مقام الفقر
مقام الفقر |
ثم نستعرض بعد هذا مقام الفقر الذي أخذ به الصوفية المعتدلون، وهم من يسمون بأصحاب التصوف السني .
وقال صلى الله عليه و سلم : "الفقر أزين بالعبد المؤمن من العوار الجيد على خد الفرس"، والفقر بهذا المعنى، -وكما هو واضح من مضمون الحديث- عندما يبتلى الله به عبده فهو شرف وتاج للمتقين، وزين المؤمنين كما هو العوار الذي يتزين به الفرس ويفيض عليه صورة جمالية.
وقال إبراهيم بن أحمد الخواص رحمه الله: "الفقر رداء الشرف، ولباس المرسلين، وجلباب الصالحين، وتاج المتقين، وزين المؤمنين، وغنيمة العارفين، ومنية المريدين، وسجن المذنبين، ومكفر للسيئات، ومعظم للحسنات، ورافع للدرجات، ومبلغ للغايات ورضا الجبار، والفقر هو شعار الصالحين، ودأب المتقين".
والفقراء كما يقول الطوسي في اللمع: "ثلاث طبقات، فمنهم من لا يملك شيئاً، ولا يطلب بظاهره ولا بباطنه من أحد شيئاً، ولا ينتظر من أحدٍ شيئاً، وإن أعطى شيئاً لم يأخذ، فهذا مقام المقربين".
كما حكى عن سهل بن علي بن سهل الأصبهاني أنه كان يقول: "حرامٌ على كل من يسمى أصحابنا الفقراء، لأنهم أغنى خلق الله عز وجل".
ويقول أبو علي الروزباري : سمعت أبا بكر الطوسي يقول: "كنت مدة طويلة أسأل عن معنى اختيار أصحابنا لهذا الفقر على سائر الأشياء، فلم يجبني أحدٌ بجواب يقنعني، حتى سألت نصر بن الحمامي، فقال لي: "لأنه أول منزلة من منازل التوحيد، فقنعت بذلك".
ومنهم من لا يملك شيئاً، ولا يسأل أحداً ولا يطلب، ولا يعرض، وإن أعطى شيئاً من غير مسألة أخذ" .
وقد حكى عن الجنيد رحمه الله أنه قال: "علامة الفقير الصادق أبلا يسأل، ولا يعارض، وإن عورض سكن".
وكما حكى عن سهل بن عبد الله التستري رحمه الله أنه سئل عن الفقير الصادق فقال:" لا يسال ولا يرد، ولا يحبس".
وكما سئل إبراهيم الخواص رحمه الله عن علامة الفقير الصادق فقال: "ترك الشكوى، وإخفاء أثر البلوى"، ولهذا قيل أن هذا مقام الصديقين.
ومنهم من لايملك شيئاً، وإذا احتاج أنبسط إلى بعض إخوانه ممن يعلم أنه يفرح بانبساطه إليه، فكفارة مسالته صدقة .
في تصنيف الطوسي للفقراء فأنا أؤيد ما يقوله في الفقير الأول الذي لا يملك ولا يطلب ولا يقبل، ومثله مثل المعدة الخالية، والأمعاء لم تخلق عبثاً وإنما هي جنودٌ تقوم بوظائف حيوية لها أهميتها في دفع حياة الإنسان.
والفقير الذي لا يملك ولا يطلب ثم يقبل هو من الشخصيات الضعيفة الحول في هذه الدنيا، والفقير الذي لا يملك ثم ينبسط إلى إخوانه حين يحتاج هو إنسان وضيع، وخير له أن يلتفت إلى العمل والجد والكفاح في ميادين الرزق الحلال.
ويتردد بعد هذا سؤال يتبادر إلى الإذهان، وهو: هل الأفضل الفقير أم الغني؟
يذكر ابن تيمية في الرد على هذا السؤال أنه قد يكون من الفقراء من هو أفضل من
كثير من الأغنياء، وقد يكون من الأغنياء من هو أفضل من الفقراء .
ويرى ابن تيمية أن أفضلهما أتقاهما، فإن استويا في الدرجة، فإن الفقراء يسبقون الأغنياء إلى الجنة، لأنه لا حساب عليهم، لأنه ليس لهم أموال يحاسبون عليها، ولكن بعد أن يدخل الأغنياء إلى الجنة ربما يكون أرفع درجة من الفقراء، "ذهب أهل الدثور بالأجور".
والغنى والفقر أمتحان وابتلاء من عند الله رب العالمين، فالغنى عندما يرزق بالمال وحتى يرضى الله ويفوز بالجنة عليه أن يتصدق ويدفع زكاة أمواله، عند ذلك يكون مصدر ماله هذا لعدم أعتماده على أحد فهو ينال ويكسب. يقول القشيري في رسالته: في هذا الموضوع لا يوزن الإنسان بالفقر والغني وإنما يوزن بالصبر والشكر .
الكلمات المفتاحية :
احوال الصوفية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: