بَاب الذكر
قَالَ
اللَّه تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا
كَثِيرًا} [الأحزاب: 41]
أَخْبَرَنَا
أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بشْرَانَ
بِبَغْدَادَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ
الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ
الْبَرْدَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ أَبِي الدُّنْيَا قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي هِنْدٍ , عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ , عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ ,
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَلا أُنَبِّئْكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ
مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ
وَالْوَرَقِ وَأَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ
وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: مَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى
أَخْبَرَنَا
أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا الدَّيْرِيُّ , عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ , عَنْ عُمَرَ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ ثَابِتٍ , عَنْ أَنَسٍ ,
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تَقُومُ
السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: اللَّهَ اللَّهَ
أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُعَاذٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لا يُقَالُ فِي الأَرْضِ: اللَّهَ
اللَّهَ
قَالَ
الأستاذ: الذكر ركن قوى فِي طريق الحق سبحانه وتعالى بَل هُوَ العمدة فِي هَذَا
الطريق ولا يصل أحد إلى الله تَعَالَى إلا بدوام الذكر
والذكر
عَلَى ضربين: ذكر اللسان وذكر القلب فذكر اللسان بِهِ يصل العبد إِلَى استدامة ذكر
القلب والتأثير لذكر القلب فَإِذَا كَانَ العبد ذاكرا بلسانه وقلبه فَهُوَ الكامل
فِي وصفه فِي حال سلوكه.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق يَقُول الذكر منشور الولاية فمن وفق للذكر فَقَدْ أعطى
المنشور ومن سلب الذكر فَقَدْ عزب وقيل: إِن الشلبي كَانَ فِي ابتداء أمره ينزل
كُل يَوْم سربا ويحمل مَعَ نَفْسه حزمة من القضبان فكان إِذَا دَخَلَ قلبه غلفه
ضرب نَفْسه بتلك الخشب حَتَّى يكسرها عَلَى نَفْسه فربما كانت الحزمة تفنى قبل أَن
يمسى فكان يضرب بيديه ورجليه عَلَى الحائط وقيل: ذكر اللَّه بالقلب سَيْف المريدين
بِهِ يقاتلون أعداءهم وَبِهِ يدفعون الآفات الَّتِي يقصدهم وإن البلاء إِذَا أظل
العبد فَإِذَا فزع بقلبه إِلَى اللَّه تَعَالَى يحيد عَنْهُ فِي الحال كُل مَا
يكرهه.
وسئل
الواسطي عَنِ الذكر فَقَالَ: الخروج من ميدان الغفلة إِلَى فضاء المشاهدة عَلَى
غلبة الخوف وشدة الحب.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن الْحُسَيْن يَقُول:
سمعت أبا محمد البلاذري يَقُول: سمعت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن بَكْر يَقُول: سمعت ذا
النون الْمِصْرِي يَقُول: من ذكر اللَّه تَعَالَى ذكرا عَلَى الحقيقة نسى فِي جنب
ذكره كُل شَيْء وحفظ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ كُل شَيْء وَكَانَ لَهُ عوضا عَن
كُل شَيْء، وسمعته يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ المعلم يَقُول: سمعت أَحْمَد
المسجدي يَقُول: سئل أَبُو عُثْمَان فقيل لَهُ: نحن نذكر اللَّه تَعَالَى ولا نجد
فِي قلوبنا حلاوة فَقَالَ: احمدوا اللَّه تَعَالَى عَلَى أَن زين جارحة من جوارحكم
بطاعته، وَفِي الْخَبَر المشهور عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
إِذَا رأيتم
رياض الْجَنَّة فارتعوا فِيهَا، فقيل لَهُ: وَمَا رياض الْجَنَّة؟ فَقَالَ: مجالس
الذكر.
أَخْبَرَنَا
أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَلِيِّ بْنُ صَفْوَانَ الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا بْنُ أَبِي الدُّنْيَا
قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
بْنُ عَيَّاشٍ , عَنْ عُمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , أَنَّ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ صَفْوَانَ أَخْبَرَهُ , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَرَجَ
عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَأَيُّهَا
النَّاسُ، ارْتَعُوا فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا
رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: مَجَالِسُ الذِّكْرِ قَالَ: اغْدُوا وَرُوحُوا
وَاذْكُرُوا مَنْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ
تَعَالَى فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ مَنْزِلَةُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُ فَإِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى يُنْزِلُ الْعَبْدَ مِنْهُ حَيْثُ أَنْزَلَهُ مِنْ نَفْسِهِ
وسمعته
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت مُحَمَّد الفراء يَقُول: سمعت الشبلي
يَقُول: أليس اللَّه تَعَالَى يَقُول: أنا جليس من ذكرني؟ مَا الَّذِي استفدتم من
مجالسة الحق سبحانه، وسمعته يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن مُوسَى السلامي
يَقُول: سمعت الشبلي ينشد فِي مجلسه:
ذكرتك لا
أنى نسيتك لمحة ...
وأيسر مَا فِي الذكر ذكر لساني
وكدت بلا
وجد أموت من الهوى ... وهام
عَلَى القلب بالخفقان
فلما أراني
الوجد أنك حاضري ...
شهدتك موجودا بكل مكان
فخاطبت
موجودا بغير تكلم ...
ولاحظت معلوما بغير عيان
ومن خصائص
الذكر أَنَّهُ غَيْر مؤقت بَل مَا من وقت من الأوقات إلا والعبد مأمور بذكر اللَّه
تَعَالَى إِمَّا فرضا وإما ندبا والصلاة وإن كانت أشرف العبادات فَقَدْ لا تجوز
فِي بَعْض الأوقات والذكر بالقلب مستدام فِي عموم الحالات، قَالَ اللَّه تَعَالَى:
{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل
عمران: 191]
سمعت
الإِمَام أبا بَكْر بْن فورك رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُول: قياما بحق الذكر وقعودا
عَنِ الدعوى فِيهِ، سمعت الشيخ أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى يسأل الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق فَقَالَ: الذكر أتم أم الفكر؟ فَقَالَ
الأستاذ أَبُو عَلَى: مَا الَّذِي يقع للشيخ منه فَقَالَ الشيخ أَبُو عَبْد
الرَّحْمَنِ: عندي الذكر أتم من الفكر، لأن الحق سبحانه يوصف بالذكر ولا يوصف
بالفكر وَمَا وصف بِهِ الحق سبحانه أتم مَا اختص بِهِ الخلق فاستحسنه الأستاذ
أَبُو عَلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول:
سمعت الكتاني يَقُول: لولا أَن ذكره فرض عَلَى لما ذكرته إجلالا لَهُ مثلى يذكره
وَلَمْ يغسل فمه بألف توبة متقبلة عَن ذكره.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ ينشد لبعضهم:
مَا إِن
ذكرتك إلا هُمْ يزجرني ... قلب وسرى وروحي عِنْدَ ذكراكا
حَتَّى كأن
رقيبا منك يهتف بي ... إياك
ويحك والتذكار إياك
ومن خصائص
الذكر أَنَّهُ جعل فِي مقابلته الذكر قَالَ اللَّه تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي
أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] وَفِي خبر أَن جبريل عَلَيْهِ السَّلام قَالَ لرسول
اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِن اللَّه تَعَالَى: يَقُول أعطيت
أمتك مَا لَمْ أعط أمة من الأمم فَقَالَ: وَمَا ذاك يا جبريل؟ فَقَالَ: قَوْله
تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] لَمْ يقل هَذَا لأحد غَيْر
هذه الأمة.
وقيل: إِن
الْمَلِك يستأمر الذاكر فِي قبض روحه.
وَفِي بَعْض
الكتب أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام قَالَ: يا رب أين تسكن؟ فأوحى اللَّه تَعَالَى
إِلَيْهِ فِي قلب عبدى المؤمن ومعناه سكون الذكر فِي القلب فَإِن الحق سبحانه
وتعالى منزه عَن كُل سكون وحلول وإنما هُوَ إثبات ذكر وتحصيل.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ يَقُول: سمعت فارسا يَقُول: سمعت الثَّوْرِي يَقُول: سمعت ذا النون
الْمِصْرِي وسألته عَنِ الذكر فَقَالَ: غيبة الذاكر عَنِ الذكر ثُمَّ أنشأ يَقُول:
لا لأني أنساك أَكْثَر ذكراك ولكن بذاك يجرى لساني.
وَقَالَ سهل
بْن عَبْد اللَّهِ: مَا من يَوْم إلا والجليل سبحانه ينادي: عبدى مَا أنصفتني
أذكرك وتنساني وأدعوك إِلَى وتذهب إِلَى غيرى وأذهب عَنْك البلايا وأنت معتكف
عَلَى الخطايا يا ابْن آدم مَا تقول غدا إِذَا جئتني.
وَقَالَ
سلمان الداراني: إِن فِي الْجَنَّة قيعانا فَإِذَا أخذ الذاكر فِي الذكر أخذت
الملائكة فِي غرس الأشجار فِيهَا فربما يقف بَعْض الملائكة فيقال لَهُ: لَمْ وقفت
فيقال فتر صاحبي وَقَالَ الْحَسَن: تفقدوا الحلاوة فِي ثلاثة أشياء فِي الصلاة
والذكر وقراءة الْقُرْآن فَإِن وجدتم وإلا فاعلموا أَن الباب مغلق وَقَالَ حامد
الأسود: كنت مَعَ إِبْرَاهِيم الخواص فِي سفر فجئنا إِلَى موضع فِيهِ حيات كثيرة
فوضع ركوته وجلس وجلست فلما كَانَ برد الليل وبرد الهواء خرجت الحيات فصحت بالشيخ
فَقَالَ: اذكر اللَّه تَعَالَى فذكرت فرجعت ثُمَّ عادت فصحت بِهِ فَقَالَ: مثل
ذَلِكَ فلم أزل إِلَى الصباح فِي مثل تلك الحالة فلما أصبحنا قام ومشى ومشيت
مَعَهُ فسقطت من وطائه حية عظيمة قَدْ تطوقت بِهِ فَقُلْتُ: مَا أحسست بِهَا
فَقَالَ: لا منذ زمان مَا بت ليلة أطيب من البارحة وَقَالَ أَبُو عُثْمَان: من
لَمْ يذق وحشة الغفلة لَمْ يجد طعم أَنَس الذكر.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ
الذبياني يَقُول: سمعت الجريري يَقُول: سمعت الجنيد يَقُول: سمعت السري يَقُول:
مكتوب فِي بَعْض الكتب الَّتِي أنزل اللَّه تَعَالَى إِذَا كَانَ الغالب عَلَى
عبدى ذكرى عشقني وعشقته وبإسناده أَنَّهُ أوحى اللَّه تَعَالَى إِلَى دَاوُد
عَلَيْهِ السَّلام بي فافرحوا وبذكري فتنعموا
وَقَالَ
النوري: لكل شَيْء عقوبة وعقوبة العارف انقطاعه عَنِ الذكر وَفِي الإنجيل اذكرني
حِينَ تغضب أذكرك حِينَ أغضب وارض بنصرتي لَك فَإِن نصرتي لَك خير لَك من نصرتك
لنفسك وقيل لراهب: أَنْتَ صائم فَقَالَ: صائم بذكره فَإِذَا ذكرت غيره أفطرت وقيل:
إِذَا تمكن الذكر من القلب فَإِن دنا منه الشَّيْطَان صرع كَمَا يصرع الإِنْسَان
إِذَا دنا منه الشَّيْطَان فتجتمع إِلَيْهِ الشياطين فيقولون مَا لِهَذَا فيقال
قَدْ مسه الإنس وَقَالَ سهل مَا أعرف معصية أقبح من نسيان هَذَا الرب وقيل: الذكر
الخفي لا يرفعه الْمَلِك لأنه لا اطلاع لَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ سر بَيْنَ العبد وبين
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ: بَعْضهم وصف لي ذاكر فِي أجمة فأتيته فبينا هُوَ
جالس إِذَا سبع عظيم ضربه ضربة واستلب منه قطعة فغشى عَلَيْهِ وعلى فلما أفاق
قُلْت: مَا هَذَا فَقَالَ: قيض اللَّه هَذَا السبع عَلَى فكلما دخلتني فترة عضني
عضة كَمَا رأيت.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ يَقُول: سمعت الْحُسَيْن بْن يَحْيَي يَقُول: سمعت جَعْفَر
بْن نصير يَقُول: سمعت الجريري يَقُول: كَانَ بَيْنَ أَصْحَابنا رجل يكثر أَن
يَقُول اللَّه اللَّه فوقع يوما عَلَى رأسه جذع فانشج رأسه وسقط الدم فاكتتب عَلَى
الأَرْض اللَّه اللَّه.
بَاب الفتوة
قَالَ
اللَّه تَعَالَى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}
[الكهف: 13] قَالَ الأستاذ: أصل الفتوة أَن يَكُون العبد أبدا فِي أمر غيره قَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يزال اللَّه تَعَالَى فِي حاجة العبد مَا
دام العبد فِي حاجة أخيه المسلم
أَخْبَرَنَا
بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الأَسْلَمِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمَزَ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لا يَزَالُ اللَّهُ تَعَالَى فِي
حَاجَةِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ
سمعت
الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق يَقُول هَذَا الخلق لا يَكُون كماله إلا لرسول اللَّه
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِن كُل أحد فِي الْقِيَامَة يَقُول: نفسي
نفسي وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: أمتي أمتي.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن
الْحُسَيْن يَقُول: سمعت أبا جَعْفَر الفرغاني يَقُول: سمعت الجنيد يَقُول: الفتوة
بالشأم واللسان بالعراق والصدق بخراسان.
وسمعته
يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد الرازي يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن نصير
بْن مَنْصُور الصائغ يَقُول: سمعت ابْن مردويه الصائغ يَقُول: سمعت الفضل يَقُول:
الفتوة الصفح عَن عثرات الإخوان.
وقيل:
الفتوة أَن لا ترى لنفسك فضلا عَلَى غيرك وَقَالَ أَبُو بَكْر الوراق الفتى من لا
يَكُون خصما لأحد.
وَقَالَ
مُحَمَّد بْن عَلِيّ الترمذي: الفتوة أَن تكون خصما لربك عَلَى نفسك ويقال: الفتى
من لا خصم لَهُ
سمعت
الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق يَقُول: سمعت النصرأباذي يَقُول سمي أَصْحَاب الكهف
فتية، لأنهم آمنوا بالله تَعَالَى بلا واسطة وقيل: الفتى من كسر الصنم قَالَ
اللَّه تَعَالَى: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}
[الأنبياء: 60] وَقَالَ تَعَالَى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} [الأنبياء: 58] وصنم
كُل إِنْسَان نَفْسه فمن خالف هواه فَهُوَ فتى عَلَى الحقيقة.
وَقَالَ
الحرث المحاسبي: الفتوة أَن تنصف ولا تنتصف وَقَالَ عَمْرو بْن عُثْمَان المكي:
الفتوة حسن الخلق.
وسئل الجنيد
عَنِ الفتوة فَقَالَ: أَن لا تنافر فقيرا ولا تعارض غنيا وَقَالَ النصرأباذي:
المروءة شُعْبَة من الفتوة وَهُوَ الإعراض عَنِ الكونين والأنفة منهما وَقَالَ
مُحَمَّد بْن عَلِيّ الترمذي: الفتوة أَن يستوي عندك المقيم والطارئ.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت عَلِي بْن عُمَر الحافظ يَقُول: سمعت أبا
سهل بْن زِيَاد يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد بْن حنبل يَقُول سئل أَبِي
مَا الفتوة؟ فَقَالَ: ترك مَا تهوى لما تخشى وقيل لبعضهم: مَا الفتوة فَقَالَ: أَن
لا يميز بَيْنَ أَن يأكل عنده ولى أَوْ كافر.
سمعت بَعْض
الْعُلَمَاء يَقُول: استضاف مجوسي إِبْرَاهِيم الخليل عَلَيْهِ السَّلام فَقَالَ:
بشرط أَن تسلم فمر المجوسي فأوحى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ: منذ خمسين سنة نطمعه
عَلَى كفره فلو ناولته لقمة من غَيْر أَن تطالبه بتغيير دينه فمضى إِبْرَاهِيم
عَلَيْهِ السَّلام عَلَى أثره حَتَّى أدركه واعتذر إِلَيْهِ فسأله عَنِ السبب فذكر
ذَلِكَ لَهُ فأسلم المجوسي.
وَقَالَ
الجنيد: الفتوة كف الأذى وبذل الندى وَقَالَ سهل بْن عَبْد اللَّهِ: الفتوة اتباع السنة
وقيل: الفتوة الوفاء والحفاظ وقيل: الفتوة فضيلة تأتيها ولا ترى نفسك فِيهَا وقيل:
الفتوة أَن لا تهرب إِذَا أقبل السائل
وقيل: أَن
لا تحتجب من القاصدين وقيل: أَن لا تدخر ولا تعتذر وقيل: إظهار النعمة وإسرار
المحنة.
وقيل أَن
تدعو عشرة أنفس فلا تتغير إِن جاء تسعة أَوْ أحد عشر وقيل: الفتوة ترك التمييز.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: قَالَ أَحْمَد بْن خضرويه لأمرأته أم عَلَى
أريد أَن أتخذ دعوة أدعو عيارا شاطرا كَانَ فِي بلدهم رأس الفتيان قَالَت امرأته:
إنك لا تهتدي إِلَى دعوة الفتيان فَقَالَ: لابد فَقَالَتْ: إِن فعلت فاذبح الأغنام
والبقر والحمر وألقها من بَاب دار الرجل إِلَى بَاب دارك فَقَالَ: أما الأغنام
والبقر فأعلم فَمَا بال الحمر فَقَالَتْ تدعو فتى إِلَى دارك فلا أقل من أَن
يَكُون لكلاب المحلة خير.
وقيل: اتخذ
بَعْضهم دعوة وفيهم شيخ شيرازي فلما أكلوا وقع عَلَيْهِم النوم فِي حال السماع
فَقَالَ الشيخ الشيرازي لصاحب الدعوة: إيش السبب فِي نومنا فَقَالَ: لا أدري
اجتهدت فِي جَمِيع مَا أطعمتكم إلا الباذنجان فلم أسأل عَنْهُ فلما اصبحوا سألوا
بياع الباذنجان فَقَالَ: لَمْ يكن لي شَيْء فسرقت الباذنجان من الموضع الفلاني
وبعته فحملوه إِلَى صاحب الأَرْض ليجعله فِي حل فَقَالَ الرجل: تسألون مني ألف
باذنجانة قَدْ وهبته تلك الأَرْض ووهبته ثورين وحمارا وآلة الحرث لئلا يعود إِلَى
مثل مَا فعل.
وقيل: تزوج
رجل بامرأة فقبل الدخول ظهر بالمرأة الجدري فَقَالَ: الرجل اشتكت عيني ثُمَّ
قَالَ: عميت فزفت إِلَيْهِ المرأة ثُمَّ ماتت بَعْد عشرين سنة ففتح الرجل عينيه
فقيل لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لَمْ أعم ولكن تعاميت حذرا أَن تحزن فقيل لَهُ سبقت
الفتيان.
وَقَالَ ذو
النون الْمِصْرِي من أراد الظرف فَعَلَيْهِ بسقاة الماء ببغداد
فقيل لَهُ
كَيْفَ هُوَ فَقَالَ: لما حملت إِلَى الخليفة فيما نسب إِلَى من الزندقة رأيت سقاء
عَلَيْهِ عمامة وَهُوَ مترد بمنديل مصري وبيده كيزان خزف رقاق فَقُلْتُ: هَذَا
ساقى السلطان فَقَالُوا: لا هَذَا ساقي العامة فأخذت الكوز وشربت وقلت لمن معى
أعطه دِينَار فلم يأخذ وَقَالَ: أَنْتَ أسير وليس من الفتوة أَن نأخذ منك شَيْئًا
وقيل: لَيْسَ من الفتوة أَن تربح عَلَى صديقك قاله بَعْض أصدقائنا رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ فتى يسمى أَحْمَد بْن سهل التاجر وَقَد اشتريت منه خرقة
بياض فأخذ الثمن رأس ماله فَقُلْتُ: ألا تأخذ ربحا فَقَالَ: أما الثمن فآخذه ولا
أحملك منه لأنه لَيْسَ لَهُ من الخطر مَا أتخلق بِهِ معك ولكن لا آخذ الربح إذ
لَيْسَ من الفتوة أَن تربح عَلَى صديقك.
وقيل: خرج
إِنْسَان يدعى الفتوة من نيسابور إلى نسا فاستضافه رجل ومعه جَمَاعَة من الفتيان،
فلما فرغوا من الطعام خرجت جارية تصب الماء عَلَى أيديهم فانقبض النَّيْسَابُورِيّ
عَن غسل اليد وَقَالَ: لَيْسَ من الفتوة أَن تصب النسوان الماء على أيدي الرجال.
فَقَالَ
واحد مِنْهُم: أنا منذ سنين أدخل هذه الدار لَمْ أعلم أَن امْرَأَة تصب الماء
عَلَى أيدينا أم رجلا.
سمعت منصورا
المغربي يَقُول: أراد واحد أَن يمتحن نوحا العيار النَّيْسَابُورِيّ فباع منه
جارية فِي زي غلام وشرط أَنَّهُ غلام وكانت وضيئة الوجه فاشتراها نوح عَلَى
أَنَّهَا غلام ولبثت عنده شهورا كثيرة، فقيل للجارية هل علم أنك جارية؟ فَقَالَتْ:
لا إنه مَا مسني ويتوهم أني غلام وقيل: إِن بَعْض الشطار طلب منه تسليم غلام كَانَ
يخدمه إِلَى السلطان فأبي فضرب ألف سوط فلم يسلم فاتفق أَنَّهُ احتلم تلك الليلة
وَكَانَ بردا شديدا فلما أصبح اغتسل بالماء البارد فقيل لَهُ خاطرت بروحك فَقَالَ:
استحييت من اللَّه تَعَالَى أَن أصبر عَلَى ضرب ألف سوط لأجل مخلوق ولا أصبر عَلَى
مقاساة برد الاغتسال لأجله.
وقيل: قدم
جَمَاعَة من الفتيان لزيارة وحد يدعى الفتوة فَقَالَ الرجل: يا غلام قدم السفرة
فلم يقدم فَقَالَ الرجل: ثانيا وثالثا فنظر بَعْضهم إِلَى بَعْض وَقَالُوا: لَيْسَ
من الفتوة أَن يستخدم الرجل من يتعاصى عَلَيْهِ فِي تقديم السفرة كُل هَذَا
فَقَالَ الرجل: لَمْ أبطأت بالسفرة فَقَالَ الغلام: كَانَ عَلَيْهَا نمل فلم يكن
من الأدب تقديم السفرة إِلَى الفتيان مَعَ النمل وَلَمْ يكن من الفتوة إلقاء النمل
من السفرة فلبثت حَتَّى دب النمل فَقَالُوا: دققت يا غلام مثلك من يخدم الفتيان.
وقيل: إِن
رجلا نام بالمدينة من الحاج فتوهم أَن هميانه سرق فخرج فرأى جعفرا الصادق فتعلق
بِهِ وَقَالَ: أخذت همياني فَقَالَ: إيش كَانَ فِيهِ؟ فَقَالَ: ألف دِينَار فأدخله
داره ووزن لَهُ ألف دِينَار فرجع الرجل إِلَى منزله ودخل بيته فرأى هميانه فِي
بيته وَقَدْ كَانَ توهم أَنَّهُ سرق فخرج إِلَى جَعْفَر معتذر ورد عَلَيْهِ
الدنانير فأبي أَن يقبلها وَقَالَ شَيْء أخرجته من يدي لا أسترده فَقَالَ الرجل:
من هَذَا؟ فقيل جَعْفَر الصادق.
وقيل: سأل
شقيق البلخي جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنِ الفتوة فَقَالَ: مَا تقول أَنْتَ؟ فَقَالَ
شقيق: إِن أعطينا شكرنا وإن منعنا صبرنا قَالَ جَعْفَر الكلاب عندنا بالمدينة
كَذَلِكَ نفعل فَقَالَ شقيق: يا ابْن بنت رَسُول اللَّهِ مَا الفتوة عندكم؟
فَقَالَ: إِن أعطينا آثرنا وإن منعنا شكرنا.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت أبا بَكْر الرازي يَقُول: سمعت الجريري
يَقُول دعانا أَبُو الْعَبَّاس بْن مسروق ليلة إِلَى بيته فاستقبلنا صديق لنا
فقلنا ارجع معنا فنحن فِي ضيافة الشيخ فَقَالَ: إنه لَمْ يدعني فقلنا نحن نستثني
كَمَا استثنى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا
فرددناه
فلما بلغ بَاب الشيخ أخبرناه بِمَا قَالَ وقلنا فَقَالَ: جعلت موضعي من قلبك أَن
تجئ إِلَى منزلي من غَيْر دعوة عَلَى كَذَا وكذا إِن مشيت إِلَى الموضع الَّذِي
تقعد فِيهِ إلا عَلَى خدي وألح عَلَيْهِ ووضع خده عَلَى الأَرْض وحمل الرجل , فوضع
قدمه عَلَى خده من غَيْر أَن يوجعه وسحب الشيخ وجهه عَلَى الأَرْض إِلَى أَن بلغ
موضع جلوسه.
قَالَ
الأستاذ: واعلم أَن من الفتوة الستر عَلَى عيوب الأصدقاء لا سيما إِذَا كَانَ
لَهُمْ فِيهِ شماتة الأعداء.
سمعت الشيخ أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول:
كَانَ يقال للنصرأباذي كثيرا: إِن عليا القوال يشرب بالليل ويحضر مجلسك بالنهار وَكَانَ لا يسمع فِيهِ مَا يقال فاتفق أَنَّهُ كَانَ يمشى
يوما ومعه واحد مِمَّن يذكر عليا بِذَلِكَ فوجد عليا مطروحا فِي موضع وَقَدْ ظهر عَلَيْهِ أثر
السكر وصار بحيث يغسل فمه فَقَالَ: الرجل إِلَى كم نقول للشيخ ولا يسمع؟ هَذَا عَلَى
الوصف الَّذِي نقول فنظر إِلَيْهِ النصر أباذي وَقَالَ للعذول: احمله عَلَى رقبتك وانقله إِلَى
منزله فلم يجد بدا من طاعته فِيهِ، وسمعته يَقُول: سمعت أبا عَلِيّ الفارسي يَقُول: سمعت
المرتعش يَقُول: دخلنا مَعَ أَبِي حفص عَلَى مريض نعوده ونحن جَمَاعَة فَقَالَ للمريض:
أتحب أَن تبرأ فَقَالَ: نعم فَقَالَ: لأَصْحَابه تحملوا عَنْهُ فقام العليل وخرج معنا وأصبحنا
كلنا أَصْحَاب فراش نعاد.
الكلمات المفتاحية :
التربية و السلوك
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: