الفردانية 1
الفردانية |
الجامع عليه فهو خارج دائرة القطب الأعظم في كلّ زمان , وعليه فيكون خارج الكون بأسره بسرّه فلا سلطة لعالم الأسماء عليه ولنا من القرآن في هذا مشهد سيدنا الخضر عليه السلام فقد كان فردا وكان موسى هو القطب الفرد الغوث الجامع مع ما كان عليه في نبوّته ومقامها لأنّ مقام النبوّة أعلى من مقام القطبانية لذا فلا يتجاوز أحد من أهل الولاية الأنبياء والمرسلين في مقاماتهم أبدا , فالنبوّة مقامها مصون لتعلّقها بعالم الحقائق الكبرى. فكانت قصّة موسى مع الخضر عليهما السلام من حيث قطبانية موسى التي هي من أحكام رسالته متى علمت أنّ قطبانية الرسول ليست هي مثل قطبانية الوليّ فالنبيّ قطبانيته أسمائية ذاتية , والوليّ قطبانيته صفاتية ذاتية ( إلاّ ما كان من أمر الخلفاء أو مهدي آخر الزمان فإنّه يخرج في حلية القطبانية الأسمائية المحمّدية فهي قطبانية محمّدية لذا ينزل عيسى في قطبانية الولاية فيصلّي خلف القطبانية المحمدية ). إلاّ أنّ الرسول أو النبيّ وكذلك الوليّ يجتمعان في الذات وهي العبودية فهذا نبيّ وهذا وليّ فدرجة القطب الوليّ أدنى من درجة القطب النبيّ لذا تجد من دلالات الإصطلاحات عجائب وتدقيقا كبيرا , فليس مصطلح النبي هو نفسه كمصطلح الرسول في الحقائق ولا مصطلح النبي كمصطح الولي , لذا منع سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا المصطلح عن سيّدنا علي رضي الله عنه لما قال له ( .... إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ) فلو كان هناك نبيّ بعده لاختلّ العلم وفسدت الحقائق لأنّه عليه الصلاة والسلام لا يجب أن يكون بعده إلاّ يوم القيامة ذلك اليوم الصفاتي ...( فافهم ). وإنّما قلنا هذا حتى لا يتسرّب إلى الذهن أنّ الخضر كان قطبا بل كان فردا من الأفراد لذا كان خارجا عن نظر القطب الذي هو موسى من حيث قطبانيته لأنّ جواب موسى لمّا سألوه ( أهناك من هو أعلم منك على وجه الاٍرض فقال : لا ) فهي إشارة صريحة إلى قطبانية موسى على لسان موسى عليه السلام متى علمت أنّ القطبانية هي الكتاب الجامع الذي آتاه الله إيّاه لذا ردّه إلى مصاحبة الفرد وهو الخضر كي تعرّف المقامات في القرآن بما أنّه الكتاب الجامع ( ما فرّطنا في الكتاب من شيء ) لتعلم أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام نال وأحاط بالمقامات كلّها ) فلم يجمعها غيره لا من الأنبياء والمرسلين ولا من دونهم. فكان الفرد خارجا عن نظر القطب فكان ضرورة خارجا عن الكون متى علمت أنّ نظر القطب هو الكون بأسره ثمّ إذا كان الفرد خارجا عن نظر القطب فما بالك بنظر غيره ممن دونه فما بالك بنظر إبليس لعنه الله في هذا الحالة , فصارت حرب الشيطان لآدم من حيث القطبانية في الوجود التي هي التصريف. لذا سلب إبليس لعنه الله تعالى فانقلب تصريفه الذي آتاه الله إيّاه إلى علوم سحر واستدراج كما انقلب علوم السامري إلى علوم نفس التي هي مظنّة الشرك لذا يدّعي الدجال الألوهية لأنّه في أوحال النفس قائما لا خروج له من ذلك أبدا , ثمّ بقي أن نفصّل إن شاء الله تعالى علوم الفردانية ( التي ذكرت منها طرفا ماضيا ) ومقاماتها وأحوالها ودرجاتها ... تشبّها بالقوم ومحبّة لهم ليس إلاّ ...
قال القوم : الفرد يكون أعلى من القطب في العلم بالله تعالى لا بقية العلوم ونعني هنا القطب والفرد من غير الرسل والأنبياء فقد كان موسى قطبا لكنه أعلم بالله تعالى من الخضر وقد كان فردا لكون المقارنة لا تصحّ إلاّ بين متجانسين ( فافهم ) وقد يكون القطب فردا من الأفراد كما بيّنه ساداتنا الأولياء رضي الله عنهم. فالسؤال المطروح : من عَلِمَ بأنّ الفرد أعلى من القطب في درجة العلم بالله هل القطب نفسه أم الفرد أخبر عن نفسه ثمّ كيف عرف كلّ واحد منهما هل علم القطب ذلك بتعريف إلهي لوجود علامة أو علم ذلك في نفس القطب ثمّ كيف علم الفرد أنّه أعلم من القطب في تلك الخصوصية الخاصّة به. فالجواب من نواحي : منها أنّ القطب يعلم أنّ الأفراد خارجون عن حكمه فلا سلطة له عليهم وأنّ هذا الخروج عن حكمه لا يمكن أن يكون إلاّ لخصوصية العلم الخارج عن دائرته. فلو لا تحقق الإنفراد بخصوصية علم أختصّ به الفرد لما كان خرج عن حكم القطب , ومنها علم الفرد بنفسه أنّه خارج عن دائرة القطب فلا سلطة للقطب عليه فأضحى إستمداد الفرد خارج عن نظر القطب فأضحى كلّ واحد منهما مستقلّ عن الآخر وهذا ماقاله الخضر لموسى عليهما السلام في قوله فيما معناه ( لقد أتاني الله علما لم يؤتكه وأتاك الله علما لم يؤتنيه ). لكن الأسبقية للفرد في هذا العلم الخاص به فمتى ذهب القطب الى الفرد تتلمذ له ومتى رجع الفرد إلى حكم القطب تتلمذ عليه وإنّما قلنا بأنّ القطب يعلم ذلك بتعريف إلهي وكذلك الفرد بما يستدلّ عليه من قصّة موسى مع الخضر فإنّه عرِّف بما عليه الخضر من علم بتعريف إلهي فقصد نحوه بإرادة التعلّم منه لذا تتلمذ له منذ البداية بسبب ما تمّ من التعريف لموسى بأنّ هناك عبدا من عباد الله تعالى أعلم منه في زمنه ( لخصوصية علم اختص بها الفرد ). وإنّما في ذلك المشهد الموسوي الخضري لا حكم فيه لرسالة موسى لأنّ متعلّق الرسالة والأحكام بعالم الأسماء لأنّ علوم القطب هي علوم أسمائية ذاتية وهي علوم الإحاطة الأسمائية إلاّ أنّ الفرد لمّا كان خارجا عن الكون كان خارجا عن حكم الأسماء الإلهية الخاصة بالقطب والتي بها وقع السجود لآدم وهذا كما قلنا ورد تعيينه في الحديث النبوي الخاص بعلوم الأسماء وهو قوله عليه الصلاة والسلام ( أسالك بكل اسم هو لك .. سميت به نفسك أو أنزلته فى كتابك أو علمته أحد من خلقك أو استأثرت به فى علم الغيب عندك ). فكانت الأسماء التي أنزلها الله تعالى في الكتاب هي غير الأسماء التي علّمها أحدا من خلقه وهي غير الأسماء التي إستأثر بها في علم الغيب عنده لذا فإنّ الله تعالى لم يعلّم آدم جميع الأسماء الإلهية بل علّمه أسماء كلّ شيء هكذا فسّرها بن عباس وغيره رضي الله عنه بدليل قوله تعالى: ( وقلنا يا آدم آنبئهم بأسمائهم ). فدلّ على أنّها أسماء الملائكة في هذا المقام وإنّما فسّر المفسّرون قوله تعالى: ( الأسماء كلّها ). بقولهم : هي أسماء كلّ شيء لأنّ الله تعالى يقول: ( ما فرّطنا في الكتاب من شيء ). فهذا مقام القطب الأعظم في الوجود من حيث أنّه صاحب الكتاب الذي ما فرّط الله فيه من شيء ولكن حديثنا هنا ليس عن الشيء الذي ما فرّط فيه الكتاب وإنّما عن خالق هذا الشيء ومنزّل ذلك الكتاب من حيث أسمائه تعالى فهذا أمر خارج الأكوان متى علمت أنّ الأسماء الإلهية المتعلّقة بالأكوان هي الأسماء التي أنزلها في كتابه وبها يتصرّف القطب من حيث علوم كثيرة كعلم القضاء والقدر وعلم الحكمة وعلم الإرادة ..إلخ. لذا قال عليه الصلاة والسلام في هذا المقام ( إنّما أنا قاسم والله هو المعطي ) فهو من جنود الله في هذه الوظيفة أو تقول هو رئيس جنود الله تعالى فينزل الأمر عليه ثمّ منه إلى غيره كالقرآن فهو ينزل على النبي صلى الله عليه وسلّم ثمّ منه إلى غيره فمن وقف مع القطب أشرك به فقال هذا القرآن من عند محمد ومن تجاوز إلى الحقيقة علم أنّ ذلك القرآن نزل من عند الله وما محمد إلاّ رسول وهكذا الأقطاب ما هم إلاّ جنود الله تعالى أقامهم الله تعالى في ظائفهم فلا ينفعون أو يضرّون إلاّ بشيء قد كتبه الله تعالى لك أو عليك , وإنّما كان لا بدّ من وجود أسماء إلهية أخرى خارج عن حكم القطب فلتعلّقها بالذات الإلهية ولا علاقة لها بالأكوان وإنّما قد يشتبه أنّ الإسم مجاله حسّي وهو أمر كوني فكيف يكون هذا متى حكمنا أنّ الفرد خارج حكم الكون. فالجواب على هذا : أنّ الفرد هو مخلوق في حقيقته فلا بدّ له من إسم يذكر به ربّه حتّى لا يكون المخلوق عين الخالق من جهة حقيقة الخالق من حيث أن لا تكون الصفة هي الذات فاستوجب أن يكون هناك إسما إلهيا في جميع المراتب حتى يفصل بين الصفة والموصوف بها كي لا ترجع الصفة عين الموصوف بها أي ترجع الصفات هي الذات فيتمّ عبادة الصفات فيقع الناس في الشرك كما وقعت النصارى في الشرك وذلك لكونهم جعلوا الصفة هي الذات وكذلك ما كان من أمر المشركين فقد ظنّوا أنّ الصفات هي عين الذات , فأقرّوا بوجود الذات مجرّدة عن الأسماء والصفات فوقعوا في الشرك. فإنّك متى جعلت الصفة عين الذات فقد فصلت ولا بدّ الصفة عن الذات فعبدت الصفة , فمن جعل الصفة هي عين الذات فقد فصل الصفة عن الذات فعبدها لذا قال ساداتنا الاشاعرة أنّ الصفة ليست هي الذات وليست هي غير الذات ( انظر تحقيقهم ) كي تعلم لماذا وافق الأولياء على هذه العقيدة السنيّة التي هي الحقّ المبين بخلاف غيرهم كالمجسّمة فإنّهم جسّدوا وشبّهوا لعدم تحقيقهم في مجال الصفات فجعلوا الصفات هي عين الأسماء فكان الربّ في نظرهم له أحكام معاني البشر. فلمّا كان الفرد لا بدّ له من إسم يذكر به وبه يعرف ربّه إذ أنّ الإسم لا يدلّ إلاّ على مسمّاه خرج من هذه الحيثية عن الأسماء المتعلّقة بالأكوان , فإنّ الملائكة لما استغربوا وتعجبوا من أمر الخلافة كان تساؤلهم عن القطبانية في الوجود فإنّهم لم يفهمونها ولا فهمها إبليس لعنه الله تعالى أيضا لذا بيّنها الله تعالى لهم في قوله ( إنّي جاعل في الأرض خليفة ) فلمّا قالوا ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ). قال الله تعالى لهم ( إنّي أعلم ما لا تعلمون ) أي أنّ لكم الحقّ في التعبير عن علمكم هذا ولكن هناك علما آخر أعلى وأشمل وأكمل من هذا ولكن لا يمكن ظهور هذا العلم إلاّ في غيره لذا قال تعالى فيما بين الآيات ( وعلّم آدم الأسماء كلّها ) لأنّ علوم الأسماء يجب أن تظهر في عالم كوني الذي هو آدم فلا يعبّر عنها ولا يترجمها إلاّ المخلوق الخليفة الذي هو آدم لذا لم ينبّئهم بها الله تعالى بل أنطق آدم كي يترجمها على لسانه لأنّ هذا العلم الذي هو علم الأسماء لا بدّ أن يترجمه صاحبه الذي لا بدّ أن يكون مخلوقا وأنت تعلم أنّ الله تعالى خالق فصحّ أن المترجم لها هو الله تعالى على لسان عبده فلا بدّ من هذا الأمر لأنّ علم الأسماء بالنسبة للملائكة هو عالم غيبي كعالم الصفات عندنا فهو عالم غيبي فردّهم من الغيب إلى الشهادة كما ردّنا نحن من عالم الشهادة إلى عالم الغيب لذا لمّا سألهم بقوله تعالى: ( فأنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ). أي صادقين في قولكم ولم يقل لهم " عالمين" لأنّ علمهم تكلّموا به فما قارعهم عليه بل سلّمه لهم في قوله: ( قال إنّي أعلم ما لا تعلمون ). فعاتبهم هنا في مقام الصدق وليس في مقام العلم لأنّ السياق يعطي أن يقول لهم بعد أن سألهم:" فأنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم عالمين " وليس صادقين فما دخل الصدق في هذه الحالة في العلم ونحن وغيرنا لا نعتقد أنّ الملائكة في قولهم ذلك غير صادقين بل هم صدقوا فيما علموه من جهة كشفهم وإنّما قارعهم بالصدق لأنّ صدقكم السابق ليس هو بصدق كامل لأنّ الصدق الكامل يتبع العلم الكامل فكيفما كان علمك كان صدقك في طريق الله تعالى فحيثما وصل الصدق وصل العلم وحيثما وصل العلم وصل الصدق لأنّ المقامات لا تفترق فهذا حذو هذا فمثلا كيفما كان إخلاصك كان في مرتبته صدقك وكيفما كان كرمك في مرتبته يكون علمك وكفيما كانت توبتك تكون تقوتك وكيفما تكون رحمتك يكون صفاؤك وهكذا. فإنّ المقامات تتوازى وتصطحب في طريق الله تعالى وإنّما قارعهم وأسكتهم بطلب الصدق أي أنّ علمهم ناقص فكذلك لا بدّ أن يكون صدقكم ناقص لنقص علمكم , فمثلا متى علمت مستوى علمك تعلم في نفسك مستوى صدقك وكذلك في كلّ مقام وقائد ذلك وعلامته في كلّ الأحوال هو علمك لأنّ العلم هو الدليل وأنت السائر وراءه وهذا ما طلبه موسى فلو لا العلم ما سار وراء الخضر واتّبعه فتنقص مقاماتك بنقص علمك فكيف متى علمت قول الله تعالى: ( وما أؤتيتم من العلم إلاّ قليلا ) أم أنّك حسبت أن تتجرّأ على الله تعالى فتظنّ أنّ علمك يصل إلى مستوى علمه وأنّ صدقك يصل إلى مستوى صدقه أو أنّ رحمتك تصل إلى مستور رحمته ...وهكذا في جميع المقامات , فقوله ( إن كنتم من الصادقين ) فيه تنبيه على صدق الله تعالى ..
الكلمات المفتاحية :
التربية و السلوك
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: