محاسن التعريف في علوم التصريف 6
بسم الله الرحمان الرحيم
نذكر الآن بعض نقص إبليس في المعرفة وسوء أدبه في حضرة العلم التي هي حضرة الأمر والنهي في مجال الحقائق لأنّ
الحقيقة لها وجه الإطلاق فلا يحتجّ بها لأنّها تترقّى فمن حاجج بحقيقة حاججته حقيقة أخرى أرقى وأعلى منها لذا فإنّه لا احتجاج بعلوم القدر عند الأمر والنهي بتاتا وإلاّ فسدت المراتب كلّها واختلّت العلوم كلّها فمثلا لو جعلت علم الحقيقة حجّة فقد قلت بعدم التوبة وعدم الإستغفار وقلت بالظلم والإفساد .
فهذه الخواطر من الظنون هي مذهب إبليس اليوم في الوساوس التي يظنّها أتباعه معارف بل هي مزالق , لذا سأل الصحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام عن القدر فقالوا ( ألا نتّكل يا رسول الله فقال : اعملوا فإنّ كلّ ميسّر لما خلق له ) فكشف لهم عن محاسن من التحقيق فأمرهم بالأعمال لأنّها الحجّة فالشريعة هي الحجّة البالغة فمن هنا صحّ النكران على بعض السادّة من الذين استغرقتهم الحقائق الناقصة من طرف علماء الشريعة أعني الإنكار فيما لا يوافق ظاهر الشرع .
وليس معنى كلامي هذا مفهوم الشرع بحسب فهم أهل الظاهر الجامدين وإنّما بحسب فهم من جمع بين الشريعة والحقيقة فهو صاحب الميزان العادل والقسطاس المستقيم لذا صحّ إنكار الجنيد على الحلاّج ( فافهم ) ... والمعاني هنا معروفة فلا داعي من الإطالة بذكرها.
فظهر أنّ علم الحقيقة من باب الإختصاص فهو للخصوصية أقرب منه للعبودية لذا ترك التصريف من فنى في العبودية كأبي السعود أو غيره وقد تصرّف الشيخ عبد القادر رضي الله عنهما فالفرق الذي غاب عن الكثيرين فيما بينهما هو التصرّف في مقام الخلافة الجامعة والتصرّف في غير ذلك , فكان هنا مذهب إبليس في الفهم وجوب ضرورة ظهور النفس منه مع أنّ المقام يستوجب عدم ظهورها .
لمّا قال الله تعالى لهم ( إنّي جاعل في الأرض خليفة ) فخفي هنا مكر إبليس وبطن في سرّه فظهر بداية في صورة الحقّ في قوله أو السكوت منه مع الملائكة ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) لذا لمّا أمرهم بالسجود فُضح أمره فخرج وصف نفسه وظهورها الذي كان خافيا فكأنّ السجود جعل امتحان إبليس أو تقول من أجل ظهور الحجّة عليه لذا كانت علوم الشريعة علوم ظهور لما بطن من الحقائق في مقام الإختصاص .
فلا يظهر حكمك في علم القدر إلاّ بوجود الشرائع لذا قال عليه الصلاة والسلام ( اعملوا فإنّ كلّ ميسّر لما خلق له ) فانظر حباك الله بفضله مستوى هذا التحقيق منه عليه الصلاة والسلام في جوامع كلمه لتعلم رفعة نبيّك شهودا وعيانا ويقينا وليس علما فقط وتصديقا فإنّ بعد البرهان لا بدّ من وجود العيان .
ثمّ لمّا قال تعالى ( وإذ قلنا للملائكة أسجدوا لآدم ) ما جاء ذكر إبليس تعيينا بل تركه على وصفه الملائكي النوري فما أخرجه منه إلاّ حين الأمر بالسجود لتعلم مدى المكر الإلهي لقوله تعالى ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) , وإنّما أمرهم بالسجود دون غيره من الأوامر وهي كثيرة لما في السجود من معاني استشعار المعبود سبحانه وأنّه الواحد الأحد الفرد الصمد فكلّ ما سواه باطل .
فمن وقف مع نفسه ولم يكن له حظّ من الفناء عنها ظهرت منه تلك النفس ولا بدّ لذا لمّا سأله بقوله : ( ما منعك أن تسجد ) قال : ( أنا خير منه ) فكان بداية القول منه قوله ( أنا ) وهو وجود النفس وظهورها مع أنّ الأمر جاءه بالفناء والغيبة عنها وعدم استشعارها فلو فنى لكان سجوده لله تعالى في تجلّي من تجلّياته الجامعة وهذا ما فهمته الملائكة من ذلك لذا بادرت بالسجود سريعا فقد حماها كما قلنا في موضع آخر جناب التوحيد من إباية السجود فلنا في ذلك كتابة بعض خواطرنا في هذه الآية فمن أراد أن يقرأها فليطالعه فيربط هذا الموضوع بذاك.
فرحمهم بطلب السجود منهم وأكرمهم كي لا يتركهم في عالم الفرق في مشاهدة هذه الخصوصية واستشعار استحقاقهم بها لأنّ الملائكة عباد مكرمون أهل طهارة فكان السجود تعليمهم أنّه ليس ثمّ سواه سبحانه فرفض إبليس ذلك التجلّي الإلهي فخلط بين المراتب وظهرت نفسه فدخل فيما لا يعنيه وقرأ العلم بحال نفسه وشهواتها فضلّ وأضلّ الله به لذا فلا يتلى العلم متى فهمت إلاّ بالإسم الجامع وهو قولنا ( الله ) .
فهذا حقيقة العلم الذي هو زمزم حياة الأرواح ومنبع مياه القلوب ومعدن رؤية السرائر فليس هناك عليم غير الله تعالى فهو الذي يعلّم عباده ( الرحمان علّم القرآن ) لتعلم أنّك متى نسبت العلم إليك فهو خروج به إلى حضرة نفسك فسيتكيّف في هذه الحالة بمعناها فيكون في حقّك ضلالة كبيرة فترجع النعمة عين النقمة فتصبح عليم اللسان جاهل القلب فتحرم البركة فيه فلا يهدي الله بك ولا يهديك به .
وهكذا هي علوم القرآن فيهدي الله به كثيرا ويضلّ به كثيرا وهكذا هو طريق أهل الله تعالى كما قالوا ( الهالك بهذا الطريق أكثر من الناجي فيه ) وهكذا هم العارفون كالرسل والدعاة فهناك الهالك بهم وهناك الناجي لأنّهم الحجّة لذا قال تعالى ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) فتدبّر هذه الآية فقد قال ( الرسل ) وما قال ( الأنبياء ) لتفهم حقيقة الشرائع وأنّها الحجّة البالغة فتتأدّب معها كما تأدّبت الملائكة من قبل ولا تقل ( أنا ) كما قالها إبليس زعيم الظهور في وصف النفس وخواطرها ووساوسها التي سنشرح إن شاء الله تعالى طرفا من غوائلها وأنّ النفس كما ورد أعدى الأعادي إليك فلو كشف هذا العلم لصار الناس عارفين بالله تعالى .
تحميل الموضوع ملف وورد :
نذكر الآن بعض نقص إبليس في المعرفة وسوء أدبه في حضرة العلم التي هي حضرة الأمر والنهي في مجال الحقائق لأنّ
الحقيقة لها وجه الإطلاق فلا يحتجّ بها لأنّها تترقّى فمن حاجج بحقيقة حاججته حقيقة أخرى أرقى وأعلى منها لذا فإنّه لا احتجاج بعلوم القدر عند الأمر والنهي بتاتا وإلاّ فسدت المراتب كلّها واختلّت العلوم كلّها فمثلا لو جعلت علم الحقيقة حجّة فقد قلت بعدم التوبة وعدم الإستغفار وقلت بالظلم والإفساد .
فهذه الخواطر من الظنون هي مذهب إبليس اليوم في الوساوس التي يظنّها أتباعه معارف بل هي مزالق , لذا سأل الصحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام عن القدر فقالوا ( ألا نتّكل يا رسول الله فقال : اعملوا فإنّ كلّ ميسّر لما خلق له ) فكشف لهم عن محاسن من التحقيق فأمرهم بالأعمال لأنّها الحجّة فالشريعة هي الحجّة البالغة فمن هنا صحّ النكران على بعض السادّة من الذين استغرقتهم الحقائق الناقصة من طرف علماء الشريعة أعني الإنكار فيما لا يوافق ظاهر الشرع .
وليس معنى كلامي هذا مفهوم الشرع بحسب فهم أهل الظاهر الجامدين وإنّما بحسب فهم من جمع بين الشريعة والحقيقة فهو صاحب الميزان العادل والقسطاس المستقيم لذا صحّ إنكار الجنيد على الحلاّج ( فافهم ) ... والمعاني هنا معروفة فلا داعي من الإطالة بذكرها.
فظهر أنّ علم الحقيقة من باب الإختصاص فهو للخصوصية أقرب منه للعبودية لذا ترك التصريف من فنى في العبودية كأبي السعود أو غيره وقد تصرّف الشيخ عبد القادر رضي الله عنهما فالفرق الذي غاب عن الكثيرين فيما بينهما هو التصرّف في مقام الخلافة الجامعة والتصرّف في غير ذلك , فكان هنا مذهب إبليس في الفهم وجوب ضرورة ظهور النفس منه مع أنّ المقام يستوجب عدم ظهورها .
لمّا قال الله تعالى لهم ( إنّي جاعل في الأرض خليفة ) فخفي هنا مكر إبليس وبطن في سرّه فظهر بداية في صورة الحقّ في قوله أو السكوت منه مع الملائكة ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) لذا لمّا أمرهم بالسجود فُضح أمره فخرج وصف نفسه وظهورها الذي كان خافيا فكأنّ السجود جعل امتحان إبليس أو تقول من أجل ظهور الحجّة عليه لذا كانت علوم الشريعة علوم ظهور لما بطن من الحقائق في مقام الإختصاص .
فلا يظهر حكمك في علم القدر إلاّ بوجود الشرائع لذا قال عليه الصلاة والسلام ( اعملوا فإنّ كلّ ميسّر لما خلق له ) فانظر حباك الله بفضله مستوى هذا التحقيق منه عليه الصلاة والسلام في جوامع كلمه لتعلم رفعة نبيّك شهودا وعيانا ويقينا وليس علما فقط وتصديقا فإنّ بعد البرهان لا بدّ من وجود العيان .
ثمّ لمّا قال تعالى ( وإذ قلنا للملائكة أسجدوا لآدم ) ما جاء ذكر إبليس تعيينا بل تركه على وصفه الملائكي النوري فما أخرجه منه إلاّ حين الأمر بالسجود لتعلم مدى المكر الإلهي لقوله تعالى ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) , وإنّما أمرهم بالسجود دون غيره من الأوامر وهي كثيرة لما في السجود من معاني استشعار المعبود سبحانه وأنّه الواحد الأحد الفرد الصمد فكلّ ما سواه باطل .
فمن وقف مع نفسه ولم يكن له حظّ من الفناء عنها ظهرت منه تلك النفس ولا بدّ لذا لمّا سأله بقوله : ( ما منعك أن تسجد ) قال : ( أنا خير منه ) فكان بداية القول منه قوله ( أنا ) وهو وجود النفس وظهورها مع أنّ الأمر جاءه بالفناء والغيبة عنها وعدم استشعارها فلو فنى لكان سجوده لله تعالى في تجلّي من تجلّياته الجامعة وهذا ما فهمته الملائكة من ذلك لذا بادرت بالسجود سريعا فقد حماها كما قلنا في موضع آخر جناب التوحيد من إباية السجود فلنا في ذلك كتابة بعض خواطرنا في هذه الآية فمن أراد أن يقرأها فليطالعه فيربط هذا الموضوع بذاك.
فرحمهم بطلب السجود منهم وأكرمهم كي لا يتركهم في عالم الفرق في مشاهدة هذه الخصوصية واستشعار استحقاقهم بها لأنّ الملائكة عباد مكرمون أهل طهارة فكان السجود تعليمهم أنّه ليس ثمّ سواه سبحانه فرفض إبليس ذلك التجلّي الإلهي فخلط بين المراتب وظهرت نفسه فدخل فيما لا يعنيه وقرأ العلم بحال نفسه وشهواتها فضلّ وأضلّ الله به لذا فلا يتلى العلم متى فهمت إلاّ بالإسم الجامع وهو قولنا ( الله ) .
فهذا حقيقة العلم الذي هو زمزم حياة الأرواح ومنبع مياه القلوب ومعدن رؤية السرائر فليس هناك عليم غير الله تعالى فهو الذي يعلّم عباده ( الرحمان علّم القرآن ) لتعلم أنّك متى نسبت العلم إليك فهو خروج به إلى حضرة نفسك فسيتكيّف في هذه الحالة بمعناها فيكون في حقّك ضلالة كبيرة فترجع النعمة عين النقمة فتصبح عليم اللسان جاهل القلب فتحرم البركة فيه فلا يهدي الله بك ولا يهديك به .
وهكذا هي علوم القرآن فيهدي الله به كثيرا ويضلّ به كثيرا وهكذا هو طريق أهل الله تعالى كما قالوا ( الهالك بهذا الطريق أكثر من الناجي فيه ) وهكذا هم العارفون كالرسل والدعاة فهناك الهالك بهم وهناك الناجي لأنّهم الحجّة لذا قال تعالى ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) فتدبّر هذه الآية فقد قال ( الرسل ) وما قال ( الأنبياء ) لتفهم حقيقة الشرائع وأنّها الحجّة البالغة فتتأدّب معها كما تأدّبت الملائكة من قبل ولا تقل ( أنا ) كما قالها إبليس زعيم الظهور في وصف النفس وخواطرها ووساوسها التي سنشرح إن شاء الله تعالى طرفا من غوائلها وأنّ النفس كما ورد أعدى الأعادي إليك فلو كشف هذا العلم لصار الناس عارفين بالله تعالى .
تحميل الموضوع ملف وورد :
الكلمات المفتاحية :
العبودية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: