بَاب الفراسة
قَالَ
اللَّه تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75] قيل:
للمتفرسين.
أَخْبَرَنَا
الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الرَّازِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ السَّكَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى
بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْكُوفِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ , عَنْ عَطِيَّةَ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقُوا فِرَاسَةَ
الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ
الأستاذ: الفراسة خاطر يهجم عَلَى القلب فينفى مَا يضاده وَلَهُ عَلَى القلب حكم
اشتقاقا من فريسة السبع وليس فِي مقابلة الفراسة مجوزات للنفس وَهِيَ عَلَى حسب
قوة الإيمان فَكُل من كَانَ أقوى إيمانا كن أحد فراسة
وَقَالَ
أَبُو سَعِيد الخراز: من نظر بنور الفراسة نظر بنور الحق وتكون مواد علمه من الحق
بلا سهو.
ولا غفلة
بَل حكم حق جرى عَلَى لسان عَبْد.
وقوله: نظر
بنور الحق يعنى بنور خصه بِهِ الحق سبحانه.
وَقَالَ
الواسطي: إِن الفراسة سواطع أنوار لمعت فِي القلوب وتمكين معرفة حملت السرائر فِي
الغيوب من غيب إِلَى غيب حَتَّى يشهد الأشياء من حيث أشهده الحق سبحانه إياها
فيتكلم عَلَى ضمير الخلق.
ويحكى عن
أَبِي الْحَسَن الديلمي أَنَّهُ قَالَ: دخلت أنطاكية لأجل أسود قيل لي إنه يتكلم
عَلَى الأسرار فأقمت فِيهَا إِلَى أَن أخرج من جبل لكام ومعه شَيْء من المباح
يبيعه وكنت جائعا منذ يومين لَمْ آكل شَيْئًا فَقُلْتُ لَهُ: بكم هَذَا وأوهمت أني
أشتري مَا بَيْنَ يديه فَقَالَ: اقعد ثُمَّ حَتَّى إِذَا بعناه نعطيك
مَا تشتري
بِهِ شَيْئًا فتركه وسرت إِلَى غيره أوهمه أني أساومه ثُمَّ رجعت إِلَيْهِ وقلت
لَهُ إِن كنت تبيع هَذَا فقل لي بكم؟ فَقَالَ: إِنَّمَا جعت يومين أقعد ثُمَّ
حَتَّى إِذَا بعناه نعطيك مَا تشترى بِهِ شَيْئًا فقعدت فلما باعه أعطاني شَيْئًا
ومشى فتبعته فالتفت إِلَى وَقَالَ إِذَا عرض لَك حاجة فأنزلها بالله تَعَالَى إلا
أَن يَكُون لنفسه بها حظ فتحجب عَنِ اللَّه تَعَالَى.
وسمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول: سمعت
الكتاني يَقُول الفراسة مكاشفة اليقين ومعاينة الغيب وَهِيَ من مقامات الإيمان.
وقيل: كَانَ
الشَّافِعِي ومحمد بْن الْحَسَن رحمهما اللَّه تَعَالَى فِي الْمَسْجِد الحرام
فدخل رجل فَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن: أتفرس أَنَّهُ نجار، وَقَالَ
الشَّافِعِي: أتفرس أَنَّهُ حداد فسألاه فَقَالَ: كنت قبل هَذَا حدادا والساعة
أنجر وَقَالَ أَبُو سَعِيد الخراز: المستنبط من يلاحظ الغيب أبدا ولا يغيب عَنْهُ
ولا يخفى عَلَيْهِ شَيْء وَهُوَ الَّذِي دل عَلَيْهِ قَوْل تَعَالَى: {لَعَلِمَهُ
الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] والمتوسم هُوَ الَّذِي يعرف
الوسم وَهُوَ العارف بِمَا فِي سويداء القلوب بالاستدلال والعلامات قَالَ اللَّه
تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75] أي للعارفين
بالعلامات الَّتِي يبديها عَلَى الفريقين من أوليائه وأعدائه والمتفرس ينظر بنور
اللَّه تَعَالَى وَذَلِكَ سواطع أنوار لمعت فِي قلبه فأدرك بِهَا المعاني وَهُوَ
من خواص الإيمان وَالَّذِينَ هُمْ أَكْثَر من حظا الربانيون قَالَ اللَّه
تَعَالَى: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79] يعنى: علماء حكماء متخلقين
بأخلاق الحق نظرا وخلقا وَهُمْ فارغون عَنِ الإخبار عَنِ الخلق والنظر إليهم
والاشتغال بِهِمْ وقيل: كَانَ أَبُو القاسم المنادي مريضا وَكَانَ كبير الشأن من
مشايخ نيسابور فعاده
أَبُو
الْحَسَنِ البوشنجي , والحسن الحداد , واشتريا بنصف درهم تفاحا فِي الطريق نسيئة
وحملاه إِلَيْهِ فلما قعدا قَالَ أَبُو القاسم: مَا هذه الظلمة فخرجا وَقَالا: إيش
فعلنا؟ وتفكرا فقالا: لعلنا لَمْ نؤد ثمن التفاح فأعطيا الثمن وعادا إِلَيْهِ فلما
وقع بصره عليهما قَالَ: يمكن الإِنْسَان أَن يخرج من الظلمة بِهَذِهِ السرعة
أخبراني عَن شأنكما فذكرا لَهُ القصة فَقَالَ: نعم كَانَ يعتمد كُل واحد منكما
عَلَى صاحبه فِي إعطاء الثمن والرجل يستحي منكما فِي التقاضي فكان يتقي التبعة وأنا
السبب إِنَّمَا رأيت ذَلِكَ فيكما وَكَانَ أَبُو القاسم المنادي هَذَا يدخل السوق
كُل يَوْم ينادى فَإِذَا وقع بيده مَا فِيهِ كفايته من دانق إِلَى نصف درهم خرج
وعاد إِلَى رأس وقته ومراعاة قلبه، وَقَالَ الْحُسَيْن بْن مَنْصُور
الحق إِذَا
استولى عَلَى سر ملكه الأسرار فيعاينها ويخبر عَنْهَا، وسئل بَعْضهم عَنِ الفراسة
فَقَالَ: أرواح تتقلب فِي الملكوت فتشرف عَلَى معاني الغيوب فتنطق عَن أسرار الخلق
نطق مشاهدة لا نطق ظن وحسبان، وقيل: كَانَ بَيْنَ زَكَرِيَّا الشختني وبين
امْرَأَة سبب قبل توبته فكان يوما واقفا عَلَى رأس أَبِي عُثْمَان الحيري بَعْد
مَا صار من خواص تلامذته فتفكر فِي شأنها فرفع أَبُو عُثْمَان رأسه إِلَيْهِ
وَقَالَ: أما تستحيي.
قَالَ
الأستاذ الإِمَام رَحِمَهُ اللَّهُ كنت فِي ابتداء وصلتي بالأستاذ أَبِي عَلِي رضى
اللَّه عَنْهُ عقد لي المجلس فِي مَسْجِد المطرز فاستأذنته وقتا للخروج إِلَى نسا
فأذن لي فكنت أمشى مَعَهُ يوما فِي طريق مجلسه فخطر ببالي ليته يتوب عنى فِي
مجالسي أَيَّام غيبتي فالتفت إِلي وَقَالَ أنوب عَنْك أَيَّام غيبتك فِي عقد
المجالس فمشيت قليلا فخطر ببالي أَنَّهُ عليل يشق عَلَيْهِ أَن ينوب عنى فِي الأسبوع
يومين فليته يقتصر عَلَى يَوْم واحد فِي الأسبوع فالتفت إلي وَقَالَ: إِن لَمْ
يمكني فِي الأسبوع يومان أنوب عَنْك فِي الأسبوع مرة واحدة فمشيت مَعَهُ قليلا ,
فخطر ببالي شَيْء ثالث فالتفت إلي وصرح بالإخبار عَنْهُ عَلَى القطع.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت جدى أبا عَمْرو بْن نجيد يَقُول: كَانَ
شاه الكرماني حاد الفراسة لا يخطئ وَيَقُول: من غض بصره عَنِ المحارم
وأمسك
نَفْسه عَنِ الشهوات وعمر باطنه بدوام المراقبة وظاهره باتباع السنة وتعود أكل
الحلال لَمْ تخطئ فراسته، وسئل أَبُو الْحَسَنِ النوري من أين تولدت فراسة
المتفرسين فَقَالَ: من قَوْله تَعَالَى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر:
29] فمن كَانَ حظه من ذَلِكَ النور أتم كانت مشاهدته أحكم وحكمه بالفراسة أصدق ألا
ترى كَيْفَ أوجب نفخ الروح فِيهِ السجود لَهُ بقوله تَعَالَى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29] قَالَ
الأستاذ: وَهَذَا الْكَلام من أَبِي الْحَسَن النوري فِيهِ أدنى غموض وإبهام بذكر
نفخ الروح لا لتصويب من يَقُول بقدم الأرواح ولا كَمَا يلوح لقلوب المستضعفين
فَإِن الَّذِي يصح عَلَيْهِ النفخ والاتصال والانفصال فَهُوَ قابل للتأثير
والتغيير وَذَلِكَ من سمات الحدوث وإن اللَّه سبحانه وتعالى خص الْمُؤْمِنيِنَ
ببصائر وأنوار بِهَا يتفرسون وَهِيَ فِي الحقيقة معارف وعليه يحمل قَوْله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ ينظر بنور اللَّه أي: بعلم وبصيرة يخصه
اللَّه تَعَالَى بِهِ ويفرده بِهِ من دُونَ أشكاله , وتسمية العلوم والبصائر أنوار
غَيْر مستبدع ولا يبعد وصف ذَلِكَ بالنفخ والمراد منه الخلق.
وَقَالَ
الْحُسَيْن بْن مَنْصُور: المتفرس هُوَ المصيب بأول مرماه إِلَى مقصده ولا يعرج
عَلَى تأويل وظن وحسبان وقيل: فراسة المريدين تكون ظنا يوجب تحقيقا وفراسة
العارفين تحقيق يوجب حقيقة وَقَالَ أَحْمَد بْن عَاصِم الأنطاكي: إِذَا جالستم أهل
الصدق فجالسوهم بالصدق فإنهم جواسيس القلوب يدخلون فِي قلوبكم ويخرجون منها من حيث
لا تحسون.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول: سمعت
الخلدي
يَقُول: سمعت أبا جَعْفَر الحداد يَقُول: الفراسة أول خاطر بلا معارض فَإِن عارض
معارض من جنسه فَهُوَ خاطر وحَدِيث نفس.
ويحكى عَن
أَبِي عَبْد اللَّهِ الرازي نزيل نيسابور قَالَ كساني ابْن الأنباري صوفا ورأيت
عَلَى رأس الشبلي قلنسوة ظريفة تليق بِذَلِكَ الصوف فتمنيت فِي نفسي أَن يكونا
جميعا لي فلما قام الشبلي من مجلسه التفت إِلَى فتبعته وَكَانَ عادته إِذَا أراد
أَن أتبعه يلتفت إِلَى فلما دَخَلَ داره دخلت فَقَالَ: انزع الصوف فنزعنه فلفه
وطرح القلنسوة عَلَيْهِ ودعا بنار فأحرقهما.
وَقَالَ
أَبُو حفص النَّيْسَابُورِيّ: لَيْسَ لأحد أَن يدعى الفراسة ولكن يتقى الفراسة من
الغير، لأن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اتقوا فراسة المؤمن
وَلَمْ يقل تفرسوا وكيف يصح دعوى الفراسة لمن هُوَ فِي محل اتقاء الفراسة وَقَالَ
أَبُو الْعَبَّاس بْن مسروق: دخلت عَلَى شيخ من أَصْحَابنا أدعوه فوجدته عَلَى حال
رثة فَقُلْتُ فِي نفسي: من أين يرتزق هَذَا الشيخ فَقَالَ: يا أبا الْعَبَّاس دع
عَنْك هذه الخواطر الدنيئة فَإِن لِلَّهِ ألطافا خفية.
ويحكى عَنِ
الزبيدي قَالَ: كنت فِي مَسْجِد ببغداد مَعَ جَمَاعَة من الفقراء فلم يفتح
عَلَيْنَا بشيء أياما فأتيت الخواص لأسأله شَيْئًا فلما وقع بصره عَلَى قَالَ:
الحاجة الَّتِي جئت لأجلها يعلمها اللَّه تَعَالَى أم لا فَقُلْتُ: بلى فَقَالَ:
اسكت ولا تبدها لمخلوق فرجعت وَلَمْ ألبث إلا قليلا حَتَّى فتح عَلَيْنَا بِمَا
فَوْقَ الكفاية وقيل: كَانَ سهل بْن عَبْد اللَّهِ يوما فِي الجامع فوقع حمام فِي
الْمَسْجِد من شدة مَا لحقه من الحر والمشقة فَقَالَ سهل: إِن شاه الكرماني مَات
الساعة إِن شاء اللَّه تَعَالَى فكتبوا ذَلِكَ فكان كَمَا قَالَ.
وقيل: خرج
أَبُو عَبْد اللَّهِ التروغندي وَكَانَ كبير الوقت إِلَى طوس فلما بلغ خر وَقَالَ
لصاحبه اشتر الخبز فاشترى مَا يكفيهما فَقَالَ: اشتر أَكْثَر فاشترى صاحبه مَا
يكفى عشرة أنفس تعمدا فكأنه لَمْ يجعل لقول ذَلِكَ الشيخ تحقيقا قَالَ فلما صعدنا
إِلَى الجبل إِذَا بجماعة قيدتهم اللصوص لَمْ يأكلوا منذ مدة فسألونا الطعام
فَقَالَ: قدم إليهم السفرة
قَالَ
الأستاذ الإِمَام رضى اللَّه عَنْهُ كنت بَيْنَ يدي الأستاذ أَبِي عَلِيّ رَحِمَهُ
اللَّهُ يوما فجرى حَدِيث الشيخ أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي رَحِمَهُ اللَّهُ
وأنه يقوم فِي السماع موافقة للفقراء فَقَالَ الأستاذ أَبُو عَلَى مثله فِي حاله
لعل السكون أولى بِهِ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ المجلس أمض إِلَيْهِ فتجده وَهُوَ
قاعد فِي بَيْت كتبه وعلى وجه الكتب مجلدة حمراء مربعة صغيرة فِيهَا أشعار
الْحُسَيْن بْن مَنْصُور فاحمل تلك المجلدة ولا تقل لَهُ شَيْئًا وجئني بِهَا
وَكَانَ وقت هاجر فدخلت عَلَيْهِ وإذا هُوَ فِي بَيْت كتبه والمجلدة موضوعة بحيث
ذكر فلما قعدت أخذ الشيخ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ فِي الْحَدِيث وَقَالَ كَانَ
بَعْض النَّاس ينكر عَلَى أحد من الْعُلَمَاء حركته فِي السماع فرأى ذَلِكَ
الإِنْسَان يوما خاليا فِي بَيْت وَهُوَ يدور كالمتواجد فسئل عَن حاله فَقَالَ:
كانت مسألة مشكلة عَلَى فتبين لي معناها فلم أتمالك من السرور حَتَّى قمت أدور
فقيل لَهُ مثل هَذَا يَكُون حالهم فلما رأيت مَا أمرني بِهِ الأستاذ أَبُو عَلِي
وَمَا وصف لي عَلَى الوجه الَّذِي قَالَ وجرى عَلَى لسان الشيخ أَبِي عَبْد
الرَّحْمَنِ مَا كَانَ قَدْ ذكره بِهِ تحيرت وقلت: كَيْفَ أفعل بينهما ثُمَّ فكرت
فِي نفسي وقلت: لا وجه إلا الصدق فَقُلْتُ: إِن الأستاذ أبا عَلِي وصف لي هذه
المجلدة وَقَالَ لي احملها إلي من غَيْر أَن تستأذن الشيخ وأنا هُوَ ذا أخافك وليس
يمكنني مخالفته فأي شَيْء تأمر فأخرج مسدسا من كَلام الْحُسَيْن وفيه تصنيف لَهُ
سماه كتاب الصيهور فِي نقض الدهور وَقَالَ: احمل هَذَا إِلَيْهِ وقل لَهُ: إني
أطالع تلك المجلدة وأنقل منها أبياتا إِلَى مصنفاتي فخرجت.
ويحكى عَنِ
الْحَسَن الحداد أَنَّهُ قَالَ: كنت عِنْدَ أَبِي القاسم المنادي وعنده جَمَاعَة
من الفقراء فَقَالَ لي: اخرج وائتهم بشيء فسررت حيث أذن لي فِي التكلف للفقراء وأن
آتيهم بشيء بَعْد مَا علم فقري قَالَ: فأخذت مكتلا وخرجت فلما أتيت سكة سيار رأيت
شيخا بهيا , فسلمت عَلَيْهِ وقلت: جَمَاعَة من الفقراء فِي موضع فهل لَك أَن تتخلق
معهم بشيء فأمر حَتَّى إِذَا أخرج إلي شَيْئًا من الخبز واللحم والعنب فلما بلغت
الباب ناداني أَبُو القاسم المنادي من وراء
الباب: رده
إِلَى الموضع الَّذِي أخذته منه فرجعت واعتذرت إِلَى الشيخ وقلت: لَمْ أجدهم وعرضت
بأنهم تفرقوا فرددت السبب عَلَيْهِ ثُمَّ جئت إِلَى السوق ففتح عَلَى بشيء فحملته
فَقَالَ: ادخل فقصصت عَلَيْهِ القصة فَقَالَ: نعم ذاك ابْن سيار رجل سلطاني إِذَا
جئت للفقراء بشيء فأتهم بمثل هَذَا لا بمثل ذاك.
وَقَالَ
أَبُو الْحُسَيْن القرافي: زرت أبا الخير التيناتي فلما ودعته خرج معى إِلَى بَاب
الْمَسْجِد فَقَالَ: يا أبا الْحُسَيْن أنا أعلم أنك لا تحمل معك معلوما ولكن احمل
هاتين التفاحتين فأخذتهما ووضعتهما فِي جيبي وسرت فلم يفتح لي بشيء ثلاثة أَيَّام
فأخرجت واحدة منهما وأكلتها ثُمَّ أردت أَن أخرج الثَّانِيَة فَإِذَا هما جميعا
فِي جيبي فكنت آكل منهما ويعودان إِلَى بَاب الموصل فَقُلْتُ فِي نفسي: إنهما
يفسدان عَلِي حال توكلي إِذَا صارتا معلوما لي فأخرجتهما من جيبي بمرة فنظرت
فَإِذَا فَقِير ملفوف فِي عباءة يَقُول: أشتهى تفاحة فناولتهما إياه فلما عبرت وقع
لي أَن الشيخ إِنَّمَا بعثهما إِلَيْهِ وكنت فِي رفقة فِي الطريق فانصرفت إِلَى
الفقير فلم أجده.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ يَقُول: سمعت أبا
عُمَر بْن علوان يَقُول: كَانَ شاب يصحب الجنيد وَكَانَ يتكلم عَلَى خواطر النَّاس
فذكر للجنيد فَقَالَ لَهُ الجنيد: إيش هَذَا الَّذِي ذكر عَنْك؟ فَقَالَ للجنيد:
أعتقد شَيْئًا فَقَالَ: اعتقدت فَقَالَ الشاب: اعتقدت كَذَا وكذا فَقَالَ الجنيد:
لا فَقَالَ: اعتقد ثانيا ففعل فَقَالَ: اعتقدت كَذَا وكذا فَقَالَ: لا فَقَالَ: ثالثا
فَقَالَ: مثله فَقَالَ الشاب: هَذَا عجب أَنْتَ صدوق وأنا أعرف قلبي فَقَالَ
الجنيد: صدقت فِي الأَوَّل وَالثَّانِي والثالث ولكني أردت أَن أمتحنك هل يتغير
قلبك.
وسمعته
يَقُول: سمعت أبا عَبْد اللَّهِ الرازي يَقُول اعتل ابْن الرقي فحمل إِلَيْهِ دواء
فِي قدح فأخذه ثُمَّ قَالَ: وقع اليوم فِي المملكة حدث لا آكل ولا أشرب حَتَّى
أعلم مَا هُوَ فورد الْخَبَر بعده بأيام أَن القرمطي دَخَلَ مَكَّة فِي ذَلِكَ
اليوم وقتل بِهَا تلك المقتلة العظيمة.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُول: سمعت أبا عثمان
المغربي يَقُول: ذكر لابن الكاتب هذه الحكاية فَقَالَ: هَذَا عجب لَهُ فَقُلْتُ:
لَيْسَ هَذَا بعجب فَقَالَ لي أَبُو عَلِي بْن الكاتب: إيش خبر مَكَّة حرسها
اللَّه تَعَالَى اليوم فَقُلْتُ: ذا تحارب الطلحيون وبنو الْحَسَن ومقدم الطلحيين
أسود عَلَيْهِ عمامة حمراء وعلى مَكَّة اليوم غيم عَلَى مقدار الحرم فكتب أَبُو
عَلَى إِلَى مَكَّة فكان كَمَا ذكرت.
ويروى عَن
أَنَس بْن مَالِك رضى اللَّه عَنْهُ قَالَ: دخلت عَلَى عُثْمَان رضى اللَّه عَنْهُ
وكنت رأيت فِي الطريق امْرَأَة تأملت محاسنها فَقَالَ عُثْمَان رضى اللَّه عَنْهُ:
يدخل عَلَى أحدكم وآثار الزنا ظاهرة عَلَى عينه فَقُلْتُ: أوحي بَعْد رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لا ولكن تبصرة وبرهان وفراسة
صادقة.
وَقَالَ
أَبُو عُبَيْد الخراز: دخلت الْمَسْجِد الحرام فرأيت فقيرا عَلَيْهِ خرقتان يسأل
شَيْئًا فَقُلْتُ فِي نفسي: مثل هَذَا كُل عَلَى النَّاس فنظر إلي وَقَالَ:
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة:
235] قَالَ: فاستغفرت فِي سرى فناداني وَقَالَ: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ
التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25] .
وحكي عَن
إِبْرَاهِيم الخواص أَنَّهُ قَالَ: كنت ببغداد فِي جامع الْمَدِينَة وهناك
جَمَاعَة من الفقراء فأقبل شاب ظريف طيب الرائحة حسن الحرمة حسن الوجه فَقُلْتُ
لأَصْحَابنا: يقع لي أَنَّهُ يهودي فكلهم كرهوا ذَلِكَ فخرجت وخرج الشاب ثُمَّ رجع
إليهم وَقَالَ: إيش قَالَ الشيخ فِي؟
فاحتشموه
فألح عَلَيْهِم فَقَالُوا: قَالَ: إنك يهودي.
قَالَ:
فجاءني وأكب عَلَى يدي وأسلم؟ فقيل لَهُ: مَا السبب؟ قَالَ: نجد فِي كتبنا أَن
الصديق لا تخطئ فراسته فَقُلْتُ: أمتحن الْمُسْلِمِينَ فتأملتهم فَقُلْتُ: إِن
كَانَ فيهم صديق ففي هذه الطائفة، لأنهم يقولون حَدِيثه سبحانه فلبست عليكم فلما
اطلع هَذَا الشيخ عَلِي وتفرس فِي علمت أَنَّهُ صديق وصار الشاب من كبار الصوفية.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن
إِبْرَاهِيم بْن العلاء يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن دَاوُد يَقُول: كُنَّا عِنْدَ
الجريري رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ: هل فيكم من إِذَا أراد الحق سبحانه أَن يحدث
فِي المملكة حدثا أعلمه قبل أَن يبديه قُلْنَا: لا فَقَالَ: ابكوا عَلَى قلوب لَمْ
تجد من اللَّه تَعَالَى شَيْئًا وَقَالَ أَبُو مُوسَى الديلمي: سألت عَبْد
الرَّحْمَنِ بْن يَحْيَي عَنِ التوكل فَقَالَ: لو أدخلت يدك فِي فم التنين حَتَّى
تبلغ الرسغ لا تخف مَعَ اللَّه تَعَالَى شَيْئًا غيره قَالَ: فخرجت إِلَى أَبِي
يَزِيد لاسأله عَنِ التوكل فدققت الباب فَقَالَ: أليس لَك فِي قَوْل عَبْد
الرَّحْمَنِ كفاية فَقُلْتُ: افتح الباب فَقَالَ: مَا زرتني أتاك الجواب من وراء
الباب وَلَمْ يفتح لي الباب قَالَ فمضيت ولبثت سنة ثُمَّ قصدته فَقَالَ: مرحبا
جئتني زائرا فكنت عنده شهرا فكان لا يخطر بقلبي شَيْء إلا حَدَّثَنِي عَنْهُ فعند
وداعه قُلْت: أفدني فائدة فَقَالَ: حَدَّثَنِي أخي أَنَّهَا كانت حاملا بي , فكانت
إِذَا قدم لَهَا طَعَام من حلال امتدت يدها إِلَيْهِ , وإذا كَانَ فِيهِ شبهة
انقبضت يدها عَنْهُ.
وَقَالَ
إِبْرَاهِيم الخواص دخلت البادية فأصابتني شدة فلما بلغت مَكَّة داخلني شَيْء من
الإعجاب فنادتني عجوز يا إِبْرَاهِيم كنت معك فِي البادية , فلم أكلمك لأني لَمْ
أرد أَن أشغل سرك أخرج عَنْك هَذَا الوسواس.
وحكى أَن
الفرغاني كَانَ يخرج كُل سنة إِلَى الحج ويمر بنيسابور ولا يدخل عَلَى أَبِي
عُثْمَان الحيري قَالَ: فدخلت عَلَيْهِ مرة وسلمت فلم يرد عَلِي السَّلام فَقُلْتُ
فِي نفسي:
مُسْلِم
يدخل عَلَيْهِ ويسلم فلا يرد سلامه فَقَالَ أَبُو عُثْمَان: مثل هَذَا يحج ويدع
أمه لا يبرها قَالَ: فرجعت إِلَى فرغانة ولزمتها حَتَّى ماتت ثُمَّ قصدت أبا
عُثْمَان , فلما دخلت استقبلني وأجلسني , ثُمَّ إِن الفرغاني لازمه وسأله سياسة
دابته فولاه ذَلِكَ حَتَّى مَات أَبُو عُثْمَان وَقَالَ خير النساج: كنت جالسا فِي
بَيْتِي فوقع لي أَن الجنيد بالباب فنفيت عَن قلبي فوقع ثانيا وثالثا فخرجت
فَإِذَا بالجنيد فَقَالَ: لِمَ لَمْ تخرج مَعَ الخاطر الأَوَّل وَقَالَ مُحَمَّد
بْن الْحُسَيْن البسطامي دخلت عَلَى أَبِي عُثْمَان المغربي فَقُلْتُ: فِي نفسي
لعله يتشهى عَلَى شَيْئًا فَقَالَ أَبُو عُثْمَان: لا يكفى النَّاس أَن آخذ
مِنْهُم حَتَّى يريدوا مسألتي إياهم وَقَالَ بَعْض الفقراء: كنت ببغداد فوقع لي
أَن المرتعش يأتيني بخمسة عشر درهما لأشتري بِهَا الركوة والحبل والنعل وأدخل
البادية قَالَ فدق عَلَى البادية ففتحت فَإِذَا أنا بالمرتعش مَعَهُ خريقة
فَقَالَ: خذها فَقُلْتُ: يا سيدي لا أريدها قَالَ فلم تؤذينا كم أردت فَقُلْتُ:
خمسة عشر درهما فَقَالَ: هِيَ خمسة عشر درهما وَقَالَ بَعْضهم فِي قَوْله تَعَالَى:
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] أي: ميت الذهن فأحياه
اللَّه تَعَالَى بنور الفراسة وجعل لَهُ نور التجلي والمشاهدة لا يَكُون كمن يمشى
بَيْنَ أهل الغفلة غافلا، وقيل: إِذَا صحت الفراسة ارتقى صاحبها إِلَى المشاهدة.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن البغدادي يَقُول:
سمعت جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن نصير يَقُول: سمعت أبا الْعَبَّاس بْن مسروق
يَقُول:
قدم
عَلَيْهَا شيخ فكان يتكلم عَلَيْنَا فِي هَذَا الشأن بكلام حسن وَكَانَ عذب اللسان
جيد الخاطر فَقَالَ لنا فِي بَعْض كلامه: كُل مَا وقع لكم فِي خاطركم فقولوه لي
فوقع فِي قلبي أَنَّهُ يهودي وَكَانَ الخاطر يقوى ولا يزول فذكرت ذَلِكَ للجريري
فكبر عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقُلْتُ: لابد أَن أخبر الرجل بِذَلِكَ فَقُلْتُ لَهُ: تقول
لنا مَا وقع لكم فِي خاطركم فقولوه لي إنه يقع لي أنك يهودي فأطرق ساعة ثُمَّ رفع
رأسه فَقَالَ: صدقت أشهد أَن لا اللَّه إلا اللَّه وأشهد أَن محمدا رَسُول اللَّهِ
وَقَالَ: قَدْ مارست جَمِيع المذاهب وكنت أقول إِن كَانَ مَعَ قوم مِنْهُم شَيْء
فمع هَؤُلاءِ فداخلتكم لأختبركم فأنتم عَلَى الحق وحسن إسلامه.
ويحكى عَنِ
الجنيد أَنَّهُ كَانَ يَقُول لَهُ السري تكلم عَلَى النَّاس فَقَالَ الجنيد:
وَكَانَ فِي قلبي حشمة من الْكَلام عَلَى النَّاس فإني كنت أتهم نفسي فِي استحقاق
ذَلِكَ فرأيت ليلة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المنام وكانت
ليلة جمعة فَقَالَ لي: تكلم عَلَى النَّاس فانتبهت وأتيت بَاب السري قبل أَن أصبح
فدققت عَلَيْهِ الباب فَقَالَ: لَمْ ليلة جمعة فَقَالَ لي: فَقَالَ: لَمْ تصدقنا
حَتَّى قيل لَك فقعد لِلنَّاسِ فِي الجامع بالغد فانتشر فِي النَّاس أَن الجنيد
قعد يتكلم عَلَى النَّاس فوقف عَلَيْهِ غلام نصراني متنكرا وَقَالَ لَهُ: أيها
الشيخ ما معنى قَوْل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتقوا
فراسة المؤمن فَإِن المؤمن ينظر بنور اللَّه تَعَالَى فأطرق الجنيد ثُمَّ رفع رأسه
وَقَالَ أسلم فَقَدْ حان وقت إسلامك فأسلم الغلام.
بَاب الخلق
قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]
أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الأَهْوَازِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ
الصَّفَّارُ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَهْدِي قَالَ: حَدَّثَنَا بَشَّارُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ النُّمَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا غَيْلانُ بْنُ جَرِيرٍ , عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ
إِيمَانًا؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا.
قَالَ
الأستاذ الخلق الْحَسَن أفضل مناقب العبد وَبِهِ يظهر جواهر الرجال والإِنْسَان
مستور بخلقه مشهود بخلقه
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُول: إِن اللَّه تَعَالَى خص نبيه
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا خصه بِهِ ثُمَّ لَمْ يثن عَلَيْهِ بشيء
من خصاله بمثل مَا أثنى عَلَيْهِ بخلقه فَقَالَ عز من قائل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى
خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] وَقَالَ الواصفي: وصفه بالخلق العظيم لأنه جاد
بالكونين واكتفى بالله تَعَالَى، وَقَالَ الواسطي أَيْضًا: الخلق العظيم أَن لا
يخاصم ولا يخاصم من شدة معرفته بالله تَعَالَى وَقَالَ الْحُسَيْن بْن مَنْصُور:
معناه لَمْ يؤثر فيك جفاء الخلق بَعْد مطالعتك الحق.
وَقَالَ
أَبُو سَعِيد الخراز لَمْ يكن لَك همة غَيْر اللَّه تَعَالَى، سمعت الشيخ أبا
عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن جَعْفَر
يَقُول: سمعت الكتاني يَقُول: التصوف خلق من زاد عليك بالخلق فَقَدْ زاد عليك فِي
التصوف،
ويروى عَنِ
ابْن عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: إِذَا سمعتموني أقول لمملوك
أخزاه اللَّه تَعَالَى فاشهدوا أَنَّهُ حر.
وَقَالَ
الفضيل: لو أَن العبد أَحْسَن الإحسان كُلهُ وكانت لَهُ دجاجة فأساء إِلَيْهَا
لَمْ يكن من المحسنين وقيل: كَانَ ابْن عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا رأى
واحدا من عبيده يحسن الصلاة يعتقه فعرفوا ذَلِكَ من خلقه فكانوا يحسنون الصلاة
مراءاة وَكَانَ يعتقهم، فقيل لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: من خدعنا فِي اللَّه
انخدعنا لَهُ.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الرازي يَقُول:
سمعت أبا مُحَمَّد بْن الجريري يَقُول: سمعت الجنيد يَقُول: سمعت الحرث المحاسبي
يَقُول: فقدنا ثلاثة أشياء حسن الوجه مَعَ الصيانة وحسن القول مَعَ الأمانة وحسن
الإخاء مَعَ الوفاء.
وسمعته
يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد الرازي يَقُول: الخلق استصغار مَا منك
واستعظام مَا منه إليك.
وقيل
للأحنف: مِمَّن تعلمت الخلق فَقَالَ: من قَيْس بْن عَاصِم المنقري، قيل: وَمَا بلغ
من خلقه؟ فَقَالَ: بينا هُوَ جالس فِي داره إذ جاءت خادم لَهُ بسفود عَلَيْهِ شواء
فسقط من يدها فوقع عَلَى ابْن لَهُ فمات فدهشت الجارية فَقَالَ: لا روعة عليك
أَنْتَ حرة لوجه اللَّه تَعَالَى، وَقَالَ شاه الكرماني: علامة حسن الخلق كف الأذي
واحتمال المؤن، وَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنكم لَنْ
تسعوا النَّاس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق.
وقيل لذي
النون الْمِصْرِي: من أَكْثَر النَّاس هما؟ قَالَ: أسوأهم خلقا.
وَقَالَ
وهب: مَا تخلق عَبْد بخلق أربعين صباحا إلا جعل اللَّه ذَلِكَ طبيعة فِيهِ.
وَقَالَ
الْحَسَن البصري فِي قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] أي:
وخلقك فحسن،
وقيل: كَانَ
لبعض النساك شاة فرآها عَلَى ثَلاث قوائم فَقَالَ: من فعل هَذَا بِهَا؟ فَقَالَ
غلام لَهُ: أنا فَقَالَ: لَمْ؟ قَالَ لأغمك بِهَا، فَقَالَ: لا بَل لأغمن من أمرك
بِذَلِكَ اذهب فأنت حر، وقيل لإبراهيم بْن أدهم: هل فرحت فِي الدنيا قط؟ فَقَالَ:
نعم مرتين إحداهما: كنت قاعد ذَات يَوْم فجاء إِنْسَان وبال عَلِي، وَالثَّانِيَة:
كنت قاعدا فجاء إِنْسَان وصفعني.
وقيل: كَانَ
أويس القرني إِذَا رآه الصبيان يرمونه بالحجارة , فَيَقُول: إِن كَانَ لابد
فارموني بالصغار كيلا تدقوا ساقي فتمنعوني عَنِ الصلاة.
وشتم رجل
الأحنف بْن قَيْس وَكَانَ يتبعه فلما قرب من الحي وقف وَقَالَ: يا فتي إِن بقي فِي
قلبك شَيْء فقله كيلا يسمعك بَعْض سفهاء الحي فيجيبوك، وقيل لحاتم الأصم: أيحتمل
الرجل من كُل أحد، فَقَالَ: نعم إلا من نَفْسه، وروي أَن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ
عَلِي بْن أَبِي طَالِب رضى اللَّه عَنْهُ دعا غلاما لَهُ فلم يجبه فدعاه ثانيا
وثالثا فلم يجبه فقام إِلَيْهِ فرآه مضطجعا فَقَالَ: أما تسمع يا غلام؟ فَقَالَ:
نعم، قَالَ: فَمَا حملك عَلَى ترك جوابي؟ فَقَالَ: أمنت عقوبتك فتكاسلت، فَقَالَ:
امض فأنت حر لوجه اللَّه تَعَالَى، وقيل: نزل معروف الكرخي الدجلة ليتوضأ ووضع
مصحفه وملحفته فجاءت امْرَأَة وحملتهما فتبعها معروف وَقَالَ: يا أختي أنا معروف
ولا بأس عليك ألك ابْن يقرأ؟ قَالَتْ: لا، قَالَ: فزوج؟ قَالَتْ: لا قَالَ، فهاتي
المصحف وخذي الثوب.
ودخل اللصوص
مرة دار الشيخ أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي بالمكابرة وحملوا مَا وجدوا فسمعت
بَعْض أَصْحَابنا يَقُول: سمعت الشيخ أبا عَبْد الرَّحْمَنِ يَقُول: اجتزت بالسوق
فوجدت جبتي عَلَى من يَزِيد فأعرضت وَلَمْ ألتفت إِلَيْهِ.
سمعت الشيخ
أبا حاتم السجستاني يَقُول: سمعت أبا نصر السراج الطوسي يَقُول:
سمعت
الوجيهي يَقُول: قَالَ الجريري: قدمت من مَكَّة حرسها اللَّه تَعَالَى فبدأت
بالجنيد لكيلا يتعنى إلي فسلمت عَلَيْهِ ثُمَّ مضيت إِلَى المنزل فلما صليت الصبح
فِي الْمَسْجِد إِذَا أنا بِهِ خلفي فِي الصف فَقُلْتُ: إِنَّمَا جئتك أمس لئلا
تتعنى فَقَالَ: ذاك فضلك وَهَذَا حقك.
وسئل أَبُو
حفص عَنِ الخلق فَقَالَ: مَا اختار اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لنبيه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] الآية.
وقيل: الخلق
أَن تكون من النَّاس قريبا وَفَيْمَا بينهم غريبا، وقيل: الخلق قبول مَا يرد عليك
من جفاء الخلق وقضاء الحق بلا ضجر ولا قلق، وقيل: كَانَ أَبُو ذر عَلَى حوض يسقى
إبلا لَهُ فأسرع بَعْض النَّاس إِلَيْهِ فانكسر الحوض فجلس ثُمَّ اضطجع، فقيل لَهُ
فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا
إِذَا غضب الرجل أَن يجلس فَإِذَا ذهب عَنْهُ وإلا فليضطجع، وقيل: مكتوب فِي
الإنجيل: عبدى اذكرني حِينَ تغضب أذكرك حِينَ أغضب، وَقَالَت امْرَأَة لمالك بْن
دِينَار: يا مرائي فَقَالَ: يا هذه وجدت اسمي الَّذِي أضله أهل البصرة، وَقَالَ
لقمان لابنه: لا تعرف ثلاثة إلا عِنْدَ ثلاثة الحليم عِنْدَ الغضب والشجاع عِنْدَ
الحرب والأخ عِنْدَ الحاجة إِلَيْهِ.
وَقَالَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام: إلهي لا أسألك أَن لا يقال لي مَا لَيْسَ فِي فأوحى
اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ مَا فعلت ذَلِكَ لنفسي فكيف أفعله لَك.
وقيل: ليحيى
بْن زِيَاد الحارثي وَكَانَ لَهُ غلام سوء: لَمْ تمسك هَذَا الغلام؟ فَقَالَ:
لأتعلم عَلَيْهِ الحلم.
وقيل: فِي
قَوْله تَعَالَى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان:
20] الظاهرة: تسوية الخلق , والباطنة: تصفية الخلق.
وَقَالَ
الفضيل: لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أَن يصحبني عابد سيئ الخلق.
وقيل: الخلق
الْحَسَن احتمال المكروه بحسن المداراة.
وحكى أَن
إِبْرَاهِيم بْن أدهم خرج إِلَى بَعْض البراري فاستقبله جندي فَقَالَ: أين
العمران؟ فأشار إِلَى المقبرة فضرب رأسه وأوضحه فلما جاوزه قيل لَهُ: إنه
إِبْرَاهِيم بْن أدهم زاهد خراسان فجاء يعتذر إِلَيْهِ فَقَالَ: إنك لما ضربتني
سألت اللَّه تَعَالَى لَك الْجَنَّة فَقَالَ: لَمْ؟ فَقَالَ: علمت أني أؤجر
عَلَيْهِ فلم أرد أَن يَكُون نصيبي منك الخير ونصيبك منى الشر.
وحكى أَن
أبا عُثْمَان الحيري دعاه إِنْسَان إِلَى ضيافة فلما وافى بَاب داره قَالَ: يا
أستاذ لَيْسَ الآن وقت دخولك وَقَدْ ندمت فانصرف فرجع أَبُو عُثْمَان فلما وافي
منزله عاد إِلَيْهِ الرجل وَقَالَ: يا أستاذ ندمت وأخذ يعتذر وَقَالَ: احضر الساعة
فقام أَبُو عُثْمَان ومضى، فلما وافى بَاب داره قَالَ مثل مَا قَالَ فِي الأَوَّل
ثُمَّ كَذَلِكَ فعل فِي الثالثة والرابعة وأبو عُثْمَان ينصرف ويحضر فلما كَانَ
بَعْد مرات قَالَ: يا أستاذ , أردت اختباره وأخذ يعتذر ويمدحه فَقَالَ أَبُو
عُثْمَان: لا تمدحني عَلَى خلق تجد مثله مَعَ الكلاب، الكلب إِذَا دعى حضر وإذا
زجر انزجر.
وقيل: إِن
أبا عُثْمَان اجتاز بسكة وقت الهاجرة فألقى عَلَيْهِ من سطح طست رماد فتغير
أَصْحَابه وبسطوا ألسنتهم فِي الملقى فَقَالَ أَبُو عُثْمَان: لا تقولوا شَيْئًا
من استحق أَن يصب عَلَيْهِ النار فصولح عَلَى الرماد لَمْ يجز لَهُ أَن يغضب.
وقيل: نزل
بَعْض الفقراء عَلَى جَعْفَر بْن حنظلة فكان جَعْفَر يخدمه جدا والفقير يَقُول:
نعم الرجل أَنْتَ لو لَمْ تكن يهوديا فَقَالَ جَعْفَر: عقيدتي لا تقدح فيما تحتاج
إِلَيْهِ من الخدمة فسل لنفسك الشفاء ولي الهداية.
قيل: كَانَ
لعبد اللَّه الخياط حريف مجوسي يخيط لَهُ ثيابا ويدفع إِلَيْهِ دراهم زيوفا
وَكَانَ عَبْد اللَّهِ يأخذها، فاتفق أَنَّهُ قام من حانوته يوما لشغل فجاء
المجوسي بالدراهم الزيوف فدفعها إِلَى تلميذه: فلم يقبلها فدفع إِلَيْهِ الصحاح
فلما رجع عَبْد اللَّهِ قَالَ لتلميذه: أين قميص المجوسي؟ فذكر لَهُ القصة
فَقَالَ: بئسما عملت إنه مذ مدة يعاملني بمثلها وأنا أصبر عَلَيْهِ وألقيها فِي
بئر لئلا يغر بِهَا غيرى.
وقيل: الخلق
السيئ يضيق قلب صاحبه لأنه لا يسع فِيهِ غَيْر مراده كالمكان الضيق لا يسع فِيهِ
غَيْر صاحبه.
وقيل: حسن
الخلق أَن لا تتغير مِمَّن يقف فِي الصف بجنبك.
وقيل: من
سوء خلقك وقوع بصرك عَلَى سوء خلق غيرك.
وسئل رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشؤم فَقَالَ: سوء الخلق.
أَخْبَرَنَا
أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الأَهْوَازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْحَسَنِ الصَّفَّارُ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَي بْنُ مَعِينٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ
الْفَزَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ , عَنْ أَبِي حَازِمٍ ,
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى الْمُشْرِكِينَ.
فَقَالَ:
إِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً وَلَمْ أُبْعَثْ عَذَابًا
الكلمات المفتاحية :
التربية و السلوك
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: