محاسن التعريف في علوم التصريف 8
بسم الله الرحمان الرحيم
قال تعالى : ( وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة ).
ذكر هنا مقام واحد وهو مقام الخلافة وهو المقام الشامل الجامع الكامل فهو مقام لا بدّ
من فهمه فهما مستقيما حتّى لا تختلط بنا السبل أوتذهب بنا المذاهب إلى ما لا تحمد عقباه , فالسؤال المطروح :
خليفة من سيكون هذا الخليفة ؟ فسيخلف من في الأرض؟ وما وجه الخلافة وما أسبابها ودواعيها ؟ وما الحكمة من ورائها ؟
فترك هنا الضمير مستورا وليس مجهولا , فإنّ الأكوان وقع على مراتبها الإدراك بإسمه الستّار فلولا هذا الإسم الثابت المستور لفسدت الحقائق , فستر ضميره فلا ندري أيعود الضمير على الذات العلية بمعنى أنّه خليفة لله تعالى أو أنّه خليفة على نفسه أوعلى العالم.
فعلمنا هنا وجه الستر إذ أنّ إعجاز القرآن أمره عظيم ونعني بالإعجاز حقائقه المعجزة لفظا ومعنى فهي صراط الله المستقيم صراط الذين أنعم عليهم , إلاّ أنّ الملائكة الكرام عليهم السلام كشفت بعض هذا الستر فذكرت الذنوب , فعلمنا هنا حقيقتين:
الأولى :
أنّه لمّا كان وصفهم النور رأوا ظلمة هذا الخليفة فلو لا نورهم لما رأوا ظلمته , وعليه علمنا كشف أهل النور لذنوب أهل الظلمة فهي غير خافية عليهم وهذا ما شكاه أحد الفقراء لشيخنا إسماعيل رضي الله عنه .
والحقيقة الثانية :
أنّهم لم يستروا عليه لتعلّق الأمر بمقام الخلافة وهي للخصوصية رغم علمهم أنّ الله تعالى لا يخفى عليه شيء من ذنوبه أو ذنوب غيره , لأنّ الحقيقة تقول أنّ الذنب موجود في العالمين فليس ذنب أهل النور كذنب أهل الظلمة ولا ذنب أهل النور كذنب أهل السرّ .
فهناك فرق بين حضرات الذنوب : ذنب يدخلك النار , وذنب يعطيك إرادة غير وجه الله تعالى كإرادة الجنّة لذاتها , وذنب يحجبك عن النظر وهو ذنب وجود النفس ولو كانت مطمئنّة بذكر الله لأنّ الإطمئنان مقام في حقيقته نازل عن مقام الكمال قال تعالى : ( ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب ) فهي تطمئنّ بذكر الله ولا تصل إلى درجة الإطمئنان بالله تعالى فهو مقام وسطي إيقاني كما قال تعالى في حقّ سيّدنا إبراهيم (قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي ) .
ثمّ ما يعطيه هذا القول من حقائق بعد ذلك أنّهم كشفوا أعظم ذنوب هذا الخليفة في أعلى مراتب الطغيان فما ذكروا اللمم من ذنوبه لأنّهم جنود الله تعالى فلو لا ذكرهم هذا لربّما عوتبوا على عدم توفية مراتب الأدب حقّها لأنّهم جنود الصفات فما تكلّموا إلاّ بحالهم .
فصاحب الحال منصور لأنّه مقهور فهو في حالة المضطرّ فلا بدّ من إجابته أو إنجائه إذ أنّ الأدب يستلزم منهم ذكر هذا فكأنّ الله تعالى رضي منهم بهذا القول وأحبّه لذا قال لهم ( إنّي أعلم ما لا تعلمون ) فكأنّ قولهم هذا كان المراد منهم فجزاهم جرّاء أدابهم بعلم آخر وصلهم عن طريق هذا الخليفة فجعل علمهم المزيد من الخليفة الذي كشفوا ذنوبه لذا كانت الحسنات والسيّئات هم كتّابها أمّا غير ذلك فلا علم لهم به من العلاقة فيما بينك وبين ربّك .
ولا علاقة أيضا للأنبياء والمرسلين بما بينك وبينه ( هناك ما لم يطّلع عليهم نبيّ مرسل ولا ملك مقرّب ) إلاّ سيّد الرسل النبيّ الجامع عليه الصلاة والسلام فهو أعلم بأمّته أكثر من الأمّة بنفسها جماعة وأفرادا , فسبحان من يجعل تعلّمك على من تشهد فيه المعاصي والذنوب كشفا وحقيقة لا مجازا فهو عنوان خلافته عليك لذا لم ينبئهم الله تعالى بأسمائهم بل أمر آدم بأن ينبئهم .
بذلك كي تعرف مرتبته في الوجود فعلمنا أنّ العلم للخصوصية , والمعرفة التي سنأتي على ذكرها للعبودية فبينهما خصوص وعموم لذا قيل وهو مذهبنا أنّ العالم بالله أعلى مقاما من العارف بالله لأنّه جمع بين الخصوصية والعبودية وهذا علم يعطينا ميزان فهم حضرات أحوال وعلوم الأنبياء من حيث هم أنبياء وبين المرسلين من حيث إرسالهم.
ومن ذلك أنّه أخفى حقائق خليفته عن العالم النوري وإنّما قلنا خليفته بنسبة الضمير إلى الله تبارك وتعالى إذ لو لم يكن خليفته لما حجبه عن العالم النوري الصافي فإنّ حقائق هذا الخليفة توجب فرضا أن يكون مستورا وهو ظاهرا في نفس الوقت , لذا ظهرت قبائح أفعاله للملائكة الكرام كما ظهرت بشريته لإبليس لعنه الله .
وإنّما ظهرت أفعاله للملائكة لما علموه من إستحالة صدور الإفساد أو سفك الدماء من الله تعالى فعيّنت الأفعال التي لا بدّ من إظهارها فيمن يفعلها وهو الخليفة آدم وبنوه , ثمّ أنّ لهذا الخليفة وجها إلى من خلّفه وهو معلوم مشهور وهو الحقيقة . لذا يفهم هذا العلم في علوم الأسماء كي لا تختلط الأمور أو يفسد الفهم كما فسد فهم إبليس لعنه الله من قبل , لذا توعّد أن يقطع آدم وبنيه عنه أي يقطعهم بوصف الخصوصية عن مراتب العبودية فهذا من فهم إبليس في الغواية وفهمه أيضا للمراتب , فهو لا يحسن أن يسلب تلك الخصوصية وهي الخلافة من آدم وإنّما أراد أن يفسدها عليه كي ترجع وبالا عليه لأنّها لا تصلح إلاّ بالعبودية فأراد أن يقطعها لذا قال مخاطبا الله تعالى ( لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ) فأراد أن يفصل الخليفة عن مخلّفه إذ ما يجمعها :
الربوبية وهي للربّ ثم العبودية وهي للعبد فأراد أن يقطعها عنه حتّى تفسد الخلافة وهذا نهاية الإجرام وهذا ما فعله منذ نزل آدم إلى الأرض ويفعله إلى الآن فحضرات هذه الشيطنة والإغواء مكشوفة فهو معاند شديد المراس متمرّس فيما هو فيه وأعني إبليس الأكبر الذي أخرج أبانا آدم من الجنّة لتعلم أنّه إستطاع أن يخرجنا من الجنّة لكنّه عجز عن إخراجنا من الحضرة الإلهية فلا حيلة له في ذلك ولا إستطاعة .
قالت الملائكة : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ).
فنزّهت مقام الخلافة عن هذ الأفعال من الذنوب فذكرت آدم بما قالت ( ويسفك الدماء ) ففيه ذكر البشرية فأرادت صون مقام الخلافة غيرة منها على جمال الله تعالى وكماله لما تعرفه من أوصافه سبحانه وعلمته من ذلك , إلاّ أنّ الله تبارك وتعالى قال لهم (إنّي أعلم ما لا تعلمون ) أي رغم أنّكم مقبولون في قولكم هذا لما فيه من تمجيدي وتسبيحي لذا قالوا قبل ذلك ( ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك ) أي أخرجنا في وصفك الجمالي فنحن نقوم به أحسن قيام في غاية الكمال في العبودية , فقرنت عليها السلام هذا المقام وهو مقام الخلافة بما يستوجبه من عبودية وإلاّ فسدت الحقائق فتكون مزاحمة الربوبية , فعلمت عليها السلام أنّ هذا المقام العظيم الشريف يستوجب أعلى درجات العبودية .
لأنّه كلّما إقتربت وصفا من الربوبية كلّما إزددت عبودية , فهي عالمة عليها السلام بما يستوجبه المقام من عبودية بخلاف إبليس لعنه الله فإنّه نظر إلى الخلافة مجرّدة فنسي بجهله ما تستوجبه تلك الخصوصية من عبودية كاملة وهذا هو امتحان الخليفة فهو أعظم إبتلاء في الوجود ناله أحد فنظر إلى نفسه لعنه الله فقال ( أنا ) فهو خروج منه صريح من حضرة العبودية إلى حضرة نفسه وهي استشعار وجوده مع وجود الله تعالى وهو مقام يعطي الظهور في وصف النفس فهو مقام البقاء بالنفس .
ومعلوم أنّ مقام الخلافة لا يمكن أن يكون في وصف النفس بل لا يكون إلاّ في وصف البقاء بالله تعالى , ومقام البقاء يعطي الفناء عن النفس والبقاء بالله تعالى لذا ذكرت الملائكة الكرام مقام عبوديتها في معرض كلامها على ذنوب آدم وبنيه إذ أنّ الذنوب من نواقض العبودية في الأمر والنهي الذي أمروا به كما أمر به إبليس لمّا سجدت الملائكة وأبى إبليس السجود فإنّه أبى أن يسجد لذلك المقام وهو مقام ( البقاء بالله تعالى ) لوجود نفسه فلو فنى عنها لسجد وأدام السجود لأنّ مقام البقاء يعطي مشاهدة القرب الإلهي في كلّ ذرّة وفي كلّ لمحة ظاهرا وباطنا , فإذا أبيت أن تعرف الله تعالى إلاّ فيما وصل إليه علمك فلست أنت بخليفة كما أنكر بعض أهل المحشر صورة غير معروفة لديهم فاستعاذوا منها بل الخلافة شأنها عظيم أكبر ممّا يتصوّره العاقلون فضلا عن غيرهم .
تحميل الموضوع ملف وورد :
قال تعالى : ( وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة ).
ذكر هنا مقام واحد وهو مقام الخلافة وهو المقام الشامل الجامع الكامل فهو مقام لا بدّ
من فهمه فهما مستقيما حتّى لا تختلط بنا السبل أوتذهب بنا المذاهب إلى ما لا تحمد عقباه , فالسؤال المطروح :
خليفة من سيكون هذا الخليفة ؟ فسيخلف من في الأرض؟ وما وجه الخلافة وما أسبابها ودواعيها ؟ وما الحكمة من ورائها ؟
فترك هنا الضمير مستورا وليس مجهولا , فإنّ الأكوان وقع على مراتبها الإدراك بإسمه الستّار فلولا هذا الإسم الثابت المستور لفسدت الحقائق , فستر ضميره فلا ندري أيعود الضمير على الذات العلية بمعنى أنّه خليفة لله تعالى أو أنّه خليفة على نفسه أوعلى العالم.
فعلمنا هنا وجه الستر إذ أنّ إعجاز القرآن أمره عظيم ونعني بالإعجاز حقائقه المعجزة لفظا ومعنى فهي صراط الله المستقيم صراط الذين أنعم عليهم , إلاّ أنّ الملائكة الكرام عليهم السلام كشفت بعض هذا الستر فذكرت الذنوب , فعلمنا هنا حقيقتين:
الأولى :
أنّه لمّا كان وصفهم النور رأوا ظلمة هذا الخليفة فلو لا نورهم لما رأوا ظلمته , وعليه علمنا كشف أهل النور لذنوب أهل الظلمة فهي غير خافية عليهم وهذا ما شكاه أحد الفقراء لشيخنا إسماعيل رضي الله عنه .
والحقيقة الثانية :
أنّهم لم يستروا عليه لتعلّق الأمر بمقام الخلافة وهي للخصوصية رغم علمهم أنّ الله تعالى لا يخفى عليه شيء من ذنوبه أو ذنوب غيره , لأنّ الحقيقة تقول أنّ الذنب موجود في العالمين فليس ذنب أهل النور كذنب أهل الظلمة ولا ذنب أهل النور كذنب أهل السرّ .
فهناك فرق بين حضرات الذنوب : ذنب يدخلك النار , وذنب يعطيك إرادة غير وجه الله تعالى كإرادة الجنّة لذاتها , وذنب يحجبك عن النظر وهو ذنب وجود النفس ولو كانت مطمئنّة بذكر الله لأنّ الإطمئنان مقام في حقيقته نازل عن مقام الكمال قال تعالى : ( ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب ) فهي تطمئنّ بذكر الله ولا تصل إلى درجة الإطمئنان بالله تعالى فهو مقام وسطي إيقاني كما قال تعالى في حقّ سيّدنا إبراهيم (قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي ) .
ثمّ ما يعطيه هذا القول من حقائق بعد ذلك أنّهم كشفوا أعظم ذنوب هذا الخليفة في أعلى مراتب الطغيان فما ذكروا اللمم من ذنوبه لأنّهم جنود الله تعالى فلو لا ذكرهم هذا لربّما عوتبوا على عدم توفية مراتب الأدب حقّها لأنّهم جنود الصفات فما تكلّموا إلاّ بحالهم .
فصاحب الحال منصور لأنّه مقهور فهو في حالة المضطرّ فلا بدّ من إجابته أو إنجائه إذ أنّ الأدب يستلزم منهم ذكر هذا فكأنّ الله تعالى رضي منهم بهذا القول وأحبّه لذا قال لهم ( إنّي أعلم ما لا تعلمون ) فكأنّ قولهم هذا كان المراد منهم فجزاهم جرّاء أدابهم بعلم آخر وصلهم عن طريق هذا الخليفة فجعل علمهم المزيد من الخليفة الذي كشفوا ذنوبه لذا كانت الحسنات والسيّئات هم كتّابها أمّا غير ذلك فلا علم لهم به من العلاقة فيما بينك وبين ربّك .
ولا علاقة أيضا للأنبياء والمرسلين بما بينك وبينه ( هناك ما لم يطّلع عليهم نبيّ مرسل ولا ملك مقرّب ) إلاّ سيّد الرسل النبيّ الجامع عليه الصلاة والسلام فهو أعلم بأمّته أكثر من الأمّة بنفسها جماعة وأفرادا , فسبحان من يجعل تعلّمك على من تشهد فيه المعاصي والذنوب كشفا وحقيقة لا مجازا فهو عنوان خلافته عليك لذا لم ينبئهم الله تعالى بأسمائهم بل أمر آدم بأن ينبئهم .
بذلك كي تعرف مرتبته في الوجود فعلمنا أنّ العلم للخصوصية , والمعرفة التي سنأتي على ذكرها للعبودية فبينهما خصوص وعموم لذا قيل وهو مذهبنا أنّ العالم بالله أعلى مقاما من العارف بالله لأنّه جمع بين الخصوصية والعبودية وهذا علم يعطينا ميزان فهم حضرات أحوال وعلوم الأنبياء من حيث هم أنبياء وبين المرسلين من حيث إرسالهم.
ومن ذلك أنّه أخفى حقائق خليفته عن العالم النوري وإنّما قلنا خليفته بنسبة الضمير إلى الله تبارك وتعالى إذ لو لم يكن خليفته لما حجبه عن العالم النوري الصافي فإنّ حقائق هذا الخليفة توجب فرضا أن يكون مستورا وهو ظاهرا في نفس الوقت , لذا ظهرت قبائح أفعاله للملائكة الكرام كما ظهرت بشريته لإبليس لعنه الله .
وإنّما ظهرت أفعاله للملائكة لما علموه من إستحالة صدور الإفساد أو سفك الدماء من الله تعالى فعيّنت الأفعال التي لا بدّ من إظهارها فيمن يفعلها وهو الخليفة آدم وبنوه , ثمّ أنّ لهذا الخليفة وجها إلى من خلّفه وهو معلوم مشهور وهو الحقيقة . لذا يفهم هذا العلم في علوم الأسماء كي لا تختلط الأمور أو يفسد الفهم كما فسد فهم إبليس لعنه الله من قبل , لذا توعّد أن يقطع آدم وبنيه عنه أي يقطعهم بوصف الخصوصية عن مراتب العبودية فهذا من فهم إبليس في الغواية وفهمه أيضا للمراتب , فهو لا يحسن أن يسلب تلك الخصوصية وهي الخلافة من آدم وإنّما أراد أن يفسدها عليه كي ترجع وبالا عليه لأنّها لا تصلح إلاّ بالعبودية فأراد أن يقطعها لذا قال مخاطبا الله تعالى ( لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ) فأراد أن يفصل الخليفة عن مخلّفه إذ ما يجمعها :
الربوبية وهي للربّ ثم العبودية وهي للعبد فأراد أن يقطعها عنه حتّى تفسد الخلافة وهذا نهاية الإجرام وهذا ما فعله منذ نزل آدم إلى الأرض ويفعله إلى الآن فحضرات هذه الشيطنة والإغواء مكشوفة فهو معاند شديد المراس متمرّس فيما هو فيه وأعني إبليس الأكبر الذي أخرج أبانا آدم من الجنّة لتعلم أنّه إستطاع أن يخرجنا من الجنّة لكنّه عجز عن إخراجنا من الحضرة الإلهية فلا حيلة له في ذلك ولا إستطاعة .
قالت الملائكة : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ).
فنزّهت مقام الخلافة عن هذ الأفعال من الذنوب فذكرت آدم بما قالت ( ويسفك الدماء ) ففيه ذكر البشرية فأرادت صون مقام الخلافة غيرة منها على جمال الله تعالى وكماله لما تعرفه من أوصافه سبحانه وعلمته من ذلك , إلاّ أنّ الله تبارك وتعالى قال لهم (إنّي أعلم ما لا تعلمون ) أي رغم أنّكم مقبولون في قولكم هذا لما فيه من تمجيدي وتسبيحي لذا قالوا قبل ذلك ( ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك ) أي أخرجنا في وصفك الجمالي فنحن نقوم به أحسن قيام في غاية الكمال في العبودية , فقرنت عليها السلام هذا المقام وهو مقام الخلافة بما يستوجبه من عبودية وإلاّ فسدت الحقائق فتكون مزاحمة الربوبية , فعلمت عليها السلام أنّ هذا المقام العظيم الشريف يستوجب أعلى درجات العبودية .
لأنّه كلّما إقتربت وصفا من الربوبية كلّما إزددت عبودية , فهي عالمة عليها السلام بما يستوجبه المقام من عبودية بخلاف إبليس لعنه الله فإنّه نظر إلى الخلافة مجرّدة فنسي بجهله ما تستوجبه تلك الخصوصية من عبودية كاملة وهذا هو امتحان الخليفة فهو أعظم إبتلاء في الوجود ناله أحد فنظر إلى نفسه لعنه الله فقال ( أنا ) فهو خروج منه صريح من حضرة العبودية إلى حضرة نفسه وهي استشعار وجوده مع وجود الله تعالى وهو مقام يعطي الظهور في وصف النفس فهو مقام البقاء بالنفس .
ومعلوم أنّ مقام الخلافة لا يمكن أن يكون في وصف النفس بل لا يكون إلاّ في وصف البقاء بالله تعالى , ومقام البقاء يعطي الفناء عن النفس والبقاء بالله تعالى لذا ذكرت الملائكة الكرام مقام عبوديتها في معرض كلامها على ذنوب آدم وبنيه إذ أنّ الذنوب من نواقض العبودية في الأمر والنهي الذي أمروا به كما أمر به إبليس لمّا سجدت الملائكة وأبى إبليس السجود فإنّه أبى أن يسجد لذلك المقام وهو مقام ( البقاء بالله تعالى ) لوجود نفسه فلو فنى عنها لسجد وأدام السجود لأنّ مقام البقاء يعطي مشاهدة القرب الإلهي في كلّ ذرّة وفي كلّ لمحة ظاهرا وباطنا , فإذا أبيت أن تعرف الله تعالى إلاّ فيما وصل إليه علمك فلست أنت بخليفة كما أنكر بعض أهل المحشر صورة غير معروفة لديهم فاستعاذوا منها بل الخلافة شأنها عظيم أكبر ممّا يتصوّره العاقلون فضلا عن غيرهم .
تحميل الموضوع ملف وورد :
الكلمات المفتاحية :
العبودية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: