محاسن التعريف في علوم التصريف 9
بسم الله الرحمان الرحيم
قال تعالى : ( وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة ) .
أعظم خبر وأكبر خطر قاله الله تعالى للملائكة لتعلّقه بالعلم الإلهي الغير متناهي
من حيث علوم الأسماء التي تعطي الظهور والبقاء في عالم شهادة الخفاء ومحاسن الدنيا والآخرة ( ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار ) أي قنا عذاب النار في الدنيا والآخرة , ففي الآخرة حيث يجتمع الحسّ مع المعنى فهو أشدّ العذاب أمّا في الدنيا فهو عذاب المعنى الذي هو روح العذاب وشدّته .
فعلمنا أنّ حسنة الآخرة موصولة بحسنة الدنيا ( وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) وإنّما كان أضلّ سبيلا لأنّ الآخرة حضرة جمعية حيث يجتمع الظاهر بالباطن ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ) فكان ضلال الآخرة أعظم من ضلال الدنيا وكيف لا يضلّ من كان أعمى , فالمراد بالعمى عمى القلب , فمن كان في الدنيا أعمى القلب فهو في الآخرة أعمى وزيادة من ضلال السبيل فهذا حكم ميزان العدل الذي قامت به الخلافة الإلهية في الأكوان وإنّ القرآن الكريم هو الهادي إلى سبيل الرشاد القويم .
فتوجّه بهذا الإخبار للملائكة وما توجّه به إلى آدم لأنّه غائب عن نفسه في وجود خالقه ومولاه فعلمنا أنّ حضرة الإخبار نازلة عن مقام المخبر به من حيث العلم فما كان المراد مجرّد الإخبار وإنّما كان المراد المخبر به الذي هو آدم فاستشعرت الملائكة هنا وجودها كما استشعر إبليس ذلك فإنّ عند الإخبار لا بدّ أن يستشعر الوجود لذا كان غياب آدم عن ذلك الإخبار.
فعلمنا بمجهولية علم القطب بنفسه قبل توليته إذ أنّ إخباره عبارة عن نفخ الروح فيه , وفيه أنّ من كان أدنى مقاما من القطب قد يكون على علم إجمالي بما سيكون من شأنه وما عليه أمره ولكنّه يجهل ما سوى ذلك من حيث متعلّقات الإختصاص بالخلافة وهذا ما أوضحه لهم في قوله ( أنبئهم بأسمائهم ) أي إنّ ما أعلمتكم به لا يصل إلى درجة معرفة علمي أنا به وما يناله وما يدركه هذا الخليفة ممّا لا تعلمونه لذا قال لهم ( إنّي أعلم ما لا تعلمون ) أي بخصوص هذا الخليفة كي يسلّموا الأمور إليه لذا قالوا ( سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا ) نهاية التسليم .
فلا ينفع مع الله تعالى غير التسليم متى أطلعك على غيب من غيوبه لوسع علم الله فيه وقد نبّه على هذا سيدي بن عطاء الله السكندري رضي الله عنه في حكمه فمتى أعلمك بشيء فربّما تكون أنت أجهل الخلق بذلك الشيء رغم إعلامك به وبوقت وقوعه وحدوثه لذا تعيّن ووجب التسليم فمن نظر إلى الإخبار ظاهرا فأخذه على محمل الإحاطة العلمية الجمعية الغير متناهية به لمجرّد وقوع الإخبار فهو دليل استشعار وجود علمه وهذا يعدّ جهل به إذ أنّ الإخبار لا يعطي كنه الإحاطة بمعلومات ذلك المخبر به.
فوجب مراعاة الإطّلاع على الغيوب من حيث فهم معاني علم لوح المحو والإثبات من وجهة ومن جهة أخرى مراعاة عدم تناهي ما كان في أمّ الكتاب من حيث إرتقاء العلم لقوله ( وفوق كلّ ذي علم عليم ) كي تلزم حدود عبوديتك ولا تشطح كما شطح إبليس بقوله ( أنا ) فتخرج لعدم وجود شفعاء عنده متى تعلّق الأمر باثبات الألوهية في مراتبها كما لم تشفع عبودية إبليس له لذا ما أثبتت الملائكة نفسها بل أثبتت جانب الظلام في ذلك الخليفة ثمّ ذكرت عبوديتها مباشرة نهاية الخنوع والخضوع حتّى لا تخرج إلى حيز استشعار خصوصيتها بمشهد نفسها مهما كانت نورانية أو متمكّنة لوجود المكر والإستدراج ( ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به ) في كلّ أمر وشأن .
إذ أنّ استشعار الخصوصية قد يكون بالنفس وهذا مذموم وقد يكون بالله وهو محمود , فعلامة شهوده بالنفس إقصاء الغير وانتحال منزلته ومرتبته , وعلامة شهوده بالله ما تراه في قوله عليه الصلاة والسلام ( أنا سيّد ولد آدم ولا فخر ) فهو مأمور بهذا الإبلاغ لأنّه من علوم الأسماء التي علّمها الله لآدم , وأيضا هو نفس إخبار الله به عن نفسه في غيره كما قال تعالى ( إنّي جاعل في الأرض خليفة ) فهو ذكر للمنزلة الإلهية ومراتبها في الوجود إذا علمت أنّه لا موجود مع واجب الوجود .
ولو علما , فعلمنا أنّ لسان الخصوصية حضرته جمعية في مستوى الخلافة إذ أنّ الخليفة لا يمكنه أن يعرّف خصوصيته إلاّ بلسان جمعيته فينسبها لله من حيث مرتبته في العلم الإلهي لذا قال عليه الصلاة والسلام ( ولا فخر ) أي ليست خصوصية إستقلالية بل موصولة بصاحبها ومولاها وهو الله تبارك وتعالى فهو موضع التبرّي من الحول والقوّة فهو من باب التعريف لعلوم التصريف المتعدّد الأوجه في عالم الفرق تحت حكم قبضة الجمع التي هي الأصل لذا كان عليه الصلاة والسلام ( أصل شجرة الأكوان ) فكانت معلوماته في عالم الفرق راجعة كلّها إلى عالم الجمع فلا يدلّ إلاّ على الله ذاتا وصفاتا وافعالا وأحوالا وأقوالا فهو العبد الإلهي المحض الكامل .
فالإبتلاء وقع لجملة الأكوان فإنّ آدم خلاصتها فكان أشدّ الخلق بلاء ( يبتلى المرء على قدر دينه وإيمانه ) فكان هذا الإنسان أقرب الخلق إلى الله تبارك وتعالى في عبوديته وأكثرهم إيمانا به لوجود الوصلة به لذا سمّانا جميعا ( المؤمنين ) ثمّ فصّل مراتبنا في خصوصية ذلك الإيمان ( كالموقنين والمحسنين والقانتين ...إلخ حضرات الإيمان الذي لا يتناهى ) .
فعلمنا أنّ أصل الدين هو الإيمان وفي تعريفه إختلف جماعة التحقيق والذي عليه المعوّل أنّه تصديق بالجنان وتصريح باللسان وعمل بالأركان فهذا وجه الإحاطة ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) جسما وروحا , وفي خلال ذلك تفصيلات أخرى معلومة في محالها وقد قال بهذا القول جماعة غير محقّقين فأصابوا اللفظ ولم يصيبوا المعنى فكانت الألفاظ متشابهة لديهم فينطقون بالحق حال المنافقين ولكنّهم ينافقون في إعتقاده وفهمه , لذا أوصانا الدين أن لا نكترث كثيرا بأقوال اللسان ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) كمثلي ( وهو عند الله أشدّ الخصام ).
تحميل الموضوع ملف وورد :
قال تعالى : ( وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة ) .
أعظم خبر وأكبر خطر قاله الله تعالى للملائكة لتعلّقه بالعلم الإلهي الغير متناهي
من حيث علوم الأسماء التي تعطي الظهور والبقاء في عالم شهادة الخفاء ومحاسن الدنيا والآخرة ( ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار ) أي قنا عذاب النار في الدنيا والآخرة , ففي الآخرة حيث يجتمع الحسّ مع المعنى فهو أشدّ العذاب أمّا في الدنيا فهو عذاب المعنى الذي هو روح العذاب وشدّته .
فعلمنا أنّ حسنة الآخرة موصولة بحسنة الدنيا ( وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) وإنّما كان أضلّ سبيلا لأنّ الآخرة حضرة جمعية حيث يجتمع الظاهر بالباطن ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ) فكان ضلال الآخرة أعظم من ضلال الدنيا وكيف لا يضلّ من كان أعمى , فالمراد بالعمى عمى القلب , فمن كان في الدنيا أعمى القلب فهو في الآخرة أعمى وزيادة من ضلال السبيل فهذا حكم ميزان العدل الذي قامت به الخلافة الإلهية في الأكوان وإنّ القرآن الكريم هو الهادي إلى سبيل الرشاد القويم .
فتوجّه بهذا الإخبار للملائكة وما توجّه به إلى آدم لأنّه غائب عن نفسه في وجود خالقه ومولاه فعلمنا أنّ حضرة الإخبار نازلة عن مقام المخبر به من حيث العلم فما كان المراد مجرّد الإخبار وإنّما كان المراد المخبر به الذي هو آدم فاستشعرت الملائكة هنا وجودها كما استشعر إبليس ذلك فإنّ عند الإخبار لا بدّ أن يستشعر الوجود لذا كان غياب آدم عن ذلك الإخبار.
فعلمنا بمجهولية علم القطب بنفسه قبل توليته إذ أنّ إخباره عبارة عن نفخ الروح فيه , وفيه أنّ من كان أدنى مقاما من القطب قد يكون على علم إجمالي بما سيكون من شأنه وما عليه أمره ولكنّه يجهل ما سوى ذلك من حيث متعلّقات الإختصاص بالخلافة وهذا ما أوضحه لهم في قوله ( أنبئهم بأسمائهم ) أي إنّ ما أعلمتكم به لا يصل إلى درجة معرفة علمي أنا به وما يناله وما يدركه هذا الخليفة ممّا لا تعلمونه لذا قال لهم ( إنّي أعلم ما لا تعلمون ) أي بخصوص هذا الخليفة كي يسلّموا الأمور إليه لذا قالوا ( سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا ) نهاية التسليم .
فلا ينفع مع الله تعالى غير التسليم متى أطلعك على غيب من غيوبه لوسع علم الله فيه وقد نبّه على هذا سيدي بن عطاء الله السكندري رضي الله عنه في حكمه فمتى أعلمك بشيء فربّما تكون أنت أجهل الخلق بذلك الشيء رغم إعلامك به وبوقت وقوعه وحدوثه لذا تعيّن ووجب التسليم فمن نظر إلى الإخبار ظاهرا فأخذه على محمل الإحاطة العلمية الجمعية الغير متناهية به لمجرّد وقوع الإخبار فهو دليل استشعار وجود علمه وهذا يعدّ جهل به إذ أنّ الإخبار لا يعطي كنه الإحاطة بمعلومات ذلك المخبر به.
فوجب مراعاة الإطّلاع على الغيوب من حيث فهم معاني علم لوح المحو والإثبات من وجهة ومن جهة أخرى مراعاة عدم تناهي ما كان في أمّ الكتاب من حيث إرتقاء العلم لقوله ( وفوق كلّ ذي علم عليم ) كي تلزم حدود عبوديتك ولا تشطح كما شطح إبليس بقوله ( أنا ) فتخرج لعدم وجود شفعاء عنده متى تعلّق الأمر باثبات الألوهية في مراتبها كما لم تشفع عبودية إبليس له لذا ما أثبتت الملائكة نفسها بل أثبتت جانب الظلام في ذلك الخليفة ثمّ ذكرت عبوديتها مباشرة نهاية الخنوع والخضوع حتّى لا تخرج إلى حيز استشعار خصوصيتها بمشهد نفسها مهما كانت نورانية أو متمكّنة لوجود المكر والإستدراج ( ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به ) في كلّ أمر وشأن .
إذ أنّ استشعار الخصوصية قد يكون بالنفس وهذا مذموم وقد يكون بالله وهو محمود , فعلامة شهوده بالنفس إقصاء الغير وانتحال منزلته ومرتبته , وعلامة شهوده بالله ما تراه في قوله عليه الصلاة والسلام ( أنا سيّد ولد آدم ولا فخر ) فهو مأمور بهذا الإبلاغ لأنّه من علوم الأسماء التي علّمها الله لآدم , وأيضا هو نفس إخبار الله به عن نفسه في غيره كما قال تعالى ( إنّي جاعل في الأرض خليفة ) فهو ذكر للمنزلة الإلهية ومراتبها في الوجود إذا علمت أنّه لا موجود مع واجب الوجود .
ولو علما , فعلمنا أنّ لسان الخصوصية حضرته جمعية في مستوى الخلافة إذ أنّ الخليفة لا يمكنه أن يعرّف خصوصيته إلاّ بلسان جمعيته فينسبها لله من حيث مرتبته في العلم الإلهي لذا قال عليه الصلاة والسلام ( ولا فخر ) أي ليست خصوصية إستقلالية بل موصولة بصاحبها ومولاها وهو الله تبارك وتعالى فهو موضع التبرّي من الحول والقوّة فهو من باب التعريف لعلوم التصريف المتعدّد الأوجه في عالم الفرق تحت حكم قبضة الجمع التي هي الأصل لذا كان عليه الصلاة والسلام ( أصل شجرة الأكوان ) فكانت معلوماته في عالم الفرق راجعة كلّها إلى عالم الجمع فلا يدلّ إلاّ على الله ذاتا وصفاتا وافعالا وأحوالا وأقوالا فهو العبد الإلهي المحض الكامل .
فالإبتلاء وقع لجملة الأكوان فإنّ آدم خلاصتها فكان أشدّ الخلق بلاء ( يبتلى المرء على قدر دينه وإيمانه ) فكان هذا الإنسان أقرب الخلق إلى الله تبارك وتعالى في عبوديته وأكثرهم إيمانا به لوجود الوصلة به لذا سمّانا جميعا ( المؤمنين ) ثمّ فصّل مراتبنا في خصوصية ذلك الإيمان ( كالموقنين والمحسنين والقانتين ...إلخ حضرات الإيمان الذي لا يتناهى ) .
فعلمنا أنّ أصل الدين هو الإيمان وفي تعريفه إختلف جماعة التحقيق والذي عليه المعوّل أنّه تصديق بالجنان وتصريح باللسان وعمل بالأركان فهذا وجه الإحاطة ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) جسما وروحا , وفي خلال ذلك تفصيلات أخرى معلومة في محالها وقد قال بهذا القول جماعة غير محقّقين فأصابوا اللفظ ولم يصيبوا المعنى فكانت الألفاظ متشابهة لديهم فينطقون بالحق حال المنافقين ولكنّهم ينافقون في إعتقاده وفهمه , لذا أوصانا الدين أن لا نكترث كثيرا بأقوال اللسان ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) كمثلي ( وهو عند الله أشدّ الخصام ).
تحميل الموضوع ملف وورد :
الكلمات المفتاحية :
العبودية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: