محاسن التعريف في علوم التصريف 7
بسم الله الرحمان الرحيم
فصل :
قلنا أنّه لا تقوم حجّة بعلم الحقيقة بل الحجّة للشريعة فهذا أصل لا بدّ من مراعاته أبدا فله دلائله من نصوص الكتاب والسنّة فذهب الناس الذين لم يلتزموا بهذه القاعدة
في ذلك مذاهب كثيرة فيها التلبيس والمتشابهات ما لا يخفى بعد أن وقف بهم السلوك أو تأويل النصوص في مراتب ناقصة فاعتمدوها .
فمن هذه المراتب الناقصة صارت الفِرَق الإسلامية كالجبرية ونقيضتها القدرية خاصّة وخرج الخلاف في تفسير العقائد فذهبت الجبرية إلى القول بالجبر وأنّ العبد مجبور في أفعاله كلّها فاحتجّوا بالحقائق الناقصة وجعلوها منهجا رسميا في تفسير العقيدة الإيمانية وذهب القدرية إلى النقيض من هذا فجعلوا خلق الأفعال عند الإنسان وأنّه لا قدر رغم أنّ الإيمان بالقدر الأصل السادس من أركان الإيمان .
كما ذهب غيرهم من أهل التجسيم وأهل التشبيه وأهل التعطيل وغيرهم كالخوارج والوهابية مذاهب شتّى في تفسير أصول العقائد فتميّز الأشاعرة والماتريدية بتفسير العقائد تفسيرا يليق بحقائق المعاني لذا ارتضى ساداتنا الصوفية عقيدة الأشاعرة والماتريدية كمناهج تدرّس في المعاهد والمساجد والجامعات إلى يومنا هذا ولن ندخل في نقاش في ذلك وإنّما أردنا أن نذكر هذا لنبيّن الخلل الحاصل عند تلك الفِرق .
والخلاصة الجامعة أنّهم لا فطرة سليمة لديهم في فهم نصوص التنزيه والتشبيه , فإنّ الفطرة السليمة هي أعظم أصل للوصول إلى الفهم الصحيح للعقائد , وذلك كون الألفاظ القرآنية ودلالتها وكذلك النبويّة ومراماتها لا يمكن أن تفهم على وجهها الصحيح المرادة لها إلاّ بفطرة سليمة غالبة غير مغلوبة , فمهما حاولتَ أن تفهم أسباب خلل تلك الفرق تجده يتمثّل في انعدام الفطرة السليمة أو سقمها وعدم علاجها لذا جعل العارفون بالله تعالى طريق التزكية من تخلية وتحلية للوقوف بالروح والقلب على الأصل الصحيح من الفطرة , فذكرنا هذا لنعلمك بسقم فطرة إبليس ومرض نفسه في مقابلة سلامة فطرة الملائكة وصحّتها من الأسقام فإنّ العوالم ثلاثة :
عالم نفسي :
مجال إبليس : وهو سقم الفطرة فمن كان مع نفسه فهو سقيم الفطرة لا محالة فلا يعتدّ برأيه ولا بقوله في الدين فإنّ الدين لا يؤخذ حقيقة إلاّ من العارفين بالله تعالى من الذين جمعوا بين الشريعة والحقيقة وبين الباطن والظاهر وبين إسمه الأوّل والآخر لذا احتجّ إبليس في معرض حديثه لمّا سألوه عن سبب إباية السجود فتكلّم بنفسه في صورة شرحه للحقائق فقال : لو أراده منّي لسجدت ولكنّه لم يرده منّي وهو نفس حجّة أهل النار في النار لمّا قالوا (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ) أنظر مددهم من إبليس فكانوا جنوده فتحدّاهم هنا بالعلم وأمرهم بإخراجه فكلّ من يحتجّ بالحقائق فعليه أن يخرج علمه فيها وإلاّ فإنّ الحجّة قائمة عليه .
فهو نفس قول الجبرية الذين جعلوا الإنسان مجبورا في أفعاله بدعوى الحقيقة لذا فإن إبليس خبير بالمراتب الناقصة فهو يتلقّفها وقد عبّر عنها بأبلغ بيان في قوله ( لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ) وهو طريق العقائد ويقصد به تعيينا طريق الحقائق لا غير ذلك لأنّ القعود في هذا الصراط عيّنه بقوله ( المستقيم ) الذي هو طريق المعرفة أمّا طريق الجنّة فقد قال فيه أقوال أخرى معلومة لمن قرأ القرآن وتدبّره .
وبما أنّ الذي يعنينا هو هذا علمنا الآن منشأ خروج الفِرق الإسلامية وشرحها للعقائد لذا قال ساداتنا العارفين في الإمام ابن تيمية رحمه الله ( لبّس عليه شيطان كبير في الكثير ممّا كتبه في العقائد والسلوك ) وكذلك قالوا في كتاب ( تلبيس إبليس ) أنّ الشيطان هو الذي لبّس على مؤلّفه في الكثير منه لأنّ التلبيس أعظم سلطة لإبليس على السالكين والعلماء لذا تعيّن وجود الشيخ والعارف والدليل الكامل الجامع بين الشريعة وبين الحقيقة في طريق الله تعالى وإلاّ ضلّ الفقير لا محالة إلاّ النادر فلا حكم عليه .
ولذاك قال ساداتنا رضي الله عنهم ( من ليس له شيخ في طريق الله فشيخه الشيطان ).
فمن عرف كلّ هذا تدقيقا وتفصيلا علم مداخل الشيطان في طريق السلوك ولو لا الإحتشام والخجل لذكرنا أشياء لو سمعها العامّة لكان ما كان والسالكون يعلمون هذا وقد نبّه الإمام القشيري رضي الله عنه على البعض من هذا في نصيحته للمريدين في كتابه الرسالة , وكذلك في وصيّة سيدي محمد المداني رضي الله عنه لتلميذه سيدي إسماعيل رضي الله عنه العجب العجاب وقد تمنّيت أن أشرحها العبد الضعيف بأكثر من شرح في جميع ما تعطيه مقاماتها لأنّ الكلام متى كان عاليا فله النزول في الحضرات العلمية أسوة بالقرآن أمّا متى كان نازلا أصلا فلا تحسن أن ترتقي به إلاّ تكلّفا فافهم هذه الدقيقة وقد قيل في الحكمة حيثما وصل التنوير وصل التعبير فمن هنا تعيّن العلم بالكتاب والسنّة والتمسّك بهما تمسّكا كاملا .
فعالم النفس أمره عظيم فهو ميدان الشيطان لأنّه يمدّ النفس بمدده فهو خبير في ذلك وإذا أردت أن تعرف جهود إبليس فانظر اليوم ما عليه أهل الأرض من الفساد والإفساد وسفك الدماء والكفر والزندقة والنفاق والشرك وحبّ العاجلة ... إلخ
العالم الثاني :
عالم قلبي مجال الملائكة : فهو عالم النور فلا بدّ من حماية لهذا العالم لأنّه عالم ليس بثابت فهو عالم متقلّب له وجه إلى الظلمة وله وجه إلى النور فهو عالم جنودي لذا بيّن ذلك في السنّة فأعطاك السلاح الذي تقاتل به عدوّك إبليس والنفس في كلّ فعل أو قول من أفعال أو أقوال السنّة فهو عالم أنصاري وهو المراد بطريق التزكية فمن لا تزكية له لا نور له فإنّ العلم شيء والتزكية شيء آخر ( يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم ) فلا ينطبع فيك حقيقة العلم إلاّ بعد التزكية .
العالم الثالث :
والذي صرّح به إبليس تصريحا وأنّه عالم لا يمكنه أن يطوله فقال ( إلاّ عبادك منهم المخلصين ) بفتح اللام , فاستثنى إبليس هنا وغريب منه أن يستثني وهو في معرض سوء الأدب الكامل لكنّه ما غفل عن هذا الإستثناء وإنّما قال ( المخلصين ) أي الذين فنوا في الذات فرجعوا إلى عبوديتهم فكان الله سمعهم وبصرهم ويدهم ورجلهم , إذن فقد صرّح لك ألا تفهم ؟ صرّح لك : أنّ معركته معك في جانب واحد وهو الذي يعنيه وهو ( مقام الخصوصية الذي أعطاه الله لآدم ) فهنا مقصد حربه , فلا خلاص لنا منه أبدا إلاّ بالرجوع بتلك الخصوصية إلى وصف العبودية ومن هنا نبّهك الشارع إلى أنّ إبليس متى سمع الآذان أدبر وله ظراط , ومتى سجد العبد هرب ... إلخ فإنّه لا يحتمل العبودية فقد سلبها , وفاقد الشيء لا يعطيه فهو لا يحسن أن يمدّك فيها بمدده لذا استثنى عباد الله ( المخلَصين ) .
فإذا أردت أن تفارق النفس وإبليس فكما قال سيدي محمد المداني ( خلّف الكون وراك --- وتوجّه لمولاك ) فمتى قصدت غير هذا المقصد أو توجّهت النيّة وطلبت غير هذا المطلب فإنّ للشيطان عليك سلطان لذا نبّهنا الله تعالى أن يا عبادي أنتم مكرّمين عندي أعطيتكم الخلافة وجميع ما سألتموه فكونوا عبادا لي فيها كي لا يفسدها عليكم إبليس فمقصده منكم فيها.
ومن هنا يتّسع مجال الفهم وأنّ رسول الله لا يولّي أحدا من الصحابة إمارة طلبها أو يقدّمه وكذلك فعل المشائخ من بعده عليه الصلاة والسلام فإنّ من طلب المشيخة ولو ذرّة بقلبه فمحال أن يعطيها الله تعالى له أو يمكّنه منها الشيخ لذا ترى أغلب خلفاء المشائخ يأتون على غير ما كان يتوقّعه مريدوه لتعلم أنّ سرّ الله تعالى لا تعلّق له بالأكوان والعلل والأمراض مهما دقّت وخفيت أو جلت وظهرت والمعاني هنا كثيرة واضحة كالشمس في رابعة النهار ....
تحميل الموضوع ملف وورد :
فصل :
قلنا أنّه لا تقوم حجّة بعلم الحقيقة بل الحجّة للشريعة فهذا أصل لا بدّ من مراعاته أبدا فله دلائله من نصوص الكتاب والسنّة فذهب الناس الذين لم يلتزموا بهذه القاعدة
في ذلك مذاهب كثيرة فيها التلبيس والمتشابهات ما لا يخفى بعد أن وقف بهم السلوك أو تأويل النصوص في مراتب ناقصة فاعتمدوها .
فمن هذه المراتب الناقصة صارت الفِرَق الإسلامية كالجبرية ونقيضتها القدرية خاصّة وخرج الخلاف في تفسير العقائد فذهبت الجبرية إلى القول بالجبر وأنّ العبد مجبور في أفعاله كلّها فاحتجّوا بالحقائق الناقصة وجعلوها منهجا رسميا في تفسير العقيدة الإيمانية وذهب القدرية إلى النقيض من هذا فجعلوا خلق الأفعال عند الإنسان وأنّه لا قدر رغم أنّ الإيمان بالقدر الأصل السادس من أركان الإيمان .
كما ذهب غيرهم من أهل التجسيم وأهل التشبيه وأهل التعطيل وغيرهم كالخوارج والوهابية مذاهب شتّى في تفسير أصول العقائد فتميّز الأشاعرة والماتريدية بتفسير العقائد تفسيرا يليق بحقائق المعاني لذا ارتضى ساداتنا الصوفية عقيدة الأشاعرة والماتريدية كمناهج تدرّس في المعاهد والمساجد والجامعات إلى يومنا هذا ولن ندخل في نقاش في ذلك وإنّما أردنا أن نذكر هذا لنبيّن الخلل الحاصل عند تلك الفِرق .
والخلاصة الجامعة أنّهم لا فطرة سليمة لديهم في فهم نصوص التنزيه والتشبيه , فإنّ الفطرة السليمة هي أعظم أصل للوصول إلى الفهم الصحيح للعقائد , وذلك كون الألفاظ القرآنية ودلالتها وكذلك النبويّة ومراماتها لا يمكن أن تفهم على وجهها الصحيح المرادة لها إلاّ بفطرة سليمة غالبة غير مغلوبة , فمهما حاولتَ أن تفهم أسباب خلل تلك الفرق تجده يتمثّل في انعدام الفطرة السليمة أو سقمها وعدم علاجها لذا جعل العارفون بالله تعالى طريق التزكية من تخلية وتحلية للوقوف بالروح والقلب على الأصل الصحيح من الفطرة , فذكرنا هذا لنعلمك بسقم فطرة إبليس ومرض نفسه في مقابلة سلامة فطرة الملائكة وصحّتها من الأسقام فإنّ العوالم ثلاثة :
عالم نفسي :
مجال إبليس : وهو سقم الفطرة فمن كان مع نفسه فهو سقيم الفطرة لا محالة فلا يعتدّ برأيه ولا بقوله في الدين فإنّ الدين لا يؤخذ حقيقة إلاّ من العارفين بالله تعالى من الذين جمعوا بين الشريعة والحقيقة وبين الباطن والظاهر وبين إسمه الأوّل والآخر لذا احتجّ إبليس في معرض حديثه لمّا سألوه عن سبب إباية السجود فتكلّم بنفسه في صورة شرحه للحقائق فقال : لو أراده منّي لسجدت ولكنّه لم يرده منّي وهو نفس حجّة أهل النار في النار لمّا قالوا (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ) أنظر مددهم من إبليس فكانوا جنوده فتحدّاهم هنا بالعلم وأمرهم بإخراجه فكلّ من يحتجّ بالحقائق فعليه أن يخرج علمه فيها وإلاّ فإنّ الحجّة قائمة عليه .
فهو نفس قول الجبرية الذين جعلوا الإنسان مجبورا في أفعاله بدعوى الحقيقة لذا فإن إبليس خبير بالمراتب الناقصة فهو يتلقّفها وقد عبّر عنها بأبلغ بيان في قوله ( لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ) وهو طريق العقائد ويقصد به تعيينا طريق الحقائق لا غير ذلك لأنّ القعود في هذا الصراط عيّنه بقوله ( المستقيم ) الذي هو طريق المعرفة أمّا طريق الجنّة فقد قال فيه أقوال أخرى معلومة لمن قرأ القرآن وتدبّره .
وبما أنّ الذي يعنينا هو هذا علمنا الآن منشأ خروج الفِرق الإسلامية وشرحها للعقائد لذا قال ساداتنا العارفين في الإمام ابن تيمية رحمه الله ( لبّس عليه شيطان كبير في الكثير ممّا كتبه في العقائد والسلوك ) وكذلك قالوا في كتاب ( تلبيس إبليس ) أنّ الشيطان هو الذي لبّس على مؤلّفه في الكثير منه لأنّ التلبيس أعظم سلطة لإبليس على السالكين والعلماء لذا تعيّن وجود الشيخ والعارف والدليل الكامل الجامع بين الشريعة وبين الحقيقة في طريق الله تعالى وإلاّ ضلّ الفقير لا محالة إلاّ النادر فلا حكم عليه .
ولذاك قال ساداتنا رضي الله عنهم ( من ليس له شيخ في طريق الله فشيخه الشيطان ).
فمن عرف كلّ هذا تدقيقا وتفصيلا علم مداخل الشيطان في طريق السلوك ولو لا الإحتشام والخجل لذكرنا أشياء لو سمعها العامّة لكان ما كان والسالكون يعلمون هذا وقد نبّه الإمام القشيري رضي الله عنه على البعض من هذا في نصيحته للمريدين في كتابه الرسالة , وكذلك في وصيّة سيدي محمد المداني رضي الله عنه لتلميذه سيدي إسماعيل رضي الله عنه العجب العجاب وقد تمنّيت أن أشرحها العبد الضعيف بأكثر من شرح في جميع ما تعطيه مقاماتها لأنّ الكلام متى كان عاليا فله النزول في الحضرات العلمية أسوة بالقرآن أمّا متى كان نازلا أصلا فلا تحسن أن ترتقي به إلاّ تكلّفا فافهم هذه الدقيقة وقد قيل في الحكمة حيثما وصل التنوير وصل التعبير فمن هنا تعيّن العلم بالكتاب والسنّة والتمسّك بهما تمسّكا كاملا .
فعالم النفس أمره عظيم فهو ميدان الشيطان لأنّه يمدّ النفس بمدده فهو خبير في ذلك وإذا أردت أن تعرف جهود إبليس فانظر اليوم ما عليه أهل الأرض من الفساد والإفساد وسفك الدماء والكفر والزندقة والنفاق والشرك وحبّ العاجلة ... إلخ
العالم الثاني :
عالم قلبي مجال الملائكة : فهو عالم النور فلا بدّ من حماية لهذا العالم لأنّه عالم ليس بثابت فهو عالم متقلّب له وجه إلى الظلمة وله وجه إلى النور فهو عالم جنودي لذا بيّن ذلك في السنّة فأعطاك السلاح الذي تقاتل به عدوّك إبليس والنفس في كلّ فعل أو قول من أفعال أو أقوال السنّة فهو عالم أنصاري وهو المراد بطريق التزكية فمن لا تزكية له لا نور له فإنّ العلم شيء والتزكية شيء آخر ( يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم ) فلا ينطبع فيك حقيقة العلم إلاّ بعد التزكية .
العالم الثالث :
والذي صرّح به إبليس تصريحا وأنّه عالم لا يمكنه أن يطوله فقال ( إلاّ عبادك منهم المخلصين ) بفتح اللام , فاستثنى إبليس هنا وغريب منه أن يستثني وهو في معرض سوء الأدب الكامل لكنّه ما غفل عن هذا الإستثناء وإنّما قال ( المخلصين ) أي الذين فنوا في الذات فرجعوا إلى عبوديتهم فكان الله سمعهم وبصرهم ويدهم ورجلهم , إذن فقد صرّح لك ألا تفهم ؟ صرّح لك : أنّ معركته معك في جانب واحد وهو الذي يعنيه وهو ( مقام الخصوصية الذي أعطاه الله لآدم ) فهنا مقصد حربه , فلا خلاص لنا منه أبدا إلاّ بالرجوع بتلك الخصوصية إلى وصف العبودية ومن هنا نبّهك الشارع إلى أنّ إبليس متى سمع الآذان أدبر وله ظراط , ومتى سجد العبد هرب ... إلخ فإنّه لا يحتمل العبودية فقد سلبها , وفاقد الشيء لا يعطيه فهو لا يحسن أن يمدّك فيها بمدده لذا استثنى عباد الله ( المخلَصين ) .
فإذا أردت أن تفارق النفس وإبليس فكما قال سيدي محمد المداني ( خلّف الكون وراك --- وتوجّه لمولاك ) فمتى قصدت غير هذا المقصد أو توجّهت النيّة وطلبت غير هذا المطلب فإنّ للشيطان عليك سلطان لذا نبّهنا الله تعالى أن يا عبادي أنتم مكرّمين عندي أعطيتكم الخلافة وجميع ما سألتموه فكونوا عبادا لي فيها كي لا يفسدها عليكم إبليس فمقصده منكم فيها.
ومن هنا يتّسع مجال الفهم وأنّ رسول الله لا يولّي أحدا من الصحابة إمارة طلبها أو يقدّمه وكذلك فعل المشائخ من بعده عليه الصلاة والسلام فإنّ من طلب المشيخة ولو ذرّة بقلبه فمحال أن يعطيها الله تعالى له أو يمكّنه منها الشيخ لذا ترى أغلب خلفاء المشائخ يأتون على غير ما كان يتوقّعه مريدوه لتعلم أنّ سرّ الله تعالى لا تعلّق له بالأكوان والعلل والأمراض مهما دقّت وخفيت أو جلت وظهرت والمعاني هنا كثيرة واضحة كالشمس في رابعة النهار ....
تحميل الموضوع ملف وورد :
الكلمات المفتاحية :
العبودية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: