مقام التوكل
مقام التوكل |
قال الشيخ، رحمه الله، والتوكل مقام شريف، وقد أمر الله تعالى، بالتوكل وجعله مقروناً بالإيمان .
سئل رويم رحمه الله عن التوكل فقال: الثقة بالوعد*
وسئل سهل بن عبد الله التستري، رحمه الله عن التوكل فقال: الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد.
كما سئل الجنيد، رحمه الله عن التوكل فقال: اعتماد القلب على الله تعالى.
ويتضح لنا أنه من خلال أقوال هؤلاء النفر من الصوفية بأن مقام التوكل الذي هو موجود في القرآن نجده عند هؤلاء الصوفية، وهذا مما يعني أن تصوفهم موزون بميزان الكتاب والسنة.
والتوكل هو أن يترك المريد الاهتمام بأمور الدنيا، وتكاليف الحياة ولا يدخر للمستقبل ولا يتمنى مالاً فإن الله الذي خلقه هو الذي يدبره.
كما يرى بعض المتصوفة أن التوكل يعني ترك الأخذ بالأسباب والسعي، وأن ذلك من كمال التوحيد والإيمان، ولكن أهل التصوف الصحيح يرون أن التوكل لا يتعارض مع السعي والأخذ بالأسباب، فالمتوكل هو الذي يأخذ بالأسباب، ولكنه لا يعتقد أنها موصلة بنفسها للغايات والأغراض، فالأسباب لا تحقق غاية دون إرادة الله وعونه.
والتوكل حالة نفسية يعلم فيها المؤمن أنه ليس وراء قدرة الله ولا وراء عنايته ولا وراء رحمته رحمة، فبعلمه ذلك يتكل قلبه عليه وحده، ولا يلتفت إلى غيره ولا إلى نفسه ولا يلتفت إلى غيره ولا إلى نفسه ولا يلتفت إلى قوته وحوله، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله.
إن المؤمن يعلم مع سعيه أن الأمر كله لله، وليس له هو في حقيقة الأمر شئ، والمتوكل لا يكون قلقاً ولا منزعجاً في سعيه لإيجاد الأسباب التي بها تتم الغايات وهو لا يأخذ بالأسباب التي تكون محرمة أو تكون فيها شبهة .
ولقد ذكر الغزالي أن المتوكلين درجات:
متوكل ثقته بالله كثقة الموكل بوكيله، ومتوكل حاله مع الله كحال الطفل مع أمه لا يعتمد إلا عليها ولا يفزع لسواها، ومتوكل يكون بين يدي الله في حركاته مثل الميت بين يدي الغاسل.
إن ترك السعي مطلقاً بدعوى التوكل على الله أمر غير مقبول شرعاً ولا عقلاً، فإننا لم نر أحداً من المتصوفة في الواقع ترك الأخذ بالأسباب مطلقاً. ذكر الغزالي أن بعض الناس قد ترك العمل بدعوي التوكل لأن الله يرزقه، ولكن هذا الشخص إذا كان صادقاً فإن عليه إذا أحضر له الطعام أن لا يمد يده لتناوله، وإن تركه بدعوى التوكل، وعدم السعي بدعوى الانشغال بالعبادة أمر مخالف للسنة الشريفة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "اليد العليا خير من اليد السفلى". وقال للأعرابي "أعقلها وتوكل على الله".
وهناك قصة حدثت لإبراهيم ابن أدهم مع شقيق البلخي فيها دلالة على فضل السعي. قال إبراهيم لشقيق: كيف بدأ أمرك الذي أبلغك هذا [يعني التصوف] قال شقيق: مررت ببعض الفلوات فرأيت طائراً مكسور الجناحين في فلاة من الأرض فقلت: انظر كيف يُرزقُ هذا. فقعدت بحذائه، فإذا بطائر أقبل في منقاره جرادة وضعها في منقار الطائر المكسور الجناحين، قلت في نفسي إن الذي سخّر هذا الطائر الصحيح لهذا الطائر المكسور الجناحين لَقادر أن يرزقني حيث كنت، فتركت التكسُّب واشتغلت بالعبادة، فقال إبراهيم: يا شقيق لِمَّ لا تكون أنت الطائر الصحيح الذي أطعم العليل حيث تكون أفضل منه، أمّا سمعت النبي صلى الله عليه و سلم أنّه لَّما سأل عمّن يعولُ العابدَ، فقالوا: فلاناً قال "فلانٌ خيرٌ منه".
إن بعض القائلين بترك السعي والانشغال بالعبادة يفهمون معنى العبادة فهماً ضيّقاً بمعنى "الذكر والصوم والصلاة..." ولكن كما أسلفنا يمكن أن تشملّ العبادة كل حركةٍ للإنسان، فقد عرّفها ابن تيمية بأنّها "إسم جامع لكلَّ ما يحب الله تعالى ويرضاه من الأفعال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبَّر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم والمسلمين وابن السبيل والدعاء والذكر والعبادة والقراءة وأمثال ذلك من العبادات، وكذلك حبُّ الله ورسوله وخشيته والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحُكمِه، والشكر لنعَمِه، والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه .
إن المجتمع المسلم لا يمكن أن يعش أفراده دون سعي للرزق، ودون قوة تحميه إلا أن نفترض أن بعضه يقوم بإعداد القوة، وبتوفير الحاجات والضروريات الاقتصادية، إن الإعداد للقوة أمر أوجبه الدين على الجماعة المسلمة .
إذا كان لابد أن تسعى طائفة من المجتمع لكي يبقى المجتمع، فإن البرنامج الصوفي سيفشل إذا طبقه كل الناس.
الكلمات المفتاحية :
احوال الصوفية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: