باب الفقر
قَالَ
اللَّه تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا
يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ} [البقرة: 273] الآية.
أَخْبَرَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ شُجَاعِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى
الْبَزَّارُ بِبَغْدَادَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ الأَنْبَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ,
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ , عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: يَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ
بِخَمْسِ مِائَةِ عَامٍ نِصْفِ يَوْمٍ
وَأَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُبْدُوسٍ الْحِيرِيُّ بِبَغْدَادَ ,
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْبَزَّارُ
بِبَغْدَادَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
أَبِي الْفُرَاتِ , عَنْ إِبْرَاهِيمِ الْهَجَرِيِّ , عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ ,
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِنَّ الْمِسْكِينَ لَيْسَ بِالطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ
وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ قَالَ: فَقِيلَ: مَنِ
الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي لا يَجِدُ مَا يُغْنِيهِ
وَيَسْتَحِي أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ وَلا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ.
قَالَ
الأستاذ: معنى قَوْله يستحى أَن يسأل النَّاس أي: يستحى من اللَّه تَعَالَى أَن
يسأل النَّاس لا أَنَّهُ يستحى من النَّاس
والفقر شعار
الأولياء , وحلية الأصفياء , واختيار الحق سبحانه لخواصه من الأتقياء والأنبياء
والفقراء صفوة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ من عباده ومواضع أسراره بَيْنَ خلقه بِهِمْ
يصون الخلق وببركاتهم يبسط عَلَيْهِم الرزق
والفقراء
الصبر جلساء اللَّه تَعَالَى يَوْم القيامة بِذَلِكَ ورد الْخَبَر عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا
الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السلمي، قال: حدثنا إبراهيم بن أحمد بن محمد
الفزاري، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بْنُ خَشِيشٍ الْبَغْدَادِيُّ
قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ
, عَنْ مَالِكٍ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِكُلِّ شَيْءٍ مِفْتَاحٌ وَمِفْتَاحُ الْجَنَّةِ حُبُّ
الْمَسَاكِينِ، وَالْفُقَرَاءُ الصَّبْرُ هُمْ جُلَسَاءُ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ
الْقِيَامَةِ
وقيل: إِن
رجلا أتي إِبْرَاهِيم بْن أدهم بعشرة آلاف درهم فأبي أَن يقبلها وَقَالَ: تريد أَن
تمحوا اسمي من ديوان الفقراء بعشرة آلاف درهم لا أفعل وَقَالَ معاذ النسفي: مَا
أهلك اللَّه تَعَالَى قوما وإن عملوا مَا عملوا حَتَّى أهانوا الفقراء وأزلوهم
وقيل: لو لَمْ يكن للفقير غَيْر إرادته سعة الْمُسْلِمِينَ ورخص أسعارهم لكفاه
ذَلِكَ لأنه يحتاج إِلَى شرائها والغنى يحتاج إِلَى بيعها هَذَا لعوام الفقراء
فكيف حال خواصهم.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت عَبْد الْوَاحِد بْن بَكْر يَقُول:
سمعت أبا بَكْر بْن سمعان يَقُول: سمعت أبا بَكْر بْن مَسْعُود يَقُول: سئل
يَحْيَي بْن معاذ عَنِ الفقر فَقَالَ: حقيقته أَن لا يستغنى إلا بالله ورسمه عدم
الأسباب كلها.
وسمعته
يَقُول: سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول: سمعت إِبْرَاهِيم القصار يَقُول
الفقر
لباس يورث
الرضا إِذَا تحقق العبد فِيهِ.
وقدم عَلِي
الأستاذ أَبِي عَلي الدقاق فَقِير فِي سنة خمس أَوْ أربع وتسعين وثلاث مائة من
زوزن وعليه مسح وقلنسوة مسح فَقَالَ لَهُ بَعْض أَصْحَابنا: بكم اشتريت هَذَا
المسح عَلَى وجه المطايبة فَقَالَ: اشتريته بالدنيا وطلب منى بالآخرة فلم أبعه.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق يَقُول: قام فَقِير فِي مجلس يطلب شَيْئًا فَقَالَ: إني
جائع منذ ثَلاث وَكَانَ هناك بَعْض المشايخ فصاح عَلَيْهِ وَقَالَ كذبت إِن الفقر
سر اللَّه وَهُوَ لا يضع سره عِنْدَ من يحمله إِلَى من يريد.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن الفراء يَقُول: سمعت
زَكَرِيَّا النخشبي يَقُول: سمعت حمدون القصار يَقُول: إِذَا اجتمع إبليس وجنوده
لَمْ يفرحوا بشيء كفرحهم بثلاثة أشياء: رجل مؤمن قتل مؤمنا ورجل يموت عَلَى الكفر
وقلب فِيهِ خوف الفقر.
وسمعته
يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن عَطَاء يَقُول: سمعت أبا جَعْفَر الفراغاني
يَقُول: سمعت الجنيد يَقُول يا معشر الفقراء إنكم تعرفون بالله تَعَالَى وتكرمون
لِلَّهِ تَعَالَى فانظروا كَيْفَ تكونون مَعَ اللَّه تَعَالَى إِذَا خلوتم بِهِ.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن الْحَسَن البغدادي
يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الفراغاني يَقُول: سمعت الجنيد وَقَدْ
سئل عَنِ الافتقار إِلَى اللَّه سبحانه وتعالى أهو أتم أم الاستغناء بالله
تَعَالَى فَقَالَ: إِذَا صح الافتقار إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ صح
الاستغناء بالله تَعَالَى وإذا صح الاستغناء بالله تَعَالَى كمل الغنى بِهِ فلا
يقال أيهما أتم الافتقار أم الغنى لأنهما حالتان لا تتم إحداهما إلا بالأخرى.
وسمعته
يَقُول: سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول: سمعت جعفرا يَقُول: سمعت رويما
يَقُول وَقَدْ سئل عَن نعت الفقير فَقَالَ:
إرسال النفس
فِي أحكام اللَّه تَعَالَى وقيل: نعت الفقير ثلاثة أشياء حفظ سره وأداء فرضه
وصيانة فقره وقيل: لأبي سَعِيد الخراز لَمْ تأخر عَنِ الفقراء رفق الأغنياء قَالَ
لثلاث خصال، لأن مَا فِي أيديهم غَيْر طيب ولأنهم غَيْر موفقين ولأن الفقراء
مرادون بالبلاء وقيل: أوحى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام:
إِذَا رأيت الفقراء فسائلهم كَمَا تسائل الأغنياء فَإِن لَمْ تفعل فاجعل كُل شَيْء
علمتك تَحْتَ التراب.
وروي عَن
أَبِي الدرداء أَنَّهُ قَالَ: لأن أقع من فَوْقَ قصر فأنحطم أحب إِلَى من مجالسه
الغني لأني سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول إياكم
ومجالسة الموتى قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ ومن الموتي؟ قَالَ: الأغنياء وقيل للربيع
بْن خيثم: قَدْ غلا السعر قَالَ: نحن أهون عَلَى اللَّه من أَن يجيعنا إِنَّمَا
يجيع أولياءه وَقَالَ إِبْرَاهِيم بْن أدهم: طلبنا الفقر فاستقبلنا الغنى وطلب
النَّاس الغنى فاستقبلهم الفقر.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت أَحْمَد بْن عَلِي يَقُول: سمعت الْحَسَن
بْن علوية يَقُول: قيل ليحي بْن معاذ: مَا الفقر؟ قَالَ: خوف الفقر قيل: فَمَا
الغنى؟ قَالَ: الأمن بالله تَعَالَى وسمعته يَقُول: سمعت أبا بَكْر الرازي يَقُول:
سمعت الجريري يَقُول: سمعت ابْن الكريني يَقُول: إِن الفقير الصادق ليحترز من
الغنى حذرا أَن يدخله الغنى فيفسد عَلَيْهِ فقره كَمَا أَن الغنى يحترز من الفقر
حذرا أَن يدخل عَلَيْهِ فيفسد عَلَيْهِ غناه.
وسئل أَبُو
حفص بماذا يقدم الفقير عَلَى ربه عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: وَمَا للفقير أَن يقدم
بِهِ عَلَى ربه تَعَالَى سِوَى فقره وقيل: أوحى اللَّه تَعَالَى لي مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلام: أتريد أَن يَكُون لَك يَوْم الْقِيَامَة مثل حسنات النَّاس
أجمع قَالَ نعم قَالَ عد المريض وكن لثياب الفقراء فاليا فجعل مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلام عَلَى نَفْسه فِي كُل شَهْر سبعة أَيَّام يطوف عَلَى الفقراء يفلي ثيابهم
ويعود المرضى وَقَالَ سهل بْن عَبْد اللَّهِ خمسة أشياء من جوهر النفس فَقِير يظهر
الغنى وجائع يظهر الشبع ومحزون يظهر الفرح ورجل بينه وبين رجل عداوة يظهر لَهُ
المحبة ورجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يظهر ضعفا وَقَالَ بشر بْن الحرث: أفضل
المقامات اعتقاد الصبر عَلَى الفقر إِلَى القبر وَقَالَ ذو النون: علامة سخط
اللَّه عَلَى العبد خوفه من الفقر.
وَقَالَ
الشبلي: أدنى علامات الفقر أَن لو كانت الدنيا بأسرها لأحد فأنفقها فِي يَوْم
ثُمَّ خطر بباله أَن لو أمسك منها قوت يَوْم مَا صدق فِي فقره.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق يَقُول تكلم النَّاس فِي الفقر والغنى أيهما أفضل وعندي
أَن الأفضل أَن يعطى الرجل كفايته ثُمَّ يصان فِيهِ.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت أبا عَبْد اللَّهِ الرازي يَقُول: سمعت أبا
مُحَمَّد بْن ياسين يَقُول: سمعت ابْن الجلاء يَقُول وَقَدْ سألته عَنِ الفقر فسكت
حَتَّى خلا ثُمَّ ذهب ورجع عَن قريب ثُمَّ قَالَ كَانَ عندي أربعة دوانيق فاستحييت
من اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَن أتكلم فِي الفقر فذهبت وأخرجتها ثُمَّ قعد وتكلم فِي
الفقر.
وسمعته
يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد الدمشقي يَقُول: سمعت إِبْرَاهِيم بْن
المولد يَقُول سألت ابْن الجلاء
مَتَى يستحق
الفقير اسم الفقر فَقَالَ: إِذَا لَمْ يبق عَلَيْهِ بقية منه فَقُلْتُ: كَيْفَ ذاك
فَقَالَ: إِذَا كَانَ لَهُ فليس لَهُ وإذا لَمْ يكن لَهُ فَهُوَ لَهُ وقيل: صحة
الفقر أَن لا يستغني الفقير فِي فقره بشيء إلا بمن إِلَيْهِ فقره، وَقَالَ عَبْد
اللَّهِ بْن الْمُبَارَكِ إظهار الغنى فِي الفقر أَحْسَن من الفقر.
سمعت
مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الصوفي يَقُول: سمعت هلال بْن مُحَمَّد يَقُول: سمعت
النقاش يَقُول: سمعت بنانا الْمِصْرِي يَقُول: كنت بمكة قاعدا وشاب بَيْنَ يدي
فجاءه إِنْسَان وحمل إِلَيْهِ كيسا فِيهِ دراهم ووضعه بَيْنَ يديه، فَقَالَ: لا
حاجة لي فِيهِ، فَقَالَ: فرقة عَلَى المساكين، فلما كَانَ العشاء رأيته فِي الوادي
يطلب شَيْئًا لنفسه، فَقُلْتُ: لو تركت لنفسك مِمَّا كَانَ معك شَيْئًا؟ قَالَ
لَمْ أعلم أني أعيش إِلَى هَذَا الوقت.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت عَلِي بْن بندر الصيرفي يَقُول: سمعت
محفوظا يَقُول: سمعت أبا حفص يَقُول: أَحْسَن مَا يتوسل بِهِ العبد إِلَى مولاه
دوام الفقر إِلَيْهِ عَلَى جَمِيع الأحوال، وملازمة السنة فِي جَمِيع الأفعال،
وطلب القوت من وجه حلال.
وسمعته
يَقُول: سمعت الْحُسَيْن بْن أَحْمَد يَقُول: سمعت المرتعش يَقُول: ينبغي للفقير
أَن لا تسبق همته خطوته.
وسمعته
يَقُول سمعت أبا الفرج الورثاني يَقُول: سمعت فاطمة أخت أَبِي عَلِيّ الروذباري
تقول سمعت أبا عَلِيّ الروذباري يَقُول: كَانَ أربعة فِي زمانهم واحد كَانَ لا
يقبل من الإخوان ولا من السلطان شَيْئًا وَهُوَ يُوسُف بْن أسباط ورث من أَبِيهِ
سبعين ألف درهم وَلَمْ يأخذ منها شَيْئًا وَكَانَ يعمل الخوص بيده.
وآخر كَانَ
يقبل من الأخوان والسلطان جميعا وَهُوَ أَبُو إِسْحَاق الفزاري، فكان مَا أخذه من
الإخوان ينفقه فِي المستورين الَّذِينَ لا يتحركون، والذي كَانَ يأخذه من السلطان
كَانَ يخرجه إِلَى أهل طرسوس.
والثالث:
كَانَ يأخذ من الإخوان ولا يأخذ من السلطان وَهُوَ عَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارَكِ
يأخذ من الأخوان ويكافئ عَلَيْهِ.
الرابع:
كاني يأخذ من السلطان ولا يأخذ من الأخوان وَهُوَ مجلد بْن الْحُسَيْن كَانَ
يَقُول السلطان لا يمن والإخوان يمنون.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق يَقُول فِي الْخَبَر من تواضع لغنى لأجل غناه ذهب ثلثا
دينه: إِنَّمَا ذَلِكَ، لأن المرء بقلبه ولسانه ونفسه، فَإِذَا تواضع لغنى بنفسه
ولسانه ذهب ثلثا دينه فلو اعتقد فضله بقلبه كَمَا تواضع لَهُ بلسانه ونفسه ذهب
دينه كُلهُ، وقيل: أقل مَا يلزم الفقير فِي فقره أربعة أشياء: علم يسوسه، وورع
يحجزه، ويقين يحمله، وذكر يؤنسه، وقيل: من أراد الفقر لشرفه مَات فقيرا، ومن أراد
الفقر لئلا يشتغل عَنِ اللَّه تَعَالَى مَات غينا، وَقَالَ المزين: كانت الطرق
إِلَى اللَّه أَكْثَر من نجوم السماء فَمَا بقى منها طريق إلا طريق الفقر وَهُوَ
أصح الطرق.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت الْحُسَيْن بْن يُوسُفَ القزويني يَقُول:
سمعت إِبْرَاهِيم بْن المولد يَقُول: سمعت الْحَسَن بْن عَلِيّ يَقُول: سمعت
النوري يَقُول: نعت الفقير السكون عِنْدَ العدم، والإيثار عِنْدَ الوجود.
وسمعته
يَقُول: سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول سئل الشبلي عَن حقيقة الفقر
فَقَالَ: أَن لا يستغني بشيء دُونَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
وسمعته
يَقُول: سمعت مَنْصُور بْن خلف المغربي يَقُول: قَالَ لي أَبُو سهل الخشاب الكبير
الفقر فقر وذل، فَقُلْتُ: لا بَل فقر وعز، فَقَالَ: فقر وثرى، فَقُلْتُ: لا بَل
فقر وعرش.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق يَقُول: سئلت عَن معني قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كاد الفقر أَن يَكُون كفرا
قَالَ:
فَقُلْتُ: آفة الشيء وضده عَلَى حسب فضيلته وقدره فكلما كَانَ فِي نَفْسه أفضل
فضده وآفته أنقص كالإيمان لما كَانَ أشرف الخصال كَانَ ضده الكفر، فلما كَانَ
الخطر عَلَى الفقر الكفر دل عَلَى أَنَّهُ أشرف الأوصاف.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت أبا نصر الهروي يَقُول: سمعت المرتعش.
يَقُول:
سمعت الجنيد يَقُول: إِذَا لقيت الفقير فالقه بالرفق ولا تلقه بالعلم فَإِن الرفق
يؤنسه والعلم يوحشه فَقُلْتُ: يا أبا القاسم وهل يَكُون فَقِير يوحشه العلم؟
فَقَالَ: نعم الفقير إِذَا كَانَ صادقا فِي فقره فطرحت عَلَيْهِ علمك ذاب كَمَا
يذوب الرصاص فِي النار.
وسمعته
يَقُول: سمعت أبا عَبْد اللَّهِ الرازي يَقُول: سمعت مظفرا القرمسيني يَقُول:
الفقير هُوَ الَّذِي لا يَكُون لَهُ إِلَى اللَّه حاجة قَالَ الأستاذ أَبُو
القاسم: وَهَذَا اللفظ فِيهِ أدنى غموض لمن سمعه عَلَى وصف الغفلة عَن مرمى
الْقَوْم وإنما أشار قائله إِلَى سقوط المطالبات وانتفاء الاختيار والرضا بِمَا
بجريه الحق سبحانه وَقَالَ ابْن خفيف: الفقر عدم الإملاك والخروج من أحكام الصفات
وَقَالَ أَبُو حفص: لا يصح لأحد الفقر حَتَّى يَكُون العطاء أحب إِلَيْهِ من الأخذ
وليس السخاء أَن يعطى الواجد المعد إِنَّمَا السخاء أَن يعطى المعدم الواجد.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت عَبْد الْوَاحِد بْن بَكْر يَقُول: سمعت
الدقي يَقُول: سمعت ابْن الجلاء يَقُول: لولا شرف التواضع لكان حكم الفقير إِذَا
مشى أَن يتبختر وَقَالَ يُوسُف بْن أسباط: منذ أربعين سنة مَا ملكت قميصين
وَقَالَ
بَعْضهم: رأيت كأن الْقِيَامَة قَدْ قامت وقيل: أدخلوا مَالِك بْن دِينَار ومحمد
بْن واسع الْجَنَّة فنظرت أيهما يتقدم فتقدم مُحَمَّد بْن واسع سألت عَن سبب تقدمه
فقيل لي إنه كَانَ لَهُ قيمص واحد ولمالك قميصان وَقَالَ مُحَمَّد المسوحي: الفقير
الَّذِي لا يرى لنفسه حاجة إِلَى شَيْء من الأسباب.
وسئل سهل
بْن عَبْد اللَّهِ مَتَى يستريح الفقير فَقَالَ: إِذَا لَمْ ير لنفسه غَيْر الوقت
الَّذِي هُوَ فِيهِ وتذكروا عِنْدَ يَحْيَي بْن معاذ الفقر والغنى فَقَالَ: لا
يوزن غدا لا الفقر ولا الغنى وإنما يوزن الصبر والشكر فيقال يشكر ويصبر وقيل: أوحى
اللَّه تَعَالَى إِلَى بَعْض الأنبياء عَلَيْهِم السَّلام إِن أردت أَن تعرف رضاي
عَنْك فانظر كَيْفَ رضا الفقراء عَنْك وَقَالَ الزقاق من لَمْ يصحبه التقى فِي
فقره أكل الحرام المحض.
وقيل: كَانَ
الفقراء فِي مجلس سُفْيَان الثوري كأنهم الأمراء.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن أَحْمَد الفراء يَقُول:
سمعت أبا بَكْر بْن طاهر يَقُول: من حكم الفقير أَن لا يَكُون لَهُ رغبة فَإِن
كَانَ ولا بد فلا تجاوز رغبته كفايته وأنشدنا الشيخ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ
السلمي قَالَ: أنشدني عَبْد اللَّهِ بْن إِبْرَاهِيم بْن العلاء قَالَ أنشدني
أَحْمَد بْن عَطَاء لبعضهم:
قَالُوا غدا
العيد ماذا أَنْتَ لابسه ... فَقُلْتُ خلعة ساق حبه جرعا
فقر وصبر
هما ثوباي تحتهما ... قلب
يرى إلفه الأعياد والجمعا
أحرى
الملابس أَن تلقى الحبيب بِهِ ... يَوْم التزاور فِي الثوب
الَّذِي خلعا
الدهر لي
مأتم إِن غبت يا أملي ... والعيد مَا كانت لي مرأى
ومستمعا
وقيل إِن
هذه الأبيات لأبي عَلِي الروذباري
وَقَالَ
أَبُو بَكْر الْمِصْرِي وَقَدْ سئل عَنِ الفقير الصادق فَقَالَ: الَّذِي لا يملك
ولا يميل وَقَالَ ذو النون الْمِصْرِي: ودوام الفقر إِلَى اللَّه تَعَالَى مَعَ
التخليط أحب إِلَى من دوام الصفاء مَعَ العجب.
سمعت أبا
عَبْد اللَّهِ الشيرازي يَقُول: سمعت عَبْد الْوَاحِد بْن أَحْمَد يَقُول: سمعت
أبا بَكْر الجوال يَقُول: سمعت أبا عَبْد اللَّهِ الحصري يَقُول: مكث أَبُو
جَعْفَر الحداد عشرين سنة يعمل كُل يَوْم بدينا وينفقه عَلَى الفقراء ويصوم ويخرج
بَيْنَ العشاءين فيتصدق عَلَيْهِ من الأبواب.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت أبا عَلِيّ الْحُسَيْن بْن يُوسُفَ القزويني
يَقُول: سمعت إِبْرَاهِيم بْن المولد يَقُول: سمعت الْحَسَن بْن عَلِيّ يَقُول:
سمعت النوري يَقُول نعت الفقير السكون عِنْدَ العدم والبذل والإيثار عِنْدَ الوجود
وسمعته يَقُول: سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عَلِيّ
الكتاني يَقُول: كَانَ عندنا بمكة حرسها اللَّه تَعَالَى فتى عَلَيْهِ أطمار رثة
وَكَانَ لا يداخلنا ولا يجالسنا فوقعت محبته فِي قلبي ففتح لي بمائتي درهم من وجه
حلال فحملتها إِلَيْهِ ووضعتها عَلَى طرف سجادته وقلت لَهُ إنه فتح لي ذَلِكَ من
وجه حلال تصرفه فِي بَعْض أمورك فنظر إِلَى شزرا ثُمَّ كشف عما هُوَ مستور عنى
وَقَالَ اشتريت هذه الجلسة مَعَ اللَّه تَعَالَى عَلَى الفراغ بسبعين ألف دِينَار
غَيْر الضياع والمستغلات تريد أَن تخدعني عَنْهَا بِهَذِهِ وقام وبددها وقعدت
ألتقط فَمَا رأيت كعزه حِينَ مر ولا كذلي حِينَ كنت ألتقطها وَقَالَ أَبُو عَبْد
اللَّهِ بْن خفيف: مَا وجبت عَلَى زكاة الفطر أربعين سنة ولى قبول عظيم بَيْنَ
الخاص والعام.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد اللَّهِ بْن باكويه الصوفي يَقُول: سمعت أبا عَبْد اللَّهِ بْن خفيف
يَقُول ذَلِكَ وسمعته يَقُول: سمعت أبا أَحْمَد الصغير يَقُول
سألت أبا
عَبْد اللَّهِ بْن خفيف عَن فَقِير يجوع ثلاثة أَيَّام وبعد ثلاثة يخرج ويسأل
مقدار كفايته إيش يقال فِيهِ فَقَالَ: يقال فِيهِ مكد كلوا واسكتوا فلو دَخَلَ
فَقِير من هَذَا الباب لفضحكم كلكم.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ الصوفي يَقُول:
سمعت الدقي يَقُول وَقَدْ سئل عَن سوء أدب الفقراء مَعَ اللَّه تَعَالَى فِي
أحوالهم فَقَالَ: انحطاطهم من الحقيقة إِلَى العلم.
وسمعته
يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الطبري يَقُول: سمعت خيرا النساج يَقُول
دخلت بَعْض المساجد وإذا فِيهِ فَقِير فلما رآني تعلق بي وَقَالَ: أيها الشيخ تعطف
عَلَى فَإِن محنتي عظيمة فَقُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ فَقَالَ: فقدت البلاء وقويت
بالعافية فنظرت فَإِذَا قَدْ فتح عَلَيْهِ بشيء من الدنيا.
وسمعته
يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد يَقُول: سمعت أبا بَكْر الوراق
يَقُول طوبي للفقير فِي الدنيا والآخرة فسألوه عَنْهُ فَقَالَ: لا يطلب السلطان
منه فِي الدنيا الخراج ولا الجبار فِي الآخرة الحساب.
الكلمات المفتاحية :
التربية و السلوك
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: