باب الخشوع و التواضع
قَالَ
اللَّه تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي
صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1-2]
أَخْبَرَنَا
أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
يَحْيَي الْمُزَكِّيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو الْفَضْلِ سُفْيَانُ بْنُ
الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَحْيَي بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبَانَ بْنِ ثَعْلَبٍ،
عَنْ فُضَيْلٍ الْفُقَيْمِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ
بْنِ قَيْسٍ، عَنٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ
ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ وَلا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ
مِنْ إِيمَانَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ
يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَمِيلٌ يُحِبُّ
الْجَمَالَ الْكِبْرُ مَنْ بَطَرَ الْحَقَّ وَغَمَصَ النَّاسَ
أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الأَهْوَازِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ
الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مِسْهَرٍ , عَنْ
مُسْلِم الأَعْوَرِ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُ الْمَرِيضَ، وَيُشَيِّعُ الْجَنَائِزَ،
وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيُجِبْ دَعْوَةَ الْعَبْدِ، وَكَانَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ
وَالنَّضِيرِ عَلَى حِمَارٍ مَخْطُومٍ بِحَبْلٍ مِنْ لِيفٍ عَلَيْهِ إِكَافٌ مِنْ
لِيفٍ.
الْخُشُوعُ:
الانْقِيَادُ لِلْحَقِّ.
وَالتَّوَاضُعُ:
هُوَ الاسْتِسْلامُ لِلْحَقِّ وَتَرْكُ الاعْتِرَاضِ عَلَى الْحُكْمِ وَقَالَ
حُذَيْفَةُ: أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَهُ مِنْ دِينِكُمُ الْخُشُوعَ.
وَسُئِلَ
بَعْضُهُمْ عَنِ الْخُشُوعِ، فَقَالَ: الْخُشُوعُ قِيَامُ الْقَلْبِ بَيْنَ يَدَيِ
الْحَقِّ سُبْحَانَهُ بِهِمْ مَجْمُوعٌ.
وَقَالَ
سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: مَنْ خَشَعَ قَلْبُهُ لَمْ يَقْرَبْ مِنْهُ الشَّيْطَانُ،
وَقِيلَ: مِنْ عَلامَاتِ الْخُشُوعِ لِلْعَبْدِ أَنَّهُ إِذَا أُغْضِبَ أَوْ
خُولِفَ أَوْ رُدَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ ذَلِكَ بِالْقُبُولِ، وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: خُشُوعُ الْقَلْبِ قَيْدُ الْعُيُونِ عَنِ النَّظَرِ، وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ: الْخَاشِعُ مَنْ خَمَدَتْ نِيرَانُ
شَهْوَتِهِ وَسَكَنَ دُخَانَ صَدْرِهِ وَأَشْرَقَ نُورُ التَّعْظِيمِ فِِي
قَلْبِهِ فَمَاتَتْ شَهْوَتُهُ وَحَي قَلْبُهُ فَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ، وَقَالَ
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: الْخُشُوعُ الْخَوْفُ الدَّائِمُ اللازِمُ لِلْقَلْبِ،
وَسُئِلَ الْجُنَيْدُ عَنِ الْخُشُوعِ فَقَالَ: تَذَلُّلُ الْقُلُوبِ لِعَلامِ
الْغُيُوبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ
عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] سَمِعْتُ الأُسْتَاذَ أَبَا عَلِيٍّ
الدَّقَّاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ مَا مَعْنَاهُ: مُتَوَاضِعِينَ
مُتَخَاشِعِينَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ هُمُ الَّذِينَ لا يَسْتَحْسِنُونَ شِسْعَ
نِعَالِهِمْ إِذَا مَشَوْا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْخُشُوعَ مَحِلُّهُ
الْقَلْبُ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ رَجُلا مُنْقَبِضَ الظَّاهِرِ مُنْكَسِرَ
الشَّاهِدِ قَدْ زَوَى مَنْكِبَيْهِ فَقَالَ: يا فُلانُ الْخُشُوعُ هَهُنَا
وَأَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ لا هَهُنَا وَأَشَارَ إِلَى مَنْكِبَيْهِ.
وَرُوِيَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلا يَعْبَثُ
فِي صَلاتِهِ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ: لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ
جَوَارِحُهُ، وَقِيلَ: شَرْطُ الْخُشُوعِ فِي الصَّلاةِ أَنْ لا يَعْرِفَ مَنْ
عَلَى شِمَالِهِ.
قَالَ
الأُسْتَاذُ الإِمَامُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: الْخُشُوعُ إِطْرَاقُ
السَّرِيرَةِ بِشَرْطِ الأَدَبِ بِمَشْهَدِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ.
وَيُقَالُ:
الْخُشُوعُ ذُبُولٌ يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ عِنْدَ اطِّلاعِ الرَّبِّ، وَيُقَالُ:
الْخُشُوعُ ذَوَبَانُ الْقَلْبِ وَانْخِنَاسِهِ عِنْدَ سُلْطَانِ الْحَقِيقَةِ،
وَيُقَالُ: الْخُشُوعُ مُقَدِّمَاتُ غَلَبَاتِ الْهَيْبَةِ، وَيُقَالُ: الْخُشُوعُ
قَشْعَرِيرَةٌ تَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ بَغْتَةً عِنْدَ مُفَاجَأَةِ كَشْفِ
الْحَقِيقَةِ،
وَقَالَ
الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: كَانَ يُكْرَهُ أَنْ يُرَى عَلَى الرَّجُلِ مِنَ
الْخُشُوعِ أَكْثَر مِمَّا فِي قَلْبِهِ، وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ
الدَّارَانِيُّ: لَوِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنْ يَضَعُونِي كَاتِّضَاعِي
عِنْدَ نَفْسِي لَمَا قَدِرُوا عَلَيْهِ.
وَقِيلَ:
مَنْ لَمْ يَتَّضِعْ عِنْدَ نَفْسِهِ لَمْ يَرْتَفِعْ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَكَانَ
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لا يَسْجُدُ إِلا عَلَى التُّرَابِ
أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الأَهْوَازِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ
الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ الْفَرَائِضِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ وَهُوَ الْمِصِّيصِيُّ عَنْ هَارُونَ بْنِ
حَيَّانَ عَنْ حَصِيفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ "
وَقَالَ
مجاهد: لما أغرق اللَّه تَعَالَى قوم نوح شمخت الجبال وتواضع الجودي فجعله اللَّه
تَعَالَى قرارا لسفينة نوح عَلَيْهِ السَّلام , وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رضى
اللَّه عَنْهُ يسرع فِي المشي وَيَقُول إنه أسرع للحاجة وأبعد من الزهو وَكَانَ
عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز يكتب ليلة شَيْئًا وعنده ضعيف فكاد السراج ينطفئ
فَقَالَ الضيف: أقوم إِلَى المصباح فأصلحه فَقَالَ: لا لَيْسَ من الكرم استخدام
الضيف قَالَ: فأنبه الغلام قَالَ: لا هِيَ أول نومة نامها فقام إِلَى البطة وجعل
الدهن فِي المصباح فَقَالَ الضيف: قمت بنفسك يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ فَقَالَ لَهُ
عُمَر: ذهبت وأنا عُمَر ورجعت وأنا عُمَر.
وَرَوَى
أَبُو سَعِيد الخدري أَنَّ النَّبِيَّ صلي اللَّه عَلَيْهِ وسلم كَانَ يعلف البعير
ويقم
الْبَيْت
ويخصف النعل ويرقع الثوب ويحلب الشاة ويأكل مَعَ الخادم ويطحن مَعَهُ إِذَا أعيا
وَكَانَ لا يمنعه الحياء أَن يحمل بضاعته من السوق إِلَى أهله وَكَانَ يصافح الغني
والفقير ويسلم مبتديا ولا يحتقر ما دعي إِلَيْهِ ولو إِلَى حشف التمر وَكَانَ هين
المؤنة لين الخلق كريم الطبيعة جميل المعاشرة طلق الوجه بساما من غَيْر ضحك محزونا
من غَيْر عبوسة متواضعا من غَيْر مذلة جوادا من غَيْر سرف رقيق القلب رحيما بكل
مُسْلِم لَمْ يتجشأ قط من شبع وَلَمْ يمد يده إِلَى طمع.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي، يَقُول: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد الرازي،
يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن نصر الصائغ، يَقُول: سمعت مردويه الصائغ، يَقُول: سمعت
الفضيل بْن عياض، يَقُول: قراء الرحمن أَصْحَاب خشوع وتواضع وقراء القضاة أَصْحَاب
عجب وتكبر، وَقَالَ الفضيل بْن عياض: من رأى لنفسه قيمة فليس لَهُ فِي التواضع
نصيب.
وسئل الفضيل
عَنِ التواضع، فَقَالَ: تخضع للحق وتنقاد لَهُ تقلبه مِمَّن قاله وَقَالَ الفضيل:
أوحى اللَّه تَعَالَى إِلَى الجبال إني مكلم عَلَى واحد منكم نبيا فتطاولت الجبال
وتواضع طور سيناء فكلم اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام
لتواضعه.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت أَحْمَد بْن عَلِي بْن جَعْفَر يَقُول: سمعت
إِبْرَاهِيم بْن فاتك يَقُول سئل الجنيد عَنِ التواضع، فَقَالَ: خفض الجناح للخلق
ولين الجانب لَهُمْ وَقَالَ وهب مكتوب فِي بَعْض مَا أنزل اللَّه تَعَالَى من
الكتب إني أخرجت الذرة من صلب آدم فلم أجد قلبا أشد تواضعا من قلب مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلام فلذلك اصطفيته وكلمته
وَقَالَ
ابْن المبارك التكبر عَلَى الأغنياء والتواضع للفقراء من التواضع وقيل: لأبي
يَزِيد مَتَى يَكُون الرجل متواضعا فَقَالَ: إِذَا لَمْ ير لنفسه مقاما ولا حالا
ولا يرى أَن فِي الخلق من هُوَ شر منه وقيل: التواضع نعمة لا يحسد عَلَيْهَا
والكبر محنة لا يرحم عَلَيْهَا والعز فِي التواضع فمن طلبه فِي الكبر لَمْ يجده.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي، يَقُول: سمعت أبا بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد
اللَّهِ، يَقُول: سمعت إِبْرَاهِيم بْن شيبان يَقُول: الشرف فِي التواضع والعز فِي
التقوى والحرية فِي القناعة.
وسمعته
يَقُول: سمعت الْحَسَن الساوي يَقُول: سمعت ابْن الأعرابي، يَقُول: بلغني أَن
سُفْيَان الثَّوْرِي، قَالَ: أعز الخلق خمسة أنفس: عالم زاهد وفقيه صوفي وغني
متواضع وفقير شاكر وشريف سنى وَقَالَ يَحْيَي بْن معاذ: التواضع حسن فِي كُل أحد
لكنه فِي الاغنياء أَحْسَن والتكبر سمج فِي كُل أحد لكنه فِي الفقراء أسمج،
وَقَالَ ابْن عَطَاء: التواضع قبول الحق مِمَّن كَانَ وقيل: ركب زَيْد بْن ثابت
فدنا ابْن عَبَّاس ليأخذ بركابه فَقَالَ: مه يا ابْن عم رَسُول اللَّهِ فَقَالَ:
هكذا أمرنا أَن نفعل بعلمائنا فأخذ زَيْد بْن ثابت يد ابْن عَبَّاس فقبلها،
وَقَالَ: هكذا أمرنا أَن نفعل بأهل بَيْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وَقَالَ
عروة بْن الزُّبَيْر رأيت عُمَر بْن الْخَطَّاب رضى اللَّه عَنْهُ وعلى عاتقه قربة
ماء فَقُلْتُ يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ لا ينبغي لَك هَذَا فَقَالَ: لما أتاني
الوفد سامعين مطيعين دخلت فِي نفسي نخوة فأحببت أَن أكسرها ومضي بالقربة إِلَى
حجرة امْرَأَة من الأنصار فأفرغها فِي إنائها.
سمعت أبا
حاتم السجستاني يَقُول: سمعت أبا نصر السراج الطوسي يَقُول: رؤى أَبُو هُرَيْرَة
وَهُوَ أمِير الْمَدِينَة وعلى ظهره حزمة حطب وَهُوَ يَقُول طرقوا للأمير وَقَالَ
عَبْد اللَّهِ الرازي: التواضع ترك التمييز فِي الخدمة سمعت مُحَمَّد بْن
الْحُسَيْن يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن هَارُون يَقُول: سمعت مُحَمَّد
بْن الْعَبَّاس الدمشقي يَقُول: سمعت أَحْمَد بْن أَبِي الحواري يَقُول: سمعت أبا
سُلَيْمَان الداراني يَقُول: من رأى لنفسه قيمة لَمْ يذق حلاوة الخدمة وَقَالَ
يَحْيَي بْن معاذ التكبر عَلَى من تكبر عليك بِمَا لَهُ تواضع وَقَالَ الشبلي: ذلي
عطل ذل الْيَهُود وجاءه رجل فَقَالَ لَهُ الشبلي: مَا أَنْتَ فَقَالَ: يا سيدي
النقطة الَّتِي تَحْتَ الباء فَقَالَ: أَنْتَ شاهدي مَا لَمْ تجعل لنفسك مقاما
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: من التواضع أَن يشرب الرجل من سؤر أخيه وَقَالَ بشر: سلموا
عَلَى أبناء الدنيا بترك السَّلام عَلَيْهِم وَقَالَ شُعَيْب بْن حرب: بينا أنا
فِي الطواف إذ لكزني إِنْسَان بمرفقه فالتفت إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ الفضيل بْن
عياض فَقَالَ: يا أبا صَالِح إِن كنت تظن أَنَّهُ شهد الموسم شر منى ومنك فبئسما
ظننت وَقَالَ بَعْضهم رأيت فِي الطوف إِنْسَانا بَيْنَ يديه شاكريه يمنعون النَّاس
لأجله عَنِ الطاف ثُمَّ رأيته بَعْد ذَلِكَ بمدة عَلَى جسر بغداد يسأل النَّاس
شَيْئًا
فتعجبت منه
فَقَالَ لي: أنا تكبرت فِي موضع يتواضع النَّاس هناك فابتلاني اللَّه تَعَالَى
بالتذلل فِي موضع يترفع فِيهِ النَّاس وبلغ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أَن ابنا
لَهُ اشترى فصا بألف درهم فكتب إِلَيْهِ عُمَر بلغني أنك اشتريت فصا بألف درهم
فَإِذَا أتاك كتابي هَذَا فبع الخاتم وأشبع ألف بطن وأتخذ خاتما من درهمين واجعل
فصه حديدا صينيا واكتب عَلَيْهِ رحم اللَّه امرأ عرف قدر نَفْسه.
وقيل: عرض
عَلَى بَعْض الأمراء ومملوك بألف درهم فلما أحضر الثمن استكثره فبدا لَهُ فِي
شرائه فرد الثمن إِلَى الخزانة فَقَالَ العبد: يا مولاي اشترني فَإِن فِي بكل درهم
من هذه الدراهم خصلة تساوى أَكْثَر من ألف درهم فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ فَقَالَ:
أقلها وأدناها مَا لو اشتريتني وقدمتني عَلَى جَمِيع مماليكك لا أغلظ فِي نفسي
وأعلم أنى عَبْد فاشتراه.
وحكى عَن
رجاء بْن حيوة أَنَّهُ قَالَ: قومت ثياب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَهُوَ يخطب
باثني عشر درهما وَكَانَ قباء وعمامة وقميصا وسراويل ورداء وخفين وقلنسوة، وقيل:
مشى عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن واسع مشيا لا يحمد فَقَالَ لَهُ أبوه: وتدري
بكم اشتريت أمك بثلاث مائة درهم وأبوك لا أَكْثَر اللَّه تَعَالَى فِي
الْمُسْلِمِينَ مثله أبا وأنت تمشى هذه المشية.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن أَحْمَد الفراء يَقُول: سمعت
عَبْد اللَّهِ بْن منازل يَقُول: سمعت حمدون القصار يَقُول التواضع أَن لا ترى
لأحد إِلَى نفسك حاجة لا فِي الدين ولا فِي الدنيا.
وَقَالَ
إِبْرَاهِيم بْن أدهم مَا سررت فِي إسلامي إلا ثَلاث مرات مرة كنت فِي سفينة وفيها
رجل مضحاك كَانَ يَقُول كُنَّا نأخذ العلج فِي بلاد الترك هكذا وَكَانَ يأخذ بشعر رأسي
ويهزني فيسرني ذَلِكَ لأنه لَمْ يكن فِي تلك السفينة أحد أحقر فِي عينه منى
والأخرى كنت
عليلا فِي مَسْجِد فدخل المؤذن وَقَالَ أخرج فلم أطلق فأخذ برجلي وجرني إِلَى خارج
الْمَسْجِد، والثالثة كنت بالشام وعلي فرو فنظرت فِيهِ فلم أميز بَيْنَ شعره وبين
القمل لكثرته فسرني ذَلِكَ وَفِي حكاية أُخْرَى عَنْهُ قَالَ مَا سررت بشيء كسروري
أني كنت يوما جالسا فجاء إِنْسَان وبال عَلِي.
وقيل: تشاجر
أَبُو ذر وبلال رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فعير أَبُو ذر بلالا بالسواد , فشكاه
إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يا أبا ذر إنه بقي فِي
قلبك من كبر الجاهلية شَيْء فألقى أَبُو ذر نَفْسه وحلف أَن لا يرفع رأسه حَتَّى
يطأ بلال خده بقدمه فلم يرفع حَتَّى فعل بلال ذَلِكَ.
ومر
الْحَسَن بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بصبيان معهم كسر خبز فاستضافوه فنزل
وأكل معهم ثُمَّ حملهم إِلَى منزله وأطعمهم وكساهم وَقَالَ اليد لَهُمْ، لأنهم
لَمْ جدوا غَيْر مَا أطمعوني ونحن نجد أَكْثَر منه وقيل: قسم عُمَر بْن الْخَطَّاب
رضى اللَّه عَنْهُ الحلل بَيْنَ الصَّحَابَة من غنيمة فبعث إِلَيْهِ معاذ حلة
يمانية فباعها واشترى ستة أعبد وأعتقهم فبلغ عُمَر ذَلِكَ فكان يقسم الحلل بعده
فبعث إليه حلة دُونَ تلك فعاتبه معاذ فَقَالَ لَهُ عُمَر: لا معاتبة لأنك بعت
الأولى , فَقَالَ معاذ: وَمَا عليك ادفع إلي نصيبي وَقَدْ حلفت لأضربن بِهَا رأسك
فَقَالَ عُمَر: هَذَا رأسي بَيْنَ يديك وَقَدْ يرفق الشيخ بالشيخ.
الكلمات المفتاحية :
التربية و السلوك
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: