باب الحرية
قَالَ
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ
خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] قَالَ: إِنَّمَا آثروا عَلَى أنفسهم لتجردهم عما خرجوا منه
وآثروا بِهِ.
أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الأَهْوَازِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ
الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي قُمَاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ صَالِحِ بْنِ النَّطَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ مُورَعِ بْنِ
تَوْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْمَكِّيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنٍ
طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ مَا قَنَعَتْ بِهِ نَفْسُهُ
وَإِنَّمَا يَصِيرُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ وَشِبْرٍ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ
الأَمْرُ إِلَى آخِرِهِ "
قَالَ
الأستاذ: الحرية أَن لا يَكُون العبد تَحْتَ رق المخلوقات ولا يجرى عَلَيْهِ سلطان
المكونات وعلامة صحته: سقوط التمييز عَن تنبيه بَيْنَ الأشياء فيتساوى شدة أخطار
الأعراض.
قَالَ حارثة
رضى اللَّه عَنْهُ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عزفت نفسي عَنِ
الدنيا فاستوى عندي حجرها وذهبها.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُول: من دَخَلَ الدنيا
وَهُوَ عَنْهَا حر ارتحل إِلَى الآخرة وَهُوَ عَنْهَا حر.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت أبا مُحَمَّد المراغي , يحكي عَنِ الدقي ,
عَنِ الدقاق , أَنَّهُ كَانَ يَقُول: من كَانَ فِي الدنيا حرا منها كَانَ فِي
الآخرة حرا منها قَالَ الأستاذ: واعلم أَن حقيقة الحرية فِي كمال العبودية فَإِذَا
صدقت لِلَّهِ تَعَالَى عبوديته خلصت عَن رق الأغيار حريته
فأما من
توهم أَن العبد يسلم لَهُ أَن يخلع وقتا عذار العبودية ويحيد بلحظة عَن حد الأمر
والنهي وَهُوَ مميز فِي دار التكليف فذلك أنسلاخ من الدين قَالَ اللَّه سبحانه
لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ
الْيَقِينُ} [الحجر: 99] يَعْنِي الأجل وعليه أجمع المفسرون وأن الَّذِي أشار
إِلَيْهِ الْقَوْم من الحرية هُوَ أَن لا يَكُون العبد بقلبه تَحْتَ رق شَيْء من
المخلوقات لا من أعراض الدنيا ولا من أعراض الآخرة فيكون فرد الفرد لَمْ يسترقه
عاجل دنيا ولا حاصل هوى ولا آجل منى ولا سؤال ولا قصد ولا أرب ولا حظ وقيل للشبلي:
ألا تعلم أَنَّهُ رحمن فَقَالَ: بلى ولكن منذ عرفت رحمته مَا سألته أَن يرحمني
ومقام الحرية عزيز.
سمعت الشيخ
أبا عَلِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُول كَانَ أَبُو الْعَبَّاس السياري
يَقُول: لو صحت صلاة بغير قرآن لصحت بِهَذَا الْبَيْت: أتمنى عَلَى الزَّمَان
محالا أَن ترى مقلتاي طلعة حر وَأَمَّا أقاويل المشايخ فِي الحرية فَقَالَ
الْحُسَيْن بْن مَنْصُور من أراد الحرية فليصل العبودية.
وسئل الجنيد
عمن لَمْ يبق عَلَيْهِ من الدنيا إلا مقدار مص نواة فَقَالَ: المكاتب عَبْد مَا
بقي عَلَيْهِ درهم.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت أبا بَكْر الرازي يَقُول: سمعت أبا
عُمَر الأنماطي يَقُول: سمعت الجنيد يَقُول إنك لا تصل إِلَى صريح الحرية وعليك من
حقيقة عبوديته بقية وَقَالَ بشر الحافي: من أراد أَن يذوق طعم الحرية ويستريح من
العبودية فليطهر السريرة بينه وبين اللَّه تَعَالَى وَقَالَ الْحُسَيْن بْن
مَنْصُور إِذَا استوفى العبد مقامات العبودية كلها يصير حرا من تعب
العبودية
فيترسم بالعبودية بلا عناء ولا كلفه ذَلِكَ مقام الأنبياء والصديقين يَعْنِي يصير
محمولا لا يلحقه بقلبه مشقة وإن كَانَ متحليا بِهَا شرعا أنشدنا الشيخ أَبُو عَبْد
الرَّحْمَنِ قَالَ: أنشدنا أَبُو بَكْر الرازي قَالَ: أنشدني مَنْصُور الفقيه
لنفسه: لما بقي فِي الأنس حر لا ولا فِي الجن حر قَدْ مضى حر الفريقين فحلو العيش
مر واعلم أَن معظم الحرية فِي خدمة الفقراء.
سمعت الشيخ
أبا عَلِيّ الدقاق يَقُول أوحي اللَّه تَعَالَى إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلام:
إِذَا رأيت لي طالبا فكن لَهُ خادما وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
سيد الْقَوْم خادمهم.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن الفضل يَقُول:
سمعت مُحَمَّد بْن الرومي يَقُول: سمعت يَحْيَي بْن معاذ يَقُول: أبناء الدنيا
تخدمهم الإماء والعبيد وأبناء الآخرة تخدمهم الأحرار والأبرار.
وسمعته يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن عُثْمَان
بْن يَحْيَي يَقُول: سمعت عَلِي بْن مُحَمَّد الْمِصْرِي يَقُول: سمعت يُوسُف بْن مُوسَى يَقُول: سمعت بْن خيبق يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ
يَقُول: سمعت إِبْرَاهِيم بْن أدهم يَقُول: إِن الحر الكريم يخرج من الدنيا قبل أَن يخرج منها
وَقَالَ إِبْرَاهِيم بْن أدهم: لا تصحب إلا حرا كريما يسمع ولا يتكلم.
الكلمات المفتاحية :
التربية و السلوك
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: