الفقه الحنبلي - سجود السهو
(فصل) ولا يشرع سجود السهو في صلاة الجنازة لانها لا سجود في صلبها ففي جبرها أولى ولا في سجود تلاوة لانه لو شرع كان الجبر زائدا على الاصل ولا في سجود السهو، نص عليه أحمد ولانه اجماع حكاه اسحاق لانه يفضي إلى التسلسل، ولو
سها بعد سجود السهو لم يسجد لذلك والله أعلم (مسألة) (فمتى زاد فعلا من جنس الصلاة قياما أو قعودا أو ركوعا أو سجودا عمدا بطلت الصلاة، وإن كان سهوا سجد له) الزيادة في الصلاة تنقسم إلى قسمين، زيادة أقوال وزيادة أفعال وزيادة الافعال تتنوع نوعين (أحدهما) زيادة من جنس الصلاه مثل أن يقوم في موضع جلوس أو يجلس في موضع قيام أو يزيد ركعة أو ركنا، فان فعله عمدا بطلت صلاته اجماعا، وإن كان سهوا سجد له قليلا كان أو كثيرا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين " رواه مسلم (مسألة) (فان زاد ركعة فلم يعلم حتى فرغ منها سجد لها) لما روى عبد الله بن مسعود قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا فلما انفتل توشوش القوم بينهم فقال " ما شأنكم " قالوا يا رسول الله هل زيد في الصلاة؟ قال " لا " قالوا فانك صليت خمسا فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم ثم قال " انما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين " وفي رواية قال " انما أنا بشر أذكر كما تذكرون، وأنسى كما تنسون " ثم سجد سجدتي السهو، وفي روايه قال " إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين " رواه بطرقه مسلم
(مسألة) (وإن علم فيها جلس في الحال فتشهد إن لم يكن تشهد وسجد وسلم) متى قام إلى خامسة في الرباعية أو إلى رابعة في المغرب أو إلى الثالثة في الصبح لزمه الرجوع متى ذكر ويجلس فان كان قد تشهد عقيب الركعة التي تمت بها صلاته سجد للسهو ثم، وإن كان تشهد ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه ثم سجد للسهو وسلم، وإن لم يكن تشهد تشهد وسجد للسهو ثم سلم وإن لم يذكر حتى فرغ من الصلاة سجد عقيب ذكره وتشهد وسلم وصحت صلاته، وبهذا قال علقمة والحسن وعطاء والزهري والنخعي ومالك والشافعي واسحاق.
وقال أبو حنيفة: إن ذكر قبل أن يسجد جلس للتشهد، وإن ذكر بعد السجود وكان جلس عقيب الرابعة قدر التشهد صحت صلاته ويضيف إلى الزيادة أخرى لتكون نافلة.
وإن لم يكن جلس بطل فرضه وصارت صلاته نافلة ولزمه إعادة الصلاة، ونحو قال حماد بن أبي سليمان، وقال قتادة والاوزاعي فيمن صلى المغرب أربعا: يضيف إليها أخرى فتكون الركعتان تطوعا لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد " فان كان صلى خمسا شفعن له صلاته " رواه مسلم ولنا حديث عبد الله بن مسعود الذي تقدم والظاهر منه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجلس عقيب الرابعة لان الظاهر أنه لو فعله لنقل، ولانه قام إلى الخامسة يعتقد أنه قام عن ثالثة لم تبطل صلاته بذلك ولم يضف إلى الخامسة أخرى.
وحديث أبي سعيد حجة عليهم أيضا لانه جعل الزيادة
نافلة من غير أن يفصل بينها وبين التي قبلها بجلوس وجعل السجدتين يشفعها بها ولم يضم إليها ركعة أخرى وهذا كله يخالف ما قالوه فقد خالفوا الخبرين جميعا (فصل) ولو قام إلى الثالثة في صلاة الليل فهو كما لو قام إلى ثالثة في الفجر نص عليه أحمد، وقال مالك: يتمها أربعا ويسجد للسهو في الليل والنهار وهو قول الشافعي بالعراق.
وقال الاوزاعي في صلاة النهار كقوله وفي صلاة الليل إن ذكر قبل ركوعه في الثالثة كقولنا وإن ذكر قبل ركوعه كقول مالك ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل مثنى مثنى " ولانها صلاة شرعت ركعتين أشبهت صلاة الفجر، فأما صلاة النهار فيتمها أربعا
(فصل) إذا جلس للتشهد في غير موضعه قدر جلسة الاستراحة فقال القاضي: يلزمه السجود سواء قلنا باستحباب جلسة الاستراحة أو لم نقل لانه لم يردها بجلوسه انما أراد التشهد سهوا.
قال الشيخ ويحتمل أن لا يلزمه لانه فعل لا يبطل عمده صلاة فلم يسجد لسهوه كالعمل اليسير من غير جنس الصلاة (مسألة) (وإن سبح به اثنان لزمه الرجوع) متى سبح به اثنان يثق بقولهما لزمه الرجوع إليه سواء غلب على ظنه صواب قولهما أو خلافه.
وقال الشافعي: ان غلب على ظنه خطؤهما لم يعمل بقولهما ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى قول أبي بكر وعمر في حديث ذي اليدين حين سألهما " أحق ما يقول ذو اليدين؟ " قالا نعم.
ولان النبي صلى الله عليه وسلم أمر المأمومين بالتسبيح ليذكروا
الامام ويعمل بقولهم.
وقال في حديث ابن مسعود " فإذا نسيت فذكروني ".
فأما إن كان الامام على يقين من صواب نفسه لم يجز له متابعتهم، وقال أبو الخطاب: يلزمه الرجوع كالحاكم يحكم بالشاهدين ويترك يقين نفسه، قال شيخنا: وليس بصحيح لانه علم خطأهم فلا يتبعهم في الخطأ، وكذا نقول في الشاهدين متى علم الحاكم كذبهما لم يجز له الحكم بقولهما لعلمه أنهما شاهدا زور، ولا يحل الحكم بقول الزور لان العدالة اعتبرت في الشهادة ليغلب على الظن صدق الشهود وردت شهادة غيرهم لعدم ذلك فمع يقين الكذب أولى أن لا يقبل (مسألة) (فان لم يرجع بطلت صلاته وصلاة من اتبعه عالما، وإن فارقه أو كان جاهلا لم تبطل) متى سبح المأموم بالامام فلم يرجع في موضع يلزمه الرجوع بطلت صلاته، نص عليه أحمد لانه ترك الواجب عمدا، وليس للمأمومين اتباعه لان صلاته باطلة، فان اتبعوه عالمين بتحريم ذلك بطلت صلاتهم لانهم تركوا الواجب عمدا، وإن فارقوه وسلموا صحت، وهذا اختيار الخلال لانهم فارقوه لعذر أشبه من فارق إمامه إذا سبقه الحدث، وذكر القاضي رواية ثانية: أنهم يتبعونه في القيام استحبابا، وذكر رواية ثالثة: أنهم ينتظرونه ليسلم بهم اختارها ابن حامد، والاول أولى لان الامام مخطئ في ترك متابعتهم فلا يجوز اتباعه على الخطأ، وإن كانوا جاهلين فصلاتهم صحيحة لان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تابعوه في الخامسة في حديث ابن مسعود ولم تبطل صلاتهم، وتابعوه أيضا في السلام
في حديث ذي اليدين (فصل) فان سبح به واحد لم يرجع إلى قوله إلا أن يغلب على ظنه فيعمل بغلبة ظنه لا بتسبيحه لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قول ذي اليدين وحده، وان سبح به فساق فكذلك لان قولهم غير مقبول وان افترق المأمومون طائفتين وافقه قوم وخالفه آخرون؟ سقط قولهم كالبينتين إذا تعارضتا ويحتمل أن يرجع إلى قول ما عنده (1) لانه قد عضده قول اثنين فترجح، ذكره القاضي ومتى لم يرجع وكان المأمومون على يقين من خطأ الامام لم يتابعوه لانهم انما يتابعونه في أفعال الصلاة وليس هذا منها إلا أنه ينبغي أن ينتظروه ههنا لان صلاته صحيحة لم تفسد بزيادته فينتظرونه كما ينتظرهم الامام في صلاة الخوف (مسألة) (والعمل المستكثر في العادة من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه ولا تبطل باليسير ولا يشرع له سجود) وجملته ان العمل ينقسم إلى عمل من جنس الصلاة وقد ذكرنا، وعمل من غير جنس الصلاة كالحك والمشي والتروح فهذا تبطل الصلاة بكثيره عمدا كان أو سهوا بالاجماع وان كان متفرقا لم تبطل لان النبي صلى الله عليه وسلم حمل امامة في الصلاة إذا قام حملها وإذا سجد وضعها وهذا لو اجتمع كان كثيرا، وان كان يسيرا لم يبطلها لما ذكرنا والمرجع في الكثير واليسير إلى العرف وقد ذكرناه فيما مضى ولا يشرع له سجود لانه لا يكاد تخلو منه صلاة ويشق التحرز عنه
__________
1) الظاهر ان كلمة (قول) زائدة من الناسخ
(مسألة) (وان أكل أو شرب عمدا بطلت صلاته، قل أو كثر، وان كان سهوا لم تبطل إذا كان يسيرا) إذا أكل أو شرب عامدا في الفرض بطلت صلاته لا نعلم فيه خلافا.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المصلي ممنوع من الاكل والشرب.
واجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من أكل أو شرب في صلاة الفرض عامدا أن عليه الاعادة، وان فعله في التطوع أبطله في الصحيح من المذهب، وهو قول أكثر الفقهاء، لان ما أبطل الفرض أبطل التطوع
كسائر المبطلات وعن أحمد: أنه لا يبطلها ويروى عن ابن الزبير وسعيد بن جبير أنهما شربا في التطوع وهذا قول اسحاق لانه عمل يسير اشبه غير الاكل، فأما ان كثر فانه يفسدها بغير خلاف لان غير الاكل من الاعمال يبطل الصلاة إذا كثر، فالاكل والشرب أولى، فان كان سهوا وكثر أبطل الصلاة أيضا بغير خلاف لما ذكرنا، وان كان يسيرا لم يبطل به الفرض ولا التطوع وهو قول عطاء والشافعي.
وقال الاوزاعي: يبطل الصلاة لانه فعل من غير جنس الصلاة يبطل عمده فابطل سهوه كالعمل الكثير.
ولنا عموم قوله عليه السلام " عفي لامتي عن الخطأ والنسيان " ولانه يسوي بين قليله وكثيره حال العمد فعفي عنه في الصلاة إذا كان سهوا كالعمل من جنسها (فصل) إذا ترك في فيه ما يذوب كالسكر فذاب منه شئ فابتعله أفسد الصلاة لانه أكل
وإن بقي بين أسنانه أو في فيه من بقايا الطعام يسير يجري به الريق فابتعله لم تبطل لانه يشق الاحتراز منه، وان ترك في فيه لقمة ولم يبتلعها كره لانه يشغله عن خشوع الصلاة، وعن الذكر والقراءة فيها ولا يبطلها لانه عمل يسير فهو كما لو أمسك شيئا في يده والله أعلم (مسألة) (وان أتى بقول مشروع في غير موضعه كالقراءة في السجود والقعود، والتشهد في القيام وقراءة السورة في الاخريين لم تبطل الصلاة بعمده) لانه مشروع في الصلاة ولا يجب السجود لسهوه لان عمده لا يبطل الصلاة فلم يجب السجود لسهوه كسائر مالا يبطل عمده الصلاة وهل يشرع؟ فيه روايتان (إحداهما) يشرع لعموم قوله عليه السلام " إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس " رواه مسلم (والثانية) لا يشرع لان عمده لا يبطل الصلاة فلم يشرع السجود لسهوه كترك سنن الافعال (فصل) فان أتى فيها بذكر أو دعاء لم يرد به الشرع فيها كقوله آمين رب العالمين وقوله في التكبير الله أكبر كبيرا ونحوه لم يشرع له سجود لانه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلا يقول في الصلاة الحمد لله حمدا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى فلم يأمره بالسجود (مسألة) (وان سلم قبل اتمام صلاته عمدا أبطلها لانه تكلم فيها عامدا، وإن كان سهوا ثم ذكر
قريبا أتهما وسجد، وإن طال الفصل أو تكلم لغير مصلحة الصلاة بطلت) وجملته أن من سلم قبل إتمام صلاته ساهيا ثم علم قبل طول الفصل ولم ينتقض وضوؤه فصلاته صحيحة لا تبطل بالسلام وعليه
أن يأتي بما بقي منها ثم يتشهد ويسلم ويسجد سجدتين ويتشهد ويسلم، فان لم يذكر حتى قام فعليه أن يجلس لينهض إلى الاتيان بما بقي عن جلوس لان هذا القيام واجب في الصلاة ولم يأت به لها فلزمه الاتيان به مع النية ولا نعلم في جواز الاتمام في حق من نسي ركعة فما زاد خلافا - والاصل في هذا ما روى ابن سيرين عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدى صلاتي العشاء قال ابن سرين: سماها لنا أبو هريرة ولكن أنا نسيت - فصلى ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فوضع يده عليها كأنه غضبان وشبك بين أصابعه ووضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من المسجد فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلماه وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال " لم أنس ولم تقصر " فقال " أكما يقول ذو اليدين " قالوا نعم، قال فتقدم فصلى ما ترك من صلاته ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر قال فربما سألوه ثم سلم قال: ثبت أن عمران بن حصين قال ثم سلم متفق عليه ورواه أبو داود وزاد قال: قلت فالتشهد؟ قال لم أسمع في التشهد وأحب إلي أن يتشهد.
وروى عمران بن حصين قال: سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام رجل بسيط اليدين فقال أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضبا فصلى الركعة التي كان ترك ثم سلم ثم سجد
سجدتي السهو ثم سلم.
رواه مسلم (فصل) فأما ان طال الفصل أو انتقض وضوءه استأنف الصلاة كذلك قال الشافعي، وإن ذكر قريبا مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذي اليدين ونحوه بنى.
وقال مالك نحوه.
وقال الليث ويحيى الانصاري والاوزاعي بنى ما لم ينتقض وضوءه.
ولنا انها صلاة واحدة فلم يجز بناء بعضها على بعض
مع طول الفصل كما لو انتقض وضوءه والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة ولاصحاب الشافعي في ذلك خلاف قد ذكرناه فيما إذا ترك ركنا في الباب قبله.
والصحيح أنه لا حد له إذ لم يرد بتحديده نص فيرجع فيه إلى العادة والمقاربة لمثل حال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين (فصل) فان لم يذكره حتى شرع في صلاة أخرى فان طال الفصل بطلت الاولى لما ذكرنا وإن لم يطل الفصل عاد إلى الاولى فأتمها وهذا قول الشافعي.
وقال الشيخ أبو الفرج في المبهج: يجعل ما شرع فيه من الصلاة الثانية تماما للاولى فيبني إحداهما على الاخرى ويصير وجود السلام كعدمه لانه سهو معذور فيه وسواء كان ما شرع فيه نفلا أو فرضا.
وقال الحسن وحماد بن أبي سليمان ان شرع في تطوع بطلت المكتوبة.
وقال مالك أحب إلي أن يبتدئها.
وروي عن أحمد مثل قول الحسن فانه قال في رواية أبي الحارث: إذا صلى ركعتين من المغرب وسلم ثم دخل في التكلم انه بمنزلة الكلام استأنف الصلاة.
ولنا أنه أهمل عملا من جنس الصلاة سهوا فلم تبطل صلاته كما لو زاد خامسة
وأما إتمام الاولى بالثانية فلا يصح لانه قد خرج من الاولى بالسلام ونية الخروج منها ولم ينوها بعد ذلك ونية غيرها لا تجزئ.
عن نيتها كحالة الابتداء (فصل) فان تكلم في هذه الحال - يعني إذا سلم يطن أن صلاته قد تمت - لغير مصلحة الصلاة كقوله يا غلام اسقني ماء ونحوه بطلت صلاته نص عليه أحمد في رواية يوسف بن موسى وجماعة سواه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " رواه مسلم، وعن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم أحدنا صاحبه وهو إلى جنبه حتى نزلت (وقوموا لله قانتين) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام، رواه مسلم.
وفيه رواية ثانية ان الصلاة لا تفسد بالكلام في تلك الحال بحال وهو مذهب مالك والشافعي لانه نوع من النسيان ولذلك تكلم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبنوا على صلاتهم (مسألة) (وان تكلم لمصلحتها ففيه ثلاث روايات (احداها) لا تبطل (والثانية) تبطل (والثالثة) تبطل صلاة المأموم دون الامام اختارها الخرقي) وجملة ذلك أن من سلم عن نقص في صلاته كما
ذكرنا ثم تكلم لمصلحتها ففيه ثلاث روايات (أحداها) أن الصلاة لا تفسد لان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تكلموا في صلاتهم في حديث ذي اليدين وبنوا على صلاتهم.
وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
لنا أسوة حسنة، وهذا مذهب مالك والشافعي ونص عليه أحمد في رواية جماعة من أصحابه وممن روي أنه تكلم بعد أن سلم وأتم صلاته الزبير وابناه، وصوبه ابن عباس وهو الصحيح إن شاء الله تعالى (والثانية) تفسد صلاتهم وهو قول الخلال ومذهب أصحاب الرأي لعموم أحاديث النهي (والثالثة) أن صلاة الامام لا تفسد لان النبي صلى الله عليه وسلم كان إماما فتكلم وبنى على صلاته، وصلاة المأمومين تفسد لانه لا يصح اقتداؤهم بأبي بكر وعمر لانهما تكلما مجيبين للنبي صلى الله عليه وسلم وإجابته واجبة عليهما ولا بذي اليدين لانه تكلم سائلا عن نقص الصلاة في وقت يمكن ذلك فيها، وهذا غير موجود في زماننا، وهذا اختيار الخرقي وربما خصصناه بالكلام في شأن الصلاة لان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه انما تكلموا في شأن الصلاة (مسألة) قال (وإن تكلم في صلب الصلاة بطلت، وعنه لا تبطل إذا كان ساهيا أو جاهلا ويسجد له) متى تكلم عامدا عالما أنه في الصلاة مع علمه بتحريم ذلك لغير مصلحة الصلاة ولا لامر يوجب الكلام بطلت صلاته إجماعا حكاه ابن المنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس " وعن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم أحدنا صاحبه إلى جنبه حتى نزلت (وقوموا لله قانتين) فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام، رواهما مسلم.
وعن ابن مسعود قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من
عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد فقلنا يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصباح فترد علينا؟ قال " ان في الصلاة لشغلا " متفق عليه.
ولابي داود " إن الله يحدث من أمره ما يشاء وقد أحدث أن لا تتكلموا في الصلاة " (فصل) فأما إن تكلم جاهلا بتحريم ذلك في الصلاة فقال القاضي في الجامع: لا أعرف عن
أحمد نصا في ذلك.
وقد ذكر شيخنا فيه ههنا روايتين (أحداهما) تبطل صلاته لانه ليس من جنسه ما هو مشروع في الصلاة أشبه العمل الكثير ولعموم أحاديث النهي (والثانية) لا تبطل لما روى معاوية ابن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه (1) ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت (2) فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني (3) ولا ضربني ولا شتمني ثم قال " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس انما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه مسلم.
فلم يأمره بالاعادة فدل على صحتها، وهذا مذهب الشافعي وفي كلام الناسي روايتان (احداهما) لا تبطل وهو قول مالك والشافعي لان النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في حديث ذي اليدين، وقد ذكرنا حديث معاوية، وما عذر فيه بالنسيان عذر فيه بالجهل
__________
1) عند أحمد ومسلم وغيرهما وثكل أماء وزيادة الياء رواية أبي داود كما في نيل الاوطار 2) أي لم أتكلم أولم أكملهم لكني سكت 3) قوله ما كهرني معناه ما انتهرني أو ما عبس في وجهي
(والثانية) تفسد صلاته وهو قول النخعي وأصحاب الرأي لعموم أحاديث المنع من الكلام وإذا قلنا أنه لا يبطل الصلاة سجد لعموم الاحاديث، ولان عمده يبطل الصلاة فوجب السجود لسهوه كترك الواجبات والله أعلم (فصل) فان تكلم في صلب الصلاة لمصلحة الصلاة مع علمه أنه في الصلاة بطلت صلاته لعموم الاحاديث.
وذكر القاضي في ذلك الروايات الثلاث التي ذكرناها في المسألة التي قبلها ويحتمله كلام الخرقي لعموم لفظه، وهو مذهب الاوزاعي فانه قال: لو أن رجلا قال للامام وقد جهر بالقراءة في العصر: انها العصر، لم تفسد صلاته، ولان الامام يطرقه حال يحتاج إلى الكلام فيها وهو ما لو نسي
القراءة في ركعة فذكرها في الثانية فقد فسدت عليه ركعة فيحتاج أن يبدلها بركعة هي في ظن المأمومين خامسة ليس لهم موافقته فيهاو لا سبيل إلى اعلامهم بغير الكلام، وقد يشك في صلاته فيحتاج إلى السؤال (1) قال شيخنا: ولم أعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته ولا عن الامام نصا في الكلام في غير الحال التي سلم معتقدا تمام صلاته ثم تكلم بعد السلام، وقياس الكلام في صلب الصلاة عالما بها على هذه الحال ممتنع لان هذه حال نسيان لا يمكن التحرز من الكلام فيها وهي أيضا حال يتطرق الجهل
__________
1) زاد في المغني هنا: فلذلك أبيع له الكلام.
إلى صاحبها بتحريم الكلام فيها فلا يصح قياس ما يفارقها في هذين الامرين عليها، وإذا عدم النص والقياس والاجما امتنع ثبوت الحكم لانه بغير دليل ولا سبيل إليه والله أعلم (فصل) فان تكلم مغلوبا على الكلام فهو ثلاثة أنواع (أحدها) أن يخرج الحروف من فيه بغير اختياره مثل أن يتثاءب فيقول هاه أو يتنفس فيقول آه أو يسعل فينطق بحرفين أو يغلط في القرآن فيأتي بكلمة من غير القرآن أو يغلبه البكاء فلا تفسد صلاته في المنصوص عنه فيمن غلبه البكاء وقد كان عمر يبكي حتى يسمع له نشيج.
وقال مهنا: صليت إلى جنب أبي عبد الله فتثاءب خمس مرات وسمعت لتثاؤبه هاه هاه وهذا لان الكلام ههنا لا ينسب إليه ولا يتعلق به حكم من أحكام الكلام، وقال القاضي فيمن تثاءب فقال هاه تفسد صلاته، وهذا محمول على أن من فعل ذلك غير مغلوب عليه لما ذكرنا.
وذكر ابن عقيل فيه احتمالين (أحدهما) تبطل صلاته لان لا يشرع جنسه في الصلاة أشبه الحدث (والثاني) لا تبطل لما ذكرنا (النوع الثاني) أن ينام فيتكلم فقد توقف أحمد عن الكلام فيه والاولى إلحاقه بالفصل الذي قبله لان القلم مرفوع عنه، وكذلك ليس لعتقه ولاطلاقه حكم، وقال ابن عقيل في النائم إذا تكلم بكلام الآدميين انبنى على كلام الناسي في أصح الروايتين (النوع الثالث) أن يكره على الكلام فيحتمل أن يكون ككلام الناسي لان النبي صلى الله عليه وسلم جمع
بينهما في العفو بقوله " عفي لامتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " قال القاضي وهذا أولى بالعفو وصحة الصلاة لان الفعل غير منسوب إليه، ولهذا لو أكره على اتلاف مال لم يضمنه، والناسي يضمن ما أتلفه قال شيخنا والصحيح ان شاء الله ان صلاته تفسد لانه أتى بما يفسد الصلاة عمدا أشبه مالو أكره على صلاة الفجر أربعا وقياسه على الناسي لا يصح لوجهين (أحدهما) أن النسيان يكثر بخلاف الاكراه (الثاني) أنه لو نسي فزاد في الصلاة أو نقص لم تفسد صلاته ولم يثبت مثله في الاكراه.
والصحيح عند أصحاب الشافعي أن الصلاة لا تبطل بشئ من هذه الانواع (فصل) فان تكلم بكلام واجب كمن خشي على ضرير أو صبي أو رأى حية ونحوها تقصد غافلا أو يرى نارا يخاف أن تشتعل في شئ ونحو هذا ولم يمكن التنبيه بالتسبيح فقال أصحابنا تبطل الصلاة وهو قول بعض أصحاب الشافعي لما ذكرنا من كلام المكره قال شيخنا: ويحتمل أن لا تبطل الصلاة، وهو ظاهر كلام أحمد لانه قال في حديث ذي اليدين: انما كلم النبي صلى الله عليه وسلم القوم حين كلمهم لانه كان عليهم أن يجيبوه فعلل صحة صلاتهم بوجوب الكلام عليهم، وهذا كذلك وهو ظاهر مذهب الشافعي والحصيح عند أصحابه (فصل) وكل كلام حكمنا بأنه لا يفسد الصلاة فانما هو اليسير منه، فان كثر وطال أفسد الصلاة وهذا منصوص الشافعي.
قال القاضي في المجرد: كلام الناسي إذا طال يفسد رواية واحدة، وقال في
الجامع لا فرق بين القليل والكثير في ظاهر كلام أحمد، لان ما عفي عنه بالنسيان استوى قليله وكثيره كالاكل في الصيام وهو قول بعض الشافعية.
ووجه الاول أن دلالة الاحاديث المانعة من الكلام عامة تركت في اليسير بما ورد فيه من الاخبار فتبقى فيما عداه على مقتضى العموم، ولا يصح قياس الكثير عليه لعدم امكان التحرز من اليسير، ولان اليسير قد عفي عنه في العمل من غير جنس الصلاة بخلاف الكثير والكلام المبطل ما انتظم حرفين فصاعدا، هذا قول أصحابنا وأصحاب الشافعي لان الحرفين يكونان كلمة كقوله أب وأخ ويد ودم وكذلك الافعال والحروف لا تنتظم كلمة من أقل من حرفين ولو قال " لا " فسدت صلاته لانها حرفان لام وألف
(مسألة) (وإن قهقه أو نفخ أو انتحب فبان حرفان فهو كالكلام إلا ما كان من خشية الله تعالى، وقال أصحابنا في النحنحة مثل ذلك، وقد روي عن أبي عبد الله أنه كان يتنحنح في الصلاة ولا يراها مبطلة للصلاة) إذا ضحك فبان حرفان فسدت صلاته، وكذلك إن قهقه ولم يتبين حرفان وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي، وكذلك ذكره شيخنا في المغني.
وقال القاضي في المجرد: إن قهقه فبان حرف واحد لم تبطل صلاته، فان كان حرفان القاف والهاء فهو كالكلام تبطل إن كان عامدا وإن كان ساهيا أو جاهلا خرج على الروايتين وهو ظاهر قول الشيخ في هذا الكتاب.
قال ابن المنذر أجمعوا علي أن الضحك يفسد الصلاة، وأكثر أهل العلم على أن التبسم لا يفسدها، وقد روى الدارقطني
في سننه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " القهقهة تنقض الصلاة ولا تنقض الوضوء " (فصل) فأما النفخ فمتى انتظم حرفين أفسد الصلاة لانه كلام والا لم يفسدها، وقد قال أحمد: النفخ عندي بمنزلة الكلام.
وروي عن ابن عباس أنه قال: من نفخ في الصلاة فقد تكلم.
وروي عن أبي هريرة - إلا أن ابن المنذر قال: لا يثبت عن ابن عباس ولا أبي هريرة.
وروي عن أحمد أنه قال: أكرهه ولا أقول يقطع الصلاة ليس كلاما.
روي عن ابن مسعود وابن عباس وابن سيرين والنخعي وإسحاق، وجمع القاضي بين قولي أحمد فقال: الموضع الذي قال أحمد يقطع الصلاة إذ انتظم حرفين، والموضع الذي قال لا يقطع الصلاة إذا لم ينتظم منه حرفان.
وقال أبو حنيفة: إن سمع فهو بمنزلة الكلام وإلا فلا يضر.
قال شيخنا: والصحيح أنا لا يقطع الصلاة ما لم ينتظم منه حرفان لما روى عبد الله بن عمرو قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث إلى أن قال ثم نفخ فقال: أف أف.
وأما قول أبي حنيفة: فان أراد مالا يسمعه الانسان من نفسه فليس ذلك بنفخ، وإن أراد مالا يسمعه غيره فلا يصح لان ما أبطل الصلاة إظهاره أبطلها اسراره كالكلام (فصل) فأما البكاء والتأوه والانين فما كان مغلوبا عليه لم يؤثر لما ذكرنا من قبل وما كان غير ذلك، فان كان لغير خشية الله أفسد الصلاة، وان كان من خشية الله فقال القاضي وأبو الخطاب: التأوه والبكاء لا يفسد الصلاة وكذلك الانين.
وقال القاضي: التأوه ذكر مدح الله تعالى ابراهيم به
فقال (ان ابراهيم لاواه حليم) والذكر لا يفسد الصلاة، ولان الله سبحانه وتعالى مدح الباكين فقال (خروا سجدا وبكيا) وروى مطرف عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل، رواه الخلال.
قلت: رواه أحمد وأبو داود.
وقال عبد الله بن شداد سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف، وقال شيخنا: لم أر عن أحمد في البكاء ولا في الانين شيئا والاشبه بأصوله أنه متى فعله مختارا فسدت صلاته فانه قال في رواية مهنا في البكاء: لا يفسد الصلاة ما كان من غلبة، ولان الحكم لا يثبت إلا بنص أو قياس أو اجماع وعموم النصوص تمنع من الكلام كله، ولم يرد في الانين والتأوه نص خاص، والمدح على التأوه لا يخصصه كتشميت العاطس، ورد السلام، والكلمة الطيبة (فصل) فأما النحنحة فقال أصحابنا: هي كالنفخ إن بان منها حرفان بطلت صلاته.
وقد روى المروذي قال: كنت آتي أبا عبد الله فيتنحنح في صلاته لاعلم أنه يصلي.
وقال مهنا: رأيت أبا عبد الله يتنحنح في الصلاة فقال أصحابنا: وهذا محمول على انه لم يأت بحرفين.
قال شيخنا: وظاهر حال أحمد أنه لم يعتبر ذلك لانها لا تسمى كلاما وتدعو الحاجة إليها.
وقد روي عن علي رضي الله عنه قال: كان لي ساعة في السحر أدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فان كان في صلاة يتنحنح فكان ذلك اذني، رواه الخلال.
واختلفت الرواية عن أحمد في كراهية تنبيه المصلي بالنحنحة فقال في موضع لا يتنحنح في الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا نابكم شئ في صلاتكم فالتسبيح للرجال، والتصفيق
للنساء " وقد روى الاثرم أنه كان يتنحنح ليعلمه أنه يصلي، وحديث علي يدل عليه وهو خاص فيقدم على العام (فصل) إذا سلم على المصلي لم يكن له رد السلام بالكلام فان فعل ذلك بطلت صلاته، روي نحو ذلك عن أبي ذر وهو قول مالك والشافعي.
وكان سعيد بن المسيب والحسن وقتادة لا يرون به بأسا.
وروي عن أبي هريرة أنه أمر بذلك، وقال اسحاق: ان فعله متأولا جازت صلاته ولنا ما روى عبد الله بن مسعود قال كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا؟ قال " ان في الصلاة لشغلا " متفق عليه.
ولابي داود " إن الله يحدث من أمره ما يشاء وقد أحدث
أن لا تتكلموا في الصلاة " وروى جابر قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعئي في حاجة فرجعت وهو يصلي على راحلته ووجهه إلى غير القبلة فسلمت عليه فلم يرد علي فلما انصرف قال " أما انه لم يمنعني أن أرد عليك الا أني كنت أصلي " ولانه كلام أدمي أشبه تشميت العاطس، إذ ثبت ذلك فأنه يرد السلام بالاشارة، وهذا قول مالك والشافعي وإسحاق، وروى عن ابن عباس أن موسى بن جميل سلم عليه وهو يصلي فقبض ابن عباس على ذراعه فكان ذلك رد ابن عباس وذلك لما روى صهيب قال مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه وكلمته فرد على إشارة، وعن ابن عمر قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصلي فجاءته الانصار فسلموا عليه وهو يصلي قال قلت لبلال كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون
عليه وهو يصلي؟ قال يقول هكذا (1) وبسط يعني كفه وجعل بطنه أسفل وظهره إلى فوق، رواهما أبو داود والترمذي وقال كلا الحديثين صحيح، وان رد عليه بعد فراغه من الصلاة فحسن لان في حديث ابن مسعود قال فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي فأخذني ما قدم وما حدث فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال " ان الله يحدث من أمره ما يشاء وقد أحدث أن لا تتكلموا في الصلاة " (فصل) وإذا دخل على قوم وهم يصلون فلا بأس أن يسلم عليهم قاله أحمد.
وروى ابن المنذر عنه أنه سلم على مصل وفعل ذلك ابن عمر وقال ابن عقيل يكره وكرهه عطاء وأبو مجلز والشعبي واسحاق لانه ربما غلط المصلي فرد بالكلام، ووجه تجويزه قوله تعالى (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم) أي على أهل دينكم ولان النبي صلى الله عليه وسلم حين سلم عليه أصحابه لم ينكر ذلك (فصل) وأما النقص فمتى ترك ركنا فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت التي تركه منها، وان ذكره قبل ذلك عاد فأتى به وبما بعده، فان لم يعد بطلت صلاته.
وجملته أنه متى ترك ركنا سجودا أو ركوعا ساهيا فلم يذكر حتى شرع في قراءة الركعة التي تليها بطلت الركعة التي ترك منها الركن وصارت التي تليها مكانها نص عليه أحمد في رواية جماعة.
قال الاثرم سألت أبا عبد الله عن رجل صلى ركعة ثم قام ليصلي أخرى فذكر أنه انما سجد للركعة الاولي سجدة واحدة فقال
__________
1) أي يفعل هكذا
ان كان أول ما قام قبل أن يحدث عملا للاخرى فانه ينحط ويسجد ويعتد بها، وان كان قد أحدث عملا للاخرى ألغى الاخرى وجعل هذه الاولى قلت: فيستفتح أو يجتزئ.
بالاستفتاح الاول قال: يجزئه الاول قلت: فنسي سجدتين من ركعتين قال: لا يعتد بتينك الركعتين.
وهذا قول إسحاق وقال الشافعي: ان ذكر الركن المتروك قبل السجود في الثانية فانه يعود إلى سجدة الاولى، وان ذكره بعد سجوده في الثانية وقعت عن الاولى لان الركعة الاولى قد صحت وما فعله في الثانية سهوا لا يبطل الاولى كما لو ذكر قبل القراءة، وقد ذكر احمد هذا القول عن الشافعي وقربه الا أنه اختار الاول.
وقال مالك: ان ترك سجدة فذكرها قبل رفع رأسه من ركوع الثانية ألغى الاولى.
وقال الحسن والاوزاعي من نسي سجدة ثم ذكرها في الصلاة سجدها متى ذكرها.
وقال الاوزاعي: يرجع إلى حيث كان من الصلاة وقت ذكرها فيمضي فيها.
وقال أصحاب الرأي نحو قول الحسن ولنا أن المزحوم في الجمعة إذا زال الزحام والامام راكع في الثانية فانه يتبعه ويسجد معه ويكون السجود من الثانية دون الاولى كذا هنا.
وأما إذا ذكرها قبل ذلك عاد فأتى به وبما بعده لانه ذكره في موضعه فلزمه الاتيان به كما لو ترك سجدة من الركعة الاخيرة فذكرها قبل السلام فانه يأتي بها في الحال، وان علم بعد السلام فهو كترك ركعة كاملة ان طال الفصل أو أحدث ابتدأ الصلاة لتعذر البناء وان ذكر قريبا أتى بركعة كاملة لما ذكرنا من أن الركعة التي ترك الركن منها بطلت بالشروع في غيرها
(فصل) فان مضى في موضع يلزمه الرجوع أو رجع في موضع يلزمه المضي عالما بتحريمه بطلت صلاته لتركه الواجب عمدا، وان فعله يعتقد جوازه لم تبطل لانه تركه غير متعمد أشبه مالو مضى قبل ذكر المتروك لكن إذا مضى في موضع يلزمه الرجوع فسدت الركعة التي ترك ركنها كما لو لم يذكر الا بعد الشروع في القراءة، وان رجع في موضع المضي لم يعتد بما فعله في الركعة التي تركه منها لانها فسدت بشروعه في قراءة غيرها فلم يعد إلى الصحة بحال (مسألة) (وان نسي أربع سجدات من أربع ركعات وذكر وهو في التشهد سجد سجدة فصحت
له ركعة ويأتي بثلاث، وعنه تبطل صلاته) هذه المسألة مبنية على المسألة التي قبلها وهو أنه متى ترك ركنا من ركعة فلم يذكرها حتى شرع في قراءة التي بعدها بطلت، فههنا لما شرع في قراءة الثانية بطلت الاولى فلما شرع في قراءة الثالثة قبل إتمام الثانية بطلت الثانيه، وكذلك الثالثة تبطل بشروعه في الرابعة فبقيت الرابعة ولم يسجد فيها الا سجدة واحدة، فيسجد الثانية حين يذكر وتتم له ركعة ويأتي بثلاث ركعات، وبهذا قال مالك والليث.
وفيه رواية أن صلاته تبطلا لان هذا يؤدي إلى التلاعب بالصلاة ويلغي عملا كثيرا في الصلاة وهو مابين التحريمة والركعة الرابعة، وهذا قول اسحاق.
وقال الشافعي: يصح له ركعتان على ما ذكرنا في المسألة التي قبلها، وهو أنه إذا قام إلى الثانية سهوا قبل تمام الاولى كان عمله فيها لغوا فلما سجد فيها انضمت سجدتها إلى سجدة الاولى فكملت له ركعة وهكذا الحكم في الثالثة والرابعة.
وحكي الامام احمد هذا القول عن الشافعي ثم قال: هو أشبه من
من قول أصحاب الرأي.
وقال الاثرم: فقلت له فانه إذا فعل لا يستقيم لانه انما نوى بهذه السجدة عن الثانية قال: فلذلك أقول أنه يحتاج أن يسجد لكل ركعة سجدتين قال شيخنا: ويحتمل أن يكون القول المحكي عن الشافعي هو الصحيح وان يكون قولا لاحمد لانه قد حسنه واعتذر عن المصير إليه بكونه انما نوى بالسجدة الثانية عن الثانية، وهذا لا يمنع جعلها عن الاولى، وقال الثوري وأصحاب الرأي يسجد في الحال أربع سجدات، وهذا فاسد لان ترتيب الصلاة شرط لا يسقط بالسهو كما لو نسي فقدم السجود على الركوع فان لم يذكر حتى سلم ابتدأ الصلاة لان الركعة الاخيرة بطلت بسلامه في منصوص أحمد فحينئذ يستأنف الصلاة (فصل) إذا ترك ركنا ولم يعلم موضعه بنى الامر فيه على أسوإ الاحوال مثل أن يترك سجدة لا يعلم أمن الرابعة هي أم من غيرها؟ يجعلها مما قبلها لانه يلزمه ركعة كاملة، ولو جعلها من الرابعة أجزأه سجدة وان ترك سجدتين لا يعلم أمن ركعتين أم من ركعة جعلهما من ركعتين ليلزمه ركعتان وإن ترك ركنا من ركعة وعلم وهو فيها ولم يعلم أركوع هو أم سجود، جعله ركوعا، وعلى قياس هذا يأتي بما يتيقن به إتمام صلاته لئلا يخرج منها وهو شاك فيها فيكون مغرورا بها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
" لا غرار في صلاة ولا تسليم " رواه أبو داود.
قال الاثرم: سألت أبا عبد الله عن تفسير هذا الحديث فقال: أما أنا فأرى أن لا يخرج منها إلا على يقين أنها قد تمت
(مسألة) (وان نسي التشهد الاول ونهض لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائما فان استتم قائما لم يرجع وان رجع جاز وان شرع في القراءة لم يجز له الرجوع وعليه السجود لذلك كله) إذا ترك التشهد الاول ناسيا وقام لم يخل من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يذكره قبل أن يعتدل قائما فيلزمه الرجوع للتشهد، وممن قال يجلس علقمة والضحاك وقتادة والاوزاعي والشافعي وابن المنذر، وقال مالك ان فارقت أليتاه الارض لم يرجع وقال حسان بن عطية: إذا تجافت ركبتاه عن الارض مضى ولنا ما روى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس فإذا استتم قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو " رواه أبو داود وابن ماجه (الثاني) ذكره بعد اعتداله قائما وقبل شروعه في القراءة فالاولى أن لا يرجع لحديث المغيرة وان رجع جاز، نص عليه كما ذكره قبل الاعتدال.
وقال النخعي: يلزمه الرجوع ما لم يستفتح القراءة قال شيخنا: ويحتمل أن لا يجوز له الرجوع ههنا لحديث المغيرة ولانه شرع في ركن فلم يجز له الرجوع كما لو شرع في القراءة (الامر الثالث) ذكره بعد الشروع في القراءة فلا يجوز له الرجوع في قول أكثر أهل العلم، وممن روي عنه أنه لا يرجع عمر وسعد وابن مسعود والمغيرة بن شعبة والنعمان بن بشير وابن الزبير وغيرهم وقال الحسن: يرجع ما لم يركع، والصحيح الاول لحديث المغيرة ولانه شرع في ركن مقصود فلم يجز له الرجوع كما لو شرع في الركن، إذا ثبت ذلك فانه يسجد للسهو في جميع هذه
المسائل لحديث المغيرة، ولما روى عبد الله بن مالك بن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الاوليين ولم يجلس فقام الناس معه فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم، متفق عليه (فصل) فان علم المأمومون بتركه التشهد الاول قبل قيامهم وبعد قيام الامام تابعوه في القيام ولم
يجلسوا، حكاه الآجري عن أحمد، وهو قول مالك والشافعي وأهل العراق ولا نعلم فيه مخالفا لان النبي لما قام حين سها عن التشهد قام الناس معه، وفعله جماعة من الصحابة فروى الامام أحمد باسناده عن زياد بن علاثة قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه رواه الآجري عن عقبة بن عامر وقال: اني سمعتكم تقولون سبحان الله لكيما أجلس وليست تلك السنة، انما السنة التي صنعت.
فأما إن سبحوا به قبل قيامه ولم يرجع تشهدوا لانفسهم ولم يتابعوه لانه ترك واجبا عليه فلم يكن لهم متابعته في تركه، ولو رجع إلى التشهد بعد شروعه في القراءة لم يتابعوه أيضا لانه أخطأ.
فأما الامام فان فعل ذلك عالما بتحريمه بطلت صلاته لانه زاد في الصلاة من جنسها عمدا، أو ترك واجبا عمدا، وإن فعله ناسيا أو جاهلا بالتحريم لم تبطل لانه زاده سهوا، ومتى علم بتحريم ذلك وهو في التشهد نهض ولم يتم الجلوس
(فصل) فان ذكر الامام التشهد قبل انتصابه وقبل قيام المأمومين وشروعهم في القراءة فرجع لزمهم الرجوع لانه رجع إلى واجب فلزمهم متابعته ولا اعتبار بقيامهم قبله (فصل) وإن نسي التشهد دون الجلوس فالحكم فيه كما لو نسيهما لان التشهد هو المقصود.
فأما ان نسي شيئا من الاذكار الواجبة غير التشهد كتسبيح الركوع والسجود، وقول رب اغفر لي بين السجدتين، وقول رنبا ولك الحمد، فانه لا يرجع إليه بعد الخروج من محله لان محل الذكر ركن وقع مجزئا صحيحا فلو رجع إليه لكان زيادة في الصلاة وتكرارا لركن ثم يأتي بالذكر في ركن غير مشروع بخلاف التشهد لكن يمضي ويسجد للسهو كترك التشهد (فصل) فان قام من السجدة الاولى ولم يجلس جلسة الفصل فهذا قد ترك جلسة الفصل والسجدة الثانية، ومتى ذكر قبل الشروع في القراءة لزمه الرجوع بغير خلاف علمناه، فإذا رجع جلس جلسة الفصل ثم سجد الثانية.
وقال بعض الشافعية: لا يحتاج إلى الجلوس لان الفصل قد حصل بالقيام ولا يصح لان الجلسة واجبة فلم ينب عنها القيام كما لو قصد ذلك، فأما إن قام بعد أن جلس للفصل فانه يسجد ولا يلزمه جلوس، وقيل يلزمه ليكون سجود عن جلوس، ولا يصح لانه قد أتى بالجلسة
فلم تبطل بالسهو بعدها كالسجدة الاولى، فان كان يظن أنه سجد سجدتين وجلس للاستراحة لم يجزئه عن جلسة الفصل لانها سنة فلا تنوب عن الواجب كما لو ترك سجدة من ركعة ثم سجد للتلاوة
فانها لا تجزئ.
عن سجدة الصلاة والله أعلم (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وأما الشك فمتى شك في عدد الركعات بنى على اليقين، وعنه يبني على غالب ظنه، وظاهر المذهب أن المنفرد يبني على اليقين، والامام على غالب ظنه) متى شك في عدد الركعات ففيه ثلاث روايات (إحداها) أن يبني على اليقين اماما كان أو منفردا اختارها أبو بكر.
ويروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وابن عمرو، وهو قول ربيعة ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وإسحاق لما روى أبو سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فان كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وان كان صلى تمام الاربع كانتا ترغيما للشيطان " رواه مسلم.
وعن عبد الرحمن بن عوف (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أو نقص، فان كان شك في الواحدة والثنتين فليجعلها واحدة، فان لم يدر اثنتين صلى أو ثلاثا فيجعلهما اثنتين، فان لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا فيجعلها ثلاثا حتى يكون الشك في الزيادة ثم ليسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم ثم يسلم " رواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث صحيح ولان الاصل عدم ما شك فيه فينبني على عدمه كما لو شك في ركوع أو سجود (والثانية) أن يبني على غالب ظنه إماما كان أو منفردا، نقلها عنه الاثرم، روي ذلك عن علي بن أبي طالب وابن مسعود
__________
1) ذكر الحافظ في التلخيص أن حديث عبد الرحمن معلول وساق رواياته وحقق انه ضعيف
رضي الله عنهما، وهو قول النخعي، وبه قال أصحاب الرأي إذا تكرر ذلك منه، وان كان أول ما أصابه أعاد لقوله عليه السلام " لا غرار في صلاة ولا تسليم " ووجه هذه الرواية ما روى عبد الله ابن مسعدو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب وليتم عليه ثم
يسجد سجدتين " متفق عليه، وللبخاري " بعد التسليم " وفي لفظ " فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب " ولابي داود " إذا كنت في صلاة فشككت في ثلاث وأربع وأكثر ظنك على أربع تشهدت ثم سجدت سجدتين وأنت جالس ".
والامام يبني على غالب ظنه لحديث ابن مسعود جمعا بين الاحاديث، وهذه المشهورة عن أحمد، اختارها الخرقي.
وانما خصصنا الامام بالبناء على غالب ظنه لان له من ينبهه ويذكره إذا أخطأ فيتأكد عنده صواب نفسه، ولانه ان أصاب أقره المأمومون، وان أخطأ سبحوا به فرجع إليهم فيحصل له الصواب في الحالين بخلاف المنفرد إذ ليس له من يذكره فيبني على اليقين ليحصل له اتمام صلاته.
وما قاله أصحاب الرأي فيخالف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ان أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس " متفق عليه، وقوله عليه السلام " لاغرار في صلاة " يعني لا ينقص من صلاته ويحتمل أنه أراد ولا يخرج منها وهو شاك في اتمامها، ومن بنى على اليقين لم يخرج وهو شاك، وكذلك
الامام إذا بنى على غالب ظنه فوافقه المأمومون أو رد عليه فرجع إليهم (مسألة) (فان استوى الامران عنده بنى على اليقين) إماما كان أو منفردا وأتى بما بقي عليه من صلاته وسجد للسهو لما ذكرنا من الاحاديث ولان الاصل البناء على اليقين، وانما جاز تركه في حق الامام لمعارضة الظن الغالب فيبقى فيما عداه على الاصل (مسألة) (ومن شك في ترك ركن فهو كتركه) إذا شك في ترك ركن من أركان الصلاة وهو فيها فحكمه حكم تركه إماما كان أو منفردا لان الاصل عدمه، وإن شك في ترك واجب يوجب تركه السجود ففيه وجهان (أحدهما) لا سجود عليه، قاله ابن حامد لانه شك في سببه فلم يجب السجود له كما لو شك في الزيادة (والثاني) يسجد له ذكره القاضي لان الاصل عدمه، والصحيح وجوب السجود إلا على الرواية التي تقول إن هذه سنن فلا يجب والله أعلم.
وإن شك في زيادة توجب السجود فلا سجود عليه لان الاصل عدمها فلا يجب السجود بالشك فيها.
ولو شك في عدد الركعات
أو في ركن ثم ذكره في الصلاة لم يسجد لان السجود لزيادة أو نقص أو احتمال ذلك ولم يوجد وانما يؤثر الشك في الصلاة إذا وجد فيها، فان شك بعد سلامها لم يلتفت إليه لان الظاهر أنه أتى بها على الوجه المشروع ولان ذلك يكثر فيشق الرجوع إليه، وهكذا الشك في سائر العبادات
(مسألة) (وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد) وجملته ان المأموم إذا سها دون امامه لم يلزمه سجود في قول عامة أهل العلم.
وحكي عن مكحول انه قام عند قعود امامه فسجد ولنا ان معاوية بن الحكم تكلم خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمره بسجود، وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس على من خلف الامام سهو، فان سها امامه فعليه وعلى من خلفه " رواه الدار قطني.
فأما إذا سها الامام فعلى المأموم متابعته في السجود سواء سها معه أو تفرد الامام بالسهو اجماعا، كذلك حكاه اسحاق وابن المنذر، وسواء كان السجود قبل السلام أو بعده لحديث ابن عمر ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " انما جعل الامام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا " (فصل) وإذا كان المأموم مسبوقا فسها الامام فيما لم يدركه فيه فعليه متابعته في السجود سواء كان قبل السلام أو بعده، روي هذا عن عطاء والحسن والنخعي وأصحاب الرأي، وقال ابن سيرين يقضي ثم يسجد، وقال مالك والليث والاوزاعي والشافعي في السجود قبل السلام كقولنا، وقول ابن سيرين فيما بعده، وروي ذلك عن أحمد لانه فعل خارج الصلاة فلم يتبع الامام فيه كصلاة أخرى.
وعن أحمد رواية أخرى انه مخير بين متابعة امامه وتأخير السجود إلى آخر صلاته حكاه ابن أبي موسى ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإذا سجد فاسجدوا " وقوله في حديث ابن عمر " فان سها امامه فعليه وعلى من خلفه؟ ولان السجود من تمام الصلاة فيتابعه فيه كالذي قبل السلام وكغير المسبوق، وفارق صلاة أخرى فانها غير مؤتم به فيها إذا ثبت انه يتابع امامه، فإذا قضى ففي اعادة السجود روايتان (احداهما) يعيده لانه قد لزمه حكم السهو، وما فعله من السجود مع الامام كان متابعة له
فلا يسقط به ما لزمه كالتشهد الاخير (والثانية) لا يلزمه السجود لان سجود امامه قد كملت به
الصلاة في حقهما وحصل به الجبران فلم يحتج إلى سجود ثان كالمأموم إذا سها وحده.
وللشافعي قولان كالروايتين، فان نسي الامام السجود سجد المسبوق في آخر صلاته رواية واحدة لانه لم يوجد من الامام ما يكمل به صلاة المأموم.
وكذلك ان لم يسجد مع الامام وإذا سها المأموم بعد مفارقة امامه في القضاء سجد رواية واحدة لانه قد صار منفردا فلم يتحمل عنه الامام السجود، وكذلك لو سها فسلم مع امامه قام فأتم وسجد بعد السلام كالمنفرد (مسألة) (فان لم يسجد الامام فهل يسجد المأموم؟ على روايتين) يريد غير المسبوق إذا سها امامه فلم يسجد المأموم فيه روايتان (أحداهما) يسجد اختارها ابن عقيل وقال هي أصح لان صلاة المأموم نقصت بسهو امامه ولم تنجبر بسجوده فيلزم المأموم جبرها وهذا مذهب ابن سيرين وقتادة ومالك والليث والشافعي (والثانية) لا يسجد روي ذلك عن عطاء والحسن والقاسم وحماد بن أبي سليمان والثوري وأصحاب الرأي لان المأموم انما يسجد تبعا فإذا لم يسجد الامام لم يوجد المقتضي لسجود المأموم.
هذا إذا تركه الامام لعذر فان تركه قبل السلام عمدا وكان ممن لا يرى وجوبه فهو كتركه سهوا وان كان يعتقد وجوبه بطلت صلاته لانه ترك الواجب عمدا، وهل تبطل صلاة المأموم؟ فيه وجهان (أحدهما) تبطل لبطلان صلاة الامام كما لو ترك التشهد الاول (والثاني) لا تبطل لانه لم يبق من الصلاة الا السلام
(فصل) وإذا قام المأموم لقضاء ما فاته فسجد إمامه بعد السلام وقلنا تجب عليه متابعة إمامه فحكمه حكم القائم عن التشهد الاول وإن لم يستتم قائما لزمه الرجوع وإن استتم قائما لم يرجع وإن رجع جاز وإن شرع في القراءة لم يجز له الرجوع نص عليه أحمد في رواية الاثرم لانه قام عن الواجب إلى ركن أشبه القيام عن التشهد الاول، وذكر ابن عقيل فيه روايات ثلاث (احداها) يرجع لان امامه نفذ في الاداء ولانه سجود في الصلاة أشبه سجود صلبها (والثانية) لا يعود لانه نهض إلى ركن (والثالثة) هو مخير لان سجود السهو أخذ شبها من سجود صلب الصلاة من حيث انه سجود وشبها من التشهد الاول لكونه يسقط بالسهو فلذلك جبر، وما ذكرناه أولى (فصل) وليس على المسبوق ببعض الصلاة سجود لذلك في قول أكثر أهل العلم ويروى عن
ابن عمر وابن الزبير وأبي سعيد ومجاهد وإسحاق فيمن أدرك وترا من صلاة إمامه سجد للسهو لانه يجلس للتشهد في غير موضع التشهد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " وما فاتكم فأتموا " ولم يأمر بسجود وقد فات النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصلاة مع عبد الرحمن بن عوف فقضى ولم يكن لذلك سجود، والحديث متفق عليه وقد جلس في غير موضع تشهده، ولان السجود انما شرع للسهو ولا سهو ههنا، ولان متابعة الامام واجبة فلم يسجد لفعلها كسائر الواجبات
(فصل) قال رحمه الله (وسجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب في ظاهر المذهب، وعن أحمد أنه غير واجب) قال شيخنا: ولعل مبنى هذه الرواية على أن الواجبات التي شرع السجود لجبرها غير واجبة فيكون جبرها غير واجب.
وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " كانت الركعة والسجدتان نافلة له " ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في حديث ابن مسعود وأبي سعيد وفعله، وقوله نافلة يعني أن له ثوابا فيه كما سميت الركعة أيضا نافلة وهي واجبة على الشاك بغير خلاف.
فاما المشروع لما لم يبطل عمده الصلاة فغير واجب.
قال أحمد إنما يجب السجود فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني وما كان في معناه ونقيس على زيادة خامسة سائر زيادات الافعال من جنس الصلاة وعلى ترك التشهد الاول ترك غيره من الواجبات وعلى التسليم من نقصان زيادات الاقوال المبطلة عمدا (مسألة) (ومحله قبل السلام، لا في السلام قبل إتمام صلاته، وفيما إذا بنى الامام على غالب ظنه، وعنه أن الجميع قبل السلام، وعنه ما كان من زيادة فهو بعد السلام، وما كان من نقص كان قبله) وجملة ذلك أن سجود السهو كله قبل السلام في ظاهر قول احمد إلا في الموضعين المذكورين وهي إذا سلم عن نقص في صلاته لحديث ذي اليدين وعمران بن حصين (والثاني) إذا بني الامام على غالب ظنه لحديث ابن مسعود، نص على ذلك في رواية الاثرم فقال: أنا أقول كل سهو جاء عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد فيه بعد السلام، فانه يسجد فيه بعد السلام، وسائر السهو يسجد فيه قبل السلام، وهو أصح في المعنى لانه من شأن الصلاة فيقضيه قبل التسليم كسجود صلبها، وهذا قول سليمان بن داود وابن أبي خيثمة وابن المنذر.
قال القاضي: لا يختلف قول احمد في هذين الموضعين أنه يسجد لهما بعد التسليم، وهذا اختيار الخرقي.
والروايتان الاخريان ذكرهما أبو الخطاب (إحداهما) جميع السجود قبل السلام، روي ذلك عن أبي هريرة والزهري والليث والاوزاعي، وهو مذهب الشافعي لحديث ابن بحينة وأبي سعيد.
قال الزهري: كان آخر الامرين السجود قبل السلام، ولانه تمام للصلاة فكان قبل سلامها كسائر أفعالها (والثانية) ما كان من زيادة كان بعد السلام لحديث ذي اليدين وحديث ابن مسعود حين صلى النبي صلى الله عليه وسلم خمسا، وما كان من نقص كان قبله لحديث ابن بحينة، وهذا مذهب مالك وأبي ثور والمزني، وقال أصحاب الرأي: جميع سجود السهو بعد السلام، وله فعله قبل السلام، روي نحو ذلك عن علي وسعد وابن مسعود وعمار وابن عباس وابن الزبير وأنس والحسن لحديث ذي اليدين وابن مسعود، وروى ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكل سهو سجدتان بعد التسليم " رواه سعيد عن عبد الله بن جعفر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم " رواهما أبو داود ولنا أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم السجود قبل السلام وبعده في أحاديث صحيحة وفيما ذكرناه عملا بالاحاديث كلها وجمعا بينها وذلك واجب مهما أمكن فان خبر النبي صلى الله عليه وسلم
حجة يجب المصير إليه، والعمل به، ولا يترك الا لمعارض مثله أو أقوى منه وليس في سجوده في موضع ما ينفي سجوده في موضع آخر ودعوى نسخ حديث ذي اليدين لا وجه له لان راوييه أبو هريرة وعمران بن حصين وهجرتهما متأخرة وقول الزهري مرسل ثم لا يقتضي نسخا فانه يجوزأن يكون آخر الامرين سجوده قبل السلام لوقوع السهو آخرا فيما يسجد له قبل السلام، وحديث ثوبان يرويه اسماعيل بن عياش وزهير بن سالم وفي روايته عن أهل الحجاز ضعف وحديث ابن جعفر من رواية مصعب بن شيبة، قال أحمد يروي المناكير، وقال النسائي منكر الحديث وفيه ابن أبي ليلى وهو ضعيف
قال الاثرم لا يثبت واحد منهما والله أعلم (مسألة) (وإن نسيه قبل السلام قضاه ما لم يطل الفصل أو يخرج من المسجد وعنه أنه يسجد وإن بعد) متى نسي سجود السهو قبل السلام قضاه بعد السلام ما لم يطل الفصل ما دام في المسجد وإن تكلم، وبه قال مالك والاوزاعي والشافعي وأبو ثور، وقال الحسن وابن سيرين إذا صرف وجهه عن القبلة لم يبن ولم يسجد، وقال أبو حنيفة إن تكلم بعد الصلاة سقط عنه سجود السهو لانه أتى بما ينافيها أشبه مالو أحدث ولنا ما روى ابن مسعدو أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام والكلام.
رواه مسلم، وفي حديث ابن مسعود أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خمسا فلما انفتل توشوش القوم فيما بينهم ثم سجد بعد انصرافه عن القبلة، ولانه إذا جاز اتمام الركعتين من الصلاة بعد الكلام والانصراف كما جاء في حديث ذي اليدين
وعمران بن حصين فالسجود أولى (فصل) فأما إن طال الفصل وخرج من المسجد لم يسجد، والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة، وذكر القاضي: أنه يسجد ما لم يطل الفصل لان النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى المسجد بعد خروجه منه في حديث عمران بن حصين لاتمام الصلاة والسجود أولى، وهذا قول الشافعي وقال الخرقي: يسجد ما كان في المسجد، فان خرج لم يسجد، وهو قول الحكم وابن شبرمة، وعنه أنه يسجد وإن خرج، وقد حكاها ابن أبي موسى عن أحمد، وهو أحد قولي الشافعي لانه جبران فأتى به بعد طول الفصل والخروج كجبرانات الحج، وهذا قول مالك إن كان لزيادة، وإن كان لنقص أتى به ما لم يطل الفصل لانه لتكميل الصلاة.
ووجه الاولى أنه لتكميل الصلاه فلا يأتي به بعد طول الفصل كركن من أركانها، وانما ضبطناه بالمسجد لانه محل الصلاة فاعتبرت فيه المدة كخيار المجلس (فصل) فان نسيه حتى شرع في صلاة أخرى سجد بعد فراغه منها في ظاهر كلام الخرقي ما كان في المسجد وعلى قول غيره: ان طال الفصل لم يسجد والا سجد (مسألة) (وكيفي لجميع السهو سجدتان الا أن يختلف محلهما ففيه وجهان) إذا سها سهوين
أو أكثر من جنس كفاه سجدتان بغير خلاف علمناه، وإن كان السهو من جنسين فكذلك حكاه ابن المنذر عن أحمد وهو قول أكثر أهل العلم منهم الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وذكر أبو بكر
فيه وجهين (أحدهما) ما ذكرنا (والثاني) يسجد سجودين، وهو قول الاوزاعي وابن أبي حاتم و عبد العزيز بن أبي سلمة إذا كان أحدهما قبل السلام، والآخر بعده لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لكل سهو سجدتان " رواه أبو داود وابن ماجه، وهذان سهوان، ولان كل سهو يقتضي سجودا وانما يتداخلان في الجنس الواحد.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين " وهذا يتناول السهو في موضعين، ولان النبي صلى الله عليه وسلم سها وتكلم بعد سلامه فسجد لهما سجودا واحدا، ولانه شرع للجبر فكفى فيه سجود واحد كما لو كان من جنس واحد، وحديثهم في إسناده مقال.
ثم ان المراد به لكل سهو في صلاة، والسهو وإن كثر داخل في لفظ السهو لانه اسم جنس فيكون التقدير لكل صلاة فيها سهو سجدتان يدل على ذلك انه قال " لكل سهو سجدتان بعد السلام " كذا رواية أبي داود، ولا يلزمه بعد السلام سجودان (فصل) ومعنى اختلاف محلهما أن يكون أحدهما قبل السلام والآخر بعده لاختلاف سببهما وأحكامهما.
وقال بعض أصحابنا: هو أن يكون أحدهما من نقص والآخر من زيادة، قال شيخنا: والاول أولى إن شاء الله تعالى، فإذا قلنا يسجد لهما سجودا واحدا سجد قبل السلام لانه أسبق وآكد، ولان الذي قبل السلام قد وجد سببه ولم يوجد قبله ما يوجب منع وجوبه ولا يقوم مقامه
فلزمه الاتيان به، وإذا سجد له سقط الثاني لاغناء الاول عنه (فصل) ولو أحرم منفردا فصلى ركعة ثم نوى متابعة الامام وقلنا بجواز ذلك فسها فيما انفرد فيه وسها إمامه فيما تابعه فيه فان صلاته تنتهي قبل صلاة إمامه، فعلى قولنا هما من جنس واحد إن كان محلهما واحدا، وعلى قول من فسر الجنسين بالزيادة والنقص يحتمل كونهما من جنسين، وهكذا
لو صلى من الرباعية ركعة ودخل مع مسافر فنوى متابعته فلما سلم أمامه قام ليتم ما عليه فقد حصل مأموما في وسط صلاته منفردا في طرفيها، فإذا سها في الوسط والطرفين جميعا فعلى قولنا إن كان محل سجودهما واحدا فهي جنس واحد، وان اختلف محل السجود فهي جنسان.
وقال بعض أصحابنا: هي جنسان.
ولاصحاب الشافعي فيها وجهان كهذين.
ووجه ثالث: أنه يسجد ست سجدات لكل سهو سجدتان
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: