الفقه الحنبلي - الصلاة - الفاتحة - السترة - التسبيح
(مسألة) (ويكره تكرار الفاتحة) لانه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه لانها ركن، وفي ابطال الصلاة بتكررها خلاف فكره لذلك (مسألة) (ويكره الجمع بين سور في الفرض ولا يكره في
النفل) أما الجمع بين السور في النفل فلا يكره رواية واحدة لا نعلم فيه خلافا فان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة سورة البقرة وآل عمران والنساء.
وقال ابن مسعود: لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في كل ركعة، متفق عليه وكان عثمان يختم القرآن في كل
ركعة، وأما الفريضة فيستحب أن يقتصر فيها على سورة بعد الفاتحة من غير زيادة لان النبي صلى الله عليه وسلم هكذا كان يصلي أكثر صلاته، وهل يكره الجمع بين السورتين فيها؟ على روايتين (احداهما) يكره لما ذكرنا (والثانية) لا يكره لان حديث ابن مسعود مطلق، وروي أن رجلا من الانصار كان يؤمهم وكان يقرأ قبل كل سورة (قل هو الله أحد) ثم يقرأ سورة أخرى معها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " ما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ " فقال اني احبها فقال " حبك اياها ادخلك الجنة " رواه البخاري تعليقا، ورواه الترمذي وقال حديث صحيح غريب، وروى الخلال باسناده عن ابن عمر انه كان يقرأ في المكتوبة بالسورتين في كل ركعة، رواه مالك في الموطأ، فأما قراءة السورة الواحدة في الركعتين يعيدها فلا بأس وقد ذكرناه (فصل) والمستحب ان يقرأ في الثانية سورة بعد السورة التي قرأها في الركعة الاولى في النظم، قال احمد في رواية مهنا اعجب الي ان يقرأ من البقرة إلى اسفل لان ذلك المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) وروي عن ابن مسعود أنه سئل عمن يقرأ القرآن منكوسا فقال ذلك منكوس القلب
__________
1) فيه ان السور لم تكن مرتبة كلها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على التحقيق الذي عليه الجمهور وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ليتزم هذا الترتيب الذي في المصحف والمراد بالتنكيس المذموم آيلت السورة
وفسره أبو عبيد بذلك، فان قرأ كذلك فلا بأس به لان أحمد قال حين سئل عن ذلك: لا بأس به أليس يعلم الصبي على هذا؟ وقد روي أن الاحنف قرأ الكهف في الاولى، وفي الثانية بيوسف، وذكر انه صلى مع عمر الصبح فقرأ بهما، استشهد به البخاري (مسألة) (ولا يكره قراءة أواخر السور وأوساطها.
وعنه يكره) المشهور عن أحمد انه لا يكره قراءة أواخر السور وأوساطها في الصلاة نقلها عنه جماعة لقول الله تعالى (فاقرءوا ما تيسر منه) ولان أبا سعيد قال: أمرنا أن نقرأ فاتحة الكتاب وما تيسر، رواه أبو داود، وروى الخلال باسناده أن ابن مسعود كان يقرأ في الآخرة من صلاة الصبح آخر آل عمران وآخر الفرقان.
وقال ابو برزة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بالستين إلى المائة فيه دليل على انه لم يكن يقتصر على قراءة سورة، ولان آخرها أحد طرفي السورة فلم يكره كأولها، وعن أحمد انه يكره في الفرض نقلها عنه المروذي وقال: سورة أعجب الي، وقال المروذي: وكان لابي عبد الله قرابة يصلي به فكان يقرأ في الثانية من الفجر بآخر السورة فلما أكثر قال أبو عبد الله: تقدم أنت فصل، فقلت له هذا يصلي بكم منذ كم؟ قال دعنا منه يجئ بآخر السور وكرهه، قال شيخنا رحمه الله ولعل احمد انما احب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما نقل عنه وكره المداومة على خلاف ذلك فان المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءة السورة أو بعض السور من اولها، ونقل عنه رواية ثالثة انه يكره قراءة اوسط السورة دون آخرها لما روينا في آخر السور عن عبد الله بن مسعود ولم ينقل مثل ذلك في وسطها، قال الاثرم قلت لابي عبد الله الرجل يقرأ آخر السورة في الركعة فقال أليس قد روي في هذا رخصة عن عبد الرحمن بن يزيد وغيره؟
(فصل) فأما قراءة أوائل السور فلا خلاف في انه غير مكروه فان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ من سورة المؤمنين إلى ذكر موسى وهارون ثم أخذته سعلة فركع، وقرأ سورة الاعراف في المغرب فرقها مرتين، رواه النسائي (مسألة) (وله ان يفتح على الامام إذا ارتج عليه في الصلاة وان يرد عليه إذا غلط) لا بأس به
في الفرض والنفل روي ذلك عن عثمان وعلي وابن عمر وهو قول جماعة من التابعين، وكرهه ابن مسعود وشريح والثوري، وقال أبو حنيفة تبطل به الصلاة لما روى الحارث عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يفتح على الامام " وقال ابن عقيل إن كان في النفل جاز ذلك وإن كان في الفرض وارتج عليه في الفاتحة فتح عليه والا فلا ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه فلما انصرف قال لابي " أصليت معنا؟ " قال نعم، قال " فما منعك؟ " رواه أبو داود قال الخطابي اسناده جيد، وعن ابن عباس قال تردد رسول الله صلى الله عليه وسلم في القراءة في صلاة الصبح فلم يفتحوا عليه فلما قضى الصلاة نظر في وجوه القوم فقال " أما شهد الصلاة معكم أبي بن كعب؟ " قالوا لا فرأى القوم انما فقده ليفتح عليه.
وروى مسور بن يزيد المالكي قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة فترك آية من القرآن فقيل يا رسول الله آية كذا وكذا تركتها فقال " فهلا أذكرتنيها؟ " رواه أبو داود،
ولانه تنبيه في الصلاة بما هو مشروع فيها أشبه التسبيح، وحديث علي يرويه الحارث قال الشعبي كان كذابا، وقال أبو داود لم يسمع اسحاق من الحارث الا أربعة أحاديث ليس هذا منها (فصل) فان ارتج على الامام في الفاتحة فعلى المأموم أن يفتح عليه كما لو نسي سجدة لزمهم تنبيهه بالتسبيح، فان عجز عن اتمام الفاتحة فله أن يستخلف من يصلي بهم، وكذلك لو عجز في أثناء الصلاة عن ركن يمنع الائتمام به كالركوع فانه يستخلف من يتم بهم كما لو سبقه الحدث، بل الاستخلاف ههنا أولى لان من سبقه الحدث قد بطلت صلاته وهذا صلاته صحيحة، وإذا لم يقدر على اتمام الفاتحة فقال ابن عقيل يأتي بما يحسن ويسقط عنه ما عجز عنه وتصح صلاته لان القراءة ركن من أركان الصلاة فإذا عجز عنه في أثناء الصلاة سقط كالقيام، فأما المأموم فان كان أميا صحت صلاته أيضا، وإن كان قارئا نوى مفارقته وصلى وحده ولا يصح له اتمام الصلاة خلفه لان هذا قد صار في حكم الامي، قال شيخنا والصحيح أنه إذا لم يقدر على قراءة الفاتحة تفسد صلاته لانه قادر على الصلاة بقراءتها فلم تصح صلاته لعموم قوله عليه السلام " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " ولا يصح قياس
هذا على الامي لان الامي لو قدر على تعلمها قبل خروج الوقت لم تصح صلاته بدونها وهذا يمكنه أن يخرج فيسأل عما وقف فيه ويصلي، ولا يصح قياسه على أركان الافعال لان خروجه من الصلاة لا يزيل عجزه عنها بخلاف هذا
(فصل) ويكره أن يفتح من هو في الصلاة على من هو في صلاة أخرى أو على من ليس في صلاة لان ذلك يشغله عن صلاته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ان في الصلاة لشغلا " فان فعل لم تبطل صلاته لانه قرآن انما قصد قراءته دون خطاب الآدمي أشبه مالو رد على امامه.
وقال ابن عقيل في المصلي إذا رد على من ليس في الصلاة إن كان في النفل فلا بأس، وإن كان في الفرض فهل تبطل صلاته؟ يخرج على روايتين فأما غير المصلي فلا بأس ان يفتح على المصلي وقد روى النجاد باسناده قال كنت قاعدا بمكة فإذا رجل عند المقام يصلي وإذا رجل قاعد خلفه يلقنه فإذا هو عمر رضي الله عنه (مسألة) (وإذا نابه شئ مثل سهو امامه أو استئذان إنسان عليه سبح إن كان رجلا وان كانت امرأة صفحت ببطن كفها على الاخرى) وجملته انه إذا سها الامام فأتى بفعل في غير موضعه لزم المأمومين تنبيهه، فان كانوا رجالا سبحوا به، وان كانوا نساء صفقن ببطون أكفهن على ظهر الاخرى وبه قال الشافعي، وقال مالك: يسبح الرجل والنساء لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نابه شئ في صلاته فليسبح الرجال ولتصفح النساء " متفق عليه ولنا ما روى سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا نابكم شئ في صلاتكم فليسبح الرجال، ولتصفح النساء " متفق عليه (فصل) وإذا سبح لتنبيه إمامه أو لاستئذان انسان عليه وهو في الصلاة أو كلمه بشئ أو نابه
أمر في صلاته فسبح ليعلمه انه في صلاة أو خشي على انسان الوقوع في شئ فسبح به، أو خشي أن يتلف بشئ فسبح ليتركه أو ترك إمامه ذكرا فرفع صوته به ليذكره لم يؤثر في الصلاة في قول أكثر أهل العلم منهم الاوزاعي والشافعي وإسحاق.
وحكي عن أبي حنيفة: ان تنبيه الآدمي
بالتسبيح أو القرآن أو الاشارة يبطل الصلاة لان ذلك خطاب آدمي فيدخل في عموم أحاديث النهي عن الكلام لانه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أشار في الصلاة إشارة تفقه أو تفهم فقد قطع الصلاة " ولنا ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء " متفق عليه، ولما ذكرنا من حديث سهل بن سعد: وعن ابن عمر قال: قلت لبلال كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه في الصلاة؟ قال: كان يشير بيده.
وعن صهيب قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت فرد علي إشارة قال الترمذي كلا الحديثين صحيح.
وقد ذكرنا حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة رواه أبو داود.
وعن علي قال: كنت إذا استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم فان كان في صلاة سبح، وان كان في غير صلاة أذن، وحديث أبي حنيفة يروية أبو غطفان وهو مجهول فلا تعارض به الاحاديث الصحيحة (فصل) فان عطس في الصلاة فقال: الحمد لله، أو لسعه شئ فقال بسم الله، أو سمع أو
رأى ما يغمه فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون.
أو رأى ما يعجبه فقال سبحان الله - كره له ذلك ولم تبطل الصلاة، نص عليه أحمد في رواية الجماعة فيمن عطس فحمد الله لم تبطل صلاته.
ونقل عنه مهنا فيمن قيل له في الصلاة ولد لك غلام فقال: الحمد لله.
أو قيل احترق دكانك فقال: لا إله إلا الله، أو ذهب كيسك فقال لا حول ولا قوة إلا بالله فقد مضت صلاته وهذا قول الشافعي وأبي يوسف لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال له رجل من الخوارج وهو في صلاة الغداة (لئن أشركت ليحبطن عملك) الآية قال فأنصت له حتى فهم ثم أجابه وهو في الصلاه (فاصبر إن وعد الله حق) الآية رواه النجاد باسناده، واحتج به أحمد، وقال أبو حنيفة: تفسد صلاته لانه كلام آدمي، وقد روي نحو ذلك عن أحمد فانه قال: فيمن قيل له ولد لك غلام فقال: الحمد لله رب العالمين، أو ذكر مصيبة فقال (إنا لله وإنا إليه راجعون) قال يعيد الصلاة قال القاضي هذا محمول على من قصد خطاب الآدمي، ووجه الاول ما ذكرنا من حديث علي، وروى عامر بن ربيعة قال عطس شاب من الانصار
خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فقال: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه حتى يرضى ربنا وبعد ما يرضى من أمر الدنيا والآخرة.
فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من القائل الكلمة؟ فانه لم يقل بأسا ما تناهت دون العرش " رواه أبو داود، ولان ما لا يبطل الصلاة ابتداء لا يبطلها إذا أتي به عقيب سبب كالتسبيح لتنبيه إمامه قال الخلال: اتفقوا عن أبي عبد الله
ان العاطس لا يرفع صوته بالحمد، وان رفع فلا بأس لحديث الانصاري.
قال أحمد: في الامام يقول لا إله إلا الله فيقول من خلفه لا إله الا الله يرفعون بها أصواتهم قال: يقولون ولكن يخفضون.
وانما لم يكره أحمد ذلك كما كره القراءة خلف الامام لانه يسير لا يمنع الانصات كالتأمين.
قيل لاحمد فان رفعوا أصواتهم بهذا؟ قال: أكرهه قيل فينهاهم الامام؟ قال لا.
قال القاضي: انما لم ينههم لانه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسمعهم الآية أحيانا في صلاة الاخفات (فصل) قيل لاحمد إذا قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) هل يقول سبحان ربي الاعلى؟ قال ان شاء والا فيما بينه وبين نفسه ولا يجهر به، وقد روي عن علي أنه قرأ في الصلاة (سبح اسم ربك الاعلى) فقال سبحان ربي الاعلى.
ومن ابن عباس أنه قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) فقال: سبحانك وبلى، وعن موسى بن أبي عائشة قال: كان رجل يصلي فوق بيته فكان إذا قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى قال: سبحانك فبلى، فسألوه عن ذلك فقال سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود (فصل) فان قرأ القرآن يقصد به تنبيه آدمي مثل أن يستأذن عليه فيقول (ادخلوها بسلام آمنين) أو يقولون لرجل اسمه يحيى (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) فقد روي عن أحمد أنه يبطل الصلاة، وهو قول أبي حنيفة لانه خطاب آدمي أشبه ما لو كلمه.
وروي عنه ما يدل على أنها لا تبطل فانه احتج
بحديث علي مع الخارجي قال له (اصبر ان وعد الله حق) وروي نحو هذا عن ابن مسعود وابن أبي ليلى، فروى الخلال باسناده عن عطاء بن السائب قال: استأذنا على عبد الرحمن بن أبي ليلى
وهو يصلي فقال (ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين) ولانه قرآن فلم يفسد الصلاة كما لو لم يقصد به التنبيه، وقال القاضي: ان قصد التلاوة حسب لم تفسد صلاته، وان حصل التنبيه، وان قصد التنبيه حسب فسدت صلاته لانه خاطب آدميا، وان قصدهما ففيه وجهان (أحدهما) لا تفسد وهو مذهب الشافعي لما ذكرنا من الآثار والمعنى (والثاني) تفسد صلاته لانه خاطب آدميا أشبه ما لو لم يقصد التلاوة.
فأما ان أتى بما لا يتميز به القرآن عن غيره كقوله لرجل اسمه ابراهيم يا ابراهيم ونحوه فسدت صلاته لان هذا كلام الناس ولم يتميز عن كلامهم بما يتميز به القرآن أشبه مالو جمع بين كلمات مفرقة من القرآن فقال يا ابراهيم خذ الكتاب الكبير (مسألة) (وان بدره البصاق بصق في ثوبه، وان كان في غير المسجد جاز أن يبصق عن يساره أو تحت قدمه) لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل على الناس فقال " ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه، أيحب أحدكم أن يستقبل فينتخع في وجهه؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه فان لم يجد فليقل هكذا " ووصف القاسم فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه على بعض.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " البصاق في المسجد
خطيئة وكفارتها دفنها " رواه مسلم (1) (مسألة) (ويستحب أن يصلي إلى سترة مثل آخرة الرحل) يستحب للمصلي الصلاة إلى سترة فان كان في مسجد أو بيت صلى إلى الحائط أو إلى سارية، وان كان في فضاء صلى إلى شئ شاخص بين يديه إما إلى حربة أو عصا أو يعرض البعير فيصلي إليه، لا نعلم في استحباب ذلك خلافا وسواه ذلك في الحضر والسفر لان النبي صلى الله عليه وسلم كانت تركز له الحربة فيصلي إليها، ويعرض البعير فيصلي إليه.
وفي حديث أبي جحيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم ركزت له عنزة فتقدم فصلى الظهر ركعتين يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع، متفق عليه.
وعن طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرجل فليصل ولا يبال من مر من وراء ذلك " رواه مسلم
(فصل) وقدر طولها ذراع أو نحوه يروى ذلك عن عطاء والثوري واصحاب الرأي، وعنه انها قدر عظم الذراع وهو قول مالك والشافعي وهذا ظاهر التقريب لان النبي صلى الله عليه وسلم قدرها بمؤخرة الرحل وهي تختلف فتارة تكون ذراعا وتارة تكون أقل فما قارب الذراع أجزاء الاستتار به فأما قدرها في الغلط فلا نعلم فيه حدا فقد تكون غليظة كالحائط ورقيقة كالسهم فان النبي صلى الله عليه
__________
1) لعل الاصل رواهما مسلم والا فاثاني متفق عليه وهو في الصحيحين بلفظ البزاق بالزاي
وسلم كان يستتر بالعنزة، وقال أبو سعيد كان يستتر بالسهم والحجر في الصلاة الا أن أحمد قال ما كان أعرض فهو أعجب إلي لما روي عن سبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " استتروا في الصلاة ولو بسهم " رواه الاثرم، فقوله " ولو بسهم " يدل على أن غيره أولى منه (فصل) ويستحب أن يدنو من سترته لما روى سهل بن أبي حثمة يرفعه أنه قال " إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته " رواه أبو داود، وعن سهل بن سعد قال: كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين السترة ممر الشاة، رواه البخاري.
ولان قربه من السترة أصون لصلاته وأبعد من أن يمر بينه وبينها شئ، وينبغي أن يكون مقدار ذلك ثلاثة أذرع فما دون قال أحمد ان ابن عمر قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة فكان بينه وبين الحائط ثلاثة أذرع، وكان عبد الله بن مغفل يجعل بينه وبين سترته ستة اذرع، وقال عطاء أقل ما يكفيك ثلاثة أذرع وهو قول الشافعي لخبر ابن عمر، وكلما دنا فهو أفضل لما ذكرنا من الاخبار والمعنى، قال مهنا سألت أحمد عن الرجل يصلي كم ينبغي أن يكون بينه وبين القبلة؟ قال يدنو من القبلة ما استطاع (فصل) ولا بأس أن يستتر ببعير أو حيوان فعله ابن عمر وأنس، وقال الشافعي لا يستتر بدابة
ولنا ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بعير، رواه البخاري، وفي لفظ قال: قلت فإذا ذهب الركاب قال: كان يعرض الرحل ويصلي إلى آخرته، فان استتر بانسان فلا بأس
لانه يقوم مقامه، وقد روي عن حميد بن هلال قال: رأى عمر بن الخطاب رجلا يصلي والناس يمرون بين يديه فولاه ظهره وقال بثوبه هكذا - وبسط يديه هكذا - وقال صل ولا تعجل، وعن نافع كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلا إلى سارية من سواري المسجد قال لنافع ولني ظهرك، رواهما النجاد.
فأما الصلاة إلى وجه الانسان فتكره لان عمر أدب على ذلك، وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي حذاء وسط السرير وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة، تكون لي الحاجة فأكره أن أقوم فأستقبله فأنسل انسلالا، متفق عليه (مسألة) (فان لم يجد خط خطا وصلى إليه وقام ذلك مقام السترة) نص عليه احمد وبه قال سعيد ابن جبير والاوزاعي، وأنكره مالك والليث وأبو حنيفة، وقال الشافعي بالخط بالعراق وقال بمصر لا يخط المصلي خط إلا أن يكون فيه سنة تتبع
ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فان لم يجد فلينصب عصا فان لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره من مر أمامه (1) " رواه أبو داود وصفة الخط مثل الهلال.
قال أبو داود: سمعت أحمد غير مرة وسئل عن الخط فقال هكذا عرضا مثل الهلال قال وسمعت مسددا قال: قال ابن أبي داود الخط بالطول وقال في رواية الاثرم قالوا طولا وقالوا عرضا وأما أنا فاختار هذا ودور بأصبعه مثل القنطرة وكيفما خطه أجزأ لان الحديث مطلق فكيفما أتى به فقد أتى بالخط والله اعلم (فصل) فان كا معه عصا لا يمكنه نصبها القاها بين يديه عرضا نقله الاثرم، وكذلك قال سعيد ابن جبير والاوزاعي، وكرهه النخعي ولنا أن هذا في معنى الخط الذي ثبت استحبابه بالحديث الذي رويناه (فصل) وإذا صلى إلى عود أو عمود أو نحوه استحب ان ينحرف عنه ولا يصمد له لما روى ابو داود عن المقداد بن الاسود قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى عود أو إلى
__________
1) هذا لفظ ابن حبان ولم يذكره المصف ولفظ أبي داود (ما مر)
وهو أعم
عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الايمن أو الايسر ولا يصمد له صمدا؟ أي لا يستقبله فيجعله وسطا، ومعنى الصمد القصد (فصل) وتكره الصلاة إلى المتحدثين لئلا يشتغل بحديثهم، واختلف في الصلاة إلى النائم فروي أنه يكره روي ذلك عن ابن مسعود وسعيد بن جبير.
وعنه ما يدل على أنه انما يكره في الفريضة خاصة لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل وعائشة معترضة بين يديه كاعتراض الجنازة متفق عليه، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى النائم والمتحدث، رواه أبو داود خرج التطوع منه لحديث عائشة وبقي الفرض على مقتضى العموم.
وقيل لا يكره فيهما لان حديث عائشة صحيح، وحديث النهي ضعيف، قاله الخطابي، وتقديم قياس الخبر الصحيح أولى من الضعيف.
ويكره أن يصلي إلى نار قال أحمد: إذا كان التنور في قبلته لا يصلي إليه، وكره ابن سيرين ذلك.
قال أحمد في السراج والقنديل يكون في القبلة: أكرهه، وأما كره ذلك لان النار تعبد من دون الله فالصلاة إليها تشبه الصلاة لها، وقال أحمد: لا تصل الي صور منصوبة في وجهك
وذلك لان الصورة تعبد من دون الله، وقد روي عن عائشة قالت: كان التابوت فيه تصاوير فجعلته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فنهاني أو قالت كره ذلك، رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم باسناده، ولان المصلي يشتغل بها عن صلاته.
قال احمد: يكره أن يكون في القبلة شئ معلق مصحف أو غيره، ولا بأس أن يكون موضوعا إلى الارض، وروى مجاهد قال: لم يكن ابن عمر يدع بينه وبين القبلة شيئا إلا نزعه لا سيفا ولا مصحفا، رواه الخلال.
قال احمد: ولا يكتب في القبلة شئ لانه يشغل قلب المصلي وربما اشتغل بقراءته عن الصلاة، وكذلك يكره التزويق وكل ما يشغل المصلي عن صلاته فانه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة " أميطي عنا قرامك فانه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي " رواه البخاري، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم
مع ما أيده الله به من العصمة والخشوع يشغله ذلك فغيره من الناس أولى، ويكره أن يصلي وأمامه امرأة تصلي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخروهن من حيث أخرهن الله " وإن كانت عن يمينه أو يساره لم يكره وإن كانت تصلى، وكره احمد أن يصلي وبين يديه كافر، وروي عن إسحاق لان المشركين نجس
(فصل) ولا بأس أن يصلي بمكة إلى غير سترة روي ذلك عن ابن الزبير وعطاء ومجاهد وقال الاثرم: قيل لاحمد الرجل يصلي بمكة ولا يستتر بشئ فقال: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ثم ليس بينه وبين الطواف سترة قال احمد: لان مكة ليست كغيرها لما روى الاثرم باسناده عن المطلب قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من سبعة جاء حتى يحاذي الركن بينه وبين السقيفة فصلى ركعته في حاشية المطاف وليس بينه وبين الطواف أحد.
وقال عمار بن أبي عمار رأيت ابن الزبير جاء يصلي والطواف بينه وبين القبلة، تمر المرأة بين يديه فينتظرها حتى تمر ثم يضع جبهته في موضع قدمها، رواه حنبل في كتاب المناسك.
قال المعتمر: قلت لطاوس الرجل يصلي ركعتين بمكة فيمر بين يديه الرجل والمرأة فقال: أولا ترى الناس يبك بعضه بعضا وإذا هو يرى ان لهذا البلد حالا ليس لغيره، وذلك لا الناس يكثرون بها لاجل قضاء النسك ويزدحمون فيها ولذلك سميت بكة لان الناس يتباكون فيها أي يزدحمون ويدفع بعضهم بعضا فلو منع المصلي من يجتاز بين يديه لضاق على الناس.
وحكم الحرم كله حكم مكة في هذا بدليل قول ابن عباس: أقبلت راكبا على حمار
أتان والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس إلى غير جدار، متفق عليه، ولان الحرم كله محل المشاعر والمناسك فجرى مجرى مكة في ذلك (فصل) فان صلى في غير مكة إلى غير سترة فلا بأس لما روى ابن عباس قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم في قضاء ليس بين يديه شئ، رواه البخاري، قال أحمد في رجل يصلي في فضاء ليس بين يديه سترة ولا خط: صلاته جائزة فأحب إلى أن يفعل
(مسألة) (فان مر من ورائها شئ لم يكره حتى لو صلى إلى سترة فمر من ورائها ما يقطع الصلاة لم تنقطع وان مر غير ذلك لم يكره) لما ذكرنا من الاحاديث وان مر بينه وبينها قطعها ان كان مما يقطعها وكره ان كان مما لا يقطعها (مسألة) (وإن لم يكن سترة فمر بين يديه الكلب الاسود البهيم بطلت صلاته وفي المرأة والحمار روايتان) اذا مر الكلب الاسود بين يدي المصلي قريبا منه قطع صلاته بغير خلاف في المذهب، وهذا قول عائشة وروي عن معاذ ومجاهد والبهيم الذي ليس في لونه شئ سوى السواد لما روى أبو ذر
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قام أحدكم يصلي فانه يستره مثل آخرة الرحل فان لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فانه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الاسود " قال عبد الله بن الصامت يا أبا ذر ما بال الكلب الاسود من الكلب الاحمر من الكلب الاصفر؟ فقال يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال " الكلب الاسود شيطان " رواه مسلم وأبو داود وغيرهما، وفي المرأة والحمار روايتان (احداهما) لا يقطع الصلاة الا الكلب الاسود نقلها عنه الجماعة وهو قول عائشة لما روى الفضل بن عباس قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة وحمار لنا وكلبة يعبثان بين يديه فما بالى ذلك.
رواه أبو داود.
وعن ابن عباس قال أقبلت راكبا على حمار اتان والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الاتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر علي أحد.
وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة، متفق عليهما وقد ذكرنا
حديث زينب بنت أبي سلمة حين مرت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فلم تقطع صلاته، رواه ابن ماجه، (والثانية) ان المرأة والحمار يقطعان الصلاه لما ذكرنا من حديث أبي ذر: وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب " رواه مسلم.
فأما حديث عائشة فقد قيل ليس بحجة لان حكم الوقوع يخالف حكم المرور بدليل كراهة المرور بين يدي المصلي بخلاف
الاعتراض.
وحديث ابن عباس ليس فيه إلا أنه مر بين يدي بعض الصف، وسترة الامام سترة لمن خلفه.
روي هذا القول عن أنس لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى سترة ولم ينقل أنه أمر أصحابه بنصب سترة أخرى.
وحديث الفضل بن عباس في إسناده مقال ويجوز أن يكونا بعيدين.
وقال مالك والثوري وأصحاب الرأي والشافعي لا يقطع الصلاة شئ لما ذكرنا من الاحاديث ولما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يقطع الصلاة شئ " رواه أبو داود
ولنا حديث أبي هريرة وأبي ذر، وقد أجبنا عن الاحاديث المتقدمة.
وحديث أبي سعيد يرويه مجالد وهو ضعيف فلا يعارض به الصحيح وهو عام وأحاديثنا خاصة فيجب تقديمها (فصل) ولا يقطع الصلاة غير ما ذكرنا لان تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم لها بالذكر يدل على عدمه فيما سواها، وقال ابن حامد: هل يقطع الصلاة مرور الشيطان؟ على وجهين (أحدهما) يقطع وهو قول بعض اصحابنا لتعليل النبي صلى الله عليه وسلم قطع الكلب الصلاة بكونه شيطانا (والثاني) لا يقطع اختاره القاضي، ومتي كان في الكلب الاسود لون غير السواد لم يقطع الصلاة وليس ببهيم إلا أن يكون بين عينيه نكتتان تخالفان لونه فلا يخرج بهما عن اسم البهيم.
وأحكامه في قطعه الصلاة وتحريم صيده وإباحة قتله لانه قد روي في حديث " عليكم بالاسود البهيم ذي القرنين فانه شيطان " وانما خصصنا قطع الصلاة بالاسود البهيم لان النبي صلى الله عليه وسلم سماه شيطانا في
حديث أبي ذر، وقال عليه السلام " لولا أن الكلاب أمة من الامم لامرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم فانه شيطان " فبين أن الشيطان هو الاسود البهيم (فصل) ولا فرق بين الفرض والتطوع فيما ذكرنا لعموم الادلة، وقد روي عن أحمد ما يدل على التسهيل في التطوع.
والصحيح التسوية لان مبطلات الصلاة في غير هذا يتساوى فيها الفرض والتطوع، وقال أحمد يحتجون بحديث عائشة بأنه في التطوع وما أعلم بين الفريضة والتطوع فرقا الا أن التطوع يصلى على الدابة
(فصل) فان كان الكلب الاسود البهيم واقفا بين يديه أو نائما ولم يمر ففيه روايتان (احداهما) يبطل قياسا على المرور ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب " ولم يذكر مرورا، وقد قالت عائشة: عدلتمونا بالكلاب والحمر، وذكرت في معارضة ذلك ودفعه انها
كانت تكون معترضة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كاعتراض الجنازة (والثانية) لا تبطل به الصلاة لان الوقوف والنوم مخالف لحكم المرور بدليل أن عائشة كانت تنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكرهه ولا ينكره، وقد قال في المار " كان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه " وكان ابن عمر يقول لنافع: ولني ظهرك ليستتر ممن يمر بين يديه، وقعد عمر بين يدي المصلي يستره من المرور، وإذا اختلف حكم الوقوف والمرور فلا يقاس عليه وقول النبي صلى الله عليه وسلم " يقطع الصلاة " لابد فيه من اضمار المرور أو غيره فانه لا يقطعها الا بفعله، وقد جاء في بعض الاخبار فيتعين حمله عليه (فصل) والذي يقطع الصلاة مروره انما يقطعها إذا مر قريبا والذي لا يقطع الصلاة انما يكره له المرور إذا كان قريبا أيضا فأما البعيد فلا يتعلق به حكم، قال شيخنا ولا أعلم أحدا من أهل العلم
حد البعيد في ذلك ولا القريب الا أن عكرمة قال: إذا كان بينك وبين الذي يقطع الصلاة قذفة بحجر لم يقطع الصلاة وروى أبو داود وعبد بن حميد عن ابن عباس قال: أحسبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا صلى احدكم إلى غير سترة فانه يقطع صلاته الكلب والحمار والخنزير والمجوسي واليهودي والمرأة ويجزئ عنه إذا مروا وبين يديه قذفة بحجر " هذا لفظ رواية أبي داود وفي رواية عبد " والنصراني والمرأة الحائض " فلو ثبت هذا الحديث تعين المصير إليه غير أنه لم يجزم برفعه، وفيه ما هو متروك بالاجماع وهو ما عدا الثلاثة المذكورة ولا يمكن تقييد ذلك بموضع السجود كما قال بعضهم، فان قوله عليه السلام " إذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل قطع صلاته الكلب الاسود " يدل على أن ما هو أبعد من السترة تنقطع فيه بمرور الكلب، والسترة تكون أبعد من موضع السجود.
قال شيخنا: والصحيح تحديد ذلك بما إذا مشى إليه المصلي ودفع المار بين يديه لا بطل
صلاته لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفع المار بين يديه فتقيد بدلالة الاجماع بما يقرب منه بحيث إذا مشى إليه لا تبطل صلاته، واللفظ في الحديثين واحد، وقد تعذر حملهما على الاطلاق، وقد تقيد أحدهما بالاجماع فينبغي أن يقيد الآخر به والله أعلم (فصل) وإذا صلى إلى سترة مغصوبة فاجتاز وراءها ما يقطع الصلاة قطعها في أحد الوجهين ذكرهما ابن حامد لانه ممنوع من نصبها والصلاة إليها فوجودها كعدمها (والثاني) لا تبطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " كفى ذلك مثل آخرة الرحل " وقد وجد وأصل الوجهين إذا صلى في ثوب مغصوب وفيه روايتان (فصل) وسترة الامام سترة لمن خلفه، نص عليه أحمد، وروي عن ابن عمر قال الترمذي: قال أهل العلم سترة الامام سترة لمن خلفه وهو قول الفقهاء السبعة والنخعي ومالك والشافعي وغيرهم لان النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى سترة ولم يأمر أصحابه بنصب سترة أخرى وفي حديث ابن عباس
قال: أقبلت على حمار أتان والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الاتان يرتع ودخلت في الصف فلم ينكر علي أحد، متفق عليه، ومعنى قولهم سترة الامام سترة لمن خلفه أنه متى لم يحل بين الامام وسترته شئ يقطع الصلاة لم يضر المأمومين مرور شئ بين أيديهم في بعض الصف ولا فيما بينهم وبين الامام، وإن مر بين يدي الامام ما يقطع صلاته قطع صلاتهم، وقد دل على ذلك ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: هبطنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من ثنية أذاخر فحضرت الصلاة يعني إلى جدار فاتخذه قبلة ونحن خلفه فجاءت بهمة تمر بين يديه فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار فمرت من وراثه، رواه أبو داود فلولا أن سترته سترة لهم لم يكن بين مرورها بين يديه وخلفه فرق (مسألة) (ويجوز له النظر في المصحف) يجوز له النظر في المصحف في صلاة التطوع قال أحمد
لا بأس أن يصلي بالناس القيام وهو يقرأ في المصحف قيل له الفريضة؟ قال لم أسمع فيها بشئ وسئل
الزهري عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف فقال: كان خيارنا يقرءون في المصاحف، روي عن عطاء ويحيى الانصاري، ورويت كراهته عن سعيد بن المسيب والحسن ومجاهد وابراهيم لانه يشغل عن الخشوع في الصلاة، وقال القاضي: لا بأس به في التطوع إذا لم يحفظ، فان كان حافظا كره لان أحمد سئل عن الامامة في المصحف في رمضان قال إن اضطر إلى ذلك، وقال أبو حنيفة تبطل الصلاة إذا لم يكن حافظا لانه عمل طويل، وروي عن ابن عباس قال: نهانا أمير المؤمنين أن نؤم الناس في المصاحف وأن يؤمنا الا محتلم.
رواه أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف ولنا أن عائشة كان يؤمها عبد لها في المصحف، رواه الاثرم، وقول الزهري: ولانه نظر إلى موضع معين فلم نبطل الصلاة كالحافظ، واما فعله في الفرض ففيه روايتان (احداهما) يكره اختاره
القاضي لانه يشغل عن خشوع الصلاه ولا يحتاج إليه (والثانية) لا يكره، ذكره ابن حامد.
وقال القاضي في المجرد: ان قرأ في التطوع في المصحف لم تبطل صلاته وإن فعل ذلك في الفريضة فهل يجوز؟ على روايتين (فصل) وإذا قرأ في كتاب في نفسه ولم ينطق بلسانه فقد نقل المروذي عن أحمد أنه كان يصلي وهو ينظر إلى جزء إلى جانبه، فظاهره أن الصلاة لا تبطل.
وقال جماعة من أصحابنا تبطل الصلاة إذا تطاول: وكان ابن حامد يقول: إذا طال عمل القلب أبطل كعمل اليدين.
والمذهب أن الصلاة لا تبطل ذكره القاضي (مسألة) (وإذا مرت به آية رحمة أن يسألها أو آية عذاب أن يستعيذ منها، وعنه يكره ذلك في الفرض) لا بأس بذلك في صلاة التطوع لان حذيفة روى أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله.
فأما الفريضة فعنه إباحته فيها كالنافلة لانه دعاء وخير.
وعنه الكراهة لانه انما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم
في النافلة فينبغي الاقتصار عليه والله أعلم (فصل) قال رحمه الله (أركان الصلاة اثنا عشر، القيام وتكبيرة الاحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والاعتدال منه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة في هذه الافعال،
والتشهد الاخير، والجلوس له، والتسليمة الاولى، والترتيب، من ترك منها شيئا عمدا بطلت صلاته) المشروع في الصلاة قسمان.
واجب ومسنون، والواجب ينقسم إلى قسمين (أحدهما) لا يسقط في عمد ولا سهو، وهي الاركان التي ذكرها المصنف، إلا أن قراءة الفاتحة انما تجب على الامام والمنرد والقيام يسقط في النافلة، وفي وجوب بعضها اختلاف ذكرناه، وقد ذكرنا أدلتها في أثناء الباب سوى الترتيب ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها مرتبة وقال " صلوا كما رأيتموني أصلي " وقد دل على وجوب أكثرها ماروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل
فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال " ارجع فصل فانك لم تصل " ثلاثا فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني قال " إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن؟؟؟، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا.
ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " متفق عليه وزاد مسلم " إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر " فدل ذلك على أن هذه المسماة في الحديث لا تسقط بحال فانها لو سقطت لسقطت عن الاعرابي لجهله، والجاهل كالناسي.
فأما أحكام تركها فان كان عمدا بطلت صلاته في الحال، وان كان سهوا ثم ذكره في الصلاة أتى به على ما سنذكره ان شاء الله.
وان لم يذكره حتى سلم وطال الفصل بطلت الصلاة وان لم يطل الفصل بنى على ما مضى من صلاته نص عليه أحمد في رواية جماعة وهو قول الشافعي.
وقال بعض أصحابنا
متى لم يذكره حتى سلم بطلت صلاته.
وقال الاوزاعي فيمن نسي سجدة من صلاة الظهر فذكرها في صلاة العصر: يمضي في صلاته فإذا فرغ سجدها ولنا على أن الصلاة لا تبطل مع قرب الفصل انه لو ترك ركعة أو كبر وذكر قبل طول الفصل أتى بما ترك ولم تبطل صلاته إجماعا وقد دل على ذلك حديث ذي اليدين، فإذا ترك ركنا واحدا فأولى أن لا تبطل.
والدليل على أن الصلاة تبطل بطول الفصل أنه أخل بالموالاة فبطلت صلاته كما لو ذكر
في يوم ثان والمرجع في طول الفصل إلى العرف وبه قال بعض الشافعية.
وقال بعضهم الفصل الطويل قدر ركعة وهو نص الشافعي.
وقال الخرقي في سجود السهو إذا تركه يسجد ما كان في المسجد لانه محل للصلاة فيحد قرب الفصل وبعده به.
والاولى حده بالعرف لانه لا حد له في الشرع فرجع فيه إلى العرف كسائر ما لاحد له ولا يجوز التقدير بالتحكم
(فصل) ومتى كان المتروك سالما أتى به فحسب، وإن كان تشهدا أتى به وبالسلام، وإن كان غيرهما أتى بركعة كاملة.
وقال الشافعي يأتي بالركن وما بعده لا غير.
ويأتي الكلام عليه إن شاء الله وتختص تكبيرة الاحرام من بين سائر الاركان لان الصلاة لا تنعقد بتركها لانها تحريمها فلا يدخل في الصلاة بدونها، ويختص السلام بأنه إذا نسيه أتى به وحده وقد ذكرناه (مسألة) (وواجباتها تسعة: التكبير غير تكبيرة الاحرام، والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة، والتسميع والتحميد في الرفع من الركوع، وسؤال المغفرة بين السجدتين مرة، والتشهد الاول، والجلوس له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الاخير في رواية) هذا هو القسم الثاني من الواجبات، وفي وجوبها روايتان (احداهما) هي واجبة وهو قول إسحاق (والرواية الثانية)
انها غير واجبة وهو قول أكثر الفقهاء إلا أن الشافعي قال بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وجعلها من الاركان وهو رواية عن أحمد لحديث كعب بن عجرة، ودليل عدم وجوبها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها المسئ في صلاته ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وقال " صلوا كما رأيتموني أصلي " وقد روى أبو داود باسناده عن علي بن يحيى بن خلاد عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تتم الصلاة لاحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه، ثم يكبر ويحمد الله ويثني عليه، ويقرأ بما شاء من القرآن، ثم يقول الله أكبر، ثم يركع حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائما
ثم يقول الله أكبر ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول الله أكبر ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدا ثم يقول الله أكبر ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يرفع رأسه فيكبر، فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته " وفي رواية " لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك " وهذا نص في وجوب التكبير وقد ذكرنا
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتسبيح في الركوع والسجود، ولان مواضع هذه الاركان أركان فكان فيها ذكر واجب كالقيام وقد أشرنا إلى أدلة الباقي منها.
فأما حديث المسئ في صلاته فلم يذكر فيه جميع الواجبات بدليل أنه لم يعلمه التشهد ولا السلام، فلعله اقتصر على تعليم ما أساء فيه ولا يلزم
من التساوي في الوجوب التساوي في الاحكام بدليل واجبات الحج.
وقد ذكر في الحديث الذي رويناه تعليم التكبير وهو زيادة يجب قبولها (مسألة) قال (ومن ترك منها شيئا عمدا بطلت صلاته، ومن تركه سهوا ترك للسهو.
وعنه
أن هذه سنن لا تبطل الصلاة بتركها) وحكم هذه إذا قلنا بوجوبها أنه ان تركها عمدا بطلت صلاته لانها واجبة أشبهت الاركان، وان تركها سهوا جبرها بسجود السهو لان النبي صلى الله عليه وسلم لما قام إلى الثالثة وترك التشهد الاول سجد سجدتين قبل أن يسلم في حديث ابن نجيه ولولا أنه سقط
بالسهو لرجع إليه، ولولا أنه واجب لما سجد لجبره لانه لا يزيد في الصلاة زيادة محرمه لجبر ما ليس بواجب، وغير التشهد من الواجبات مقيس عليه، ولا يمتنع أن يكون لعبادة واجب يجبر إذا تركه وأركان لا تصح إلا بها كالحج، ويختص التسميع لسقوطه عن المأموم.
وذكر ابن عقيل رواية فيمن
ترك شيئا من الواجبات ساهيا أن صلاته تبطل كالاركان.
قال والاول أصح وهو أنها تنجبر بسجود السهو (مسألة) وسنن الاقوال اثنا عشر، الاستفتاح، والتعوذ، وقراءة بسم الله الرحمن الرحيم،
وقول آمين، وقراءة السورة، والجهر، والاخفات، وقول مل ء السموات (1) بعد التحميد، وما زاد على
__________
1) أي الخ الثناء المعروف
التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود، وعلى المرة في سؤال المغفرة، والتعوذ في التشهد الاخير، والقنوت في الوتر، فهذه سنن لا تبطل الصلاة بتركها ولا يجب السجود لسهوها لان فعلها غير واجب فجبرها أولى وهل يشرع؟ على روايتين (احداهما) يشرع وهو مذهب مالك وأبي حنيفة في الامام إذا ترك الجهر.
وقال الحسن والثوري والاوزاعي وأصحاب الرأي واسحاق: عليه سجود السهو إذا ترك قنوت
الوتر ناسيا لقوله عليه السلام " لكل سهو سجدتان " (والثانية) لا يشرع لان تركها عمدا يبطل الصلاة فلم يشرع لسهوها سجود كسنن الافعال وهذا قول الشافعي
(مسألة) (وما سوى هذا من سنن الافعال لا تبطل الصلاة بتركها ولا يشرع السجود لها)
فأما سنن الافعال فهي رفع اليدين عند الافتتاح والركوع والرفع منه ووضع اليمنى على اليسرى
وجعلها تحت السرة على ما ذكرنا من الاختلاف فيه، والنظر إلى موضع سجوده، ووضع اليدين على
الركبتين في الركوع، والتجافي في السجود، ومد ظهره معتدلا وجعله حيال رأسه، والبداءة بوضع
الركبتين قبل اليدين في السجود ووضع يديه حذو منكبيه واذنيه فيه ونصب قدميه وفتح اصابعهما
فيه، والجلوس والافتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الاول، والتورك في الثاني،
ووضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى مقبوضة محلفة، والاشارة بالسبابة، ووضع اليد اليسرى على الفخذ
اليسرى مبسوطة، والالتفات عن اليمين والشمال في التسليمتين، والسجود على الانف، وجلسة
الاستراحة ونية الخروج من الصلاة في سلامه على ما ذكرنا من الخلاف فيها، فهذه لا تبطل الصلاة بتركها عمدا ولا سهوا ولا يشرع السجود لها بحال لانه لا يمكن التحرز من تركها فلو شرع السجود لها
لم تخل صلاة من سجود في الغالب، وقال أبو الخطاب فيها روايتان وقال ابن عقيل يخرج في مشروعية السجود لسهوها روايتان بناء على سنن الاقوال والاول أولى
(القسم الثالث) من السنن ما يتعلق بالقلب وهو الخشوع في الصلاة، ونية الخروج وقد ذكرناه والله أعلم
(باب سجود السهو) قال الامام احمد يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسه أشياء، سلم من اثنتين فسجد، وسلم من ثلاث فسجد، وفي الزيادة والنقصان، وقام من اثنتين ولم يتشهد.
وقال الخطابي: المعتمد عند أهل العلم هذه الاحاديث الخمسة، حديثا ابن مسعود وأبي سعيد وأبي هريرة وابن بحينة (مسألة) قال (ولا يشرع في العمد وهو قول أبي حنيفة) وقال الشافعي: يسجد لترك التشهد والقنوت عمدا لان ما تعلق الجبر بسهوه تعلق بعمده كجبرانات الحج ولنا أن السجود يضاف إلى السهو فدل على اختصاصه به.
والشرع انما ورد به فيه ولا يلزم من انجبار السهو به انجبار العمد لوجود العذر في السهو، وما ذكروه يبطل بزيادة ركن أو ركعة أو قيام في موضع جلوس
(مسألة) (ويشرع السهو في زيادة ونقص وشك لان الشرع انما ورد به في ذلك) فأما حديث النفس فلا يشرع له سجود لان الشرع لم يرد به، ولانه لا يمكن التحرز منه وهو معفو عنه (مسألة) (للنافلة والفرض) لا فرق بين النافلة والفرض في سجود السهو أنه يشرع فيهما في قول عوام أهل العلم، وقال ابن سيرين: لا يشرع في النافلة ولنا عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين " وقوله " إذا نسي أحدكم فزاد أو نقص فليسجد سجدتين " ولانها صلاة ذات ركوع وسجود فشرع لها السجود كالفريضة
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: