محاسن التعريف في علوم التصريف 10
بسم الله الرحمان الرحيم
قال تعالى ( وإذ قال ربّك إنّي جاعل في الأرض خليفة ) .
لتعلم حقيقة هذا المستوى وأنّه أعطاك الحكم والتصريف ولكن ما منحك ذلك إلاّ
بعد أن أخذ عليك العهد في قوله (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) فقيّدك به كي لا تخرج عن وصف حقيقتك وطور عبوديتك لما علمه سبحانه من خطر تلك الخلافة التي أراد أن يكرمك بها.
إذ أنّ خطرها يوازي كرمها لأنّ خطرها مقامه العدل أمّا كرامتها فهي مناط الفضل فأنت بينهما ( قلب العبد بين إصبعين من أصابع الرحمان يقلّبه كيف يشاء ) لذا قال سيّدنا علي رضي الله عنه أو غيره ( هجم بهم العلم على حقيقة الأمر ) فبهتوا وخافوا وخرسوا وما نطقوا ( وخشعت الأصوات للرحمان ) ( إنّما يخشى الله من عباده العلماء ) فنبّهك بقوله تعالى ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) .
ففي قوله (وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ) يعطي عدم التخيير في حملها إذ أنّه مراد بالكرامة فيها لذا سمّاها أمانة فلو خيّر فيها لتركها هذا الإنسان فمنهم من راعى في حكمه إلى السابقة كآدم فحكم ومنهم من نظر إلى اللاحقة كموسى فاحتجّ فكان نظر الملائكة إلى اللاحقة , فأرجعتهم الحضرة إلى السابقة فسجدوا وهذا سنأتي عليه عند ذكر مقامات هذه الخلافة.
وإنّما مدحه بقوله (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) وإلاّ لما حملها إذ أنّ مجرّد حملها يعطي الظلم والجهل ولكنه لمّا أراد سبحانه التعريف أعطاك علوم هذا التصريف وقد نبّه على علوم القطبانية سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه كي تعبده في تلك الخلافة وترتقي في مراتبها لذاك قيل في الصوفي ( هو الذي تأدّب بأخلاق القرآن ) فهذا الذي أنعم الله عليه بعد أن هُدي إلى صراطه المستقيم , فإنّ القرآن بين عبودية وخصوصية ففيه جميع مراتب الوجود مرتبة مرتبة ظاهرة كظهور الشمس ليس دونها حجاب إلاّ حجاب الغفلة أو الرمد .
وإنّما أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها رغم أنّ الجبال من جملة الأرض ففي الجبال عبرة كبيرة لو تطالع السيرة وتعرف المسيرة , لخطرها العظيم وكي تعترف بالعجز أمام العوالم العلوية والسفلية كي لا يتقدّموا فكانت تلك الخلافة هي مجموع الباطن مع الظاهر والظاهر مع الباطن فويل لمن ظهر بها من غير جمع فهي وبال ومصيبة عليه وأعظم إبتلاء فلا بدّ للشيطان عليه من سبيل لذا يترصّد الشيطان هذا السبيل فترصّده عليه لعائن الله منذ عهد الحسن بن علي رضي الله عنه ولكنّ الله تعالى مكر به فجعلها سارية خافية عن الأنظار ظاهرها ظاهر وباطنها باطن حتّى يجمعها الله تعالى في شخص المهدي عليه سلام الله تعالى .
فعرض الأمانة على الجمادات فأبين أن يحملنها فما قال بأنّه عرضها على آدم أو الملائكة أو على إبليس فاتّضحت مقامات أربعة :
المقام الأوّل : إباية السماوات والأرض والجبال أن يحملنها بعد أن عرضها عليهنّ.
المقام الثاني : إستفسار الملائكة بخصوصها مع الإشارة إلى عدم قدرة آدم عليها غيرة منهم عليهم السلام.
المقام الثالث : إعتراض إبليس ففرضها لنفسه خلاف السماوات والأرض والجبال وخلاف الملائكة لأنّه لعنه الله من العالم السفلي فهكذا أحكام هذا العالم في طلب الخلافة ومن هنا تعرف أحكام المتسارعين إليها في مشارق الأرض ومغاربها .
المقام الرابع : إستسلام آدم لها من غير حيلة منه وحمله لها مع وجود جهله ( وهو وجود الحرص على الخلود في الجنّة مخافة الفوت ) وظلمه ( وهو المعصية في الجنّة والإفساد وسفك الدماء في العالم السفلي ) .
فما راعت الملائكة معصيته في العالم العلوي لأنّ خلافته الجامعة ليست هناك بل في الأرض محلّها لأنّه أخبرهم بذلك ( إنّي جاعل في الأرض خليفة ) فما عاينوا ما يصير في عالمهم النوري وما أهمّهم ذلك كثيرا فتعدّى كشفهم ذلك الطور لأنّهم أعلم الخلق بكفّارات الذنوب فعلموا توبة آدم وتوبة الله عليه وغفرانه فتجاوزوا في كشفهم إلى بني آدم في قولهم ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) فآدم ما أفسد في الأرض وما سفك دما ( فافهم ) وإنّما قصدوا بنيه فهم بالنهاية يرجعون إليه في طي حكمه فكأنّه هو في هذه الحالة فنفهم هنا معنى إلحاق ذريّة الصالحين بآبائهم وكذلك ذرّيات الأنبياء والمرسلين في الخلافة والوراثة ومن هنا تعرف يقينا فضل آل بيت سيّد الوجود عليه الصلاة والسلام فهم موصولون به صلى الله عليه وسلّم .
وسنذكر بعد هذا شرح تلك المقامات الأربعة شرحا مستفيضا كي نوقفك إن شاء الله على تلك المراتب فتعلمها .
تحميل الموضوع ملف وورد :
قال تعالى ( وإذ قال ربّك إنّي جاعل في الأرض خليفة ) .
لتعلم حقيقة هذا المستوى وأنّه أعطاك الحكم والتصريف ولكن ما منحك ذلك إلاّ
بعد أن أخذ عليك العهد في قوله (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) فقيّدك به كي لا تخرج عن وصف حقيقتك وطور عبوديتك لما علمه سبحانه من خطر تلك الخلافة التي أراد أن يكرمك بها.
إذ أنّ خطرها يوازي كرمها لأنّ خطرها مقامه العدل أمّا كرامتها فهي مناط الفضل فأنت بينهما ( قلب العبد بين إصبعين من أصابع الرحمان يقلّبه كيف يشاء ) لذا قال سيّدنا علي رضي الله عنه أو غيره ( هجم بهم العلم على حقيقة الأمر ) فبهتوا وخافوا وخرسوا وما نطقوا ( وخشعت الأصوات للرحمان ) ( إنّما يخشى الله من عباده العلماء ) فنبّهك بقوله تعالى ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) .
ففي قوله (وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ) يعطي عدم التخيير في حملها إذ أنّه مراد بالكرامة فيها لذا سمّاها أمانة فلو خيّر فيها لتركها هذا الإنسان فمنهم من راعى في حكمه إلى السابقة كآدم فحكم ومنهم من نظر إلى اللاحقة كموسى فاحتجّ فكان نظر الملائكة إلى اللاحقة , فأرجعتهم الحضرة إلى السابقة فسجدوا وهذا سنأتي عليه عند ذكر مقامات هذه الخلافة.
وإنّما مدحه بقوله (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) وإلاّ لما حملها إذ أنّ مجرّد حملها يعطي الظلم والجهل ولكنه لمّا أراد سبحانه التعريف أعطاك علوم هذا التصريف وقد نبّه على علوم القطبانية سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه كي تعبده في تلك الخلافة وترتقي في مراتبها لذاك قيل في الصوفي ( هو الذي تأدّب بأخلاق القرآن ) فهذا الذي أنعم الله عليه بعد أن هُدي إلى صراطه المستقيم , فإنّ القرآن بين عبودية وخصوصية ففيه جميع مراتب الوجود مرتبة مرتبة ظاهرة كظهور الشمس ليس دونها حجاب إلاّ حجاب الغفلة أو الرمد .
وإنّما أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها رغم أنّ الجبال من جملة الأرض ففي الجبال عبرة كبيرة لو تطالع السيرة وتعرف المسيرة , لخطرها العظيم وكي تعترف بالعجز أمام العوالم العلوية والسفلية كي لا يتقدّموا فكانت تلك الخلافة هي مجموع الباطن مع الظاهر والظاهر مع الباطن فويل لمن ظهر بها من غير جمع فهي وبال ومصيبة عليه وأعظم إبتلاء فلا بدّ للشيطان عليه من سبيل لذا يترصّد الشيطان هذا السبيل فترصّده عليه لعائن الله منذ عهد الحسن بن علي رضي الله عنه ولكنّ الله تعالى مكر به فجعلها سارية خافية عن الأنظار ظاهرها ظاهر وباطنها باطن حتّى يجمعها الله تعالى في شخص المهدي عليه سلام الله تعالى .
فعرض الأمانة على الجمادات فأبين أن يحملنها فما قال بأنّه عرضها على آدم أو الملائكة أو على إبليس فاتّضحت مقامات أربعة :
المقام الأوّل : إباية السماوات والأرض والجبال أن يحملنها بعد أن عرضها عليهنّ.
المقام الثاني : إستفسار الملائكة بخصوصها مع الإشارة إلى عدم قدرة آدم عليها غيرة منهم عليهم السلام.
المقام الثالث : إعتراض إبليس ففرضها لنفسه خلاف السماوات والأرض والجبال وخلاف الملائكة لأنّه لعنه الله من العالم السفلي فهكذا أحكام هذا العالم في طلب الخلافة ومن هنا تعرف أحكام المتسارعين إليها في مشارق الأرض ومغاربها .
المقام الرابع : إستسلام آدم لها من غير حيلة منه وحمله لها مع وجود جهله ( وهو وجود الحرص على الخلود في الجنّة مخافة الفوت ) وظلمه ( وهو المعصية في الجنّة والإفساد وسفك الدماء في العالم السفلي ) .
فما راعت الملائكة معصيته في العالم العلوي لأنّ خلافته الجامعة ليست هناك بل في الأرض محلّها لأنّه أخبرهم بذلك ( إنّي جاعل في الأرض خليفة ) فما عاينوا ما يصير في عالمهم النوري وما أهمّهم ذلك كثيرا فتعدّى كشفهم ذلك الطور لأنّهم أعلم الخلق بكفّارات الذنوب فعلموا توبة آدم وتوبة الله عليه وغفرانه فتجاوزوا في كشفهم إلى بني آدم في قولهم ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) فآدم ما أفسد في الأرض وما سفك دما ( فافهم ) وإنّما قصدوا بنيه فهم بالنهاية يرجعون إليه في طي حكمه فكأنّه هو في هذه الحالة فنفهم هنا معنى إلحاق ذريّة الصالحين بآبائهم وكذلك ذرّيات الأنبياء والمرسلين في الخلافة والوراثة ومن هنا تعرف يقينا فضل آل بيت سيّد الوجود عليه الصلاة والسلام فهم موصولون به صلى الله عليه وسلّم .
وسنذكر بعد هذا شرح تلك المقامات الأربعة شرحا مستفيضا كي نوقفك إن شاء الله على تلك المراتب فتعلمها .
تحميل الموضوع ملف وورد :
الكلمات المفتاحية :
العبودية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: