باب التصوف
قَالَ الأستاذ: الصفاء
محمود بكل لسان وضده الكدورة وَهِيَ مذمومة.
أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يَحْيَي الطَّلْحِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَوْفَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
عَيَّاشٍ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ , عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ , قَالَ: خَرَجَ
عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَغَيِّرَ
اللَّوْنِ، فَقَالَ: ذَهَبَ صَفْوُ الدُّنْيَا وَبَقِيَ الْكَدَرُ فَالْمَوْتُ
الْيَوْمَ تُحْفَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.
قَالَ
الأستاذ: هذه التمسية غلبت عَلَى هذه الطائفة فيقال: رجل صوفي وللجماعة صوفية ومن
يتوصل إِلَى ذَلِكَ يقال لَهُ: متصوف وللجماعة المتصوفة وليس يشهد لِهَذَا الاسم
من حيث العربية قياس والاشتقاق والأظهر فِيهِ أَنَّهُ كاللقب فأما قَوْل من قَالَ
إنه من الصوف وتصوف إِذَا لبس الصوف، كَمَا يقال: تقمص إِذَا لبس القميص فذلك وجه لكن
الْقَوْم لَمْ يختصوا بلبس الصفو ومن قَالَ إنهم منسوبون إِلَى صفة مَسْجِد رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فالنسبة إِلَى الصفة لا تجيء عَلَى
نَحْو الصوفي
ومن قَالَ:
إنه من الصفاء فاشتقاق الصوفي من الصفاء بعيد فِي مقتضى اللغة وقول من قَالَ: إنه
مشتق من الصف فكأنهم فِي الصف الأَوَّل بقلوبهم من حيث المحاضرة من اللَّه
تَعَالَى فالمعنى صحيح ولكن اللغة لا تقتضى هذه النسبة إِلَى الصف ثُمَّ إِن هذه
الطائفة أشهر من أَن يحتاج فِي تعيينهم إِلَى قياس لفظ واستحقاق اشتقاق وتكلم
النَّاس فِي التصوف مَا معناه وَفِي الصوفي من هُوَ فَكُل عبر بِمَا وقع لَهُ
واستقصاء جميعه يخرجنا عَنِ المقصود من الإيجاز وسنذكر بَعْض مقالاتهم فِيهِ عَلَى
حد التلويح إِن شاء اللَّه تَعَالَى.
سمعت
مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن يَحْيَي الصوفي يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ
التميمي يَقُول: سئل أَبُو مُحَمَّد الجريري عَنِ التصوف فَقَالَ: الدخول فِي كُل
خلق سنى والخروج من كُل خلق دنى.
سمعت عَبْد
الرَّحْمَنِ بْن يُوسُفَ الأَصْبَهَانِي يَقُول: سمعت أبا عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد
بْن عمار الهمداني يَقُول: سمعت أبا مُحَمَّد المرعشي يَقُول سئل شيخي عَنِ التصوف
فَقَالَ: سمعت الجنيدي وَقَدْ سئل عَنْهُ فَقَالَ: هُوَ أَن يميتك الحق عَنْك
ويحييك بِهِ.
سمعت أبا
عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت عَبْد الْوَاحِد بْن مُحَمَّد الفارسي
يَقُول: سمعت أبا الفاتك يَقُول: سمعت الْحُسَيْن بْن مَنْصُور وَقَدْ سئل عَنِ
الصوفي فَقَالَ: وحداني الذات لا يقبله أحد ولا يقبل احدا.
وسمعته
يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد يَقُول: سمعت جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن
نصير يَقُول: سمعت أبا عَلِي الوراق يَقُول: سمعت أبا حمزة البغدادي يَقُول: علامة
الصوفي الصادق أَن يفتقر بَعْد الغنى ويذل بَعْد العز ويخفى بَعْد الشهرة، وعلامة
الصوفي الكاذب أَن يستغنى بَعْد الفقر ويعز بَعْد الذل ويشتهر بَعْد الخفاء.
وسئل عَمْرو
بْن عُثْمَان المكي عَنِ التصوف فَقَالَ: أَن يَكُون العبد فِي كُل وقت بِمَا هُوَ
أولى بِهِ فِي الوقت.
وَقَالَ
مُحَمَّد بْن عَلِيّ القصاب: التصوف أخلاق كريمة ظهرت فِي زمان كريم من رجل كريم
مَعَ قوم كرام.
وسئل سمنون
عَنِ التصوف فَقَالَ: أَن تملك شَيْئًا ولا يملك شَيْء.
وسئل رويم
عَنِ التصوف فَقَالَ: استرسال النفس مَعَ اللَّه تَعَالَى عَلَى مَا يريد.
وسئل الجنيد
عَنِ التصوف فَقَالَ: هُوَ أَن تكون مَعَ اللَّه تَعَالَى بلا علاقة.
سمعت عَبْد
اللَّهِ بْن يُوسُفَ الأَصْبَهَانِي يَقُول: سمعت أبا نصر السراج الطوسي يَقُول:
أخبرني مُحَمَّد بْن الفضل قَالَ: سمعت عَلِي بْن عَبْد الرحيم الواسطي يَقُول:
سمعت رويم بْن أَحْمَد البغدادي يَقُول: التصوف مبني عَلَى ثَلاث خصال: التمسك
الفقر والافتقار، والتحقق بالبذل والإيثار، وترك التعرض والاختيار.
وَقَالَ
معروف الكرخي: التصوف الأخذ بالحقائق واليأس مِمَّا فِي أيدي الخلائق.
وَقَالَ
حمدون القصار: اصحب الصوفية فَإِن للقبيح عندهم وجوها من المعاذير وليس للحسن
عندهم كبير موقع يعظمونك بِهِ.
وسئل الخراز
عَن أهل التصوف فَقَالَ: أقوام اعطوا حَتَّى بسطوا ومنعوا حَتَّى فقدوا ثُمَّ
نودوا من أسرار قريبة ألا فابكوا عَلَيْنَا وَقَالَ الجنيد: التصوف عنوة لا صلح
فِيهَا.
وَقَالَ
أَيْضًا: هُمْ أهل بَيْت واحد لا يدخل فيهم غيرهم.
وَقَالَ
أَيْضًا: التصوف ذكر مَعَ اجتماع ووجد مَعَ استماع وعمل مَعَ اتباع.
وَقَالَ
أَيْضًا: الصوفي كالأرض يطرح عَلَيْهَا كُل قبيح ولا يخرج منها إلا كُل مليح.
وَقَالَ
أَيْضًا: إنه كالأرض يطؤها البر والفاجر وكالسحاب يظل كُل شَيْء وكالقطر يسقى كُل
شَيْء.
وَقَالَ
إِذَا رأيت الصوفي يعنى بظاهره فاعلم أَن باطنه خراب.
وَقَالَ سهل
بْن عَبْد اللَّهِ: الصوفي من يرى دمه هدرا وملكه مباحا.
وَقَالَ
النوري: نعت الصوفي الكون عِنْدَ العدم والإيثار عِنْدَ الوجود.
وَقَالَ
الكتاني: التصوف خلق فمن زاد عليك فِي الخلق فَقَدْ زاد عليك فِي الصفاء.
وَقَالَ
أَبُو عَلِي الروذباري: التصوف الإناخة عَلَى بَاب الحبيب وإن طرد عَنْهُ.
وَقَالَ
أَيْضًا: صفوة القرب بَعْد كدورة البعد.
وقيل: أقبح
من كُل قبيح صوفي شحيح.
وقيل:
التصوف كف فارغ وقلب طيب.
وَقَالَ
الشبلي: التصوف الجلوس مَعَ اللَّه بلا هُمْ.
وَقَالَ
أَبُو مَنْصُور: الصوفي المشير عَنِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَإِن الخلق أشاروا
إِلَى اللَّه تَعَالَى.
وَقَالَ
الشلبي: الصوفي منقطع عَنِ الخلق متصل بالحق كقوله تَعَالَى: {وَاصْطَنَعْتُكَ
لِنَفْسِي} [طه: 41] قطعه عَن كُل غَيْر ثُمَّ قَالَ: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:
143]
وَقَالَ
أَيْضًا: الصوفية أطفال فِي حجر الحق.
وَقَالَ
أَيْضًا: التصوف برقة محرقة.
وَقَالَ
أَيْضًا: هُوَ العصمة عَن رؤية الكون وَقَالَ رويم: مَا تزال الصوفية بخير مَا
تنافروا فَإِذَا اصطلحوا فلا خير فَهُمْ وَقَالَ الجريري: التصوف مراقبة الأحوال
ولزوم الأدب.
وَقَالَ
المزين: التصوف الانقياد للحق.
وَقَالَ
أَبُو تراب النشخبي: الصوفي لا يكدره شَيْء ويصفو بِهِ كُل شَيْء.
وقيل:
الصوفي لا يتبعه طلب ولا يزعجه سبب.
سمعت أبا
حاتم السجستاني يَقُول: سمعت أبا نصر السراج يَقُول: سئل ذو النون عَنِ التصوف
فَقَالَ: هُمْ قَوْل آثروا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُل شَيْء فأثرهم اللَّه
عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُل شَيْء.
وَقَالَ
الواسطي: كَانَ للقوم إشارات ثُمَّ صارت حركات ثُمَّ لَمْ يبق إلا حسرات.
وسئل النووي
عَنِ الصفوي فَقَالَ: من سمع السماع وآثر الأسباب.
سمعت أبا
خاتم السجستاني يَقُول: سمعت أبا نصر السراج يَقُول قُلْت: للحصري من الصوفي عندك؟
فَقَالَ: الَّذِي لا تقله الأَرْض ولا تظله السماء قَالَ الأستاذ أَبُو القاسم:
إِنَّمَا أشار إِلَى حال المحو، وقيل: الصوفي من إِذَا استقبله حالان أَوْ خلقان كلاهما
حسن كَانَ مَعَ الأحسن، وسئل الشبلي لَمْ سموا بِهَذِهِ التسمية؟ فَقَالَ: لبقية
بقيت عَلَيْهِم من نفوسهم ولولا ذَلِكَ لما تعلقت بِهِمْ تسمية.
سمعت أبا
حاتم السجستاني يَقُول: سمعت أبا نصر السراج يَقُول: سئل ابْن الجلاء
مَا معنى
صوفي فَقَالَ: لَيْسَ نعرفه فِي شرط العلم ولكن نعرف فقيرا مجردا من الأسباب كَانَ
مَعَ اللَّه تَعَالَى بلا مكان ولا يمنعه الحق سبحانه من علم كُل مكان فسمى صوفيا
وَقَالَ بَعْضهم: التصوف إسقاط الجاه وسواد الوجه فِي الدنيا والآخرة وَقَالَ
أَبُو يعقوب المزايلي: التصوف حال تضمحل فِيهَا معالم الإِنْسَانية وَقَالَ أَبُو
الْحَسَنِ السيرواني: الصوفي يَكُون مَعَ الواردات لا مَعَ الأوراد.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق يَقُول: أَحْسَن مَا قيل فِي هَذَا الباب قَوْل من قَالَ
هَذَا طريق لا يصلح إلا لأقوام قَدْ كنس اللَّه بأرواحهم المزابل وَقَالَ رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى يوما: لَمْ يكن للفقير إلا روح فعرضها عَلَى كلاب هَذَا الباب
فلم ينظر كلب إِلَيْهَا وَقَالَ الأستاذ أَبُو سهل الصعلوكي رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى التصوف الإعراض عَنِ الاعتراض وَقَالَ الحصري: الصوفي لا يوجد بَعْد عدمه
ولا يعدم بَعْد وجوده قَالَ الأستاذ أَبُو القاسم القشيري: وَهَذَا فِيهِ إشكال،
ومعنى قَوْله لا يوجد بَعْد عدمه أي إِذَا فنيت آفاته لا تعود تلك الآفات، وقوله:
ولا يعدم بَعْد وجوده يعنى إِذَا اشتغل بالحق لَمْ يسقط بسقوط الخلق فالحادثات لا
تؤثر فِيهِ ويقال: الصوفي المصطلم عَنْهُ بِمَا لاح لَهُ من الحق ويقال: الصوفي
مقهور بتصريف الربوبية مستور بتصرف العبودية ويقال: الصوفي لا يتغير فَإِن تغير لا
يتكدر.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ يَقُول: سمعت الْحُسَيْن بْن أَحْمَد الرازي يَقُول: سمعت
أبا بَكْر الْمِصْرِي يَقُول: سمعت الخراز يَقُول: كنت فِي جامع قيروان يَوْم جمعة
فرأيت رجلا يدور فِي الصف وَيَقُول تصدقوا عَلَى فَقَدْ كنت صوفيا فضعفت فرفقته
بشيء فَقَالَ لي: مر ويلك لَيْسَ من ذَلِكَ وَلَمْ يقبل الرفق.
بَاب الأدب
قَالَ
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17] قيل: حفظ
آداب الحضرة وَقَالَ تَعَالَى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}
[التحريم: 6] جاء فِي التفسير عَنِ ابْن عَبَّاس فقهوهم وأدبوهم.
أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الأَهْوَازِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ
الصَّفَّارُ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا غَنَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحُسَيْنِ
عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ , عَنْ
عَائِشَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ:
حَقُّ الْوَلِدِ عَلَى وَالِدِهِ أَنْ يُحْسِنَ اسْمَهُ وَيُحْسِنَ مَرْضَعَهُ
وَيُحْسِنَ أَدَبَهُ
ويحكى عَن
سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّهُ قَالَ: من لَمْ يعرف مَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
عَلَيْهِ فِي نَفْسه وَلَمْ يتأدب بأمره ونهيه كَانَ من الأدب فِي عزله وروي عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِن اللَّه عَزَّ
وَجَلَّ أدبني فأحسن أدبي وحقيقة الأدب اجتماع خصال الخير فالأديب الَّذِي اجتمع
فِيهِ خصال الخير ومنه المأدبة اسم للمجمع.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي الدقاق يَقُول: العبد يصل بطاعته إِلَى الْجَنَّة وبأدبه فِي
طاعته إِلَى اللَّه تَعَالَى وسمعته يَقُول رأيت من أراد أَن يمد يده فِي الصلاة
عَلَى أنفه فقبض عَلَى يده
قَالَ
الأستاذ: وإنما أشار إِلَى نَفْسه لأنه لا يمكن الإِنْسَان أَن يعرف من غيره
أَنَّهُ قبض عَلَى يده وَكَانَ الأستاذ أَبُو عَلِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لا
يستند إِلَى شَيْء وَكَانَ يوما فِي مجمع فأردت أَن أضع وسادة خلف ظهره لأني رأيته
غَيْر مستند فتنحى عَنِ الوسادة قليلا فتوهمت أَنَّهُ توفى الوسادة لأنه لَمْ يكن
عَلَيْهَا خرقة أَوْ سجادة فَقَالَ: لا أريد الاستناد فتأملت بعده حاله فكان لا
يستند إِلَى شَيْء.
سمعت أبا
حاتم السجستاني يَقُول: سمعت أبا نصر السراج يَقُول: سمعت أَحْمَد بْن مُحَمَّد
البصري يَقُول: سمعت الجلاجلي البصرى يَقُول التوحيد موجب يوجب الإيمان فمن لا
إيمان لَهُ فلا توحيد لَهُ والإيمان موجب بوجب الشريعة فمن لا شريعة لَهُ فلا
إيمان لَهُ ولا توحيد والشريعة موجب يوجب الأدب فمن لا أدب لَهُ لا شريعة لَهُ ولا
إيمان ولا توحيد وَقَالَ ابْن عَطَاء: الأدب الوقوف مَعَ المستحسنات فقيل: وَمَا
معناه؟ قَالَ: أَن تعامل اللَّه تَعَالَى بالأدب سرا وعلنا فَإِذَا كنت كَذَلِكَ
كنت أديبا وإن كنت أعجميا ثُمَّ أنشد:
إِذَا نطقت
جاءت بكل ملاحة ... وإن
سكتت جاءت بكل مليح
أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن قَالَ: سمعت عَبْد اللَّهِ الرازي يَقُول: سمعت عَبْد
اللَّهِ الجريري يَقُول منذ عشرين سنة مَا مددت رجلي وقت جلوسي فِي الخلوة فَإِن
حسن الأدب مَعَ اللَّه تَعَالَى أولى.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُول: من صاحب الملوك بغير
أدب أسلمه الجهل إِلَى القتل رَوَى عَنِ ابْن سيرين أَنَّهُ سئل أي الآداب أقرب
إِلَى اللَّه تَعَالَى فَقَالَ: معرفة ربوبيته وعمل بطاعته والحمد لِلَّهِ عَلَى
السراء والصبر عَلَى الضراء.
وَقَالَ
يَحْيَي بْن معاذ إِذَا ترك للعارف أدبه مَعَ معروفه فَقَدْ هلك مَعَ الهالكين.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِي يَقُول: ترك الأدب موجب يوجب الطرد فمن أساء الأدب عَلَى البساط
رد إِلَى الباب ومن أساء الأدب عَلَى الباب رد إِلَى سياسة الدواب
وقيل: للحسن
البصري قَدْ أَكْثَر النَّاس فِي علم الآداب فَمَا أنفعها عاجلا وأوصلها جلا
فَقَالَ: التفقه فِي الدين والزهد فِي الدنيا والمعرفة مِمَّا لِلَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ عليك وَقَالَ يَحْيَي بْن معاذ: من تأدب بأدب اللَّه تَعَالَى صار من أهل
محبة اللَّه تَعَالَى وَقَالَ سهل: الْقَوْم استعانوا بالله تَعَالَى عَلَى أمر
اللَّه تَعَالَى وصبروا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى آداب اللَّه تَعَالَى وَرَوَى عَنِ
ابْن مبارك أَنَّهُ قَالَ: نحن إِلَى قليل من الأدب أحوج منا إِلَى كثير من العلم.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سَعِيد يَقُول:
سمعت الْعَبَّاس بْن حمزة يَقُول: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الحوارى قَالَ:
قَالَ الْوَلِيد بْن عتبة قَالَ ابْن المبارك: طلبنا الأدب حِينَ فاتنا المؤدبون
وقيل: ثَلاث خصال لَيْسَ معهن غربة مجانبة أهل الريب وحسن الأدب وكف الأذى وأنشدنا
الشيخ أَبُو عَبْد اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا المعنى:
يزين الغريب
إِذَا مَا اغترب ...
ثَلاث فمنهن حسن الأدب
وثانيه حسن
أخلاقه ... وثالثه
اجتناب الريب
ولما دَخَلَ
أَبُو حفص بغداد قَالَ لَهُ الجنيد لَقَدْ أدبت أَصْحَابك أدب السلاطين فَقَالَ:
أَبُو حفص حسن الأدب فِي الظاهر عنوان حسن الأدب فِي الباطن.
وعن عَبْد
اللَّهِ بْن الْمُبَارَكِ أنه قَالَ: الأدب للمعارف التوبة للمستأنف.
سمعت
مَنْصُور بْن خلف المغربي يَقُول: قيل لبعضهم يا سيئ الأدب فَقَالَ: لست بسيء
الأدب فقيل لَهُ: من أدبك فَقَالَ: أدبني الصوفية سمعت أبا حاتم السجستاني يَقُول:
سمعت أبا النصر الطوسي السراج يَقُول النَّاس فِي الأدب عَلَى ثَلاث طبقات أما أهل
الدنيا فأكثر آدابهم فِي الفصاحة , والبلاغة , وحفظ العلوم , وأسماء الملوك ,
وأشعار العرب ,
وَأَمَّا
أهل الدين فأكثر آدابهم فِي رياضة النفوس , وتأديب الجوارح , وحفظ الحدود , وترك
الشهوات , وَأَمَّا أهل الخصوصية فأكثر آدابهم فِي طهارة القلوب ومراعاة الأسرار
والوفاء بالعهود وحفظ الوقت وقلة الالتفات إِلَى الخواطر وحسن الأدب فِي مواقف
الطلب وأوقات الحضور ومقامات القرب.
وحكى عَن
سهل بْن عَبْد اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: من قهر نَفْسه بالأدب فَهُوَ يعبد اللَّه
تَعَالَى بالإخلاص وقيل: كمال الأدب لا يصفو إلا للأنبياء عَلَيْهِم السَّلام
والصديقين وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارَكِ قَدْ أَكْثَر النَّاس فِي الأدب
ونحن نقول: هُوَ معرفة النفس وَقَالَ الشبلي: الانبساط بالقول مَعَ الحق سبحانه
ترك الأدب وَقَالَ ذو النون المصري: أدب العارف فَوْقَ كُل أدب، لأن معرفة مؤدب
قلبه وَقَالَ بَعْضهم: يَقُول الحق سبحانه: من ألزمته القيام مَعَ أسمائي وصفاتي
ألزمته الأدب ومن كشفت لَهُ عَن حقيقة ذاتي ألزمته العطب فاختر أيهما شئت الأدب
أَوِ العطب.
وقيل: مد
ابْن عَطَاء رجله يوما بَيْنَ أَصْحَابه وَقَالَ: ترك الأدب بَيْنَ أهل الأدب أدب
ويشهد لهذه الحكاية الْخَبَر الَّذِي رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عنده أَبُو بَكْر وعمر فدخل عُثْمَان فغطى فخذه وَقَالَ:
ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة نبه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن
حشمة عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وإن عظمت عنده فالحالة الَّتِي بينه وبين
أَبِي بَكْر وعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كانت أصفى، وَفِي قريب من معناه
أنشدوا:
فِي انقباض
وحشمة فَإِذَا ... صادفت أهل
الوفاء والكرم
أرسلت لنفسي
عَلَى سجيتها ... وقلت مَا
قُلْت غَيْر محتشم
وَقَالَ
الجنيد إِذَا صحت المحبة سقطت شروط الأدب وَقَالَ أَبُو عُثْمَان: إِذَا صحت
المحبة تأكدت عَلَى المحب ملازمة الأدب وَقَالَ النوري: من لَمْ يتأدب للوقت فوقته
مقت
وَقَالَ ذو
النون المصري: إِذَا خرج المريد عَنِ استعمال الأدب فَإِنَّهُ يرجع من حيث جاء.
سمعت
الأستاذ أبا عَلِيّ يَقُول فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ
أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]
قَالَ: لَمْ يقل: ارحمني لأنه حفظ آداب الْخَطَّاب وَكَذَلِكَ عيسى عَلَيْهِ
السَّلام حيث قَالَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118]
وَقَالَ: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة: 116] وَلَمْ يقل
لَمْ أقل رعاية لآداب الحضرة.
سمعت
مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الصوفي يَقُول: سمعت أبا الطيب بْن الفرحان يَقُول:
سمعت الجنيد يَقُول جاءني بَعْض الصالحين يَوْم الجمعة فَقَالَ لي: ابعث معي فقيرا
يدخل عَلَى سرورا ويأكل معى شَيْئًا فالتفت فَإِذَا أنا بفقير شهدت فِيهِ الفاقة
فدعوته وقلت لَهُ: امض مَعَ هَذَا الشيخ وأدخل عَلَيْهِ سرورا فمضى فلم ألبث أَن
جاءني الرجل وَقَالَ لي: يا أبا القاسم لَمْ يأكل ذَلِكَ الرجل إلا لقمة وخرج
فَقُلْتُ: لعلك قُلْت: كلمة جفاء عَلَيْهِ فَقَالَ لي: لَمْ أقل لَهُ شَيْئًا
فالتفت فَإِذَا أنا بالفقير جالس فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ تتم عَلَيْهِ السرور
فَقَالَ: يا سيدي خرجت من الكوفة وقدمت بغداد وَلَمْ آكل شَيْئًا وكرهت أَن يبدو
سوء أدب منى من جهة الفاقة فِي حضرتك فلما دعوتني سررت إذ جرى ذَلِكَ ابتداء منك
فمضيت وأنا لا أرضى لَهُ الجنان فلما جلست عَلَى مائدته سِوَى لقمة وَقَالَ كُل
فهذا أحب إِلَي من عشرة آلاف درهم لما سمعت هَذَا منه علمت أَنَّهُ دنيء الهمة
فتظرفت أَن آكل طعامه فَقَالَ الجنيد: ألم أقل لَك إنك أسأت أدبك مَعَهُ فَقَالَ:
يا أبا القاسم التوبة فسأله أَن يمضي مَعَهُ ويفرحه.
الكلمات المفتاحية :
التربية و السلوك
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: