مقام الصبر
مقام الصبر |
ثم نعرج بعد هذا إلى مقام الصبر، وهو مقام شريف، وقد جعله علي بن أبي طالب ركناً من أركان الإيمان، فقال: "بني الإسلام على أربع دعائم: على الصبر واليقين والجهاد والعدل" .
والصبر هو تحمل مكروه، أو شئ غير محبب إلى النفس، وقد قسمه ابن القيم( )، إلى أنواع:
[1] صبر نفسي اختياري، وهو صبر على مشتبهات الطبع ومقتضيات الهوى، ويدخل فيه الصبر على الأوامر والطاعات حتى يؤديها، وصبر على المنهيات حتى لا يقع فيها.
[2] صبر بدني اضطراري كالصبر على الألم والمرض والجراحات والحر والبرد وغير ذلك.
[3] الصبر النفساني الاضطراري يدخل فيه الصبر على المصيبة كموت قريب أو حبيب.
[4] صبر بدني اختياري كتعاطي الأعمال الشاقة على البدن اختياراً، والثبات عليها.
إن على المؤمن أن يصبر على كل شئ : على مرضه وفقره، وكل نازلة تحل به أو تحل بعزيز أو صديق له لأنه يعلم "مع سعيه لزوال ما نزل به ما استطاع إلى ذلك سبيلا".
إن ذلك قدر الله وقضاؤه، وأنه لا ينفع العاقل في ساعات الابتلاء إلا الصبر وأنه لا جدوى للجزع والتبرم وعدم الرضا لأن هذا يزيد الإنسان هماً وغماً على ما هو عليه. ومما يساعد على الصبر والأمل، أن الله يحدث المعجزات، ويعلم أنه في حالة وقوع المصيبة إذا احتسب العبد الأمر لله ينال أجراً وعوضاً كبيراً مما يجلب الرضى تراجع على تحمل المصيبة والمكروه، وهذا لا يعني أنه لا يحب زوال المحنة، وأنه لا يسعى لزوالها، ولكن الهلع والجزع والقلق والاضطراب صفات رديئة، على المؤمن أن يتجنبها .
وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: "من أقل ما أوتيتم اليقين وعزيمته الصبر ومن أعطى حظه منهما لم ينل ما فاته من قيام الليل وصيام النهار، ولأن تصبروا على مثل ما أنتم عليه أحب إلى من أن يوافيني كل أمرئ منكم بمثل عمل جميعكم، ولكني أخاف أن تفتح عليكم الدنيا بعدي فينكر بعضكم بعضاً، وينكركم أهل السماء عند ذلك، فمن صبر واحتسب ظفر بكمال ثوابه. ثم قرأ: ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ، وليجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون".
سئل الجنيد عن مقام الصبر فقال: "تحمل المؤمن حتى تنقضي أوقات المكروه" ومعنى الآية السابقة "إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب"، وهي كما هو واضح تتحدث عن جزاء الصابرين، بمعنى أن الله تعالى يغرف لهم غرفاً من نعمه، والصبر أشق على النفس ويصعب فيه الألم، وهو أن يصبر الإنسان على كل ما يناله فلا يظهر الشكوى من الألم، وما وقع عليه من بلاء، ولا يتمنى زوال ضره بل يعد ذلك ابتلاءً من الله واختباراً، فإنه كذلك من نعم الله تعالى عليه.
وقد ذكر ابن تيمية أن الصبر واجب -باتفاق المسلمين- على أداء الواجبات وترك المحظورات، وأن الصبر واجب على المصائب، وعن اتباع أهواء النفس فيما نهى عنه .
والذي ذكره ابن تيمية عن الصبر نجده قد أشار إليه قبلاً الشيخ أبو عثمان الحيري حين سئل عن الصبر فقال: "الصبر على الطاعة حتى لا تفوتك، والصبر عن المعصية حتى تنجو من الإصرار على المعصية" .
كما حكى عن ذي النون، رحمه الله ، أنه قال: "دخلت على مريض أعوده، فبينما كان يُكلَّمني أُنَّه، فقلت له: ليس بصادق في حبه من لم يتلذذ بضربه" .
وكما قال الشبلي، رحمه الله، لمِّا أدخل المارستان، وقيد فدخل عليه بعض أصدقائه، فقال لهم: "إيش أنتم؟ فقالوا: نحن قوم نُحبك، فأخذ يرميهم بالآجُر، فهربوا، فقال: يا كذابين تدّعون محبتي ولم تصبروا على ضربي؟ .
وكان الشبلي إذا سئل عن الصبر تجده أنشد هذه الأبيات:
عبرات خططن في الـخـد سطرا
إن صوت المُحبَّ من ألم الشوق
صــــابر الـصـــــبر فـاستغاث به **
**
** قـــد قــــرأهــا من ليس يحســـن يقرأ
وخـــوف الــفـــراق يـــورث ضُــــرّا
الصبر فصاح المُحبّ بالصبر:صبراً
وحجة هذا في العالم ما رُويّ في الخبر أن زكريا عليه السلام لمّا وُضِعَ على رأسه المنشار أنَّ أًَنةً واحدة، فأوحى الله تعالى إليه: إن صعدت منك إلىَّ أَنةٌ أخرى لأقلبَنَّ السموات والأرضين بعضها على بعض( ).
وهذا رأيي يدل على أن الصبر من المقامات المهمة في طرق الصوفية، ففيه تعبير عن الصبر على المعصية التي ابتلاه بها الله سبحانه وتعالى، والتي يمتحن فيها العبد فيصبر على الطاعة، وفي الصبر الأدب وحُسن الخلق، وذلك عن طريق تحمَّل ما يقع عليه من الخلق من أذى.
والصبر في جوهره من عناصر الشجاعة في مقاومة الشدائد، والشدائد قد تكون حسيةً وقد تكون معنويةً، والصبر يكون في العادات، وفي طلب العلم، وما يلاقيه طالب العلم من مشاق في سبيل الوصول إلى النجاح، فعلينا أن نرى الخير فيما اختاره الله، ونندم على ما أسلفنا من الحزن والإكتئاب.
الكلمات المفتاحية :
احوال الصوفية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: