لذّة الأنس في مجاهدة النفس
بسم الله الرحمان الرحيم - جاء ذكر النفس في القرآن الكريم بعدّة معان ذكرها واستقصاها علماء اللغة خاصّة والمفسرون. لكن ساداتنا الصوفية رضوان الله عليهم من كبار أولياء الله تعالى وكبار
العارفين اهتمّوا بمعنى ( النفس ) الذي يزاحم التوحيد أو الذي يكون مانعا وقاطعا في طريق السالكين وصراط القاصدين الى معرفة ربّ العالمين سبحانه لهذا اهتمّوا رضي الله عنهم بشأن النفس وأمراضها التي تزاحم الربوبية وتعاند الألوهية وتقف
عثرة في طريق السائلين. فلمّا ألقى الله تعالى في باطني معرفة جزءا يسيرا من ألاعيبها وأساليبها عن طريق شيخنا رضي الله عنه العالم العارف بما تحويه النفوس من أمراض عويصة وتلبيسات عسيرة أردت أن أنفع إخواني السالكين من السائرين في هذا المجال وما غايتي إلاّ نفعهم ونفع المسلمين والله أعلم بنيتي وما أجري إلا على ربّ العالمين. فأقول وعلى الله تعالى حبيب القلوب القبول : قال تعالى ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) قال أهل العربية ( أمّارة ) صيغة مبالغة بخلاف قولنا ( آمرة ) أو ( تأمر بالسوء ) فصيغة المبالغة تلك توحي لنا كون ذلك السوء يكون به حياة النفس ويتم به نشاطها فكأنّه متنفّسها لهذا كانت أمّارة به ومصرّة على فعله أو الوصول إليه قال تعالى في حقّ بني إسرائيل من قوم سيدنا موسى عليه السلام وهم في غمرات تجلي نفوسهم وهم لا يشعرون ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ) فانظر قولهم ( لن نصبر على طعام واحد ) فكانت هذه بداية شهوات النفوس فلمّا اشتهت قالت ( فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْض ) فانظر الى سود أدبها مع الله تعالى ثمّ مع نبيّ الله تعالى عليه السلام كل هذا في سبيل الحصول على غرضها وشهوتها التي هي شهوة الأكل من غير أن تلتفت الى أدب أو تراعي حرمة فتدبّر خساسة همّتها وصبيانية مطالبها. وإنّما سألت ( مما تنبت الأرض ) ولم ترض بما تنزل السماء من المنّ والسلوى فلأنّها أنفس أرضية تخلد في مطالبها وتطلعاتها دائما إلى الأرض ولا تعلو بهممها إلى السماء كالأنفس الشريفة العالية المنوّرة. فهذه شهوة مأكول زائدة لا حاجة لهم بها فلو صبروا على المنّ والسلوى لكان خيرا لهم ناهيك عن واجب الاستلذاذ بأكله في كل وقت وحين لأنّه من عند الله تعالى كما أنّ هناك شهوة مركوب ومنكوح من نفس هذا الجنس أي الشهوات الزائدة التي تزيد عن الضرورة فهذه الثلاث شهوات لازمة في كلّ البشر لهذا وجب مجاهدتها فيها وهذا ما تراه في زهد السلف الصالح فقد زهدوا في الدنيا ولم يأخذوا منه إلاّ بقدر الضرورة لذا قال المؤرّخ ابن خلدون في مقدمته ( فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني ومابعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية ) المقبلون على الله تعالى الزاهدون في الدنيا. لهذا ورد عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم قوله ( فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم ) لهذا أختصّ أهل التصوّف بالزهد في الدنيا ولو كانوا أغنياء كما كان من شأن أبي بكر رضي الله عنه فقد خرج من ماله ثلاث مرّات لأنّه لا يخشى الفقر كما قال ذلك الإعرابي لمن سأله عن عطاء النبي صلى الله عليه وسلّم ( إنّه يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ) لكن هؤلاء أهل اليقين الكبير لا يجوز الاقتداء بهم إلاّ بحال صريح أو محبّة بالغة أو ابتلاء من واقع .. فافهم لذا قرر الإمام الغزالي رضي الله عنه طريق المجاهدة بأنه : جوع مع عزلة وصمت ثمّ سهر فالجوع المعتدل كما قال عليه الصلاة والسلام ( بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فاعلا، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه وثلث لنفسه ) فكثرة الأكل عادة غير محمودة وهي خلاف السنّة بل هي غير صحيّة قال تعالى ذاكرا مهر الطريق ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ) فالجوع المعتدل وسيلة الغاية منه اضعاف النفس في خلودها الى الأرض والعروج بها الى لطافة المعنى. ثمّ الصمت المتعيّن بغير ذكر الله تعالى لأنّ ذكر الله تعالى أو تذكير الناس وتعليمهم كلما وجب لا صمت فيه أو قول حقّ أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر كما ورد في الحديث ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) لأنّ الصمت زينة الفقير السالك كما قال قائل القاصدين ( ولازم الصمت إلا إن سئلت فقل --- لا علم عندي وكن بالجهل مستترا ) قال تعالى ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) فهو وسيلة غايته بثّ روح التفكّر والتدبّر عند المؤمن الصادق والمريد السالك .. قال تعالى ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) فما قال تعالى يذكرون ثمّ يتحدّثون بل يتفكّرون لأنّ الذكر يستجلب الفكر لأنّ الحديث بغير ذكر الله تعالى أو ما له نسبة الى ذلك من مصالح وفوائد خاصّة أو عامّة هو لهو ولغو وشهوة نفس إسترسل أحد العارفين مرّة في الكلام فلمّا أطال قال إن للكلام لحلاوة ثمّ سكت وصمت لذا قال عليه الصلاة والسلام ( يا معاذ : وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) وإنّي العبد الفقير أستغفر الله تعالى من كلّ قول قلته ليس فيه خير وما أكثره فهو شيء عظيم ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم. ثمّ العزلة عن الأشرار ومفارقة الأغيار وهي كما قالوا ظاهرة وباطنة لكن العزلة المقصودة هي بالنسبة للمبتدئين العزلة الظاهرة لأنهم ضعاف الميل بالقلوب لوجود النفوس قال عليه الصلاة والسلام في العزلة الظاهرة ( فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ) فالعلمانيين فرقة أيضا من جملة الفرق يدعي أغلبهم الإسلام ويبطنون النفاق فهي فرقة دنيوية وجب اعتزالها لأنها لا تمثّل الإسلام ولا تحافظ عليه كما لا تحافظ على منافع المسلمين ومصالحهم الدينية والدنيوية. قال تعالى مخبرا عن صوفية أهل الكهف ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ) فهذا اعتزال من أصحاب الكهف ظاهرا وباطنا وذلك في قولهم ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون ) فــ ( إذ اعتزلتموهم ) عزلة ظاهرة و ( وما يعبدون ) عزلة باطنة فالمقصود بالعزلة هو العزلة عن كل شيء يبعدك عن الله تعالى ولا يقربك منه أمّا العزلة الباطنة دون الظاهرة فهي خاصة بالأنبياء والمرسلين عليهم السلام ثمّ بالأولياء العارفين المطالبون بدلالة الناس على خالقهم ومولاهم فهم في وظائف التربية والتزكية والإرشاد والتعليم ونفع البلاد والعباد ... فلولاهم لهلك الخلق كما قال تعالى ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ). ثمّ السهر الذي هو ديدن المحبين في مناجاة رب العالمين قال تعالى ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ... ). قال عليه الصلاة والسلام ( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم،ومطردة للداء عن الجسد ). قالت عائشة رضي الله عنها ( كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. فقلت له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكورا ). لهذا كابد ساداتنا في طريق الطاعة والسلوك المجاهدة في الذكر خصوصا في الربع الأخير من الليل وإنّي العبد الفقير ما ندمت على شيء في حياتي في مرضي هذا أكثر من ندمي على عدم قيام الليل في الذكر والتهجد حينما كنت في صحّة جيّدة سمعت سيدي علي الراقوبي رضي الله عنه في مرض موته في مستشفى فرحات حشاد في مدينة سوسة سنة 1987 ميلادي يقول ( يا إخواني أذكروا الله تعالى ما دمتم في صحّتكم وقادرين على ذلك ). فقيام الليل وردت فيه آيات بيّنات وأحاديث شريفة رضي الله تعالى عن الإمام الغزالي صاحب كتاب إحياء علوم الدين وكما قال الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله تعالى ( من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء ). خرجت بهذا التفصيل الوجيز عن غرض الموضوع لأنّ الخاطر أخذني إلى هذا فنعود والعود أحمد فنقول وعلى الله تعالى القبول : النفس عبارة عن عدوّ وفي نفس الوقت حبيب لك مقرب منك لكنه لا عقل له يريد أن يلقيك في المهالك فلا يمكنك أن تؤتيه قيادك ولا تسلمه عقلك وفكرك وروحك بل تأخذ بيده عن طريق الهدى من كتاب وسنّة إلى طريق الصواب بعد أن تلقيه في مشفى الصالحين وعند أطباء العارفين قال تعالى ( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) فألقاك إلى مدارسهم ودلك على معالمهم فما أمرك أن تكون من الصادقين بداية بل أن تكون معهم كي يتحقق فيك وصف الصدق نهاية ..فهل رأيت طبيبا تخرّج في مارستان ؟ سنذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى مراتب كلّ نفس في درجتها من حيث عللها وآفاتها وتسويلاتها وألاعيبها بداية من المبتدئين إلى غاية الواصلين الذين سقطوا بعد أن عرفوا وسلبوا بعد أن أعطوا كإبليس لعنه الله تعالى والسامري ومن نحا منحاهم في السقوط بعد أن وصل وذاق لأنّه سلّم قياده الى نفسه ظنّا منه أنّه آمن مكر الله تعالى لذا كان عليه الصلاة والسلام من عظيم معرفته التي لا تكيف ولا تطاق يقول ( نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ). وخصوصا سنركّز إن شاء الله تعالى على تسويلات النفس في عالم الملكوت لأني ما رأيت من شفا غليلي في هذا الموضوع لعلوّ همم العارفين أن يلتفتوا إلى نفوسهم رضوان الله عليهم قال سيدنا يعقوب ( بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا ) فلم يذكر لهم هذا الأمر لأنّهم يعلمونه كما علمه هو ومن هنا صار التنافس فيما بين أهل الأنوار فسلبوا بعضهم بعضا لأن غرضهم كان سلب يوسف لظنهم أنّ الأدنى يمكنه سلب الأعلى لكن الكمال والتقوى أن يتركوا أمرالمقامات لله تعالى كما تركها آدم عليه السلام فلم يسلب إبليس لعنه ىالله تعالى بسبب رفضه السجود إليه بل ترك الحضرة الإلهية تتصرّف في إبليس لعنه الله تعالى. حكاية : كان لشيخنا رضي الله عنه فقيرا أساء معه الأدب جدّا فاتهمه بما لا يليق بسبب ظنونه الكثيرة لمرض قلبه فلمّا سألنا شيخنا رضي الله عنه مسامحته والتجاوز عنه قال شيخنا رضي الله عنه ( العبد الفقير سامحته لله تعالى لكن يجب أن تعلموا أنّ المرتبة لا تسامح ) فافهم فالنبي استغفر للمنافقين لكن الحضرة الإلهية أبت ذلك كي تعلم أن المرتبة لا تسامح ( فافهم ). قال السامري ( قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي ) فانظر قوله ( وكذلك سولت لي نفسي ) وقول يعقوب لبنيه ( بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا ) فكذلك السامري سوّلت له نفسه أمرا إلاّ أنّ بينهما فرق كبير أعني بين التسويل بالكفر والشرك وبين التسويل بطلب المقامات وإرادة سلبها عن الآخرين. فتسويل النفس هو طلب وسؤال ما لا يحقّ لها وليس هو من نصيبها بل الأمان هو الرضا والتسليم التام كما قال إخوة يوسف عليه السلام ( قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَك اللَّه عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ). هذا كي أعلمك أن النفوس متى ظهرت كان لها إبليس بالمرصاد لذا قال لك تحقيقا لعنه الله تعالى يوم القيامة ( فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوَاْ أَنفُسَكُمْ ) فقد عيّن لك مدخله منك فانظر علمه في قوله ( فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوَاْ أَنفُسَكُمْ ) ومعرفته بالأمور لعنه الله تعالى لهذا توجّه ساداتنا الى مجاهدة النفس ولم يلتفتوا كثيرا الى الشيطان كما قال عليه الصلاة والسلام بخصوص قرينه ( ولكن الله أعانني عليه فأسلم ) لكنه في النفس يقول ( فلا تكلني إلى نفسي طرفه عين ) وكان يقول في استفتاح كل خطبة ( نعوذ بالله من شرور أنفسنا ..). فهل تفكرت في محل النفس منك في جميع درجاتها أم أنّك غافل عنها ناسي لها كما غفل عنها إبليس من قبل والسامري
قال تعالى ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ). أنظر كيف أشار لك صريحا إلى حقيقة واضجة وذلك كون وسوسة النفس تزاحم في درجتها الأولى توحيد الله تعالى فكأنه سبحانه يشير في هذه الآية أنّ النفس قد توسوس لصاحبها بما يخلّ بالتوحيد لذا أثبت وبيّن وجوده سبحانه في مرتبة أقرب من نفسك إليك كي يحفظك من خطرات دعوى الألوهية لأنّ مشهد القوّة والعزّة الذي يشهده الإنسان وهو في أوج سطوته وجبروته سواء في الظاهر بذكر ( الأنا )كما حصل لفرعون القائل ( أنا ربكم الأعلى ) أو النمرود القائل ( أنا أحيي وأميت ) أو في الباطن كإبليس لعنه الله تعالى القائل ( أنا خير منه ) قال تعالى ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ). لهذا ترى مظاهر طغيان جبابرة الظاهر كفرعون والنمرود ومن سار على خطاهم من قبلهم ومن بعدهم كهتلر وموسليني ومن سار في ركبهم من حكام المسلمين كالقذافي القائل ( معمر شيء مقدس معمر هو المجد ....) أو جبابرة غيرهم كقولهم ( لا إله إلا فلان أو علاّن ) فهذا طغيان وهو أعلى من الكفر لذا قال تعالى لسيدنا موسى عليه السلام وأخيه هارون عليه السلام ( اذهبا إلى فرعون إنه طغى ) فالمراد والمقصود طغيان فرعون لا مجرد كفره لأن مجرد الكفر لا يستوجب مقاتلة صاحبه وإنّما تتحتّم المقاتلة عندما يستأثر الطاغية بحمل الناس على الكفر بالله تعالى والإيمان به كما قال تعالى في قصة فرعون ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي ). لذا قال تعالى في الوالدين ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) رغم أنّ طاعتهما واجبة بالنصّ الشرعي لذا ورد لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق لأنّ الذي يأمرك بشرك أو كفر أو يعينك على معصية أو يزيّنها لك هو شيطان من الإنس في حقيقته لذا قرن الإمام البوصيري رضي الله عنه بين النفس والشيطان في قصيدته البردة في قوله ( وخالف النفس والشيطان واعصهما --- وإن هما محّضاك النصح فاتهم ). لأنّ الشيطان لا يدخل عليك إلاّ من باب نفسك الأمارة بالسوء فمتى جاهدت نفسك ولم تتبع هواها فقد فرّقت فيما بينها وبين الشيطان قرينها وتسلحت بعداوتها له كما قال تعالى ( إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) فحينما تتخذ نفسك الشيطان عدوّا فلا يمكنه بعد ذلك الدخول عليها من بابها فيكون الفراق فيما بينهما لكن غايته كونه يبقى مترصدا غفلتك عن نفسك كما قال تعالى ( وإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) وقال تعالى ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ). لذا قيل في طريق السلوك والمعرفة ( من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان ) كقول الشيخ عبد الواحد ابن عاشر رضي الله عنه في متنه المرشد المعين ( يتبع شيخا عارف المسالك --- ليقيه في طريقه المهالك ) أي مهالك النفس والشيطان لأنّ الشيطان متى انفرد بالنفس افترسها لهذا حفظ ساداتنا طريق الله تعالى بالأذون فقالوا المأذون مأمون أي مأمون من تسلط النفس والشيطان أما غير المأذون فلا أمن ولا أمان له كالسامري لما قال له موسى عليه السلام ( قال فما خطبك يا سامري ) أي ما الذي حملك على فعل ما فعلته ومن آذنك في ذلك العمل. لذا قال تعالى من حيث الإذن للصحابة الكرام رضوان الله عليهم من حيث الإذن العام قوله تعالى ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) ومن حيث الإذن الخاص قال تعالى ( إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ). فكان هناك الإذن العام وهو الإذن النبوي العام في عالم التشريع من حيث الرسالة والأحكام في ركن الإسلام والإيمان أمّا في ركن الإحسان فتعين الإذن الخاص زيادة على الإذن العام لأنّ الشيطان توعّد بالقعود في صراط الله المستقيم الذي هو طريق السالكين الى حقيقة العبودية التي تثمر معرفة الله تعالى لهذا جرى سند التربية والإشراف المباشر من قبل الأولياء المرشدين على تربية المريدين والتلاميذ لأنّهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلّم في هذا المجال كما قال تعالى ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّه عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّه وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ). فهو صلى الله عليه وسلّم يدعو الى الله على بصيرة هو ومن اتبعه من أهل المحبّة ( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) إشارة الى أنّ أهل الاتباع علامتهم المحبة التي تفضي الى التوحيد الحق والإيمان الصدق لذا قال مشيرا إليك كي تفهم عنه ( وسبحان الله وما أنا من المشركين ) أي لا أدلّك على غيره سبحانه فلا أشرك به غيره ولا أشرك نفسي به معه في دلالتك عليه لأنّ طغيان أهل الباطن كإبليس لعنه الله تعالى قد يفوق طغيان أهل الظاهر كفرعون لهذا مات فرعون وهلك بينما سأل إبليس لعنه الله تعالى في قوله ( أنظرني إلى يوم يبعثون ) وكالسامري في طغيانه أمّا الدجال في آخر الزمان فسيجسد الإله في شخصه وهذا نهاية الطغيان. لهذا لم تكن فتنة أعظم عبر التاريخ الإنساني من فتنته فما من نبي إلا وحذّر أمته من الدجال الأعور الذي قال كثير من العلماء كونه السامري وهذا القول أميل إليه العبد الفقير وأرجّحه والله تعالى أعلم بغيبه لأننا سنفصّل في هذا المكتوب إن شاء الله تعالى أحوال نفس الدجال وتسويلاتها وتلبيساتها لأنها تلبيسات نفس تحت ذريعة الكشف وهذا خطير ومن هنا صحّ تبيين مقامات الكشف الصحيح ودرجاته ومنزلته من العلم الإلهي ولو كان كشفا نبويا ثمّ ذكر الفرق بين كشف أهل النور كالملائكة وبين كشف أهل السرّ كالأنبياء والمرسلين عليهم السلام وذكر الفروق بين كشوفات الأولياء ثم الختام بقول الله تعالى على مجمل الإطلاق ( لا يعلم الغيب إلا الله ) لذا قال عليه الصلاة والسلام ( والله ما أعلم إلاّ ما علمني ربي ) كما قالت الملائكة ( لا علم لنا إلا ما علمتنا ). فإذا علمت هذا وتدبرته تدرك لا محالة خطر النفس البشرية في مختلف عقباتها ومن هنا علّمنا الله تعالى ودلّنا كما بيّن لنا معرفة سبل مجاهدة هذه النفس في مراتبها وسياستها بغاية ارجاعها إلى طريق الله المستقيم لأنها السبب الأوّل في خروج آدم من الجنّة بعد أن استمعت نفسه الى نصح إبليس لعنه الله تعالى بالأكل من الشجرة فدب فيها حال الحرص على الخلود في الجنّة لهذا بعث رسله وأنبيائه ثمّ أردفهم بأحبابه من أوليائه كما ورد في الحديث ( العلماء ورثة الأنبياء ... الحديث ) وكما قيل ( الشيخ بين مريديه كالنبي في قومه ) فجاؤوا بالهدى من عند الله تعالى وتلوه على الناس كما قال تعالى ( يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم ) فهذا الحقّ جاء لتزكية الأنفس والعروج بها الى معرفة الله تعالى قال تعالى ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ). فعلم تزكية النفوس هو أوّل علم وآخر علم قُصد من طريق التصوّف لذاته فعلامة الصوفي وبرهانه الساطع هو العمل على تزكية نفسه والظفر بها فجميع الثمار التي يجنيها المريد في طريق تطهير إيمانه المعبّر عنه بعلم السلوك كالأنوار والمعارف والعلوم والمقامات إنما هي نتائج التزكية وتطهير النفس فكلما جاهدت نفسك في مقام انتقلت الى مقام أعلى وأرقى ( وأن الى ربّك المنتهى ) قال تعالى ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ) فلم يبق لها تطلّعا إلى غيره سبحانه. فهي في رجوع دائم كلّما زلّت أو أخطأت كما قال سيدنا آدم من قبل ( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) وكما قال يونس عليه السلام من قبل ( فنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) فهذا حال الأنفس الشريفة فما بالك بالأنفس الخسيسة التي تتكبر على خلق الله تعالى وتصول وتجول بإسم الدين بل يا عجبي كيف يدعو أناس الخلق ويدلونه على الله تعالى ولا خبر لهم عن نفوسهم التي لم يزكوها ولا طرفة عين ... نبدأ إن شاء الله تعالى بعد هذا في ذكر متفرقات من أمراض النفوس وحضراتها التي تنشأ منها في كلّ مقام الى أن نصل إلى مقامات السالكين الذين عبدوا الله تعالى وتوجهوا إليهم مريدين تحقيق أغراضهم النفسية وميولاتهم الخفية أو الذين مكثوا في علل الأعمال وعلل الأحوال وعلل المقامات فركنوا الى المطالب الدنية والهمم السفلية ... أو تقول جهل ركن الإسلام وجهل ركن الإيمان وجهل ركن الإحسان فأنت في علاقتك مع شيخك أيها المريد على ثلاثة طرق وأوجه علاقة في مرتبة الإسلام تستوجب الخدمة ( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ) وعلاقة في مرتبة الإيمان ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ ) تستوجب المحبة وعلاقة في مرتبة الإحسان تستوجب الطاعة ( أَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ). قال تعالى ( ونَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )
العارفين اهتمّوا بمعنى ( النفس ) الذي يزاحم التوحيد أو الذي يكون مانعا وقاطعا في طريق السالكين وصراط القاصدين الى معرفة ربّ العالمين سبحانه لهذا اهتمّوا رضي الله عنهم بشأن النفس وأمراضها التي تزاحم الربوبية وتعاند الألوهية وتقف
عثرة في طريق السائلين. فلمّا ألقى الله تعالى في باطني معرفة جزءا يسيرا من ألاعيبها وأساليبها عن طريق شيخنا رضي الله عنه العالم العارف بما تحويه النفوس من أمراض عويصة وتلبيسات عسيرة أردت أن أنفع إخواني السالكين من السائرين في هذا المجال وما غايتي إلاّ نفعهم ونفع المسلمين والله أعلم بنيتي وما أجري إلا على ربّ العالمين. فأقول وعلى الله تعالى حبيب القلوب القبول : قال تعالى ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) قال أهل العربية ( أمّارة ) صيغة مبالغة بخلاف قولنا ( آمرة ) أو ( تأمر بالسوء ) فصيغة المبالغة تلك توحي لنا كون ذلك السوء يكون به حياة النفس ويتم به نشاطها فكأنّه متنفّسها لهذا كانت أمّارة به ومصرّة على فعله أو الوصول إليه قال تعالى في حقّ بني إسرائيل من قوم سيدنا موسى عليه السلام وهم في غمرات تجلي نفوسهم وهم لا يشعرون ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ) فانظر قولهم ( لن نصبر على طعام واحد ) فكانت هذه بداية شهوات النفوس فلمّا اشتهت قالت ( فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْض ) فانظر الى سود أدبها مع الله تعالى ثمّ مع نبيّ الله تعالى عليه السلام كل هذا في سبيل الحصول على غرضها وشهوتها التي هي شهوة الأكل من غير أن تلتفت الى أدب أو تراعي حرمة فتدبّر خساسة همّتها وصبيانية مطالبها. وإنّما سألت ( مما تنبت الأرض ) ولم ترض بما تنزل السماء من المنّ والسلوى فلأنّها أنفس أرضية تخلد في مطالبها وتطلعاتها دائما إلى الأرض ولا تعلو بهممها إلى السماء كالأنفس الشريفة العالية المنوّرة. فهذه شهوة مأكول زائدة لا حاجة لهم بها فلو صبروا على المنّ والسلوى لكان خيرا لهم ناهيك عن واجب الاستلذاذ بأكله في كل وقت وحين لأنّه من عند الله تعالى كما أنّ هناك شهوة مركوب ومنكوح من نفس هذا الجنس أي الشهوات الزائدة التي تزيد عن الضرورة فهذه الثلاث شهوات لازمة في كلّ البشر لهذا وجب مجاهدتها فيها وهذا ما تراه في زهد السلف الصالح فقد زهدوا في الدنيا ولم يأخذوا منه إلاّ بقدر الضرورة لذا قال المؤرّخ ابن خلدون في مقدمته ( فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني ومابعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية ) المقبلون على الله تعالى الزاهدون في الدنيا. لهذا ورد عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم قوله ( فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم ) لهذا أختصّ أهل التصوّف بالزهد في الدنيا ولو كانوا أغنياء كما كان من شأن أبي بكر رضي الله عنه فقد خرج من ماله ثلاث مرّات لأنّه لا يخشى الفقر كما قال ذلك الإعرابي لمن سأله عن عطاء النبي صلى الله عليه وسلّم ( إنّه يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ) لكن هؤلاء أهل اليقين الكبير لا يجوز الاقتداء بهم إلاّ بحال صريح أو محبّة بالغة أو ابتلاء من واقع .. فافهم لذا قرر الإمام الغزالي رضي الله عنه طريق المجاهدة بأنه : جوع مع عزلة وصمت ثمّ سهر فالجوع المعتدل كما قال عليه الصلاة والسلام ( بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فاعلا، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه وثلث لنفسه ) فكثرة الأكل عادة غير محمودة وهي خلاف السنّة بل هي غير صحيّة قال تعالى ذاكرا مهر الطريق ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ) فالجوع المعتدل وسيلة الغاية منه اضعاف النفس في خلودها الى الأرض والعروج بها الى لطافة المعنى. ثمّ الصمت المتعيّن بغير ذكر الله تعالى لأنّ ذكر الله تعالى أو تذكير الناس وتعليمهم كلما وجب لا صمت فيه أو قول حقّ أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر كما ورد في الحديث ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) لأنّ الصمت زينة الفقير السالك كما قال قائل القاصدين ( ولازم الصمت إلا إن سئلت فقل --- لا علم عندي وكن بالجهل مستترا ) قال تعالى ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) فهو وسيلة غايته بثّ روح التفكّر والتدبّر عند المؤمن الصادق والمريد السالك .. قال تعالى ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) فما قال تعالى يذكرون ثمّ يتحدّثون بل يتفكّرون لأنّ الذكر يستجلب الفكر لأنّ الحديث بغير ذكر الله تعالى أو ما له نسبة الى ذلك من مصالح وفوائد خاصّة أو عامّة هو لهو ولغو وشهوة نفس إسترسل أحد العارفين مرّة في الكلام فلمّا أطال قال إن للكلام لحلاوة ثمّ سكت وصمت لذا قال عليه الصلاة والسلام ( يا معاذ : وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) وإنّي العبد الفقير أستغفر الله تعالى من كلّ قول قلته ليس فيه خير وما أكثره فهو شيء عظيم ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم. ثمّ العزلة عن الأشرار ومفارقة الأغيار وهي كما قالوا ظاهرة وباطنة لكن العزلة المقصودة هي بالنسبة للمبتدئين العزلة الظاهرة لأنهم ضعاف الميل بالقلوب لوجود النفوس قال عليه الصلاة والسلام في العزلة الظاهرة ( فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ) فالعلمانيين فرقة أيضا من جملة الفرق يدعي أغلبهم الإسلام ويبطنون النفاق فهي فرقة دنيوية وجب اعتزالها لأنها لا تمثّل الإسلام ولا تحافظ عليه كما لا تحافظ على منافع المسلمين ومصالحهم الدينية والدنيوية. قال تعالى مخبرا عن صوفية أهل الكهف ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ) فهذا اعتزال من أصحاب الكهف ظاهرا وباطنا وذلك في قولهم ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون ) فــ ( إذ اعتزلتموهم ) عزلة ظاهرة و ( وما يعبدون ) عزلة باطنة فالمقصود بالعزلة هو العزلة عن كل شيء يبعدك عن الله تعالى ولا يقربك منه أمّا العزلة الباطنة دون الظاهرة فهي خاصة بالأنبياء والمرسلين عليهم السلام ثمّ بالأولياء العارفين المطالبون بدلالة الناس على خالقهم ومولاهم فهم في وظائف التربية والتزكية والإرشاد والتعليم ونفع البلاد والعباد ... فلولاهم لهلك الخلق كما قال تعالى ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ). ثمّ السهر الذي هو ديدن المحبين في مناجاة رب العالمين قال تعالى ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ... ). قال عليه الصلاة والسلام ( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم،ومطردة للداء عن الجسد ). قالت عائشة رضي الله عنها ( كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. فقلت له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكورا ). لهذا كابد ساداتنا في طريق الطاعة والسلوك المجاهدة في الذكر خصوصا في الربع الأخير من الليل وإنّي العبد الفقير ما ندمت على شيء في حياتي في مرضي هذا أكثر من ندمي على عدم قيام الليل في الذكر والتهجد حينما كنت في صحّة جيّدة سمعت سيدي علي الراقوبي رضي الله عنه في مرض موته في مستشفى فرحات حشاد في مدينة سوسة سنة 1987 ميلادي يقول ( يا إخواني أذكروا الله تعالى ما دمتم في صحّتكم وقادرين على ذلك ). فقيام الليل وردت فيه آيات بيّنات وأحاديث شريفة رضي الله تعالى عن الإمام الغزالي صاحب كتاب إحياء علوم الدين وكما قال الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله تعالى ( من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء ). خرجت بهذا التفصيل الوجيز عن غرض الموضوع لأنّ الخاطر أخذني إلى هذا فنعود والعود أحمد فنقول وعلى الله تعالى القبول : النفس عبارة عن عدوّ وفي نفس الوقت حبيب لك مقرب منك لكنه لا عقل له يريد أن يلقيك في المهالك فلا يمكنك أن تؤتيه قيادك ولا تسلمه عقلك وفكرك وروحك بل تأخذ بيده عن طريق الهدى من كتاب وسنّة إلى طريق الصواب بعد أن تلقيه في مشفى الصالحين وعند أطباء العارفين قال تعالى ( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) فألقاك إلى مدارسهم ودلك على معالمهم فما أمرك أن تكون من الصادقين بداية بل أن تكون معهم كي يتحقق فيك وصف الصدق نهاية ..فهل رأيت طبيبا تخرّج في مارستان ؟ سنذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى مراتب كلّ نفس في درجتها من حيث عللها وآفاتها وتسويلاتها وألاعيبها بداية من المبتدئين إلى غاية الواصلين الذين سقطوا بعد أن عرفوا وسلبوا بعد أن أعطوا كإبليس لعنه الله تعالى والسامري ومن نحا منحاهم في السقوط بعد أن وصل وذاق لأنّه سلّم قياده الى نفسه ظنّا منه أنّه آمن مكر الله تعالى لذا كان عليه الصلاة والسلام من عظيم معرفته التي لا تكيف ولا تطاق يقول ( نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ). وخصوصا سنركّز إن شاء الله تعالى على تسويلات النفس في عالم الملكوت لأني ما رأيت من شفا غليلي في هذا الموضوع لعلوّ همم العارفين أن يلتفتوا إلى نفوسهم رضوان الله عليهم قال سيدنا يعقوب ( بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا ) فلم يذكر لهم هذا الأمر لأنّهم يعلمونه كما علمه هو ومن هنا صار التنافس فيما بين أهل الأنوار فسلبوا بعضهم بعضا لأن غرضهم كان سلب يوسف لظنهم أنّ الأدنى يمكنه سلب الأعلى لكن الكمال والتقوى أن يتركوا أمرالمقامات لله تعالى كما تركها آدم عليه السلام فلم يسلب إبليس لعنه ىالله تعالى بسبب رفضه السجود إليه بل ترك الحضرة الإلهية تتصرّف في إبليس لعنه الله تعالى. حكاية : كان لشيخنا رضي الله عنه فقيرا أساء معه الأدب جدّا فاتهمه بما لا يليق بسبب ظنونه الكثيرة لمرض قلبه فلمّا سألنا شيخنا رضي الله عنه مسامحته والتجاوز عنه قال شيخنا رضي الله عنه ( العبد الفقير سامحته لله تعالى لكن يجب أن تعلموا أنّ المرتبة لا تسامح ) فافهم فالنبي استغفر للمنافقين لكن الحضرة الإلهية أبت ذلك كي تعلم أن المرتبة لا تسامح ( فافهم ). قال السامري ( قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي ) فانظر قوله ( وكذلك سولت لي نفسي ) وقول يعقوب لبنيه ( بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا ) فكذلك السامري سوّلت له نفسه أمرا إلاّ أنّ بينهما فرق كبير أعني بين التسويل بالكفر والشرك وبين التسويل بطلب المقامات وإرادة سلبها عن الآخرين. فتسويل النفس هو طلب وسؤال ما لا يحقّ لها وليس هو من نصيبها بل الأمان هو الرضا والتسليم التام كما قال إخوة يوسف عليه السلام ( قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَك اللَّه عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ). هذا كي أعلمك أن النفوس متى ظهرت كان لها إبليس بالمرصاد لذا قال لك تحقيقا لعنه الله تعالى يوم القيامة ( فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوَاْ أَنفُسَكُمْ ) فقد عيّن لك مدخله منك فانظر علمه في قوله ( فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوَاْ أَنفُسَكُمْ ) ومعرفته بالأمور لعنه الله تعالى لهذا توجّه ساداتنا الى مجاهدة النفس ولم يلتفتوا كثيرا الى الشيطان كما قال عليه الصلاة والسلام بخصوص قرينه ( ولكن الله أعانني عليه فأسلم ) لكنه في النفس يقول ( فلا تكلني إلى نفسي طرفه عين ) وكان يقول في استفتاح كل خطبة ( نعوذ بالله من شرور أنفسنا ..). فهل تفكرت في محل النفس منك في جميع درجاتها أم أنّك غافل عنها ناسي لها كما غفل عنها إبليس من قبل والسامري
قال تعالى ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ). أنظر كيف أشار لك صريحا إلى حقيقة واضجة وذلك كون وسوسة النفس تزاحم في درجتها الأولى توحيد الله تعالى فكأنه سبحانه يشير في هذه الآية أنّ النفس قد توسوس لصاحبها بما يخلّ بالتوحيد لذا أثبت وبيّن وجوده سبحانه في مرتبة أقرب من نفسك إليك كي يحفظك من خطرات دعوى الألوهية لأنّ مشهد القوّة والعزّة الذي يشهده الإنسان وهو في أوج سطوته وجبروته سواء في الظاهر بذكر ( الأنا )كما حصل لفرعون القائل ( أنا ربكم الأعلى ) أو النمرود القائل ( أنا أحيي وأميت ) أو في الباطن كإبليس لعنه الله تعالى القائل ( أنا خير منه ) قال تعالى ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ). لهذا ترى مظاهر طغيان جبابرة الظاهر كفرعون والنمرود ومن سار على خطاهم من قبلهم ومن بعدهم كهتلر وموسليني ومن سار في ركبهم من حكام المسلمين كالقذافي القائل ( معمر شيء مقدس معمر هو المجد ....) أو جبابرة غيرهم كقولهم ( لا إله إلا فلان أو علاّن ) فهذا طغيان وهو أعلى من الكفر لذا قال تعالى لسيدنا موسى عليه السلام وأخيه هارون عليه السلام ( اذهبا إلى فرعون إنه طغى ) فالمراد والمقصود طغيان فرعون لا مجرد كفره لأن مجرد الكفر لا يستوجب مقاتلة صاحبه وإنّما تتحتّم المقاتلة عندما يستأثر الطاغية بحمل الناس على الكفر بالله تعالى والإيمان به كما قال تعالى في قصة فرعون ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي ). لذا قال تعالى في الوالدين ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) رغم أنّ طاعتهما واجبة بالنصّ الشرعي لذا ورد لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق لأنّ الذي يأمرك بشرك أو كفر أو يعينك على معصية أو يزيّنها لك هو شيطان من الإنس في حقيقته لذا قرن الإمام البوصيري رضي الله عنه بين النفس والشيطان في قصيدته البردة في قوله ( وخالف النفس والشيطان واعصهما --- وإن هما محّضاك النصح فاتهم ). لأنّ الشيطان لا يدخل عليك إلاّ من باب نفسك الأمارة بالسوء فمتى جاهدت نفسك ولم تتبع هواها فقد فرّقت فيما بينها وبين الشيطان قرينها وتسلحت بعداوتها له كما قال تعالى ( إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) فحينما تتخذ نفسك الشيطان عدوّا فلا يمكنه بعد ذلك الدخول عليها من بابها فيكون الفراق فيما بينهما لكن غايته كونه يبقى مترصدا غفلتك عن نفسك كما قال تعالى ( وإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) وقال تعالى ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ). لذا قيل في طريق السلوك والمعرفة ( من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان ) كقول الشيخ عبد الواحد ابن عاشر رضي الله عنه في متنه المرشد المعين ( يتبع شيخا عارف المسالك --- ليقيه في طريقه المهالك ) أي مهالك النفس والشيطان لأنّ الشيطان متى انفرد بالنفس افترسها لهذا حفظ ساداتنا طريق الله تعالى بالأذون فقالوا المأذون مأمون أي مأمون من تسلط النفس والشيطان أما غير المأذون فلا أمن ولا أمان له كالسامري لما قال له موسى عليه السلام ( قال فما خطبك يا سامري ) أي ما الذي حملك على فعل ما فعلته ومن آذنك في ذلك العمل. لذا قال تعالى من حيث الإذن للصحابة الكرام رضوان الله عليهم من حيث الإذن العام قوله تعالى ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) ومن حيث الإذن الخاص قال تعالى ( إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ). فكان هناك الإذن العام وهو الإذن النبوي العام في عالم التشريع من حيث الرسالة والأحكام في ركن الإسلام والإيمان أمّا في ركن الإحسان فتعين الإذن الخاص زيادة على الإذن العام لأنّ الشيطان توعّد بالقعود في صراط الله المستقيم الذي هو طريق السالكين الى حقيقة العبودية التي تثمر معرفة الله تعالى لهذا جرى سند التربية والإشراف المباشر من قبل الأولياء المرشدين على تربية المريدين والتلاميذ لأنّهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلّم في هذا المجال كما قال تعالى ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّه عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّه وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ). فهو صلى الله عليه وسلّم يدعو الى الله على بصيرة هو ومن اتبعه من أهل المحبّة ( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) إشارة الى أنّ أهل الاتباع علامتهم المحبة التي تفضي الى التوحيد الحق والإيمان الصدق لذا قال مشيرا إليك كي تفهم عنه ( وسبحان الله وما أنا من المشركين ) أي لا أدلّك على غيره سبحانه فلا أشرك به غيره ولا أشرك نفسي به معه في دلالتك عليه لأنّ طغيان أهل الباطن كإبليس لعنه الله تعالى قد يفوق طغيان أهل الظاهر كفرعون لهذا مات فرعون وهلك بينما سأل إبليس لعنه الله تعالى في قوله ( أنظرني إلى يوم يبعثون ) وكالسامري في طغيانه أمّا الدجال في آخر الزمان فسيجسد الإله في شخصه وهذا نهاية الطغيان. لهذا لم تكن فتنة أعظم عبر التاريخ الإنساني من فتنته فما من نبي إلا وحذّر أمته من الدجال الأعور الذي قال كثير من العلماء كونه السامري وهذا القول أميل إليه العبد الفقير وأرجّحه والله تعالى أعلم بغيبه لأننا سنفصّل في هذا المكتوب إن شاء الله تعالى أحوال نفس الدجال وتسويلاتها وتلبيساتها لأنها تلبيسات نفس تحت ذريعة الكشف وهذا خطير ومن هنا صحّ تبيين مقامات الكشف الصحيح ودرجاته ومنزلته من العلم الإلهي ولو كان كشفا نبويا ثمّ ذكر الفرق بين كشف أهل النور كالملائكة وبين كشف أهل السرّ كالأنبياء والمرسلين عليهم السلام وذكر الفروق بين كشوفات الأولياء ثم الختام بقول الله تعالى على مجمل الإطلاق ( لا يعلم الغيب إلا الله ) لذا قال عليه الصلاة والسلام ( والله ما أعلم إلاّ ما علمني ربي ) كما قالت الملائكة ( لا علم لنا إلا ما علمتنا ). فإذا علمت هذا وتدبرته تدرك لا محالة خطر النفس البشرية في مختلف عقباتها ومن هنا علّمنا الله تعالى ودلّنا كما بيّن لنا معرفة سبل مجاهدة هذه النفس في مراتبها وسياستها بغاية ارجاعها إلى طريق الله المستقيم لأنها السبب الأوّل في خروج آدم من الجنّة بعد أن استمعت نفسه الى نصح إبليس لعنه الله تعالى بالأكل من الشجرة فدب فيها حال الحرص على الخلود في الجنّة لهذا بعث رسله وأنبيائه ثمّ أردفهم بأحبابه من أوليائه كما ورد في الحديث ( العلماء ورثة الأنبياء ... الحديث ) وكما قيل ( الشيخ بين مريديه كالنبي في قومه ) فجاؤوا بالهدى من عند الله تعالى وتلوه على الناس كما قال تعالى ( يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم ) فهذا الحقّ جاء لتزكية الأنفس والعروج بها الى معرفة الله تعالى قال تعالى ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ). فعلم تزكية النفوس هو أوّل علم وآخر علم قُصد من طريق التصوّف لذاته فعلامة الصوفي وبرهانه الساطع هو العمل على تزكية نفسه والظفر بها فجميع الثمار التي يجنيها المريد في طريق تطهير إيمانه المعبّر عنه بعلم السلوك كالأنوار والمعارف والعلوم والمقامات إنما هي نتائج التزكية وتطهير النفس فكلما جاهدت نفسك في مقام انتقلت الى مقام أعلى وأرقى ( وأن الى ربّك المنتهى ) قال تعالى ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ) فلم يبق لها تطلّعا إلى غيره سبحانه. فهي في رجوع دائم كلّما زلّت أو أخطأت كما قال سيدنا آدم من قبل ( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) وكما قال يونس عليه السلام من قبل ( فنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) فهذا حال الأنفس الشريفة فما بالك بالأنفس الخسيسة التي تتكبر على خلق الله تعالى وتصول وتجول بإسم الدين بل يا عجبي كيف يدعو أناس الخلق ويدلونه على الله تعالى ولا خبر لهم عن نفوسهم التي لم يزكوها ولا طرفة عين ... نبدأ إن شاء الله تعالى بعد هذا في ذكر متفرقات من أمراض النفوس وحضراتها التي تنشأ منها في كلّ مقام الى أن نصل إلى مقامات السالكين الذين عبدوا الله تعالى وتوجهوا إليهم مريدين تحقيق أغراضهم النفسية وميولاتهم الخفية أو الذين مكثوا في علل الأعمال وعلل الأحوال وعلل المقامات فركنوا الى المطالب الدنية والهمم السفلية ... أو تقول جهل ركن الإسلام وجهل ركن الإيمان وجهل ركن الإحسان فأنت في علاقتك مع شيخك أيها المريد على ثلاثة طرق وأوجه علاقة في مرتبة الإسلام تستوجب الخدمة ( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ) وعلاقة في مرتبة الإيمان ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ ) تستوجب المحبة وعلاقة في مرتبة الإحسان تستوجب الطاعة ( أَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ). قال تعالى ( ونَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )
الكلمات المفتاحية :
التربية و السلوك
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: