة حسنة قليلة الكلفة لا يحتاج فيها إلى مفارقة امامه ولا إلى تفريق كيفية الصلاة وهو مذهب الحسن وليس فيها أكثر من أن الامام في الثانية متنفل يؤم مفترضين (الوجه الخامس) أن يصلي كما روى جابر قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع قال فنودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الاخرى ركعتين قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتين ركعتين متفق عليه وتأول القاضي هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم كصلاة الحضر، وأن كل طائفة قضت ركعتين، وأن التأويل فاسد لمخالفة صفة الرواية وقول احمد: أما مخالفة الرواية فانه ذكر أنه صلى بكل طائفة ركعتين ولم يذكر قضاء، ثم قال في آخره للقوم ركعتين ركعتين.
وأما مخالفة قول احمد فانه قال ستة أوجه أو سبعة يروى فيها كأنها جائز، وعلى هذا لا تكون ستة ولا خمسة، ثم انه حمل الحديث على محمل بعيد لان الخوف يقتضي قصر الصلاة وتخفيفها، وعلى هذا التأويل تجعل مكان الركعتين أربعا ويتم الصلاة المقصورة ولم ينقل عنه عليه السلام اتمام صلاة السفر في غير الخوف فكيف يتمها في موضع يقتضي التخفيف (فصل) وقد ذكر شيخنا رحمه الله (الوجه السادس) أن يصلي بكل طائفة ركعة ركعة ولا تقضي شيئا لما روى ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد صلاة الخوف والمشركون بينه وبين القبلة فصف صفا
خلفه وصفا موازي العدو فصلى بهم ركعة ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، ورجع هؤلاء إلى مصاف هؤلاء فصلى بهم ركعة ثم سلم عليهم فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان وكانت لهم ركعة ركعة رواه الاثرم، وعن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بهؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة ولم يقضوا شيئا رواه أبو داود وهذا قول ابن عباس وجابر.
قال جابر: انما القصر ركعة عند القتال.
وقال طاوس ومجاهد والحسن وقتادة والحكم يقولون ركعة في شدة الخوف يومئ ايماء، وبه قال اسحاق يجزئك عند الشدة ركعة تومئ ايماء، فان لم تقدر فسجدة واحدة، فان لم تقدر فتكبيرة، فهذه الصلاة يقتضي عموم كلام احمد جوازها لانه ذكر ستة أوجه ولا نعلم وجها سادسا سواها.
وقال القاضي: لا تأثير للخوف في عدد الركعات وهذا قول أصحابنا وأكثر أهل العلم منهم ابن عمر والنخعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم من علماء الامصار لا يجيزون ركعة والذي قال منهم وكعة انما جعلها عند شدة القتال، والذين روينا عنهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثرهم لم ينقصوا من ركعتين وابن عباس لم يكن ممن يحضر النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته ولم يعلم ذلك إلا بالرواية فالاخذ برواية من حضر الصلاة وصلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم أولى (فصل) ومتى صلى بهم صلاة الخوف من غير خوف فصلاة الجميع فاسدة لانها لا تخلو من مفارقة امامه لغير عذر أو تارك متابعة امامه في ثلاثة أركان، أو قاصر الصلاة مع اتمام امام وكل ذلك يفسد الصلاة إلا مفارقة الامام في قول: وإذا فسدت صلاة الامام لانه صلى اماما بمن صلاته فاسدة إلا أن يصلي بهم صلاتين كاملتين فتصح صلاته وصلاة الطائفة الاولى وصلاة الثانية تنبني على امامة المتنفل بالمفترض وقد ذكرناه
* (مسألة) * (ويستحب أن يحمل معه في الصلاة من السلاح ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله كالسيف والسكين ويحتمل أن يجب ذلك) حمل السلاح في صلاة الخوف مستحب لقوله تعالى (وليأخذوا أسلحتهم) ولانهم لا يأمنون
أن يفجأهم العدو كما قال الله تعالى (ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة) والمستحب من ذلك ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله كالسيف والسكين، ولا يستحب حمل ما يثقله كالجوشرة، ولا ما يمنع اكمال السجود كالمغفر ولا ما يؤذي غيره كالرمح إذا كان متوسطا، ولا يجوز حمل نجس ولا ما يخل ببعض أركان الصلاة الا عند الضرورة كمن يخاف وقوع الحجارة والسهام، وليس ذلك بواجب ذكره أصحابنا وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وأكثر أهل العلم لانه لو وجب لكان شرطا كالسترة ولان الامر به للرفق بهم والصيانة لهم فلم يكن للايجاب كما أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال لما كان للرفق لم يكن للتحريم، ويحتمل أن يجب ذلك وهو قول داود وأحد قولي الشافعي وهذا أظهر لان ظاهر الامر الوجوب، وقد اقترن به ما يدل على الوجوب وهو قوله سبحانه (ولا جناح عليكم ان كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم) ونفي الحرج مشروطا بالاذى دليل على لزومه عند عدمه، فأما ان كان بهم أذى من مطر أو مرض فلا يجب بغير خلاف لصريح النص بنفي الحرج * (فصل) * فإذا اشتد الخوف صلوا رجالا وركبانا إلى القبلة وغيرها يومئون ايماء على قدر الطاقة.
وجملة ذلك انه متى اشتد الخوف والتحم القتال فلهم الصلاة كيف ما أمكنهم رجالا أو ركبانا إن أمكنهم إلى القبلة أو إلى غيرها ان لم يمكنهم يومئون بالركوع والسجود ويجعلون سجودهم أخفض من ركوعهم على قدر الطاقة، ولهم التقدم والتأخر والطعن والضرب والكر والفر ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها
في قول أكثر أهل العلم.
وحكى ابن أبي موسى انه يجوز تأخير الصلاة حال التحام القتال في رواية، وقال أبو حنيفة وابن أبي ليل لا يصلي مع المسايفة ولا مع المشي لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل يوم الخندق وأخر الصلاة، ولان ما يمنع الصلاة في غير شدة الخوف يمنعها معه كالحدث والصياح، وقال الشافعي يصلي لكن إن تابع الطعن والضرب أو المشي أو فعل ما يطول بطلت صلاته لان ذلك من مبطلات الصلاة أشبه الحدث
ولنا قوله عزوجل (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) وقال ابن عمر فان كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها متفق عليه.
وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولان النبي صلى الله عليه وسلم صلى باصحابه في غير شدة الخوف فأمرهم بالمشي إلى وجاه العدو وهم في الصلاة ثم يعودن لقضاء ما بقى من صلاتهم، وهذا مشى كثير وعمل طويل واستدبار للقبلة فإذا جاز ذلك مع ان الخوف ليس بشديد فمع شدته أولى، ومن العجب اختيار أبي حنيفة هذا الوجه دون سائر الوجوه التي لا تشتمل على العمل في أثناء الصلاة وتسويغه إياه مع الغناء عنه ثم منعه في حال الحاجة إليه بحيث لا يقدر على غيره فكان العكس أولى ولانه مكلف تصح طهارته فلم يجز له اخلاء وقت الصلاة عن فعلها كالمريض، ويخص الشافعي بأنه عمل أبيح للخوف فلم يبطل الصلاة كاستدبار القبلة والركوب والايماء وبهذا ينتقض ما ذكره.
فأما تأخير الصلاة يوم الخندق فروى أبو سعيد انه كان قبل نزول صلاة الخوف ويحتمل انه شغله المشركون فنسي الصلاة، فقد نقل ما يدل على ذلك ويؤكد ما ذكرنا ان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا في مسايفة توجب قطع الصلاة، وأما الصياح الحدث فلا حاجة بهم إليه ولا يلزم من كون الشئ مبطلا مع عدم العذر أن تبطل معه كخروج النجاسة من المستحاضة ومن في معناها
* (فصل) * فان أمكنهم افتتاح الصلاة إلى القبلة فهل يلزمهم ذلك، على روايتين: احداهما لا تجب اختاره أبو بكر لانه جزء من الصلاة فلم يجب الاستقبال فيه كبقية أجزائها، والثانية يجب لانه أمكنه ابتداء الصلاة مستقبلا فلم يجز بدونه كما لو أمكنه ذلك في ركعة كاملة * (مسألة) * (ومن هرب من عدو هربا مباحا أو سيل أو سبع أو نحوه فله الصلاة كذلك سواء خاف على نفسه أو ماله أو أهله) وكذلك الاسير إذا خافهم على نفسه إن صلى والمختفي في موضع يصليان كيف ما أمكنهما نص عليه أحمد في الاسير، فلو كان المختفي قاعدا لا يمكنه القيام أو مضطجعا لا يمكنه القعود صلى على حسب حاله وهذا قول ابن الحسن وقال الشافعي يصلي ويعيد.
ولنا انه خائف صلى على حسب ما أمكنه
فلم يلزمه الاعادة كالهارب، ولا فرق في هذا بين الحضر والسفر لان المبيح خوف الهلاك وقد تساويا فيه فان أمكن التخلص بدون ذلك كالهارب من السيل يصعد إلى ربوة والخائف من العدو يمكنه دخول حصن يأمن فيه صولة العدو فيصلي فيه ثم يخرج لم يكن له أن يصلي صلاة الخوف لانه لا حاجة إليها ولا ضرورة * (فصل) * فأما العاصي بهربه كالذي يهرب مما يجب عليه وقاطع الطريق واللص والسارق فليس لهم أن يصلوا الخوف لانها رخصة ثبتت للدفع عن نفسه في محل مباح فلا يثبت بالمعصية كرخص السفر * (فصل) * قال أصحابنا يجوز أن يصلوا في حال شدة الخوف جماعة.
قال شيخنا ويحتمل أن لا يجوز وهو قول أبي حنيفة لانهم يحتاجون إلى التقدم والتأخر وربما تقدموا على الامام وتعذر عليهم الائتمام، وحجة الاصحاب انها حالة تجوز فيها الصلاة على الانفراد فجاز فيها صلاة الجماعة كالركوب في السفينة ويعفى عن تقدم الامام للحاجة إليه كالعفو عن العمل الكئير ولمن نصر القول الاول أن
يفرق بينهما بأن العفو عن العمل الكثير لا يختص الامامة بل هو في حال الانفراد أيضا فلم يؤثر الانفراد في نفسه بخلاف تقدم الامام * (مسألة) * (وهل لطالب العدو الخائف فواته الصلاة كذلك) على روايتين: احداهما له ذلك كالمطلوب سواء، روي ذلك عن شر حبيل بن حسنة وهو قول الاوزاعي لما روى عبد الله بن أنيس قال بعثني رسول الله صلى الله عليه إلى خالد بن سفين الهذلي فقال اذهب فاقتله.
فرأيته وحضرت صلاة العصر، فقلت اني لاخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومأ ايماء نحوه.
وذكر الحديث رواه أبو داود وظاهر حاله أنه أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو كان قد علم جواز ذلك فانه لا يظن به أن يفعل ذلك مخطئا وهو رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يخبره بذلك ولا يسأل عن حكمه.
وقال شر حبيل بن حسنة لا تصلوا الصبح إلا على ظهر، فنزل الاشتر فصلى على الارض فمر به شر حبيل فقال مخالف خالف الله به.
قال فخرج الاشتر في الفتنة ولانها احدى حالتي الحرب أشبهت حالة الهرب ولان فوات الكفار
ضرر عظيم فأبيحت صلاة الخوف عند فواته كالحالة الاخرى والثانية ليس له أن يصلي الا صلاة آمن وهذا قول أكثر أهل العلم لان الله تعالى قال: (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) فشرط الخوف وهذا غير خائف ولانه آمن فلزمته صلاة الآمن كما لو لم يخش فواتهم، وهذا الخلاف فيمن يأمن رجوعهم عليه ان تشاغل بالصلاة ويأمن على أصحابه.
فأما الخائف من ذلك فحكمه حكم المطلوب على ما بينا * (مسألة) * (ومن أمن في الصلاة أتم صلاة آمن، وان ابتدأها آمنا ثم خاف أتم صلاة خائف) متى صلى بعض الصلاة في حال شدة الخوف مع الاخلال بشئ من واجباتها كالاستقبال وغيره فأمن في أثنائها أتمها آتيا بواجباتها، فإذا كان راكبا إلى غير القبلة نزل مستقبل القبلة، وان كان ماشيا وقف واستقبل القبلة وبنى على ما مضى لان ما مضى من صلاته كان صحيحا قبل الامن فجاز
البناء عليه كما لو لم يخل بشئ من الواجبات، وكان المريض يبتدئ الصلاة قاعدا إذا قدر على القيام في أثنائها فان ترك الاستقبال حال نزوله أو أخل بشئ من واجباتها بعد أمنه فسدت صلاته، وإن ابتدأ الصلاة آمنا بشروطها وواجباتها ثم حدث له شدة خوف اتمها على حسب ما يحتاج إليه مثل من يكون قائما على الارض مستقبلا فيحتاج أن يركب ويستدبر القبلة ويطعن ويضرب نحو ذلك، فانه يصير إليه ويبني على الماضي من صلاته.
وحكي عن الشافعي انه إذا أمن نزل فبنى وإذا خاف فركب ابتدأ، ولا يصح لان الركوب قد يكون يسيرا لا يبطل مثله في حق الآمن ففى حق الخائف أولى كالنزول ولانه عمل أبيح للحاجة فلم يمنع صحة الصلاة كالهرب، ومن صلى صلاة الخوف لسواد ظنه عدوا فبان انه ليس بعدو وبينه وبينه ما يمنعه منه فعليه الاعادة سواء صلى صلاة شدة الخوف أو غيرها، وسواء كان ظنهم مستندا إلى خبر ثقة أو غيره، أو رؤية سواد أو نحوه لانه ترك بعض واجبات الصلاة ظنا منه انه قد سقط فلزمته الاعادة كما لو ترك غسل رجليه ومسح على خفيه ظنا منه إن ذلك بجزي فبانا مخرقين، وكما لو ظن المحدث انه متطهرا فصلى، ويحتمل أن لا يلزم الاعادة إذا كان بينه وبين العدو ما يمنع العبور لان سبب الخوف متحقق وانما خفي المانع والله أعلم
* (باب صلاة الجمعة) * والاصل في فرض الجمعة الكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) فأمر بالسعي ومقتضى الامر الوجوب، ولا يجب السعي إلا إلى واجب.
والمراد بالسعي هنا الذهاب إليها لا الاسراع، فان
السعي في كتاب الله لا يراد به العدو قال الله تعالى (وأما من جاءك يسعى) وقال (وسعى لها سعيها) وقال (ويسعون في الارض فسادا) وقال (سعى في الارض ليفسد فيها) وأشباه هذا لم يرد بشئ منه العدو، وقد روي عن عمر انه كان يقرأ (فامضوا إلى ذكر الله) وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم " لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين " متفق عليه، وعن أبي الجعد الضميري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه " وقال عليه السلام " الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض " رواهما أبو داود.
وعن جابر قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " واعلموا ان الله تعالى قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومي هذا في شهري هذا من عامي هذا فمن تركها في حياتي أو بعد موتي وله امام عادل أو جائر استخفافا
بها أو جحودا بها فلا جمع الله له شمله ولا بارك الله أمره، ألا ولا صلاة له، ألا ولا زكاة له، ألا ولا حج له، ألا ولا صوم له، ولا بر له حتى يتوب، فان تاب تاب الله عليه " رواه ابن ماجة، وأجمع المسلمون على وجوب الجمعة * (مسألة) * (وهي واجبة على كل مسلم مكلف ذكر حر مستوطن ببناء ليس بينه وبين موضع الجمعة.
أكثر من فرسخ إذا لم يكن له عذر) يشترط لوجوب الجمعة ثمانية شروط: الاسلام والعقل والذكورية فهذه الثلاثة لا خلاف في اشتراطها لوجوب الجمعة وانعقادها لان الاسلام والعقل شرطان للتكليف وصحة العبادة المحضة،
والذكورية شرط لوجوب الجمعة وانعقادها لما ذكرنا من الحديث ولان الجمعة يجتمع لها الرجال والمرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال ولكن الجمعة تصح منها فان النبي صلى الله عليه وسلم كان النساء يصلين معه في الجماعة
الرابع البلوغ وهو شرط لوجوب الجمعة وانعقادها في الصحيح من المذهب للحديث المذكور وهذا قول أكثر أهل العلم ولان البلوغ من شرائط التكليف لقوله صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ " وذكر بعض أصحابنا في الصبي المميز رواية في وجوبها عليه بناء على تكليفه ولا معول عليه (والخامس) الحرية (السادس) الاستيطان بقرية وسنذكر ذلك في موضعه ان شاء الله تعالى (السابع) أن لا يكون بينه وبين موضع الجمعة أكثر من فرسخ، وهذا الشرط في حق غير أهل المصر، أما أهل المصر فيلزمهم كلهم الجمعة بعدوا أو قربوا، نص عليه أحمد، فقال أما أهل المصر فلابد لهم من شهودها سمعوا النداء أو لم يسمعوا، وذلك لان البلد الواحد يبنى للجمعة فلا فرق فيه
بين القريب والبعيد، ولان المصر لا يكاد يكون أكثر من فرسخ فهو في مظنة القرب فاعتبر ذلك وهو قول أصحاب الرأي ونحوه قول الشافعي.
فأما غير أهل المصر فمن كان بينه وبين الجامع فرسخ فما دون فعليه الجمعة وإلا فلا جمعة عليه.
وروي نحو هذا عن سعيد بن المسيب وهو قول مالك والليث، وروى عبد الله بن عمرو ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الجمعة على من سمع النداء " رواه أبو داود والاشبه انه من كلام بن عمرو ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال للاعمى الذي قال ليس لي قائد يقودني " أتسمع النداء؟ " قال نعم.
" قال فأجب " ولانه داخل في قوله تعالى (فاسعوا إلى ذكر الله) وروي عن ابن عمر وأبي هريرة وأنس والحسن ونافع وعكرمة وعطاء والاوزاعي انهم قالوا الجمعة على من أواه الليل إلى أهله لما روى أبو هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الجمعة على من أواه الليل إلى أهله " وقال أصحاب الرأي لا جمعة على من كان خارج المصر لان
عثمان رضي الله عنه صلى العيد في يوم جمعة ثم قال لاهل العوالي من أراد منكم أن ينصرف فلينصرف ومن أراد أن يقيم حتى يصلي الجمعة ولانهم خارج المصر فأشبهوا أهل الحلل
ولنا قول الله تعالى (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) وهذا يتناول أهل المصر إذا سمعوا النداء، وحديث عبد الله بن عمرو، ولانهم من أهل الجمعة يسمعون النداء فأشبهوا أهل المصر، وترخيص عثمان لاهل العوالي انما كان لانه إذا اجتمع عيدان اجتزئ بالعيد وسقطت الجمعة عمن حضر العيد غير الامام، وقياس أهل القرى على أهل الحلل لا يصح لان الحلل لا تعد للاستيطان ولا هم ساكنين بقرية ولا في موضع جعل لاستيطان.
وقد ذكر القاضي أن الجمعة تجب عليهم إذا كانوا بموضع يسمعون النداء كأهل القرية، وأما ما احتج به الآخرون من حديث أبي هريرة فهو غير صحيح يرويه عبد الله بن سعيد المقبري وهو ضعيف، قال أحمد بن الحسن ذكرت هذا الحديث لاحمد بن حنبل فغضب وقال استغفر ربك استغفر ربك، وانما فعل هذا لانه لم ير الحديث شيئا بحال اسناده قاله الترمذي.
وأما اعتبار حقيقة النداء فغير ممكن لانه قد يكون في الناس الاصم
وثقيل السمع، وقد يكون النداء بين يدي المنبر فلا يسمعه إلا أهل المسجد، وقد يكون المؤذن خفي الصوت، أو في يوم ريح، أو يكون المستمع نائما أو مشغولا بما يمنع السماع ويسمع من هو أبعد منه فيفضي إلى وجوبها على البعيد دون القريب، وما هذا سبيله ينبغي أن يقدر بمقدار لا يختلف والموضع الذي يسمع منه النداء في الغالب إذا كانت الاصوات هادئة والموانع منتفية والريح ساكنة والمؤذن صيت على موضع عال والمستمع غير ساه فرسخ أو ما قاربه فحد به والله أعلم * (فصل) * وأهل القرية لا يخلون من حالين: إما أن يكون بينهم وبين المصر أكثر من فرسخ لم يجب عليهم السعي إلى الجمعة وحالهم معتبر بأنفسهم، فان كانوا أربعين واجتمعت فيهم الشرائط فعليهم إقامة الجمعة ولهم السعي إلى المصر، والافضل إقامتها في قريتهم لانه متى سعى بعضهم اختل على الباقين اقامة الجمعة، وإذا أقاموا حضروها جميعهم ولان في اقامتها في موضعهم تكثير جماعات
المسلمين، وإن كانوا ممن لا تجب عليهم الجمعة بأنفسهم فهم مخيرون بين السعي إلى المصر وبين الاقامة ويصلون ظهرا، والسعي أفضل ليحصل لهم فضل الساعي إلى الجمعة ويخرجوا من الخلاف (الحال الثاني) أن يكون بينهم وبين المصر فرسخ فما دون، فان كانوا أقل من أربعين فعليهم السعي الي الجمعة لما بينا، وإن كانوا ممن تجب عليهم الجمعة بأنفسهم وكان موضع الجمعة القريب قرية أخرى لم يلزمهم السعي إليها وصلوا في مكانهم إذ ليس إحدى القريتين أولى من الاخرى، ولهم السعي إليها واقامتها في مكانهم أفضل كما ذكرنا، فان سى بعضهم فنقص عدد الباقين لزمهم السعي لئلا يؤدي إلى ترك الجمعة الواجبة وإن كان موضع الجمعة القريب مصرا فهم مخيرون أيضا بين السعي إليه واقامتها في مكانهم كالتي قبلها ذكره ابن عقيل، وعن أحمد ان السعي يلزمهم إلا أن يكون لهم عذر فيصلون جمعة والاول أصح، لان أهل القرية لا ينعقد بهم جمعة أهل المصر فكان لهم اقامة الجمعة في مكانهم
كالتي قبلها ولان أهل القرى يقيمون الجمع في بلاد الاسلام في مثل ذلك من غير نكير فكان اجماعا (الشرط الثامن) من انتفاء الاعذار وقد ذكرناها في آخر صلاة الجماعة بما يغني عن اعادتها، والمطر الذي يبل الثياب والوحل الذي يشق المشى فيه من جملة الاعذار.
وحكى عن مالك انه كان لا يجعل المطر عذرا في التخلف عنها.
ولنا أن ابن عباس أمر مؤذنه في يوم جمعة في يوم مطر فقال إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم.
قال فكان الناس استنكروا ذلك، فقال أتعجبون من ذا فعل هذا من هو خير منى.
إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم إليها فتمشون في الطين والدحض أخرجه مسلم ولانه عذر في ترك الجماعة، وقال أبو حنيفة لا تجب فكان عذرا في ترك الجمعة كالمرض * (فصل) * والعمى ليس بعذر في ترك الجمعة، وقال أبو حنيفة لا تجب على الاعمى.
ولنا عموم الآية والاخبار وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للاعمى الذي استأذنه في ترك الخروج إلى الصلاة " أتسمع النداء؟ قال نعم.
قال أجب " والله أعلم
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: