حال المحبة
المحبة |
المحبَّة هي الرغبة في شئ معيّن والتطّلع إليه ووجود لذة عن الظفر به، وحال المحبّة أن يكون الإنسان في حالة توتُّر وشوق، لا يرتاح له بال، ولا تهدأ له نفس حتى يجد ما يحبَّ.
أما الطوسي فيقول: فأمَّا حال المحبّة فقد ذكر الله تعالى المحبّة في مواضع من كتابه فذكر في ايات محبته قبل محبتهم، وفي ايات ذكر محبتهم له ومحبته لهم، وفي اية ذكر محبتهم له.
وحال المحبّة: "لعبد نظر بعينه إلى ما أنعم اله عليه، ونظر بقلبه إلى قرب الله تعالى منه، وعنايته به وحفظه وكلاءته له، فنظر بإيمانه وحقيقة يقينه إلى ما سبق له من الله تعالى في العناية والهداية وقديم حبّ الله له، فأحبّ الله عزّ وجلّ.
وأهل المحبَّة كما يقول الطوسي في اللمع على ثلاثة أحوال:
فالحال الأول من المحبة: محبة العامة، ويتولَّد ذلك من إحساس الله تعالى إليهم وعطفه عليهم.
وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: "جُبِلَت القلوب على حبّ من أحسن إليها، وبُغضِ من أساءَ إليها".
وهذا الحال من المحبّة شرطها ما أجاب به سمنون، رحمه الله عن المحبّة فقال: "صفاء الودّ مع دوام الذكر، لأن من أحبّ شيئاً أكثر من ذكره".
وسئل الحسن بن علي رضى الله عنه عن المحبّة فقال: بذل المجهود والحبيب يفعل ما يشاء.
وكما قال القائل:
لو كان حبًّك صادقاً لاطعته *** إن المُحِب مطيعُ لمن يحب
والحال الثاني من المحبة، يتولّد من نظر القلب إلى غ ناء الله وجلاله وعظمته وعلمه وقدرته، وهو حبّ الصادقين والمتحقّقين.
وشروطها ووصفها كما حُكِيَ عن أبي الحسين الثوري، رحمه الله أنه سئل عن المحبّة فقال: هتك الأستار وكشف الأسرار".
وأمّا الحال الثالث من المحبّة فهو محبّة الصدّيقين والعارفين، تولَّدت من نظرهم ومعرفتهم بقديم حبّ الله تعالى بلا علّة، فكذلك أحبوه بلا علّة.
ذكر ابن القيّم أقوالاً فيها معانٍ تلزم من مفهوم الحبّة، وتُلقي الضوء على معناها فقال: يلزم من المحبّة إيثار المحبوب على جميع المصحوب. وقال: يلزم من المحبّة الموافقة لمرادات المحبوب وأوامره ومرضاته: وقال: إن من موجباتها أن المُحبّ الصادق لو بذل لمحبوبه جميع ما يقدر عليه لاستقلّه واستحى منه، ولو نال من محبوبه أيسر شئ لاستكثره واستعظمه، وكذلك من لوازم المحبّة أن تمحو من القلب ما سوى المحبوب، وأضاف أن لوازمها أن لا يؤثر على المحبوب غيره، وأن لا يتولّى أُموره غيره، ومنها الدخول تحت رِّق المحبوب وعبوديَّته والحرية من الاسترقاق لما سواه.
والإنسان قد يحبّ ويرغب في أشياء مختلفة، وقد يتركّز حبُّه في شئ واحد حتى لا يتبقى غيره، يقول حسن عبد الله زروق، ولقد حاولت في كتابي (قضايا التصوّف الإسلامي) أن أُعطي قائمة طويلة للأشياء التي يمكن أن يُحبّها الإنسان، أذكُر منها: محبة الإنسان للمال والثروة والنكاح والطعام والشراب، والمجد والشهوة والمكانة الاجتماعية، وحبّه للرسول وصحبه، وحبّه لله سبحانه وتعالى.
إن المفاضلة بين هذه الأشياء وتحديد أيّها أولى بالمحبّة يعتمد كما ذكر الغزالي على خصائص الشئ المحبوب، فقال: إن الشئ يحسن إذا اتّصف بخصائص معينة، وإن كل شئ حسن له خصائص تخصّه وتجعله حسناً، وهذه الخصائص تمثّل كماله اللائق به، فلا يحسن الإنسان بما يحسن به الفرس، ولا يحسن الخط بما يحسن به الصوت، وقال: إن لذّة العلم بالنحو والشعر ليست كلذّة العلم بالله وصفاته وملائكته وملكوت السموات والأرض، بل لذّة العلم بقدر شرف العلم، وشرف العلم بقدر المعلوم. وقال: إن أهم المعارف وأشرفها معرفة أشرف وأجمل وأكمل وأعظم موجود، وليس هنالك أشرف من خالق الأشياء، وهو الله.
المطلوب في الدين حبّ الله ورسوله، وآل بيته، وحب الاتقياء والأولياء والصالحين وأخوة الدين، والحبّ المستحسن هو حبّ العبادة والذكر وحبّ الخير والعمل الصالح وحبّ ما وعد الله من النعيم المُقيم، ولا يلزم من حبّ الله ورسوله أو كليهما الزهد فيما سواهما، ولكن يلزم أن يكون أحبّ الأشياء إلى المؤمن الله وسوله ثم أخوة الدين، ثم يأتي حبّه للحلال من متاع الدنيا، ولكن إذا خُيَّر بين محبّة الله ورسوله، ونيل رضا الله وبين متاع الدنيا، فينبغي أن يختار محبَّة الله ورسوله. يقول الرسول : "لا يؤمن أحدُكم حتى أكونَ أحبّ إليه من أهله وماله والناس أجمعين".
وقد ظهر أخيراً نوعَّ من الحب يسمى بالحب الإلهي، ولقد عرفت به رابعة العدويَّة، من ذلك قولها:
أُحــبك حــــبّين الــهـــوى *** وحـبّ لأنـــّك أهــلٌ لـــذاكَ
فـــأمّــا الـذي هــو الهوى *** فذكر شُغِلتُ به عمّن سواكَ
وأمّـــا الــذي أنت أهل له *** فكشفُك للحــجب حتى أراكَ
فما الحمد في ذا وذاك لي *** ولكن لك الحمد في ذا وذاكَ
وهنا قالت رابعة: "إن حبّ الله شغلها عن حبّ سواه، وبذلك تضمن حبّها معاني مستحدثة، وأنّه لأمرٌ طبيعي أن يكون حبّ المؤمن لله أقوى وأعظم حبّ بالمقارنة لحبّه لغيره، لما يتّصف به من صفات الكمال والجلال والجمال والعظمة والقوة والعدل وغيرها ممن الصفات، ولكن هذا لا يعني أن لا نحبّ غيره أي أن لا نحبّ رسوله أو المؤمنين، أمّا إذا كان حال رابعة غلب عليها وليس بإرادتها، فلا جناح عليها وأمرها إلى الله تعالى "والله أعلم".
الكلمات المفتاحية :
احوال الصوفية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: