باب الولاية
قَالَ اللَّه تَعَالَى:
{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}
[يونس: 62]
أَخْبَرَنَا
حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَدِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ
حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَرُونَ الْمُقْرِي قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ الْخَيَّاطُ , عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مَيْمُونٍ مَوْلَى عُرْوَةَ ,
عَنْ عُرْوَةَ , عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ آذَى
لِي وَلِيًّا فَقَدِ اسْتَحَلَّ مُحَارَبَتِي، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ الْعَبْدُ
بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلا يَزَالُ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ
إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا
فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رَوْحِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ لأَنَّهُ يَكْرَهُ
الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلا بُدَّ لَهُ مِنْهُ
قَالَ
الأستاذ أَبُو القاسم: الولي لَهُ معنيان: إحداهما: فعيل بمعنى مفعول وَهُوَ من
يتولى اللَّه سبحانه أمره اللَّه تَعَالَى: وَهُوَ يتولى الصلحين فلا يكله إِلَى
نَفْسه لحظة بَل يتولى الحق سبحانه رعايته.
وَالثَّانِي:
فعيل مبالغة من الفاعل وَهُوَ الَّذِي يتولى عُبَادَة اللَّه تَعَالَى وطاعته
فعبادته تجرى عَلَى التوالي من غَيْر أَن يتخلاها عصيان، وكلا الوصفين واجب حَتَّى
يَكُون الولي وليا بحب قيامه بحقوق اللَّه تَعَالَى عَلَى الاستقصاء والاستيفاء
ودوام حفظ اللَّه تَعَالَى إياه فِي السراء والضراء، ومن شرط الولي أَن يَكُون
محفوظا كَمَا أَن من شرط النَّبِي أَن يَكُون معصوما فَكُل من كَانَ للشراع
عَلَيْهِ اعتراض فَهُوَ مغرور مخدع.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق يَقُول: قصد أَبُو يَزِيد البسطامي بَعْض من وصف بالولاية، فلما وافي مسجده قعد ينتظر خروجه فخرج الرجل وتنخم
فِي الْمَسْجِد فانصرف أَبُو يَزِيد وَلَمْ يسلم عَلَيْهِ وَقَالَ هَذَا رجل غَيْر
مأمون عَلَى أدب من آداب الشريعة، فكيف يَكُون أمينا عَلَى أسرار الحق واختلفوا
فِي أَن الولي هل يَجُوز أَن يعلم أَنَّهُ ولي أم لا.
فمنهم من
قَالَ لا يَجُوز ذَلِكَ وَقَالَ إِن الولي يلاحظ نَفْسه بعين التصغير، وإن ظهر
عَلَيْهِ شَيْء من الكرامات خاف أَن يَكُون مكرا وَهُوَ يستشعر الخوف دائما أبدا ,
وإنما يخاف سقوطه عما هُوَ فِيهِ , وأن تكون عاقبته بخلاف حاله , وَهَؤُلاءِ
يجعلون من شرط الولاية وفاء المآل.
وَقَدْ ورد
فِي هَذَا الباب حكايات كثيرة عَنِ الشيوخ وإليه ذهب من شيوخ هذه الطائفة جَمَاعَة
لا يحصون ولو اشتغلنا بذكر مَا قَالُوا لخرجنا عَن حد الاختصار، وإلى هَذَا كَانَ
يذهب من شيوخنا الَّذِينَ لقيناهم الإِمَام أَبُو بَكْر بْن فورك، وَمِنْهُم من
قَالَ يَجُوز أَن يعلم الولي أَنَّهُ ولي وليس من شرط تحقيق الولاية فِي الحال
الوفاء فِي المآل، ثُمَّ إِن كَانَ ذَلِكَ من شرطه أَيْضًا فيجوز أَن يَكُون هَذَا
الولي خص بكرامة هِيَ تعريف الحق إياه أَنَّهُ مأمون العاقبة إذ القول بجوز كرامات
الأولياء واجب وَهُوَ وإن فارقه خوف العاقبة فَمَا هُوَ عَلَيْهِ من الهيبة
والتعظيم والإجلال فِي الحال أتم وأشد فَإِن اليسير من التعظيم والهيبة أهدى
للقلوب من كثير من الخوف ولما قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرة فِي
الْجَنَّة من أَصْحَابه فالعشرة لا محالة صدقوا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وعروفوا سلامة عاقبتهم ثُمَّ لَمْ يقدح ذَلِكَ فِي حالهم ولأن من شرط
صحة المعرفة بالنبوة الوقوف عَلَى حد المعجزة ويدخل فِي جملته العلم بحقيقة
الكرامات فَإِذَا رأى الكرامات ظاهرة عَلَيْهِ لا يمكنه أَن لا يميز بينها وبين
غيرها فَإِذَا رأى شَيْئًا من ذَلِكَ علم أَنَّهُ فِي الحال عَلَى الحق ثُمَّ
يَجُوز أَن يعرف أَنَّهُ فِي المآل يبقى عَلَى هذه الحالة ويكون هَذَا التعريف
كرامة لَهُ , والقول بكرامات الأولياء صحيح , وكثير من حكايات الْقَوْم تَدُل
عَلَى ذَلِكَ كَمَا نذكر طرفا من ذَلِكَ فِي بَاب كرامات الأولياء إِن شاء اللَّه
تَعَالَى وإلى هَذَا القول كَانَ يذهب من شيوخنا الَّذِينَ لقيناهم الأستاذ أَبُو
عَلِي الدقاق رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وقيل: إِن
إِبْرَاهِيم بْن أدهم قَالَ لرجل أتحب أَن تكون لِلَّهِ وليا؟ فَقَالَ: نعم
فَقَالَ: لا ترغب فِي شَيْء من الدنيا والآخرة وفرغ نفسك لِلَّهِ تَعَالَى وأقبل
بوجهك عَلَيْهِ ليقبل عليك ويواليك وَقَالَ يَحْيَي بْن معاذ فِي صفة الأولياء:
هُمْ عباد تسربلوا بالأنس بَعْد المكابدة واعتنقوا الروح بَعْد المجاهدة بوصولهم
إِلَى مقام الولاية.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول:
سمعت عمي البسطامي يَقُول: سمعت أَبِي يَقُول: سمعت أبا يَزِيد يَقُول: أولياء
اللَّه عرائس اللَّه تَعَالَى ولا يرى العرائس إلا المحرمون فَهُمْ مخدرون عنده
فِي حجاب الأنس لا يراهم أحد فِي الدنيا ولا فِي الآخرة.
سمعت أبا
بَكْر الصيدلاني وَكَانَ رجلا صالحا قَالَ: كنت أصلح اللوح فِي قبر أَبِي بَكْر
الطمستاني أنقر فِيهِ اسمه فِي مقبرة الحيرة كثيرا وَكَانَ يقام ذَلِكَ اللوح
ويسرق وَلَمْ يقلع من غيره من القبور فكنت أتعجب منه فسألت الأستاذ أبا عَلِي
الدقاق رَحِمَهُ اللَّهُ يوما عَن ذَلِكَ فَقَالَ: إِن ذَلِكَ الشيخ آثر الخفاء
فِي الدنيا وأنت تريد أَن تشهر قبره باللوح الَّذِي تصلحه فِيهِ وإن الحق سبحانه
يأبي إلا إخفاء قبره كَمَا آثر هُوَ ستر نَفْسه وَقَالَ أَبُو عُثْمَان المغربي:
الولي قَدْ يَكُون مشهورا ولكن لا يَكُون مفتونا.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت النصراباذي يَقُول: لَيْسَ للأولياء
سؤال إِنَّمَا هُوَ الذبول والخمول قَالَ: وسمعته يَقُول: نهايات الأولياء بدايات
الأنبياء وَقَالَ سهل بْن عَبْد اللَّهِ: الوالي الَّذِي توالت أفعاله عَلَى
الموافقة وَقَالَ يَحْيَي بْن معاذ: الولي لا يرائي ولا ينافق وَمَا أقل صديق من
كَانَ هَذَا خلقه وَقَالَ أَبُو عَلَى الجوزجاني: الولي هُوَ الفاني فِي حاله
الباقي فِي مشاهدة الحق سبحانه تولى اللَّه سياسته فتوالت عَلَيْهِ أنوار التولي
لَمْ يكن لَهُ عَن نَفْسه إخبار ولا مَعَ غَيْر اللَّه قرار وَقَالَ أَبُو يَزِيد:
حظوظ الأولياء مَعَ تباينها من أربعة أسماء وقيام كُل فريق مِنْهُم باسم منها
وَهُوَ الأَوَّل والآخر والظاهر والباطن فَمَتَى فنى عَنْهَا بَعْد ملابستها
فَهُوَ الكامل التام فمن كَانَ حظه من اسمه الظاهر لاحظ عجائب قدرته ومن كَانَ حظه
من اسمه الباطن لا حظ مَا جرى فِي السرائر من أنواره ومن كَانَ حظه من اسمه
الأَوَّل كَانَ شغله بِمَا سبق ومن كَانَ حظه من اسمه الآخر كَانَ مرتبطا بِمَا
يستقبله وكل كوشف عَلَى قدر طاقته إلا من تولاه الحق سبحانه ببره وقام عَنْهُ
بنفسه وَهَذَا الَّذِي قاله أَبُو يَزِيد يشير إِلَى أَن الخواص من عباده ارتقوا
عَن هذه الأقسام فلا العواقب هُمْ فِي ذكرها ولا السوابق هُمْ فِي فكرها ولا
الطوارق هُمْ فِي أسرها وكذا أَصْحَاب الحقائق يكونون محوا عَن نعوت الخلائق قَالَ
اللَّه تَعَالَى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} [الكهف: 18] وَقَالَ
يَحْيَي بْن معاذ: الولي ريحان اللَّه تَعَالَى فِي الأَرْض يشمه الصديقون فتصل
رائحته إِلَى قلوبهم فيشتاقون بِهِ إِلَى مولاهم ويزدادون عُبَادَة عَلَى تفاوت
أخلاقهم.
وسئل
الواسطي كَيْفَ يغذي الولي فِي ولايته فَقَالَ: فِي بدايته بعبادته وَفِي كهولته
بستره بلطافته ثُمَّ يجذبه إِلَى مَا سبق لَهُ من نعوته وصفاته ثُمَّ يذيقه طعم
قيامه بِهِ فِي أوقاته، وقيل: علامة الولي ثلاثة: شغله بالله تَعَالَى وفراره
إِلَى اللَّه تَعَالَى وهمه إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ الخراز: إِذَا أراد
اللَّه تَعَالَى أَن يوالي عبدا من عبيده فتح عَلَيْهِ بَاب ذكره فَإِذَا استلذ
الذكر فتح عَلَيْهِ بَاب القرب ثُمَّ رفعه إِلَى مجلس الأنس بِهِ ثُمَّ أجلسه
عَلَى كرسي التوحيد ثُمَّ رفع عَنْهُ الحجب وأدخله دار الفردانية وكشف لَهُ عَنِ
الجلال والعظمة فَإِذَا وقع بصره عَلَى الجلال والعظمة بقى بلا هوى فحينئذ صار
العبد زمنا فانيا فوقع فِي حفظه سبحانه وبرئ من دعاوي نَفْسه.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول: سمعت أبا عَلِيّ الروذباري يَقُول: قَالَ أَبُو تراب النخشبي:
إِذَا ألف القلب الإعراض عَنِ اللَّه تَعَالَى صحبته الوقيعة فِي أولياء اللَّه
تَعَالَى ويقال: صفة الولي أَن لا يَكُون لَهُ خوف، لأن الخوف ترقب مكروه يحل فِي
المستقبل أَوِ انتظار محبوب يفوت فِي المستأنف والولي ابْن وقته لَيْسَ لَهُ
مستقبل فيخاف شَيْء وكما لا خوف لَهُ لا رجاء لَهُ، لأن الرجاء انتظار محبوب يحصل
أَوْ مكروه يكشف وَذَلِكَ فِي الثَّانِي من الوقت وَكَذَلِكَ لا حزن لَهُ، لأن
الحزن من حزونه الوقت ومن كَانَ فِي ضياء الرضا وبرد الموافقة فأنى يَكُون لَهُ
حزن قَالَ اللَّه تَعَالَى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62] .
بَاب الدعاء
قَالَ اللَّه تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55]
وَقَالَ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] .
أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ
الصَّفَّارُ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَوْدِيُّ
قَالَ: حَدَّثَنَا كَامِلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا
خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الدُّعَاءُ
مُخُّ الْعِبَادَةِ.
قَالَ
الأستاذ: والدعاء مفتاح الحاجة وَهُوَ مستروح أَصْحَاب الفاقات وملجأ المضطرين
ومتنفس ذوي المآرب وَقَدْ ذم اللَّه تَعَالَى قوما تركوا الدعاء فَقَالَ: ويقبضون
أيديهم قيل لا يمدونها إلينا فِي السؤال
وَقَالَ سهل
بْن عَبْد اللَّهِ: خلق اللَّه تَعَالَى الخلق وَقَالَ ناجوني فَإِن لَمْ تفعلوا
فانظروا إِلَى فَإِن لَمْ تفعلوا فاسمعوا منى فَإِن لَمْ تفعلوا فكونوا ببابي
فَإِن لَمْ تفعلوا فأنزلوا حاجاتكم بي.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق يَقُول: قَالَ سهل بْن عَبْد اللَّهِ: أقرب الدعاء
إِلَى الإجابة دعاء الحال ودعاء الحال أَن يَكُون صاحبه مضطر لابد لَهُ مِمَّا
يدعو لأجله , أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيّ قَالَ: سمعت أبا
عَبْد اللَّهِ المكانسي يَقُول: كنت عِنْدَ الجنيد فأتت امْرَأَة إِلَيْهِ
وَقَالَتْ: ادع اللَّه تَعَالَى لي فَإِن ابنا لي ضاع فَقَالَ: اذهبي واصبري فمضت
ثُمَّ عادت فَقَالَتْ: مثل ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا الجنيد: اذهبي واصبري فمضت ثُمَّ
عادت ففعلت مثل ذَلِكَ مرات والجنيد يَقُول لَهَا: اصبري فَقَالَتْ: عيل
صبري وَلَمْ
يبق لي طاقة فادع لي فَقَالَ الجنيد: إِن كَانَ كَمَا قُلْت فاذهبي فَقَدْ رجع
ابنك فمضت ثُمَّ عادت تشكر لَهُ فقيل للجنيد: لَمْ عرفت ذَلِكَ؟ فَقَالَ: قَالَ
اللَّه تَعَالَى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}
[النمل: 62] واختلف النَّاس فِي أَن الأفضل الدعاء أم السكوت والرضا فمنهم من
قَالَ الدعاء فِي نَفْسه عُبَادَة قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الدعاء مخ العبادة فالإتيان بِمَا هُوَ عُبَادَة أولى من تركه ثُمَّ
هُوَ حق الحق سبحانه وتعالى فَإِن لَمْ يستجب للعبد وَلَمْ يصل إِلَى حظ نَفْسه
فلقد قام بحق ربه، لأن الدعاء إظهار فاقة العبودية ولقد قَالَ أَبُو حازم الأعرج،
لأن أحرام الدعاء أشد عَلَى من أَن أحرم الإجابة وطائفة قَالُوا: السكوت والخمول
تَحْتَ جريان الحكم أتم والرضا بِمَا سبق من اختيار الحق أولى ولهذا قَالَ
الواسطي: اختيار مَا جرى لَك فِي الأزل خير لَك من معارضة الوقت وَقَدْ قَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبرا عَنِ اللَّه تَعَالَى: من شغله ذكرى عَن
مسألتي أعطيته أفضل مَا أعطى السائلين وَقَالَ قوم: يجب أَن يَكُون العبد صاحب دعاء
بلسانه وصاحب رضا بقلبه ليأتي بالأمرين جميعا والأولى أَن يقال: إِن الأوقات
مختلفة ففي بَعْض الأحوال الدعاء أفضل من السكوت وَهُوَ الأدب وَفِي بَعْض الأحوال
السكوت أفضل من الدعاء وَهُوَ الأدب وإنما يعرف ذَلِكَ فِي الوقت، لأن علم الوقت
إِنَّمَا يحصل فِي الوقت
فَإِذَا وجد
بقلبه إشارة إِلَى الدعاء فالدعاء لَهُ أولى وإذا وجد إشارة إِلَى السكوت فالسكوت
لَهُ أتم ويصح أَن يقال ينبغي للعبد أَن لا يَكُون ساهيا عَن شهود ربه تَعَالَى
فِي حال دعائه ثُمَّ يجب عَلَيْهِ أَن يراعي حاله فَإِن وجد من الدعاء زيادة بسط
فِي وقته فالدعاء لَهُ أولي وإن عاد إِلَى قلبه فِي وقت الدعاء شبه زجر ومثل قبض
فالأولى لَهُ ترك الدعاء فِي هَذَا الوقت وإن لَمْ يجد فِي قلبه زيادة بسط ولا
حصول زجر فالدعاء وتركه ههنا سيان فَإِن كَانَ الغالب عَلَيْهِ فِي هَذَا الوقت
العلم فالدعاء أولى لكونه عُبَادَة وإن كَانَ الغالب عَلَيْهِ فِي هَذَا الوقت
المعرفة والحال والسكوت فالسكوت أولى ويصح أَن يقال مَا كَانَ للمسلمين فِيهِ نصيب
أَوْ للحق
سبحانه فِيهِ حق فالدعاء أولى وَمَا كَانَ لنفسك فِيهِ حظ فالسكوت أتم، وَفِي
الْخَبَر المروي إِن العبد يدعو اللَّه تَعَالَى وَهُوَ يحبه فَيَقُول يا جبريل
عَلَيْهِ السَّلام أخر حاجة عبدى فإني أحب أَن أسمع صوته وإن العبد ليدعو اللَّه
وَهُوَ يبغضه فَيَقُول: يا جبريل اقض لعبدي حاجته فإني أكره أَن أسمع صوته.
ويحكى أَن
يَحْيَي بْن سَعِيد الْقَطَّان رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رأى الحق سبحانه فِي
منامه فَقَالَ: إلهي كم أدعوك ولا تجيبني فَقَالَ: يا يَحْيَي لأني أحب أَن أسمع
صوتك.
وَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي نفسي بيده إِن العبد ليدعو اللَّه
تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غضبان فيعرض عَنْهُ ثُمَّ يدعوه فيعرض عَنْهُ ثُمَّ يدعوه
فَيَقُول اللَّه تَعَالَى لملائكته أَبِي عبدي أَن يدعو غيرى فَقَد استجبت لَهُ.
أَخْبَرَنَا
أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ
بِبَغْدَادَ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَعْرُوفُ بِابْنِ السِّمَاكِ , قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
رَبِّهِ الْحَضْرَمِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ,
قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ الْحَجَّاجِ , قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: كَانَ رَجُلٌ عَلَى
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْجَرُ مِنْ بِلادِ
الشَّامِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى بِلادِ الشَّامِ وَلا
يَصْحَبُ الْقَوَافِلَ تَوَكُّلا مِنْهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ:
بَيْنَا هُوَ جَاءَ مِنَ الشَّامِ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ إِذْ عَرَضَ لَهُ لِصٌّ
عَلَى فَرَسٍ، فَصَاحَ بِالتَّاجِرِ قِفْ فَوَقَفَ لَهُ التَّاجِرُ وَقَالَ لَهُ
شَأْنُكَ بِمَالِي وَخَلِّ سَبِيلِي، فَقَالَ لَهُ اللِّصُّ: الْمَالُ مَالِي
وَإِنَّمَا أُرِيدُ نَفْسَكَ.
فَقَالَ
لَهُ التَّاجِرُ: مَا تَرْجُو بِنَفْسِي شَأْنُكَ وَالْمَالُ وَخَلِّ سَبِيلِي.
قَالَ
فَرَدَّ عَلَيْهِ اللِّصُّ مِثْلَ الْمَقَالَةِ الأُولَى، فَقَالَ لَهُ
التَّاجِرُ: أَنْظِرْنِي حَتَّى أَتَوَضَّأَ وَأُصَلِّي وَأَدْعُوَ رَبِّي عَزَّ
وَجَلَّ، قَالَ: افْعَلْ مَا بَدَا لَكَ.
قَالَ:
فَقَامَ التَّاجِرُ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكْعَاتٍ ثُمَّ رَفَعَ
يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ فَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ أَنْ قَالَ: يَا وَدُودُ، يَا
وَدُودُ، يَا ذَا الْعَرْشِ الْمَجِيدِ، يَا مُبْدِئُ، يَا مُعِيدُ، يَا فَعَّالُ
لِمَا يُرِيدُ، أَسْأَلُكَ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي مَلأَ أَرْكَانَ عَرْشِكَ،
وَأَسْأَلُكَ بِقُدْرَتِكَ الَّتِي قَدَرْتَ بِهَا عَلْى خَلْقِكَ وَبِرَحْمَتِكَ
الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ يَا مُغِيثُ أَغِثْنِي
ثَلاثَ
مَرَّاتٍ، فَلَمَّا
فَرَغَ مِنْ دُعَائِهِ إِذَا بِفَارِسٍ عَلَى فَرَسٍ أَشْهَبَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ
خُضْرٌ بِيَدِهِ حَرْبَةٌ مِنْ نُورٍ، فَلَمَّا نَظَرَ اللِّصُّ إِلَى الْفَارِسِ
تَرَكَ التَّاجِرُ وَمَرَّ نَحْوَ الْفَارِسِ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ شَدَّ
الْفَارِسُ عَلَى اللِّصِّ فَطَعَنَهُ طَعْنَةً أَذْرَاهُ عَنْ فَرَسِهِ ثُمَّ
جَاءَ إِلَى التَّاجِرِ فَقَالَ لَهُ: قُمْ فَاقْتُلْهُ فَقَالَ لَهُ التَّاجِرُ:
مَنْ أَنْتَ؟ فَمَا قَتَلْتُ أَحَدًا قَطُّ وَلا تَطِيبُ نَفْسِي لِقَتْلِهِ،
قَالَ فَرَجَعَ الْفَارِسُ إِلَى اللِّصِّ فَقَتَلَهُ ثُمَّ جَاءَ إِلَى
التَّاجِرِ وَقَالَ اعْلَمْ أَنِّي مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ حِينَ
دَعَوْتَ الأُولَى سَمِعْنَا لأَبْوَابِ السَّمَاءِ قَعْقَعَةً فَقُلْنَا أَمْرٌ
حَدَثَ ثُمَّ دَعَوْتَ الثَّانِيَةَ فَفُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَهَا شَرَرٌ
كَشَرَرِ النَّارِ ثُمَّ دَعَوْتَ الثَّالِثَةَ فَهَبَطَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلامُ عَلَيْنَا مِنْ قِبَلِ السَّمَاءِ وَهُوَ يُنَادِي: مَنْ لِهَذَا
الْمَكْرُوبِ فَدَعَوْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُوَلِّيَنِي قَتْلَهُ.
وَاعْلَمْ
يَا عَبْدَ اللَّهِ أَنَّهُ مَنْ دَعَا بِدُعَائِكَ هَذَا فِي كُلِّ كُرْبَةٍ
وَكُلِّ شِدَّةٍ وُكُلِّ نَازِلَةٍ فَرَّجَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَعَانَهُ
قَالَ وَجَاءَ التَّاجِرُ سَالِمًا غَانِمًا حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَجَاءَ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِالْقِصَّةِ
وَأَخْبَرَهُ بِالدُّعَاءِ فَقَالَ لَهُ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: لَقَدْ لَقَّنَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَسْمَاءَهُ الْحُسْنَى
الَّتِي إِذَا دُعِيَ بِهَا أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهَا أَعْطَى
ومن آداب
الدعاء: حضور القلب وأن لا يَكُون ساهيا فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِن اللَّه تَعَالَى لا يستجيب دعاء
عَبْد من قلب لاه.
ومن شرائطه:
أَن يَكُون مطعمه حلالا فلقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسعد: وأطب
كسبك تستجب دعوتك وَقَدْ قيل الدعاء مفتاح الحاجة وأسنانها لقم الحلال.
وَكَانَ
يَحْيَي بْن معاذ يَقُول: إلهي كَيْفَ أدعوك وأنا عاص وكيف لا أدعوك وأنت كريم،
وقيل: مر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام برجل يدعو ويتضرع فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلام إلهي لو كانت حاجته بيدي قضيتها فأوحى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ أنا أرحم
بِهِ منك ولكنه يدعوني وَلَهُ غنم وقلبه عِنْدَ غنمه وإني لا أستجيب لعبد يدعوني
وقلبه عِنْدَ غيري فذكر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام للرجل ذَلِكَ فانقطع إِلَى
اللَّه تَعَالَى بقلبه فقضيت حاجته وقيل لجعفر الصادق عَلَيْهِ السَّلام: مَا
بالنا ندعو فلا يستجاب لنا
فَقَالَ:
لأنكم تدعون من لا تعرفونه.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي يَقُول ظهر بيعقوب بْن اللَّيْث علة أعيت الأطباء فَقَالُوا
لَهُ: فِي ولايتك رجل صَالِح يسمى سهل بْن عَبْد اللَّهِ لو دعا لَك لعل اللَّه
تَعَالَى يستجيب لَهُ فاستحضر سهلا وَقَالَ: ادع اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لي فَقَالَ
سهل: كَيْفَ يستجاب دعائي فيك وَفِي مجلسك مظلومون فأطلق كُل من فِي حبسه فَقَالَ
سهل: اللَّهُمَّ كَمَا أريته ذل المعصية فأره عز الطاعة وفرج عَنْهُ فعوفي فعرض
مالا عَلَى سهل فأبي أَن يقبل فقيل لَهُ: لو قبلته ودفعته إِلَى الفقراء فنظر
إِلَى الحصباء فِي الصحراء فَإِذَا هِيَ جواهر فَقَالَ لأَصْحَابه: من يعطى مثل
هَذَا يحتاج إِلَى مال يعقوب بْن اللَّيْث وقيل: كَانَ صَالِح المرى يَقُول كثيرا
من أدمن قرع بَاب يوشك أَن يفتح لَهُ فَقَالَتْ لَهُ رابعة: إِلَى مَتَى تقول
هَذَا مَتَى أغلق هَذَا الباب حَتَّى يستفتح فَقَالَ صَالِح: شيخ جهل وامرأة علمت.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ يَقُول: سمعت أبا بَكْر الرازي يَقُول: سمعت أبا بَكْر
الحربي يَقُول: سمعت السري يَقُول حضرت مجلس معروف الكرخي فقام إِلَيْهِ رجل
فَقَالَ: يا أبا محفوظ ادع اللَّه تَعَالَى أَن يرد عَلَي كيسي فَإِنَّهُ سرق وفيه
ألف دِينَار فسكت فأعاد ثُمَّ سكت فأعاد فَقَالَ معروف: ماذا أقول؟ أقول مَا زويته
عَن أنبيائك وأصفيائك فرده عَلَيْهِ فَقَالَ: الرجل فادع اللَّه تَعَالَى لي
فَقَالَ: اللَّهُمَّ خر لَهُ.
وحكي عَنِ
اللَّيْث أَنَّهُ قَالَ: رأيت ابْن نَافِع ضريرا ثُمَّ رأيته بصيرا فَقُلْتُ لَهُ:
بم رد عليك بصرك فَقَالَ: أتيت فِي منامي فقيل قل يا قريب يا مجيب , يا سميع
الدعاء يا لطيفا لما يشاء رد عَلَي بصرى فقلتها فرد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى
بصرى.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق يَقُول: كَانَ بي وجع العين ابتداء مَا رجعت إِلَى
نيسابور من مرو وكنت مدة أَيَّام لَمْ أجد النوم فتناعست صباحا فسمعت قائلا
يَقُول لي:
أليس اللَّه بكاف عبده فانتبهت وَقَدْ فارقني الرمد وزال فِي الوقت الوجع وَلَمْ
يصبني بَعْد ذَلِكَ وجع العين.
وحكى عَن
مُحَمَّد بْن خزيمة أَنَّهُ قَالَ: لما مَات أَحْمَد بْن حنبل رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى كنت بالإسكندرية فاغتممت فرأيت فِي المنام أَحْمَد بْن حنبل رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ يتبختر فَقُلْتُ: يا أبا عَبْد اللَّهِ أي مشية هذه فَقَالَ:
مشية الخدام فِي دار السَّلام فَقُلْتُ: مَا فعل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بك فَقَالَ:
غفر لي وتوجني وألبسني نعلين من ذهب وَقَالَ: يا أَحْمَد هَذَا بقولك الْقُرْآن
كلامي ثُمَّ قَالَ: ادعني يا أَحْمَد بتلك الدعوات الَّتِي بلغتك عَن سُفْيَان
الثَّوْرِي فكنت تدعو بِهَا فِي دار الدنيا فَقُلْتُ: يا رب كُل شَيْء بقدرتك
عَلَى كُل شَيْء اغفر لي كُل شَيْء ولا تسألني عَن شَيْء فَقَالَ: يا أَحْمَد هذه
الْجَنَّة فادخلها فدخلتها.
وقيل: تعلق
شاب بأستار الْكَعْبَة وَقَالَ إلهي لا شريك لَك فيؤتى ولا وزير لَك فيرشي إِن
أطعتك فبفضلك ولك الحمد وإن عصيتك فبجهلي فلك الحجة عَلَى فبإثبات حجتك عَلَى
انقطاع حجتي لديك إلا غفرت لي فسمع هاتفا يَقُول: الفتى عتيق من النار وقيل: فائدة
الدعاء إظهار الفاقة بَيْنَ يديه وإلا فالرب عَزَّ وَجَلَّ يفعل مَا يشاء وقيل:
دعاء العامة بالأقوال ودعاء الزهاد بالأفعال ودعاء العارفين بالأحوال وقيل: خير
الدعاء مَا هيجته الأحزان وَقَالَ بَعْضهم إِذَا سألت اللَّه تَعَالَى حاجة فتسهلت
فسل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّة فلعل ذَلِكَ يَوْم إجابتك وقيل: ألسنة
المبتدئين منطلقة بالدعاء وألسنة المتحققين خرست عَن ذَلِكَ.
وسئل
الواسطي أَن يدعو فَقَالَ: أخشى إِن دعوت أَن يقال لي: إِن سألتنا مَالِك عندنا
فَقَد اتهمتنا وإن سألتنا مَا لَيْسَ لَك عندنا فَقَدْ أسأت الثناء عَلَيْنَا وإن
رضيت أجرينا لَك من الأمور مَا قضينا لَك فِي الدهور.
وروي عَن
عَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: مَا دعوت منذ خمسين سنة ولا أريد
أَن يدعو لي أحد
وقيل:
الدعاء المراسلة وَمَا دامت المراسلة باقية فالأمر جميل بَعْد وقيل: لسان المذنبين
دعاؤهم.
وسمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق يَقُول: إِذَا بكى المذنب فَقَدْ راسل اللَّه عَزَّ
وَجَلَّ وَفِي معناه أنشدوا:
دموع الفتى
عما يجن تترجم ... وأنفاسه
يبدين مَا القلب يكتم
وَقَالَ
بَعْضهم: الدعاء ترك الذنوب وقيل: الدعاء لسان الاشتياق إِلَى الحبيب وقيل: الإذن
فِي الدعاء خير من العطاء.
وَقَالَ
الكتاني: لَمْ يفتح اللَّه لسان المؤمن بالمعذرة إلا لفتح بَاب المغفرة وقيل:
الدعاء يوجب الحضور والعطاء يوجب الصرف والمقام عَلَى الباب أتم من الانصراف
بالمثاب وقيل: الدعاء مواجهة الحق بلسان الحياء وقيل: شرط الدعاء الوقوف مَعَ
الْقَضَاء بوصف الرضا وقيل: كَيْفَ تنتظر إجابة الدعوة وَقَدْ سددت طريقها بالهفوة
وقيل لبعضهم: ادع لي فَقَالَ: كفاك من الأجنبية أَن تجعل بينك وبينه واسطة.
سمعت حمزة
يُوسُف بْن السَّهْمِيّ يَقُول: سمعت أبا الفتح نصر بْن أَحْمَد بْن عَبْد
الْمَلِك يَقُول: سمعت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَحْمَد يَقُول: سمعت أَبِي يَقُول:
جاءت امْرَأَة إِلَى تقى بْن مخلد فَقَالَتْ: إِن ابني قَدْ أسره الروم ولا أقدر
عَلَى مال أَكْثَر من دويرة ولا أقدر عَلَى بيعها فلو أشرت إِلَى من يفديه بشيء
فَإِنَّهُ لَيْسَ لي ليل ولا نهار ولا نوم ولا قرار فَقَالَ: نعم انصرفي حَتَّى
أنظر فِي أمره إِن شاء اللَّه تَعَالَى قَالَ وأطرق الشيخ وحرك شفتيه قَالَ:
فلبثنا مدة فجاءت المرأة ومعها ابنها فأخذت
تدعو لَهُ وتقول: رجع سالما وَلَهُ حَدِيث يحدثك
بِهِ فَقَالَ الشاب: كنت فِي يدي بَعْض ملوك الروم مَعَ جَمَاعَة من الأسارى وَكَانَ لَهُ إِنْسَان يستخدمنا كُل يَوْم يخرجنا إِلَى الصحراء
للخدمة ثُمَّ يردنا وَعَلَيْنَا قيودنا فبينا نحن نجئ من العمل بَعْد المغرب مَعَ صاحبه الَّذِي
كَانَ يحفظنا انفتح القيد من رجلي ووقع عَلَى الأَرْض ووصف اليوم والساعة فوافق الوقت الَّذِي جاءت فِيهِ المرأة ودعا الشيخ قَالَ فنهض إِلَى الَّذِي كَانَ يحفظني وصاح عَلَى كسرت القيد قُلْت: لا إنه سقط من رجالي قَالَ فتحير وأخبر صاحبه واحضروا الحداد وقيدوني فلما مشيت خطوات سقط القيد من رجلي فتحيروا فِي أمرى فدعوا رهبانهم فَقَالُوا لي ألك والدة؟ قُلْت: نعم فَقَالُوا وافق دعاؤها الإجابة وَقَدْ أطلقت اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فلا يمكننا تقييدك فزودوني وأصحبوني بمن أوصلني إِلَى ناحية الْمُسْلِمِينَ.
الكلمات المفتاحية :
التربية و السلوك
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: