بَاب مخالفة النفس
قَالَ اللَّه تَعَالَى:
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى {40}
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40-41]
أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا تَمْتَامٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ
النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ عُتْبَةَ
بْنِ أَبِي لَهَبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَخْوَفُ مَا أَخَافُ
عَلَى أُمَّتِي اتِّبَاعُ الْهَوَى، وَطُولُ الأَمَلِ، فَأَمَّا اتِّبَاعُ
الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَأَمَّا طُولُ الأَمَلِ فَيُنْسِي الآخِرَةَ.
ثُمَّ
اعْلَمْ أَن مخالفة النفس رأس العبادة وَقَدْ سئل المشايخ عَنِ الإِسْلام؟
فَقَالُوا: ذبح النفس بسيوف المخالفة.
واعلم أَن
من نجمت طوارق نَفْسه أفلت شوارق أنسه، وَقَالَ ذو النون المصري: مفاتح العبادة
الفكرة وعلامة الإصابة مخالفة النفس والهوى ومخالفتها ترك شهواتهما، وَقَالَ ابْن
عَطَاء: النفس مجبولة عَلَى سوء الأدب والعبد مأمور بملازمة الأدب فالنفس تجري
بطبعها فِي ميدان المخالفة والعبد يردها بجهده عَن سوء المطالبة فمن أطلق عنانها
فَهُوَ شركيها معها فِي فسادها
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت أبا بَكْر الرازي يَقُول: سمعت أبا
عُمَر الأنماطي يَقُول: سمعت الجيند يَقُول النفس الأمارة بالسوء هِيَ الداعية
إِلَى المهالك المعينة للأعداء المتبعة للهوى المتهمة بأصناف الأسواء وَقَالَ
أَبُو حفص من لَمْ يتهم نَفْسه عَلَى دوام الأوقات وَلَمْ يخالفها فِي جَمِيع
الأحوال وَلَمْ
يجرها إِلَى
مكروهها فِي سائر أيامه كَانَ مغرورا ومن نظر إِلَيْهَا باستحسان شَيْء منها
فَقَدْ أهلكها وكيف يصح لعاقل الرضا عَن نَفْسه والكريم بْن الكريم بْن الكريم
ابْن الكريم يُوسُف بْن يَعْقُوبَ بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الخليل يَقُول:
{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53] .
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت إِبْرَاهِيم بْن مقسم ببغداد يَقُول: سمعت
ابْن عَطَاء يَقُول: قَالَ الجنيد: أرقت ليلة فقمت إِلَى وردى فلم أجد مَا كنت
أجده من الحلاوة فأردت أَن أنام فلم أقدر عَلَيْهِ فقعدت فلم أطق القعود ففتحت
الباب وخرجت فَإِذَا رجل ملتف فِي عباءة مطروح عَلَى الطريق فلما أحس بي رفع رأسه
وَقَالَ يا أبا القاسم إلي الساعة فَقُلْتُ يا سيدي من غَيْر موعد قَالَ: بلى قَدْ
سألت محرك القلوب أَن يحرك إلي قلبك فَقُلْتُ فَقَدْ فعل فَمَا حاجتك فَقَالَ:
مَتَى يصير داء النفس دواءها فَقُلْتُ إِذَا خالفت النفس هواها صار داؤها دواءها
فأقبل عَلَى نَفْسه وَقَالَ اسمعي قَدْ أجبتك بِهَذَا الجواب سبع مرات فأبيت إلا
أَن تسمعيه من الجنيد وَقَدْ سمعت , وانصرف عنى وَلَمْ أعرفه , وَلَمْ أقف عَلَيْهِ
بَعْد.
وَقَالَ
أَبُو بَكْر الطمستاني: النعمة العظمي الخروج من النفس، لأن النفس أَعْظَم حجاب
بينك وبين اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ سهل: مَا عَبْد اللَّهِ بشيء مثل مخالفة
النفس والهوى.
سمعت
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , يَقُول: سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ , يَقُول:
سمعت أبا عُمَر الأنماطي , يَقُول: سمعت بْن عَطَاء وَقَدْ سئل عَن أقرب شَيْء
إِلَى مقت اللَّه تَعَالَى , فَقَالَ:
رؤية النفس
وأحوالها وأشد من ذَلِكَ مطالعة الأغراض عَلَى أفعالها , وسمعته يَقُول: سمعت
الْحُسَيْن بْن يَحْيَي , يَقُول: سمعت جَعْفَر بْن نصير , يَقُول: سمعت
إِبْرَاهِيم الخواص , يَقُول: كنت فِي جبل اللكام فرأيت رومانا فاشتهيته فدنوت
فأخذت منه واحدة فشققتها فوجدتها حامضة فمضيت وتركت الرمان فرأيت رجلا مطروحا قَد
اجتمع عَلَيْهِ الزنابير , فَقُلْتُ: السَّلام عليك , فَقَالَ: وعليك السَّلام يا
إِبْرَاهِيم , فَقُلْتُ: كَيْفَ عرفتني؟ فَقَالَ: من عرف اللَّه تَعَالَى لا يخفى
عَلَيْهِ شَيْء , فَقُلْتُ: أرى لَك حالا مَعَ اللَّه تَعَالَى فلو سألته أَن
يحميك ويقيك الأذى من هَذَا الزنابير , فَقَالَ: وأنا أرى لَك حالا مَعَ اللَّه
تَعَالَى فلو سألته أَن يقيك شهوة الرمان فَإِن لدغ الرمان يجد ألمه الإِنْسَان
فِي الآخرة ولدغ الزنابير يجد ألمه فِي الدنيا.
فتركته
ومضيت.
وحكى عَن
إِبْرَاهِيم بْن شبان , أَنَّهُ قَالَ: مَا بت تَحْتَ سقف ولا فِي موضع عَلَيْهِ
غلق أربعين سنة وكنت أشتهي فِي أوقات أَن أتناول شُعْبَة عدس فلم يتفق فكنت وقتا
بالشام فحمل إِلَى غضارة لي فِيهَا عدس فتناولت منه وخرجت فرأيت قوارير معلقة
فِيهَا شَيْء شبه نموذجات , فظننته خلا , فَقَالَ لي بَعْض النَّاس: إيش تنظر هذه
نموذجات الخمر , وَهَذَهِ الدنان خمر , فَقُلْتُ فِي نفسي: لزمني فرض فدخلت حانوت
الخمار , وَلَمْ أزل أصب تلك الدنان , وَهُوَ يتوهم أنى أصبها بأمر السلطان فلما
علم حملني إِلَى ابْن طولون , فأمر بضربي مائتي خشبة وطرحني فِي السجن فبقيت فِيهِ
مدة حَتَّى دَخَلَ أَبُو عَبْد اللَّهِ المغربي أستاذي ذَلِكَ البلد فشفع لي ,
فلما وقع بصره عَلِي , قَالَ: إيش فعلت؟ فَقُلْتُ: شبعة عدس ومائتي خشبة فَقَالَ
لي: نجوت مجانا.
سمعت الشيخ
أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي , يَقُول: سمعت أبا الْعَبَّاس البغدادي , يَقُول:
سمعت جَعْفَر بْن نصير , يَقُول: سمعت الجنيد , يَقُول: سمعت السري , يَقُول
وإن نفسي
تطالبني منذ ثلاثين سنة أَوْ أربعين سنة أَن أغمس جزرة فِي دبس فَمَا أطعتها
وسمعته , يَقُول: سمعت جدى , يَقُول: آفة العبد رضاه من نَفْسه بِمَا هُوَ فِيهِ.
وسمعته
يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الرازي , يَقُول: سمعت الْحُسَيْن بْن
عَلِي القرمسيني , يَقُول: وجه عصام بْن يُوسُفَ البلخي شَيْئًا إِلَى حاتم الأصم
فقبله منه , فقيل لَهُ: لَمْ قبله؟ فَقَالَ: وجدت فِي أخذه ذلي وعزه وَفِي رده عزي
وذله فاخترت عزه عَلَى عزى , وذلي عَلَى ذله.
وقيل
لبعضهم: إني أريد أَن أحج عَلَى التجريد , فَقَالَ لَهُ: جرد أولا قلبك عَنِ السهو
, ونفسك عَنِ اللهو , ولسانك عَنِ اللغو ثُمَّ اسلك حيث شئت.
وَقَالَ
أَبُو سُلَيْمَان الداراني: من أَحْسَن فِي ليله كوفئ فِي نهاره , ومن أَحْسَن فِي
نهاره كوفئ فِي ليله , ومن صدق فِي ترك شهوة كفي مؤنتها , والله أكرم من أَن يعذب
قلبا ترك شهوة لأجله.
وأوحي
اللَّه تَعَالَى إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلام: يا دَاوُد , حذر وأنذر أَصْحَابك
أكل الشهوات , فَإِن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عقولها عني محجوبة.
ورؤي رجل
جالسا فِي الهواء فقيل لَهُ بم نلت هَذَا فَقَالَ: تركت الهوى فسخر لي الهواء
وقيل: لو عرض للمؤمن ألف شهوة لأخرجها بالخوف ولو عرض للفاجر شهوة واحدة لأخرجته
من الخوف , وقيل: لا تضع زمامك فِي يد الهوى فَإِنَّهُ يقودك إِلَى الظلمة ,
وَقَالَ
يُوسُف بْن أسباط: لا يمحو الشهوات من القلب إلا خوف مزعج أَوْ شوق مقلق.
وَقَالَ
الخواص: من ترك شهوة فلم يجد عوضها فِي قلبه فَهُوَ كاذب فِي تركها.
وَقَالَ
جَعْفَر بْن نصير: دفع إلي الجنيد درهما وَقَالَ اشتر لي بِهِ التين الوزيري
فاشتريته لَهُ فلما أفطر أخذ واحدة ووضعها فِي فِيهِ ثُمَّ ألقاها وبكي وَقَالَ
أحمله فَقُلْتُ لَهُ: فِي ذَلِكَ فَقَالَ: هتف فِي قلبي أما تستحي شهوة تركتها من
أجلى ثُمَّ تعود إِلَيْهَا وأنشدوا:
نون الهوان من الهوى مسروقة ... وصريع هوى صريع هوان
الكلمات المفتاحية :
التربية و السلوك
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: