تنبيه الصوفية إلى معرفة طريق العبودية
بسم الله العليم الحكيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه والتابعين كان قد سألني أخي الحبيب النجيب يوسف بدوي المحترم أن أكتب
موضوعا في العبودية منذ فترة طويلة وإلى الآن ما لبّيت طلبه إلاّ الآن لفقداني حال تلك العبودية التي سألني أن أكتب فيها فجازاه الله خيرا على حسن ظنّه بالعبد الضعيف. فأقول وعلى الله تعالى السداد والقبول : العبودية هي الشرف الذي تكرّم الله به على خلقه أجمعين لأنّه سبحانه الكريم فما يتكرّم عليك إلاّ بما يشرّفك ويرقّيك ويغنيك , فما برزت صفة العبودية على كمالها و جميع خصالها إلاّ في هذا الإنسان الذي إتّخذه و جعله خليفة في الأرض. إذ أنّ الخلافة هي كلّيات العبودية الظاهرة و الباطنة في مختلف مراتبها فإنّه بقدر قربك من الله بقدر ما تتحقّق فيك علائم العبودية له فتضحى وصفا ملازما و حلية أبدية كساك إيّاها , من هنا و من هذا الميزان تعرف مدى بعدك أو قربك من الله تعالى فعلى قدر عبوديتك لله تعالى يتميّز مقام قربك منه ( السابقون السابقون أؤلائك المقرّبون ). ثمّ اعلم أيّها الحبيب : أنّ الله تعالى يقول ( و ما خلقت الجنّ و الإنس إلاّ ليعبدون ) قال إبن عبّاس ترجمان القرآن أي ( إلاّ ليعرفون ) أي أخبر عن النتيجة لتلك العبادة , فكلّ من لا تفضي به عبوديته وتوصله إلى معرفة ربّه فليس هي عبودية لله تعالى حقيقة و إنّما تبقى عبودية مدخولة بالزغل والعلل لذا تطلّب هذا إرسال الرسل بالشريعة التي تقوّم تلك العبودية ثمّ بالحقيقة التي هي كالدليل و البرهان على تلك العبودية, وهكذا إنقسمت الخلائق في عبوديتهم لربّهم فمنهم من سار بحسب ما شرّعه الله له ففاز و نجح و منهم من سوّلت له نفسه أمرا فماح عن الطريق المستقي. من طلب غير الإلتزام بالعبودية لربّه فقد أخطأ الطريق من أوّل قدم إذ أنّه لا يوصلك إليه إلاّ طريق العبودية له سبحانه فهذا صراطه المستقيم وهذا نهجه القويم وهذه المحجّة البيضاء التي ليلها كنهارها ونهارها كليلها. من هنا : يجب علينا جميعا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال : أين نحن من عبوديتنا لربّنا و في أي مقام نحن فيها ؟ فعلمنا هنا أنّ طريق العبودية هو طريق الوصول والنجاة لا محالة لكن يجب أن نفرّق بين أمور ومواضيع : وهي : العبودية لله تعالى لا يمكنها أن تكون سليمة ومفيدة وتعطي نتائجها الحقيقة و ثمراتها الروحية إلاّ متى صاحبها الإخلاص للمعبود سبحانه فيها وهذا أصل النيّة التي هي محلّ لوجود الإخلاص كما كان القلب محلاّ لوجود الإيمان , فكلّ من عبد الله تعالى لغرض من الاغراض فهو في الحقيقة عبد لذلك الشيء الذي يطلبه بعبادته لربّه وهو أعظم الشرك وأقبح سوء أدب مع الله تعالى. فإنّ الله تعالى لا يعبد إلاّ إبتغاء وجهه سبحانه ( اعبدوا الله مخلصين له الدين ) فإنّ الدين كلّه لله تعالى فلا يجوز صرف شيئا منه لغيره سبحانه فإنّه من فاته الله سبحانه فاته كلّ شيء و من وجد الله تعالى وجد كلّ شيء , من هنا إشرأبّت أعناق السالكين فأخذوا رحالهم وجمعوا ترحالهم متوجّهين إلى الله تعالى ظاهرا وباطنا لا يلوون على شيء ولا يريدون شيء غير وجه مولاهم الذي هو حبيبهم والذي يتولاّهم , ثمّ لقدسية هذا المعبود سبحانه وعظمته وكلّ تقتضيه أسماؤه وصفاته شرف وعظم وثمن مهر هذا الطريق إليه فعلموا وتنبّهوا إلى ما يستوجبه هذا التوجّه من عزم وحزم وبيع الغالي والنفيس والديار والدثار من أجل أن يقبلوا عنده فييسّرهم لطريقه ويدلّهم على أنّه الرفيق فيه وأنّه الممدّ فيه وأنّه الحفيظ فيه. أرادوا أن يخرجوا من سجن الدنيا إلى وسع الآخرة , ومن ظلمة النفس إلى نور الروح , ومن التقييد في العوالم إلى الحرية في فضاء محبّة الله تعالى , هنا صلّوا على العوالم بأسرها صلاة الجنازة لأنّ كلّ ما سوى الله تعالى هوحجاب عنه كما قال إبن عطاء رضي الله عنه ( الكون كلّه ظلمة و إنّما أناره ظهور الحقّ فيه ) فأضحى حبّهم بحبّه فما أحبّه الله تعالى و أخبر بمحبّته أحبّوه وما لم يرضه لم يرضوه أولائك الذين ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ). فما فرح الفارحون , وما سعد الساعدون إلاّ بهذه العبودية لله تعالى التي ما حرم الله منها أحدا من خلقه ففتح باب التوبة والرجوع إليه إلى يوم القيامة على مصراعيه ينادي خلقه وعباده ( هلمّوا هلمّوا إليّ يا عبادي ) فكأنّه يقول لهم ( هلمّوا إليّ أنا حبيبكم وطبيبكم الشافي العافي الكافي , متى وجدتموني وجدتم كلّ شيء فأنا أرحم من كلّ رحيم وأكرم من كلّ كريم وأجمل من كلّ جميل ). يا من فقدتني ماذا وجدت ؟ يا من وجدتني ماذا فقدت ؟ يا من تسرع إليّ ألا ترى وتحسّ إسراعي إليك ؟ يا من تدعو ألا تؤمن بإجابتي ؟ يا من تتألّم ألا يكفيك علمي ؟ أيا فقير ألا يكفيك غناك بي ؟ أيا كلّ محزون ألا يكفيك ما أتحفك به من معادن الصفاء ؟ أيا كلّ بائس ما أريد بك إلاّ خيرا فثق ؟ يا كلّ مدبر سأترقّب وأفرح بعودتك فما رجع إليّ عبدي إلاّ ووجدني أترقّبه فكيف تتيأس منّي ؟ إنّ بابه سبحانه لا يغلق ولا يصدّ فكم نعصي ثمّ نتوب فهو سبحانه غفّار الذنوب يقبل التائب والعاصي والمذنب المحبّ. مرّة قال لي شيخنا رضي الله عنه : إنّي لا أنظر من القادم عليّ ولكن أنظر إلى من بعثه لي و أرسله. ومرّة قلت له سيدي : هل يقبلني الله بعد هذا البعد وهذه المعاصي وهذا التشتّت في طريق الله والوهم والحزن – فقال لي : ( إنّ الله يغفر الذنوب جميعا وهو الغفور الرحيم ). فما حبّبني أحد مثل شيخي في الله تعالى حتّى أضحت جميع أفكاري متعلّقة بذلك. ألا ترى أنّ الله تعالى عدّد العلماء والمشائخ العارفين ونوّع أذواقهم وأشواقهم ليترك لك الخيار في إتّخاذ مركوبك إليه لأنّك مدلّل لا تأتيه إلاّ وأنت راغبا طائعا مسرعا ذاهبا في الله وبالله ولله ( ولقد آتاكم من كلّ ما سألتموه ). العبودية سيدي هي حبّك لله و توجّهك إليه فتنسى هذا العالم من القلب بجميع شؤونه و من جميع وجوهه , فإنّك لا تجد محزونا ولا مكروبا إلا بسبب بعده عن الله تعالى كيف لا وهو القائل ( ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب ) وقوله ( لنحيينّهم حياة طيّبة ) وما تلك الحياة والطيّبة إلا ما تجده من إمدادات قربه والأنس به. من عرف الله و وصل إليه ما سأل منه سواه أبدا كما وقع لأبي يزيد رضي الله عنه فإنّه أخبر أنّ الله تعالى عرض عليه في منامه المملكة بأسرها فأبى وكان يقول : مناي غير ما تعرض عليّ. حتّى قال للحبيب الشفيع ( ولسوف يعطيك ربّك فترضى ). إنّ أجمل وأثمن ما يعطاه عبد من العبيد هو العبودية لله فمن وفّق لهذا أضحت أيّامه كلّها سعادة وعاش في الدنيا بعيش أهل الجنّة في الجنّة كما قيل لأحدهم كيف تجدك الآن فقال ( إن كان أهل الجنّة في الجنّة على مثل حالتي الآن إنّهم إذن لفي خير ). وقد رأيت ببلاد الشام أحد أهل الله تعالى يصلّي ركعتين فكان عندما يسجد يعالج نفسه بشدّة للرفع من السجود فوالله لقد رأيته يجتهد وبقوّة للرفع من السجود و وجهه و جبهته يأبيان ذلك لشدّة سيطرة الروح عليه وهيمانها في السجود لله ( وأقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد ) فكان لا يريد مفارقة هذا القرب. وقد حكى القشيري رضي الله عنه في رسالته حقائق العبودية لله على فعل أهل السلف وكذلك سيدي إبن عطاء الله تعالى رضي الله عنه في كتابه الحكم. أقول : اليوم أضحى الطريق إلى الله تعالى محرّفا عند أغلب أتباعه فجعلوه اليوم طريق مقامات وأحوال و خصوصيات كقولهم : هذا قطب وهذا فرد وهذا وتد وهذا كرامة ....إلخ . الخزعبلات والأوهام والكذب على الله ورسوله حتّى دخل عليهم الغشّ والتعالم والكلام الفارغ والتقوّل فيه بغير علم ولا فهم. فما كان طريق الله يوما هذا و لن يكون بحول الله تعالى بل هو طريق جدّ و إجتهاد ونشاط في العبادة والمعاملة وصدق و إخلاص فهو طريق سلوك إلى ملك الملوك و ليس هو طريق مصطلحات ولا إشارات ولا ثناء ولا مدح ولا مجاملات ولا مظاهر ولا نواميس بل هو طريق معرفة عبودية الله لقوله تعالى ( وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون ).
تحميل الموضوع ملف وورد :
موضوعا في العبودية منذ فترة طويلة وإلى الآن ما لبّيت طلبه إلاّ الآن لفقداني حال تلك العبودية التي سألني أن أكتب فيها فجازاه الله خيرا على حسن ظنّه بالعبد الضعيف. فأقول وعلى الله تعالى السداد والقبول : العبودية هي الشرف الذي تكرّم الله به على خلقه أجمعين لأنّه سبحانه الكريم فما يتكرّم عليك إلاّ بما يشرّفك ويرقّيك ويغنيك , فما برزت صفة العبودية على كمالها و جميع خصالها إلاّ في هذا الإنسان الذي إتّخذه و جعله خليفة في الأرض. إذ أنّ الخلافة هي كلّيات العبودية الظاهرة و الباطنة في مختلف مراتبها فإنّه بقدر قربك من الله بقدر ما تتحقّق فيك علائم العبودية له فتضحى وصفا ملازما و حلية أبدية كساك إيّاها , من هنا و من هذا الميزان تعرف مدى بعدك أو قربك من الله تعالى فعلى قدر عبوديتك لله تعالى يتميّز مقام قربك منه ( السابقون السابقون أؤلائك المقرّبون ). ثمّ اعلم أيّها الحبيب : أنّ الله تعالى يقول ( و ما خلقت الجنّ و الإنس إلاّ ليعبدون ) قال إبن عبّاس ترجمان القرآن أي ( إلاّ ليعرفون ) أي أخبر عن النتيجة لتلك العبادة , فكلّ من لا تفضي به عبوديته وتوصله إلى معرفة ربّه فليس هي عبودية لله تعالى حقيقة و إنّما تبقى عبودية مدخولة بالزغل والعلل لذا تطلّب هذا إرسال الرسل بالشريعة التي تقوّم تلك العبودية ثمّ بالحقيقة التي هي كالدليل و البرهان على تلك العبودية, وهكذا إنقسمت الخلائق في عبوديتهم لربّهم فمنهم من سار بحسب ما شرّعه الله له ففاز و نجح و منهم من سوّلت له نفسه أمرا فماح عن الطريق المستقي. من طلب غير الإلتزام بالعبودية لربّه فقد أخطأ الطريق من أوّل قدم إذ أنّه لا يوصلك إليه إلاّ طريق العبودية له سبحانه فهذا صراطه المستقيم وهذا نهجه القويم وهذه المحجّة البيضاء التي ليلها كنهارها ونهارها كليلها. من هنا : يجب علينا جميعا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال : أين نحن من عبوديتنا لربّنا و في أي مقام نحن فيها ؟ فعلمنا هنا أنّ طريق العبودية هو طريق الوصول والنجاة لا محالة لكن يجب أن نفرّق بين أمور ومواضيع : وهي : العبودية لله تعالى لا يمكنها أن تكون سليمة ومفيدة وتعطي نتائجها الحقيقة و ثمراتها الروحية إلاّ متى صاحبها الإخلاص للمعبود سبحانه فيها وهذا أصل النيّة التي هي محلّ لوجود الإخلاص كما كان القلب محلاّ لوجود الإيمان , فكلّ من عبد الله تعالى لغرض من الاغراض فهو في الحقيقة عبد لذلك الشيء الذي يطلبه بعبادته لربّه وهو أعظم الشرك وأقبح سوء أدب مع الله تعالى. فإنّ الله تعالى لا يعبد إلاّ إبتغاء وجهه سبحانه ( اعبدوا الله مخلصين له الدين ) فإنّ الدين كلّه لله تعالى فلا يجوز صرف شيئا منه لغيره سبحانه فإنّه من فاته الله سبحانه فاته كلّ شيء و من وجد الله تعالى وجد كلّ شيء , من هنا إشرأبّت أعناق السالكين فأخذوا رحالهم وجمعوا ترحالهم متوجّهين إلى الله تعالى ظاهرا وباطنا لا يلوون على شيء ولا يريدون شيء غير وجه مولاهم الذي هو حبيبهم والذي يتولاّهم , ثمّ لقدسية هذا المعبود سبحانه وعظمته وكلّ تقتضيه أسماؤه وصفاته شرف وعظم وثمن مهر هذا الطريق إليه فعلموا وتنبّهوا إلى ما يستوجبه هذا التوجّه من عزم وحزم وبيع الغالي والنفيس والديار والدثار من أجل أن يقبلوا عنده فييسّرهم لطريقه ويدلّهم على أنّه الرفيق فيه وأنّه الممدّ فيه وأنّه الحفيظ فيه. أرادوا أن يخرجوا من سجن الدنيا إلى وسع الآخرة , ومن ظلمة النفس إلى نور الروح , ومن التقييد في العوالم إلى الحرية في فضاء محبّة الله تعالى , هنا صلّوا على العوالم بأسرها صلاة الجنازة لأنّ كلّ ما سوى الله تعالى هوحجاب عنه كما قال إبن عطاء رضي الله عنه ( الكون كلّه ظلمة و إنّما أناره ظهور الحقّ فيه ) فأضحى حبّهم بحبّه فما أحبّه الله تعالى و أخبر بمحبّته أحبّوه وما لم يرضه لم يرضوه أولائك الذين ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ). فما فرح الفارحون , وما سعد الساعدون إلاّ بهذه العبودية لله تعالى التي ما حرم الله منها أحدا من خلقه ففتح باب التوبة والرجوع إليه إلى يوم القيامة على مصراعيه ينادي خلقه وعباده ( هلمّوا هلمّوا إليّ يا عبادي ) فكأنّه يقول لهم ( هلمّوا إليّ أنا حبيبكم وطبيبكم الشافي العافي الكافي , متى وجدتموني وجدتم كلّ شيء فأنا أرحم من كلّ رحيم وأكرم من كلّ كريم وأجمل من كلّ جميل ). يا من فقدتني ماذا وجدت ؟ يا من وجدتني ماذا فقدت ؟ يا من تسرع إليّ ألا ترى وتحسّ إسراعي إليك ؟ يا من تدعو ألا تؤمن بإجابتي ؟ يا من تتألّم ألا يكفيك علمي ؟ أيا فقير ألا يكفيك غناك بي ؟ أيا كلّ محزون ألا يكفيك ما أتحفك به من معادن الصفاء ؟ أيا كلّ بائس ما أريد بك إلاّ خيرا فثق ؟ يا كلّ مدبر سأترقّب وأفرح بعودتك فما رجع إليّ عبدي إلاّ ووجدني أترقّبه فكيف تتيأس منّي ؟ إنّ بابه سبحانه لا يغلق ولا يصدّ فكم نعصي ثمّ نتوب فهو سبحانه غفّار الذنوب يقبل التائب والعاصي والمذنب المحبّ. مرّة قال لي شيخنا رضي الله عنه : إنّي لا أنظر من القادم عليّ ولكن أنظر إلى من بعثه لي و أرسله. ومرّة قلت له سيدي : هل يقبلني الله بعد هذا البعد وهذه المعاصي وهذا التشتّت في طريق الله والوهم والحزن – فقال لي : ( إنّ الله يغفر الذنوب جميعا وهو الغفور الرحيم ). فما حبّبني أحد مثل شيخي في الله تعالى حتّى أضحت جميع أفكاري متعلّقة بذلك. ألا ترى أنّ الله تعالى عدّد العلماء والمشائخ العارفين ونوّع أذواقهم وأشواقهم ليترك لك الخيار في إتّخاذ مركوبك إليه لأنّك مدلّل لا تأتيه إلاّ وأنت راغبا طائعا مسرعا ذاهبا في الله وبالله ولله ( ولقد آتاكم من كلّ ما سألتموه ). العبودية سيدي هي حبّك لله و توجّهك إليه فتنسى هذا العالم من القلب بجميع شؤونه و من جميع وجوهه , فإنّك لا تجد محزونا ولا مكروبا إلا بسبب بعده عن الله تعالى كيف لا وهو القائل ( ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب ) وقوله ( لنحيينّهم حياة طيّبة ) وما تلك الحياة والطيّبة إلا ما تجده من إمدادات قربه والأنس به. من عرف الله و وصل إليه ما سأل منه سواه أبدا كما وقع لأبي يزيد رضي الله عنه فإنّه أخبر أنّ الله تعالى عرض عليه في منامه المملكة بأسرها فأبى وكان يقول : مناي غير ما تعرض عليّ. حتّى قال للحبيب الشفيع ( ولسوف يعطيك ربّك فترضى ). إنّ أجمل وأثمن ما يعطاه عبد من العبيد هو العبودية لله فمن وفّق لهذا أضحت أيّامه كلّها سعادة وعاش في الدنيا بعيش أهل الجنّة في الجنّة كما قيل لأحدهم كيف تجدك الآن فقال ( إن كان أهل الجنّة في الجنّة على مثل حالتي الآن إنّهم إذن لفي خير ). وقد رأيت ببلاد الشام أحد أهل الله تعالى يصلّي ركعتين فكان عندما يسجد يعالج نفسه بشدّة للرفع من السجود فوالله لقد رأيته يجتهد وبقوّة للرفع من السجود و وجهه و جبهته يأبيان ذلك لشدّة سيطرة الروح عليه وهيمانها في السجود لله ( وأقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد ) فكان لا يريد مفارقة هذا القرب. وقد حكى القشيري رضي الله عنه في رسالته حقائق العبودية لله على فعل أهل السلف وكذلك سيدي إبن عطاء الله تعالى رضي الله عنه في كتابه الحكم. أقول : اليوم أضحى الطريق إلى الله تعالى محرّفا عند أغلب أتباعه فجعلوه اليوم طريق مقامات وأحوال و خصوصيات كقولهم : هذا قطب وهذا فرد وهذا وتد وهذا كرامة ....إلخ . الخزعبلات والأوهام والكذب على الله ورسوله حتّى دخل عليهم الغشّ والتعالم والكلام الفارغ والتقوّل فيه بغير علم ولا فهم. فما كان طريق الله يوما هذا و لن يكون بحول الله تعالى بل هو طريق جدّ و إجتهاد ونشاط في العبادة والمعاملة وصدق و إخلاص فهو طريق سلوك إلى ملك الملوك و ليس هو طريق مصطلحات ولا إشارات ولا ثناء ولا مدح ولا مجاملات ولا مظاهر ولا نواميس بل هو طريق معرفة عبودية الله لقوله تعالى ( وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون ).
تحميل الموضوع ملف وورد :
الكلمات المفتاحية :
العبودية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: